الثلاثاء، 30 أبريل 2013

مين اللي جاب الناس عند المصانع؟!

حلوان الجميلة لم تعد جميلة
أمل خيري

عبد الناصر بنى مصانع في أجمل مدينة في مصر (حلوان) فحولها من مشتى الملوك والباشوات إلى مستقع للتلوث به أعلى معدلات تلوث بيئي على مستوى العالم وأصيب الكثير من أبنائها بأمراض الرئة.

سألني أحد الخبثاء : لكن عبد الناصر لما بنى المصانع كانت حلوان صحراء ولم يكن فيها سكان وازدحمت بعد ذلك فإيه اللي جاب الناس عند المصانع؟
وباعتباري مواطنة من حلوان وكل أهلي فيها منذ الثلاثينيات فإن جوابي عن السؤال هو:
أولا: لم تكن حلوان صحراء في الستينات بل كانت واحة غناء ومشتى للمصريين والأجانب ومشفى بمياهها الكبريتية والمعدنية (حلوان ليست فقط الحديقة اليابانية ولا العيون الكبريتية ولا متحف الشمع حلوان تاريخها أكبر من ذلك)

ثانيا: ليس صحيحا أنه لم يكن هناك سكان في حلوان قبل الستينيات بل كان هناك الكثير من السكان الهاربين من التلوث في القاهرة وقتها والراغبين في العيش في بيئة نقية هادئة وراقية (عمتي كانت تسكن حلوان منذ الثلاثينيات وكانت تحكي قصصا وهمية عن جمالها ونقائها)

ثالثا: عبد الناصر هو اللي جاب الناس عند المصانع! لأنه بعد أن وزع الأراضي الزراعية وفتت الحيازات الزراعية على صغار الفلاحين بنى المصانع ليعمل بها نفس هؤلاء المزارعين الذين هجروا الأراضي وجاءوا ليعملوا في هذه المصانع فبنى لهم مساكن شعبية ووزع عليهم أراضي في حلوان وضواحيها بالأقساط المريحة ليبنوا بيوتا عشوائية فتركوا محافظاتهم إلى غير رجعة واستقروا في حلوان وكل عامل جاء بأهله وعشيرته حتى ضافت الأرض بأهلها واصطلى الجميع بنار التلوث والازدحام والضوضاء.

حلوان كانت في الأصل مدينة فرعونية وفيها يوجد أول سد مائي في التاريخ بمنطقة وادي حوف ولكنها إندثرت عبر العصور إلى أن أحياها عبد العزيز بن مروان والي مصر وقتها والذي خرج من الفسطاط العاصمة إلى الجنوب بعد أن دب الوباء في الفسطاط فأعجبته حلوان فاتخذها عاصمة مؤقتة لولاية مصر وأنشأ الدور والقصور وغرس فيها البساتين إلى أن توفي فيها فنُقل منها إلى الفسطاط عن طريق النيل وفيها ولد ابنه أمير المؤمنين الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز.

هذه كانت حلوان أرض البساتين والعيون والتي أصبحت معقل التلوث والأوبئة والعشوائيات...
ضحية من حلوان إذن؟ وبرضه مين اللي جاب الناس عند المصانع؟!
حلوان قديما
 حلوان حديثا
 

متى تتحول الموزانة المصرية من موازنة بنود إلى موازنة برامج؟



مع بداية مناقشة مجلس الشورى للموازنة العامة وتوقعات بعجز 197,5 مليار جنيها

كتبت: أمل خيري
جريدة الشعب

 
استمع مجلس الشورى في جلساته الثلاثاء الماضي لبيان الحكومة حول الموازنة العامة للدولة الجديدة، حيث ألفى الدكتور المرسى حجازى وزير المالية، بيانه المالي عن مشروع الموزانة العامة للدولة للسنة المالية "2013 / 2014"، وبعد الاستماع للبيان قام الدكتور أحمد فهمى، رئيس مجلس الشورى، بإحالة بيان الحكومة إلى اللجنه المالية والاقتصاديه بالمجلس، لاعداد تقرير حول الموازنة.
وأعلن وزير المالية في بيانه أن العجز في الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2013 / 2014 يبلغ 197,5 مليار جنيها (28,581 مليار دولار)، وكشف حجازي أن النفقات تُمثل 84,4 % من الحجم العام للاستخدامات بمشروع الموازنة، فيما تغطي الإيرادات نسبة 71,8 % من حجم النفقات ليصل العجز النقدي في الموازنة العامة الجديدة إلى 197,5 مليار جنيها بنسبة 9,5 % من الناتج المحلي الإجمالي، مشيراً إلى أن إجمالي الناتج المحلي ارتفع في الموازنة العامة الجديدة ليصل إلى 2,1 تريليون جنيه في مقابل 1,7 تريليون في الموازنة الحالية التي تنتهي في 30 يونيو المقبل.
وكشف حجازي أن الناتج المحلي الإجمالي في مشروع الموازنة الجديدة يبلغ 2,1  تريليون جنيه (303,5 مليار دولار)، بارتفاع نسبته 23,5%، مقارنة بـ1,7 تريليون جنيه في الموازنة الحالية. ولفت إلى أنه يتم اتخاذ إجراءات لزيادة الإيرادات، ومنها توسيع القاعدة الضريبية وإصلاح المنظومة التي تتعلق بها.
وأوضح حجازي أن هناك زيادة تبلغ 108,6 مليار جنيه في تقديرات مشروع الموازنة "المصروفات" عن العام المالي الحالي بنسبة 18,6%، وأشار وزير المالية إلى أن المصروفات في الموازنة الجديدة بلغت 692,4 مليار جنيها، وأن الإيرادات بلغت 497,1 مليار جنيها.
الموازنة الفعالة
وتعد الموازنة العامة لأي دولة أول أداة للتعبير عن ترتيب أولويات السياسة الاقتصادية؛ لذا فإن فاعلية الموازنة العامة يأتي من مدى ما يعكسه إعداد الموازنة من أولويات المجتمع الاقتصادية والتنموية في القطاعات المختلفة، وليس فقط أن يقتصر على سرد بنود الإنفاق العام وبنود الإيرادات العامة مثل الموازنة المحاسبية التجارية المعتادة.
وهناك ثلاث أنواع أساسية للموازنات العامة: موازنة البنود وموازنة الأداء وموازنة البرامج، وتعد موازنة البنود، والتي تنتمي إلها الموازنة المصرية أقدم أنواع الموازنات، وكانت تهدف إلى الرقابة على الإنفاق العام، وكانت انجلترا أول دولة استخدمت هذا النوع من الموازنة، وتقتصر موازنة البنود على حصر جميع إيرادات الدولة ونفقاتها بشكل مفصل وعرضها على السلطة التشريعية لاعتمادها ومن ثم مراقبتها.
أما موازنة الأداء فتبين الأهداف التي تطلب لها الاعتمادات المالية، وتكاليف البرامج المقترحة للوصول إلى تلك الأهداف، والبيانات والمعلومات الاحصائية التي تقيس الإنجازات، وكل ما أنجز من الأعمال المدرجة تحت كل برنامج؛ ومن ثم فموازنة الأداء تلقي الضوء على العمل الذي تم أو الخدمة التي أنجزت للتأكد من أن النتائج التي تحققت توازي ما كان مخططا لها .
وأخيرا جاء ظهور موازنة البرامج نتيجة الحاجة إلى ربط البرامج الحكومية بالخطة العامة للدولة، لذا فإن هذه الموازنة تهدف إلى تحديد الأولويات التنموية للدولة، وتقوم بالربط بين الاعتمادات الجارية والاستثمارية وبين تحقيق الأهداف المخططة.
ولكون الموازنة المصرية تنتمي للنوع الأول الذي يقصرها على مجرد وثيقة تعرض جانبي النفقات والإيرادات فإنها تظل غير فعالة رغم سهولة إعدادها؛ ذلك أنها تهتم فقط بالشق المحاسبي والتأكد من عدم تجاوز التخصيصات عند الانفاق، دون النظر إلى مدى أهمية هذه التخصيصات أو عوائدها على الناتج القومي أو ما حققته من إنجاز.
كما تفتقر موازنة الأداء إلى وسائل متابعة تنفيذ المشروعات والتي تكون في الغالب غير متصلة بخطة تنموية أو برنامج اقتصادي متكامل، مما يجعل هذا النوع من الموازنة قاصرا وغير قادر على التصدي لعجز الموازنة، لذا فإن العجز يتواصل على مدار الأعوام.
تطور عجز الموازنة
يعود ارتفاع عجز الموازنة في مصر إلى النمو المتواصل في النفقات العامة خلال الثلاثة وأربعين عاماً الماضية؛ فقد كان حجم النفقات 1,6 مليار عام 70/1971، ووصل إلى 200 مليار جنية عام 2012/2013.
كما أدى الاختلال الحاد بين الإصدار النقدي ( كمية النقود ) ونمو الناتج القومي الحقيقي إلى زيادة العجز في الموازنة، وكذلك قلة الإيرادات العامة بالمقارنة مع ارتفاع النفقات العامة وعدم وجود سياسات مالية قادرة على مسايرة التطور الاقتصادي والتحولات العالمية، ومن أمثلة ذلك عدم تطور النظام الضريبي بالشكل الذي يسهم في ارتفاع الإيرادات العامة.
هناك أيضا ارتفاع حجم الفوائد المدفوعة علي الديون المحلية والخارجية، وزيادة حجم الإنفاق الحكومي علي بناء وتطوير البنية الأساسية المطلوبة والخدمات الصحية والتعليمية، مع التزايد المستمر في عدد السكان مما يؤدي إلي تزايد الإنفاق الحكومي علي التعليم والصحة والإسكان وغير ذلك ومن ثم زيادة الفجوة بين الإيرادات والنفقات .
والجدول التالي يرصد تطور عجز الموازنة على مدار العشرين عاما السابقة:

العام المالي
العجز الكلي بالمليار جنيه
نسبة العجز الكلي إلى الناتج المحلي الإجمالي
1993/1994
3.7
2.1%
1994/1995
2.5
1.2%
1995/1996
3.0
1.3%
1996/1997
2.3
0.9%
1997/1998
2.8
1%
1998/1999
8.9
2.9%
1999/2000
13.2
3.9%
2000/2001
20.0
5.6%
2001/2002
22.2
5.9%
2002/2003
25.4
6.1%
2003/2004
28.6
5.9%
2004/2005
49.8
9.3%
2005/2006
49.8
8.6%
2006/2007
54.0
7.3%
2007/2008
59.2
6.8%
2008/2009
68.9
6.9%
2009/2010
98.6
8.3%
2010/2011
130.4
9.5%
2011/2012
170.0
11%
2012/2013
 (متوقع)200.0
10.7 %
2013/2014
 (متوقع)197.5 
9.5%


ويظهر الجدول أن عجز الموازنة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي قبل عام 2000/2001 لم يتعد نسبة 5%، في حين قفزت النسبة هذا العام من 5.6% إلى 9.3% عام 2004/2005، لتظل متأرجحة صعودا وهبوطا حتى وصلت أقصاها عام 2011/2012 لتصل إلى 11%، ثم عاودت الانخفاض حيث يتوقع في الموازنة الجديدة أن تصل نسبة العجز الكلي للناتج المحلي الإجمالي إلى 9.5%.

ويترتب على الخلل في عمليات إعداد وإدارة الموازنة العامة للدولة عدة مشكلات ترتبط بالكفاءة في تخصيص الموارد وعدالة التوزيع الجغرافي للموارد؛ فهناك أولاً تعدد في الجهات التي تقوم على الإنفاق العام على قطاعات بعينها ولعله من أبرز الأمثلة على ذلك قطاع الطرق الذى يشرف على تخطيطه والإنفاق عليه أكثر من خمس جهات، وهناك ثانياً مشكلات عدم عدالة التوزيع الجغرافي، الأمر الذي أدي إلى تكدس الفقراء في محافظات الصعيد على وجه الخصوص.
لذا فإن هناك ضرورة للدمج بين عمل وزارة التخطيط ووزارة المالية، ووضع إطار معلن للإنفاق العام متوسط الأجل وعدم الاكتفاء بالموازنة العامة السنوية، وأخيرا تحويل الموازنة من موازنة بنود إلى موازنة برامج.