الخميس، 15 مارس 2007

الحقوق الاقتصادية للمرأة في الإسلام


الحقوق الاقتصادية للمرأة في الإسلام
بقلم : أمل خيري.

جاء الإسلام ليرفع من شأن المرأة ويعلي من قدرها ويرفع عنها العنت بعد أن كانت تعد من سقط المتاع فأصبح لها دور فعال في المجتمع على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدعوية فقررت لها الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة العديد من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وغيرها سابقة بذلك ما قررته لها المواثيق الدولية الحديثة بأربعة عشر قرنا من الزمان.
ولقد عانت المرأة من إهدار حقوقها الاقتصادية في الأمم والشرائع السابقة للإسلام وبلغت مكانة المرأة في المجتمع الجاهلي أقصى درجات المهانة فقد حرمت من جميع الحقوق المالية كالتملك و الميراث بل إنها كانت تورث كما يورث المتاع. وفي هذا يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " كنا في الجاهلية ما نَعُدّ النساء شئ حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهنّ ما قسم "
فجاءت تعاليم الإسلام بهديها القويم لتقرر للمرأة حقوقا اقتصادية وذمة مالية تمكنها من القيام بدورها في المجتمع ولقد وعت المرأة المسلمة في عهد النبوة هذا الدور جيدا فيروي البخاري عن ابن عباس " أن النبي صلّى يوم العيد ركعتين ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي قرطها في ثوب بلال " مما يدل على إدراك ووعي المرأة بدورها المناط بها في المجتمع .
وسنعرض فيما يلي لبعض من هذه الحقوق الاقتصادية التي قررها الإسلام للمرأة.

الأهلية الاقتصادية للمرأة
تساوت المرأة مع الرجل في تحمل أمانة التكليف المتمثلة في قوله تعالى : " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا " ( الأحزاب 72 ).
حيث يشمل لفظ الإنسان الذكر والأنثى على حد سواء وبذلك فإن الرجل والمرأة سيان في الأهلية التي هي مناط التكليف حيث عرف العلماء الأهلية على أنها صلاحية المرء لأن تتقرر في ذمته الواجبات الشرعية فلا تبرأ ذمته حتى يؤدي ما عليه من الواجب.
وقد منح الإسلام للمرأة أهليتها الكاملة للتصرفات الاقتصادية من حيث جواز التملك والتصرف بالهبة والوصية والبيع وغير ذلك. في إطار قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية و للمرأة ذمة مالية مستقلة عن زوجها وأبيها وأساس ذلك قول الله تبارك وتعالى : " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن " ( النساء 32 ) .

استقلال المرأة في الميراث
كانت العادات الجاهلية تقضي بحرمان النساء والصغار من الميراث حيث اقتصر التوريث على الذكور المقاتلين الذين يحوزون الغنيمة ويحمون الذمار وقد استمرت عادة حرمان النساء من الميراث إلى أن ظهر الإسلام فذهبت أم كحلة وهي من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت : " يا رسول الله توفي زوجي وتركني وابنته فلم نورث " ، فقال عم ابنتها : " يا رسول الله ، هي لا تركب فرسا ولا تحمل كلا ( أي لا تلي أمر العيال والسعي عليهم ) ولا تنكي عدوا ( أي لا تجرح عدوا ) يكسب عليها ولا تكتسب " فنزل قول الله : " للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً " (النساء 7 )
وبذلك انتصف الإسلام للمرأة ومتعها بالتملك والمال الموروث شأنها شأن الرجل وقد بنى الإسلام توزيع الأنصباء على الورثة على قاعدة " للذكر مثل حظ الأنثيين " وفي حين يرى البعض في هذه القاعدة إجحافا بالمرأة وظلم لها إلا أننا نرى أن الإسلام حين قرر هذه القاعدة فهو عادل في ذلك ومنصف كل الإنصاف حيث تتفق هذه القاعدة مع عدالة الإسلام في توزيع الأعباء والواجبات حيث يلزم الرجل بأعباء مالية لا تلزم بمثلها المرأة كالنفقة والمهر لذا كان من العدل أن يكون الرجل في كمية الاستحقاق على ضعف المرأة كما أن هذه الزيادة للرجل تأتي في حالات معدودة وفي حالات أخرى يزيد نصيب المرأة عن الرجل مما استفاض العلماء في بيانه.
صداق المرأة ملك خالص لها
تتميز الشريعة الإسلامية على سائر الشرائع الأخرى وعلى القوانين والنظم الوضعية بأنها فرضت على الرجل أن يدفع لمن يقترن بها مهراً و يطلق عليه الصداق ، وذلك في حدود إمكانياته المالية، وفي هذا الخصوص يقول الله تبارك وتعالى { وآتوا النساء صدقاتهن نِحلة } (النساء 4) .
والمهر هو عطاء خالص من الزوج لزوجته وهذا العطاء هو نحلة أي ليس أجرا أو ثمنا بل هو عطاء يوثق المحبة ويربط القلوب ويديم العشرة وهذا الصداق يصبح حقا خالصا للمرأة وحدها تتصرف فيه كما تتصرف في سائر أموالها وقد جرى العرف على أن ولي الزوجة هو الذي يقبض مهرها لينفقه في شراء ما يلزم لها من جهاز إلا أن هذا لا يكون إلا عن رضاها وطيب خاطر منها لقوله تعالى : " فإن طبن لكم عن شئ منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً " (النساء4) . لان هذا المهر هو حق خالص لها وليس عليها أن تتجهز بمهرها أو بشئ منه إلى زوجها .
ومن المتفق عليه أن لا حد لأكثر المهر لقوله تعالى : " وان أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا * وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا " ( النساء 20 – 21 ) ، فللزوجين أن يزيدا عن ذلك القدر وان كان من الخير عدم المغالاة في المهر إذ أن هذه المغالاة من أهم أسباب عزوف الشباب عن الزواج مما يترتب عليه ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمع.
النفقة على الزوجة
اوجب الإسلام للزوجة على زوجها نفقتها حتى وان كانت غنية والنفقة هي كل ما تحتاج إليه لمعيشتها من طعام وكسوة ومسكن وفرش وخدمة حسب المتعارف بين الناس وهذه النفقة واجبة منذ انعقاد عقد الزوجية وهذا الإلزام للزوج بالإنفاق من مقتضى قوامته مصداقا لقول تعالى : " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم..... " ( النساء 34 ) ، إلا أن مقدار هذه النفقة يرتبط بسعة الزوج لقوله عز وجل : " لينفق ذو سعة من سعته ...." ( الطلاق 7 ) ، وقول الرسول : " اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله" (رواه أبو داود) ، وهناك من النصوص التي لا تكتفي بتقرير هذه المسئولية بل تحض الزوج على التوسعة على زوجه وأولاده حيث عدت الشريعة ذلك من الأعمال الصالحة التي يثاب عليها فعن أبي مسعود الأنصاري عن النبي قال : " إذا انفق المسلم على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة " (رواه البخاري ومسلم ) .
كما اوجب الإسلام للمرأة إذا طلقت نفقة العدة مثلما وجبت لها في حياتها الزوجية وأوجب لها المتعة وهي ما يبذله الرجل بعد طلاقها غير نفقة العدة مما تحفظ به نفسها وكيانها " وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين" ( البقرة 241 ) .

حق المرأة في الإنفاق في سبيل الله
يترتب على حق المرأة في التملك والتصرف في أموالها أن تنفق من مالها في سبيل الله على الفقراء والمحتاجين فلها الحق في إيتاء زكاة مالها من مال وحليّ ونحوه كما يجوز لها أن تتصدّق من مالها على الأوجه التي تختارها دون أن يحق لزوجها التدخل في هذا الاختيار باعتبار أن لها ذمّة مالية مستقلة عن زوجها . كما يحق لها أن تتشاور مع زوجها في أوجه إنفاق مالها على سبيل الندب والاستحباب لا الوجوب .
كما يجوز للمرأة في الإسلام أن تساعد زوجها من مالها عن طيب خاطر منها إذا كانت هناك ضرورة في ذلك مثل : حالة مرض الزوج أو إعساره أو إفلاسه, أو عجزه عن الكسب والمرأة حين تعاون زوجها تحقق فضيلة صلة القربى إضافة إلى فضيلة الإنفاق في سبيل الله.
والمرأة الموسرة يستحب لها أن تخرج من زكاة أموالها أو صدقاتها لزوجها الفقير فالأقربون أولى بالمعروف فهذه امرأة ابن مسعود ذهبت تستفتي رسول الله في جواز التصدق على زوجها فقال لها النبي: " صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم " ( رواه البخاري) .
ويستمر إسهام المرأة في الإنفاق على الأسرة بعد وفاة الزوج فعن زينب عن أم سلمة قالت : " قلت يا رسول الله ألي اجر أن أنفق على بَنِي أبي سلمة ، إنما هم بنِيَّّّّّ ؟ فقال : أنفقي عليهم ، فلك اجر ما أنفقت عليهم " ( رواه البخاري ومسلم ) .

نظارة الوقف
كما منحت الشريعة الإسلامية المرأة الحق في أن تكون ناظرة على الوقف تديره كما تدير أموالها العقارية والمنقولة وقد جعل عمر بن الخطاب الولاية على وقفه لابنته حفصة رضي الله عنهما مدة حياتها ومن بعدها إلى ذوي الرأي من آل عمر على الرغم من وجود أبناء ذكور له وهو الذي كان في جاهليته متعصبا ضد الأنثى حتى أنه وأد إحدى بناته في الجاهلية فيأتي الإسلام ليحرر العقل المسلم فيجعله يتحول في الاتجاه الإيجابي نحو تمكين المرأة وعدم التمييز ضدها .
التصرف في مال زوجها بالمعروف
كما يحق للمرأة أن تأخذ من مال زوجها للإنفاق على نفسها وبيتها بالمعروف إذا كان بخيلا فعن عائشة رضي الله عنها : أن هندا بنت عتبة قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح ، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم ، فقال : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " ( رواه البخاري ومسلم ) .
كما يحق لها أن تتصدق من مال زوجها بالمعروف إذا أمنت ضيقه وبذلك تشترك معه في الأجر مناصفة فعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب "
كما يجوز للمرأة أن تهدي من مال زوجها بالمعروف فهذه أم سليم صنعت طعاما لرسول الله في عرسه وأرسلت به ابنها انس فتقبله رسول الله ودعا المسلمين لطعام الوليمة.
الشهادة على المعاملات الاقتصادية والمالية
نصت آية المداينة في سورة البقرة نصا صريحا على جواز الأخذ بشهادة المرأة في المعاملات الاقتصادية والمالية ، فيقول الله تبارك وتعالى: " فاستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ، أن تضل إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى " (البقرة 282).
هذه هي بعض الحقوق التي قررها الإسلام للمرأة فقام بتحريرها وتمكينها على جميع المستويات ويثور التساؤل إذا لماذا تهضم حقوق المرأة في المجتمعات المسلمة؟
والوقع يؤكد أن الإسلام في تأصيله الشرعي برئ كل البراءة من أي تمييز ضد المرأة وأنه ليس مسئولا عن الممارسات الخاطئة لدى بعض المسلمين الناشئة عن قصور فهم للإسلام أو موروثات اجتماعية أو ثقافية خاطئة توارثها البعض دون إعادة النظر فيها أو التفكير ظنا منهم أنها هي الإسلام نفسه وهؤلاء نجد مثلهم في قوله تعالى " بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مهتدون" ( الزخرف 22 ) .
وحينما يتحرر العقل المسلم ويعيد التمسك بالأصول التشريعية الثابتة ويطبق تعاليم الإسلام السمحة لن نجد امرأة مسلمة تعاني من اضطهاد أو تمييز في المجتمعات الإسلامية.
وإلى لقاء آخر مع واجبات المرأة الإقتصادية في الإسلام ودورها في التنمية الشاملة .
المراجع:

– أحمد خيرت ، مركز المرأة في الإسلام ، القاهرة : دار المعارف ، 1978.
– عبد الحليم محمد أبو شقة ، تحرير المرأة في عصر الرسالة ، الكويت: دار القلم ،2002 ، الجزء الخامس.
– د. هدى حلمي ، المرأة كما يريدها الإسلام أن تكون ، الكويت : دار القلم ، 2005.
– د. علي عبد الواحد وافي ، المرأة في الإسلام ، القاهرة : دار نهضة مصر، الطبعة الثانية.
– د. حسين حسين شحاتة ، الحقوق والمسئوليات الاقتصادية للمرأة في الإسلام ، بحث منشور بموقع دار المشورة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق