أمل خيري
نشر بتقرير القدس
في الوقت الذي صدرت فيه العديد من التقارير والدراسات التي تناولت الآثار الخطيرة لاستمرار الاحتلال الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي فإن الآثار البيئية لاستمرار الوجود العسكري لم تلق الاهتمام الكافي على الرغم مما لهذه الممارسات العسكرية من تداعيات خطيرة على البيئة وإدارة الموارد الطبيعية خاصة في ظل السرية التي تحيط بتحركات القوات الإسرائيلية .
ولذا يأتي التقرير الصادر عن معهد الأبحاث التطبيقية بالقدس "أريج" ليهتم بهذا الجانب ويحمل التقرير عنوان "الأثر البيئي للأنشطة العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة" ، والذي أشرف على إعداده الدكتور جاد اسحاق المدير العام للمعهد ، وصدر التقرير باللغة الانجليزية مطلع عام 2010 ليلقي الضوء على أهم تداعيات الأنشطة العسكرية الاسرائيلية على البيئة في الضفة الغربية وقطاع غزة .
نظرة تاريخية
منذ يونيو 1967 بدأ الاحتلال الإسرائيلي بشكل غير قانوني في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وعلى مدى أكثر من 40 عاما من الاحتلال قامت القوات الإسرائيلية بمصادرة الأراضي الفلسطينية تحت دعوى رعاية الاحتياجات العسكرية إضافة إلى إيواء أكثر من نصف مليون من المستوطنيين غير الشرعيين على هذه الأراضي المصادرة، فقد صادرت إسرائيل ما يقارب 1000 كم2 لإنشاء مناطق عسكرية مغلقة مثلت أكثر من 20% من أراضي الضفة الغربية ، وباستثناء المناطق الواقعة بين الخط الأخضر وجدار الفصل العنصري فإنه يحظر على الفلسطينيين دخول كافة المناطق العسكرية التي تتركز في بيت لحم والخليل ، كما أعلنت السلطات الإسرائيلية في عام 2004 عن إضافة مناطق معزولة أخرى تبلغ حوالي 252 كم2 حيث لا يسمح للفلسطينيين بالوصول إليها.
هذه المناطق كانت تضم أراض زراعية يعمل فيها آلاف الفلسطينيين من صغار المزارعين والرعاة ، وهذا العزل أدى إلى انتشار التصحر في هذه الأراضي ، وما زال الاحتلال حتى اليوم يقوم بإخلاء مناطق أخرى ففي مايو 2009 قام الاحتلال بترحيل أكثر من 300 شخص من بينهم 170 طفل حيث صدرت قرارات هدم وإخلاء بغرض التوسع في إنشاء مناطق عسكرية إسرائيلية في الضفة الغربية.
وبالإضافة للمناطق العسكرية المغلقة قامت إسرائيل بإنشاء أكثر من 210 قاعدة عسكرية على أراضي فلسطينية تبلغ مساحتها 38 كم2، تتنوع أغراض هذه القواعد ما بين نطاقات لإطلاق النار ومراكز للمراقبة وثكنات للجيش ومرافق للاتصالات السلكية واللاسلكية ومستودعات للوقود وكل هذه الاستخدامات لها أضرار بالغة على البيئة، حيث جرفت الأراضي الزراعية الخصبة وانتشر التلوث البيئي خاصة في فترات النشاط العسكري المكثف أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993) والثانية (منذ عام 2000) وبلغت ذروتها في الهجوم الإسرائيلي على غزة (ديسمبر 2008- يناير2009) ، فقد شهدت هذه الفترات أعلى نسبة تدمير للبيئة والاقتصاد الفلسطيني ، وكان الهجوم الأخير على غزة ينذر بكارثة بيئية على قطاع غزة والمناطق المحيطة به. وفي حين تعترف إسرائيل بإلتزاماتها بموجب اتفاقيات لاهاي الخاصة بالاحتلال فإنها تعترض على انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث تعتبر نفسها مسئولة عن الأراضي الفلسطينة وليست جهة إحتلال وبالتالي فهي معفاة من المسئولية القانونية .
الألغام والقذائف
على مدى الستين عاما الماضية قامت إسرائيل بزرع كميات غير معروفة من الألغام الأرضية والمتفجرات المتناثرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة معظمها تخلف عن أنشطة تدريب عسكري دون أن تحيطها بسياج أو تضع علامات وأغلبها في مناطق مأهولة بالسكان، ونتيجة لذلك قتل أو أصيب ما يزيد عن 2500 من المدنيين منذ عام 1967 أغلبهم من الأطفال دون أدنى مسئولية على إسرائيل خاصة في ظل رفضها التوقيع على اتفاقية أوتاوا لحظر الألغام الأرضية المضادة للأفراد ، وخلفت الحرب الأخيرة على غزة أكثر من 120 قطعة من الذخائر و31 من قذائف الفسفور الأبيض غير المنفجرة داخل قطاع غزة والتي تؤثر بالسلب على البيئة إضافة إلى الخسائر البشرية والاجتماعية.
وكان فريق الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام قد قام بمسح أكثر من 12000 هكتارا من الأراضي الزراعية واكتشف أن 17% من المساحة الكلية المزروعة في قطاع غزة قد دمرت بالكامل أثناء الحرب.
تسرب الإشعاع
رغم سياسة الغموض التي تحيط بما تملكه إسرئيل من ترسانة نووية فإنه من المسلم به امتلاكها ما بين 200: 250 رأسا نوييا حربيا ويقع مركز إنتاج الأسلحة النووية في النقب على بعد 40 كم جنوب الخط الأخضر على حدود الضفة الغربية، وإذا كان هناك خلاف على مدى ما يسببه وجود المحطات النووية من تهديد للصحة والبيئة في منطقة ما فإن هناك العديد من المؤشرات المقلقة على ما يستتبع دفن النفايات السامة من زيادة معدلات الإصابة بالسرطان وتشوه الأجنة في التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية ،ووفق أبحاث أجريت في جامعة بن جوريون تم التأكيد على حدوث تسرب إشعاعي في نظم المياه الجوفية في وادي عربة وفي صحراء النقب ،وحذرت الدراسة من مخاطر هذه المياه الملوثة على صحة الإنسان ، كما تشير بعض الدراسات إلى أن المفاعل الذي مضى على إنشائه أربعين عاما يثير المخاوف من زيادة التسرب الإشعاعي. وبالإضافة لمخاطر الإشعاع من المنشآت النووية الإسرائيلية فإن هناك مخاوف أخرى من قيام القوات الإسرئيلية بدفن بواقي الأسلحة والآلات الحربية المستخدمة والتي تنبعث منها أشعة بيتا المدمرة للبيئة.
البنية التحتية وتدمير البيئة
تدعم كثير من المستوطنات الإسرائيلية البنية العسكرية التحتية بل تعد هي نفسها جزءا من البنية التحتية لهذه القوات وبالتالي لا يمكن التفريق بين المشروعات العسكرية والمستوطنات ، وفي نهاية الأمر يجب أن ندرك أن هذه البنية التحتية المعقدة لها آثار خطيرة على البيئة المحلية والموارد الطبيعية. فإسرائيل تتبع سياسة مزدوجة فيما يخص تخطيط شبكات الطرق الفلسطينية والإسرائيلية ففي الضفة الغربية تخصص 5,2 كم لكل 1000 شخص بينما يخصص 2,6 كم لكل 1000 شخص في إسرائيل وهذه الشبكات تساهم في إختلال النظم الأيكولوجية الطبيعية وتؤدي لمزيد من تفتيت الأراضي في الضفة الغربية ،علاوة على ما تسببه المستوطنات والمركبات العسكرية الإسرئيلية من زيادة الضوضاء وتلوث الهواء، كما أن نقاط التفتيش على الحواجز الإسرائيلية تؤدي لزيادة حجم حركة المرور على الطرق الفلسطينية وزيادة زمن الرحلة وبالتالي زيادة تلوث الهواء من عوادم السيارات وتعد مدينتا بيت لحم ورام الله من أكثر المناطق المتضررة من هذه الحواجز حيث تبلغ المسافة بين المدينيتن 25,5 كم وتستغرق الرحلة بينهما 23 دقيقة على الأكثر إلا أنه منذ إنشاء هذه الحواجز يضطر الفلسطينيون لسلوك طريق ملتوي يستهلك في المتوسط ساعة.
كما تشير بعض الدراسات إلى الأضرار البيئية الجسيمة على التربة والمياه الجوفية بسبب تسرب الوقود والزيوت بالقرب من محطات الوقود الخاصة بجيش الدفاع الإسرائيلي في عدة قواعد عسكرية بالضفة الغربية.
التكلفة البيئية لجدار الفصل العنصري
تسبب إنشاء جدار الفصل العنصري في مصادرة 24% من أراضي قطاع غزة وأغلب هذه الأراضي كانت من الأراضي الزراعية الخصبة التي كانت تنتج العديد من المحاصيل كالقمح والفول والشعير والخضر والزيتون واللوز ، وقام الجدار بابتلاع هذه الأراضي حيث قامت الجرافات بتسوية التربة لإنشاء الجدار ، كما أن عملية البناء استهلكت آلات ضخمة وملايين الأطنان من الأسمنت والتي نتج عنها انبعاثات هائلة للكربون وتلوث للمياه فاقت كل الحدود ،وأشار تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن بناء الجدار أدى إلى اقتلاع 100,000 شجرة وتدمير 36000 متر من شبكات الري ، وتكرر نفس الأمر في الضفة الغربية مع تدمير في شبكات الصرف مما ترتب عليه إغراق الأراضي الزراعية وتدمير المحاصيل إضافة إلى حدوث فيضانات مدمرة في أوقات هطول الأمطار والتي تسببت في العديد من الآثار البيئية.
حرب غزة
جاءت الحرب الأخيرة على غزة بعد عامين من الحصار المستمر الذي أصاب المرافق والمؤسسات بالشلل لتضيف المزيد من الدمار من خلال القصف المتواصل على مدى أكثر من 23 يوم دمر فيها أكثر من 2692 منزل و180 صوبة زراعية و167 كم من الطرق و220 جسر وأضرار أخرى فادحة على آبار المياه الجوفية وأنابيب مياه الشرب وأنابيب الصرف الصحي التي اختلطت بمياه الشرب والري ، وتقدر الخسائر البيئية لهذه الحرب بحوالي 44 مليون دولار وهو ما يعطينا فكرة عن حجم الدمار البييئي في أقل من شهر.
وفي ختام استعراض التقرير يمكن التأكيد على أنه إذا كانت الاثار البيئية للاحتلال العسكري على الأراضي الفلسطينية المحتلة في فترات التهدئة خطيرة فإنها تفوق الوصف في فترات الحرب وتعيق أي خطط للتنمية البيئية المستدامة طالما استمر هذا الاحتلال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق