بقلم: أمل خيري
لم تكن ماري كروس تتوقع أن رسالتها اللاذعة لإحدى الصحف ستجعلها إحدى رائدات التدريب والاستشارة في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة.
فماري ذات الإعاقة الحركية والتي نجحت في توظيف نفسها ذاتيا ، قد لفتت بأسلوبها الرائع في الكتابة عن الظلم الذي تتعرض له فئة المعاقين أنظار الكثير ولذا فقد فوجئت بدعوة من إحدى الأخصائيات الاجتماعيات لإلقاء محاضرة لفريقها من ذوي الاحتياجات الخاصة.
ومنذ ذلك اليوم احترفت ماري التدريب وإلقاء المحاضرات حتى أصبحت من أهم المدربين والمستشارين في هذا المجال ومؤخرا نشر لها كتاب عن مسئولية الوالدين في رعاية الأبناء ذوي الاحتياجات الخاصة.
و لا يختلف الأمر مع الين فينس الكفيفة التي نجحت في توظيف نفسها على مدار تسعة عشر سنة حتى أصبحت مستشارة للعديد من المؤسسات التنموية.
التوظيف الذاتي
ويعتبر مفهوم التوظيف الذاتي من المفاهيم التنموية الحديثة التي اقتحمت عالم الأعمال والتوظيف وهو يعني سعي الفرد إلى إيجاد وظيفة لنفسه من خلال اعتماده على أفكاره وخبراته ومستواه التعليمي والتدريبي .
و بذلك فإن الفرد الذي ينجح في توظيف نفسه ذاتيا يدير عمله بنفسه و يتكسب موارده بأسلوب مستقل تماما دون الاعتماد على وظيفة أو انتظار راتب من جهة ما.
و قد انتشر هذا الأسلوب الجديد في التوظيف كثيرا ونجح في الحد من البطالة في كثير من الدول ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها نجح خمسة عشر مليون شخص في توظيف أنفسهم ذاتيا.
وتتعدد الأشكال المطبقة في مجال التوظيف الذاتي إلا أن أكثرها شيوعا قيام شخص بإدارة أحد المشروعات الصغيرة بنفسه وهو أيسر وأبسط الأشكال وقد يتشارك شخصان أو أكثر في إدارة مشروع ربحي بسيط وقد يتطور الأمر إلى تأسيس شركة أو مؤسسة.
ويقدر المختصون أن هذا الأسلوب في التوظيف هو الخيار الأنسب للعديد من فئات المجتمع خاصة النساء و ذوي الاحتياجات الخاصة.
وعلى الرغم من عدم توافر إحصاءات بشأن أعداد المعاقين الذين أقبلوا على هذا الأسلوب في العمل إلا أن الدراسات والأبحاث تشير إلى أن الأشخاص المعاقين أكثر نجاحا من الأشخاص العاديين في إدارة أعمالهم الذاتية.
فوفق إحصائية من وزارة العمل الأمريكية قدر حوالي 12.2% من المعاقين الذين أقبلوا على التوظيف الذاتي مقابل 7.8% للأشخاص الأصحاء.
وفي استبيان أجراه مركز بحوث وتدريب الخدمات الريفية بجامعة مونتانا شمل عددا من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين عملوا وفق أسلوب التوظيف الذاتي :
أكد 91% منهم أنهم سعداء بإدارة أعمالهم بأنفسهم وأوضح 73% أنهم راضون عن عملهم وقد وصف 56% منهم مشروعاتهم على أنها ناجحة وتحقق تطلعاتهم ، كما أكد 30% من مالكي المشروعات أن أرباحهم تغطي كافة نفقاتهم الحياتية مقابل 39% أكدوا أن مشروعاتهم تحقق دخلا يمكنهم من الحفاظ على مستوى معيشي مرتفع.
الأنسب للمعاقين
و لذلك يعد خيار التوظيف الذاتي هو الخيار الأنسب لذوي الاحتياجات الخاصة لأنه يحقق عدد من المزايا من بينها:
- الاستقلالية والابتعاد عن ضغوط العمل وتقليل الحاجة لطلب المساعدة من الآخرين.
- إمكانية إدارة الأعمال من المنزل مما يوفر معاناة هؤلاء الأشخاص في التنقل من خلال وسائل المواصلات .
- توفير ظروف عمل ميسرة مع مرونة في تحديد أوقات العمل وعدد الساعات المطلوبة.
- توفير الدخل المتناسب مع العمل بشكل عادل حيث غالبا ما يتقاضى المعاق أجرا أقل من نظرائه من الأصحاء.
لماذا ينجح المعاق؟
و يتساءل البعض عن العوامل التي تجعل المعاق قادرا على إدارة عمله من خلال التوظيف الذاتي بكفاءة ؟
في الحقيقة يتميز الشخص المعاق بعدة مميزات تؤهله للنجاح أكثر من غيره في مجال التوظيف الذاتي من هذه المميزات:
الحلول الإبداعية:
فالمعاق شخص قد اعتاد مواجهة الصعوبات الحياتية وتحديها ولذلك فإن المعاق يكون أكثر إصرارا على حل مشاكله و ينسحب ذلك بالطبع على مجال الأعمال حيث تخلق الإعاقة تحديا يجعل المعاق يفكر في حلول ابتكاريه وإبداعية لمشكلات العمل.
المرونة:
فالأشخاص ذوي الإعاقة قد اعتادوا على التكيف مع التغيرات اليومية التي تصاحب ظروف الإعاقة بأسلوب مرن وبمجموعة من الاستراتيجيات والتي يمكن تطبيقها هي نفسها في مجال الأعمال بنفس الكفاءة.
الرحمة والإنسانية:
فغالبا ما تضيع قيم الرحمة والنبل والقيم الإنسانية في سوق العمل ولكن الشخص المعاق الذي تعايش مع إعاقته يصعب أن يتخلى عن هذه القيم أثناء إدارته لمشروعه وهو ما يميزه في تعامله مع الآخرين.
روح الدعابة:
فمن الصعوبة بمكان التأقلم مع الإعاقة بدون التحلي بروح الدعابة لذا تجد اغلب الناجحين من المعاقين تميزوا بروح الفكاهة وهذه الروح إذا توافرت أثناء العمل تزيل كثير من الضغوط والتوتر .
استثمار الموارد:
فالأفراد ذوي الإعاقة تعلموا كيف يحسنوا استغلال واستثمار موردي الحياة الأهم وهما الوقت والمال كما تعلموا كيف يستثمرون أنفسهم أفضل استثمار.
دور المؤسسات
إلا أن الشواهد تؤكد أن التوظيف الذاتي قد لا يناسب كل الأشخاص فكيف يختبر المعاق إمكانية قدرته على النجاح في إدارة عملا ذاتيا؟
هنا يبرز دور المؤسسات في رعاية المعاق وتوجيهه عن طريق تزويده بالمعلومات التي يحتاجها عن سوق العمل وتدريبه وتأهيله وتعريفه بالفرص التدريبية والعملية والمشروعات المناسبة وإعداد دراسات الجدوى وتقديم المشورة والمشاركة في تسويق المنتجات بل وتقديم القروض الصغيرة .
وتضطلع عدد من المؤسسات المعنية بتدريب المعاقين في مجال التوظيف الذاتي بهذا الدور فمن المؤسسات التي تقوم بتدريب المعاقين دار نشر حيفا بإسرائيل و التي يقوم عليها مجموعة من الأشخاص متعددي الإعاقة البدنية نجحوا في إدارة أعمالهم بكفاءة واكتسبوا مجموعة من المهارات التقنية والفنية التي أهلتهم لاقتحام هذا المجال حيث تم تدريب الفريق على مهارات الحاسب الآلي وأيضا معاونتهم في إصدار الكتب وتسويقها.
وهناك أيضا من المؤسسات التي تقدم المشورة المالية عن طريق توفير دليل لمصادر التمويل المختلفة للمشروعات مثل برنامج AgrAbility بولاية فيرجينيا الموجه للمزارعين المعاقين كما يعمل أيضا على تدريب الأفراد والمؤسسات الراغبة في تقديم الدعم للمعاقين مثل أصحاب المصانع التي تنتج المعدات والآلات الزراعية بتقديم المشورة الفنية لمصممي المعدات لتخصيصها لاحتياجات المعاقين حسب نوع الإعاقة.
كما دعم هذا البرنامج إنشاء شبكة من المتطوعين أصحاب الإعاقات الراغبين في مساندة غيرهم عن طريق تعريفهم بالفعاليات الحديثة أو المعارض وتبادل المعلومات والخبرات معهم كما يقدم البرنامج في نشراته الدورية نشرة خاصة بالتوظيف الذاتي بغرض تعريف المعاقين بالفرص والبدائل المتاحة.
كما تعمل جمعية العمل من أجل المكفوفين في مساعدة المعاق على تقرير ما إذا كان التوظيف الذاتي يمثل الخيار الأنسب لهم من خلال مجموعة من الاختبارات والأسئلة الموجهة.
وتساعد مؤسسة Pronovus المعاقين أصحاب الأفكار المبتكرة أو الاختراعات على تقييم هذه الأفكار وحمايتها وإتاحة مصادر لتمويل تنفيذ هذه الاختراعات.
وفي مجال الاستشارات نجد برنامج المشروعات الصغيرة وخدمات التوظيف الذاتي وهو أحد خدمات مكتب توظيف المعاقين بوزارة العمل الأمريكية الذي يوفر الاستشارات والتدريب للمعاقين على كيفية التخطيط للمشروع بدءا من دراسات الجدوى وبحوث التسويق وسبل الحصول على القروض وتنمية رأس المال كما يهتم البرنامج بتدريب المعاقين على مهارات الاتصال وكيفية الاهتمام بصحته ووضع خطة للعمل من المنزل بسهولة.
من خلال هذه التجارب الرائدة نوجه الدعوة للمؤسسات والجمعيات العاملة في مجال الإعاقة بتبني فكرة التوظيف الذاتي للمعاقين الذين يشكلون نسبة 10% من سكان العالم وتقديم الدعم لهؤلاء من خلال التدريب والاستشارات والتمويل والتسويق حتى لا يظل عُشر سكان العالم طاقة معطلة .
المراجع:
- Being Self Employed as a Disabled Person, The ADP Employment Series.
- AgrAbility Virginia, Focus – Self Employment.
- “Self-Employment as a Career Choice for People with Disabilities” by Weiss-Doyel, 2001.
4. “Disability and Entrepreneurship: A Formula for Success” by Mathis, C. (2003).
- The self-employment option for people with disabilities: a case study of 'AHVA' desk top publishing company.
قراءات أخرى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق