( 2 ) القرآن الكريم
أمل خيري
- بعد لقائي السابق مع شيخي الكريم و حديثه عن الصلاة و معانيها عدت لنفسي محاولا أن أضع كل ما ذكره أمام عيني و حاولت أن أعيش مع الصلاة بروحي و قلبي و عقلي فأحسست أن روحي بدأت تحلق في السماء حتى أني أصبحت أرى الدنيا بمنظار كبير و نظرت للمدعوين أمامي بنظرة إشفاق كأني والد رحيم بأبنائه يحاول انتشالهم من هوة كادوا يسقطون فيها فعدت لشيخي أستزيده من حديثه العذب فقد وعدني أن يحدثني عن القرآن الكريم و كيف يمكن أن يزود الداعية بزاد روحي يعينه على مشاق دعوته.
** أهل القرآن:
- قلت لشيخي: حدثني عن فضل القرآن و أهميته؟
- قال الشيخ: إن القرآن الكريم هو نور العيون و شفاء الصدور و هدي النفس ألم تسمع معي قوله تعالى : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً ) و كذلك قوله تعالى ( يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبينا ) كما أن رسول الله أثنى على أهل القرآن فقال صلى الله عليه وسلم ( إن لله تعالى أهلين من الناس . قالوا : يا رسول الله : من هم ؟ قال : هم أهل القرآن أهل الله وخاصته ) .
- فقلت لشيخي :و هل قراءة القرآن في حد ذاتها هي التي تمد الداعية بالزاد؟
- فقال الشيخ: ليست كل قراءة يا بني ، ألم تسمع معي ما حدث به زياد بن لبيد الأنصاري حيث قال ذكر النبي شيئا فقال : " و ذاك عند ذهاب العلم " قلنا يا رسول الله كيف يذهب العلم و نحن قرأنا القرآن و نقرئه أبناءنا و أبناؤنا يقرئون أبناءهم؟ فقال : ثكلتك أمك يا بن لبيد إن كنت لأراك من أفقه رجل في المدينة أوليس هذه اليهود و النصارى بأيديهم التوراة و الإنجيل و لا ينتفعون مما فيهما بشيء ؟ "
- قلت لشيخي : أتقصد أنه يجب القراءة بتفكر و تدبر ؟
- قال: نعم فقد قال الله تعالى ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته و ليتذكر أولو الألباب)
و آفة المسلمين اليوم أنهم فصلوا بين التلاوة و التدبر فأصبح المسلم يقرأ لمجرد التبرك و كما يقول الشيخ الغزالي لقد كان الأولون يقرأون القرآن فيرتفعون إلى مستواه أما نحن فنشده إلى مستوانا.
** مظاهر تأثر المشركين بالقرآن:
- سألت شيخي : و هل لتلاوة القرآن بتدبر أثر في إمداد الداعية بزاد روحي؟
- قال: لن تدرك ذلك إلا إذا رأيت مظاهر تأثير القرآن في نفوس أعدائه قبل أوليائه.
- قلت : كيف؟ و هل كان للقرآن تأثير على أعدائه؟
- قال: بلى فإن المشركين مع حربهم له ، ونفورهم مما جاء به كانوا يخرجون في جنح الليل البهيم يستمعون إليه والمسلمون يرتلونه في بيوتهم فهل ذاك إلا لأنه استولى على مشاعرهم ، ولكن أبى عليهم عنادهم وكبرهم وكراهتهم للحق أن يؤمنوا به ( بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون )كما أنهم ذعروا ذعرا شديدا من قوة تأثيره ونفوذه إلى النفوس على رغم صدهم عنه واضطهادهم لمن أذعن له ، فتواصوا على ألا يسمعوه ، وتعاهدوا على أن يلغوا فيه إذا سمعوه ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ).
** حال السلف مع القرآن :
- قلت : وماذا عن مظاهر تأثيره في نفوس صحابة رسول الله؟
- قال : من مظاهر تأثير القرآن في نفوس الصحابة :
تنافسهم في حفظه وقراءته في الصلاة وفي غير الصلاة و تهجدهم به في الأسحار. وكان التفاضل بينهم بمقدار ما يحفظ أحدهم من القرآن . وكانت المرأة ترضى بل تغتبط أن يكون مهرها سورة يعلمها إياها زوجها من القرآن ،إضافة إلى عملهم به وتنفيذهم لتعاليمه ، في كل شأن من شؤونهم ، حتى صهرهم القرآن في بوتقته وأخرجهم للعالم خلقا آخر مستقيم العقيدة قويم العبادة طاهر العادة كريم الخلق، كما رأينا استبسالهم في نشر القرآن والدفاع عنه و ليس أدل على ذلك من النجاح الباهر الذي أحرزه القرآن الكريم في هداية العالم في زمن قصير جدا .
- قلت لشيخي هل لك أن تحدثني عن بعض أحوال السلف عند تلاوة القرآن؟
- قال :عن عبدالله بن عروة ببن الزبير : قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن ؟ قالت : ( تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله )
و قال محمد بن حجادة : قلت لأم ولد الحسن البصري ما رأيت منه - أي الحسن البصري - فقالت : رأيته فتح المصحف ، فرأيت عينيه تسيلان وشفتيه لا تتحركان .
** برنامج عملي لتدبر القرآن:
- سألت شيخي و لكن كيف وصل السلف لهذا الحال و هل نستطيع نحن أن نصل لما وصلوا إليه؟
- قال الشيخ: يقول ابن القيم:
(إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته و سماعه و ألق سمعك و احضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد ) )
- قاطعت شيخي قائلا : اعذرني شيخي فأنا شخص عملي أميل للجوانب التطبيقية فهل أجد برنامجا عمليا يجعل قلبي حاضرا عند تلاوة القرآن ؟
- تبسم الشيخ و قال : و أنا أيضا شخص عملي لذا سأدلك على الطريق فأنصت يرحمك الله.
اعلم أن لتلاوة القرآن آداب قلبية و أخرى ظاهرية.
أما الآداب القلبية فهي :
1 - الإخلاص لله في قراءته بأن يقصد بها رضا الله وثوابه ويستحضر عظمة منزل القرآن في القلب ،فكلما عظم الله في قلبك وخافه قلبك وأحبه كلما عظم القرآن لديك .
2 - التوبة والابتعاد عن المعاصي ،خاصة سماع الغناء والموسيقى وآلات الطرب واللهو التي تصد القلوب عن القرآن وتفهمه والتأثر به .
3 - أن يتفاعل قلبه مع كل آية بما يليق بها فيتأمل في معاني أسماء الله وصفاته حسب فهم السلف ويتأسى بأحوال الأنبياء والصالحين ويعتبر بأحوال المكذبين .. وهكذا .
4 - التأثر فيتجاوب مع كل آية يتلوها فعند الوعيد يتضاءل خيفة ، وعند الوعد يستبشر فرحا ويشتاق للجنة عند وصفها ، ويرتعد من النار عند ذكرها .
أما الآداب الظاهرية :
1- فيستحب أن يتطهر ويتوضأ قبل القراءة لما روى أن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يمس القرآن إلا طاهر ( وينظف فمه بالسواك لأنه طريق القرآن.
2 - أن يستقبل القبلة عند قراءته لأنها أشرف الجهات.
3 - أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
4 - أن يتعاهد القراءة بالمواظبة على قراءته وعدم تعريضه للهجر .
5 - عدم قطع القراءة بكلام لا فائدة فيه واجتناب الضحك واللغط والحديث إلا كلاما يضطر إليه .
6 - أن يحسن صوته بالقرآن ما استطاع( زينوا القرآن بأصواتكم )، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حُسنا وأن يرتل قراءته وقد اتفق العلماء على استحباب الترتيل (ورتل القرآن ترتيلا ) و قال رسول الله ( اقرأوا القرآن بلحنٍ حزين فانه نزل بالحزن).
7 - أن يحترم المصحف فلا يضعه على الأرض ولا يضع فوقه شيئاً ولا يرمي به لصاحبه إذا أراد أن يناوله إياه ولا يمسه إلا وهو طاهر .
8 - اختيار المكان المناسب مثل المسجد أو مكانا في بيته بعيدا عن الشواغل ويجب أن يكون المكان بعيدا عن ما يبعد الملائكة من صور معلقة وأجراس ....الخ
9 - اختيار الوقت المناسب والذي يتجلى الله فيه على عباده وتتنزل فيه رحماته ، وأفضل القراءة ما كان في الصلاة ، وأما القراءة في غير الصلاة فأفضلها قراءة الليل ، والنصف الأخير من الليل أفضل من الأول ، وأما قراءة النهار فأفضلها بعد صلاة الفجر .
10 - ترديد الآية للتدبر والتأثر بها .
** برنامج عملي للدعوة بالقرآن:
- قلت لشيخي : ما أروع هذا الكلام و لكن هل من نصائح عملية للداعية لكي يستفيد من تلاوته حين يتصدى لواجب الدعوة إلى الله؟
- قال الشيخ:
ينبغي على الداعية عند تلاوة القرآن ما يلي:
1 – تسجيل الخواطر والمعاني لحظة ورودها أو بعد الانتهاء من القراءة .
2 - محاولة تدوين كل آية مرت به لاستخراج العبر والعظات ليسهل له الرجوع إليها بعد ذلك .
3 - الحرص على حفظ الآيات في صدره و ذلك حتى يسهل عليه الاستشهاد بالآيات في موضعها عند حديثه.
4 - الإطلاع على تفسير معاني الكلمات و الآيات كتفسير ابن كثير وتفسير الطبري وتفسير ظلال القرآن لسيد قطب و غيرها.
5 - أن يصاحب من يعاونه على هذا الخير ويدله على الصدق ومكارم الأخلاق فإنه له أكبر الأثر في تعميق قراءة القرآن والتأثر به .
و تذكر بني الحبيب أنه بقدر إقبالك على القرآن يكون إقبال الله تعالى عليك، وبقدر إعراضك عن القرآن يكون إعراض الله تعالى عنك . قال خباب بن الأرت لرجل : تقرب إلى الله ما استطعت ، واعلم أنك لن تقرب إلى الله تعالى بشيء هو أحب إليه من كلامه .
وقال عثمان بن عفان : لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم .
وقال بعض السلف لأحد طلابه : أتحفظ القرآن ؟ قال : لا . قال : المؤمن لا يحفظ القرآن !!! فبم يتنعم !! فبم يترنم ! فبم يناجي ربه تعالى !؟ .
و تذكر قول ابن مسعود (ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون و بنهاره إذا الناس مفطرون و بحزنه إذا الناس يفرحون و ببكائه إذا الناس يضحكون و بصمته إذا الناس يخوضون و بخشوعه إذا الناس يختالون ).
قلت لشيخي : بارك الله فيك لقد أفدتني أعظم الإفادة و لكن هل لك أن تحدثني عن الزاد التالي؟
تبسم الشيخ و قال : دائما أنت عجول ؟! انتظرني في اللقاء القادم إن شاء الله.
المراجع:
1 – سعيد حوى ، المستخلص في تزكية الأنفس.
2 – ابن القيم ، الفوائد.
3 – محمد الغزالي ، كيف نتعامل مع القرآن؟.
6 - د. جاسم محمد الفارس ، التعامل مع القرآن الكريم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق