فبعيدا عن كل ادعاءات المدرسة النسوية من رغبة المرأة فى الاستقلال بذاتها، وتدبير احتياجاتها المادية بنفسها، أكدت دراسة أعدتها الباحثة كاترين الحكيم ونشرت منذ أيام، أن المرأة اليوم ما زالت ترغب فى الزواج من الرجال الأفضل منها تعليما والأكثر ثراء، أكثر مما كانت ترغب فى ذلك خلال الأربعينيات من القرن الماضى.
صدرت الدراسة عن معهد بحوث السياسات ببريطانيا، بعنوان "أكاذيب النسوية والحل السحري: التفكير الخاطئ وراء التشريعات الداعية لمزيد من المساواة"، رصدت كاترين من خلالها الأساطير أو الأكاذيب الشائعة التى يروجها أنصار النسوية.
مساواة صورية
بعد عقود من المناداة بالمساواة بين الرجل والمرأة نجد النساء اليوم يرغبن بالفعل فى العودة كربات بيوت ليتولى الرجل الإنفاق عليهن، أكثر مما يرغبن فى حياة مهنية ناجحة خاصة بهن، وبرغم مرور أربعين عاما من الجهود الدولية لتعزيز المساواة بين الجنسين فى العمل؛ فإن الدراسة المكونة من 52 صفحة تؤكد أن طموح المرأة بالزواج من رجل ثرى لا يزال مستمرا فى معظم البلدان الأوروبية، وما زالت المرأة تعتبر الزواج بديلا للاستمرار فى عملها.
استعرضت الدكتورة كاترين العديد من البحوث والاستقصاءات التى أجريت فى دولتين أوروبيتين مختلفتين فى الثقافة والعادات وهما بريطانيا وإسبانيا، وبتحليل الأرقام اكتشفت أن 20% من البريطانيات فى عام 1949 كن يرغبن فى الزواج من رجل أعلى فى المستوى التعليمى منهن، بينما بحلول أواخر التسعينيات تضاعفت هذه النسبة لتصل إلى 38%، وهذا هو النمط السائد أيضا فى أنحاء أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا، وإن كانت المرأة تخفى هذه الرغبة وترفض الاعتراف بذلك علانية، ووفقا لتقريرها ترى كاترين أن المرأة أيضا لا تريد الاعتراف برغبتها الحقيقية فى أن تكون ربة بيت، رغم أن الاستقصاءات أوضحت أن الأغلبية من النساء لا يمانعن من ذلك.
وتعتبر كاترين أن سياسات تكافؤ الفرص قد نجحت إلى حد كبير فى المملكة المتحدة عبر الثلاثين عاما الماضية؛ فقد تضاعف متوسط دخل الأسرة الإجمالى من 324 جنيها إسترلينيا أسبوعيا عام 1970، ليصل إلى 552 جنيها إسترلينيا عام 2003، فى الوقت الذى انخفض فيه معدل الخصوبة من 2,37 عام 1970 إلى 1.78 عام 2004.
الأمومة قبل الوظيفة
وعلى نفس المنوال كان الذكور يشكلون ثلثى عدد طلاب التعليم العالى، ولكن بحلول عام 2003 كان أكثر من نصفهم من الإناث، وفى مجال العمل كان ستة من أصل عشر نساء لديهن وظيفة عام 1970، بينما أصبحن عام 2005 يمثلن سبعة من أصل عشرة، مع ارتفاع ملحوظ فى أعداد العاملات بدوام جزئى، فثلث العاملات فقط يعملن بدوام كامل فى العديد من الدول الأوروبية، كما أن الفجوة فى الأجور بين الجنسين ما زالت مرتفعة باستثناء السويد التى نجحت فى القضاء على هذه الفجوة.
كما تظهر الدراسة أن الزوجات العاملات لا يسهمن سوى بنسبة الثلث فقط من دخل الأسرة، بينما يسهم الرجل بالثلثين، بالإضافة إلى أن نسبة كبيرة من النساء ما زلن يأخذن فترة راحة طويلة نسبيا بعد الوضع بغض النظر عن المستوى التعليمى، فالغالبية لا يفكرن فى العودة للعمل إلا بعد أن يبلغ الطفل ثلاث أعوام ونصف العام فى المتوسط، ونصف الأمهات فقط لديهن عمل بأجر.
وفى الغالب تكون الأمهات متفرغات؛ فحتى اليوم ما زالت هناك أم واحدة فقط من بين عشر أمهات اختارت العودة للعمل بدوام كامل بعد بلوغ طفلها ثلاث سنوات، وأم واحدة فقط من بين كل عشرة أمهات استمرت فى العمل بدوام كامل بعد 11 عاما من الولادة.
بالطبع هذه التغيرات فى اتجاهات عمل المرأة لاقت انتقاد دعاة النسوية والأكاديميين والسياسيين، الذين يصرون على أن التشريعات ما زالت غير كافية لتقرير المساواة بين الجنسين؛ فأنماط العمالة بين الخريجين لم تتغير كثيرا، فوفقا لتقرير الايكونومست فى مارس 2010 ذُكر أنه بعد مرور من عشرة إلى ستة عشر عاما بعد التخرج وحتى خريجي عام 2009، فإن حوالى نصف الأمهات فقط كن يعملن بدوام كامل، والربع يعملن بدوام جزئى، والربع فضلن العمل كأمهات وربات بيوت بدوام كامل.
12 خرافة نسوية
تذكر الدكتورة كاترين أن أول دراسة حول الخرافات النسوية أعدتها فى عام 1995، وقد أثارت جدلا حادا بين علماء الاجتماع والأكاديميين الاقتصاديين.
ولسوء الحظ فأن الأيديولوجية النسوية ما زالت تهيمن على التفكير حول دور المرأة فى العمل والأسرة، وعلى سياسات الأسرة.
ويتم الترويج لهذه الخرافات باستمرار من خلال السعى لتصوير النساء على أنهن ضحايا للرجال، بل للمجتمع بكامله، ومحاولة إثبات أن سياسيات المساواة بين الجنسين ليست مفيدة للمرأة فقط، بل تفيد الأسرة والمؤسسات والمجتمع ككل، وهناك عشرات الخرافات النسوية الجديدة التى لا تقوم على أساس متين، وما زالت الخرافات الخمس التى رصدتها كاترين عام 1995 مثار جدل فى الأوساط الأكاديمية والإعلامية على حد سواء، لكنها اليوم فى دراستها الجديدة ترصد اثنى عشر خرافة نسوية.
- الخرافة الأولى عن فشل سياسات تكافؤ الفرص، وترى كاترين أن هذه السياسات على العكس قد لاقت نجاحا كبيرا فى تضييق الفجوة فى الأجور بين الرجال والنساء، من حوالى 29 ٪ فى 1975 إلى ما بين 16 ٪: 10 ٪ اليوم.
- الخرافة الثانية أن سياسات المساواة بين الجنسين فى أوروبا ليست فعالة، وتعتقد كاترين أن سبب هذه الخرافة ادعاء البعض أن التمييز بين الجنسين فى أماكن العمل هو سبب فجوة الأجور، وهذا ليس صحيحا، فهناك مؤشرات تدل على انخفاض أجور النساء عن الرجال فى كثير من أماكن العمل المختلطة.
- الخرافة الثالثة أن التمييز المهنى بين الجنسين أضر بسياسات المساواة، وهذا التمييز يكون أفقيا أو رأسيا؛ حيث يكون التمييز رأسيا حين تختار المرأة الوظائف الأدنى راتبا، ويكون أفقيا حين تميل النساء لاختيار وظائف لا يقبل عليها الرجال كالطهى والتمريض، وهناك دراسات تؤكد أن قلة من النساء هى التى تطمح فى العمل كمهندسة أو فى الجيش، وفى المقابل قلة من الرجال اختاروا العمل كمعلمين فى الحضانات أو فى مجال التجميل. وترى كاترين أن هذا النوع من التمييز الأفقى أمر فطرى وطبيعى، أما التمييز الرأسى فهناك العديد من العوامل التى تدفع غليه وليس فقط السياسات واللوائح.
- الخرافة الرابعة أن سياسات الدول الإسكندنافية تحقق المساواة بين الجنسين، وتؤكد كاترين أن الدراسات تثبت العكس؛ فالتمييز المهنى فى دول الشمال أعلى بكثير مما هو الحال فى دول منظمة التعاون والتنمية والبلدان الآسيوية كالصين وهونج كونج واليابان وماليزيا والهند، بل أعلى من مصر.
خرافات التعليم والتنمية
- الخرافة الخامسة أن التنمية الاجتماعية والاقتصادية تعزز المساواة بين الجنسين، بينما تؤكد الدراسات أن التمييز المهنى بدا فى أدنى مستوياته فى عدد من البلدان ذات الدخل المنخفض، فى حين يزداد التمييز فى دول الرفاهة الاقتصادى.
- الخرافة السادسة أن ارتفاع نسب عمالة النساء يعزز المساواة بين الجنسين، فى حين أكدت النتائج الواردة من منظمة العمل الدولية وعدة دراسات أكاديمية أن زيادة عمالة النساء يؤدى لانخفاض المساواة بين الجنسين؛ فقد فشلت العديد من الدول الأوروبية فى تحقيق المساواة بين الجنسين رغم ارتفاع معدلات مشاركة المرأة فى العمل والأمر نفسه فى دول الاتحاد السوفيتى السابق وفى إسرائيل، فالدراسات تشير إلى أنه كلما زادت معدلات عمالة المرأة كلما زادت الفجوة بين الجنسين فى الأجور.
- الخرافة السابعة أن وصول المرأة لمستويات عليا فى التعليم يغير كل شيء؛ حيث تنخفض نسبة الخصوبة، وتصبح المرأة قادرة أكثر على تحقيق التوازن بين عملها وأسرتها، إلا أن الدراسات تثبت العكس؛ حيث ترتفع الفجوة فى الأجور فى الدول التى حققت معدلات مرتفعة فى تعليم النساء، فهناك عوامل أخرى لتفسير الفروق بين الجنسين منها: ساعات العمل، وأنواع العمل التى تفضلها النساء، ولا ترتبط بالجنس أو التمييز العنصرى، أو مستوى التعليم.
- الخرافة الثامنة أن النساء والرجال لا يختلفون فى الاتجاهات المهنية أو فى قيم وأهداف الحياة، لكن عدة دراسات أثبتت أن ذلك غير صحيح، فقدرة النساء على التفاوض حول أجور أعلى وحول ظروف عمل أفضل هى أقل بكثير من قدرة الرجال على ذلك، كما أن دوافع العمل لدى النساء غالبا ما تختلف عن دوافع الرجل، ففى حين تنحصر دوافع الرجل فى المال فإن للمرأة دوافع أخرى كإثبات الذات أو تطوير الشخصية، مما يؤثر فى تحديد أولويات كل منهما.
الاعتمادية والاستقلالية
- الخرافة التاسعة أن المرأة تفضل كسب عيشها بنفسها وتكره الاعتماد على الرجل، إلا أن كاترين تؤكد أن أغلبية النساء ينظرن للزواج على أنه خطة بديلة لتحسين الدخل ومورد إضافى لكسب العيش.
- الخرافة العاشرة أن السياسات الصديقة للأسرة ضرورية للقضاء على الفجوة بين الجنسين، ومن بين هذه السياسات مثلا تمديد إجازة الأمومة، لكن الدراسات أثبتت أن مثل هذه السياسات لم تقض على الفجوة بين الجنسين، بل تزيد هذه الفجوة فى الدول التى تصدر تشريعات مماثلة.
- الخرافة الحادية عشرة أن السياسات الصديقة للأسرة تزيد من أرباح الشركات، لكن الدراسات لم تثبت ذلك؛ حيث لم تتحقق استفادة أكبر لدى الشركات التى تطبق ساعات عمل مرنة للنساء، أو التى تمدد فترات الإجازة.
- الخرافة الأخيرة أن المرأة لديها نمط إدارى مختلف عن الرجل؛ حيث تكون أكثر مرونة وأكثر تعاونية، إلا أن العديد من الدراسات أكدت أنه لا توجد فروقا واضحة بين الجنسين فى الإدارة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق