خبرة شبكة إسلام أون لاين في تقديم الخدمات الإرشادية للمتعاملين مع الأيتام
إعداد: أمل خيري
المقدمة:
يقول الله تعالى "فأما اليتيم فلا تقهر" ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا"، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما (رواه البخاري)، هذا هو هدي الإسلام الحنيف في التعامل مع الأيتام والذي لم يقتصر على الكفالة المادية فحسب بل امتد للقيام بالرعاية النفسية والاجتماعية والتربوية والتعليم والتوجيه والإرشاد، إلا أن هذه الفئة في المجتمعات المعاصرة لم تلق الرعاية المطلوبة التي حث عليها الشرع ، كما أن المجتمع قد انتشرت فيه ظاهرة الأطفال مجهولي النسب نتيجة علاقات محرمة وهو ما استوجب ضرورة النظر لهذه الفئات من المجتمع وتوجيه الاهتمام بها.
موضوع البحث:
يدور هذا البحث حول فئة مهمشة في المجتمع وهي فئة الأيتام سواء من فقدوا عائلهم أو مجهولي النسب والذين ولدوا نتيجة علاقات غير شرعية فألقى بهم ذويهم دون ذنب اقترفوه فتلقفتهم دور الرعاية المنتشرة في المجتمع وكانت هذه المؤسسات في حاجة للتوجيه والإرشاد في المجال النفسي والتربوي والاجتماعي وهو الدور الذي اضطلعت به شبكة إسلام أون لاين ولذا يستعرض البحث هذه التجربة في محاولة للاسترشاد بها وتسليط الضوء على أهم جوانبها.
أهداف البحث:
يسعى البحث لرصد خبرة شبكة إسلام أون لاين في تقديم الخدمات الإرشادية للمتعاملين مع الأيتام باعتبار أهمية هذه الفئة في المجتمع ووضعها الحساس ، خاصة الأطفال مجهولي النسب والذين ينظر إليهم المجتمع نظرة قاسية وغالبا ما يحاسبوا على ذنب لم يقترفوه ، لذا يحاول البحث تسليط الضوء على هذه الفئة ووضعها في الأسرة والمجتمع ودور كل من الأسرة والمجتمع في احتواء هؤلاء الأطفال ورعايتهم نفسيا واجتماعيا وماديا وإبراز أهم القضايا المثارة حول اليتيم وكيفية معاملته وحول قضايا اللقيط ورعايته مثل مسألة نسبه ونفقته والتبني واستلحاق النسب ووضعه في دور الرعاية ونظرة المجتمع له ، وذلك من خلال بيان رؤية شبكة إسلام أون لاين لهذه القضايا مع عرض لتجربة الشبكة في توجيه المتعاملين مع هذه الفئة سواء المتخصصين الاجتماعيين في دور الرعاية أو المتخصصين النفسيين أو المتطوعين من المؤسسات أو الأفراد ، وذلك من خلال استعراض تجربة موقع "يوم اليتيم" الذي أطلقته شبكة إسلام أون لاين كنواة لمبادرة مشروع تأسيس "الشبكة العربية للمؤسسات العاملة في مجال رعاية الأيتام" الذي تتبناه إسلام أون لاين.
أهمية البحث:
ترجع أهمية هذه الدراسة إلى ما عانته هذه الفئة المحرومة في المجتمع وما يعتلج في داخلها من مشاعر نفسية متباينة تجاه المجتمع في محاولة لتصحيح النظرة السلبية من المجتمع لهؤلاء الأطفال الأبرياء الذين لا ذنب لهم سواء في فقد عائلهم أو في كونهم مجهولي النسب ، ولأن هذه الفئة لا يمكن استئصالها من المجتمع أو التغاضي عنها فقد نشأت المؤسسات ودور الرعاية العاملة في مجال كفالة ورعاية الأيتام واللقطاء وفي كثير من الأحيان تعاني هذه المؤسسات من مشكلات في التعامل مع هذه الفئة سواء كانت مشكلات تربوية أو نفسية أو سلوكية لذا فإن تجربة شبكة إسلام أون لاين في تقديم الخدمات الإرشادية للمتعاملين مع هذه الفئة يساهم في دعم دور هذه المؤسسات على مستوى العالم العربي والتشبيك فيما بينها لصالح هذه الفئة الأساسية من المجتمع .
تساؤلات البحث:
يحاول البحث الإجابة على مجموعة من التساؤلات لاستجلاء القضايا المتعلقة بالطفل اليتيم من النواحي التربوية والنفسية والسلوكية والاجتماعية والشرعية وذلك من منظور شبكة إسلام أون لاين ومن أهم هذه التساؤلات:
1. ما هو تعريف اليتيم ، اللقيط ، مجهول النسب ؟ وما هي الفروق بينهم؟
2. ما هي نظرة الشرع الإسلامي لكل من هؤلاء؟ وما هي حقوقهم المكفولة لهم؟
3. ما هي المشكلات النفسية التي يعاني منها اليتيم ومن في حكمه؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟
4. ما هو دور المجتمع بأفراده ومؤسساته في رعاية وكفالة اليتيم ومن في حكمه؟
5. ما هي المشكلات التي يواجهها الطفل اليتيم داخل الأسرة وفي دور الرعاية؟
6. ما هي ملامح تجربة شبكة إسلام أون لاين في تقديم الخدمات الإرشادية للمتعاملين مع الأيتام ومن في حكمهم؟
إجراءات البحث:
يعتمد البحث في أساسه على:
· أداة تحليل المضمون Content Analysis:
وهي " أحد الأساليب البحثية التي تستخدم في وصف المحتوى الظاهر أو المضمون الصريح للمادة الإعلامية أو الرسالة الإعلامية وصفاً موضوعياً،منتظماً ، تلبية للاحتياجات البحثية المصاغة في تساؤلات البحث أو فروضه، بهدف وصف الاتجاهات التي ينطوي عليها المضمون الإعلامي" ، حيث تم تحليل مضمون المواد الإعلامية المنشورة على شبكة إسلام أون لاين فيما يخص قضايا اليتيم وهذه المواد متنوعة في شكل مقالات وحوارات وتحقيقات وتغطيات إعلامية واستشارات وفتاوى ، وذلك بهدف استخلاص رؤية الشبكة لقضايا الطفل اليتيم بأبعادها المختلفة.
حيث تم تحليل مضمون 89 مادة إعلامية تشمل:
· 20 استشارة تربوية واجتماعية ونفسية.
· 32 فتوى شرعية.
· 12 مقال.
· 5 حوارات حية.
· 20 مادة تغطيات إعلامية منوعة في شكل تحقيقات وحوارات وبيانات ووثائق ...
تقسيم البحث:
ينقسم البحث إلى أربع مباحث تسلط الضوء على رؤية شبكة إسلام أون لاين في القضايا المحيطة بفئة الأيتام واللقطاء.
1. حيث يدور المبحث الأول حول تعريفات أساسية : اليتيم – اللقيط – مجهول النسب - إثبات النسب – التبني – استلحاق النسب..... مع استعراض رؤية الشرع لهذه الفئات وطرق رعايتها.
2. ويدور المبحث الثاني حول المشاعر النفسية التي تكتنف الطفل اليتيم أو اللقيط وأهم المشكلات النفسية والاجتماعية والتربوية التي تعاني منها هذه الفئات.
3. أما المبحث الثالث فيتناول دور المجتمع ومؤسساته الفاعلة في رعاية هذه الفئات وأهم المشكلات والعقبات التي تواجهها.
4. ويستعرض المبحث الأخير تجربة شبكة إسلام أون لاين في تقديم الخدمات الإرشادية للمتعاملين مع هذه الفئات من خلال عرض تجربة موقع يوم اليتيم الذي بثته الشبكة منذ عام 2005 حتى اليوم.
مصادر البحث:
تعتمد الدراسة على المواد المنشورة على شبكة إسلام أون لاين بأقسامها المختلفة سواء القسم الشرعي أو الاجتماعي أو التربوي وأتت هذه المواد في صور مختلفة كالاستشارات والفتاوى والمقالات والتحقيقات والحوارات ، كما تعتمد الدراسة على رصد المواد المنشورة في موقع يوم اليتيم والذي أطلقته شبكة إسلام أون لاين منذ عام 2005.
*****************
المبحث الأول
قضايا أساسية حول الأيتام ومن في حكمهم
في هذا المبحث نحتاج لتحديد بعض المفاهيم المتناولة وبيان رؤية شبكة إسلام أون لاين في أهم القضايا الشرعية المتعلقة بهذه الفئات من المجتمع من خلال العناصر التالية:
· من هو اليتيم؟
· من هو اللقيط (مجهولي النسب)؟
· كفالة اليتيم فضلها وأحكامها وشروطها.
· كفالة اللقطاء.
· قضايا متعلقة بالنسب مثل : إثبات النسب – التبني واستلحاق النسب.
1. من هو اليتيم؟
يمكن تعريف اليتيم بأنه هو الذي مات أبوه ولم يبلغ مبلغ الرجال ، فإذا بلغ الصبي الرشد لم يعد يتيما ، إلا إذا كان في عقله سفه أو جنون ؛ فيظل في حكم اليتيم وتستمر كفالته ، والبنت تظل في الكفالة حتى تتزوج ، لقوله تعالى : ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ).
2. من هو اللقيط؟
أما اللقيط فهو مولود حيٌّ، طرحه أهله خوفًا من الفقر، أو فِرارًا من التُّهْمة، وهو تعريف يُصور لنا شأن اللقيط باعتبار الأسباب التي تدعو غالبًا إلى نبْذه وطرحه، وأنها لا تكاد تخرج عن أمرين: إما الخوْف من الفقر وعدم القُدرة على تربيته والإنفاق عليه أو لكثرة العيال ، وإما الخوْف من تُهمة العرض.
ويكن إضافة سببين آخرين لتزايد أعداد اللقطاء تتمثل في استمرار بعض النعرات الجاهلية التي تقضي بالتخلص من الإناث وتفضيل الذكور وللأسف ما زالت موجودة لدى البعض وإن كانت نادرة ، وسبب أخير يتمثل فيما يترتب على وقوع زنا المحارم فيعمد الأهل للتخلص من نتاج هذا الزنا خشية الفضيحة.
3. كفالة اليتيم فضلها وأحكامها وشروطها:
يؤكد خطاب إسلام أون لاين على أن كفالة اليتيم من أعظم أبواب الخير التي حثت عليها الشريعة الإسلامية قال الله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) سورة البقرة الآية 215 .
ووردت أحاديث كثيرة في فضل كفالة اليتيم والإحسان إليه منها : عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما ) رواه البخاري،وقال النبي صلى الله عليه وسلم :( من ضم يتيماً بين مسلمين في طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة ) رواه أبو يعلى والطبراني وأحمد،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال: وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم لا يفطر) رواه البخاري ومسلم.
ويوضح خطاب إسلام أون لاين صور كفالة اليتيم والتي تكون بضم اليتيم إلى حجر كافله أي ضمه إلى أسرته، فينفق عليه، ويقوم على تربيته، وتأديبه حتى يبلغ؛ وهذه الكفالة هي أعلى درجات كفالة اليتيم حيث أن الكافل يعامل اليتيم معاملة أولاده في الإنفاق والإحسان والتربية وغير ذلك ، وهذه الكفالة كانت الغالبة في عصر الصحابة ،فالصحابة رضي الله عنهم كانوا يضمون الأيتام إلى أسرهم وذلك كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بأولاد أبي سلمة - رضي الله عنه - الذي مات سنة 4هـ عن أولاد صغار ، وعن زوجته الكريمة أم سلمة، فيتم الأطفال ، وتأيمت المرأة ، فقام النبي صلي الله عليه وسلم بكفالتهم جميعًا كما يكفل أبناءه.
وتكون كفالة اليتيم أيضاً بالإنفاق عليه مع عدم ضمه إلى الكافل كما هو حال كثير من أهل الخير الذين يدفعون مبلغاً من المال لكفالة يتيم يعيش في جمعية خيرية أو يعيش مع أمه أو نحو ذلك، فهذه الكفالة أدنى درجة من الأولى، ومن يدفع المال للجمعيات الخيرية التي تعنى بالأيتام يعتبر حقيقة كافلاً لليتيم وهو داخل إن شاء الله تعالى في قول النبي صلى الله عليه وسلم :( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ).
وكفالة اليتيم المالية تقدر حسب مستوى المعيشة في بلد اليتيم المكفول بحيث تشمل حاجات اليتيم الأساسية دون الكمالية، فينبغي أن يتوفر لليتيم المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن، والتعليم بحيث يعيش اليتيم حياة كريمة، ولا يشعر بفرق بينه، وبين أقرانه ممن ليسوا بأيتام .
أما عن واجبات وصي اليتيم نحو ماله فتتمثل في الإنفاق عليه من ماله في غير إسراف ولا تقتير، إخراج الزكاة إذا وجبت في هذا المال،العمل على تنمية واستثمار هذا المال حتى لا تأتي عليه النفقة والزكاة، مع الحذر الشديد من الترخص مع النفس بأكل مال اليتيم بغير حق لقوله تعالى:(وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا) النساء: 2،كما أنه ليس لولي اليتيم أن يأكل شيئا من مال اليتيم، إلا إذا كان فقيرا فله أن يأكل بالمعروف، غير مبادر إلى النهم والإسراف في تناول هذا المال، للنص القرآني: ( وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا) النساء: 6،وإذا بلغ اليتيم سن النكاح، وأونس منه الرشد والتمييز وجب دفع أمواله إليه، مع الإشهاد على ذلك.
4. كفالة اللقيط فضلها وأحكامها وشروطها:
قرَّر الفقهاء أن أخذ اللقيط واجبٌ على مَن يجده؛ لأنه إحياء لنفسٍ صارت موجودة، ومِن هنا قال الفقهاء : مُضَيِّعُهُ آثِمٌ، وآخِذُهُ غانم وذلك لقوله تعالى (ومَن أحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا الناسَ جَمِيعًا) ٌ، واللقيط متى ثبت نسَبه ثبتت له جميعُ حقوق البُنُوَّةِ، مِن نَفقةٍ وتربية وميراث، أما إذا لم يدَّعِ أحدٌ نسبه فإنه يظلُّ بيد المُلتقط، تكون له وِلايته وعليه تربيته ، ونفقتُه في تلك الحالة واجبة على بيت المال، يُنفق عليه وهو في يَدِ المُلتقط، واللقيط أحقُّ بالعطف والرعاية مِن كل ذي حاجة سواه ، وكما يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر السابق "ولا ريب في أنَّ اللقيط قد جمع معاني اليُتْمِ والمَسْكنة والأَسْرِ، فهو يتيم فقَدَ أباه ومن يرعاه، ومسكين أُسكن في التراب وفي الزقاق وفي الشواطئ، وأَسير شُدَّ وَثَاقُهُ، وكُبِّلَتْ حياته، وعُقدتْ عليه سُبُلُها. فهو ـ إذنْ ـ أحقُّ بالعطف والرعاية، والحضِّ على إطعامه مِن كل ذي حاجة سواه، ولا يبعد أن يكون لهذه الآيات الكريمة أثرٌ كبيرٌ في توجيه أهل الخير إلى تأليف جمعياتِ الطفولة المُشرَّدة، ومدُّها بوسائل الحياة لإيوَائها والعناية بها".
بل احتاط الإسلام في رعاية هذا المنبوذ فاشترط الفقهاء في لاقطه أو من يرعاه أن يكون صالحًا لرعايته، أمينًا رشيدًا حسن السلوك، وقرّروا له نفقة تكفي لرعايته رعاية حسنة، وحرّموا رَميَه بأنه ابن زنا، فإنّه لا ذنب له في ذلك، وقرّروا بناء على الحديث ضم ولد الملاعنة التي رماها زوجها بالزِّنا ونفى الولد عنه ـ إلى أمِّه ، وذلك مظهر من مظاهر رعايته وعدم إهماله.
وجاء في كتاب " كشف الغمة " للشعراني ج2 ص138: لمّا تَلاعن هلال وزوجته قضى النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ: ألا يُرْمَى ولدُها ـ يعني لا يُقذف بأنّه ابن زنا ومن رماه فعليه الحدّ. قال عكرمة: فكان الولد بعد ذلك أميرًا على مصر ـ أي على بلد من البلاد ـ وما يُدعى إلا لأمِّه.
5. قضايا متعلقة بالنسب:
ركز خطاب إسلام أون لاين على بعض القضايا الشرعية المثارة بشأن نسب اللقيط وحكم التبني والاستلحاق ويمكن إجمالها فيما يلي:
· نسَبُ اللَّقِيطُ ونَفَقَتُه:
النسب في اللغة يطلق على معان عدة؛ أهمها: القرابة والالتحاق ، وتنحصر أسباب النسب في الإسلام في أصلين؛ هما: النكاح، والاستيلاد، لقوله تعالى: "وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ" سورة النساء، الآية: 23، فدل على أن الابن لا يكون ابنًا إلا أن يكون من الصلب، مع قوله تعالى: "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ" سورة المؤمنون، الآيات: 5- 7، مما دل على تحريم العلاقة الخاصة مع النساء إلا في إطار هذين المذكورين، وأي نتاج بغيرهما لا يعتد به من جهة الرجل. أما من جهة المرأة فينسب إليها كل ما تلده، لأنه يجري على قاعدة الآية "أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ" سورة النساء، الآية: 23، وأيضًا قوله تعالى: "إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ" سورة المجادلة، الآية: 2.
ولذا فقد اتَّفقَ أهل الفقه أنه إذا ادَّعى نسَب اللقيط رجلٌ مسلم، وهو يعتقد أنه ليس ابن غيره، ثبت نسَبه منه، حِفْظًا لكرامته وإعزازًا له بين أُمته بانتسابه إلى أبٍ معروف، ومتى ثبت نسبُه ثبتت له جميعُ حقوق البُنُوَّةِ، مِن نَفقةٍ وتربية وميراث، أما غير ذلك فنفقته على بيت المال، وقد ورَد عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال لمَن التقطَ طفلًا: "لكَ ولاؤُهُ، وعلينا نَفَقَتُهُ". وكان يفرض له مِن النفقة ما يُصلحه ويقوم بشأنه، ويُعطيه لولِيِّه كل شهر، ويُوصي به خيرًا. ومع هذا قرَّر الفقهاء أن المُلتقط إذا كان سيئ التصرُّف، لا يهتدي إلى وُجوه التربية المثمرة، أو كان غير أمين على ما يُعطي مِن نفقته، وجب نزعُه مِن يده، ويتولى الحاكم عندئذ تربيته والإشراف عليه، كما يتولَّى رزقه ونفقتُه.
· التبني واستلحاق النسب:
ويؤكد خطاب إسلام أون لاين على أن التبني أمر حرمه الله في الإسلام منذ عهد النبوة وبدأ بقصة مولي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ زيد بن حارثة الذي تبناه النبي وكان يدعي زيد بن محمد حتى نزل قول الله تعالي: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين) ، ومن هنا فلا يجوز شرعا أن يتبني رجل ابنا ولا بنتا وينسبها لنفسه بهذا المعني، فاستلحاق مَنْ ليس ولدًا له بأي طريقٍِ مِنَ الطُّرق فهذا حرام كالتبني، بل هو التبني بعَينِه.
والبديل للتبني الرعاية والاحتضان ومعاملته معاملة الابن، سواء كان يتيما أو لقيطا خاصة من حيث الإعالة بالنفقة في المطعم والكسوة والتعليم وحسن التربية حتى إذا بلغ السن التي يقوي فيها علي إعانة نفسه أو تزوجت البنت تركناهما وشأنهما مع استمرار الإحسان إليهما بشرط عدم نسبتهما إلينا في أي شهادة ميلاد رسمية بل نختار لهما اسما آخر يناسبهما إن لم يكن لهما آباء معروفون يدعون إليهم ويفرق بينهم في المضاجع عند البلوغ وتحتجب المحارم كالزوجة والبنت الحقيقية عن الذكر منهما، والبنت منهما عن الذكر من أولادنا وعنا أيضا لأن الحرمة قائمة بين الجميع كالأجانب حيث هم كذلك في الواقع، إلا إذا كان قد تم لهما رضاع من الزوجة فيأخذون حكم الرضاع في الحرمة وجواز الدخول مع التحفظ أيضا.
*****************
المبحث الثاني
مشاعر اليتيم واللقيط ومشكلاتهما النفسية
لم يقتصر خطاب إسلام أون لاين على الاهتمام بكفالة اليتيم واللقيط ماديا فحسب بل وجه اهتماما كبيرا بالمشاعر والانفعالات النفسية التي تعتري الطفل في هذه الحالات نتيجة فقد أحد والديه أو كلاهما أو نتيجة شعوره بأنه منبوذ من المجتمع لكونه مجهول النسب ، وقد تبين من خلال الاستشارات والاستفسارات التي وردت لشبكة إسلام أون لاين حجم المأساة التي يعيشها هؤلاء الأطفال نتيجة الشعور بالحرمان وظهرت عدة مشكلات تباينت بين الأطفال الأيتام لوفاة أحد والديهم وبين اللقطاء ومجهولي النسب ويمكن استخلاص أهم هذه المشكلات النفسية في النقاط التالية:
· الرعاية النفسية لليتيم:
ويؤكد خطاب إسلام أون لاين على أن عناية الإسلام بالأيتام ليست مقتصرة علي الحث على الكفالة والرعاية، بل كذلك في إشعارهم بالحنان والمحبة ، وإدخال الأنس في قلوبهم الذي كانوا يألفونه من آبائهم ، حتى لا يشعروا بفقد الأب الحاني لوجود من يعوضهم عن حنوه وعطفه وبره :
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال (امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين) ( رواه أحمد) ،وعن أبي أمامة - رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له في كل شعرة مرت عليها يده حسنات ومن أحسن إلى يتيمه أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين ، وفرق بين أصبعيه السبابة والوسطى ) .(أحمد).
ولا شك أن اليتيم وهو الذي لم يزل في عالم الطفولة الآنسة بالملاعبة والملاطفة ، سيأنس جدًا بمثل هذه المسحة الحانية، وهذا التلطف الأبوي ، وسيجد بذلك من يعوضه عن أبيه في مثل ذلك الأنس الذي فقده إياه ، وما كان سينال ذلك لولا هذا التوجيه النبوي العظيم الذي يجعل كل المسلمين أبًا حنونًا علي اليتيم .
فلا شك أن الموت مصيبة كبرى ومشاعر الإنسان بعد فقد أحد أحبائه ليست بالمشاعر الهينة وفي كثير من الأحيان قد تؤدي وفاة الوالد أو الأم المفاجئة لحدوث صدمة للطفل اليتيم حيث يشعر فجأة بالحرمان من مشاعر الحب والاحتواء والتي تتزايد في حالة فقد الوالدين معا وفي حالة انصراف الأهل عن هذا الطفل فتزداد حساسية الطفل وتصاب انفعالاته بالحدة والتي قد تظهر في أشكال متعددة بدءا من الصراخ والبكاء المستمر والتعبير عن الحزن بصورة عصبية بالغة وانتهاء بالانسحاب والانطواء والانعزال عن الآخرين ليعيش الطفل عالما خاصا به يعيش فيه أحلام اليقظة ويتخيل صورة رمزية لمن فقده يتعايش معها بصورة تؤرقه وتعزله عن الواقع ، وتزدد الأمور تفاقما في حالة حدوث الوفاة في حادث يشهده الطفل حيث يصاب بالفزع والخوف المبالغ والذي ربما يظهر في أشكال متعددة كالتبول اللاإرادي أو السرحان أو التأخر الدراسي ، وفي بعض الأحيان قد يدفع الحب الأم لتبالغ في تدليل طفلها اليتيم تعويضا له عن فقد الأب فيضاف إلى يتمه سوء خلقه، ولذا فقد نبه خطاب إسلام أون لاين على أن الطفل يدرك مشاعر الفقد ولكنه لا يدرك معنى الموت إلا بأنه حرمان من الحب والحنان ممن فقده وإذا كان الكبار يواسي بعضهم البعض أو ينشغلون في أنشطة أخرى إلا أن الطفل لا يهتم أحد بمواساته وهذه نظرة خاطئة لابد من تعديلها لأن الطفل اليتيم في حاجة للاحتواء والتعويض ولأن يدرك أن هناك من يدرك أحاسيسه ويحترمها بل ويعوضه عما فقده.
أما عن أحلام اليقظة فيؤكد مستشارو إسلام أون لاين أن دور الأب يتمثل في 3 مراحل هي الأب الواقعي - الأب المتخيّل – الأب الرمزي ، فالأب الواقعي: ويمثله الوجود الفعلي المادي للأب إلى جانب الوجود المعنوي،أما الأب الرمزي: وهو متضمن في المسؤولية والسلطة والقانون والقيم والتوجيهات والطموحات؛ فكل هذه الأشياء تسكن في النفوس وتحركها وكأنها الضمير الإنساني، فهي التي تخلق الدافع لدى الأبناء والاهتمامات وتدفعهم إلى النجاحات، وأخيرا الأب المتخيّل: هو صورة متخيلة للأب الغائب ماديًّا ومعنويًّا يخترعها الشخص؛ ليهرب بها من الصدمة والواقع إلى أحلام اليقظة، ليخفف بها من إحباطات الواقع، وهذا هو تعريف أحلام اليقظة "ميكانيزم دفاعي للهروب من إحباط الواقع".
لذا لابد من محاولة سحب الطفل – تدريجيًّا – من عالم أحلام اليقظة بهدوء إلى عالم الواقع، عن طريق استبدال الأب الرمزي بالأب المتخيل مع محاولة ملء مساحة من الفراغ المادي الذي خلفه فقد الأب ، بتوسيع دائرة المحتضنين للطفل من الأقارب والأصدقاء ، كما يفيد الاشتراك والاندماج في رياضة لما لها من أهمية في سحب القدر الأكبر من طاقة الطفل التي يقضيها في أحلام اليقظة.
· دمج اليتيم في المجتمع:
الطفل اليتيم غالبا ما يعاني من حساسية مفرطة في تفسير تصرفات الآخرين تجاهه؛ نظرا لاضطرابات الطبع التي تتولد لديه جراء ما يعانيه، وهذه التصرفات تتجه للعالم الخارجي الذي كثيرًا ما يكون سلبيًّا في تعامله مع نفسية اليتيم؛ فيكون الزجر والعنف والقسوة؛ لذا كانت عناية الإسلام بنفسية اليتيم،والتلطف في معاملته كبيرة؛ فقد قال تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ).
وكافل اليتيم يجب أن يدرك أن عمله يختلف عن الصدقة والزكاة؛ حيث إن كفالة اليتيم تحتاج منه لمتابعة ومراقبة ونصح واهتمام ولو عن بعد، وهذا يعود بنتائج إيجابية على نفسية اليتيم، ويساعده في أن يصبح إنسانًا سويًّا صالحًا، ولذا فقد حض الإسلام على مخالطتهم وإشراكهم في المجتمع؛ ذلك أن العزلة لها آثارها الخطيرة على نفسية الطفل، خاصة إذا كان يعاني من هذه الحساسية التي يعاني منها من فقد أحب الناس إليه؛ حيث يقول تعالى في معرض حديثه عن منظومة القيم الأسرية والاجتماعية: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) ، ويؤكد خطاب إسلام أون لاين على أن يدرك كافل اليتيم أن إكرام اليتيم يكون بقدر مخالطته للمجتمع واندماجه فيه ، ومن مظاهر إكرام اليتيم أن يحرص على تأديبه ورعايته ومراقبته ومحاسبته، كما يفعل مع ولده؛ فقد روي عن الإمام علي رضي الله عنه أنه قال: "أدِّب اليتيم مما تؤدب به ولدك، واضربه مما تضرب به ولدك"، وهذا نبي الله زكريا يتابع السيدة مريم ويراقبها ويسألها عن الرزق الذي وجده عندها (يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ).
· متى نخبر الطفل بالموت؟
اهتم خطاب إسلام أون لاين أيضا بالإجابة عن سؤال "متى نخبر الطفل بموت والده أو والدته؟"
وقد أوضح المستشارون أن الطفل الصغير في مرحلة ما قبل المدرسة ورغم تعرضه لمفهوم الموت أو بمعنى أدق لموت أحد من الأحياء من حوله، سواء كانوا بشرًا أو قططًا أو عصافير، رغم تعرضه خلال سنوات حياته تلك لرؤية كائن كان حيًّا ثم مات، رغم ذلك فإن مفهوم الطفل للموت لا يكون واضحًا ولا مكتملاً ويتباين أشد التباين بين طفل وآخر.
حيث يتسم تفكير الطفل في سن ما قبل المدرسة بالتمركز حول الذات Egocentrism ، وبالتفكير السحري Magical Thinking، وبالاعتقاد في حيوية المادة Animism، وبعدم دقة الإحساس بالوقت وكذلك عدم دقة فهم أو توقع السببية في حدوث الأشياء؛ ولذلك فإن قدرة الطفل على فهم الموت أو تصور الطفل للموت في مثل هذه المرحلة قد يكون أمرًا يحدث تدريجيًّا أو أنه غير مكتمل الحدوث أو أنه نوع من أنواع العقاب أو ربما يرى الموت حدثًا قابلاً للعكس أي عودة الميت للحياة، أو ربما فكّر بعض الأطفال في هذه المرحلة العمرية (أن موت قريب أو حبيب) هو بسبب أفكار الطفل أو أفعاله الشخصية.
بينما يكون ذلك قبل المدرسة نجد في أطفال سنوات المدرسة الأولى أن التمركز حول الذات والتفكير السحري والاعتقاد بحيوية المادة كطرق تفكير جبرية في السنوات السابقة تصبح أقل قيادة للتفكير، وتتحسن دقة الإحساس بالوقت كما تتحسن القدرة على فهم السببية في حدوث الأشياء، ورغم وجود فروق معرفية كبيرة واختلافات واسعة في النمو النفسي والاجتماعي بين مختلف الأطفال في تلك المرحلة وما يليها وصولاً إلى المراهقة، رغم ذلك كله فإن طفل العاشرة غالبًا ما يستطيع فهم الموت كظاهرة تغير دائم نهائي وعالمي شامل، وكيف يتطور مفهوم توقف الوظائف ومفهوم السببية.
وعلى الأسرة مساعدة الطفل على فهم الموت بصورة صحيحة، ومساعدته في التعبير عن إحساسه وعواطفه في حالة الموت بصورة طبيعية، والإجابة على تساؤلاته عن الموت، وإشباع حب الاستطلاع لديه عن حالات الموت وشرح ماهية الموت بصورة يستطيع فهمها.
وفي كل الحالات يجب أن نعرف أنه ليس من الجائز أو المرغوب فيه إخفاء الموت عن الطفل.
· مشاعر اللقيط وانفعالاته:
وإذا كان الأمر بالنسبة للطفل اليتيم يقتضي مراعاة مشاعره النفسية فإن اللقيط أحق بهذه العناية لكونه فقد الأب والأم معا إضافة إلى نبذه من المجتمع بعد أن نبذه والداه ، لذا فقد حرصت شبكة إسلام أون لاين على التأكيد على أن هذا الطفل جاء إلى الحياة بغير ذنب جناه، وأن من حقه أن ينعم بالحياة كأي طفل وأن تبذل كل الجهود لرعايته وتهيئة الظروف له كي ينشأ بشكل أقرب ما يكون للطبيعي رغم كل الظروف السلبية التي أحاطت بمقدمه ونشأته، وعلينا كمجتمع أن نحفظ له كرامته كإنسان وندعم هويته المهتزة أو المكسورة كلما أمكن ذلك، وألا نحاسبه على خطأ لم يرتكبه مصداقا لقوله تعالى: "وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى". ، لذا فقد عاشت إسلام أون لاين مع مشاعر اللقيط النفسية في كافة مراحله كما يلي:
§ ففي فترة الحمل حين تدرك الأم أنها حامل من علاقة غير شرعية أو علاقة سرية (زواج عرفي غير مثبت) ينتابها القلق على مصير هذا الحمل، وربما تكون هناك محاولات للتخلص من هذا الحمل هربا من مشاكله وتبعاته ، ومن المعروف علميا أن مشاعر القلق أو الخوف أو الغضب أو أي مشاعر سلبية أخرى تنتقل إلى الجنين عبر رسائل كيميائية تنتشر في دم الأم، ومن هنا نتوقع زيادة احتمالات القلق والتوتر في الطفل الذي نشأ جنينا لأم قلقة مضطربة. كما أن مشاعر الرفض للجنين تنتقل إليه وتؤثر في صفاته بعد الولادة فيأتي إلى الحياة ولديه مشاعر غضب زائدة عن أقرانه، إضافة إلى أن الجنين يتأذى كثيرا عضويا ونفسيا بمحاولات الإجهاض التي تجرى للتخلص منه وتترك هذه المحاولات آثارا غائرة قد لا يمحوها الزمن.
§ أما بعد الولادة فيُستقبل هذا المولود استقبالا فاترا وربما تجرى محاولات للتخلص منه بالقتل أو إلقائه على قارعة الطريق، وحتى إذا لم يحدث هذا فإن الأم وأسرتها يشعرون أنهم في "ورطة" مع وجود هذا الطفل مجهول الأب أمام الناس، وهذا ينعكس في صورة إهمال للطفل، ومشاعر سلبية تجاهه قد تكون ظاهرة أو تكون خفية، ولكنها في النهاية تصل إليه وتؤذيه ويشعر معها بطرق مختلفة أنه غير مرغوب فيه؛ ومن هنا تنشأ لديه مشاعر عدائية نحو الآخرين الذين يرفضونه أو يهملونه أو ينوون التخلص منه أو -على الأقل- يتمنون ذلك.
§ وفي مرحلة الطفولة لا ينعم هذا الطفل بحياة طبيعية فالأم في حالة تعاسة بسبب تنكر الأب لابنه، وهي إما تسعى بين المحاكم لإثبات نسبه أو تتذلل لأبيه لقبوله وقبولها، وهي في كل الحالات تواجه وصمة اجتماعية وأخلاقية لا تقل-بل تزيد- عن تلك التي يواجهها طفلها، وبما أن الأم هي المحضن الوحيد للطفل في هذه الحالة فإننا إذن نتوقع أن تنعكس حالتها النفسية التعسة والغاضبة على طفلها ويعاني الاثنان معا نظرة اجتماعية جارحة وواصمة ومؤلمة ورافضة ومتسائلة ومتشككة، مهما بدا في الظاهر غير ذلك ، والطفل حين يكبر يكتشف أنه مختلف عن أقرانه الذين يرى آباءهم يحضرونهم إلى المدرسة أو يستقبلونهم بالأحضان عند انتهاء اليوم الدراسي ويصحبونهم إلى البيت ويشترون لهم الهدايا ويصحبونهم في الرحلات ويحمونهم من أية مخاطر تهددهم، أما هو فلا يجد حوله إلا أما بائسة ضعيفة منبوذة كسيرة غاضبة وحيدة.
§ وفي مرحلة المراهقة تحتد الأزمة حين يتأكد المراهق أنه مجهول النسب، خاصة أن هناك ما يسمى بأزمة الهوية التي يمر بها كل مراهق لتتحد كينونته وأهدافه وتوجهاته في هذه المرحلة من العمر، وإذا كان المراهق العادي يمر بهذه الأزمة مع بعض الصعوبات المحتملة فإننا نجد أن المراهق مجهول النسب يعاني بشدة في هذه المرحلة؛ لأن أصل الهوية الشخصية والعائلية مفقود، فهو لا يعرف من أبوه؛ وبالتالي لا يعرف إلى من ينتمي.
ولا يتوقف الأمر لدى الطفل أو المراهق مجهول النسب عند عدم معرفته بأبيه، وإنما يزيد على ذلك نظرته لأمه التي أنجبته من علاقة خاطئة ولم تهيئ له مقدما طبيعيا لهذه الحياة، وهنا تتكون لديه مشاعر متناقضة نحو أمه؛ فمن ناحية هي مصدر الانتماء الناقص والوحيد له، وأيضا مصدر الرعاية -إن كان ثمة رعاية- وفي نفس الوقت هي مصدر الوصمة الاجتماعية وعدم الاحترام له ولها.
ولهذا نجد أن مشاعره يختلط فيها الحب بالكراهية والغضب والاحتقار والعتاب والاحتجاج، وهذه المشاعر المتناقضة ليست فقط من الطفل أو المراهق تجاه أمه وإنما تسير أيضا من الأم تجاه ابنها أو ابنتها، فعلى الرغم من الحب الأمومي الفطري فإن هناك مشاعر رفض وتورط، فهذا الابن يعلن عن الخطيئة أو الخطأ ليل نهار أمام كل الناس، كما أنه يمثل جزءا من هذا الأب الذي استغل الأم ثم تركها تواجه عواقب هذا الفعل وحدها وتعاني من آثاره هي وابنها مستندا في ذلك إلى نصوص قانونية تحميه في الدنيا ولا تنفعه في الآخرة، كما أن هذا الطفل قد يعوق زواج أمه ويصبح عقبة في طريق حياتها.
· متى وكيف نخبر اللقيط عن نسبه؟
يوضح خطاب إسلام أون لاين أن الإجابة تتوقف على عوامل كثيرة، ولكل حالة السيناريو المناسب لها، ولكن الخبرة أثبتت أنه من الأفضل إخبار الطفل فيما بين الثانية والرابعة من عمره بشكل بسيط يستوعبه عقله الصغير، فيقال له إن أباه قد ذهب بعيدا وإن من يقوم على رعايته يحبه ولن يتخلى عنه أبدا، وذلك حتى لا يعلم الطفل بحقيقة نسبه من خارج الأسرة، فيشعر عندئذ أن من يقومون على رعايته قد أخفوا عنه الحقيقة.
وليس من المفيد إخباره بتفاصيل الأمر لأن ذلك قد يؤدي إلى كراهيته للأب الذي غرر بأمه ثم تخلى عنها، ويؤدي إلى نظرة احتقار لأمه، كما يجب عدم تلفيق قصص وهمية،وبعض الأسر تؤجل ذلك حتى سن السابعة أو الثامنة حتى يستطيع الطفل استيعاب الموقف بشكل أفضل،أو تؤجل ذلك حتى يكبر الطفل ويصل إلى مرحلة الشباب ويصبح قادرا على الاستقلال والاعتماد على نفسه، وفي كل الحالات يجب مواجهة الآثار التي تترتب على معرفة الشخص بحقيقة نسبه ودعمه نفسيا حتى يتجاوز هذه المحنة.
أما بخصوص تسمية هذا الطفل، فأحيانا يعطى اسما اعتباريا غير محدد تختاره أمه كيفما اتفق، وفي أحيان أخرى يعطى اسم عائلة أمه، مع الوضع في الاعتبار المسائل الفقهية الخاصة بالتبني والميراث وغيرها، وأم الطفل مجهول النسب أيضا تحتاج للرعاية والدعم من الناحية النفسية والاجتماعية حتى تستطيع أن تربي طفلها بشكل أقرب إلى الطبيعي. ويحتاج الطفل لمن يقوم بدور الأب البديل، وقد يقوم الجد أو الخال أو أحد الأقارب بهذا الدور لكي يعطي نموذج الأب، وهو نموذج ضروري من الناحية النفسية والتربوية، وغيابه يؤدي إلى خلل في البنيان النفسي للطفل.
· زواج مجهول النسب:
وهو السؤال الذي طرحته إسلام أون لاين حول حق اللقيط في الزواج ، هل يتقدم الشاب للزواج من مجهولة النسب وهل تقبل الفتاة شريك حياتها مجهول النسب؟
وتباينت الآراء بين مؤيد وعارض لذا فقد أوضح خطاب إسلام أون لاين على أن اللقيط أو مجهول النسب أو ولد الزنا ذكرا كان أو أنثى لم يقترف ذنبا حتى يعاقب به؛ وإنما اقترف الذنب أبواه؛ وكل نفس بما كسبت رهينة، ولا تزر وازرة وزر أخرى، والإنسان في شريعتنا لا يؤاخذ بجريرة غيره حتى لو كان المجرم أبويه، والأحاديث التي تكلمت عن أن العرق دساس من أكذب الحديث، فنسبة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذب وبهتان وزور، فقد روى ابن عدي في الكامل من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تزوجوا في الحجز الصالح، فإن العرق دساس" وهذا الحديث رواه الموقدي عن الزهري،وقد حكم الشيخ الألباني على هذا الحديث بأنه موضوع ،وهذا هو ما تؤيده نصوص الشريعة العامة، فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم على بنت الزنا ، أو من كان أهلها أهل سوء بأنها من أهل النار، وما كان ليحذر منها بغير ذنب تقترفه، فهذا معناه أنه يضطرها إلى الفساد اضطرارا، ويأطرها على الفساد أطرا، ويحملها على البغي حملا...... فما حيلتها وقد حكم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها من أهل النار ، وحذر شباب المسلمين أن يتزوجوها ولو افترستهم العزوبة .
وليس أدل على اضطراب مشاعر اللقيط من هذه الرسالة التي أرسلتها إحدى الفتيات التي نشأت في دار لرعاية اللقطاء حيث تقول " أنا فتاة تجاوزت الـ 20 عاما، هذا كل ما أعرفه عن نفسي؛ فقد ولدت وتخلت عني والدتي ووالدي، في البداية كنت أضع لنفسي أوهامًا بأنهما ربما تُوفّيا، أو لا يستطيعان تربيتي؛ فقد يكونان فقيرين، ولكن للأسف هما ليسا كذلك، تمنيت لو أنني يتيمة أو فقيرة؛ فلربما تغيرت نظرة الناس إليّ، ولكن للأسف أنا لست كذلك؛ فأنا كما يقولون: "بنت حرام" أو "لقيطة".. هذا اللقب ونظرة الاحتقار هو ما يلاحقني بالرغم من أنني ضحية، لا أجد ما يمكنني أن أصفهما به؛ فلقد أخطآ في حق نفسيهما، وفي حقي، وقبل كل ذلك ارتكبا ما حرّم الله، وتفاديًا للعار رُميت في المستشفى بعد الولادة دون أن يمنحاني حقوقي: من اعتراف بالنسب وتربية.. والحمد لله أنا لا أعترض على قضاء الله وقدره، والخيرة فيما اختاره الله لي، ولكنني أعترض على الأعمال التي يقوم بها الآباء ويكون الأبناء ضحيتها، وليت الأمر ينتهي بعد فترة من الزمن فهو باقٍ ، أردت أن أثبت للناس أنه بإمكاني أن أكون إنسانة صالحة وناجحة في حياتي، وكان هدفي أن أثبت لهم ذلك، ومع ما حققته من تفوق في حياتي العلمية مازلت أرى في أعينهم نظرة تقول: "مهما حققتِ ستظلين بنت حرام".. أعرف أن الإنسان بعمله لا بنسبه، لكننا أصبحنا في زمن يُقاس فيه الإنسان بماله ونسبه لا بعمله وإنجازاته"
*****************
المبحث الثالث
دور المجتمع نحو اليتيم ومن في حكمه
لا شك أن رعاية اليتيم ومن في حكمه تقع بالدرجة الأولى على أسرته أو عائلته الأكبر ولكن في بعض الحالات نجد أن أسرة اليتيم الكبيرة لا تستطيع الوفاء باحتياجاته المادية والمعنوية ويتضاعف الأمر في حالة اللقيط الذي طرحه أهله وألقوه في الطرقات أو في دور الرعاية لذا فإن العبء الأكبر يقع على المجتمع بأسره متمثلا في مؤسساته وأفراده من المتطوعين والناشطين ونستعرض في هذا المبحث رؤية شبكة إسلام أون لاين لدور المجتمع تجاه كل من اليتيم واللقيط.
· دور المجتمع نحو اليتيم:
يؤكد خطاب إسلام أون لاين على أن رعاية اليتيم وتعهده والمسح على رأسه والتخفيف من شدائد الحياة عليه التي يقاسيها بعد رحيل عائله من أعظم القربات عند الله تعالى ، وفي الوقت نفسه تقوم مؤسسات المجتمع باستيعاب هؤلاء الأطفال والقيام على حسن رعايتهم وكفالتهم لما فيه الخير لهم وتحقيق مصالحهم والقيام على شئونهم .
وقد تعرض خطاب إسلام أون لاين كذلك لمسألة تخصيص يوم لليتيم وحكمها الشرعي حيث أوضح خطاب الشبكة على أنه قد تؤدي مشاغل الحياة وتبعاتها إلى استغراق طوائف الناس وشرائح المجتمع المختلفة في أعمالهم المنوطة بهم، وانكفاء الكل على ذاته وانكبابه على ما فيه مصلحته وقضاء حاجاته ، فإذا ما تم تخصيص يوم من أيام العام "كيوم اليتيم السنوي" على أن تجيش جيوش دعوية مختلفة من وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية، لتذكير الناس بهذه الشريحة وتوجيه الأنظار إلى هذه الفئة للعطف عليها ولإحاطتها بالرعاية لا بأس به شرعا كوسيلة لغاية مشروعة، والوسائل تأخذ أحكام المقاصد ، على أن تقعد في هذا اليوم قواعد، وترسم مبادئ، وتتخذ إجراءات تكفل القيام بهذا الواجب الشرعي، ولا مانع شرعا كذلك من إنشاء مؤسسة أو تشكيل لجنة تتوفر على النظر في شؤون وأحوال هذه الفئة والشريحة، كأن تقوم بحصرها وتصنيفها ما بين يتيم محتاج فقير معدم، وآخر ميسور الحال.
· دور المجتمع نحو اللقيط:
ويتأسس خطاب إسلام أون لاين على أن الإسلام يُعالج قضية اللقطاء بالرعاية الإسلامية المجتمعية لهذه الفئة ، واعتبارهم جزءًا من المجتمع الإسلامي، ولا يَجوز تَعييرهم، ولا النظر إليهم باحتقار أو ازدِراء؛ لأنه لا ذَنبَ لهم، قد يَظهر ولدُ الزنا هذا ويصبح من أصلح الناس، جريمة أبويه لا تَلحقه، حتى العلم الحديث قال: إن الجرائم والأشياء هذه لا تُورَّث، فإذا أجرم شخص لا يَعني أن ابنه يصبح مجرمًا مثله، فهذه الأشياء المُكتَسَبة والصفات المكتسبة لا تُورَّث.
لذا فقد أكد الفقهاء على أنه ينبغي أن يُعامَل اللقيط معاملةً حسنة، وعلى المسلمين أن يرعوه ،ولم يقف الفقهاء عند هذا الحدِّ في تمهيد طريق الحياة للقيط، ووسائل العناية بتربيته، والإنفاق عليه، بل قدَّروا خُلُوَّ بيت المال عن سداد حاجة اللقيط، وتَعَذُّرِ الإنفاق عليه من جهة ولِيِّ الأمر وعجزه عن القيام بشأنه، قدَّروا ذلك وقرَّروا أنه يجب في تلك الحالة على جماعة المسلمين أن يتعاونوا على البِرِّ به والإنفاق عليه، ويكون ذلك مِن الشئون الخيْرية العامة التي رغَّب القرآن في التعاون عليها وحبَّب فيها، وأنْكر على المُتخاذِلينَ عنها ، واللقيط وإن كان والديه قد ارتكبا جريمة الزنا فإن الذي يتحمل تبعة هذه الفاحشة هو من وقع فيها، أما الولد الناتج فلا مسؤولية عليه، لأنّه لا يد له فيها ولم يوجد بعد حتى يكلف، وهو إن أحسنت تربيته ربما نشأ مستقيمًا، وإن أهمل بأي نوع من الإهمال تعرض للموت أو الانحراف، شأن كل اللُّقطاء الذين لا يهتمُّ بتربيتهم، ولذا فإنه إذا تخلَّص من ارتكب هذه الفاحشة من ثمرة جريمته بإلقائه في شارع أو مكان خال وجب التقاطه إن كان حيًّا، ووجب على المسلمين الذين تمثلهم السلطة أن يُرعوا هؤلاء اللقطاءَ. ويحرم عليهم تركهم يتعرّضون للموت أو الانحراف.
والدليل على وجوب حماية اللّقيط أو المولود من زنا حادث المرأة الجُهَنِيّة التي حملت من سفاح، وطلبت من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقيمَ عليها الحد وهي حامل فأرجأه حتى تضع الجنين ، بل حتى ترضعه ويفطم ويستغنى عنها، كما رواه مسلم .
ويوجه خطاب إسلام أون لاين المجتمع إلى أن هذا النشء لا ذنب له؛ بل الذنب ذنب أبويه المخطئين لما روي عن عائشة قالت في ولد الزنا: ما عليه من ذنب أبويه شيء، ثم قرأت: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}" ، كما أن الاهتمام بهذا الطفل عدل، وبعض محاولة لمساواته بغيره ممن يحتضنه أبواه، والشعور بالعدل دائما أو غالبا عون له على أن يكون منسجما مع بقية أمثاله من جيل المستقبل؛ فيمنع من أن يكون جيلا بينه ضائعون حاقدون لا مُرَبّي له؛ فيتعس الناس جميعا حينما يكبر هؤلاء، وينتقمون منهم في صورة فساد أو إفساد، أو نهب أو سرقة، أو مخدرات، أو قتل، أو عقوق... أو نحو ذلك مما يفسد ويُتعس. والسبب الأعظم سيكون حينئذ في مجتمعهم الذي ظلمهم ، ولذا فقد حثّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- على كفالة اللقطاء حرصا على سلامة المجتمع ككل وتجانسه وانسجامه، ومنعا من انتشار الأوبئة النفسية والاجتماعية فيه فتتم سعادته.
ففي حديث المرأة الغامدية نجد أنه قد كفلها رجل مسلم في أثناء حملها، وكفل وليدها آخر لتربيته بتوجيه من الرسول -صلى الله عليه وسلم- الرحمة المهداة للعالمين.. بل وفي رواية للنسائي أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الذي طلب منها إحضار من يكفل صبيها قبل رجمها، قال -صلى الله عليه وسلم-: "هات من يكفل ولدك"، فقام رجل، فقال: "أنا أكفل ولدها يا رسول الله"، فرجمها.. ، لقد شارك المجتمع كله في الإصلاح؛ لأن النفع سيعود عليه كله.. والضرر كذلك.
ولأن هذا الأمر فيه ستر للعصاة، والستر دائما يمنع انتشار الفاحشة؛ لأنه يحوطها ويُضيّق عليها؛ فلا يعلم بها أحد، ثم هو يعين العاصي على مراجعة نفسه والعودة للصواب، فيتم التصحيح، وتتحقق السعادة، بينما الفضح يجرئ على مزيد من المعاصي، والبُعد عن الدين؛ كما يؤكد ذلك قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة: إذا لم تستح فاصنع ما شئت" (أخرجه البخاري)، وما ذلك إلا لأن الإسلام يحب الستر ويحرص عليه.. لعظم فوائده الفردية والعامة.
ويحرص خطاب إسلام أون لاين على توجيه العاملين في مؤسسات رعاية اللقطاء إلى ضرورة إعطاء هؤلاء الأطفال دفقاتٍ ودفقاتٍ من الحنان والحبّ، وجرعاتٍ زائدةٍ من اللين والرفق، لافتقادهم الحنان بشدَّة، وافتقارهم إلى المشاعر كثيرا، وأن يغدق هؤلاء العاملون من الحب والعطف على هؤلاء ما يعوضهم عما فقدوه مع الحذر من الشفقة لأن نظرة الشفقة على هؤلاء تغلق قلوبهم وتصيبهم بفقدان الثقة بأنفسهم ومن المهم لهؤلاء أيضا توضيح نظرة الإسلام لهم بأنه لا يحملهم أي وزر وأنه يطلب من المجتمع أن يتعامل معهم كأي فرد عادي فيه ويحذِّر من تعييرهم أو إهانتهم أو الإنقاص من قدرهم، ويوجب على الدولة رعايتهم وكفالتهم والنفقة عليهم، حتى يكبروا ويشتدَّ عودهم، ويعتمدوا على أنفسهم.
· تجارب مجتمعية رائدة:
لم يقتصر دور شبكة إسلام أون لاين على توضيح الرؤية الشرعية لواجب المجتمع تجاه الأيتام ومن في حكمهم بل لقد حرصت الشبكة على استعراض التجارب الناجحة لكثير من المؤسسات العاملة في مجال رعاية وكفالة الأيتام مستعينة بشبكة من المراسلين حول العالم العربي والإسلامي وذك استكمالا لدورها الإعلامي بتوفير خدمات معلوماتية بجانب الخدمات الاستشارية حيث تم تسليط الضوء على عدد من هذه المؤسسات عبر لقاءات وحوارات مع ممثليها وكذلك استضافة بعضهم في خدمة الحوارات الحية التفاعلية مع الجمهور ومن بين هذه المؤسسات التي ألقت شبكة إسلام أون لاين الضوء عليها:
1. جمعية "دار الأورمان" لرعاية الأطفال الأيتام بمصر ، وهي جمعية خيرية تأسست عام 1985 لرعاية الأطفال الأيتام والاهتمام بهم، ويوجد لدى الجمعية داران للأيتام الأسوياء، وداران للأيتام ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد قامت الدار برعاية 1620 طفلا من 15 محافظة مصرية، وتم تسليم 1336 طفلا إلى الأسر البديلة في 24 محافظة ، كما تساعد الدار الأرامل والأيتام في المدن المختلفة من خلال دعم مجموعة من المشروعات التي يمكن أن تستفيد منها هذه الأسر التي فقدت عائلها مثل مشروع "الجاموسة العشار"، ومشروع الكشك، ومشروع الموتوسيكل المجهز للأسوياء والمعاقين لنقل الركاب والبضائع.
2. الجمعية الخيرية الإسلامية بالدار البيضاء ، حيث استضافت شبكة إسلام اون لاين "الحاج محمد الكاسي" مدير الجمعية في حوار حي يوم 24-3-2004 ، والجمعية تتكفل بنحو 800 شاب وشابة من مختلف الفئات الاجتماعية، ومن ضمنهم اللقطاء والأيتام بالإضافة إلى الأطفال الذين لا تتوفر لدى عائلاتهم إمكانيات تربيتهم وتعليمهم والتكفل بهم بصفة إنسانية كريمة ، وهي أول جمعية خيرية إسلامية نشأت بالمغرب، وتسهر على تقديم خدمات لكافة المعوزين من ضمنهم اللقطاء والأيتام، حيث تشملهم بالرعاية والتكوين والتعليم، وتوفر لهم الراحة والاطمئنان حتى يتسنى لهم الاندماج في المجتمع، ويكونوا بذلك أعضاء فاعلين فيه.
3. لجنة الإغاثة الإنسانية للعون بفلسطين ، وأيضا استضافت شبكة إسلام اون لاين مسئول اللجنة "علي أحمد مصاروة" في حوار حي لشبكة إسلام أون لاين.نت الأحد 27-3-2005 ، واللجنة تكفل 15 ألف يتيم أو يزيد في الضفة والقطاع بمبلغ شهري يعادل 400 ألف دولار شهريا، ويزداد هذا الرقم يوميا. وهذه الكفالات موزعة على جميع المناطق الفلسطينية ، والمؤسسة تستقبل على مدار العام العقائق والنذور التي تقوم بذبحها في الضفة والقطاع وتوزيعها على الأيتام والمحتاجين، كما تقوم المؤسسة بمساعدات الحالات المرضية التي تعرض في الجرائد المحلية تحت زاوية باسم "أصحاب القلوب الرحيمة"، وقد ساعدت المؤسسة المئات من هذه الحالات المرضية المكلفة جدا.
4. مجمع "دريما" لرعاية الأيتام ، وتعد مؤسسة "دريما" الأولى من نوعها في دولة قطر بهدف تقديم الخدمات المتميزة لكافة فئات الأيتام بأعمارهم المختلفة سواء بالإيواء الداخلي أو المتابعة ضمن برامج الأسرة الحاضنة، من خلال تبني برامج وأنشطة إرشادية وحملات توعوية منظمة بالتعاون مع المؤسسات الداخلية والعربية والعالمية ، وقد ساهمت شبكة إسلام أون لاين في تغطية حفل افتتاح المؤسسة واستعراض أهم أنشطتها.
· معوقات في مواجهة المؤسسات:
وتواجه بعض المؤسسات العاملة في مجال رعاية وكفالة الأيتام العديد من المعوقات وقد ساهمت شبكة إسلام أون لاين في رصد هذه المشكلات والتعرف عليها وتقديم الخدمات الإرشادية للعاملين في هذه المؤسسات للتغلب على العقبات التي تواجههم.
حدد خطب إسلام أون لاين مجموعة من المعايير التي يجب على مؤسسات الرعاية أن تراعيها مع الطفل اليتيم ومن في حكمه ومن أهمها:
· الاحترام الكامل للطفل أو الطفلة وتقديره وإظهار المحبة الصادقة تجاهه لنجتهد على تعويضه ما يحتاج إليه من حنان وعطف فقدهما بسبب اليتم.
· إشعار الطفل بإمكاناته الذاتية وقدراته الشخصية وذلك لتجنب أن تفرض عليه الأوامر أو يوضع في وضعية دون استشارته بحيث لا بد من مشاورة الأطفال وأخذ ملاحظاتهم ومقترحاتهم بعين الاعتبار بحيث يشعرون بأنهم يديرون أنفسهم، وأن هذه المؤسسة وما يجري فيها هو انعكاس لرغباتهم.
· محاولة إيجاد برامج الهدف منها هو إشعار اليتيم بأن الله تبارك وتعالى قد أودع فيه من القدرات والكفاءات ما يعوضه عن المساعدة التي يتلقاها من الأبوين حتى إذا عاش اليتيم يتيما يوظف تلك القدرات، ويستند إليها ليستعيد قدرتها على التغلب على صعاب الحياة.
· محاولة بث الثقة في نفس اليتيم بقدراته وبذاته وتوجيهه إلى عدم النظر لليتم على أنه عائق يحول دون حياته حياة عزيزة كريمة تستحق كل التقدير وذلك من خلال الاستعانة بقصص لأطفال عاشوا أيتاما وصاروا في مستقبلهم وحياتهم رجالاً عظامًا وعلى رأس هؤلاء رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكثير من القادة والصالحين ورجالات التاريخ الإسلامي وغيره..
· ينبغي على مؤسسات الرعاية أن تراعي في البرامج التي تقدمها للطفل أن تكون برامج مهيأة على أساس التعلم الذاتي الذي يجعل الطفل يتعلم الاعتماد على نفسه وإدارة ذاته بنفسه وتحمل المسئولية؛ لأنه كلما شعر بإمكاناته الذاتية وأحس أنه قادر على أن يدبر أمر نفسه بما حباه الله به من القدرات الذاتية فإن ذلك يجعله يبتهج ويسعد ويواجه الحياة بأمل وتفاؤل وطاقة خلاقة متجددة.
وبالنسبة لأهم المعوقات التي يواجهها الطفل داخل المؤسسة أو بعد تخرجه منها على المستوى الاجتماعي:
· يتم تربية الطفل اليتيم في بيئة غير طبيعية.. فهو لا يربَّى مع أسرة مكونة من أب وأم في بيت مستقل، ولكنه ينشأ فيجد نفسه في مكان منعزل مع أم بديلة وأطفال آخرين يعيشون حياة غير عادية، والأم البديلة مهما كانت إمكاناتها النفسية والتربوية فهي في النهاية تقوم بمهمة صعبة جدًّا.. فهي تقوم بوظيفة الأم ولكنها ليست الأم.. وهي تقوم بذلك مع عدد كبير من الأطفال دفعة واحدة.. ولا يتدرج ذلك في حياتها بصورة طبيعية مثل الأم العادية.. في هذا المناخ ينمو الأطفال ولديهم نقص في الشعور بالأمان والحنان؛ لأنهم يشعرون أنهم مختلفون عن الآخرين، ويزداد هذا الشعور مع أول احتكاك لهم بالمجتمع، حيث يجدون أن الكل ينظر لهم بصورة مختلفة فهم أبناء الدار وأقرانهم لهم آباء وأمهات.. فتزداد غربتهم وعدوانيتهم ورفضهم للمجتمع ويزداد تفاقم الأمر مع رفض أقرانهم لهم.
· افتقاد بعض المشرفين والعامين في هذه المؤسسات للمؤهلات التربوية بسبب نقص الإعداد المهني المتخصص لهم والحل لابد أن يأخذ في الاعتبار إعادة تأهيل هؤلاء إداريا وتربويا ليتمكنوا من تنشئة هؤلاء الأطفال بشكل فعال.
· إن أعدادًا كبيرة من أطفال دور الأيتام هم في الحقيقة مجهولو النسب، وهذه حقيقة يعرفها الأطفال تدريجيًّا كلما كبروا في السن وزاد وعيهم فتزداد نقمتهم على المجتمع وسلوكياتهم العدوانية ضده، ويكون التمرد هو العنوان الواضح لهذه النقمة.. ويزداد الأمر سوءًا مع المجابهة غير التربوية لهذه المشاكل الأصلية والعميقة الجذور؛ لندخل في دائرة لا متناهية من الشعور بالنقص والرفض والنقمة والعدوان؛ ليكون النموذج النهائي نموذجًا غير سويّ بنسبة كبيرة، وتصبح القدرة على الاندماج مع المجتمع هي النماذج الاستثنائية في هذه المنظومة..
· إشعار الطفل المقيم في المؤسسة بأنه في سجن أو دار للتأديب مما يؤدي لخروج أفراد حاقدين على المجتمع ناقمين عليه يسهل التغرير بهم للانضمام لأعمال غير مشروعة وكأنهم يعاقبون المجتمع الذي أهملهم.
· كثير من المؤسسات تعاني من نقص الاعتمادات المالية والتمويل اللازم مما يترتب عليه نقص الخدمات التي تقدم لهؤلاء الأطفال فيضاف لحرمانهم العاطفي حرمان مادي.
· فقدان هذه المؤسسات لآليات التواصل والتشبيك مع المؤسسات الشبيهة لتبادل الخبرات مما يحرم كل مؤسسة من الاستفادة من تجارب الآخرين.
· النظرة الدونية من المجتمع لهؤلاء الأطفال مما يترتب عليه تقليل فرص العمل وفرص الزواج لهم وفرصة العيش بشكل سوي في المجتمع.
· عند التحاق الأطفال المقيمين بدور الرعاية بالمرحلة الابتدائية واختلاطهم بالآخرين يلاحظ عليهم بعض السلوكيات السيئة مثل عدم إدراكهم لمعنى الخصوصية، وربما نشأ هذا من حياتهم الجماعية، حيث استباحة ممتلكات الآخرين، عدم الالتزام بالأوامر العامة والنظام إضافة إلى بعض السلوك العدواني تجاه زملائهم.
· أما عن المشكلات التربوية التي ظهرت من خلال الاستشارات فتركزت في قضية أساسية تتعلق بالتحرش الجنسي بالأطفال المقيمين في دور الرعاية وتعددت أشكاله ونتائجه.
مثل:
o ميل الطفل للجنس الآخر والنفور من نفس الجنس.
o ممارسة الطفل للعب الجنسي بأشكاله المختلفة.
o تعرض الأطفال للتحرش من قبل المشرفين بالمؤسسة أو من قبل الأطفال الأكبر سنا.
o عدم وجود حدود بين الأم البديلة والطفل اليتيم في مراحل عمره المختلفة.
ويمكن استخلاص أهم ملامح رؤية إسلام أون لاين في هذا الصدد فيما يلي:
· بالنسبة للعب الجنسي في الطفولة المبكرة فإن سلوكيات الفضول هي الدافع لها وليس لها أي دلالات جنسية، ولكنها تحتاج التوجيه الهادئ على اعتبارها سلوكيات سيئة وليست سلوكيات جنسية، ويكفي فيه إظهار الغضب والحزن من المشرف مع المتابعة والمراقبة للطفل حتى لا يتحول الأمر معه إلى عادة سيئة، ومن أفضل الوسائل لإبعاد الطفل عن شيء هو لفت انتباهه بشكل لطيف إلى شيء آخر فيجب صرف اهتمام الطفل إلى لعبة جميلة مثلاً، أو طلب شيء منه إلى غير ذلك من الحيل لصرف اهتمامه عما هو مستغرق فيه، وتدريجيًّا سينسى وينصرف اهتمامه عن هذا الأمر.
· فيما يخص حدود العلاقة بين الأم البديلة والطفل الذي ترعاه يجب التفرقة بين مرحلة الطفولة المبكرة حيث تكون العلاقة طبيعية كعلاقة الأم بطفلها فيها التلامس والأحضان والقبلات ولكن مع اقتراب الطفل من مرحلة البلوغ لابد من وضع حدود لهذه العلاقة والتعبير عن الحب والحنان بصور أخرى غير لغة التلامس الجسدي .
· بالنسبة لميل الطفل للجنس الآخر يجب أن يحمل على قدره ففي السن المبكرة يكون هذا الميل طبيعي ولا داعي للانزعاج منه فمن الناحية العملية لا توجد حالات من الميل للجنس الآخر والنفور من الجنس المماثل قبل سن السادسة، كما أن الميل للجنس الآخر والنفور من الجنس المماثل أمر يحتمل أن يكون طبيعيًّا، وخاصة لدى الطفل الذي يحيا في ظروف اجتماعية غير عادية ، على أنه يجب دراسة احتمالية ن يكون لدى الطفل اضطرابًا يسمَّى Hyber Sexual Activity، أي نشاط جنسي زائد ، وللتمييز بين كون الأمر طبيعيًّا من عدمه، لا بد من متابعة ورصد هذا الميل وملاحظة الطفل ، مع التأكد من عدم تعرض الطفل للتحرش الجنسي.
· أما في حالة الاشتباه في تعرض الطفل للتحرش الجنسي والخوف من تحوله هو نفسه للتحرش بالآخرين فلابد من ملاحظة الطفل وإبعاده عن كل المثيرات وحمايته والحفاظ عليه من الوقوع فريسة لأي تحرش آخر ، كما يفيد في التشخيص خضوع الطفل لاختبارات متعددة منها اختبارات بالرسم وأخرى بالصلصال وغيرها؛ إذ يطلب منه رسم صورة لمن يحب من أصدقائه مثلاً، أو مدرسيه ثم يتم جمع الرسوم وتحليلها من قبل متخصص.
****************
المبحث الرابع
دور شبكة إسلام أون لاين في تقديم الخدمات الإرشادية للمتعاملين مع الأيتام
استعرضنا في المباحث السابقة رؤية شبكة إسلام أون لاين لقضايا الأيتام ومشاكل رعايتهم سواء المادية أو النفسية أو التربوية والتي ظهرت في المواد الإعلامية المنشورة على الشبكة في شكل استشارات أو مقالات أو فتاوى أو حوارات حية ....
ونظرا لخصوصية بيئة الانترنت كوسيط إعلامي يمكن القول أن شبكة إسلام أون لاين قد لعبت دورا رياديا في مجال الإعلام الالكتروني فيما يخص قضايا الأيتام حيث تتيح بيئة الانترنت مزيد من التفاعلية التي تسمح بتدويل القضايا وعدم قصر الاهتمام بها على البعد المحلي.
وإيمانا من شبكة إسلام أون لاين بأهمية قضايا الطفل اليتيم ورعايته فقد ساهمت في تقديم الخدمات الإرشادية للمتعاملين مع الأيتام على النطاق الجغرافي العربي سواء في الرد على الاستشارات التربوية أو النفسية أو في الحوارات الحية وساحات الحوار ، إلا أن بوابة إسلام أون لاين لم تكتف بتوجيه الأسرة لكيفية رعاية الأيتام بل حرصت على إبراز الدور المجتمعي تجاه هذه الفئة من المجتمع ، ففي 30 مارس 2005 دشنت بوابة إسلام أون لاين "موقع يوم اليتيم" مساهمة منها في توعية المجتمع بأهمية الالتفات لهذه الفئة من المجتمع والاهتمام بقضاياهم ومشكلاتهم ويمكن تلخيص أهم أهداف موقع يوم اليتيم فيما يلي:
1. رفع وعي المجتمع بقضايا الأيتام ومحاولة تقديم المعلومات اللازمة لتحسين التعامل مع هذه الفئة.
2. رصد المشكلات التي يعاني منها الأيتام في محاولة لتقديم الحلول لها.
3. التعامل بشكل مباشر وسريع في حل مشكلات الأيتام النفسية والاجتماعية والتربوية.
4. عرض للتجارب الرائدة في مجال رعاية الأيتام..من خلال المؤسسات الفاعلة في هذا المجال.
أما الجمهور المستهدف لهذا الموقع فهم:
1. المتعاملين مع الأيتام من أفراد الأسرة.
2. المشرفين والأخصائيين في دور الرعاية.
3. المؤسسات التي تكفل الأيتام.
4. الأفراد الراغبين في التطوع لصالح الأيتام.
وقد اعتمد الموقع على مجموعة من آليات التنفيذ أهمها:
1. إطلاق موقع للاهتمام بقضايا الأيتام تحت عنوان"يوم اليتيم"..على اعتبار أنه حان الوقت للاهتمام بالأيتام.
2. استقبال الأسئلة والاستشارات الواردة من المتعاملين مع الأيتام.. سواء في المنزل أو دور الرعاية وتقديم الحل المناسب لمشكلاتهم.
3. إنشاء قواعد بيانات خاصة بالمؤسسات الناشطة والمهتمة بالأيتام في العالم ، تحوي جميع المعلومات المتوافرة عن مؤسسات الأيتام ليسهل التواصل معها.
4. إنشاء قواعد بيانات خاصة بالأفراد الراغبين والمهتمين بالتطوع ودعم الأيتام..ليسهل للمؤسسات الراغبة في متطوعين في التواصل معهم.
5. رصد أوضاع الأيتام في العالم من خلال الاستفادة من شبكة المراسلين المتوافرة لدي إسلام أون لاين.نت في التعرف على مشكلات وأحوال الأيتام في العالم.
6. عرض وتقديم النصوص الدينية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريف والتي تحض على حسن التعامل مع الأيتام وضرورة الاهتمام بهم كجزء أساسي من صلاح الأمة.
وتتأسس رسالة موقع يوم اليتيم على فكرة ضرورة الاستفادة مما تتيحه بيئة الانترنت من مشاركات موسعة للجمهور من المحيط إلى الخليج وهذه البيئة التفاعلية مكنت شبكة إسلام أون لاين من التعرف على المشكلات الحقيقية لفئة الأيتام وذلك من خلال تقديم عدد من الخدمات التفاعلية والمعلوماتية لرفع الوعي المجتمعي بقضية الأيتام داخل دور الرعاية وفي المنازل التي فقدت عائلها، كما تهدف الخدمة إلى تبني فكرة أن يكون هناك يوم عربي لمساندة الأيتام في أنحاء الوطن العربي، انطلاقا لمزيد من الاهتمام بهذه الفئة في جميع أيام السنة.
أقسام الموقع:
وينقسم موقع يوم اليتيم إلى سبع أقسام رئيسية بعضها أقسام خدمية معلوماتية وبعضها أقسام خدمية تفاعلية تهدف للتفاعل والتلاحم مع الجمهور والتشبيك مع المؤسسات الفاعلة ، ويمكن إلقاء المزيد من الضوء على هذه الأقسام كما يلي:
1. صفحة الأيتام في العالم:
وتتناول مجموعة من الأخبار المتعلقة باليتيم ومؤسسات رعاية الأيتام على مستوى العالم مع الإشارة لبعض التجارب الناجحة وإجراء الحوارات الحية مع ممثلي بعض هذه المؤسسات وفتح النقاش مع زوار الشبكة حول بعض مشكلات الأيتام وسبل حلها ، كما ترصد الصفحة أوضاع الأيتام في بلدان مختلفة، والمشكلات التي تواجه العمل التطوعي الموجه للأيتام.
2. دليل مؤسسات الأيتام:
وهو خدمة تفاعلية تتمثل في دليل للمؤسسات العاملة في مجال رعاية وكفالة الأيتام ، وتتيح هذه الخدمة تمكين المؤسسات العاملة في مجال رعاية وكفالة الأيتام من تسجيل بياناتها بنفسها وأيضا يمكن تصفح المؤسسات المشتركة والبحث داخل قاعدة البيانات ، ويشمل الدليل بيانات ما يقارب من أربعين مؤسسة حتى اليوم ،ولا شك أن تجميع هذه البيانات داخل الدليل يساهم مستقبلا في التشبيك وإقامة الشراكات المجتمعية بين هذه المؤسسات على مستوى العالم العربي.
3. صفحة فأما اليتيم فلا تقهر:
وهذه الصفحة مخصصة لتقديم التأصيل الشرعي لرؤية الإسلام في التعامل مع قضية الأيتام بأبعادها وزواياها المختلفة ، حيث تسلط الضوء على حكم كفالة الأيتام ورعاية اللقطاء وأحكامها وحكم دفع الزكاة لمؤسسات الأيتام وواجبات الوصي أو الكفيل نحو اليتيم الذي يرعاه إلى آخر المسائل الشرعية المتعلقة بقضايا ومشكلات الأيتام مما عرضنا له في المبحث الأول من هذه الدراسة.
4. صفحة ساعد واكفل:
أما صفحة دليل "ساعد واكفل"، فهي خدمة تفاعلية للأفراد المتطوعين الراغبين في مساعدة الأيتام بجهودهم وأوقاتهم أو مالهم من خلال توفير معلومات عنهم لكي تستفيد من جهودهم التطوعية الجمعيات العاملة في هذا المجال ، وتعتبر إسلام أون لاين هذه الصفحة دعوة لكل من يرغب في المساهمة بوقته أو جهده أو ماله لرسم ابتسامة على وجه يتيم..لذا تحث المتطوعين على تسجيل بياناتهم لمد جسور التواصل من أجل بناء جماعة الخير لمساعدة الأيتام وقد تمكن من التسجيل حتى اليوم 74 متطوع.
5. صفحة الملاذ الآمن:
وتعتبر هذه الصفحة بمثابة شبكة تواصل مع فئة الأيتام وأسرهم ودور الرعاية للتعرف على مشكلاتهم وتقديم الخدمات الإرشادية النفسية والاجتماعية والتربوية التي تعين على تخطي هذه العقبات من خلال خدمة الاستشارات والرد عليها من قبل مستشارين نفسيين وتربويين متخصصين فتعرضت الصفحة لمشكلات دور الرعاية والمشكلات التي يعاني منها الطفل اليتيم داخل الأسرة مثل الاكتئاب والخوف من الموت ، وأفضل طرق التعامل مع الطفل اليتيم من قبل الأم أو زوجة الأب.
6. صفحة اقتراحات وتجارب:
وهذه الصفحة مخصصة لعرض التجارب والخبرات المختلفة في مجال رعاية الأيتام، وتقديم الأفكار العملية التي يمكن أن يستفيد منها الآخرون ، حيث يمكن للراغب في المشاركة أن يسجل بياناته واقتراحاته أو يعرض تجاربه العملية ويرسلها لقاعدة بيانات الشبكة والتي تحتفظ بها وتصنفها للاستفادة منها وتعميم وتبادل الأفكار الناجحة.
7. صفحة مواقع وخدمات:
وآخر هذه الأقسام صفحة مواقع وخدمات والتي تعتبر كدليل مواقع للمؤسسات العاملة في مجال رعاية وكفالة الأيتام ومن بينها موقع مؤسسة الإغاثة الإسلامية والمؤسسة القطرية لرعاية الأيتام و الهيئة الخيرية الإسلامية لرعاية الأيتام وغيرها.... بهدف تمكين الجمهور من الوصول السريع لأهم المؤسسات العاملة في هذا المجال.
وتعد خدمات موقع يوم اليتيم خطوة رائدة على مستوى العالم العربي للاستفادة من تقنيات الانترنت من جهة والاستفادة من خبرات شبكة إسلام أون لاين الإعلامية والاستشارية والخدمية في المجال الالكتروني والفضاء الشبكي ويمكن تلخيص أهم النتائج والمميزات التي أتاحها موقع اليتيم منذ إطلاقه في عام 2005 فيما يلي:
1. الاستفادة من خصوصية شبكة الانترنت كبيئة تفاعلية تتيح إمكانية التعرف على أكبر عدد ممكن من الأفراد والمؤسسات بأسرع ما يمكن وبأقل تكلفة ، كما تتيح مزيدا من التفاعل بين أعداد كبيرة من المهتمين بنفس المجال في نفس الوقت بدءا من التواصل الفردي وانتهاء بتنظيم المؤتمرات وحلقات النقاش بين مجموعات إلكترونية غير محدودة العدد، مما ساعد على ذوبان الاختلافات بين الأفراد وان تباينت الثقافات المحلية والعادات والتقاليد الحاكمة التي ربما كانت تمثل قيودا وعوائق في حالة التواصل وجها لوجه إلا أنها هنا تذوب وتختفي وتبقى المصلحة المشتركة أو الاهتمام المشترك هو المحرك الأول للتواصل، مما أتاح للمتطوعين والمؤسسات العاملة في مجال رعاية الأيتام من التواصل والتلاقي والتفاعل وتبادل الخبرات.
2. الاستفادة من مميزات بوابة إسلام اون لاين حيث أنه من مزايا البوابة أنها تضمن بقاء الاتصال بالزوار والجمهور اتصالا تبادليا مستمرا مما يجعل الرسالة الإعلامية تسير في مسارين :
· من البوابة إلى الجمهور.
· ومرة أخرى من الجمهور إلى البوابة .
وقد استفادت بوابة إسلام أون لاين من تعدد وسائل رصد آراء واتجاهات الزوار عبر الخدمات التفاعلية التي تتيحها البوابة بما يسمح بقياس رد فعل الجمهور تجاه الرسالة الإعلامية للبوابة من خلال وسائل التفاعل المختلفة كالاستشارات والحوارات الحية وساحات الحوار وتعليقات الجمهور... وهذا يساهم في توجيه رسالة البوابة بحيث أن مشكلات الجمهور الحقيقية هي المحرك والموجه الأساسي لعمل البوابة وليست نتيجة تصورات مسبقة أو خطط إعلامية معدة سلفا ، وهذا ما يمكن رصده في موقع يوم اليتيم حيث أن مشكلات اليتيم داخل الأسرة وداخل دور الرعاية والتي شارك بها زوار الموقع كانت المحرك والباعث الأساسي لإطلاق هذا الموقع ليكون بمثابة مبادرة تتبناها شبكة إسلام اون لاين على المستوى العربي لتفعيل قضايا الأيتام وتوعية الجمهور بها.
3. الاستفادة من خبرات كتاب ومستشاري شبكة إسلام اون لاين والذين يقدمون الدعم النفسي والتربوي والاجتماعي على مدار اليوم عبر موقع الشبكة في شكل استشارات وحوارات حية وحلقات إذاعية ومقالات وأبحاث ، حيث ساهم المستشارون في تقديم خدمات الإرشاد النفسي والاجتماعي لكثير من الأطفال الأيتام ولأسرهم خاصة للأرامل لمعاونتهن في استكمال طريق تربية الطفل الذي فقد والده من خلال تقديم الإرشادات التربوية التي تساعد على تنشئة طفل سوي ، وكذلك تقديم الدعم الإرشادي للعاملين في مؤسسات رعاية الأيتام لتقديم نصائح وإرشادات للتغلب على أهم مشكلات دور الرعاية وخصوصا المشكلات الحرجة كمشكلات التحرش الجنسي .
4. أتاح موقع يوم اليتيم لبوابة إسلام أون لاين القيام بدور فاعل في تشبيك المؤسسات العاملة في مجال رعاية الأيتام من خلال تجميع النشطاء والمتطوعين وإنشاء قواعد بيانات مختلفة للمؤسسات والأفراد وهو ما يعد نواة أولية لتأسيس "مشروع الشبكة العربية للمؤسسات العاملة في مجال رعاية الأيتام" والذي تتبناه الشبكة وتسعى من خلاله للاستفادة من خبرات إسلام أون لاين والشراكات المجتمعية والمؤسسية عبر العالم العربي في تأسيس كيان عربي للتشبيك بين المؤسسات الفاعلة لرفع الوعي بمشكلات وقضايا الأيتام ومن في حكمهم .
5. الاستفادة من شبكة المراسلين الموسعة لبواب إسلام أون لاين في أنحاء العالم العربي والإسلامي للتعرف على المؤسسات والمنظمات العاملة في مجال رعاية الأيتام في مختلف الدول العربية والإسلامية وقد ساهم المراسلون في التعريف بهذه المؤسسات من خلال إجراء الحوارات الحية مع مسئولي بعض هذه المؤسسات وكذلك من خلال عقد لقاءات وحوارات مع هؤلاء المسئولين مما ساهم في رصد أحوال الأيتام في الدول المختلفة والتعرف على أهم مشكلاتهم واستعراض التجارب الناجحة للمؤسسات العاملة في مجال رعاية الأيتام ومن في حكمهم كمؤسسة دريما ومؤسسة الأورمان و الجمعية الخيرية الإسلامية بالدار البيضاء وغيرها ، كما شارك عدد من المراسلين في رصد وتغطية الاحتفالات بيوم اليتيم وإجراء المقابلات مع الحاضرين وتسجيل كلمات المشاركين في هذه الاحتفالات.
النتائج والتوصيات
توصلت الدراسة إلى العديد من النتائج من بينها:
1. سبق الإسلام في رعاية الأيتام ومن في حكمهم ووضع القواعد التنظيمية لكفالتهم ورعايتهم وأحكام التبني واستلحاق النسب.
2. أن الشريعة قررت لليتيم ومن في حكمه حقوقا وأوجبت على المجتمع كفالتهم ورعايتهم وحسن تنشئتهم.
3. أن الطفل اليتيم ومن في حكمه يعاني من العديد من المشكلات النفسية التي ينبغي عدم إهمالها من قبل الأسرة والمجتمع.
4. أن الطفل اللقيط أو مجهول النسب ما زال يعاني من النظرة السلبية له من المجتمع والتي تتمثل في النظر له على أنه ابن زنا وأخذه بجريرة والديه وحينما يشب عن الطوق تظهر هذه النظرة في رفضه في كثير من الوظائف ورفض زواجه من قبل كثير من الأسر.
5. أن كثير من الأيتام ومن في حكمهم يعانون من ظروف سلبية داخل دور الرعاية من مشكلات تربوية وسلوكية تساهم في تكوين شخصيات انعزالية وعدوانية.
6. ما زالت هناك مشكلة في دمج هؤلاء الأطفال داخل المدارس مع غيرهم من الأطفال ، ودمجهم داخل المجتمع.
*****************
أما أهم توصيات الدراسة:
1- ضرورة تضافر الجهود في العمل على تغيير النظرة السلبية من المجتمع لليتيم ومن في حكمه ويمكن أن يتم ذلك من خلال العديد من الوسائل:
· تنظيم حملات إعلامية بغرض تعديل هذه النظرة السلبية متمثلة في مسلسلات ، أعمال درامية ، أفلام تسجيلية ووثائقية ، مقالات وأبحاث....
· تضافر جهود المؤسسات البحثية والخدمية بعقد ندوات ومؤتمرات لتوعية المجتمع بحقوق الطفل اليتيم ومن في حكمه.
· جهود مكثفة للدعاة والوعاظ في المساجد والأحياء لتوعية الجمهور ببراءة الطفل اللقيط من ذنب والديه مع توضيح النظرة الصحيحة للإسلام لفئة مجهولي النسب وما قرره لهم من حقوق وبث قيم التراحم والتكافل داخل المجتمع.
· بذل الجهود التطوعية من الأفراد والمؤسسات من أجل مساعدة الشباب والفتيات من دور الرعاية على توفير فرص كريمة للعمل والزواج.
· توجيه اهتمام صانعي القرار في الجهات الحكومية لهذه الفئة من الأطفال سواء في التشريعات أو الإجراءات التي تكفل رعاية آمنة لهؤلاء الأطفال.
2- إعادة هيكلة دور الرعاية وذلك من خلال:
· توظيف ذوي الكفاءة والمتخصصين في مجال رعاية الأيتام في هذه المؤسسات.
· الاهتمام بالتدريب المستمر لهؤلاء المشرفين مع وضع رقابة ومتابعة مستمرة لهذه المؤسسات.
· وضع معايير تربوية واضحة للتعامل مع هؤلاء الأطفال بما ييسر لهم تنشئة أخلاقة سليمة.
3- الاهتمام بالدمج الصحي لهؤلاء الأطفال داخل المجتمع من خلال:
· إعادة النظر في نظام رعاية الأيتام ومن في حكمهم ؛ ليصبح في داخل الأسر الطبيعية مع حل الإشكالات القانونية والشرعية لذلك الأمر.. والتوقف عن نظام الجيتو غير الصحي نفسيًّا واجتماعيًّا على هؤلاء الأطفال.
· ألا يتم إدخال الأطفال اللقطاء في مدرسة واحدة وإذا تم ذلك فلا يكون في فصل واحد حتى لا يتجمعوا ككتلة منفصلة تنعزل عن المجتمع حولها.. في حين أن وجود طفل واحد في كل فصل سيسمح بهذا الاندماج ، أما بالنسبة للأيتام المقيمين مع أسرهم فإن الدمج الطبيعي هو الأولى.
· إعداد برامج خاصة بتأهيل اللقطاء وتدريبهم اجتماعيا ونفسيا ومهاريا ووظيفيا وتعليمهم مع الإشراف المستمر بالاستعانة بجهود المتطوعين من الأفراد والمؤسسات.
4- وتتقدم إسلام أون لاين في نهاية هذه التوصيات بمقترحها في إنشاء "مشروع الشبكة العربية للمؤسسات العاملة في مجال رعاية الأيتام" مساهمة منها في مشاركة هذه المؤسسات في التغلب على العقبات التي تواجهها وتيسير سبل التشبيك وإقامة الشراكات بين هذه المؤسسات حيث تقوم شبكة إسلام أون لاين بدورها الإعلامي والخدمي والاستشاري من خلال تقديم خدمات إعلامية تتمثل في الأخبار والمتابعات الصحفية والتغطيات الإعلامية ، وخدمات استشارية لمسئولي هذه المؤسسات في المجال الشرعي والنفسي والتربوي ، والدور التفاعلي المتمثل في توفير قواعد البيانات الخاصة بالمؤسسات والأفراد المشتركين في الشبكة أو الراغبين في التطوع من خلالها إضافة إلى خدمات أخرى عديدة من أجل النهوض بالمشاركة المجتمعية ووعي الجماهير بقضايا الأيتام ومن في حكمهم على مستوى العالم العربي والإسلامي.