بعد عهود طويلة كانت فيها كفة التسويق تجور على حقوق المنتجين المهمشين من الحرفيين والمزارعين.. برز مع بداية التسعينيات من القرن العشرين مفهوم التجارة العادلة "Fair trade" الذي يهدف في الأساس إلى توفير الفرص لهؤلاء المهمشين لبيع منتجاتهم بأسعار عادلة تقترب من الأسعار العالمية لحمايتهم من الاستغلال، خاصة في بلدان العالم النامي.
وتزعم الاتجاه لصياغة هذه الرؤية مؤسسة أوكسفام الدولية، ثم ما لبث أن دخل هذا المضمار العديد من المؤسسات، منها مؤسسة "التجارة العادلة"، التي تعمل في عدد من دول العالم ومن بينها مصر.
التجارة العادلة
بدأت فكرة المؤسسة بمصر مع بداية ظهور مفهوم "التجارة العادلة" في بداية التسعينيات حين قامت شركة مستشارو التبادل بين الشمال والجنوب -إحدى المؤسسات الاستشارية المصرية، والتي تعمل في مجال التنمية المستدامة في الشرق الأوسط- بتنفيذ العديد من المبادرات الخاصة ببناء قدرات المنظمات التي تضم الحرفيين المهمشين بهدف تحسين الإنتاج، إلا أنه مع تزايد عمليات استيراد منتجات بديلة شبيهة بهذه المنتجات بكميات أكبر وأسعار أقل بات واضحًا أن هناك استحالة لتسويق منتجات هؤلاء الحرفيين عبر القنوات التقليدية، فتم استبدالها بقنوات اتصال موسعة لتستوعب هذه النوعية من منتجات الحرف اليدوية.
وفي عام 1998 قامت شركة مستشارو التبادل بين الشمال والجنوب بالتعاون مع بعض المنظمات الدولية بتوحيد الجهود من أجل إنشاء "جمعية تقديم الدعم التجاري والمؤسسي للمنتجين في مصر".
وفي النصف الأول من عام 1999 تم فصل الأنشطة الخاصة بالتسويق والتجارة، ووضعها في إطار منظمة منفصلة تحت اسم "مركز مشغولات مصر ECC"، وأُلحق بها مشروعان آخران هما: "مشروع ربط منتجي الحرف اليدوية في المجتمعات المهمشة بالأسواق المحلية والعالمية"، و"مشروع مجتمع منتجي ومسوقي المشغولات اليدوية".
ولاقت هذه المبادرات نجاحا، وكان لها أثر إيجابي على تحسين قدرات الحرفيين وصغار المنتجين خاصة من النساء اللاتي شكلن حوالي 85% من إجمالي المنتجين؛ بفضل دعم عمليات الإنتاج والتشغيل والتدريبات المهارية، وتقديم الدعم الفني، وتوفير الأدوات والمعدات، والتشبيك بين المنتجين والأسواق المحلية والعالمية، وأخيرا بتطبيق مبادئ التجارة العادلة، خاصة فيما يتعلق بتهيئة بيئة عمل أفضل.
ومن هنا برزت الحاجة لتأسيس مؤسسة التجارة العادلة بمصر FTE؛ لتكون بمثابة مظلة لمبادرات خدمة الحرفيين، وسجلت بوزارة الشئون الاجتماعية بمصر في 3 يناير 2007.
الرؤية والأهداف
تتبنى المؤسسة شعار "تجارة عادلة ذات مسئولية اجتماعية نحو قطاع الحرفيين والزراعيين"، وتسعى لتنفيذ ثلاث أهداف أساسية:
1.زيادة الوعي بالتجارة العادلة.
2.تحسين الأحوال المعيشية لمنتجي الحرف اليدوية والمنتجات الزراعية، من خلال تطبيق مبادئ التجارة العادلة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
3.تطوير المهارات والقدرات الخاصة بمنتجي الحرف اليدوية والزراعية.
وتتكون المؤسسة من قطاعين:الأول قطاع الحرف اليدوية، ويضم 40 جمعية حرفية من أنحاء مصر، ويعمل على تمكين أصحاب الحرف من خلال اكتشاف الكنوز المحلية وتقديمها للمستهلك، ويقوم بدور همزة الوصل بين أصحاب الحرف اليدوية والمستوردين من كل أنحاء العالم، كما يساعدهم على تحديث عملية التصنيع.
وفي الوقت ذاته الحفاظ على أصالة المنتج وطريقة تصنيعه التي كانت تواجه خطر الانقراض؛ بسبب انتشار القطع المقلدة؛ لذا فإن المؤسسة تحرص على لصق كارت يوضح مصدر المنتج وأصله على كل قطعة معروضة.
أما قطاع المشروعات الزراعية فيضم مجموعة من اتحادات المزارعين لإنتاج الفواكه الطازجة والقطن والأرز والشاي.
أنشطة ومجالات
وتتعدد مجالات عمل مؤسسة التجارة العادلة ما بين البحث الميداني، وتحليل تقدير الاحتياجات، والتدريب في مجال بناء القدرات المؤسسية وتنمية الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمهارات الحياتية، والعمل على تطوير منتجات الحرف اليدوية، وتقديم المساعدة الفنية، والترويج لمبادئ التجارة العادلة، ويتم العمل في هذه المجالات من خلال ثلاثة أنشطة رئيسية تتمثل فيما يلي:
1. البناء المؤسسي للمؤسسات:
ومن بين هذه المشروعات "شبكة صغار المنتجين من أجل التعرف على حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية"، ويعمل هذا المشروع على إنشاء شبكة محلية لصغار منتجي الحرف اليدوية وصغار المزارعين بمصر، في إطار مؤسسة التجارة العادلة عن طريق تقوية قدراتهم على التفاوض وتقديم أنفسهم، ودعمهم مؤسسيا عن طريق التأمين الاجتماعي ومعايير الأمان.
كما يستهدف المشروع رفع الوعي بقضايا التجارة العادلة والعمل على عرض احتياجات المنتجين المهمشين، ويستمر المشروع لمدة ثلاث سنوات بداية من يناير 2009.
أما المشروع الثاني، فيتمثل في مشروع "لايف" بمدينة مرسى علم بمحافظة البحر الأحمر، والذي استهدف تدريب 45 سيدة بغرض رفع القدرة التسويقية للحرف اليدوية وزيادة قدرة السيدات على إنتاج الحرف اليدوية.
كما تم تنفيذ مشروع "ربط المجتمعات البدوية في جنوب سيناء بالأسواق المحلية والدولية" من أجل تحسين القدرة التسويقية للمنتجات اليدوية التي تنتجها السيدات في سبع مدن بجنوب سيناء؛ حيث تم تنفيذ تدريبات لثلاث مجموعات من النساء، تضم كل مجموعة إحدى عشرة سيدة.
كما قامت مؤسسة التجارة العادلة بالتعاون مع مشروع شالي في سيوة بمحافظة مطروح "شمال القاهرة" بتنفيذ أنشطة خاصة بإدارة الإنتاج والتكاليف والتسعير والتدريب في مجال التجارة العادلة في ديسمبر 2007.
2. تقدير الاحتياجات:
قامت مؤسسة التجارة العادلة بمصر بتقدير الاحتياجات اللازمة لإنشاء مركز التدريب على الحرف النوبية في إطار مشروع "تمكين الأسر النوبية من خلال إحياء الحرف التقليدية"، والذي تم تمويله بواسطة الصندوق الاجتماعي للتنمية، ونفذته جمعية فتيات المستقبل (FUGAD).
كما قامت المؤسسة بتقدير احتياجات اتحادات الفلاحين وجمعيات المزارعين وصغار المزارعين في محافظات الفيوم وسوهاج وقنا بصعيد مصر؛ حيث تم ضم مجموعات صغار المزارعين لشبكة منظمة التجارة العادلة كمستهدف رئيسي للمشروعات التي سيتم تنفيذها.
3. الأنشطة الخاصة بالتوعية:
ومن بينها تنظيم مؤتمر التجارة العادلة عام 2007 بمركز ساقية عبد المنعم الصاوي الثقافي بمنطقة الزمالك بوسط القاهرة، بالتعاون مع منظمة التعاون من أجل التنمية COSPE -وهي منظمة إيطالية غير هادفة للربح، تعمل في مجال التعاون الدولي في أمريكا الجنوبية وإفريقيا وأوروبا الشرقية ومنطقة البحر المتوسط- ومركز مشغولات مصر ECC، وذلك بهدف رفع الوعي بقضايا التجارة العادلة والترويج لها في مصر بين العملاء والجمهور والمنتجين ومنظمات المجتمع المدني والقطاعين العام والخاص.
وتقيم المؤسسة معرضًا دائمًا بمنطقة الزمالك بالقاهرة، وأهم المنتجات التي تقوم المؤسسة بتسويقها: السلال، والملابس، والسجاد، والمشغولات اليدوية، والمنتجات الورقية، والحلي، والأثاث المنزلي، والمصنوعات الجلدية، وغيرها من المنتجات اليدوية لصغار الحرفيين ومعظمهم من النساء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق