في عدد جديد من مجلة "العالم الإسلامي"
أمل خيري
الأصولية الديمقراطية
في مقال"الأصولية الديمقراطية.. خطاب الإخوان المسلمين في سوريا" لإسحاق وايزمان -الأستاذ بجامعة حيفا العبرية، والباحث المتخصص في الشئون الإسلامية، وصاحب المؤلفات حول الإسلام والفكر الإسلامي، ومن بينها «طعم الحداثة.. الصوفية والسلفية، والحضارة العربية في دمشق أواخر العهد العثماني»، و«الإصلاح العثماني والتجديد الإسلامي»، و«الأصولية الإسلامية والتصوف»، وغيرها الكثير من الكتب والمقالات الأكاديمية- يتناول في مقاله انتشار الأفكار السلفية التي نادت بالعودة بالإسلام لأصوله المستقاة من القرآن والسنة في أعقاب انهيار الخلافة العثمانية مطلع القرن العشرين.
ومن أهم المفكرين الذي اعتبرهم وايزمان من دعاة السلفية: حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتي ما لبثت أن انتشرت بأفكارها في العديد من الأقطار الإسلامية، ومن بينها سوريا، ثم ينتقل للحديث عن مفهوم الديمقراطية في فكر وخطاب الإخوان المسلمين في سوريا والتي أسماها "الأصولية الديمقراطية" من خلال تتبع ثلاثة أجيال من المفكرين:
الجيل الأول: وهو الجيل المؤسس الممتد من فترة الأربعينيات إلى مطلع الستينيات، ويمثله: محمد المبارك، ومعروف الدواليبي، ومصطفى السباعي.
والجيل الثاني: (في السبعينيات) ويمثله سعيد حوى.
وأخيرا الجيل المعاصر: والذي يمثله صدر الدين البيانوني من منفاه.
الجيل الأول كان يرى أن الإسلام وضع فقط المبادئ العامة للدولة كالشورى، ومسئولية الحاكم، ولكن شكل الحكومة ونوعية الممارسة السياسية ترك للاجتهاد حسب مقتضيات الزمان والمكان؛ لأن الدولة الإسلامية ليست دولة دينية أو ثيوقراطية بالمعنى الغربي؛ فالخليفة أو الحاكم لا يستمد سلطاته من الله، بل فقط ينفذ شرع الله في الرعية.
أما نقطة الاختلاف الأساسية بين الإسلام والديمقراطية الغربية فتتمثل في مصدر السلطة، والذي هو الشعب في النظام الديمقراطي، وشرع الله بالنسبة لنظام الحكم الإسلامي.
يأتي الجيل الثاني -ممثلا في سعيد حوى- محدثا تغيرا في هذا المفهوم؛ ليبدو أقل حداثة في أفكاره –من وجهة نظر وايزمان- عن الجيل السابق؛ حيث يدعو إلى إعادة إحياء الخلافة الإسلامية على نهج الخلفاء الراشدين، ويؤكد أن الديمقراطية ليست بديلا للشورى، ولا تعادلها، بل يطعن في الديمقراطية ويبين مثالبها.
أما الجيل المعاصر فيدعو إلى الانتقال بشكل تدريجي من الحكم الشمولي إلى حكم تعددي قائم على تداول السلطة، وقيام دولة يحكمها سيادة القانون، وترسي مبادئ العدالة والمساواة، واحترام حقوق الإنسان، والمشاركة السياسية الفعالة، واحترام حقوق الأقليات.
ويختتم وايزمان مقاله مؤكدا أن دعم الإخوان المسلمين في سوريا للديمقراطية ليس تكتيكا للوصول للسلطة، بل خيارا إستراتيجيا، إلا أن الاختلاف الأساسي بين الديمقراطية التي يدعو إليها الإخوان وبين الديمقراطية الغربية يتمثل فيما يضفونه من هيمنة لأهل الحل والعقد على نظام الحكم، والذي هو -على حد قول وايزمان- الأصولية بعينها؛ لذا أطلق على هذا الطرح الإخواني مصطلح: "الأصولية الديمقراطية".
الشمولية والعرق والانتماء
وفي مقال يحمل عنوان: "آية الله مصباح اليزدي.. السياسة، والمعرفة، والحياة الطيبة" للكاتبة سوزان سيافوشي الأستاذة بجامعة ترينتي بتكساس، قدمت دراسة عن شخصية اليزدي وأفكاره السياسية، ويعتبر اليزدي المرشد الروحي لأحمدي نجاد، والفقيه الذي يؤيده على الدوام، والذي صرح بأن طاعة نجاد من طاعة الله.
وفي هذا المقال تقدم سوزان عرضا لأهم أفكار اليزدي السياسية، ونظريته في الحكم التي يتبناها ويستند إليها في تأييده لنجاد والثورة الإسلامية؛ فهو أحد تلاميذ الخميني، وحاليا يشغل منصب رئيس مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي في مدينة قم.
وينتمي مصباح اليزدي -حسب سوزان- للفكر الذي يمزج بين الدين والسياسة، ويعتمد التفسير الحرفي للنصوص، ويعرف السياسة بأنها "تنظيم المجتمع بالطريقة التي من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق مصالح واحتياجات المجتمع"؛ فهو إذن يتفق مع التعريف نفسه لدى الليبراليين العلمانيين، ولكن أهم ما يميز بينه وبين التعريف الليبرالي مسألة الاحتياجات، هل هي دنيوية فقط أم أخروية ودينية كذلك؟ وأيضا هل هي مصلحة المجتمع ككل أم مصالح الأشخاص ككيانات مستقلة؟
فمن جانبه، اعتبر أن تلبية الدولة لاحتياجات المجتمع شاملة للدنيوية منها والأخروية، بينما يعلي من مصلحة المجتمع المركزية على مصالح الأفراد الشخصية.
ومن حيث شرعية القوانين، يرى اليزدي أن الله تعالى هو مصدر جميع القوانين ومصدر شرعيتها، إلا أنه يرى أن القرآن الكريم لم يشتمل على كل القوانين والشرائع، بل إن استكمالها جاء في السنة النبوية وفي أقوال أئمة الشيعة من آل البيت.
وعلى الرغم من الشمولية التي يدعو إليها اليزدي في السياسة وتوسيع دور الدين فيها، فإنه يحجم من دور الدين في الاقتصاد، ويعترض على تدخل الدولة في شئون الاقتصاد، فيوجه نقده للنظام الاشتراكي، ويبدي تأييده للنظام الرأسمالي وحرية السوق، ويعتبر أن تجديد العلوم الدينية بحاجة لدراسة الفلسفة، ويلقي بلومه على مراكز التعليم الديني التي ساهمت في تقديم صورة سلبية عن الفلسفة.
وتختتم سوزان مقالها مؤكدة أن نقد اليزدي للغرب لا يقوم على تجاهل تام للخطابات الغربية، كما أن وجهات نظره ليست غريبة عن تاريخ المذاهب الفلسفية الغربية.
وتحت عنوان: "دور الدين والعرق في تأسيس الأيديولوجية الرسمية في تركيا الجمهورية" اشترك ثلاثة من الأساتذة الأتراك في كتابة المقال، وهم: عمر شاها، ومتين طبرق، ونصوح أوصلو، وتناولوا قيم العنصرية والعرقية التي كانت أحد المكونات الأساسية التي تأسست عليها الأيديولوجية العلمانية الكمالية في تركيا مطلع القرن العشرين المتمثلة في مبادئ ستة هي: الجمهورية، والدولة، والثورية، والعلمانية، والشعوبية، والقومية، والتي بدأت باستبعاد الدين واضطهاد الأقليات، مرتكنة إلى الديمقراطية الفرنسية، والتي ترمي إلى إقصاء الآخر، وتذويب الهويات وصهرها في بوتقة واحدة.
ولكن تركيا ما لبثت أن غيرت أيديولوجيتها في الستينيات إلى الديمقراطية الأنجلوسكسونية، والتي تشجع التعددية، وتعترف باختلاف الهويات؛ وهو ما مهد فيما بعد لظهور الأحزاب والجماعات التي تتبنى القيم الإسلامية، ومن بينها حزب العدالة والتنمية الذي وصل للسلطة، وقدم خطابا انفتاحيا، وعلى الرغم من ذلك ما زال يثير قلق الكماليين من تقويض النظام العلماني، وتأسيس نظام حكم إسلامي.
ثم ينتقل المقال لدراسة تطبيقية لمسألة الدين والعرق على نموذج الأكراد في تركيا، ويستشرف ملامح مستقبل الديمقراطية في تركيا في ظل حزب العدالة والتنمية.
وفي نفس الإطار تناول يونزا أنزرليجليو بجامعة هاتشيب بأنقرة في مقاله: "ثورات المسيحيين النسطوريين ضد الإمبراطورية العثمانية، وجمهورية تركيا" أهم الثورات التي قادها المسيحيون ضد الدولة التركية، سواء في عهد الخلافة العثمانية أو في العهد الجمهوري.
وفي مقال: "التعبير العلني عن الإسلام التقليدي.. الانتماء والمجتمع المدني في مرحلة ما بعد سوهارتو في إندونيسيا" قدم منعم سري بجامعة شيكاغو استعراضا لدور الانتماء في إرساء المجتمع المدني في إندونيسيا، مركزا على الفترة التي أعقبت حكم سوهارتو، ودور المفكرين المسلمين في تعزيز مفهوم الإسلام المدني.
بين التفسير وأصول الفقه
اشتمل العدد أيضا على مقال بعنوان: "سورة البقرة.. تحليل بنيوي"، كتبه ريموند فارين الأستاذ بالجامعة الأمريكية بالكويت.
ويستعرض الأسلوب البنيوي لتفسير سور القرآن الكريم، والذي انتشر في الربع الأخير من القرن العشرين، واتبعه العديد من المستشرقين، والذي يقوم على تقسيم السورة لمحاور، مع الربط بين هذه المحاور في صورة كلية مجملة، والأخذ في الاعتبار المتشابهات والتكرار في نفس السورة، ثم يبدأ بتطبيق هذا التحليل البنيوي على سورة البقرة معتمدا على التفسير الذي أعده أمين إصلاحي (توفي 1997) ونشر بالأردية، وكذلك ما طرحه بعض المستشرقين من آراء مثل: نيل روبنسون، وديفيد سميث، مقارنا بين الآراء المختلفة حول التحليل البنيوي لسورة البقرة.
في نفس الإطار أكد سكوت لوكاس في مقاله: "إعادة الاعتبار لأصول الفقه" على سطحية الدراسات الغربية التي تناولت دور علماء الحديث أو الأصوليين على الرغم من جهودهم التي تمخضت عن المدارس الفقهية الأربعة الكبرى في المذهب السني، ويتعرض بالنقد لمنهج جوزيف شاخت في تناول أصول الفقه الإسلامي من خلال التركيز على مصنف ابن أبي شيبة، ويرد على مزاعم شاخت حول تركيز علماء الحديث على السند دون المتن، وادعائه أن علماء الحديث رووا الأحاديث عن الصحابة وليس عن الرسول، وأن الأحاديث لم توضع إلا في القرن الثاني، وأنه كلما كان السند متصلا كلما كان دليلا على اختراعه؛ ليصل لنتيجة أن أغلب الأحاديث النبوية هي أحاديث موضوعة.
وقدم لاري بوسطون الأستاذ بمعهد ناياك بنيويورك دراسة عن "عودة المسيح.. استكشاف فكرة ما قبل الألفية الإسلامية"، تحدث فيها عن فكرة المجددين الذين يبعثهم الله على رأس كل مائة عام، والتي يؤمن بها المسلمون، واستعرض أهم هؤلاء المجددين على مر التاريخ، ثم عرج على فكرة الدراسات المستقبلية، أو توقعات الإسلام للمستقبل، وحاول البحث عن وجود أي تشابه بين ما تنبأ به القرآن أو السنة النبوية وبين الإنجيل والتوراة من نزول عيسى، وظهور المهدي، والمسيح الدجال، وعلامات الساعة الصغرى والكبرى، وتساءل إن كانت عقيدة ظهور المسيح أو المهدي المنتظر عند المسلمين امتدادا لفكرة ظهور المجددين أم منفصلة عنها؟
ضم العدد أيضا تقريرا حول "صحافة السلام والتغطية الإخبارية للصراع في قبرص"، و"لبنان في عصر الثورة.. كمال جنبلاط، والطائفة الدرزية ودولة لبنان"، وأخيرا مقابلة أجرتها أمينة تشودري مع ديزموند توتو، كبير أساقفة كيب تاون، والذي لعب دورا كبيرا في إنهاء التميز العنصري في جنوب إفريقيا، وتحدث عن دور الدين في الصراعات السياسية، وكذلك في عملية السلام.
Read more: http://mdarik.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1264249966934&pagename=Zone-Arabic-MDarik%2FMDALayout#ixzz0f82F1Wd0
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق