أكد تقرير دولي أن المرأة المعيلة أكثر الفئات تضررا من الأزمة المالية؛ حيث تصل نسب الأسر التي تعولها النساء إلى 43 % على مستوى العالم، أي ما يقارب نصف عدد الأسر، وهذه الظاهرة تنال الدول الغنية والفقيرة على حد سواء، ففي أوروبا وأمريكا تصل النسبة إلى20%، وترتفع هذه النسبة في الدول النامية، ففي مصر تتراوح هذه النسبة من 22 : 33 %، وفي اليمن والسودان تصل إلى 23%، وفي الدول العربية إجمالا تصل هذه النسبة إلى 12.5%.
ويشير التقرير الصادر عن منظمة العمل الدولية مؤخرا إلى أن معدل عدد أفراد الأسرة التي تعولها امرأة يبلغ حوالي 5 أفراد، ومعظم هذه الأسر تعولها نساء نتيجة فقد الزوج إما للوفاة أو الطلاق، وبالطبع ترتفع هذه النسب في الدول التي تعاني من الحروب؛ حيث يرتفع عدد الضحايا مما يزيد من أعداد الأسر التي تعتمد في مواردها اعتمادا كليا على النساء.
ومما يزيد الأمر سوءا -كما يؤكد التقرير- أن ثلثي النساء في العالم يزاولن أعمالا هشة، أي بلا عقود أو تأمينات اجتماعية فإن تعرض هؤلاء النساء للتسريح من العمل يتزايد؛ حيث تكون هذه الفئة هي الأضعف، والتي غالبا ما يبدأ بها أصحاب الأعمال، وتقدر منظمة العمل الدولية أن يصل عدد المسرحات من العمل 22 مليونا في العالم هذا العام.
سيناريوهات الأزمة
يرصد تقرير الاتجاهات العالمية لعمالة المرأة لعام 2009 الصادر عن منظمة العمل الدولية، عدة سيناريوهات لتزايد معدل البطالة بين النساء؛ حيث يتوقع أكثر هذه السيناريوهات تفاؤلا أن يزيد معدل بطالة النساء بمقدار 6.5%، بينما يتوقع أكثرها تشاؤما أن يقترب هذا المعدل من 8% زيادة عن العام السابق.
وفي ظل حقيقة أن أغلب ما تحصل عليه المرأة من أجور يتجه للإنفاق على الأسرة في مجالات الغذاء والصحة والتعليم فإن المجتمع ككل سيتضرر من جراء تخفيض أجور النساء أو تسريحهن من العمل؛ مما يعني انخفاض الدخل القومي، وزيادة حدة الفقر، كما أن ارتفاع أسعار الغذاء أدى لانخفاض دخل الأسرة، وانخفاض الإنفاق على الغذاء، وفي كثير من الأسر التي تعولها امرأة تناقصت أعداد الوجبات اليومية التي يتناولها أفراد الأسرة إلى وجبتين أو وجبة واحدة، وبعض الأسر التي لم تخفض عدد الوجبات قللت من نوعية وجودة الطعام؛ مما يؤدي بالطبع إلى مزيد من سوء التغذية، وفقر الدم، فتقدر اليونيسيف نسبة زيادة فقر الدم لدى الأمهات خلال العام الجاري من 10: 20 %.
وفق التقرير تعد العمالة المهاجرة عنوانا أساسيا في أغلب الدول النامية، وهذه الهجرة قد تكون داخلية (من الريف للمدن)، أو خارجية (تتجه أغلبها لدول الخليج العربي)، وتعمل النساء المهاجرات غالبا في القطاع غير الرسمي، ويحصلن على مكاسب هزيلة، ويتعرضن للعنف والإذلال، فالكثيرات يعملن خادمات أو طاهيات، أو عاملات ومدبرات منازل، أو على أفضل تقدير جليسات أطفال، والبعض منهن يعملن كبائعات جائلات.
ومن نتيجة الأزمة المالية على الدول الغنية تسريح الكثير من هذه العمالة، وترحيل أغلبهن لبلادهن، والكثير من هؤلاء النساء يعملن لتأمين دخل مناسب لعائلاتهن، ولتجنيب ذويهن الفقر والجوع.
وأجور هؤلاء العاملات تعتبر مصدرا هاما لكثير من الأسر التي تعتمد على هذه الدخول لتأمين الغذاء فقط، ففي جنوب آسيا وحدها تبلغ نسبة المهاجرات الريفيات من النساء العاملات في مجال المنسوجات 90%، وهؤلاء المهاجرات لم يتكبدن الغربة عن أهلهن إلا لأنهن المتكفلات بإعالة هذه الأسر، وتعد تحويلات العاملين بالخارج ركنا أساسيا في اقتصاد أي مجتمع، ففي خلال عام 2008 بلغت هذه التحويلات 305 بليونات دولار حول العالم؛ أي ثلاثة أضعاف حجم المعونات والمساعدات الخارجية.
صناعات نسائية
كما توقع البنك الدولي انكماشا في حجم الاقتصاد في الصناعات التي يعمل النساء بها، كصناعة الغزل والنسيج، ودباغة الجلود، وصنع الأحذية؛ نتيجة انخفاض الطلب الخارجي على هذه الصادرات، ففي الهند وحدها تم تسريح 700.000 عامل من وظيفته في مصانع الغزل والنسيج، وفي الفلبين تم الاستغناء عن 40.000 عامل، فإذا علمنا أن النساء يشكلن نسبة 80: 85% من حجم هذه العمالة استطعنا تخمين أعداد النساء اللاتي فقدن أعمالهن في هذه الصناعة الهامة، وفي إفريقيا تعمل النساء في مجال الصادرات الزراعية بنسبة 85% من إجمالي عدد العاملين، ومع انخفاض الطلب على هذه المنتجات من فواكه وأزهار وخضر سينخفض حجم التصدير لهذه المنتجات مما يهدد النساء بمزيد من البطالة ومع حقيقة أن نسبة 80% مما تنتجه النساء العاملات في المجال الزراعي تتجه للاستهلاك المنزلي يمكننا تقدير ما ستتعرض له أسر هؤلاء النساء من الجوع.
وتضطر الكثيرات إلى القبول بأعمال تحت شروط وظروف مجحفة، فحسب تقرير لمؤسسة أوكسفام فإن العاملة الواحدة أصبحت تقوم بعمل ثلاثة أشخاص أو أكثر، ومع ذلك تظل عرضة للفصل التعسفي في أي وقت ولأتفه الأسباب، وبهذا الأسلوب لا تجرؤ واحدة على المطالبة بحوافز أو علاوات، أو حتى بدلات تغذية أو انتقالات ناهيك عن المطالبة بحقها في التأمين الصحي أو التأمينات الاجتماعية حتى لا تتعرض للفصل كآلاف النساء اللاتي طردن من عملهن، بغض النظر عن الظروف المعيشية التي يعيشونها، وحجم المسئوليات الملقاة على عاتقهن، وتظل المرأة تتجرع الظلم في العمل والمهانة؛ لأن ما تحصل عليه هو المصدر الوحيد لدخل أسرتها.
وعلى الرغم من أن بعض هؤلاء العاملات يمتلكن عقودا قانونية فإن كثيرا من المصانع طردت العاملات منها دون سابق إنذار كما ينص العقد، وحرمتهن من حقوقهن في مكافأة نهاية الخدمة، ومن حصلت على هذه المكافأة فهي أقل بكثير من المنصوص عليه في العقد.
ومن بين الآثار الخطيرة على المرأة والأسرة أيضا انخفاض موارد مؤسسات التمويل الأصغر (القروض متناهية الصغر)، ففي عام 2006 أقرضت هذه المؤسسات أكثر من 133 مليون شخصا، تبلغ نسبة النساء بينهم 85%؛ لذا فإن انخفاض موارد هذه المؤسسات من شأنه تقليل فرص النساء الفقيرات في الحصول على تمويل لمشروعات متناهية الصغر تساهم في الإنفاق على أسرهن.
للخلف دُر!
من أبرز تأثيرات الأزمة المالية العالمية تقويض الجهود المبذولة على مدى سنوات مضت في مجال الرعاية الاجتماعية وحماية الأطفال والنساء، ففي تقرير للبنك الدولي توقع المزيد من العواقب الخطيرة للأزمة المالية على النساء في ثلاث وثلاثين دولة فقيرة، ومن أهم هذه الآثار ارتفاع نسب تسرب الفتيات من التعليم؛ نظرا لانخفاض دخل الأسر الفقيرة، مع ارتفاع تكلفة التعليم وما تحتاجه الدراسة من زي مدرسي، وأدوات دراسية، وكتب، وغيرها من المصروفات التي لن تكون في متناول كثير من الأسر الفقيرة في الدول النامية؛ حيث يتوقع أن يصل عدد الأطفال الذين لن يتمكنوا من الالتحاق بالتعليم الابتدائي إلى 29 مليونا عام 2015، وأن أغلب هذه النسب ستكون من الإناث؛ لأن الأسر تلجأ عند المفاضلة لإخراج الفتيات من التعليم وإبقاء الذكور، لكن كثيرا من الأسر أيضا لن يكون لديها هذا الاختيار فتلجأ لإخراج الأطفال جميعا من التعليم.
وهذا التسريب الإجباري للأطفال من التعليم يتبعه إجراء آخر تقوم به هذه الأسر الفقيرة، وهو الاتجاه نحو دفع هؤلاء الأطفال للعمل ليساهموا في الإنفاق على الأسرة؛ مما يؤدي إلى تزايد حجم عمالة الأطفال في هذه المجتمعات، وبالتالي سترتد كل الجهود السابقة في مجال مكافحة عمالة الأطفال إلى الوراء، ونظرا لأن أغلب هؤلاء الأطفال من الإناث فإن العمالة ستتجه بالتأكيد نحو المهن الهامشية والهشة وغير الآمنة، كالخدمة في البيوت، والتي تعرض الفتيات لأنواع عديدة من الإساءة والإيذاء البدني، والعنف الجسدي، وكثيرات يلجأن لبيع المناديل في الإشارات المرورية، وعلى الأرصفة، بل ويتجه البعض للتسول والنشل، وبعض الدراسات تتوقع تأثير الأزمة المالية على زيادة حجم الاتجار بالبشر، خاصة للأطفال والنساء، واستغلال الفتيات للعمل بالدعارة، والأماكن المشبوهة.
وبعض الدراسات تتوقع مزيدا من العنف الأسري على الطفل والمرأة؛ نظرا لفقدان الرجال لعملهم، مما ينعكس على الحالة العصبية والمزاجية لدى أفراد الأسرة.
وكذلك الأمر بالنسبة لوفيات الأطفال؛ حيث توقع تقرير لليونيسيف زيادة أعداد وفيات الأطفال الرضع بما لا يقل عن 200 إلى 400 ألف طفل سنويا في المتوسط، في الفترة من 2009 إلى 2015 أي حوالي 1.4 مليون إلى 2.8 مليون طفل إجمالا.
وذكر تقرير لليونيسيف أن أكثر من 65.000 طفلا دون الخامسة في آسيا وحدها سيتعرضون للموت، وأن وفيات الأطفال سترتفع إلى 11% في الدول النامية، وأن هذه الوفيات تزيد بين البنات الرضع بمقدار 7.4 حالات وفاة بين كل ألف أنثى مولودة مقابل 1.5 وفاة بين كل ألف مولود ذكر.
ولا شك أن هذه الحقائق والتوقعات تتطلب المزيد من بذل الجهود نحو تأمين شبكات حماية الفقراء، والعمل على دفع جهود التنمية والرعاية الاجتماعية، وتُلقي بمزيد من المسئولية على المجتمع الدولي لتأمين الحياة الكريمة للنساء والأطفال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق