الخميس، 20 يناير 2005

انتبهوا لأطفالكم.. الديسلكسيا تفقدهم مهارات التعلم



تحقيق- أمل خيري
الديسلكسا إحدى صعوبات التعلم التي يعاني منها عدد كبير من الاطفال يصل إلى 10% وتبلغ نسبة إصابة الذكور 3 - 4 أضعاف الإناث.
والديسلكسيا هي صعوبة في القدرة على القراءة والكتابة في العمر الطبيعي, خارج نطاق أية إعاقة عقلية أو حسية، إلا أن الطفل قد يعاني منها ولا يتنبه الوالدان أو المعلمون لوجودها ويتم التعامل مع الطفل على أنه طفل منخفض الذكاء أو بطئ التعلم.
وبالطبع فإن الخطأ في تشخيص الحالة يؤثر على اختيار البرنامج العلاجي المناسب، فمتى يتم تشخيص الديسلكسيا؟ و ما أعراضها ؟ وأسبابها؟ وهل من سبيلٍ لبرامج علاجية تربوية؟
نرمين عبد الهادي مشرف الصفوف الأولية بإحدى المدارس رصدت لنا بعض الحالات التي تعاني من الديسلكسيا فمثلاً: محمود بالصف الأول الابتدائي مصاب بالتهتهة أثناء القراءة فقط أما في سائر كلامه فينطلق لسانه بطلاقة.
آية الصف الثاني الابتدائي تقرأ ببطء شديد جدًّا مقارنةً بزملائها مع تلعثم واضح، بينما تخلط نهى بين الحروف المتشابهة في الكتابة أو في الصوت فتقرأ (ثعلب) على أنها (تعلب) و(سرافة) بدلاً من (زرافة) وتكتب (بتة) بدلا من (بطة).
كما تروى إحدى الأمهات تجربتها مع طفلتها؛ حيث وجدت لديها صعوبة بالغة في حفظ الأرقام من واحد لعشرة حتى بلغت السادسة من العمر رغم أن باقي أشقائها كانوا يجيدون حفظها من الثالثة أو الرابعة من العمر، كما أنها كانت تقرأ الحرف الأبجدي حين يكون بمفرده، بينما لا تستطيع التعرف عليه حينما يكون في كلمة، وبعد دخولها المدرسة كانت تكتب الأرقام والحروف مقلوبة فرقم (9) تكتبه (P) وتخلط بين رقم (6) و(2) وكذلك (7) و(8)، واستمر معها ذلك حتى نهاية العام الدراسي.
وعندما نبهت المعلمة في البداية أكدت أنَّ كل الأطفال لديهم نفس هذا الخلط وسيزول بالتدريج، ولكن عندما بدأت نتائجها في الاختبارات تكشف عن أخطاء في الإملاء مع مستوى جيدٍ من الفهم لباقي الأسئلة تنبَّهت المعلمة وقامت بعرضها على الأخصائي الاجتماعي بالمدرسة الذي أخبرها أنها تُعاني من ديسلكسيا.


وتكرر نفس الأمر مع سالي محمود حيث لاحظت على طفلها منذ التحاقه بالصف الأول الابتدائي البطء الشديد في كتابة الواجبات واعتماده عليها في كتابة الكلمات، ومع الوقت لاحظت أنه عندما يكتب يفهم ما يكتبه، ولكن عندما يقرأ فإنه يقرأ بصعوبةٍ وإذا قرأ فلا يفهم وظهر ذلك جليًّا في اللغة العربية وكذلك في اللغة الإنجليزية؛ حيث يخلط بين بعضِ الحروف، ولا يستطيع الإجابة على بعضِ الأسئلة مثل إكمال الحرف الناقص في الكلمة، أما في الحساب فهو متفوق باستثناء أنه أحيانًا يعكس بعض الأرقام مثل 12، 21 حيث يخلط بينهما، وعندما قامت بعمل اختبار ذكاء له كان مستوى ذكائه طبيعيًّا فبدأت في عمل قياسات للسمع وللنظر وكانت كلها طبيعية، كما أجرت له رسم مخ وكان طبيعيًّا، وفي النهاية اضطرت لعرضه على طبيبٍ نفسي واكتشفت أن أحد العوامل التي أدَّت إلى تفاقم الحالة لديه الضغط المستمر عليه من والده ليكون متفوقًا.
وتؤكد أن المشكلة أن المعلمين يتعاملون معه على أنه طفلٌ بطئ التعلم، وترجع السبب لذلك لانعدام الوعي لدى المعلمين وكذلك الإخصائيين الاجتماعيين، وأخيرًا أخبرتها إحدى الإخصائيات أن طفلها يعاني من الديسلكسيا.
ما هي الديسلكسيا؟
ويعرف حسن إسماعيل (الاستشاري بمركز إشراق للاستشارات التربوية والنفسية) القراءة: بأنها عملية التعرف على الرموز المكتوبة والمطبوعة التي تستدعي معاني تكونت من خلال الخبرة السابقة للقارئ في صورة مفاهيم أدرك معانيها الواقعية وأن عملية تعلم الطفل للقراءة تمر بثلاث مراحل نمائية وهي:
1 - المرحلة العشوائية والتي تتمثل في تأمل الصور والرسومات الموجودة في الصحف والمجلات.
2- مرحلة التمييز وفيها يقوم الطفل بتمييز الجُمل والكلمات والحروف ومعرفة أشكالها المتباينة عن طريق السمع والبصر.
3- مرحلة التكامل وفيها يتمكن الطفل من إعادة القراءةِ للفقراتِ ككلٍ ومعرفة مضمونها.
والذي يحدث عند الطفل المصاب بالديسلكسيا أنه يعجز عن القراءةِ أو عن فهم ما يقرأ، ويظهر ذلك إما لوجود عيوب صوتية Dysphonic أو لعيوب في إدراك الكلمات ككليات؛ مما يؤدي إلى صعوبة في نطق الكلمات المألوفة وغير المألوفة.
أعراض الديسلكسيا
يذكر حسن إسماعيل بعض هذه الأعراض منها:
1. التحصيل الدراسي المنخفض مع نسبة ذكاء عادية.
2. ظهور اضطرابات في تركيز الانتباه.
3. انعدام التنسيق بين حركة اليد وحركة العين.
4. صعوبة دمج الأصوات وتتابع الكلمات.
5. قصور في عمليات تكوين المفاهيم المكانية.
6. ظهور اضطرابات في النطق بدرجات متفاوتة مثل الحبسة واللجلجة وإبدال الحروف.
7. ظهور اضطرابات انفعالية عند الطفل بسبب شعوره بالإحباط الناتج عن عجزه عن نطق الكلمات أو قراءتها.
الحكم على حالة الديسلكسيا
وتذكر الدكتورة داليا الشيمي (أخصائي تقييم نفسي وإرشاد وتنمية مهارات) أنَّ الأصلَ اللغوي لكلمة ديسلكسيا Dyslexia كلمة يونانية مكونة من جزءين هما:
(Dys) وتعني غير مناسب أو رديء أو مفتقد بدرجة ما، والثاني (Lexia)وتعني اللغة اللفظية، والمصطلح يترجم إلى (العسر القرائي) والذي يظهر في صورة، صعوبات في التعرف على الرموز المكتوبة، واستيعابها، وفهمها، وربطها بما سبق تعلمه، وكذلك القدرة على استرجاعها.
وترصد الدكتورة داليا عددًا من الشروطِ للحكم على الحالةِ بأنها ديسلكسيا وهي:
1. ألا تكون هذه الصعوبات نتيجة انخفاض الذكاء.
2. ألا يكون هذا العسر نتيجة للحرمان الثقافي (البيئي).
3. ألا توجد عيوب في النطق.
4. أن تنخفض درجات الطفل، أو أداؤه الدراسي، خاصةً في القراءة الجهرية، أو صعوبة الفهم أثناء القراءة الصامتة.
لذا فإنه يجب قبل الحكم على الحالة تطبيق بعض الاختبارات مثل: اختبار الذكاء (حتى نستبعد أن يكون الانخفاض نتيجةً للتخلف العقلي أو الإعاقة الذهنية)، واختبارات القراءة الجهرية، والذي يحدد درجة الحالة.
العوامل النفسية
وتذكر الدكتورة داليا العوامل النفسية التي تقع خلف العسر القرائي مثل:
1. نقص المدد العاطفي من الأسرة.
2. تضارب الطريقة التعليمية التي يتلقاها الطفل في الأسرة عن تلك التي يتعلم بها في المدرسة.
3. وجود اضطرابات وجدانية وانفعالية لدى الطفل.
4. ذهبت بعض الدراسات لوجود مشاعر ذنب مرتفعة لدى الطفل تعوق قدرته على القراءة.
دور الجينات الوراثية
ويستكمل الدكتور إيهاب رجاء (أستاذ مساعد طب الأطفال والوراثة واستشاري صعوبات التعلم) الحديث عن الأسباب العصبية وراء الديسلكسيا فذكر أنه ثبت أن هذا النوع من الأمراض النمائية التطورية ينتج عن خللٍ في الجينات المتحكمة في مرحلة من مراحل النمو الجنيني للطفل.
وأشهر الكروموزمات المسئولة هي كروموزوم 15- 6- 3- 2- 1 وكذلك كروموزوم x، والكروموزوم: هو الصبغي المشار إليه في قوله تعالى ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ والمشيج هو التصلبات الشبيهة بإصبعي المقص.
وهذه الكروموزومات هي المتهم الرئيسي بوجود علاقة بينها وبين الديسلكسيا؛ لأنها مرتبطة بمناطق محددة في المخ مسئولة عن الدراية أو المعالجة السمعية والبصرية؛ مما يؤدي إلى عدم الربطِ بين القسم اليمين والقسم اليسار من الدماغ.
بمعنى آخر هو خلل في وظائف بعض الأعصاب الدماغية مع اضطرابِ الاتصال بين المراكز التي تُدير وظائف القراءة والكتابة وتفسير الأصوات.
ويضيف الدكتور إيهاب أن هناك أيضًا عامل الوراثة، فقد وجد أن 88% من الأطفال الذين يعانون من عسرٍ قرائي يكون لدى أحد الوالدين أو الأقارب نفس الحالة، وأثبتت الإحصاءات أنه إذا وجدت في العائلة حالة طفل ديسلكسيا تتضاعف احتمال تكرار الحالة بنسبة 13%.
أما عن علاقة الديسلكسيا بالذكاء فيؤكد الدكتور إيهاب أن نسبة ذكاء طفل الديسلكسيا طبيعية أو فوق المتوسط بدليل أن مشاهير عانوا منه مثل توماس أديسون، ألبرت إينشتاين.
علاج الديسلكسيا
وعن علاج الديسلكسيا يذكر الدكتور إيهاب أنَّ الطفلَ الذي يعاني من عسرٍ قراءة تظل معه الحالة طوال عمره إلا أن فائدةَ البرامج العلاجية هي وضع إستراتيجيات تعويضية للطفل ليتعلم مهارات جديدة تعوض القصور الناشئ عن عطبٍ في مناطق حساسة في المخ، فلو وجد الطفل البيئة المحفزة وتعامل معه الجميع على أنه طفل طبيعي مع هذه البرامج العلاجية تتحسن حالته كثيرًا، وعلى النقيض تتفاقم المشكلة بسبب عدم تنبه الأهل والمدرسة لها مما يعني أن هذا العجز قد يستمر مستقبلاً فيحرم الطفل من فرص أكاديمية.
وتتفق معه الدكتورة داليا الشيمي؛ حيث ذكرت أن العلاج يتم من خلال وضع برنامج تدريسي علاجي لهذه الصعوبات، يعتمد على تنمية القدرات المتدخلة في إظهار مهارة القراءة، ويتم ذلك من خلال متخصصٍ في صعوبات التعلم، بالإضافةِ إلى الإخصائي النفسي، الذي يهتم بتعديل العوامل النفسية المتدخلة في إظهار الحالة.
أين يتعلم طفل الديسلكسيا؟
قد يتبادر للذهن سؤال هل الأفضل بالنسبة لطفل الديسلكسيا إلحاقه بمدرسة عادية وسط الأطفال العاديين أم إلحاقه بمدارس لذوي الاحتياجات الخاصة؟
في هذا الإطار يؤكد الدكتور علاء صبرة (خبير التدريب بوزارة التربية والتعليم) أنَّ الأفضلَ اختلاط طالب الصعوبات القرائية مع أقرانه داخل الفصل في المدرسة العادية مع توجيه الاهتمام الخاص، ولا ينصح بفصله إلا إذا لم يبدِ أي استجابة علاجية؛ فهنا يمكن عمل تدريب خاص به خارج نطاق الحصة، ويذكر أن التدريس الفردي هنا لا يُحبَّذ لأن لكل طفل حالة مختلفة بمعنى أن الكل يُعاني من صعوباتٍ قرائيةٍ ولكن من نوعٍ مختلفٍ حيث لا تتشابه الأعراض بالكلية ومن الصعب إيجاد معلم لكل حالة؛ لذا يقوم المعلم بعمل تدريبٍ جماعي يستخدم فيه وسائل تعليمية ومجسمات وبطاقات، ومن الممكن الاعتماد على الحاسب الآلي أو الوسائط المتعددة، وهذا العلاج قد يقوم به مدرس الفصل أو المدرس الخاص أو حتى الأم بالتعاون مع الإخصائي النفسي.
أما لو ظلت صعوبة القراءة لما بعد الصف الثالث بدون ظهور أي تحسن، فالأفضل إلحاق الطفل بمدرسةٍ خاصةٍ بذوي الاحتياجاتِ الخاصة وفصله عن التعليم التقليدي.