الأربعاء، 21 مارس 2007

عربة العجائب في مصر المحروسة


أمل خيري

إن اختارك الله للسكنى في منطقة ليس لها وسيلة مواصلات إلا مترو الأنفاق بقلب العاصمة المصرية فأنت من سعداء الحظ؛ فإذا وقفت على رصيف المحطة لا تستطيع أن ترى القطار إن كان قادما أم لا ؟ من خلال كتل البشر المتراصة، إلا أنك ستعرف بالتأكيد أن القطار قد وصل حين تسمع صوت صفارته تخرق أذنيك، وحين تجد نفسك بقوة الدفع الخفية داخل القطار لا تدري إن كنت بكاملك داخل القطار أم بعضك.  ولكنك ستعرف بالتأكيد حين تجد الباب قد اندفع ليغلق على ذراعك أو إحدى قدميك، وتظل واقفا هكذا متدلي حتى يصل القطار بسلامة الله إلى المحطة التالية.

 وفي الغالب ستجد نفسك مرة أخرى بقوة الدفع الخفية خارج القطار حيث تدفعك الكتل البشرية الراغبة في النزول من القطار، وحينها تعاود الكرة مرة أخرى في محاولة للصعود مع الكتل الراغبة في الصعود وأنت لا تملك من أمر نفسك شيئا فأنت تُدفع مع النازلين وتُدفع مع الصاعدين حتى تلوح لك بارقة أمل في أن تجد موطئا لإحدى قدميك في عمق العربة.
 وفي أثناء رحلتك اليومية ذهابا وإيابا لا تملك إلا أن تكتم أنفاسك في وسط الزحام حتى تصل بسلامة الله .

ولا أدري لم تذكرت كلمات سطرها الأديب الكبير عبد الحميد جودة السحار في وصف عربات الترام في مصر المحروسة التي كانت منتشرة في القرن الماضي واختفت من شوارع مصر تماما.

 أخذت أقرأ كلماته مرارا وأنا واثقة أنه لم يكن يتحدث عن شيء سوى عربات مترو الأنفاق، وليس الترام الذي يقول واصفا إياه " تكدست أكوام البشر في داخل الترام ، وعلى جانبيه، ومن خلفه، ومن قدامه، واختلطت الأذرع والسيقان ، حتى أصبح من المستحيل أن تقع العين على هيئة إنسان ، فهذه ذراع ، وهذا رأس ، وهذا خصر، أما لمن هذا الرأس؟ ولمن هذه الذراع؟ وأين صاحب هذا الخصر أو هذه الساق؟ فهذا ما لم يفطن إليه إنسان، وكثيرا ما يخيل للناظر إلى الكتل البشرية المتراصة على سلم الترام ، أن للجسم الواحد رأسين ، أو للرأس الواحد جسمين ، وأن اغلب الواقفين على سلم الترام ينافسون ( البهلوان ) ، فهذا واضع طرف قدمه على حافة السلم ، وقابض على قائم الترام بأصبع ، وهذا متعلق في عنق آخر ، متعلق بسروال ثالث. وهكذا ".

انتهت كلمات الأديب الكبير في وصف الترام الذي لا يختلف عن مترو الأنفاق في شيء اللهم إلا أن القطار ليس له سلالم، وأن القطار متفرد بإحدى عجائب الدنيا السبع .

أتدرون ما هي هذه العجيبة ؟ إنها عربة السيدات أو ما اصطلح المصريون على تسميتها بعربة السيئات .

يثور الجدل العالمي الآن حول إعادة تشكيل عجائب الدنيا السبع غافلين عن هذه العربة التي إن قورنت بغيرها من العجائب تأتي في القمة بل إن هذه العربة نفسها تحتوي على كل العجائب معا في آن واحد.

ابتسمي أنت في عربة السيدات

في هذه العربة تجد المرأة كل ما يفرح القلب ويسره فقد افترشت مجموعة من الفتيات أرضية العربة لا يعنيهن الزحام ولا صراخ الراكبات أو حتى تعثر الواقفات في الكتل المتكدسة أرضا وهنا ترتفع عقيرة بعض الواقفات بالصراخ في وجوه الفتيات بضرورة الوقوف لإفساح المكان ثم يتطور الأمر للسباب ولكن لا حياة لمن تنادي فالفتيات يضعن في آذانهن السماعات الموصولة بأجهزة المحمول المسجل عليها أحدث الأغاني ويحاولن إثارة حفيظة الراكبات بإغماض أعينهن وكأنهن في عالم آخر بل إن بعضهن يتمايل على النغمات التي لا يسمعها غيرهن مما يزيد من حنق الواقفات اللاتي لا تجد إحداهن موطئا لقدميها ولا شيئا تستند عليه.

وفجأة يفرمل القطار فتندفع الواقفات بفعل نفس القوة الخفية فتتساقط إحداهن تلو الأخرى كقطع الدومينو فيرتفع الصراخ ثم تليها مرحلة الشجار الذي ينتهي دائما بالسباب وأحيانا بتشابك الأيدي وكيل الضربات تلو الأخرى .

كل واحدة من الواقفات كأنها برميل من البارود ينتظر من يلمسه لتنفجر كل شحنات الغضب المتراكمة في الصدور جراء خلافات مع الزوج أو مضايقات الأبناء أو مشاحنات العمل لتتناثر الكلمات الجارحة هنا وهناك في وجه الضحية التي أتعسها حظها ووقفت بجانب هذه القنبلة الموقوتة.

ولا تنتهي عجائب العربة عند هذا الحد فمما أنفحنا به الزمان انتشار ظاهرة البيع داخل العربات : بائعات من مختلف الأعمار وبضاعة من كل شكل ولون بدءا من الدبابيس وإبر الخياطة إلى المأكولات والملابس.

وكأن هؤلاء البائعات أزعجهن أن العربة ما زال بها متنفسا وموضعا لقدم فأبوا إلا ؛ن يسدوا هذا الفراغ ببضاعتهن.

 فإن أسعدك الحظ أختي الكريمة بركوب هذه العربة المباركة فستستمتعين طوال رحلتك السعيدة بمن يسري عنك؛ فهناك من آلى على نفسه أن يلبي كل طلباتك واحتياجاتك.

 فإن كنت جوعانة فالشيكولاتة والعسلية والسمسمية ستفي بالغرض، وان أصابتك نوبة من الزهقان فالنعناع سينعش أنفاسك ويصفي دمك، أما اللبان فطرقعته ستنفس عما بداخلك، وإن كنت في حاجة للكساء فستجدي جميع ما يسرك بدءا من جوارب القدمين وانتهاء باسدالات الصلاة،  وإن كنت ترغبين في إصلاح زينتك فهنيئا لك فهذه مرايا وتلك أدوات للتجميل وأمشاط وتوك ودبابيس مرصعة وخواتم تبرق.

أما إذا عطست وبحثت في حقيبتك عن منديل فلم تجدي فلا تقلقي ستجدي في العربة الواحدة ما لا يقل عن ثلاث أو أربع بائعات لأكياس المناديل الورقية واللاتي لا يكتفين ببيع المناديل ولكن يصحب عملية البيع انطلاق سيمفونية تقطيع القلب واستدرار العطف (ساعدوني يا بنات في تربية الأيتام) ، (ابنتي ستجري عملية جراحية) ، ( ابني مريض ولا أجد ثمن الدواء) ، (محتاجة مصاريف المدرسة لأولادي) ...... وبالطبع هذه السيمفونية لا تبقى على وتيرة واحدة بل تتغير كل عدة أيام من نفس السيدة في موضة جديدة من التسول عن طريق البيع، ولا تنس البعض منهن اصطحاب طفل صغير تحمله فوق كتفها وهذا الطفل لم يغسل وجهه منذ أن ولد ويرتدي بالطبع أسمالا بالية لاستدرار عطف ذوات القلوب الرحيمة.

 وبمنتهى البساطة يستطيع المتتبع لهذه السيدة التيقن أن هذا الطفل يتغير كل يوم فمرة يكون صبيا لا يتعدى عشرة أشهر ومرة أخرى ينقلب الصبي إلى بنت عمرها لا يتجاوز الخمسة أشهر وأي عاقل يستطيع التخمين باستحالة أن يكونا توأمين أو حتى أشقاء لا يتعدى الفارق بينهما خمسة أشهر إلا إذا كانت هذه السيدة قد اختصرت مدة الحمل الطبيعية التي عرفتها حواء منذ بدء الخليقة.

والطامة الكبرى أن يصعد أحد الباعة من الرجال في هذه العربة المنكوبة لتتعالى صرخات النساء أثناء مروره بين الكتل البشرية ولا تدري أين اختفى عساكر شرطة المترو الأشاوس من على أرصفة المترو؟ ولماذا سمحوا بصعود رجل إلى عربة الحريم؟ وأين الغرامات المفروضة على كل رجل سولت له نفسه ركوب العربة الكريمة؟ أم أن هذا البائع يعد مَحْرَما لكل الراكبات؟!

هل انتهت العجائب هنا؟

لا وألف لا فتأتي مشكلة الشبابيك اليومية فالجالسات بجانب الشباك يتأذين من البرد الذي يلفح وجوههن،  والواقفات يتصببن عرقا وتكاد تزهق أنفسهن فيطلبن من الجالسات فتح الشباك فتفتحه إحداهن على مضض، ولا تلبث جالسة أخرى إلا أن تغلقه بعد قليل في تحد سافر لكل الواقفات، وهنا تنفلت الأعصاب وتتناثر الكلمات من الأفواه معربة عن قلة ذوق هذه المرأة التي أغلقت الشباك والتي تسارع بالرد بأنها ستموت من الهواء المندفع من الشباك وأنها مريضة فتتعالى الصيحات ومرة أخرى تنطلق الألفاظ الجارحة .

وعجيبة أخرى تضاف لسلسلة العجائب في زمن العجائب ألا وهي جلوس الفتيات والشابات على مقاعد مكتوب فوقها مخصصة لكبار السن ولذوي الاحتياجات الخاصة دون أدنى اكتراث بهذه المرأة التي أثقلت بحملها وتمتد بطنها أمامها نصف المتر، ولا تلك السيدة الطاعنة في السن، ولا هذه التي تحمل طفلا رضيع وتمسك حقيبة منتفخة في يدها، فانعدمت الأذواق واختفى الإحساس.

قد تقولين وما المشكلة لقد توصلت لحل سحري سأحمل معي كرسي يطوى ويفرد لأجلس عليه وارتاح من عناء الطريق، فلا تتفاءلي كثيرا فقد سبقتك واشتريته ولكني اكتشفت أنه لا يوجد موضعا له لذا فأجدني أحمله معي ذاهبة وآيبة دون أن انتفع به .

أعجب العجائب تعمد الرجال ركوب عربة السيدات وكأنهم يستكثرون على السيدات كل هذه المتع التي يعيشونها يوميا فيريدون أن يشاركوا في هذه المتع، بالطبع هناك من تحاول أن تنبه الرجل أن هذه عربة السيدات فماذا يكون موقف الرجل :
تناحة لا حدود لها.
يعمل ودن من طين وأخرى من عجين.
يضحك وينظر من فوق لتحت ثم يستكمل وقفته.
يرد بأن هذا مترو الحكومة ومن حقه أن يركب كيفما يشاء.
والبعض يتطاول بلسانه وربما بيديه .
والمسكينة التي انبرت لتنبيهه ربما لا تجد من ينصفها حتى من السيدات.


في يوم ركبت العربة وكانت كل الكراسي ممتلئة ووجدت رجلا يجلس على كنبة -تسع شخصين- بمفرده يجلس في النصف تماما حتى لا تسول لأي إمرأة نفسها أن تفكر مجرد التفكير في محاولة الجلوس بجانبه بل يزيد تحديه بأن يضع يديه في خصره ويجلس واضعا ساقا على أخرى ويتجول بعينيه في العربة ورغم أني وقتها كنت سأنزل في المحطة التالية بما يعني أن الأمر لا يعنيني إن كان جالسا أم واقفا إلا أني حاولت مكالمته فزجرتني السيدات الواقفات بجانبي وأشرن لي إشارات غريبة فهمت منها أن البعض حاول معه لكنه يتحدى الجميع، بل ما أغاظني أن قالت سيدة: ما المشكلة أن يركب ويجلس أليسوا إخوتنا ؟ أليسوا لحما ودم؟ هل سيأكلوننا؟
هل ترضين لشقيقك أو زوجك أن يطرد من عربة السيدات لمجرد أنه رجل؟!
وجدت أن أفضل طريقة للرد عليها هي عدم الرد عليها أصلا وتجاهلها حتى جاءت محطتي فنزلت بسلام.


ولكن هل بعد كل هذا تفكرين في التخلي عن ركوب هذه العربة التي هي من أعظم انجازات مرفق مترو الأنفاق؟
كلا وألف كلا فما كنت تستبدلينها بعربة مختلطة أقل ما يصيبك فيها إهدار البقية الباقية من كرامتك.
لذا لا نملك إلا أن ندعو " اللهم أدم علينا عربة السيدات واحفظها من الزوال".

الخميس، 15 مارس 2007

الحقوق الاقتصادية للمرأة في الإسلام


الحقوق الاقتصادية للمرأة في الإسلام
بقلم : أمل خيري.

جاء الإسلام ليرفع من شأن المرأة ويعلي من قدرها ويرفع عنها العنت بعد أن كانت تعد من سقط المتاع فأصبح لها دور فعال في المجتمع على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدعوية فقررت لها الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة العديد من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وغيرها سابقة بذلك ما قررته لها المواثيق الدولية الحديثة بأربعة عشر قرنا من الزمان.
ولقد عانت المرأة من إهدار حقوقها الاقتصادية في الأمم والشرائع السابقة للإسلام وبلغت مكانة المرأة في المجتمع الجاهلي أقصى درجات المهانة فقد حرمت من جميع الحقوق المالية كالتملك و الميراث بل إنها كانت تورث كما يورث المتاع. وفي هذا يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " كنا في الجاهلية ما نَعُدّ النساء شئ حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهنّ ما قسم "
فجاءت تعاليم الإسلام بهديها القويم لتقرر للمرأة حقوقا اقتصادية وذمة مالية تمكنها من القيام بدورها في المجتمع ولقد وعت المرأة المسلمة في عهد النبوة هذا الدور جيدا فيروي البخاري عن ابن عباس " أن النبي صلّى يوم العيد ركعتين ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي قرطها في ثوب بلال " مما يدل على إدراك ووعي المرأة بدورها المناط بها في المجتمع .
وسنعرض فيما يلي لبعض من هذه الحقوق الاقتصادية التي قررها الإسلام للمرأة.

الأهلية الاقتصادية للمرأة
تساوت المرأة مع الرجل في تحمل أمانة التكليف المتمثلة في قوله تعالى : " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا " ( الأحزاب 72 ).
حيث يشمل لفظ الإنسان الذكر والأنثى على حد سواء وبذلك فإن الرجل والمرأة سيان في الأهلية التي هي مناط التكليف حيث عرف العلماء الأهلية على أنها صلاحية المرء لأن تتقرر في ذمته الواجبات الشرعية فلا تبرأ ذمته حتى يؤدي ما عليه من الواجب.
وقد منح الإسلام للمرأة أهليتها الكاملة للتصرفات الاقتصادية من حيث جواز التملك والتصرف بالهبة والوصية والبيع وغير ذلك. في إطار قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية و للمرأة ذمة مالية مستقلة عن زوجها وأبيها وأساس ذلك قول الله تبارك وتعالى : " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن " ( النساء 32 ) .

استقلال المرأة في الميراث
كانت العادات الجاهلية تقضي بحرمان النساء والصغار من الميراث حيث اقتصر التوريث على الذكور المقاتلين الذين يحوزون الغنيمة ويحمون الذمار وقد استمرت عادة حرمان النساء من الميراث إلى أن ظهر الإسلام فذهبت أم كحلة وهي من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت : " يا رسول الله توفي زوجي وتركني وابنته فلم نورث " ، فقال عم ابنتها : " يا رسول الله ، هي لا تركب فرسا ولا تحمل كلا ( أي لا تلي أمر العيال والسعي عليهم ) ولا تنكي عدوا ( أي لا تجرح عدوا ) يكسب عليها ولا تكتسب " فنزل قول الله : " للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً " (النساء 7 )
وبذلك انتصف الإسلام للمرأة ومتعها بالتملك والمال الموروث شأنها شأن الرجل وقد بنى الإسلام توزيع الأنصباء على الورثة على قاعدة " للذكر مثل حظ الأنثيين " وفي حين يرى البعض في هذه القاعدة إجحافا بالمرأة وظلم لها إلا أننا نرى أن الإسلام حين قرر هذه القاعدة فهو عادل في ذلك ومنصف كل الإنصاف حيث تتفق هذه القاعدة مع عدالة الإسلام في توزيع الأعباء والواجبات حيث يلزم الرجل بأعباء مالية لا تلزم بمثلها المرأة كالنفقة والمهر لذا كان من العدل أن يكون الرجل في كمية الاستحقاق على ضعف المرأة كما أن هذه الزيادة للرجل تأتي في حالات معدودة وفي حالات أخرى يزيد نصيب المرأة عن الرجل مما استفاض العلماء في بيانه.
صداق المرأة ملك خالص لها
تتميز الشريعة الإسلامية على سائر الشرائع الأخرى وعلى القوانين والنظم الوضعية بأنها فرضت على الرجل أن يدفع لمن يقترن بها مهراً و يطلق عليه الصداق ، وذلك في حدود إمكانياته المالية، وفي هذا الخصوص يقول الله تبارك وتعالى { وآتوا النساء صدقاتهن نِحلة } (النساء 4) .
والمهر هو عطاء خالص من الزوج لزوجته وهذا العطاء هو نحلة أي ليس أجرا أو ثمنا بل هو عطاء يوثق المحبة ويربط القلوب ويديم العشرة وهذا الصداق يصبح حقا خالصا للمرأة وحدها تتصرف فيه كما تتصرف في سائر أموالها وقد جرى العرف على أن ولي الزوجة هو الذي يقبض مهرها لينفقه في شراء ما يلزم لها من جهاز إلا أن هذا لا يكون إلا عن رضاها وطيب خاطر منها لقوله تعالى : " فإن طبن لكم عن شئ منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً " (النساء4) . لان هذا المهر هو حق خالص لها وليس عليها أن تتجهز بمهرها أو بشئ منه إلى زوجها .
ومن المتفق عليه أن لا حد لأكثر المهر لقوله تعالى : " وان أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا * وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا " ( النساء 20 – 21 ) ، فللزوجين أن يزيدا عن ذلك القدر وان كان من الخير عدم المغالاة في المهر إذ أن هذه المغالاة من أهم أسباب عزوف الشباب عن الزواج مما يترتب عليه ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمع.
النفقة على الزوجة
اوجب الإسلام للزوجة على زوجها نفقتها حتى وان كانت غنية والنفقة هي كل ما تحتاج إليه لمعيشتها من طعام وكسوة ومسكن وفرش وخدمة حسب المتعارف بين الناس وهذه النفقة واجبة منذ انعقاد عقد الزوجية وهذا الإلزام للزوج بالإنفاق من مقتضى قوامته مصداقا لقول تعالى : " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم..... " ( النساء 34 ) ، إلا أن مقدار هذه النفقة يرتبط بسعة الزوج لقوله عز وجل : " لينفق ذو سعة من سعته ...." ( الطلاق 7 ) ، وقول الرسول : " اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله" (رواه أبو داود) ، وهناك من النصوص التي لا تكتفي بتقرير هذه المسئولية بل تحض الزوج على التوسعة على زوجه وأولاده حيث عدت الشريعة ذلك من الأعمال الصالحة التي يثاب عليها فعن أبي مسعود الأنصاري عن النبي قال : " إذا انفق المسلم على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة " (رواه البخاري ومسلم ) .
كما اوجب الإسلام للمرأة إذا طلقت نفقة العدة مثلما وجبت لها في حياتها الزوجية وأوجب لها المتعة وهي ما يبذله الرجل بعد طلاقها غير نفقة العدة مما تحفظ به نفسها وكيانها " وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين" ( البقرة 241 ) .

حق المرأة في الإنفاق في سبيل الله
يترتب على حق المرأة في التملك والتصرف في أموالها أن تنفق من مالها في سبيل الله على الفقراء والمحتاجين فلها الحق في إيتاء زكاة مالها من مال وحليّ ونحوه كما يجوز لها أن تتصدّق من مالها على الأوجه التي تختارها دون أن يحق لزوجها التدخل في هذا الاختيار باعتبار أن لها ذمّة مالية مستقلة عن زوجها . كما يحق لها أن تتشاور مع زوجها في أوجه إنفاق مالها على سبيل الندب والاستحباب لا الوجوب .
كما يجوز للمرأة في الإسلام أن تساعد زوجها من مالها عن طيب خاطر منها إذا كانت هناك ضرورة في ذلك مثل : حالة مرض الزوج أو إعساره أو إفلاسه, أو عجزه عن الكسب والمرأة حين تعاون زوجها تحقق فضيلة صلة القربى إضافة إلى فضيلة الإنفاق في سبيل الله.
والمرأة الموسرة يستحب لها أن تخرج من زكاة أموالها أو صدقاتها لزوجها الفقير فالأقربون أولى بالمعروف فهذه امرأة ابن مسعود ذهبت تستفتي رسول الله في جواز التصدق على زوجها فقال لها النبي: " صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم " ( رواه البخاري) .
ويستمر إسهام المرأة في الإنفاق على الأسرة بعد وفاة الزوج فعن زينب عن أم سلمة قالت : " قلت يا رسول الله ألي اجر أن أنفق على بَنِي أبي سلمة ، إنما هم بنِيَّّّّّ ؟ فقال : أنفقي عليهم ، فلك اجر ما أنفقت عليهم " ( رواه البخاري ومسلم ) .

نظارة الوقف
كما منحت الشريعة الإسلامية المرأة الحق في أن تكون ناظرة على الوقف تديره كما تدير أموالها العقارية والمنقولة وقد جعل عمر بن الخطاب الولاية على وقفه لابنته حفصة رضي الله عنهما مدة حياتها ومن بعدها إلى ذوي الرأي من آل عمر على الرغم من وجود أبناء ذكور له وهو الذي كان في جاهليته متعصبا ضد الأنثى حتى أنه وأد إحدى بناته في الجاهلية فيأتي الإسلام ليحرر العقل المسلم فيجعله يتحول في الاتجاه الإيجابي نحو تمكين المرأة وعدم التمييز ضدها .
التصرف في مال زوجها بالمعروف
كما يحق للمرأة أن تأخذ من مال زوجها للإنفاق على نفسها وبيتها بالمعروف إذا كان بخيلا فعن عائشة رضي الله عنها : أن هندا بنت عتبة قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح ، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم ، فقال : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " ( رواه البخاري ومسلم ) .
كما يحق لها أن تتصدق من مال زوجها بالمعروف إذا أمنت ضيقه وبذلك تشترك معه في الأجر مناصفة فعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب "
كما يجوز للمرأة أن تهدي من مال زوجها بالمعروف فهذه أم سليم صنعت طعاما لرسول الله في عرسه وأرسلت به ابنها انس فتقبله رسول الله ودعا المسلمين لطعام الوليمة.
الشهادة على المعاملات الاقتصادية والمالية
نصت آية المداينة في سورة البقرة نصا صريحا على جواز الأخذ بشهادة المرأة في المعاملات الاقتصادية والمالية ، فيقول الله تبارك وتعالى: " فاستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ، أن تضل إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى " (البقرة 282).
هذه هي بعض الحقوق التي قررها الإسلام للمرأة فقام بتحريرها وتمكينها على جميع المستويات ويثور التساؤل إذا لماذا تهضم حقوق المرأة في المجتمعات المسلمة؟
والوقع يؤكد أن الإسلام في تأصيله الشرعي برئ كل البراءة من أي تمييز ضد المرأة وأنه ليس مسئولا عن الممارسات الخاطئة لدى بعض المسلمين الناشئة عن قصور فهم للإسلام أو موروثات اجتماعية أو ثقافية خاطئة توارثها البعض دون إعادة النظر فيها أو التفكير ظنا منهم أنها هي الإسلام نفسه وهؤلاء نجد مثلهم في قوله تعالى " بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مهتدون" ( الزخرف 22 ) .
وحينما يتحرر العقل المسلم ويعيد التمسك بالأصول التشريعية الثابتة ويطبق تعاليم الإسلام السمحة لن نجد امرأة مسلمة تعاني من اضطهاد أو تمييز في المجتمعات الإسلامية.
وإلى لقاء آخر مع واجبات المرأة الإقتصادية في الإسلام ودورها في التنمية الشاملة .
المراجع:

– أحمد خيرت ، مركز المرأة في الإسلام ، القاهرة : دار المعارف ، 1978.
– عبد الحليم محمد أبو شقة ، تحرير المرأة في عصر الرسالة ، الكويت: دار القلم ،2002 ، الجزء الخامس.
– د. هدى حلمي ، المرأة كما يريدها الإسلام أن تكون ، الكويت : دار القلم ، 2005.
– د. علي عبد الواحد وافي ، المرأة في الإسلام ، القاهرة : دار نهضة مصر، الطبعة الثانية.
– د. حسين حسين شحاتة ، الحقوق والمسئوليات الاقتصادية للمرأة في الإسلام ، بحث منشور بموقع دار المشورة.

السبت، 3 مارس 2007

بين الموازنة والميزانية.. أين أنت؟

بقلم:أمل خيري

مشكلة تتردد في كثير من البيوت:
زوجي يطالبني بتدبير الميزانية وهو مع ذلك لا يقوم بأي دور في المشاركة في التخطيط لهذه الميزانية.
قبل البدء في مناقشة مشكلة كثير من الزوجات هناك بعض النقاط أحببت طرحها والتأكيد عليها:
تضطلع المرأة المسلمة بمسئولية هامة وخطيرة في تدبير شئون بيتها وتعد المسئولية الاقتصادية للمرأة إحدى الأدوار الحاسمة في هذه المسئولية وهذا الدور ستسأل عنه أمام الله كما أنها ستثاب عليه إن أحسنت القيام به بإذن الله كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ... والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها "
ومن تمام مسئوليتها إحسان الإنفاق داخل بيتها واستهلاك الموارد بصورة ترضي عنها الله عز وجل. فكيف تحقق المرأة هذا الدور؟
على الزوجة أن تعي أن دورها في تخطيط ميزانية أسرتها لا يقل أهمية عن دور الاقتصاديين المخضرمين في تخطيط ميزانية شركة أو حتى ميزانية دولة ففي النهاية بيتها هو مملكتها ودولتها التي تشرف عليها وعلى ذلك لابد من التعرف على الفرق بين الميزانية والموازنة.
فهناك فرق بين الميزانية والموازنة حيث أن الموازنة هي عملية تقييم للإيرادات والمصروفات تتم قبل البدء في مشروع ما أما الميزانية فهي بيان بالإيرادات والمصروفات التي تمت بالفعل والغرض منها معرفة الموقف المالي للشركة من حيث الربح والخسارة.
فماذا تفعل كل زوجة قبل أن تقدم على هذه الخطوة الهامة؟
1. أن تتقرب إلى الله بالنية الصالحة قبل إعداد هذا المخطط المالي بأن تنوي من عملها هذا الحرص على عدم تكلفة زوجها ما لا يطيق فلقد أوصت سيدة صالحة ابنتها فقالت: ( لا تكلّفي زوجك إلا ما يطيق طبقاً للأحوال ، وارفعيه بيدك عن مواطن الضعف والضيق ، فحمل الصخور أخف من حمل الديون )
2. يجب على الزوجة أن تعد كشف حساب عن الفترة السابقة تقيم فيها أوجه الإنفاق وكيفيته وتحاول استخلاص بعض الدروس التي تعينها في التخطيط للموازنة القادمة كأن تحدد أي الأوجه التي استهلكت الكثير من المال وهل يمكن تقليلها وأي الأوجه التي كان لها الحظ الأقل من الإنفاق على الرغم من كونها في غاية الأهمية.
3. تمسك الزوجة بورقة وقلم وتحدد فيها الأولويات كما يلي:
· الضروريات : وهي ما لا يمكن أن تستقيم الحياة بدونها مثل نفقات المأكل والمشرب والملبس والمسكن والصحة والأدوية والتعليم.
· الحاجيات : وهي ما ينفق على ما تحتاجه الأسرة لجعل الحياة ميسرة وتخفيف مشاق الحياة ومتاعبها كركوب التاكسي بدلا من الباص ولا ينفق على الحاجيات إلا بعد استيفاء الضروريات .
· التحسينيات : وهي ما ينفق لجعل الحياة رغدة طيبة وأحسن حالا كتغيير أساس الغرف أو النزهات والعزائم أو شراء الأجهزة الكهربائية الحديثة ...ولا يحق للمرأة أن تنفق على التحسينات إلا بعد نفقات الضروريات والحاجيات .
4. تعد الزوجة أجنده خاصة لميزانية الأسرة وتجعل لكل شهر من الشهور صفحة تقسمها بهذا الشكل:
شهر يناير

الإيرادات (الدخل)

الصدقة

المصروفات الثابتة( إيجار – غاز – كهرباء – مياه- تليفون ... )

مصروفات الحضانة

مصروفات الطعام

المواصلات

مصروفات أخرى

الادخار
5. يكون ترتيب هذه البنود بنفس ترتيب أولوياتها ويجب أن تكون هذه الأولويات حقيقية وليست متوهمة فدفع إيجار المنزل لا يقارن في أولويته مثلا بنزهة ساحلية وإن بدت مهمة لتجديد النشاط والحيوية .
6. أن تبادر بالدعاء فور إمساكها بالراتب بقولها " اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وارزقنا خيرا منه وقنا عذاب النار" .
7. أن تضع الزوجة بندا ثابتا للإنفاق في سبيل الله في شكل صدقة أو كفالة يتيم .... وتجعله في بداية سلم الأولويات بل تخرجه مباشرة فور حصولها على الراتب ليكون مصدرا للبركة فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة ، كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعضٍ شيئاً "
8. يتم تخصيص جزء من الدخل للضروريات وما تبقى يوزع بين الحاجيات حسب أهميتها أما التحسينيات فتوضع في نهاية سلم الأولويات .
9. لابد من تخصيص قدر للادخار المستقبلي لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " ما عال من اقتصد " أي لم يصيب بالعيلة والفقر كما ورد في الأثر : (( رحم الله امرأً اكتسب طيّباً وأنفق قصداً وقدّم فضلاً ليوم فقره وحاجته )) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبو بكر: (( إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس أعطوهم أو منعوهم )) .
10. على الزوجة أن توزع القدر الذي خصصته للطعام بشكل متناسب فتخصص مبلغا لشراء الاحتياجات الشهرية من مواد البقالة والعلافة واللحوم فتشتريها كلها مرة واحدة وتراعي أن تشتريها بالجملة ليكون أوفر لها أما الأطعمة التي تفسد سريعا فتجعل لها جزءا مخصصا لتشتريها كل أسبوع أو كل يومين وبالتالي بعد شراء الاحتياجات الشهرية أول الشهر تأخذ الباقي وتوزعه على 4 أجزاء بحيث يكون لكل أسبوع مبلغه المخصص مما يجنبها الوقوع في معضلة انتهاء المرتب في الأسبوع الأول من الشهر فيقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ( إني أبغض أهل البيت الذين ينفقون رزق أيام في يوم واحد ) ، ويقول معاوية رضي الله عنه: ( حسن التدبير نصف الكسب وهو نصف المعيشة ) .
ولنا لقاء آخر إن شاء الله.

الجمعة، 2 مارس 2007

و هل تريدين اضاعة ثوابي عند الله؟!

بقلم:أمل خيري

(( في هدأة الليل.......
كانت أسرتنا تجلس في الشرفة جلسة سمر يسودها روح الود و كانت الدعابات تنطلق و كنا نضحك من القلب ....
الأب شاب في الثامنة و الثلاثين خمري البشرة طيب القلب نقي السريرة يحفظ القرآن الكريم و الذي كسا وجهه بنور و بهاء.
الأم شابة في الثامنة و العشرين من عمرها حنونة تغمرنا بعطفها و قلبها الدافئ يضمنا جميعا.
أخي الأكبر لم يتعد الثامنة من عمره هادئ الطباع يحفظ قدرا كبيرا من القرآن.
أما أنا فطفلة عنيدة بلغت السادسة من عمري أهوى القصص و المغامرات ،أحب الشعر حتى أني حفظت قصائد مطولة من قصائد أحمد شوقي و حافظ ابراهيم قام أبي معلم اللغة العربية بتحفيظي اياها.
و رغم أن جلسات السمر هذه كانت كثيرة بيننا إلا أن هذه الجلسة بالذات لا أنساها.....
الظلام دامس ... سكون تام و فجأة تنطلق صرخة طفل و بكاء متواصل يهرع أبي مسرعا يرتدي معطفا و ينزل درجات السلم في لحظات و بعد هنيهة يطبق الصمت المكان و ظللنا ننتظر أبي لقد غاب مدة لا تقل عن ساعة ...
عاد بعدها متهلل الوجه . و قسماً لقد رأيت النور يكسو وجهه أكثر و أكثر عن ذي قبل .
لم نطق الصبر ... أين كنت يا أبي ؟ لماذا تأخرت ؟ من هذا الطفل؟ لماذا كان يبكي؟.......
مهلا مهلا ابنائي ...دعوني ألتقط أنفاسي
لقد كان الطفل يحمل جنيها ليشتري بعض الحاجيات لأمه و لكنه سقط منه في الظلام فلما لم يجده صرخ و ظل يبكي فهو يخشى العودة لأمه فتعاقبه .
و ماذا فعلت معه يا أبي ؟
لقد أخرجت من جيبي جنيها و قلت له ها هو الجنيه لقد و جدته.
أكذبت يا أبي؟
لا يا بنيتي لقد قلت له هذا لأطمئنه و لأهدئ روعه و كان في نيتي أني وجدته في جيبي فأنا لم أصرح بأني وجدت الجنيه الخاص به على الأرض .
و هذا لا يعد كذبا.
و لماذا تعطيه الجنيه؟
هذا الطفل يا بنيتي في ضائقة و محنة و من واجبنا نحن المسلمين أن نساعد المكروب و نغيث الملهوف لننال رضاء الله.
و لماذا إذن تأخرت؟
بعد أن أخذ الطفل الجنيه بكى مرة أخرى لأنه تأخر على أمه و يخشى أن تعاقبه على التأخير فذهبت معه و اشتريت له كل ما يحتاجه ثم مضيت معه إلى البيت لأجد أمه تقف أمام البيت متلهفة لتأخر ابنها فأخبرتها الخبر و لم أغادر حتى وعدتني بأن تسامح الطفل و لا تعاقبه.
و هل أخبرتها أنك دفعت الجنيه من جيبك ؟
و هل تريدين اضاعة ثوابي عند الله؟!
أحبك يا أبي أنت طيب القلب.
مرت السنون و مازلت بعد أكثر من ربع قرن أذكر هذه الواقعة و كلما وجدت ملهوفا أسرعت لنجدته متذكرة أبي رحمه الله و مازلت أحكي لأبنائي هذا الموقف و غيره كثير و أنا أقول لهم لقد كان أحلى أب))