أمل خيري
يحتل البروفيسور طارق رمضان اليوم مكانا مميزا بين المفكرين الإسلاميين؛ حيث يمثل جيلا جديدا من دعاة الإصلاح السياسي، حتى إن مجلة تايم قد عدته واحدا من أهم مائة مفكر في القرن الحادي والعشرين، وأطلق عليه بعض الكتاب الغربيين اسم "مارتن لوثر المسلمين".
وهو كباحث سويسري من أصول مصرية لا ينفك يدعو المسلمين في الغرب إلى الاندماج في مجتمعاتهم بدلا من رفضها، ويدعو للحوار بين الثقافات والحضارات، ويرفض تقوقع الحركات المناهضة للعولمة على نفسها، ويدعوها للحوار مع المسلمين، ويطالب بالاحترام المتبادل بين جميع الأديان.
وطارق رمضان يحمل درجة الماجستير في الفلسفة والأدب الفرنسي، والدكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة جنيف، ويعمل أستاذا للدراسات الإسلامية في عدد من الجامعات الغربية من بينها جامعة أكسفورد، وأستاذًا زائرًا بجامعة إيراسموس بهولندا، وهو حاليا زميل باحث في كلية سانت أنتوني (أكسفورد)، وجامعة دوشيشا (كيوتو، اليابان)، وهو ناشط على الصعيدين الأكاديمي والشعبي في مجال العدالة الاجتماعية والحوار بين الحضارات، ويشغل حاليا منصب رئيس الاتحاد الأوروبي للفكر "شبكة مسلمي أوروبا" (emn) في بروكسل.
عالم واحد
يرى طارق رمضان أن الأديان السماوية تنبع من مشكاة واحدة؛ لذا لا توجد دواع لإبراز أوجه الاختلافات بين هذه الأديان، بل إن العالم بأسره في حاجة إلى أن يسمو على الخلافات، والبحث عن سبل للعيش في جو من الوئام والثقة المتبادلة بين الشعوب والحضارات.
ويشدد رمضان على الحاجة للتقييم الذاتي الصادق، والتفكير النقدي، والالتزام بمبادئ عالمية واحدة، مشيرا إلى أن الأديان نفسها تدعو للاحترام المتبادل بين البشر، بغض النظر عما يعتنقونه من أديان، وهذا الحوار يتطلب فهم الشعوب الأخرى، ولكنه لا ينجح إلا بثلاثة أشياء ضرورية وهي: التعاطف الفكري، والإيمان العميق، ومزيد من العقلانية والروحانية.
وأولى الخطوات للخروج من حالة العداء الراهنة هي التواضع، والتعليم، ومعرفة الذات، كما يتطلب الحوار إزالة عدم الثقة باعتبارها نقيضا للحوار.
ويرفض طارق رمضان مبدأ صراع الحضارات والأديان، ويعتبره أبعد ما يكون عن الحقيقة، ولكن علينا إعادة النظر في المناهج الدراسية لتكون أكثر شمولا؛ بحيث نبحث عما يسمى بالتاريخ المشترك، والعمل على تنمية الانتماء، خاصة لدى المسلمين في المجتمعات الأوروبية، والتركيز على التحديات الحقيقية التي تواجه المجتمع ككل، مثل التكامل الاجتماعي، ومكافحة العنصرية، والعمل، والإسكان، وما يتصل بها من تمييز.
التنوع الثقافي
ويدعو طارق رمضان الجامعات في الغرب للتصالح مع نهج الحضارات والثقافات الأخرى لاسيما الإسلام؛ بحيث تشمل الدراسة في هذه الجامعات كافة الأديان، والتعرف عليها من خلال أصولها، هذا إذا كنا جادين بشأن احترام تنوع الحضارات فلابد من تعزيز القيم المشتركة، كما يجب التفرقة بين الإسلام والمسلمين من جهة، والإسلام السياسي والتطرف من جهة أخرى.
ويرى طارق رمضان أنه لا يزال هناك مجال لإعادة تقييم جادة وحاسمة في الكثير من الجامعات الغربية، وعلى الغرب أن يعي حقيقة أن الفكر الإسلامي كان جزءا من مكونات الثقافة الأوروبية تماما مثل الثقافة اليونانية والرومانية، وأن مساهمات المفكرين الإسلاميين عبر العصور قد أسهمت في دمج الثقافات اليونانية والرومانية والإسلامية في بوتقة واحدة شكلت الهوية الأوروبية.
وعلى مستوى المسلمين خاصة في الغرب فإن عليهم واجب الدعوة إلى الله بصورة تؤكد على صلة الأخوة بين البشر جميعا؛ باعتبارهم أبناء لآدم يجمع بينهم صلات النسب، وإن كانوا مختلفين في الدين أو الثقافة؛ لذا يدعو رمضان للإعلان عن هوية جديدة في الغرب تحت عنوان: "نحن"؛ حيث يدعو جميع الأديان للعمل معا، والتفاهم، واحترام الاختلافات في القيم بدلا من تغذية عقلية الأقلية، وأن مفهوم "نحن" يعد مقابلا لمفهوم "نحن والآخر" باعتبار أن الجميع لهم هدف واحد؛ هو تعزيز المواطنة والمستقبل المشترك، وفي ظل هذا المفهوم يجب النظر إلى الاختلافات الثقافية والحضارية والدينية على أنها مصدر للتنوع والثراء، وليست مصدرا للتهديد.
أيديولوجية الخوف
ويؤكد طارق رمضان أننا نمر حاليا بأوقات عصيبة لا تخلو من الغرابة، فربما يعتقد البعض أنه في عصر العولمة يجب أن تركز المناقشات الأيديولوجية على كيفية صنع خياراتنا الاقتصادية والسياسية، ولكنه لاح في الأفق اتجاه جديد لا مفر منه؛ فالمواجهة المباشرة بين مشجعي الحركة الرأسمالية العابرة للقارات والليبرالية الرأسمالية الجديدة وبين المدافعين عن وجود اقتصاد ذي بعد إنساني مستمد من نمط جديد للعولمة يرتكز على القيم الإنسانية والأخلاقية للاقتصاد والسياسة، هذه المواجهة لا تزال قائمة بالطبع، ولكننا اليوم نشهد ظاهرة تنامي أيديولوجية جديدة خالية من الأفكار والمثاليات، ولكنها تفرض نفسها بقوة على الساحة، وأصبحت ذات تأثير على كثير من الأحزاب السياسية، سواء اليمينية أو اليسارية، وسواء في شمال العالم أو جنوبه، بدأت من الغرب وانتشرت لباقي أنحاء العالم، وهي ما أطلق عليها طارق رمضان "أيديولوجية الخوف" والتي تذكيها الحملة الدولية ضد الإرهاب والتي عززت ثقافة الخوف وترسيخه في كل مكان في العالم، وهذا الخوف من شأنه أن يولد علاقة من عدم الثقة والصراع المحتمل مع الآخر، كما أن الخوف يمنعنا من التحليل الموضوعي العقلاني للأمور؛ حيث تطغى العواطف والانفعالات على العقل.
والمفارقة أننا نعيش حاليا في عصر الاتصالات، ولكن الخوف أصابنا بالصمم عن محاولة سماع الآخر، أو تفهم وجهة نظره، وهكذا لم ينجح عصر الاتصالات في إزالة الحواجز بين البشر، بل انتقل الخلاف بين "نحن" و"هم" من المجال الواقعي إلى المجال الافتراضي، وقد أصبحت تغذية أيديولوجية الخوف سلاحا سياسيا، خاصة في يد القوى الاقتصادية العظمى كجزء من الإستراتيجيات الانتهازية التي تسعى لتأصيل أيديولوجية الخوف؛ لما يعود عليها من مكاسب في تجارة الأسلحة بدعوى مكافحة الإرهاب، وتأمين المواطنين، والحفاظ على الأمن القومي.
في مواجهة العولمة
ويعتقد طارق رمضان أن عصر العولمة هو أحد الاضطرابات التي يشهدها العالم؛ حيث تطغى هيمنة الاقتصاد والأسواق المالية على جميع مجالات النشاط الإنساني، لكنه يعارض في الوقت نفسه الحركات المناهضة للعولمة، ويصفها بالسذاجة في التفكير، ويؤكد أنها لن تنجح إلا بالتنسيق مع العالم الإسلامي، فهذه الحركات الغربية المناهضة للعولمة والرافضة للرأسمالية الليبرالية الجديدة، وحتى تلك الرافضة للحرب الأمريكية في العراق هي نفسها تسعى لتأصيل نوع آخر من العولمة أكثر إنصافا وإنسانية وكرامة في نظرهم، معتقدين في إمكانية إيجاد عالم آخر، ولكنهم في الوقت نفسه لا يقدمون على دراسة جادة للتنوع الثقافي والديني، ولا يسعون للحوار مع الحضارات الأخرى والتي تشترك معهم في نفس الأهداف؛ مما يزيد من تعميق الفجوة بين الحضارات والأديان.
لذا يؤكد طارق رمضان أن حركة مناهضة العولمة الليبرالية الجديدة لا تستطيع أن تتجنب المكانة المركزية لتنوع الثقافات والأديان، ودورها في إطار مقاومة العولمة الليبرالية، ولا يمكنها أن تنكر المساهمة الكبيرة التي يمكن أن يقدمها هذا التنوع في مناهضة هذه العولمة الليبرالية الجديدة، لذا فإن الدعوة إلى نوع من العولمة المسلحة ليست إلا عبثا وهراء.
ويدعو طارق رمضان نقاد العولمة إلى تعميق فهمهم للإسلام، وفتح حوار مع العالم الإسلامي إن كانوا راغبين في الوصول إلى نتيجة مثمرة، وبالتالي فإن تحدي العولمة يمكننا أن نحوله إلى فرصة ليستفيد العالم من النهضة الإسلامية، ولتوثيق الحوار بين الحضارات والثقافات، وتحقيق تفاعل أفضل بين معتنقي الأديان المختلفة.
ويرفض طارق رمضان مصطلح التسامح، ويفضل مصطلح الاحترام عليه؛ حيث يرى أن التسامح قد يحمل معنى قبول الآخر؛ لعدم وجود بديل آخر، ولكن في نفس الوقت يتم تجاهل هذا الآخر وتستمر المعاناة من وجوده، وهذا الطريق لن يقدم الحل لمشاكل العالم، بل لابد من الاحترام المتبادل؛ لأن الاحترام يقوم على المعرفة، بينما التسامح يمكن أن يقوم على الجهل، فالاحترام لا يتأتى إلا بإتاحة وسائل المعرفة المتبادلة بين الثقافات والأديان حتى نستطيع القضاء على عقلية "نحن مقابل الآخر" ليحل محلها "نحن" فقط؛ باعتبارنا عالما واحدًا يواجه تحديات مشتركة، ويسعى لتحقيق أهداف مشتركة.
هوامش ومصادر:
1. Muslim-Christian dialogue can succeed only by recognizing realities : Tariq Ramadan, By TwoCircles.net staff reporter. 2. Tariq Ramadan , Da’wa in the West.
3. Barnaby Rogerson , Tariq Ramadan’s act of piety.
4. Tariq Ramadan , Studying Islam.
5. Tariq Ramadan , Islam Today: The Need to Explore Its Complexities.
6. Tariq Ramadan ,Manifesto for a new “WE”.
7. Tariq Ramadan , THE GLOBAL IDEOLOGY OF FEAR OR THE GLOBALIZATION OF THE ISRAEL SYNDROME.
8. Oscar Reyes , Living together: an interview with Tariq Ramadan
A man with a vision , by Intercultural Magazine.
Tariq Ramadan ,"Globalization Critics Are Naïve"
9. Globalization can be turned into opportunities says Professor of Islamic Studies at the University of Oxford Dr Tariq Ramadan.
10. Rosemary Bechler , A bridge across fear: an interview with Tariq Ramadan.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق