أمل خيري *
عام مضى على حرب "الرصاص المصبوب" التي شنها العدوان الصهيوني على قطاع غزة محاولا تركيع الشعب الأعزل الذي اختار نوابه بإرادته الحرة وإرغامه على التخلي عن المقاومة من خلال سياسة العقاب الجماعي التي اتبعها من فرض الحصار الغاشم على القطاع والذي يدخل الآن عامه الخامس وحينما أدرك الاحتلال أن الحصار لم يجد نفعا في زعزعة تمسك أهالي غزة بالمقاومة والالتفاف حول قيادتهم المنتخبة قام العدوان الصهيوني بشن حرب إبادة على أهالي القطاع جوا وبرا وبحرا ، والتي استمرت قرابة الشهر، وراح ضحيتها ما يزيد على 1400 شهيدا ما بين نساء وأطفال وشيوخ ،استخدمت فيها إسرائيل كافة الأسلحة المحرمة دوليا وانتهكت فيها القوانين والتشريعات الدولية.
في هذا الاطار أصدر مركز "نساء من أجل فلسطين" كتابه الأول لتوثيق المجازر التي تعرض لها الشعب الفلسطيني تحت عنوان "الاستهداف الصهيوني للعائلات الفلسطينية في حرب الفرقان 2009م" ، صدر الكتاب في ديسمير 2009 ويعد باكورة إصدارات المركز ، ويقع في 335 صفحة من القطع الكبير، ويهدف لتقديم دراسة توثيقية لمحاولة إبادة سكان غزة إبان الحرب التي شنتها القوات الصهيونية على قطاع غزة أواخر 2008 ومطلع 2009.
توثيق الجرائم
وصرحت ابتسام صايمة مديرة مركز نساء من أجل فلسطين أن هذا الاصدار جاء لتوثيق معاناة الشعب الفلسطيني وتضحياته، وصور جهاده، وتوثيق الاستهداف الصهيوني البشع لعائلات بأكملها ، وذلك للمحافظة على الذاكرة الفلسطينية وليعلم العالم كله بشاعة المحتل الصهيوني ودمويته،حيث قدم الكتاب عرضا مفصلا لجرائم الاحتلال وعدد الشهداء ، ويعد الكتاب جزءا من جهد جماعي لفضح الاحتلال وتعريته أمام المحافل الدولية، ومحاكمة من يقفون وراء هذه المجازر من مجرمي الحرب الصهاينة.
وتروي ابتسام صايمة أن فكرة الكتاب نبعت "حين قام الفريق الفني في مركز نساء من أجل فلسطين بزيارة مناطق الدمار بعد الحرب مباشرة لتصوير فيلم وثائقي عن معاناة الأهالي أثناء الحرب، فكان فيلم (غزة الألم والصمود)، ولأن المعاناة كانت أكبر من أن يستوعبها فيلم لا تتجاوز مدته الثلاثين دقيقة، جاءت فكرة أن يتم توثيق هذه المعاناة في كتاب يبقى شاهدا على الجريمة وتستوعبه الأجيال القادمة".
عكف فريق العمل على إعداد الكتاب على مدى عام كامل فتم تشكيل فريق عمل من المراسلات الصحفيات الذين قاموا بزيارة قطاع غزة كاملا من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، كما قاموا بلقاءات مع العائلات التي استهدفها العدو الصهيوني،واستمعوا منهم مباشرة لتفاصيل المجازر،وبعد الانتهاء من هذه المرحلة بدأت عملية الإعداد و التحرير ثم المراجعة والتدقيق اللغوي، ليصدر في نهاية المطاف هذا الكتاب الذي يقدم رواية دقيقة لمجريات وتفاصيل الأحداث.
عقبات في الطريق
وترصد صايمة في مقدمة الكتاب الصعوبات التي واجهت البحث ومن أهمها صعوبة الوصول للعائلات المستهدفة بسبب تشتت كثير من العائلات وتفرقها بعد استهدافها سواء بالاستشهاد أو الإصابة أو اللجوء لمنازل الأقارب أو السفر للخارج لتلقي العلاج ومع ذلك تم الوصول إلى معلومات دقيقة عن مجريات الحدث، والاستماع لتفاصيل دامية ومأساوية تعرض لها هؤلاء أثناء الحرب .يضاف إلى ذلك كثرة التفاصيل وعدم ترابطها في بعض الأحيان وتناقض الروايات، واختلاف أسماء الأشخاص في العائلة الواحدة، خاصة الزوجة التي تحمل اسماً مختلفاً عن زوجها وأبنائها، مما يشكل صعوبة في ربط علاقات الأشخاص ببعضهم البعض.
أما عن منهجية البحث فقد قام الفريق باستخدام المنهج الوصفي التاريخي في سرد الأحداث، وذلك من خلال شهادات الشهود أنفسهم ، ثم استقراء ما تجمَّع من معلومات وأرقام حول هذه المجازر، وعددها، وتفاصيلها ، حيث تم إحصاء تسعة وثمانين عائلة مستهدفة، أُنجز منهم ثمانية وثمانين عائلة، من خلال روايات الشهود والرواة ، واقتصر البحث على عائلات المدنيين أي العائلات الآمنة التي لحقها الاستهداف في البيوت والشوارع والمدارس واستثني الشهداء في المراكز الأمنية وأفراد المقاومة ، وتم ترتيب الروايات حسب وقوعها الزمني.
وتحتوي الدراسة على مقدمة وأربع مباحث حيث جاءت المقدمة بعنوان" مقدمات لا بد منها" استعرض من خلالها الدكتور زكريا السنوار أستاذ التاريخ في الجامعة الإسلامية بغزة، أسباب الصراع العربي الصهيوني كمدخل لفهم طبيعة العقلية التي تعامل من خلالها العدو مع أهالي غزة أثناء الحرب ،أما المباحث الأربع الرئيسية للكتاب فقد اشتمل كل منها على توثيق أحداث أسبوع من أسابيع الحرب وما جرى خلال الأسبوع من مجازر بحق العائلات الفلسطينية ، وفي الخاتمة جاءت النتائج والتوصيات متبوعة بعدة ملاحق توضيحية من أهمها احصاءات خاصة بعدد وأسماء الشهداء من الأطفال والنساء ، وتصنيف لأعداد العائلات التي استشهد فردين فأكثر من أفرادها وتوزيع نسب هذه العائلات على مناطق القطاع المختلفة ،وتقرير عن الحرب منشور في مجلة "هيومن رايتس" والذي يوضح طبيعة الأسلحة المستخدمة في الحرب ، إضافة إلى ملحق خاص بصور الحرب تبرز بشاعة العدوان.
الشمال الأكثر استهدافا
يقدم الكتاب احصائية حول عدد العائلات الضحايا في مناطق قطاع غزة المختلفة حيث بلغ عدد العائلات المستهدفة في الشمال 44 عائلة من إجمالي 88 عائلة استهدفت خلال الحرب بنسبة 50% ، تليها مدينة غزة والتي استهدف فيها 30 عائلة بنسبة 34% ، ثم الجنوب 8 عائلات بنسبة 9% وأخيرا المنطقة الوسطى 6 عائلات بنسبة 7%.
من بين هذه العائلات استهدف العدو الصهيوني عائلات بأكملها مثل عائلة السموني التي استشهد 29 من أفرادها ، وعائلة الداية التي قدمت 22 شهيد ،وعائلة ريان التي استشهد منها 16 فرد ،واستشهد 11 من أفراد عائلة ديب ، وبلغ عدد العائلات التي استشهد منها شهيدين 39 عائلة ، والعائلات التي قدمت 3 شهداء بلغت 20 عائلة ، و9عائلات قدمت أربعة شهداء ، و7عائلات قدمت خمسة شهداء ، و6عائلات قدمت ستة شهداء و7عائلات استشهد من أفرادها 7 فأكثر.
كما ضم الكتاب ملحقا نشر بمجلة هيومن رايتس بعنوان "أمطار النار:استخدام (إسرائيل) غير القانوني للفسفور الأبيض في غزة" ، حيث ذكر التقرير أن الفسفور الأبيض عبارة عن مادة كيماوية تشتعل وتحترق لدى اتصالها بالأوكسجين، وتولد دخاناً أبيض كثيفاً يدوم لمدة سبع دقائق، وله رائحة مميزة تشبه رائحة الثوم،وحين يشتعل في الجو يمكن أن تسقط 116 شظية مغلفة بالفسفور من القذيفة المدفعية 155 ملم العادية، وتنتشر الشظايا على مساحة تصل إلى 250 متراً ،مطلقة 5,7 كيلو جرام من الفسفور الأبيض المحترق الذي يؤدي لحروق كثيفة عند ملامسته للأشخاص أو الأشياء ،كما يمكنه أيضاً اختراق الأجساد وإصابة الأعضاء الداخلية بالتسمم ،والفشل الكلوي وإصابة الكلى، وتدمير الأنسجة العضوية .
كما يعرض التقرير أهم المناطق التي تعرضت لإطلاق الفسفور الأبيض خلال الحرب من بينها حي تل الهوى بمدينة غزة ،حيث أصاب مجمع مستشفى القدس ،ومستشفى الشفاء ، كما تعرض مجمع مقر الأونروا بمدينة غزة لقذائف الفسفور الأبيض ، مدرسة الأونروا في بيت لاهيا ، وقرية صفاية،وقرية الخزاعة وغيرها من المناطق.
حقائق وأرقام
على نفس النهج قدم المركز الفلسطنيني لحقوق الانسان قائمة بأسماء الضحايا الذين وصلوا إلى 1419 شهيد ،كما ظهر من تقارير لمراسلي المركز الفلسطيني للاعلام أن أول العائلات التي استهدفت أثناء الحرب كانت عائلة بعلوشة التي استشهد منها خمس طفلات شقيقات في اليوم الثاني لبدء الحرب.
وتشير احصاءات أخرى أن عدد الشهداء بلغ حوالي 1450 شهيد ، 82% منهم مدنيين ،35 % من النساء والأطفال، ، إضافة إلى 5450 جريح ، 49 % منهم نساء وأطفال ، وأن اسرائيل قامت بإلقاء 1000 طن من القنابل على قطاع غزة وشنت أكثر من 2500 ضربة جوية ، وتم تدمير 20 ألف منزل بينهم أكثر من ألفين دمروا تدميرا كاملا ،وشردت 8784 عائلة بما يمثل حوالي 52 ألف فرد ، كما خلفت الحرب حوالي 500 معاق ما بين بتر للأطراف أو فقد للسمع أو البصر ، وأسفرت الحرب كذلك عن تدمير 92 مسجد و7 مدارس وحوالي 6,855 دونما من الأراضي الزراعية ، كما اعتقل قرابة 1000مواطن استخدم المئات منهم كدروع بشرية .
من جانبها أعلنت منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان أن أكثر من نصف الفلسطينيين الذين قتلوا في حرب غزة من المدنيين وذلك في نتائج تناقض إحصائيات الجيش الإسرائيلي التي تؤكد أن أغلب القتلى من المقاتلين الفلسطينيين ، كما ذكرت بتسليم أن هناك 230 من القتلى دون سن 18 عام.
* نشر بتقرير القدس الشهري الصادر عن مركز الإعلام العربي -عدد 135 السنة الثانية عشرة - ربيع الأول 1431 هـ - مارس 2010 م- ص 41:44
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق