كتبت أمل خيري
يحتاج البشر دائما لقدوة و مثل أعلى يحتذى به و لهذا أرسل الله الرسل و الأنبياء من البشر و جعلهم قدوة و نبراسا يضيء للناس ( لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر و من يتول فإن الله هو الغني الحميد ) كما قال تعالى (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ )
و تشتد حاجة المسلمين اليوم إلى أناس صالحين يتخذوهم قدوة ليمثلوا نماذج حية وواقعية في إقتدائهم بالنبي صلى الله عليه و سلم و تطبيق شرع الله.
و إذا تجولنا بين شباب هذا العصر نسأله من نجمك المفضل أو مثلك الأعلى ؟
لأجاب أنه الممثل كذا أو المغني كذا أو حتى لاعب الكرة ....
و لكن شبابنا اليوم من الشباب المثقف الواعي من شباب الصحوة الإسلامية الذي أدرك دوره الصحيح في الحياة و عرف معادن الرجال سألناه عن الإمام الشهيد حسن البنا هل تأثر به في دعوته ؟ و عن السمات التي أحبها فيه؟.
شباب الصحوة و القدوة الغالية
يقول (محمد زكي - 21 سنة) أعجبني فيه ذكاؤه و بلاغته منذ كان طفلا فقد سمعت له موقفا في طفولته مع إمام المسجد الذي كان يفرق الأطفال و يخرجهم من المسجد حتى لا يفنى الماء من وضوئهم فأرسل رسالة للشيخ بالبريد و كتب فيها ( و لا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ) و لما وصله الخطاب عرف المرسل فتركهم يصلون على شرط ملئ صهاريج الماء قبل انصرافهم.
أما (داليا عبد الله - 30 سنة) فتنتقد سطحية التفكير و ضعف الثقافة لدى كثير من شباب و شابات الصحوة الإسلامية حيث هجر معظمهم القراءة
و تؤكد أنها تعرفت على شخصية الإمام الشهيد من خلال مذكراته و من خلال القراءات المكثفة في تراث الإخوان و ترى أن أهم ما أعجبها في هذه الشخصية حبه للإطلاع و عمق ثقافته و الذي لمسته في تردده على الشيخ محمد زهران - و هو بين الثامنة و الثانية عشر من العمر - و الذي كان كثيرا ما يصطحبه إلى مكتبته العامرة بالمؤلفات النافعة ليقرأ عليه لأن شيخه هذا كان كفيفا.
و تؤكد داليا أنها طالما حلمت أن تكون مثل الإمام البنا في ثقافته و إطلاعه و من أجل ذلك و ضعت لنفسها برنامجا عمليا منذ كانت طالبة في الجامعة لتثقيف نفسها ثقافة إسلامية صحيحة.
أما (أحمد سيد28 - سنة ) فيقول أحببت فيه الهمة العالية و الإصرار على الوصول للهدف و التي استشعرتها من عدة مواقف منها موقفه مع الشيخ الدجوي حين أبدى بعض اليأس من حال المسلمين و استشعر منه روح الهزيمة فانبرى يوضح سلبية هذا الموقف و أن الأمر لا يعدو أن يكون ضعفاً ، وقعوداً عن العمل حتى تأثر الشيخ الدجوي و بكي و لم ينتهي المقام بالإمام في جلسته حتى اتفق مع العلماء الحاضرين على تحديد آليات للعمل للإسلام و كان من ضمنها إصدار مجلة الفتح الإسلامية لتكون منبرا للشباب المسلم.
و لذلك صممت أن أكون مثله فبدأت في وضع أهداف محددة بدقة مع السعي بإصرار على تحقيقها .
أما (هدى محمود- 22 سنة) فتقول أشد ما أعجبني في شخصية الإمام تسامحه و صفاء نفسه و عفوه عمن آذاه و أتذكر موقفا قرأته له في مذكرات الدعوة و الداعية مع زميل له في الدراسة و السكن و الذي عز عليه أن يتقدم عليه البنا في الامتحان مع أنه أكبر سنا منه ففكر في حيلة يعيقه بها عن الامتحان فصب زجاجة من صبغة” اليود” المركزة على وجهه وعنقه وهو نائم فقام عليه الزملاء في السكن وأوجعوه ضربا، وقذفوا بأمتعته في الشارع، وطردوه من المنزل. إلا أن الإمام لم يقابل الإساءة إلا بالعفو والصفح.
و كنت كلما أساء لي أحد أتذكر هذا الموقف و أتخيل وجهي مغطى بصبغة اليود فأبتسم و أقول الحمد لله الأمر أقل من ذلك.
و يرى (خالد عيد - 25 سنة ) انه استفاد الكثير من قراءته للرسائل و خاصة الرسائل الموجهة للشباب حيث استشعر فيها النواحي العملية و كأن الشهيد يعيش في عصرنا هذا فتعلمت منه الاهتمام بالجوانب العملية.
شاب يحمل هم أمة
و يحدثنا الدكتور جمال عبد الهادي ( أستاذ التاريخ الإسلامي ) عن الإمام البنا في شبابه حيث ذكر أنه قبل أن يتجاوز عمره الاثنين و عشرين عاما قام بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين على الرغم من امتلاء الساحة بمشايخ و علماء الأزهر و ذلك نتيجة لشعوره بالمسئولية و حمله هموم دعوته و من كان يتصور أن يقوم شاب في عمره بهذا العمل المبارك في ظل هذه المرحلة الصعبة و التي تتشابه إلى حد كبير بالمرحلة التي نحياها الآن و نشهد فيه أيضا هذا الصرح الجميل للإخوان و الذي تجلى فيه دور الشباب و النساء و الفتيات في الانتخابات السابقة حيث أدوا أداءا حسنا لأنهم نتاج غرس طيب و يضيف أن أهم ما يتعلمه الشباب من حياة الإمام:
1 - معايشته هموم أمته و إدراكه لما تعانيه في ظل قبضة الاحتلال الأجنبي و الفساد الأخلاقي و السياسي و الاقتصادي و تنحي الإسلام عن كافة مناحي الحياة فشعر انه لا سبيل لعودة الإسلام إلا بالعمل الجاد الدؤوب و هذا هو سلوك أصحاب الدعوات و الدرس الذي يتعلمه الشباب هنا هو أن الدعوة إلى الله هي السبيل الوحيد لنصرة دين الله
2 – حرصه على التربية و هذا أمر مرتبط بالانتقاء و التربية و التكوين العقيدي من خلال الفرد و الأسرة و المجتمع.
و ذلك حتى نتمكن من التمكين لنصرة الإسلام و تحرير المقدسات الإسلامية و رفع الهيمنة الأجنبية فنلحظ مثلا انه قد انطلق مع إخوانه يجاهد أعظم الجهاد على ارض قناة السويس فقضوا مضاجع الإنجليز و استشهد من إخوانه عمر شاهين و احمد منيسي و غيرهم كما نذكر انه عندما حدثت نكبة فلسطين قام الإخوان بقيادة البنا بمظاهرات بعد قرار التقسيم ثم اتصل بالأمين العام للجامعة العربية عبد الرحمن عزام و اتصل أيضا بعلوبة باشا و كان أن تم إنشاء معسكر تدريب بالهايكستب و توجهت بعدها طلائع الجهاد إلى فلسطين و الذين ابلوا بلاء حسنا و كبدوا الجيوش اليهودية خسائر فادحة مما أدى إلى تدخل القوى الكبرى فاجتمع سفراء فرنسا و بريطانيا في مدينة فايد و قرروا اغتيال الإمام الشهيد في فبراير عام 1949و توالت الاعتقالات لباقي الإخوان دون أن يترددوا عن طريقهم.
و الدرس الذي يتعلمه الشباب هنا هو أن طريق الدعوة ليس مفروشا بالورود بل انه مملوء بالابتلاءات و التضحيات فالإمام الشهيد قد باع نفسه و الله قد اشترى مصداقا لقوله تعالى (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرءان ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم.) فاستمر رحمه الله يدعو في صبر و ثبات و دعاء و توكل على الله.
3 – أما الدرس الثالث الذي يتعلمه الشباب من حياة الإمام الشهيد فهو الإخلاص ، فقد تميز رحمه الله بإخلاصه و دأبه و تضحياته براحته و مصالح أسرته و أولاده و كان يواصل الليل بالنهار و كان همه الأول و شغله الشاغل هو الدعوة إلى الله فلم يهتم بتنمية أمواله و مشروعاته كما نفعل نحن و نجعل الدعوة على هامش الحياة ، فقد حمل هموم العالم الإسلامي فوق أكتافه و صرف جهده و عمله في الدعوة إلى الله.
و بفضل الله أتت هذه الثمرة أكلها و نلمحها في الصحوة الإسلامية المباركة و نلمحها في نجاح حماس في الانتخابات التشريعية و يعتبر هذا النجاح ثمرة لما رواه الإخوان بدمائهم على ارض فلسطين كالشهيد يوسف طلعت و محمد فرغلي و سيد قطب و غيرهم ممن جاهد على ارض فلسطين و دفع الثمن من عمره.
لذا يتعلم الشباب عدم التردد و الخوف و الا يحزنوا على شهداء الدعوة الذين يتساقطون لأن الله اخبرنا ( و لا تقولوا لمن يقتل )
4 – الدرس الرابع الذي يتعلمه الشباب إتباعه لأسلوب التدرج في الدعوة و اعتقاده أن الزمن جزء من العلاج و ما لا يتم اليوم يمكن تداركه غدا.
و قد تجلى إدراك الإمام الشهيد لخطورة التحديات التي تحيط بالعمل الإسلامي من خلال رسالته للشباب حينما قال (إن دعوتكم ما زالت مجهولة عند كثير من الناس،ويوم يعرفونها ويدركون مراميها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم كثيرا من المشقات والعقبات، وفى هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات (
و تكلم عن الحكام الذين يقبضون الثمن (وسيحقد عليكم حكماء وزعماء وذوو جاه وسلطان، وستقف في وجهكم كل الحكومات، وتحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم أو تضع العراقيل في طريقكم، وسيتذرع الغاضبون بكل طريق لمناهضتكم، وسيستعينون بالأيدي الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان،) و تكلم عن التضحيات التي سيدفعونها في سبيل دعوتهم ( وستدخلون في دور التجربة والامتحان، فستسجنون وتقتلون وتشردون وتُصادر مصالحكم وتفتش بيوتكم ).
الدعوة العملية في حياة البنا
و يوضح الدكتور رشاد بيومي ( عضو مكتب الإرشاد) أهم سمات الشهيد التي يمكن أن يتمثل بها شباب الصحوة الإسلامية مثل:
1 - في مجال الدعوة العملية فقد كان رجلا عمليا لذا فانه لم يترك فكرا نظريا بل ترك نماذج عملية و قام بتربية جيل حمل على عاتقه تربية أجيال أخرى بعده و كان لهذا الأثر في استمرارية الدعوة كما نراها و هذا ما يجب أن يتعلمه الشباب من أهمية التربية المتعاقبة و تسليم الراية لمن بعدهم كما تسلموها ممن قبلهم.
2 – قدرته على النفاذ لكل شرائح المجتمع و استيعابه لها حيث عاش الجميع في جو إسلامي تحيطه الأخوة و المحبة و الدرس الذي يتعلمه شباب الدعوة هنا هو تدريب أنفسهم على استيعاب جميع المدعوين.
3 – انه رغم قصر حياته إلا أننا نرى هذه الدعوة المباركة قد نشأت في فترة أفول الراية الإسلامية للخلافة الإسلامية فاستطاع أن يسترجع هذه المسيرة بسرعة و يبذر هذه البذرة المباركة الطيبة لذا يجب على الشباب عدم اليأس و الركون فبالعمل الجاد يمكن تدارك ما فاتنا.
خذ الكتاب بقوة
و يقدم الدكتور رشاد برنامجا عمليا للشباب للإقتداء بصاحب هذه الدعوة المباركة فيقول :
1 – لا بد من إيمانهم انه لا نجاة لهذه الأمة و لا صلاح لها إلا بما صلح به أولها و هو التمسك بكتاب الله و سنة رسوله.
2 – الجدية انطلاقا من قوله تعالى ( يا يحي خذ الكتاب بقوة)
3 – العمل على إثراء العمل الإسلامي بالعلم لأن ديننا يدعو إلى العلم و قد تكررت الآيات التي تدعونا لأخذ العلم .و ليدرك الشباب أن حربنا هي حرب أيديولوجية فيجب أن يتسلحوا بالعلم .
4 – التعاون من منطلق قوله تعالى ( و تعاونوا على البر و التقوى) فيجب أن يتعاون جميع شباب الصحوة الإسلامية في كل بقاع الدنيا.
الدعوة الجماهيرية
و يرى الدكتور عبد العظيم المطعني (الأستاذ بجامعة الأزهر) أن الدرس العملي لشباب الدعاة من حياة الإمام في شباب هو الانخراط بين الجماهير فحسن البنا قد انطلق بدعوته من المقاهي و كان ينفق على مشروبات الناس من حسابه الخاص كما كان يشاركهم إهتماماتهم و يحدثهم بلغتهم كل هذا إضافة إلى موهبته الخطابية و قوة تأثيره مما جذب حوله العقول و القلوب و هو الشاب المقبل على الحياة فالتف حوله الشباب و لذلك نمت الدعوة و ترعرعت في مصر ثم انتقلت لكثير من البلاد العربية و الأوروبية .
و حسن البنا في شبابه كان شعلة متوقدة لدرجة أنه كان يقود حركة هذه الجماعة بكاملها حتى الحسابات و المحاضر و الدفاتر ففي تلك الفترة حينما خيمت بعض ظواهر الخمول على بعض معاونيه لم يترك الجماعة تتدهور بل باشر بنفسه العمل ليلا و نهارا حتى أنه كتب رسالة للمثبطين يقول ( أنا وحدي كفيل أن أقوم بجميع الأعمال التي تقوم بها جماعات ) و لما كان مخلصا مع الله رأينا اليوم بعد مرور أكثر من نصف قرن على استشهاده هذه الثمرة اليانعة التي انتشرت نشر النسيم العطر في ساعات الفجر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق