الأربعاء، 21 مايو 2008

المدارس الإسلامية في جنوب إفريقيا

بقلم: أمل خيري

ازدواجية العلمانية وإسلامية المعرفة
المدارس الإسلامية في جنوب إفريقيا
كان ولا يزال التعليم أحد ميادين النضال الرئيسية التي خاضها المجتمع المسلم في جنوب إفريقيا في إطار جهوده المتواصلة لمقاومة تحديات تحول المجتمع والرغبة في الاحتفاظ بهوية دينية مستقلة وثقافة إسلامية أصيلة.
Image
التعليم الإسلامي والتطلع للمستقبل
وفي هذا السياق ظهرت عدة مدارس إسلامية مستقلة في العقدين الأخيرين، حيث يوجد حوالي 80 مدرسة إسلامية في جنوب إفريقيا تتركز معظمها في ثلاث مقاطعات أساسية وهي كيب تاون، جوتنج، كوازولو، حيث تم اعتماد هذه المدارس من قبل وزارة التعليم في جنوب إفريقيا كما تتبع هذه المدارس المنهج الدراسي الوطني.
في الوقت نفسه يتم تدريس بعض الدراسات الإسلامية واللغة العربية كمواد إضافية وإن كانت اللغة العربية وحدها هي المعترف بها ويتم الامتحان فيها بشكل رسمي.
والمدارس الإسلامية شأنها كباقي المدارس المستقلة لا تتلقى سوى القليل من الدعم الحكومي وبالتالي فالاعتماد الرئيسي يكون على الرسوم الدراسية التي يدفعها الطلاب وعلى منح يقدمها متطوعون مما يترتب عليه ارتفاع رسوم هذه المدارس، وبالتالي لا يلتحق بها سوى النخبة من أبناء العائلات الواسعة الثراء، وتظل لجان إدارة هذه المدارس في نضال من أجل تأمين موارد ثابتة لها وجذب ممولين ورعاة لمواجهة الاحتياجات المالية للمدارس.
ازدواجية المناهج
إلا أن المشاكل المالية ليست التحديات الوحيدة التي تواجه مديري هذه المدارس فما زالت هناك تحديات يفرضها الاختلاف حول المناهج وطرق التدريس بين المدرسين ذوي الأصول الإسلامية وأولئك من ذوي الاتجاهات العلمانية، فبينما كان التعليم في المدارس الإسلامية يتبع فيما سبق مناهج إسلامية محافظة شبيهة بمناهج مدرسة ديوباند التي نشأت في الهند فإن الاتجاه المعاصر يتمثل في مزيد من الانفتاح على طرق التدريس الحديثة والتي تتفق مع الرأي العام العالمي في العالم الليبرالي.
الحرص على إقامة الشعائر
وتظل المدارس الإسلامية هي المفضلة لدى أولياء الأمور المسلمين في جنوب إفريقيا؛ نظرا لما تقدمه من تعليم أكاديمي يزود الدارسين بالمهارات التي تمكنهم من مواجهة احتياجات المجتمع العالمي في الوقت نفسه الذي يتم هذا التعليم في بيئة إسلامية مميزة، حيث ينشأ الأطفال في جو إسلامي صحيح، حيث تتوقف الدراسة في أوقات الصلاة ويتعود الأطفال على إقامة الشعائر الدينية الأخرى كما تعتاد الفتيات على ارتداء الحجاب ويمنع الاختلاط بين البنين والبنات.
وهذه المزاوجة بين التعليم الديني والحديث هو ما يميز هذه النوعية من المدارس عن نموذج آخر يقابله من المدارس الإسلامية التقليدية، مثل مدارس دار العلوم، حيث لا يوجد سوى التعليم الديني فقط، وأغلب هذه المدارس الدينية لا يذهب إليها التلاميذ إلا فترة الظهيرة بعد الانتهاء من الدراسة في المدارس الحكومية، وتتم الدراسة غالبا في المنازل أو في المساجد وتقتصر فقط على تعليم تلاوة القرآن واللغة العربية والشعائر الدينية والتاريخ الإسلامي وخريجو هذه المدارس يتم تأهيلهم ليصبحوا مدرسين للعلوم الإسلامية أو شيوخا بالمساجد.
الهوية الإسلامية
أما النموذج الجديد للمدارس الإسلامية التي تمزج بين التعليم الديني والعلماني فتعد إحدى المبادرات التي قام بها المجتمع المسلم في محاولته للتكيف مع المجتمع المصطبغ بالقيم الغربية والمسيحية بشكل أساسي مع الاحتفاظ بالهوية الإسلامية المميزة في أثناء مرحلة التمييز العنصري.
وللإجابة عن التساؤل بشأن مدى نجاح هذه المدارس في تشكيل الهوية الإسلامية داخل المجتمع الديمقراطي قامت الدكتورة إنجا نيهاوس بدراسة ميدانية لعينة منتقاة من بعض المدارس الإسلامية المستقلة، وتأتي هذه الدراسة في إطار مشروع بحثي متكامل للمدارس الإسلامية في بريطانيا وجنوب إفريقيا وهولندا، وهذا المشروع يعد جزءا من برنامج بحثي أشمل بعنوان "المسلمون في أوروبا ومجتمعاتهم الأصلية في إفريقيا وآسيا" والذي قام بتنسيقه مركز الإسلام المعاصر ببرلين.
وقد تمت الدراسة الميدانية التي قامت بها الدكتورة إنجا على مرحلتين، حيث بدأت المرحلة الأولى بمقابلات مع مديري ومدرسي هذه المدارس، ثم كانت المرحلة الثانية باستطلاع رأي تم توزيعه على طلاب هذه المدارس فيما بين خمس عشرة وسبع عشرة عاما من العمر، وهدفت أسئلة الاستطلاع للتعرف على معتقدات هؤلاء الطلاب الدينية وطرق ممارستهم للشعائر التعبدية واتجاهاتهم نحو أتباع الديانات الأخرى ورؤيتهم العامة للمجتمع الذين يعيشون فيه.
نشأة المدارس الإسلامية
تعود نشأة المدارس الإسلامية في جنوب إفريقيا إلى مطلع القرن العشرين وتحديدا في عام 1913، حيث ظهرت مدارس البعثات الإسلامية كرد فعل لنشأة مدارس الإرساليات المسيحية التي كانت تقوم بتعليم أغلب الأطفال في ذلك الوقت، بينما كان المجتمع المسلم في أشد الحاجة لتعليم أبنائه المناهج الإسلامية واللغة العربية، وبالفعل نشأت هذه المدارس، ونالت بعض الدعم من الحكومة والذي تمثل في دفع مرتبات المدرسين وصيانة المباني المدرسية، وتعد هذه النوعية من المدارس أول مؤسسات تعليمية جمعت بين التعليم الديني والعلماني في جنوب إفريقيا.
ومع تولي حكومة التمييز العنصري السلطة عام 1948 فقد اختفت هذه المدارس إما بسبب إغلاقها من قبل سلطة الفصل العنصري أو بسبب دمجها في نظام التعليم العنصري نفسه وبالتالي أصبحت مدارس حكومية عامة.
إلا أن حقبة الثمانينيات حملت معها الأمل مرة أخرى في إعادة إحياء التعليم الديني فظهرت بعض المدارس الإسلامية في الوقت الذي كان فيه التعليم بكافة أشكاله يواجه تحديات كبيرة تمثلت في انخراط الكثير من المدرسين والطلاب في حركات المقاومة الوطنية ضد سياسة التمييز العنصري البغيض.
مما ترتب عليه تفلت أعداد هائلة من الطلاب من التعليم خصوصًا في المدارس المتعسرة ماليا وانخفضت النتائج الأكاديمية، والأخطر من ذلك أن الأطفال المسلمين قد تعرضوا لنظام تعليمي مزدوج، حيث يدرسون في الصباح في المدارس العلمانية، وبعد الظهر في المدارس الدينية؛ وهو ما أثار خشية كثير من المفكرين الإسلاميين من تقديم هذا النظام التعليمي المتوازي لقيم ومعايير أخلاقية متناقضة للأطفال؛ مما قد يؤدي لاستقطاب بعضهم نحو الاتجاه العلماني.
إسلامية المعرفة
تأثر العديد من مؤسسي المدارس الإسلامية حول العالم، ومن بينها مدارس جنوب إفريقيا بمصطلح إسلامية المعرفة والذي برز في سياق المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي الذي انعقد بالسعودية عام 1977، حيث رأى العديد من المفكرين الإسلاميين الأزمة الكبيرة التي تواجه التعليم الإسلامي سواء في المدارس أو الجامعات، حيث لعبت الأيديولوجيات الغربية العلمانية دورها في تحجيم دور الإسلام في هذه المؤسسات التعليمية.
ولذلك قام الدكتور إسماعيل الفاروقي بتطوير مصطلح إسلامية المعرفة، الذي من شأنه أن يمزج الإسلام داخل المواد العلمانية؛ وهو ما يترتب عليه ضرورة مراجعة وإعادة كتابة الكتب المدرسية والمناهج التعليمية في المدارس والجامعات لتتلاءم مع القيم والأخلاقيات الإسلامية.
وفي هذا السياق حاولت المدارس الإسلامية بجنوب إفريقيا تطبيق مبدأ إسلامية المعرفة إلا أن النتائج ليست بالمستوى المرضي -وفق الدراسة الميدانية للدكتورة إنجا-، حيث ذكرت أن المدارس الإسلامية أصرت على تدريس المواطنة الديمقراطية ضمن مناهج مادة التوجيه الحياتي والتي تتناول أيضا قضايا التنوع والمعتقدات الدينية وحقوق الإنسان وحقوق وواجبات المواطنين، ولكن من وجهة نظر إسلامية؛ وبالتالي استبعدت قضايا، مثل الممارسات الجنسية للمراهقين وغيرها من القضايا المتعارضة مع القيم الإسلامية.
المعهد الإسلامي بكيب تاون
المعهد الإسلامي بكيب تاون
ويعد المعهد الإسلامي في كيب تاون أحد أهم هذه المدارس الإسلامية وتعود نشأته لعام 1984 وعبر العشرين عاما التالية توسع المعهد بشكل متواصل، حيث يضم اليوم 1000 طالب و80 معلم، وينظر إلى المعهد باعتباره من أفضل المدارس في كيب تاون.
ويضم المعهد مدرسة ابتدائية ومدرستين ثانويتين إحداهما للبنين والأخرى للبنات كما يحتوي المعهد على مسجد خاص به، ويعتمد المعهد المنهج الدراسي الحكومي بالإضافة إلى الدراسات الإسلامية واللغة العربية.
وترتكز رؤية المعهد على اعتبار الإسلام منهج حياة يشمل كل مظاهر النمو العقلي والجسدي والسلوكي للدارسين؛ ولذلك فقد قرر المعهد أن من بين أهدافه غرس الإيمان بالله وتنمية الوعي الديني لدى الطلاب وأغلب مؤسسي المدرسة ومدرسيها يعودون لأصول هندية، ويمثلون مدرسة الفكر المحافظ أو ما اشتهر بمدرسة ديوباند.
وكغيره من المدارس الإسلامية في جنوب إفريقيا يحاول المعهد الإسلامي تطبيق نموذج إسلامية المعرفة، ولكن حسبما يؤكد مولانا علي آدم مدير المعهد أن المعهد حتى الآن لم يحقق هدفه في مزج الإسلام بالمواد العلمانية بسبب عدم وجود كتب مدرسية أو مواد دراسية تخدم هذا التوجه، وبرغم ذلك فما زال هدف إسلامية المعرفة على قائمة أولويات المعهد.
ومن أجل تحسين جودة التعليم من خلال تدريب المدرسين وأسلمة المناهج الدراسية فقد انضم المعهد الإسلامي للمجلس الدولي للبحوث التربوية ومصادر التعليم أو ما يطلق عليه اختصارا (IBERR) ومقره في لندن ويهدف لدعم المدارس الإسلامية، خاصة في بريطانيا وأمريكا وجنوب إفريقيا من خلال دعم الإدارة المدرسية والعمل على تطوير كادر المعلمين بالمدارس، إضافة إلى إعداد بحوث المناهج الدراسية.
وعلى الرغم من أن المجلس لم ينشر بعد كتبه الخاصة به فإنه يقدم العديد من الإرشادات لطرق تدريس المواد العلمانية من وجهة نظر إسلامية.
والسؤال الذي تثيره خطط إسلامية المعرفة في هذه المدارس حول دور هذه الخطط في تشكيل هوية الطلاب المسلمين، وهو ما قامت الدكتورة إنجا باستخلاصه من خلال دراستها الميدانية، حيث أشارت التحليلات الأولية إلى أن الطلاب داخل هذه المدارس يشعرون بالرضا عن نظام التعليم الذي يتيح لهم ممارسة شعائرهم التعبدية والتعرف أكثر على الإسلام والشعور بدورهم الحيوي داخل المجتمع المسلم إلا أنه من جهة أخرى تعتبر خبرة الطلاب المسلمين في التعامل مع غير المسلمين ما زالت محدودة على الرغم من تركيز المناهج الدراسية على قيم التسامح والتفاهم بين الأديان، فقد أظهرت نتائج الدراسة المسحية؛ لهذه المدارس أن الطالب لا يكاد يصاحب أي زميل غير مسلم والقليل جدًّا من الطلاب الذين يمكنهم استحضار خبرة إيجابية في تعاملاتهم مع غير المسلمين في الوقت الذي يقدم فيه الأغلبية خبرات سلبية في التعامل مع غير المسلمين، وبرغم ذلك فقد أعرب الكثير منهم عن رغبتهم في التعرف أكثر على الأديان الأخرى والالتحاق ببرامج التبادل الديني.
ويبقى السؤال حول كيفية تنشئة الطلاب القادرين على أن يصبحوا مواطنين فاعلين في مجتمع متعدد الثقافات بدون خبرات إيجابية في كيفية التفاوض وإدارة الخلافات وحل المشكلات في التعامل مع الأطراف الأخرى.


هوامش ومصادر:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق