صاحب الموسوعة هو الشيخ عبد الحليم أبو شقة وهو من أبرز علماء الأزهر الشريف ، ولد بحي الجمالية بالقاهرة في 28 محرم 1343هـ /28 أغسطس 1924 في أسرة مصرية محافظة ، بدأ حياته الدراسية في القاهرة وتدرج في مراحل التعليم المختلفة حتى حصل على الشهادة الابتدائية عام 1357هـ/ 1938م ، ثم حصل على الثانوية من مدرسة التوفيقية، والتحق بعدها بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً) وتخرج من كلية الآداب قسم التاريخ.
تأثرت نشأة أبو شقة الأولى بانضمامه لإحدى الجمعيات الخيرية التي اهتمت بتربية الفرد المسلم ، كما تتلمذ على الشيخ الخضر حسين وتعرف على القاضي أحمد شاكر ومحي الدين الخطيب صاحب مجلة "الفتح" وهي مجلة سياسية وطنية دينية منفتحة ، وسرعان ما انضم أبو شقة إلى جماعة الإخوان المسلمين وكان يحاور الشيخ حسن البنا كثيرا حول ضرورة اهتمام الجماعة بالتربية والتقليل من النشاط السياسي الذي استنزف معظم جهود الحركة، وكانت حواراته تدل على خبرة تربوية وحركية مميزة، وفي أواخر الأربعينات اتجه أبو شقة للاهتمام بقضايا الفكر والتربية ووقف متصديا لتيارات الغلو والتشدد منبها الشباب لخطورة الانشغال بالعمل السياسي على حساب الفكر والتربية ، وتتويجا لأفكاره فقد أنشأ مع بعض أصدقائه مكتبة باسم "مكتبة لجنة الشباب المسلم" لتقوم بنشر بعض الكتب والرسائل للتوعية بهذا الدور، ولكن سرعان ما أغلقت المكتبة وصودرت محتوياتها في منتصف الخمسينات ، واعتقل أبو شقة في 372هـ / 1953 م ثم اعتقل عدة شهور في صيف 1385هـ / 1965م وكان وقتها مديرا للمدرسة الثانوية بقطر ولم يفرج عنه إلا بعد جهود حثيثة من حكومة قطر التي كان يعمل لديها ، ثم أسس أبو شقة دار القلم في الكويت التي كانت في السابق الدار الكويتية ومكث نحو 12 عاما بالكويت.
ويعدد الشيخ يوسف القرضاوي السمات التي اتسم بها أبو شقة والتي من أبرزها أنه رجل الحلم والأناة فقد تفرغ لإعداد الموسوعة القيمة مدة عشرين عاما استقال خلالها من عمله ليواصل جهوده الحثيثة في إصدارها ، وهو رجل التسامح فقد كان متسامحا مع الفئة المتحجرة التي رفضت كتابه دون أن تقرأه بعناية فدعاهم للقاء والمناقشة فأبوا ذلك ، وهو رجل الحوار فلم يكن مؤمنا بحتمية الصراع بين الثقافات والحضارات بل تبنى فكرة إمكان التعايش بينها وأعلن عن فكره هذا في افتتاحية مجلة المسلم المعاصر التي كان هو صاحب فكرتها وكان يردد مقولة " نتعاون في المتفق عليه، ونتحاور في المختلف فيه " ، ومن أهم مؤلفاته "نقد العقل المسلم: الأزمة والمخرج" ، كما نشر عدة مقالات في مجلة المسلم المعاصر وعدة روايات أخرى أهمها مقالة "أزمة العقل المسلم" و"أزمة الخلق المسلم".
كان أبو شقة عازما على عمل دراسة متعمقة في السيرة النبوية تعتمد على كتب السنة وقد دفعه لهذا التوجه تتلمذه على يد الشيخ ناصر الدين الألباني فبدأ بدراسة صحيح مسلم مع شرح الإمام النووي ، ولكنه أثناء استعراض الأحاديث وتصنيفها فوجئ بأحاديث عملية تطبيقية تتصل بالمرأة وبأسلوب التعامل بين الرجال والنساء في مجالات الحياة المختلفة حيث وجدها تخالف ما كان يفهمه ويطبقه بل وما تطبقه الجماعات الدينية المنتشرة في وقته ، فشدته هذه الأحاديث لتصحيح تصوراتنا عن شخصية المرأة المسلمة ومدى مشاركتها في عصر الرسالة المحمدية.
وبذلك فقد شده الأمر شدا قويا حتى انصرف عن مشروع كتابة السيرة إلى مشروع جديد وهو عمل دراسة عن المرأة المسلمة في العهد النبوي تلقي الضوء على ما حظيت به المرأة في عصر الرسالة كما شجعه على المضي في المشروع شيوع مفاهيم وتصورات تخالف ما جاء به الشرع الحنيف من تحرير بالغ للمرأة لذا فقد رأى أن إحقاق الحق في موضوع المرأة يعد انتصارا لشرع الله فالمرأة هي الأكثر تعرضا لافتراس جاهليتين :جاهلية الغلو والتشدد وجاهلية العري والإباحية وكلتاهما خروج وافتئات على شرع الله .
وتعتبر الموسوعة دراسة اجتماعية فقهية عن المرأة في عصر الرسالة ، يهدف من خلالها إلى الإسهام في إعادة تحرير المرأة المسلمة المعاصرة محتذيا خطى التحرير الأولى ومقتديا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
اعتمد أبو شقة منهج "استقراء النصوص" في إعداد هذه الموسوعة فبدأ باستقراء نصوص القرآن الكريم ثم كتب السنة وأولها صحيح البخاري ثم صحيح مسلم، والمنهج العام للموسوعة هو عرض جميع النصوص ذات الدلالة مع ذكر بعض أقوال الفقهاء المنتقاة من شرح الحافظ بن حجر لصحيح البخاري ، وكان من ثمرات هذا المنهج تحقيق نوع من التصنيف الموضوعي للنصوص المتعلقة بالمرأة في القرآن الكريم وصحيحي البخاري ومسلم.
وتقع الموسوعة في ستة أجزاء ويبلغ عدد صفحاتها ما يقارب 1900 صفحة من الحجم العادي) وتحمل الموسوعة عنوان " تحرير المرأة في عصر الرسالة / دراسة جامعة لنصوص القرآن الكريم وصحيحي البخاري ومسلم".
ويتناول الجزء الأول من الموسوعة معالم شخصية المرأة المسلمة أما الجزء الثاني فيتناول مسألة مشاركة المرأة المسلمة في الحياة الاجتماعية ، ويتناول في الجزء الثالث حوارات مع المعارضين لمشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية ويستعرض لباس المرأة المسلمة وزينتها في الجزء الرابع ثم ينتقل للحديث عن مكانة المرأة المسلمة في الأسرة في الجزء الخامس ، أما الجزء الأخير من الموسوعة فقد أفرده للحديث عن الثقافة الجنسية للزوجين.
وأهم المنطلقات الفكرية والمنهاجية للموسوعة تتمثل فيما يلي:
1. مبدأ التجديد بكل صفائه وأصالته.
2. استقراء وفهم الأصول والنصوص الصحيحة.
3. مبدأ الشمول و الإحاطة.
4. مبدأ التخصص المدعوم بأخلاق وصفات العلماء.
5. مبدأ الاستقلال والجرأة في الحق .
6. اعتماد الدراسة منهجية ربط الخاص بالعام في الشأن الثقافي والفكري وهو ما تمثل في ربط أبو شقة بين قضية تحرير المرأة وقضية تحرير العقل المسلم المعاصر.
وقد مر إخراج هذه الدراسة بأطوار كثيرة بدأت بوريقات قليلة صارت تزداد مع الحذف والإضافة وعرضها المؤلف على أصحاب الرأي ومن بينهم الشيخ محمد الغزالي والدكتور يوسف القرضاوي والدكتور عز الدين إبراهيم ومحي الدين عطية وكمال أبو المجد والمستشار طارق البشري وكثير غيرهم ، وقد بذل هؤلاء الأستاذة جهدا كبيرا ساعد على تصحيح بعض وجهات النظر ، كما شاركته زوجته الأستاذة ملكة زين الدين في إعداد الموسوعة حيث قامت بجمع روايات البخاري للحديث الواحد واستخراج معاني الكلمات الغربية وتبييض المسودات، حتى صدر الكتاب في ستة أجزاء.
وتحمل الموسوعة العديد من الرسائل ومن أهمها :
(1) رسالة التحرير:
حيث تؤكد الموسوعة على أن المرأة لم يحررها قاسم أمين أو غيره من دعاة تحرير المرأة بل حررها نبي الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان ، ويسعى أبو شقة من خلال ذلك لضرورة تحرير المرأة المسلمة في العصر الحديث سواء من دعاة الجمود أو دعاة الإباحية .
(2) رسالة التيسير:
والتيسير من أبرز مظاهره التجديد وقد عني أبو شقة بإبراز هذه الرسالة حيث اعتبر هذه الموسوعة محاولة للتجديد الإسلامي في قضايا المرأة ويعرف أبو شقة التجديد على أنه "العودة إلى الكتاب والسنة لمعرفة هدى الله، وتنزيل هذا الهدى على الواقع، حتى يستقيم على أمر الله".
ويسير الكتاب في اتجاه التيسير ورفع الحرج والإعنات عن المرأة المسلمة الناتج عن جهل الأكثرين بالنصوص الشرعية التي تتضمن التيسير، وتقاوم التعسير أو سوء فهم النصوص بوضعها في غير موضعها، وقد حرص الكاتب على مناقشة بعض القضايا الأصولية الهامة التي لها علاقة بالموضوع، والتي اتَّكأ عليها كثيرون من العلماء في التضييق على المرأة، على خلاف ما أثبتته السنة المطردة. وذلك مثل قضية (سد الذرائع).
(3) رسالة التنوير:
ويحمل أبو شقة رسالة التنوير لكل من الرجل والمرأة على السواء فهو يؤمن أن تحرير المرأة لا يتم إلا بتحرير الرجل، وتحريرهما معا لا يأتي إلا بتحرير العقل وإزالة العوائق من طريقه ورفع القيود التي تغل حركته ومهمته في التفكير الحر.
أما أهم النتائج التي كشفت عنها الدراسة فتتمثل فيما يلي:
في مجال معالم شخصية المرأة:
· أن المرأة المسلمة في العهد النبوي كانت واعية لشخصيتها كما قررها الإسلام ومارست دورها في ظل هذا الوعي.
· أن الأصل هو المساواة بين الرجل والمرأة " إنما النساء شقائق الرجال"
· أن حديث " ناقصات عقل ودين " حديث صحيح أساء الكثيرون فهمه فطمسوا معالم شخصية المرأة كما رسمها الإسلام.
في مجال الزينة واللباس:
· كشف الوجه كان هو السائد في العهد النبوي .
· لم يفرض طراز محدد بشأن اللباس ولكن ما فرض هو ستر البدن.
· وهذه المواصفات ساعدت المرأة على توفير حرية الحركة ومشاركتها في الحياة الاجتماعية.
في مجال المشاركة في الحياة الاجتماعية :
ثبت أن القرار في البيت من خصوصيات نساء النبي.
· شاركت المرأة في الحياة الاجتماعية العامة والخاصة مع تقييد هذه المشاركة ببعض الآداب.
· شاركت المرأة في النشاط الاجتماعي والسياسي والعمل المهني.
· كان من ثمرات هذه المشاركة نمو وعي المرأة ونضجها.
في مجال الأسرة:
· تأكيد حق المرأة في اختيار زوجها.
· توزيع المسئوليات بين الزوجين مع التعاون بينهما
· تماثل حقوق الزوجين " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف"
· للطلاق وتعدد الزوجات آداب وشروط.
· دور المرأة في الأسرة لا ينفي أن لها مهام أخرى في المجتمع.
في مجال الحياة الجنسية:
· ضرورة تيسير الزواج للشباب.
· أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان نموذج الإنسان الكامل والزوج الكامل.
· وضع الرسول منهجا متكاملا للتربية الجنسية السليمة التي يترتب عليها الصحة النفسية.
قال عنها الشيخ محمد الغزالي:
"هذا الكتاب يعود بالمسلمين إلى سنة نبيهم دون تزيد أو انتقاص انه كتاب وثائق ومؤلفه عالم غيور على دينه رحب المعرفة متجرد لنصرة الحق"
ويقول الدكتور يوسف القرضاوي:
"نحن في الحق أمام دراسة علمية موثقة بأصح النصوص مستمدة من أوثق المصادر توفر عليها كاتبها ،نحن أمام موسوعة حافلة تضم أهم ما يتعلق بالمرأة المسلمة من حيث شخصيتها ومكانتها ولباسها وزينتها ودورها في الأسرة والمجتمع ... في ضوء نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة وفهم السلف الصالح لهما".
وكما نالت الموسوعة تقريظ الكثيرين فقد اعترض البعض عليها واعتبروا ما فيها من آراء مخالف لمنهج أهل السنة والجماعة ، وقد علق على ذلك الداعية الكبير الشيخ علي الطنطاوي بقوله:" إنهم إذن يرفضون البخاري ومسلما، لأن الكتاب أساسا قائم - بعد القرآن- على أحاديث الصحيحين، فأعجب لمسلم يرفض الاحتكام إلى القرآن والصحيحين!!".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
(1) عبد الحليم أبو شقة ، تحرير المرأة في عصر الرسالة ، الكويت: دار القلم ، 2002، الجزء الأول.
(2) رضا عبد الودود ، عبد الحليم أبو شقة صاحب كتاب تحرير المرأة: نموذجا ، مؤتمر تحرير المرأة في الإسلام، 2003.
(3) ملكة زين الدين ، قصة كتاب تحرير المرأة ، مؤتمر تحرير المرأة في الإسلام، 2003 .
(4) د.وائل مرزا ، قراءة في كتاب تحرير المرأة المسلمة في عصر الرسالة للأستاذ عبد الحليم محمد أبو شقة ، مجلة الرشاد ، كندا ، العدد الخامس ، السنة الثانية شعبان 1418هـ / ديسمبر 1997 م.
(5) يوسف القرضاوي ، مع أئمة التجديد ورؤاهم في الفكر والإصلاح ، القاهرة: مركز الإعلام العربي للدراسات، د.ت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق