أمل خيري
- أخبرت شيخي أني نويت السفر فقال و أين الزاد ؟
- قلت لم اقصد مغادرة المكان بل هو السفر في طريق الدعوة .
- تبسم و قال اذا فأنت أولى المسافرين بالزاد الذي يمنحك القوة و الثبات و القدرة على مواصلة الطريق بلا فتور أو خواء .
و استطرد قائلا و لكنه ليس كأي زاد بل هو زاد روحي يجدد صلتك بالله و يمدك من فيض نوره فتزكو نفسك و تسمو على شواغل الدنيا و تمضي في طريق الدعوة بلا كلل أو ملل ألم تسمع معي قوله تعالى : ( و تزودوا فإن خير الزاد التقوى ).
- قلت بلى و لكن كيف السبيل للتقوى و الطريق كما تعلم طويل؟
أجاب يا بني لا تتحير فقد دلنا رب العباد على السبيل تأمل معى قوله تعالى ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم و الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) إذاً المصدر الأساسي للتزود بالتقوى هو عبادة الله.
- انفرجت أساريري و قلت أتقصد الصلاة و الصيام والزكاة و الحج و ذكر لله . الامر إذا هين و ميسور.
- قال شيخي لا تعجل فما اسهل اداء العبادات و لكن اتعتقد ان اداء العبادات على أي وجه يمدك بالزاد؟
ان العبادة لكي تؤتي اثرها في النفس لابد من فهم اسرارها و تلمس معانيها و معايشتها بالجوارح و القلب معا و لكل عبادة زادها و اثرها الذي يختلف عن العبادات الاخرى.
- استأذنت شيخي أن يبدأ بالحديث عن الصلاة و كيف يمكن أن تمد الداعية بزاد روحي يعينه على مواصلة الطريق.
صلة دائمة بين العبد و ربه:
- فقال اعلم يا بني أن الصلاة هي صلة ما بين العبد و ربه و هي مصدر متجدد للطاقة الروحية و من فضل الله تعالى ان جعلها موزعة على الليل و النهار كما انه يسرها لكل مسلم في جميع الاحوال في الصحة و المرض و السلم و الحرب و الاقامة و السفر و هي أفضل وسيلة لتهذيب النفوس و تزكية الأخلاق . يقول الشيخ الغزالي: (وفي المعراج, شرعت الصلوات الخمس, شرعت في السماء لتكون معراجا بالناس, كلما تدلت بهم شهوات النفس وأعراض الدنيا( .
- سألت شيخي : و هل هناك فوائد روحية يجنيها الداعية من صلاته؟
أجاب شيخي : تتحقق في الصلاة عدة معاني سأذكر لك بعضها.
و جُعلت قرة عيني في الصلاة :
- فقد كان الرسول صلى الله عليه و سلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة فيجد الراحة و الامن لذا كان يقول لبلال ( ارحنا بها يا بلال) كما قال : ( جُعلت قرة عيني في الصلاة( فإن الداعية إذا انصرف من صلاته، وجد خفة من نفسه، وأحس بأثقال قد وضعت عنه، فوجد نشاطاً وراحة وروحاً، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها، لأنها قرة عينه، ونعيم روحه، وجنة قلبه، ومستراحه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن ضيق حتى يدخل فيها، فيستريح بها، لا منها فالصلاة تنير القلب وتشرح الصدر، وتفرح النفس والروح، ومعلوم عند جميع الأطباء أن السعي في راحة القلب وسكونه وفرحه وزوال همّه وغمه، من أكبر الأسباب الجالبة للصحة، الدافعة للأمراض، المخففة للآلام، وذلك مجرب مشاهد محسوس في الصلاة.
العزة في طاعة الله:
- كما أن الصلاة تمد الداعية بكل معاني العزة فلا يركع و لا ينحني الا لله في اجلال و تعظيم ( الذين يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون احدا الا الله ) و في الالتزام بعدد الحركات نفسها فيه معنى الطاعة المطلقة و التسليم المطلق لله حتى لو لم نتبين الحكمة.
قيم جمالية:
و التهيؤ للصلاة بطهارة البدن و الثوب و المكان و الوضوء يربي المسلم على النظافة و النقاء و الذوق الرفيع لا سيما إذا صاحب ذلك طهارة القلب مما يشعر بالزاد الاعظم و يجعل الداعية ذا حس مرهف يأنس به المدعوون. كما جعل الشرع من شروط صحة الصلاة دخول الوقت مما يعود الداعية على الدقة في المواعيد و الحرص على الوقت.
كأنهم بنيان مرصوص:
إن تحري القبلة و التوجه إليها يعود المصلي على معرفة الاتجاهات و جغرافية المكان كما ان شعور المسلمين في انحاء الدنيا بتوجههم جميعا الى الكعبة المشرفة يربطهم بها و يقوي اواصر الأخوة. كما أنه يزيد الشعور بالمساواة في صف واحد بين يدي الله لا فرق بين غني و فقير فالكل سواء بل قد يضع الغني جبهته ساجدا لله قريبا من قدمي الفقير في الصف الذي أمامه دون حرج أو اشمئزاز.
كما أن اجتماع المسلمين على الصلاة في المسجد في الأوقات الخمسة و في الجمعة و العيدين يتيح الفرصة بين المسلمين في الحي الواحد للتعارف و التآلف و الوحدة و التعاون .
جندي في صفوف الدعوة:
فان الاستجابة لنداء الصلاة بمجرد سماع الأذان هو قمة المجاهدة مما يعود الداعية على العزيمة القوية و الارادة الماضية فيعوده على ترتيب الاولويات في مهامه الدعوية . و انتظام الصفوف في الصلاة و تسويتها و متابعة الامام و عدم سبقه او التأخر عنه و كذلك الفتح عليه إذا نسى أو اخطأ يربي الداعية على مبادئ الجندية و الطاعة و النظام مع النصح و التنبيه للخطأ برفق و لين.
المسجد نقطة انطلاقك للدعوة :
حرص المسلمين على الصلاة في المسجد يربطهم بالمسجد مما يعيد للمسجد رسالته و مكانته كما كان العهد في بداية الدعوة الإسلامية كما انه يربط الداعية بالمسجد فيجعله مألوفا للمدعوين في حيه فيتقبلون منه ما لا يتقبلون من غيره.
- سألت شيخي و ما هو السر في الوصول لهذه المعاني ؟
- أجاب : انه حضور القلب.
فهو روح الصلاة و بسببه يخشع العبد في صلاته يقول الحسن البصري ( كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع ) و قد حذر العلماء من ترك الخشوع في الصلاة فهذا بشر بن الحارث يقول ( من لم يخشع فسدت صلاته ) و ذلك لان الخشوع هو أول علامات المفلحين ( قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)
و لقد حرص السلف الصالح على الخشوع في الصلاة فقد قال ثابت البناني: ( كنت أمر بعبد الله بن الزبير وهو يصلي خلف المقام، كأنه خشبة منصوبة لا يتحرك)
و روي أن ابن الزبير كان يوماً يصلي فسقطت حية من السقف تطوقت على بطن ابنه هاشم، فصرخ النسوة وانزعج أهل المنزل، واجتمعوا على قتل الحية، فقتلوها وسَلِم الولد، فعلوا هذا كله وابن الزبير في الصلاة لم يلتفت، ولا درى بما جرى لابنه حتى سلَّم.
- قلت لشيخي و كيف السبيل لتحقيق الخشوع؟
- قال : تأمل معي ما رواه حاتم الأصم فقد سئل عن صلاته فقال: إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء, و أتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه, فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي, ثم أقوم إلى الصلاة, و أجعل الكعبة بين حاجبي, و الصراط تحت قدمي, الجنة عن يميني, و النار عن شمالي, و ملك الموت ورائي, و أظنها آخر صلاتي, ثم أقوم بين الرجاء و الخوف, و أكبر تكبيرا بتحقيق, و أقرأ قراءة بترتيل, و أركع ركوعا بتواضع, و أسجد سجودا بتخشع, و أقعد على الورك الأيسر, و أفرش ظهر قدمها, و أنصب القدم اليمنى على الإبهام, و أتبعها بإخلاص, ثم لا أدري أقبلت مني أم لا.
- برنامج عملي للتدريب على الخشوع في الصلاة:
- قلت لشيخي و لكن هذا كلام مطلق أرجو أن تدلني على الوسائل العملية.
- فقال ارجع لابن القيم حيث وضع لنا برنامجا عمليا للتدريب على الخشوع:
يقول :
*(فإنه إذا انتصب قائما بين يدي الرب تبارك وتعالى شاهد بقلبه قيوميته .
*وإذا قال: الله أكبر: شاهد كبرياءه
*وإذا قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, فقد آوى إلى ركنه الشديد واعتصم بحوله وقوته من عدوه الذي يريد أن يقطعه عن ربه ويباعده عن قربه ليكون أسوأ حالا .)
*و إذا قرأ الفاتحة استشعر انه يحاور رب العزة تبارك و تعالى يقول الأستاذ الندوي ( تأمل معي سورة الفاتحة التي هي الدرة الفريدة في المعجزات السماوية و قطعة رائعة من القطع القرآنية البيانية لو اجتمع أذكياء العالم و أدباء الأمم على أن يضعوا صيغة يتفق عليها البشر لما جاءوا بأحسن منها أو مثلها)
*و عندما تركع, استحضر عظمة الله, في الركوع, واعلم أنك بين يدي الله, راكعا بين يدي عظمته, في صحيح البخاري, أن ركوع النبي صلى الله عليه وسلم باطمئنان, فكان يسوي ظهره بالركوع ويتمه.
*وعندما تسجد "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" رواه أحمد
فالمصلي و هو يسجد يمكن جبهته من أذل الأشياء و هو تراب الأرض ليهتف بأعظم كلمة ( سبحان ربي الأعلى)
*أما جلسة التشهد فيقول الأستاذ مصطفى مشهور عنها( جلسة ربانية يعيشها المصلي مناجيا ربه مؤكدا هويته و يحدد مكانه و حزبه مع عباد الله الصالحين )
و أحب أن أختتم معك يا بني بقول الإمام حسن البنا عن الصلاة ( منزلة الصلاة من الإسلام منزلة الرأس من الجسد فهي عمادة ودعامته وركنه وشعيرته ومظهره الخالد وآيته الباقية وهي قرة العين وراحة الضمير وانس النفس وبهجة الروح....)
قلت لشيخي جزاك الله عني خيرا فلقد جعلتني أعيد النظر إلى الصلاة من منظور جديد . ولكن حدثني عن القران كزاد لي في طريق الدعوة
ضحك الشيخ وقال : لم العجلة يا بني..... انتظرني في اللقاء القادم بإذن الله.
المراجع:
1 – مصطفى مشهور،زاد على الطريق
2 – مصطفى مشهور، الحياة في محراب الصلاة
3 – ابن قدامة المقدسي،مختصر منهاج القاصدين
4 – سعيد حوى ، المستخلص في تزكية الأنفس
5 - عبدالقيوم السحيباني،أرحنا بالصلاة، دار القاسم