الأربعاء، 26 يناير 2011

الإغاثة بالمحمول.. جمع التبرعات عبر الرسائل القصيرة



أضف تعليقا



أضف تع

تقرير: العمالة الريفية تمييز نوعي وظروف بائسة


أمل خيري
تعد المساواة بين الجنسين عنصرا أساسيا من عناصر النمو الاقتصادي المستدام وسبل الحد من الفقر. لذا فإن تمكين المرأة الريفية يجعلها أحد المحركات الفاعلة في تنمية المجتمع، حيث يؤدي تمكين المرأة بدوره إلى تحسين الأحوال المعيشية للأسرة كلها.
ومن أجل العمل على سد الثغرات في البيانات المتعلقة بإجراءات تعزيز المساواة بين الجنسين في المناطق الريفية، كان هناك حاجة لتقييم الأوضاع الحالية والتعرف على دورها في تعويق جهود واضعي السياسات فيما يتعلق باستراتيجيات التخفيف من حدة الفقر. لذا فقد صدر منذ أيام تقرير "الأبعاد الجنسانية للعمالة الزراعية والريفية: سبل متباينة للقضاء على الفقر"، بالتعاون بين منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ومنظمة العمل الدولية.
استنتاجات أولية
ناقش التقرير قضايا النوع الاجتماعي الرئيسية الخاصة بالعمالة الزراعية والريفية، والآثار المترتبة على سياسات التمييز بين الجنسين، وتوصل التقرير إلى عدد من الاستنتاجات أهمها:
· انتشار عدم المساواة بين الجنسين في العمالة الريفية في الكثير من الدول بغض النظر عن مستوى النمو الاقتصادي، ومع ذلك ظهرت عدة عوامل دينية واقتصادية واجتماعية وثقافية ساهمت في زيادة حدة التمييز في بعض المناطق.
· تميل المرأة إلى أن تكون أكثر عرضة للمخاطر عند الانخراط في العمالة الريفية عن الرجال، وتمثل أعباء العمل غير المأجور أهم العوامل التي تعوق النساء في الحصول على عمل في المناطق الريفية.
· تتباين أنماط المساواة والتمييز بين الجنسين في العمالة الريفية من دولة لأخرى حسب السياسات والأزمات والفرص. فالتغيرات في اتجاهات التجارة الدولية والهجرة والأزمات المالية كلها عوامل لها دور في تغيير سياسات التمييز، ومع ذلك تظل هناك حالة من التمييز الكامن.
· لا يكفي العمل على توفير المزيد من فرص العمل الريفية لكل من الرجال والنساء بل لابد من الاهتمام بجودة ونوعية العمل نفسه.
· يجب ربط الخدمات المالية بعمليات التنمية المستدامة على نطاق أوسع؛ فزيادة فرص الحصول على الخدمات المالية تساهم في تطوير الأسواق، وتعزيز الاقتصاد المحلي والوطني، ولابد من أخذ الأبعاد الجنسانية في الاعتبار بهذا الخصوص.
· هناك حاجة إلى توافر البيانات المصنفة حسب نوع الجنس لسد الثغرات في المعارف وتحسين عمليات اتخاذ القرارات السياسة.
· طالما كانت الفروق بين الجنسين في فرص العمل الريفية كثيرة وغالبا ما تكون متشابكة، فإن هناك حاجة إلى تدابير سياسية، وإصلاحات قانونية تشمل تعزيز المساواة بين الجنسين، وشبكات الأمان الاجتماعي، ودعم إنشاء منظمات نسائية وبرامج رعاية الطفل، وتعليم النساء، وأدوات تحسين فرص الحصول على المعلومات والوصول لأسواق العمل.
التمييز بين الجنسين
تمثل الهدف الرئيسي من التقرير في جمع أهم البيانات والقضايا المطروحة والممارسات في مجال التنمية الريفية. وبالتالي فهو يجمع بين البيانات التجريبية والممارسات الجيدة استنادا إلى الخبرات الوطنية والدولية فيما يتعلق بالبعد الجنساني في المناطق الريفية والزراعية.
يقع التقرير في 226 صفحة بالإنجليزية، وينقسم إلى ثلاث أجزاء. يقدم الجزء الأول نظرة عامة حول القضايا المتعلقة بالمساواة بين الجنسين والعمالة الريفية للحد من الفقر،أما الجزء الثاني فيحدد ويحلل القضايا الرئيسية المستخلصة من النقاشات التي جرت في ورشة العمل حول الأبعاد الجنسانية التي جرت في روما في الفترة من 31 مارس: 2 أبريل عام 2009، وفي الجزء الأخير يعرض التقرير لبعض الأوراق المختارة من ورشة العمل والتي تغطي القضايا الرئيسية حول العمالة الريفية والمساواة بين الجنسين.
يذكر التقرير أنه في المناطق التي تشكل فيها الزراعة العمل الرئيسي لسكان الريف ترتفع نسبة الفقر، ففي عام 2008 وصلت نسبة الفقر إلى 45,5 ٪ في جنوب آسيا و58,6 ٪ في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث يعمل ثلثي النساء والرجال في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في الزراعة، وفي جنوب آسيا يعمل في الزراعة 44 ٪ من الرجال و 70 ٪ من النساء.
ومعظم العاملات في المناطق الريفية يعملن في وظائف غير مستقرة ومنخفضة الأجر. وبصفة عامة تعمل النساء الريفيات ساعات أطول من الرجال. ففي بنين وتنزانيا، تزيد ساعات عمل المرأة الأسبوعية عن الرجل بحوالي 17,4 و 14 ساعة على التوالي، في حين أن المرأة الريفية في الهند تعمل 11 ساعة أكثر من المرأة الحضرية، و 12 ساعة أكثر من الرجال. ويتعرض ما لا يقل عن 170000 من العمال الزراعيين للموت والملايين للإصابات الخطيرة كل عام وتزداد الحوادث بشكل ملحوظ بين الرجال، ربما بسبب استخدامهم للآلات الخطرة. في حين تعاني النساء من الحرمان من الضمانات الاجتماعية ويقل أو ينعدم تمثيلهن في الجمعيات الزراعية.
إنخفاض الأجور والرعاية
تشكل النساء النسبة الأكبر من العمالة الريفية والزراعية في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في الوقت الذي يحتوي فيه القطاع الزراعي على أعلى نسبة من الوظائف غير المستقرة، والتي تتسم في الغالب بانخفاض الأجور، ونقص إجراءات الرعاية الاجتماعية والصحية. ويؤكد التقرير أن أزمات الأغذية العالمية، والاستخدام الجائر للموارد الطبيعية، وتغير المناخ لها آثار سلبية على النساء والفتيات الريفيات. ويرجع ذلك إلى تضاؤل فرص حصولهم على الموارد (خاصة الأراضي والائتمان) ، ودورهم الرئيسي في جلب الوقود والمياه وإنتاج الغذاء.
وهناك العديد من القواعد الاجتماعية التي تعمل على تحديد أدوار كل من المرأة والرجل في العمل الزراعي والريفي، مما يحد من قدرة المرأة على التنقل والانخراط في العمل المنتج خارج المنزل. وهذه القواعد تختلف من مكان إلى مكان، ولكنها غالبا ما تكون بطيئة التغيير. في الوقت نفسه تقوم النساء بأداء معظم الخدمات المنزلية غير المدفوعة، والتي غالبا لا يتم الاعتراف بها كعمل ولا تدرج في إحصاءات العمالة.
وهذه الخدمات رغم دورها في التنمية لا يهتم بها مقدمو خدمات الرعاية الأسرية ولا يتم احتساب تأمينات اجتماعية عليها رغم أنها تحرم الكثير من النساء من الانخراط في أعمال منتجة خارج المنزل، مما يتسبب في إثقال كاهل النساء بالديون والعجز عن الإنفاق. ويساهم تدني خدمات البنية التحتية في المناطق النائية - بما في ذلك الطرق والاتصالات السلكية واللاسلكية ونظم النقل، وإمدادات المياه، وخدمات الصحة- في زيادة الأعباء الإنجابية للمرأة وزيادة التعرض للأمراض، كما يؤدي لتزايد مهام الفتيات داخل الأسرة مما يترتب عليه في نهاية المطاف تسربهن من التعليم.
أيضا تؤدي عدم المساواة في فرص الحصول على التعليم والتدريب وتطوير المهارات في المناطق الريفية بين الجنسين إلى الحد من قدرة الفتيات والنساء في الحصول على الوظائف وفرص العمل التي تتطلب مهارات غير تقليدية في التصنيع الزراعي والإنتاج المخصص للتصدير والذي يحصل فيه العاملون على أجور أعلى من العمل في الزراعة التقليدية.
وتعاني المرأة الريفية بصفة عامة من محدودية فرص الوصول إلى الخدمات المالية والائتمان الذي يمكنها من اختيار المحاصيل ذات النوعية الجيدة وشراء الأراضي والآلات الزراعية، صحيح أن هناك بعض جهات تتيح فرص ضئيلة للتمويل الأصغر إلا أنها مازالت غير كافية.
ظروف قاسية
يشير التقرير أيضا إلى أن العمال الزراعيين هم أقل الفئات تمتعا بالحماية الاجتماعية والصحية وضمانات السلامة المهنية، فهم محرومون غالبا من الخدمات الصحية الأساسية، وتعويضات العمال، واستحقاقات العجز على المدى الطويل، والمعاشات لهم وللورثة، إضافة إلى أن خطط التقاعد في الدول النامية نادرا ما تغطي سكان الريف ، وخاصة المرأة.
وعلى المستوى الصحي تواجه النساء الحوامل العاملات في مجال الزراعة ارتفاع المخاطر المتعلقة بالصحة الإنجابية، إضافة لتعرضهن كثيرا للعنف في العمل. كما تتعرض العاملات بصفة عامة للإصابات الخطرة من استخدام المواد الكيميائية كالمبيدات.
أما من حيث معايير العمل التي تقرها المنظمات الدولية كحظر عمالة الأطفال ومنع العمل القسري، وحرية العاملين في تشكيل المنظمات الممثلة لهم والانضمام للنقابات العمالية فهي غالبا لا تشمل العاملين في المناطق الريفية. فيتركز حوالي 60 ٪ من عمالة الأطفال في الزراعة (يعمل أربعة أخماس منهم بدون أجر)، والفتيات أكثر عرضة للعمل في سن مبكرة كما هو الحال في جنوب آسيا. وتعتبر هذه عمالة غير رسمية لا يشملها القانون الوطني ولا تمتد إليها إجراءات التفتيش.
ليس هذا فحسب بل تضعف قدرة المرأة الريفية على الاتصال بسكان الحضر بفعل الحواجز اللغوية والثقافية التي ترتبت على انخفاض مستوى التعليم والتنقل. وبالتالي تنخفض قدرة المرأة على الوصول لشبكات أرباب العمل ومنظمات العمال، ومؤسسات الخدمات العمالية. وتبقى نسبة تمثيل المرأة الريفية في المنظمات العمالية والنقابات شديدة الانخفاض حيث لا تتعدى نسبة 11: 35% من إجمالي عدد الأعضاء، مما يترتب عليه ضعف أصواتهن ودورهن في صنع سياسات وبرامج التنمية.
برامج العلاج
ويضع التقرير بين يدي صانعي القرار عدة خيارات للسياسة العامة التي يمكنها تحسين أوضاع المرأة الريفية من بينها:
أولا: زيادة فرص العمل والدخل، فينبغي على صانعي السياسات إتاحة فرص متساوية للنساء والرجال من خلال التنسيق بين جميع الجهات الفاعلة والمؤسسات ذات الصلة على المستويات المحلية والوطنية وعلى الصعيد الدولي، لحث البلدان النامية على تنفيذ سياسات وبرامج المساواة بين الجنسين في المناطق الريفية.
كما يتعين إنشاء آليات لضمان أسعار أكثر استقرارا للمواد الغذائية والزراعية خاصة المحاصيل المزروعة من قبل النساء، من أجل ضمان دخول مستقرة لهن. مع العمل على زيادة فرص الوصول إلى الأسواق الأجنبية، واستخدام النهج الإقليمية لتعزيز العمالة الريفية والحد من الفقر، وإدماج المساواة بين الجنسين في الخطط التنموية.
وينبغي على الحكومات الاستثمار في السلع العامة الأساسية مثل البنية التحتية المادية والاجتماعية، والبحوث الزراعية والإرشاد الزراعي، والتعليم والتدريب، مع التركيز على تباين الاحتياجات والأولويات بين الرجل والمرأة، مما ييسر خلق فرص للعاطلين عن العمل من الرجال والنساء. أما وزارات الزراعة والمؤسسات الريفية في الدول النامية فيجب عليها العمل على زيادة الإنتاجية، لا سيما في القطاعات الريفية كثيفة العمالة النسائية، وذلك بإتاحة الفرص للنساء للتدريب وتيسير سبل انتقالهن لأماكن التدريب وتسهيل حصولهن على التكنولوجيات المحسنة.
ويتعين كذلك إشراك النساء المزارعات في حماية البيئة والطبيعية وإدارة الموارد، من خلال التدريب، وتعزيز "الوظائف الخضراء "لكل من المرأة والرجل. بالإضافة إلى تشجيع المساواة في الحصول على الأراضي من خلال تيسير إجراءات التأجير وتمليك الأراضي، إلا أن التقرير لا يلبث أن يبث السم في العسل حين يدعو إلى ما أسماه بضرورة تنقيح قوانين الميراث التمييزية في إشارة إلى قوانين الميراث الإسلامية.

وبالنسبة لوزارات العمل والاقتصاد والتعليم، فيجب أن تعمل جنبا إلى جنب مع الشركات الخاصة والمؤسسات الريفية في دعم المشاريع الريفية، وخاصة التي تستهدف النساء، من خلال التدريب، وتخفيض الحواجز الجنسانية في الحصول على الائتمان ، وخلق بيئة أعمال صديقة للمرأة، وتعزيز خدمات الأعمال والإرشاد الزراعي. مع العمل على توسيع شبكة مؤسسات سوق العمل كخدمات التوظيف والتدريب ودعم المشاريع وضمان وصول المرأة الريفية لخدمات الإرشاد الزراعي، وزيادة وصول النساء للمؤسسات المالية لتوفير رأس المال في المناطق الريفية، من خلال مراعاة الفوارق بين الجنسين ودعم المؤسسات المالية الريفية.
وتعمل وزارات التعليم على ضمان المساواة في الحصول على التعليم الأساسي وفرص تطوير المهارات للفتيات والنساء الشابات لتعزيز الإنتاجية وفرص العمل، عبر تدريب وتوعية المعلمين، والمرشدين، والرجال والنساء أنفسهن بغرض تغيير الصور النمطية المهنية بين الجنسين.
الحماية والحوار
ثانيا: توسيع نطاق الحماية الاجتماعية لسكان الريف :
فتقوم وزارتي المالية والشؤون الاجتماعية بتحسين فرص الجنسين في الحصول على الخدمات الأساسية (المدارس والرعاية الصحية، رعاية الأطفال) في المناطق الريفية ، من خلال الاستثمار في البنية التحتية، وذلك للحد من التعرض للمرأة وزيادة قدرتها على الوصول لوظائف مجزية، واستخدام التحويلات النقدية وآليات التأمين لزيادة الطلب على الخدمات التي تستهدف تحديدا المرأة الريفية الفقيرة.
وكذلك توسيع نطاق التغطية الأساسية للمعاشات التقاعدية لكبار السن خاصة المرأة، مع تحسين تصميم وإدارة برامج الضمان الاجتماعي، ولا سيما في البلدان المنخفضة الدخل، لضمان حصول المرأة الريفية على خدمات المساعدة الاجتماعية الأساسية للفقراء والعاطلين عن العمل.

ثالثا: تحسين ظروف العمل والمعيشة في المناطق الريفية:
ينبغي على وزارات العمل التعاون مع الشركاء الاجتماعيين على المستوى الوطني والمحلي (أرباب العمل - اتحادات المزارعين -نقابات العمال) لتحديد الحد الأدنى للأجور بدون تمييز بين المرأة والرجل، وتعزيز إجراءات السلامة المهنية في المزارع. وتقديم الرعاية الصحية للأمهات والأطفال.
رابعا: تعزيز الحوار الاجتماعي:
ينبغي على وزارات العمل اعتماد سياسات تراعي الفوارق بين الجنسين، وتشجيع الحوار الاجتماعي والتشاور على الصعيدين الوطني والمحلي وتعزيز تمثيل المرأة في المنظمات الريفية. مع العمل على ضمان سيادة القانون في المناطق الريفية، وتوفير حماية فعالة في القانون والممارسة، لتعزيز قدرات المرأة.
وأخيرا تحسين فعالية وكفاءة الإدارات المحلية في تقديم الخدمات العامة، والخاصة، والمساواة بين الجنسين والشفافية.

لتحميل التقرير كاملا: http://www.fao.org/docrep/013/i1638e/i1638e.pdf

الثلاثاء، 25 يناير 2011

نحو إعلان عالمى لحقوق باعة الشوارع


أمل خيري

على مدى تسعة أعوام عملت الشبكة الدولية للشوارع Streetnet International على تعزيز تبادل المعلومات والأفكار حول القضايا الحاسمة التى تواجه الباعة المتجولين وباعة الشوارع والباعة غير المرخصين، وتنظيم الحملات العالمية لمناصرة قضاياهم.

نشأت الشبكة عام 2002 بعد جهود متوالية من نشطاء دوليين عملوا منذ إعلان البيان العالمى لباعة الشوارع "إعلان بيلاجيو"عام 1995 على التخطيط للدفاع عن حقوق الباعة الجائلين، وبعد تسع سنوات من إنشائها قررت الشبكة إطلاق حملة جديدة للعمل على إعادة صياغة الإعلان العالمى لباعة الشوارع لمزيد من التمكين والتعبير عن قضاياهم ومطالبهم.

خلفية الحملة

فى عام 1995 التقت مجموعات من الناشطين من إحدى عشر دولة من المهتمين بحقوق الباعة الجائلين، وذلك فى بيلاجيو بإيطاليا من أجل الإعلان عن التزامهم بالعمل على تمكين باعة الشوارع فى جميع أنحاء العالم، وأسفر اللقاء عن ما أطلق عليه "إعلان بيلاجيو العالمى لباعة الشوارع".

وخلال اللقاء اتفق المشاركون أيضا على ضرورة إنشاء اتحاد دولى لتعزيز وحماية حقوق باعة الشوارع.

وبالفعل بدأت بوادر هذا الاتحاد بإنشاء الشبكة الدولية للشوارع فى نوفمبر 2002، وبحلول نهاية عام 2005، أصبح للشبكة عشرون منظمة تابعة تمثل كل منها باعة الشوارع، والباعة غير المرخصين، والباعة المتجولين فى 18 دولة فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

وبتراكم الخبرات والمعارف المستمدة من المنظمات المنضمة، أصبحت الشبكة اليوم قادرة على إعادة صياغة نسخة معدلة من الإعلان العالمى لباعة الشوارع، بمشاركة مجموعة واسعة من منظمات الباعة الجائلين فى العديد من البلدان المختلفة؛ حيث يتسنى لهذه المنظمات القيام بدور فاعل فى قيادة هذا التحالف.

أهداف الحملة

تعمل الحملة على:

1. زيادة الوعى العام بأحوال الباعة المتجولين، والباعة غير المرخصين وباعة الشوارع، ومدى مساهمتهم فى الاقتصادات المحلية والوطنية.

2. تغيير التصورات العامة السلبية الخاطئة، وغير المبررة التى تنتشر فى معظم البلدان حول الباعة المتجولين.

3.تعزيز الاعتراف الرسمى بالباعة المتجولين، والبائعة غير المرخصين كعمال لهم نفس الحقوق الأساسية التى يحظى بها جميع العاملين وفقا للمعايير الدولية التى وضعتها منظمة العمل الدولية.

4. حشد وتعبئة الباعة المتجولين، والباعة غير المرخصين للتعبير عن حاجاتهم وهمومهم.

5.التعرف على احتياجات واهتمامات الفئات الأكثر فقرا وتهميشا من البائعين الذين يكافحون أكثر فى سبيل إيجاد نوع من الاعتراف بهم وسماع مطالبهم؛ ما يعنى ضرورة التركيز على كل من البائعات الجائلات اللاتى يشكلن النسبة الأكبر من باعة الشوارع، وكذلك الباعة المهمشين من المعاقين وذوى الاحتياجات الخاصة.

6.إتاحة الفرصة لباعة الشوارع، والباعة غير المرخصين أنفسهم للمشاركة فى صياغة الإعلان، وتمكين النساء والباعة الأكثر فقرا وتهميشا من القيام بدور قيادى فى الحملة.

7.تشجيع باعة الشوارع، والباعة غير المرخصين على تجنيد باعة آخرين للانضمام إلى الحملة، وبالتالى تشجيعهم على تنظيم أنفسهم، أو تعزيز المنظمات القائمة بالفعل بالانضمام إليها.

8.وضع وثيقة قائمة على أساس الاحتياجات والاهتمامات التى تم جمعها من الباعة المتجولين، وغير المرخصين وباعة الشوارع فى جميع أنحاء العالم باعتبارها وثيقة حية تمثل تطلعاتهم الجماعية.

9.صياغة وثيقة تدعم نضال الباعة المتجولين، وغير المرخصين وباعة الشوارع لإنشاء نظم شرعية ورسمية تمثلهم على المستويات المحلية والوطنية والدولية.

أنشطة الحملة

بمجرد اعتماد الحملة لبيان الإعلان العالمى المعدل للباعة المتجولين، سيتم دعوة جميع هؤلاء الباعة والمنظمات التى تمثلهم للقيام بأنشطة متعددة على المستوى المحلى والوطنى والدولى.

الأنشطة على المستوى المحلي:

1. تشكيل لجان محلية للحملة (LCCs ) تحت قيادة أحد فروع شبكة الشوارع فى المنطقة، وفى حالة عدم وجود فرع للشبكة تتولى هذه المهمة أى منظمة محلية أخرى يختارها المشاركون فى الحملة، وينبغى لجميع لجان الحملة أن تضم نسبة لا تقل عن 50 ٪ من أعضائها من النساء، وفقا لسياسة المساواة بين الجنسين التى تقرها الشبكة.

2. تقوم هذه اللجان بإجراء جلسات للعصف الذهنى حول كيفية الوصول إلى جميع باعة الشوارع، ومن ذلك النساء، والباعة المعاقين، ووكلاء البائعين، وكذلك الفئات غير المعترف بها، كالأطفال الذين يعملون كباعة.

3.سيتمثل نشاط الحملة الرئيسى فى الاجتماعات العامة والندوات ومجموعات الاهتمام بالباعة الجائلين، وباعة الشوارع، والباعة غير المرخصين؛ للتعرف على حاجاتهم وهمومهم، وتسجيلها مع التركيز على مشاركة كل من الرجال والنساء فى تحديد هذه الاحتياجات.

4.إرسال جميع الاحتياجات والاهتمامات التى تم جمعها من البائعين إلى لجنة التنسيق الوطنية -التابعة لشبكة الشوارع- أو إلى مكتب شبكة الشوارع الدولية نفسه، سواء عن طريق الفاكس، أو البريد الإلكترونى أو أى وسيلة أخرى مناسبة، ويمكن أيضا إرفاق أشرطة مسجلة للحلقات النقاشية التى جرت.

5. الاتصال بوسائل الإعلام المحلية، والصحف المحلية، ومحطات الإذاعة للترويج للحملة وأهدافها.

6.إشراك المنظمات الأخرى أو الشركاء الاجتماعيين العاملين فى المنطقة (المنظمات غير الحكومية والنقابات وأرباب العمل) فى جوانب محددة من أنشطة الحملة، بالطبع كأدوار مساندة فقط؛ للحفاظ على الدور الريادى والقيادى للباعة المتجولين.

7.الاتصال بالسلطات المحلية والأحزاب السياسية لإطلاعهم على مستجدات الحملة، والحصول على تعهدات منهم بالمشاركة فى الحوارات الاجتماعية (أو المفاوضات الجماعية طالما أمكن ذلك).

الأنشطة على المستوى الوطني:

1.تشكيل لجنة تنسيق وطنية (NCCs ) تحت قيادة أحد أفرع شبكة الشوارع فى كل دولة، وفى حالة عدم وجود فرع للشبكة تتولى هذه المهمة أى منظمة محلية أخرى يختارها المشاركون فى الحملة، وينبغى لجميع لجان الحملة أن تضم نسبة لا تقل عن 50 ٪ من أعضائها من النساء، وفقا لسياسة المساواة بين الجنسين التى تقرها الشبكة.

2.تقوم لجنة التنسيق الوطنية بإجراء جلسات للعصف الذهنى حول كيفية الوصول إلى جميع باعة الشوارع، خاصة فى المناطق العشوائية، مع التركيز بصفة خاصة على النساء، والباعة المعاقين، ووكلاء البائعين، وكذلك الفئات غير المعترف بها، كالأطفال الذين يعملون كباعة.

3. سيتمثل نشاط لجنة التنسيق الوطنية كذلك فى الاجتماعات العامة والندوات ومجموعات الاهتمام بالباعة الجائلين وباعة الشوارع والباعة غير المرخصين، للتعرف على حاجاتهم وهمومهم وتسجيلها مع التركيز على مشاركة كل من الرجال والنساء فى تحديد هذه الاحتياجات.

4. ينبغى على اللجان المحلية (LCCs ) معاونة لجنة التنسيق الوطنية (NCCs ) كلما طلبت منها المساعدة.

5. سيتم دعوة ممثلى وسائل الإعلام المهتمين والمتعاطفين مع الحملة للمساعدة فى وضع إستراتيجية إعلامية للترويج للحملة وتعزيز أهدافها.

6. جمع وتصنيف احتياجات واهتمامات البائعين التى قدمتها اللجان المحلية (LCCs ) سواء مكتوبة أو مسموعة.

7. إعداد رسالة إخبارية للحملة الوطنية، ونشرات إخبارية دورية بريدية إذا كان ذلك ممكنا.

الأنشطة على المستوى الدولي:

1.سيقوم المجلس الدولى بإنشاء اللجنة الدولية لحملة شبكة الشوارع (SICC) لتنسيق كل من الإعلان العالمى وحملة مدن عالمية راقية للجميع (WCCA)، وحتى يتم إنشاء اللجنة (SICC) سيتولى مكتب شبكة الشوارع الدولية مهمة التنسيق الدولى للحملات.

2. سيتم الاحتفاظ بسجل لجميع أنشطة اللجان المحلية والوطنية فى المكتب الدولى للشبكة.

3.سوف تكون هناك حاجة لتبادل الأفكار والمعلومات، والتعاون على جميع المستويات، وستعمل شبكة الشوارع الدولية على تقديم الدعم الممكن للفروع وإبقائها على علم بأنشطة بعضها البعض، كما ستعمل الشبكة على تنسيق هذه الأنشطة من أجل ضمان سماع أصوات الباعة المتجولين فى جميع أنحاء العالم.

4. ستخصص صفحة لأخبار شبكة الشوارع فيما يتعلق بحملة المدن الراقية (WCCA) وأخبار إعلان البيان العالمى للتحالف.

5. سيظل الموقع الإلكترونى للشبكة محتفظا بصفحة مخصصة لكل من حملة المدن الراقية وبيان التحالف.

قضايا الحملة

فور الانتهاء من مهمة جمع الاحتياجات والاهتمامات والمطالب من البائعين، ينبغى أن يطلب منهم التعبير عن آرائهم فى أكبر عدد ممكن من المواضيع التالية:

  • الحقوق الاقتصادية وحقوق العمل.
  • التنظيم والتمثيل.
  • التخطيط الحضرى، وتنظيم التجارة غير الرسمية.
  • البنية التحتية والنقل والمرافق الأخرى.
  • الصحة والسلامة والبيئة.
  • التمويل والائتمان.
  • خدمات الدعم التقنى وغير المالى.
  • التجارة والتعريفة الجمركية وغيرها من الأنظمة ذات الصلة بالمنتجات.
  • التعليم واحتياجات وتطلعات التدريب.
  • النساء البائعات.
  • الباعة المعاقين.
  • البائعون الأجانب.
  • الأطفال الذين يعملون كباعة أو مساعدين للبائعين.
  • العمل المنزلى فى التجارة غير الرسمية.
  • احتياجات التأمينات الاجتماعية.

الجدول الزمني

تم الإعلان عن بيان الحملة خلال المؤتمر الدولى لشبكة الشوارع فى عام 2007، ومنذ ذلك الوقت وتعمل الحملة على عدة مراحل:

المرحلة الأولى:

  • رفع مستوى الوعى العام حول حالة الباعة المتجولين، والبائعين غير المرخصين ومساهمتهم فى الاقتصادات المحلية والوطنية.
  • رفع وعى الباعة المتجولين، حول الحملة وإنشاء اللجان المحلية والوطنية للحملة.
  • وضع اللمسات الأخيرة لخطط الحملات الوطنية فى أكبر عدد ممكن من البلدان حول البيان العالمى الجديد للباعة المتجولين.

وتهدف هذه الحملة للسماح لباعة الشوارع، والباعة المتجولين التعبير بكلماتهم الخاصة عن احتياجاتهم ومطالبهم وتطلعاتهم، على أن تتم هذه العملية من أسفل إلى أعلى وليس العكس، مع إشراك البائعين فى عملية التشاور.

  • تحديد أولى لبعض القضايا التى يحتمل أن تنشأ.

المرحلة الثانية: (تحقيق مطالب البائعين)

  • وسيتم ذلك أساسا وفقا لمنهجية البحوث التشاركية التى سيتم تنظيمها من قبل اللجان الوطنية والمحلية فى كل دولة كما هو موضح أعلاه.
  • سيتم التماس المزيد من الآراء العامة عن طريق الدعاية فى الصحف والمجلات والإذاعة لاستطلاعات الرأى المنهجية على مجموعة متنوعة من القضايا.
  • يجوز للمنظمات الوطنية للباعة المتجولين (ومن ذلك أفرع شبكة الشوارع) والتحالفات الإقليمية والمنظمات أيضا تنظيم أنشطة لاستطلاع آراء أعضائها فى مناسبات أخرى، وتسجيل هذه المناقشات كجزء من المساهمة فى الحملة.

المرحلة الثالثة: (معالجة المطالب)

  • وخلال هذه المرحلة، ينبغى وضع كل ما تم تسجيله من احتياجات وتطلعات الباعة الجائلين فى جميع أنحاء العالم فى وثيقة أولية.
  • ينبغى للمجلس الدولى للشوارع عقد ورشة عمل للحملة الدولية لمناقشة النتائج وكيفية تنظيمها فى وثيقة، ومن ثم عقد ورشة عمل للتخطيط للمراحل التالية من الحملة.
  • ينبغى طرح مشروع القرار فى شكل استبيان -حيث يتم تحديد الثغرات والموضوعات التى تحتاج مزيد من التفصيل- لاستخدامه فى جميع البلدان كأساس للمراحل التالية من الحملة.

المرحلة الرابعة: (تشجيع المناقشات الوطنية بشأن القضايا التى أثيرت من قبل البائعين المتجولين)

  • تحدى الأطراف السياسية المحلية والإقليمية والوطنية، حول كيفية معالجة أحوال الباعة المتجولين، فالحملة سترصد هذه السياسات والإجراءات وتقيس التغيرات بين الوضع الحالى وقبل الانتخابات المقبلة.
  • الإجراءات: إطلاق حملات ومسيرات وطنية فى الشوارع والمهرجانات وأماكن التجمعات لإظهار مدى قوة أنصار الحملة.
  • وسائل الإعلام: الاتصال بالتليفزيون والراديو والصحف والمجلات لإجراء حوارات واستضافة أعضاء من الحملة لمناقشة قضايا الحملة، وطبع وتوزيع لافتات وملصقات وكتيبات وتيشيرتات تبرز مخاوف الباعة المتجولين، وباعة الشوارع.
  • الأنشطة الثقافية: دعوة الكتاب المسرحيين والفنانين والموسيقيين لإنتاج أعمال فنية تعالج مشكلات الباعة الجائلين.
  • الفعاليات التعليمية: تنظيم مناقشات مع الباعة فى الشوارع والأسواق التى يعملون فيها، والعمل على إعداد الدروس التى تركز على البائعين وغيرهم من العاملين فى الاقتصاد غير الرسمى لتدريسها للطلاب فى المدارس والكليات والجامعات.

المرحلة الخامسة: (بلورة المطالب)

وينبغى أن تتألف هذه المرحلة من الأنشطة الوطنية والدولية التى تركز على مناقشة الطرق المختلفة لصياغة البيان؛ بغية تطوير إجماع عالمى قائم على نطاق واسع حول مدى فائدة البيان للمنظمات الممثلة للباعة المتجولين.

المرحلة السادسة: (صياغة البيان وتبنى المطالب)

وتعبر هذه المرحلة عن عملية تجميع وصياغة البيان فى صورته النهائية، ليتم اعتماده فى نهاية المطاف فى المؤتمر الدولى لشبكة الشوارع.

المرحلة السابعة: (استخدام البيان فى تحسين حالة الباعة الجائلين)

وستكون مرحلة من المتابعة الجارية، وتشمل:

  • نشر وإتاحة البيان على أوسع نطاق ممكن من أجل تعميق الوعى العام وكأداة تنظيمية.
  • إدراجه فى المقررات الدراسية حول العمل بإضافة قطاع الباعة المتجولين.
  • استخدامه فى إعداد مطالب المفاوضة الجماعية لباعة الشوارع، والباعة غير المرخصين وباعة الشوارع.
  • استخدامه فى الدعوة إلى المحافل القانونية للمفاوضة الجماعية حول حقوق العاملين فى الاقتصاد غير الرسمى بصفة عامة والباعة المتجولين على وجه الخصوص.
  • استخدامه فى المحافل الدولية لتمثيل وجهة النظر العامة للباعة المتجولين، وباعة الشوارع.
  • إجراء مزيد من المناقشات فى شبكة الشوارع الدولية حول سبل استخدام البيان.

شركاء الحملة

تعتبر شبكة الشوارع الدولية المنظمة الرئيسية المناط بها مهام إعداد بيان الحملة، وتحديد شركاء الحملة على المستوى الدولى وكذلك على المستوى الوطنى.

كما تضم الحملة تحالفات إستراتيجية وأخرى تكتيكية، وسيتم تعزيزها بخدمات الدعم التقنى (مثل القدرة على البحث وتجميع نتائج التحليل الإحصائى للبيان، ونشره فى أشكال مختلفة لأنواع مختلفة من الجمهور، وترجمته بين اللغات المختلفة، وما إلى ذلك).

وتشمل التحالفات الإستراتيجية: الحركة النقابية (الدولية مثل الاتحاد العالمى للعمل، فضلا عن المراكز النقابية الوطنية فى كل بلد)، ونشطاء حقوق الإنسان، ومنظمات الدفاع عن حقوق الأطفال، ومناهضة عمالة الأطفال.

أما التحالفات التكتيكية فتشمل الهيئات المحلية التشريعية والتنفيذية، والمصالح التجارية، والسياسيين والأحزاب السياسية، ومنظمات المستهلكين.

نحن والإعلان

المشهد العربى الحاضر، الذى فجره البائع التونسى المتعلم محمد البوعزيزى، وشهد محاولات احتجاج مماثلة من بعض من أبناء تلك الفئة المهمشة، التى لا تجد من يتحدث باسمها، ولا من يطالب بتنظيمها نقابيا، وليس لديهم لا الوقت ولا الوعى الذى يجعلهم يبادرون بفعل ذلك، تفرض على الطليعة المثقفة من أبناء الأمة، أن يأخذوا بأيدى تلك الفئات كى يتضامنوا ويتضاموا سويا، كى تكون لهم تنظيماتهم النقابية، وكى تكون لهم مطالبهم وحقوقهم المسموعة، وكى لا تتعامل معهم السلطات كأنهم لصوص أو كأنهم ليس لهم الحق فى الارتزاق، مع أنه حق كفله الله لجميع البشر {وامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه}، فليس من حق أى سلطة أن تفتئت على هذا الحق الإنسانى الأصيل بدعوى النظام أو المظهر الحضارى للمدن.

http://www.onislam.net/arabic/nama/special-folders-pages/128130-streetnet-international.html


الاثنين، 24 يناير 2011

المسلمون والتعددية الدينية في الولايات المتحدة


قراءة في مجلة "آفاق إسلامية" الأمريكية

أمل خيري
إسلام أون لاين
منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر تزايدت النظرة العنصرية للمسلمين في الشمال الأمريكي، في الوقت الذي يؤكد فيه البعض أن المجتمع الأمريكي المسلم أقدر المجتمعات على التعايش وقبول التنوع والاختلاف.
وقضية المسلمين والتنوع والتعددية ما زالت تفرض نفسها بقوة في المجتمع الأمريكي، وهو ما دعا مجلة آفاق إسلامية لتخصيص عددها الأخير (يناير / فبراير 2011) حول التنوع والاختلاف ومدى قدرة المسلمين على التعايش والاندماج مع الجماعات الدينية الأخرى.
تصدر مجلة آفاق إسلامية Islamic Horizons كل شهرين عن الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية، وتعتبر أقدم مجلة إسلامية في أميركا الشمالية، وتقوم بتغطية القضايا التي تهم المسلمين في أمريكا الشمالية. كما تعرض لأنشطة أعضاء الجمعية، والمسلمين في الولايات المتحدة بشكل عام، ويرأس تحريرها عمر بن عبد الله.
التجانس والتنوع
الموضوع الرئيسي للعدد يتناول قضية التجانس والتنوع، فكتبت الكاتبة الصحفية سمانة صديقي Samana Siddiqui المقال الافتتاحي بعنوان "احتضان وتجاوز الخلافات: سعي المسلمين للتوازن بين التجانس والتنوع". حيث تفتتح مقالها بالإشارة إلى تقرير صدر عن معهد جالوب أكد أن المسلمين الأمريكيين هم المجتمع الأكثر تنوعا وحرصا على التعددية الدينية في الولايات المتحدة.
وتؤكد صديقي أن هذه النتيجة لا تمثل مفاجأة للمسلمين، فالمجتمع المسلم بالفعل يشهد أكبر تباين من نوعه سواء من حيث التنوع العرقي أو اللوني أو الثقافي، وهذا التنوع يظهر بوضوح في التعاليم الدينية وفي الواقع والتاريخ؛ فقد خلق الله الناس شعوبا وقبائل متباينة ومتعددة من أجل أن يتعارفوا، لذا فقد ضم المجتمع المسلم في عهد النبوة مسلمين حملوا لواء الدعوة من أعراق متباينة، ولم يقتصر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على الجنس العربي وحده؛ فهناك بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي وغيرهم من الأعاجم. وليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى، فالتنوع جزء من واقع الإسلام.
وكما يقول البروفيسور جيمس موريس James Morris أستاذ الدراسات الإسلامية في معهد بوسطن "حيثما سافرت أو التقيت أناسا من دول مختلفة، فإني أنظر بعين التقدير لقدرة الإسلام على معايشة كافة الظروف"، وقد تنقل موريس بين العديد من البلدان الإسلامية قبل أن يعتنق الإسلام عام 1971، حين رأى قدرة المسلمين على التعايش في جميع الثقافات، والجمع بين الخصوصية الثقافية من جهة والتشارك في القيم والتعاليم مع المسلمين في كل أنحاء العالم من جهة أخرى.
وتضيف صديقي أن تعدد الآراء أيضا ليس جديدا على المجتمع المسلم فهناك الشيعة والسنة، وهناك المذاهب الفقهية الأربعة الكبرى في المذهب السني، وهذا التعدد الفكري يمثل إثراء للفكر الإسلامي. ويحترم الإسلام هذا التعدد الذي يعود للتباين في فهم القرآن والسنة. والمسلمون في أمريكا أيضا يعرفون هذا التعدد الهائل في الأجناس والأعراق واللون واللغة والمذهب.
وتحدثت صديقي عن ما يعرف بظاهرة المساجد الإثنية، والتي تشير إلى قيام مجموعة عرقية معينة بإدارة مسجد في أحد الأحياء، فتقول صحيح أن هذه الظاهرة منتشرة، لكن مع ذلك لا تقوم هذه المجموعات إطلاقا بمنع غيرهم من دخول المساجد مثلا، فتجد في مساجد أمريكا جميع الألوان والأعراق والأعمار، كما أن عضوية مجالس إدارة المساجد مفتوحة للجميع ولا تستبعد أحدا، فليس هناك مسجد للباكستانيين فقط أو آخر مقصور دخوله على الأفارقة فقط، حيث الأبواب مفتوحة ولا توجد بطاقات عضوية لدخول المسجد.
ووفق ما ذكره معهد جالوب كذلك فإن النساء الأمريكيات المسلمات ثاني أكثر المجموعات الدينية في الحصول على التعليم العالي بعد المجموعة اليهودية. كما تشير صديقي إلى أن المجتمع الأمريكي المسلم لا يشهد أي درجة من التمييز النوعي، فبالمقارنة بالحال منذ 40 عاماً حين كانت المساجد تقام على نطاق ضيق في خلفيات المتاجر أو في الجراجات، ولم يكن مسموحا للمرأة بالمشاركة في الأنشطة المسجدية، بينما الآن أصبحت المرأة تشارك في عضوية مجالس إدارة المساجد والجمعيات الإسلامية، ولها دور فاعل في اتخاذ القرارات، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الدور الفاعل للدكتورة إنجريد ماتسون Ingrid Mattson التيترأست الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية على مدى أربع سنوات كاملة.
العنصرية والتمييز
يتناول العدد أيضا موضوع العنصرية والصراع بين الهوية العرقية والإسلامية، فكتبت نازيا كازي Nazia Kazi أستاذ الأنثروبولجي بمعهد كولينز مقالا عن "فهم العنصرية"، تعرضت فيه لمفهوم العنصرية وكيف يتم تصنيعها عبر القوانين والإعلام، فالقوانين هي التي تصنع التمييز العنصري.
وتناولت وضوح النظرة العنصرية للمسلمين والعرب في أمريكا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتؤكد نازيا على ضرورة قراءة المسلمين للتاريخ الأمريكي لمعرفة دور العنصرية في تشكيل الدولة والمجتمع، معتبرة أن حقبة العنصرية المؤسسية أو القانونية قد ولت –حيث كانت توضع اللافتات التميزية في المدارس والأماكن العامة تحمل عبارة "للبيض فقط"- لتحل محلها اليوم حقبة جديدة من العنصرية البنيوية أو الهيكلية التي تتخفى بين البشر بسهولة، وما زال التعامل بين بعض المجموعات يتم على أساسها.
وامتدادا لموضوع العنصرية والتمييز يحتوي العدد مقالاً لنادين بوفاث Nadine Boufath بعنوان "الصراع من أجل القبول" ويتناول التحديات التي تواجه المسلمين الأمريكيين من أصل أفريقي، الذين يعيشون في مجتمع قائم على الهجرة، حيث تتعرض لتحدي الهوية الذي يلاقيه أغلب المسلمين الجدد فبمجرد النطق بالشهادتين يبدأ الصراع بين الحفاظ على الهوية الثقافية الأفريقية وبين الهوية الإسلامية.
وتتحدث نادين عن تجربتها الشخصية فتعتبر أن الأمريكيين الأفارقة أكثر المجموعات قدرة على التعايش والاندماج في المجتمعات القائمة على الهجرة، إلا أنه في مثل هذا المجتمع يمكن للفرد أن يقتلع هويته بسهولة، ولكنها ترى أن المسلمين الأمريكيين الأفارقة لم يأخذوا فرصتهم حتى الآن داخل المجتمع؛ فلديهم الرغبة الجامحة للتعليم، ومع ذلك لعومل اجتماعية وثقافية بحتة تجدهم من أقل الفئات حظا في التعليم والمستوى الاقتصادي، ففي المجتمع الأمريكي ينظر للعرب على أنهم من البيض بعكس الأفارقة الذين ينتمون للسود، وبالتالي يتمتع المسلمون العرب بكثير من الحقوق والامتيازات التي يفتقدها المسلمون الأفارقة بفضل الممارسات العرقية الموروثة داخل المجتمع الأمريكي التي ما زالت تحمل بعض بذور التمييز بين السود والبيض.
وتشير أنه من بين هذه المظاهر التمييزية أن كثيرا من الشباب سمعوا من والديهم عبارة "لا بأس أن تصادق مسلما أسود لكن لا تتزوج منهم"، ليس هذا فحسب بل ترى نادين أن المسلمين من أصل أوروبي ما زالوا يلقون معاملة أكثر تفضيلية عن الأفارقة، ومع ذلك تؤكد أن المجتمع المسلم قد تغير في السنوات الأخيرة، فقد أصبح المسلمون أكثر قدرة على التعايش والاندماج عن ذي قبل بفضل القيادات الإسلامية الواعية التي تحرص على تطبيق الإسلام كما نزل من عند الله لا وفق خلفياتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية.
بين الخلق والمحاكاة
وبتجاوز قضية التعددية والتمييز العنصري يضم العدد أيضا مقالا علميا مهما بعنوان "هل يمكننا خلق كائن حي؟" للدكتور محمد طريقي الرحمن Mohammad Tariqur Rahman أستاذ الطب الحيوي بالجامعة الإسلامية بماليزيا. والذي تعرض فيه لمفهوم الحياة حيث يدعي البعض أن استنساخ بعض الحيوانات أو تخليق أنواع من البكتريا داخل المعامل نوع من الخلق.
فيتساءل طريقي هل مثل هذه الإنجازات العلمية تعني أننا قادرون على الخلق؟ أو أننا بدأنا أول خطوة في طريق الخلق؟ ويجيب بأن المسلمين يعتقدون في إمكان تحقيق بعض البشر معجزات دون أن يعني ذلك قدرتهم على الخلق والإنشاء، فالعصا تحولت في يد موسى عليه السلام إلى حية تسعى، والمسلمون يؤمنون أن الدجال سيأتي في آخر الزمان فيقتل رجلاً ثم يعيد إحياءه بعد موته للتدليل على ألوهيته. ولكن دون أن يعني ذلك قدرة موسى أو الدجال على خلق كائن حي، فالأمر مختلف حين يتعلق بالخلق من العدم.
ويؤكد طريقي أن قيام الإنسان باستنساخ كائن حي لا يعني قدرته على الخلق، بل هو مجرد محاكاة لما هو موجود بالفعل، أما الخلق فيعني النشأة من العدم. وإذا كان هناك من العلماء من يرغب في النظر لمثل هذه التجارب على أنها نوع من المضاهاة لخلق الله فإن هؤلاء العلماء في الأصل ينكرون وجود الله ابتداء، وبالتالي فهو نوع من الغرور العلمي الزائف الذي لا يجب التوقف عنده كثيرا أو إعطاءه حجما أكبر مما يستحقه من النقاش والجدل.
يحتوي العدد أيضا نبذة عن بعض الشخصيات المسلمة التي أفضت إلى بارئها خلال شهر نوفمبر 2010، والتي أثرت الفكر الإسلامي المعاصر أو ذات نشاط دعوي مؤثر، من بينهم الدكتور عمر خاليدي Omar Khalidi المدافع عن حقوق الأقليات والذي ولد عام 1953، من أصل هندي وعاش في الولايات المتحدة وله عشرات الكتب حول حقوق الأقليات وحول الاقتصاد والسياسة والتاريخ، ومن أهم مؤلفاته "المسلمون الهنود في أمريكا الشمالية" Indian Muslims in North America ، وكتاب "مسلمو الهند منذ الاستقلال" Indian Muslims Since Independence.
كما تناول العدد لمسيرة حياة مختار هولاند Muhtar Holland في مقال بعنوان "وفاة عالم حقيقي" وهو كاتب ومترجم من أصل إنجليزي أسلم عام 1969. درس عدة لغات كاللاتينية والفرنسية والإسبانية والألمانية، ثم اتجه لدراسة العربية والتركية وقضى حياته منذ إسلامه في ترجمة العديد من الكتب التراثية الإسلامية للإنجليزية، بغرض تعريف العالم الغربي بحقيقة الإسلام. فترجم مؤلفات أبي حامد الغزالي وعبد القادر الجيلاني وابن تيمية والترمذي وغيرهم من علماء الإسلام.
كما أفرد العدد ملفا عن تجارة وسوق الحلال في أمريكا بداية من البنوك الإسلامية إلى سوق الأطعمة والذبائح الحلال ودور الجمعية في الترويج للتجارة الحلال. كما كتب دكتور أنك إيمان بوزينيتا Anke Iman Bouzenita عن الأطعمة الحلال والأطعمة المعدلة وراثيا وأحكامها الشرعية.
ويضم العدد كذلك ملفا عن أهم أخبار وأنشطة المسلمين في أمريكا، وملفا عن فلسطين حيث كتبت دينا عثمان عن معاناة أهل غزة المستمرة بعد مرور عامين على الحرب، كما عرضت جنى هاشم عن المبادرة الإنسانية التي قامت بها ثماني نساء مسلمات أمريكيات لزيارة فلسطين بصحبة بعض الفائزين بجائزة نوبل للسلام. كما يعرض العدد لتجربة شابين من جنوب أفريقيا قاما برحلة الحج من كيب تاون إلى الأراضي المقدسة على دراجتيهما في رحلة استغرقت عدة أشهر.
نحو التعايش والاندماج
تصدر المجلة عن الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (Islamic Society of North America - ISNA) والتي تعد أكبر منظمة إسلامية في أمريكا الشمالية. تأسست عام 1963 ويقع مقرها في مدينة بلينفيد بولاية إنديانا. وهي مؤسسة مستقلة ومفتوحة العضوية وتعتمد الشفافية في عملها، وتسعى لتوحيد جهود المسلمين في الشمال الأمريكي، من خلال المساهمة في تحسين أحوال المجتمع المسلم والمجتمع الأمريكي ككل.
وتعمل الجمعية على توطيد أواصر التعايش والاندماج بين المسلمين وغيرهم من الأمريكيين، لذا فإنها تلتزم بمبادئ الحرية والتعددية، وتحرص على بناء جسور التفاهم والتعاون بين جميع الأديان. كما تقدم برامج توعية للمسلمين لتعزيز العلاقات الطيبة مع الطوائف الدينية الأخرى، وتعمل على التشبيك والتواصل مع المنظمات المدنية والدينية الأمريكية.
ولا يقتصر عمل الجمعية على الخدمات الدينية فهي تعتبر نفسها منصة لتقديم الإسلام الحياتي، حيث تحرص الجمعية على تقديم خدمات متعددة للجاليات الإسلامية كخدمات الزواج والأطعمة الحلال والخدمات العائلية. وأيضا ساهمت في العديد من المشروعات الإنسانية العالمية، وتعمل على التصدي للتحديات التي تواجه المسلمين في الغرب. كما تقيم الجمعية سنويا مؤتمرا مهما ينعقد في شهر سبتمبر، ويعد الاجتماع الأعلى مستوى والأكبر تنظيما للمسلمين في أمريكا الشمالية.
ومن بين الأهداف الاستراتيجية التي تسعى لها الجمعية: تدريب الأئمة وتطوير المهارات القيادية، وإشراك الشباب، وبناء التحالفات بين الأديان، وتنمية المجتمع. ويرأسها حاليا الإمام محمد بن حاج ماجد علي السوداني الأصل والمقيم في الولايات المتحدة منذ عام 1987، وذلك منذ الانتخابات التي جرت في سبتمبر 2010، حيث خلف الدكتورة إنجريد ماتسون التي ظلت رئيسة للجمعية منذ عام 2006.
http://www.islamonline.net/cs/Satellite/IslamOnline/IslamOnline/ar/IOLStudies_C/1278407349268/1278406720070/IOLStudies_C

السبت، 22 يناير 2011

عودة الفتيات إلى البيت ثورة على النسويّة أم عودة إلى الدين؟


أعداد مؤيدي حركة "امكثي في البيت يا ابنتي" عشرات الآلاف

أمل خيري

إسلام أون لاين

"الفتاة ليست مستقلة بل هي تابعة لوالدها، ومادامت تحت سلطة أبيها فلا يحق لها أن تتزوج متى تشاء أو من تختار. فالأب وحده من يقرر ذلك"، "المرأة مكانها البيت فهي تابعة للرجل وخلقت فقط لمعاونته".

أول ما سيتبادر إلى الذهن لدى قراءة هذه العبارات أنها صادرة عن أحد قادة حركة طالبان، أو أحد زعماء تنظيم القاعدة، لكن ستصدمك الحقيقة حين تعلم أن قائلها هو فيليبس دوج مؤسس منتدى كهنة الرؤية "فيجن" الأمريكي، ورئيس الحركة البطريركية المسيحية، وهي فرع من الحركة المسيحية الإنجيلية التي تنظر إلى أدوار الرجال والنساء نظرة غاية في التمييز؛ فالرجل هو القائد، والمرأة ما هي إلا تابع ولا تصلح إلا لتكون ربة منزل.

ويدّعي أنصار الحركة أن هذه الرؤية تستمد من التعاليم المسيحية الواردة في الكتاب المقدس، فكما ينص سفر التكوين أن الله قد خلق حواء لتكون مساعدة وتابعة لآدم، وإن عصت المرأة سيدها الذي هو زوجها فكأنها قد عصت الله.

مكانك في البيت

ولا تقتصر هذه النظرة على الزوجة فقط، بل تمتد لتشمل البنات كذلك، فليس من حق الابنة أن تعمل خارج المنزل، فدورها ينحصر في الاستعداد للزواج والانتقال من سلطة أبيها إلى سلطة زوجها.

لذا فقد نشأت حركة جديدة تحمل عنوان "ابقي في البيت يا بنتي"، والمدعومة من قبل منتدى "فيجن"، حيث تُشجع الفتاة على التخلي عن التعليم الجامعي، والعمل خارج المنزل، لتبقى في بيت أبيها وتتدرب على الأعمال المنزلية والمهام الأسرية حتى تتزوج.

وتنظر الحركة إلى تعليم الفتاة أو عملها رغبة في تحقيق الطموحات الشخصية على أنه أنانية ومعاداة لقيم الأسرة، فالزواج ليس خيارا أو جزءا من خطة الحياة لدى الفتاة، لكنه الهدف النهائي والغاية العظمى.

وتقضي الفتاة يومها في البيت تتعلم مهارات التدبير المنزلي المتعددة كالطهي والحياكة والتطريز والمشغولات الفنية كصنع الشموع والصابون، وكل ما يجعلها زوجة صالحة وماهرة، ويظل الأب صاحب السلطة المطلقة على ابنته حتى تصبح في كنف زوج يمارس بدوره السلطة عليها.

تتشارك الحركة البطريركية المسيحية الكثير من الأفكار مع حركة "Quiverfull"، التي ترى أن المسيحيين الصالحين ينبغي عليهم عدم تنظيم النسل من أجل تطبيق مبادئ وتعاليم الإنجيل، حتى لا يتكاثر الكفار وينقطع نسل المؤمنين.

وعلى الرغم من امتداد أفكار الحركة البطريركية المسيحية لعدة عقود ماضية، منذ تأسيس المجلس الإنجيلي للرجولة والأنوثة على يد عدد من رجال الدين من بينهم جوثارد بيل، وروثاس، وروشدوني، فإن حركة "ابقي في البيت يا بنتي" لم تكتسب شهرتها إلا في الوقت القريب.

وتقدر كاترين جويس - مؤلفة كتاب "من داخل الحركة البطريركية المسيحية" الصادر عام 2009- أعداد مؤيدي حركة "ابقي في البيت يا بنتي" بعشرات الآلاف.

إعادة الزمن إلى الخلف

يعتبر بعض المحللين أن منتدى “فيجن” من جانبه يسعى حثيثا لإعادة الزمن إلى الوراء فيما يتعلق بالعلاقة بين الجنسين، فالموقع الالكتروني للمنتدى يضم العديد من الكتب التي تكرس لفكرة الفصل بين الجنسين، ومنتجات أخرى مصممة لتنشئة الأطفال على القوالب النمطية الجامدة حول العلاقة بين الجنسين منذ المراحل المبكرة من طفولتهم.

فالألعاب المتوفرة للأولاد تشمل الأقواس والحراب والسيوف والبنادق والصواريخ، إضافة لأقراص ضوئية تعليمية حول العلوم والاكتشافات والاختراعات، في مقابل الدمى وألعاب الطهي والحياكة والتطريز للفتيات.

لا شك أن هذه الاختيارات جاءت عمدا تهميدا للدور الذي سيقوم به كل من الأولاد والفتيات في مستقبلهم الأسري، بل يركز المنتدى على القصص والروايات التي تعود إلى القرون الوسطى حين كانت أدوار الجنسين متباينة داخل الأسرة، فالمرأة ينحصر دورها في المهام المنزلية والرجل هو الذي يعمل ويقوم بدور الفروسية.

من أهم أنصار حركة "ابقي في البيت يا بنتي" الأختان آنا صوفيا وإليزابيث بوتكين، وهما مؤلفتا كتاب "ما هو أكثر من ذلك: التأثير الرائع لفتيات فيجن" الذي نشره منتدى “فيجن”، وهما ابنتا جيوفري بوتكين الناشط الديني والمبشر السابق، ومخرج الأفلام الوثائقية، والذي يعمل هو وأسرته المكونة من زوجته وسبعة أبناء على الرقي بالثقافة الفنية للأسرة الأمريكية من خلال الأفلام الوثائقية والمشروعات الإعلامية.

قامت الأختان بوتكين بإعداد فيلم وثائقي بعنوان "عودة البنات"، الذي يعرض فتيات عدة قررن البقاء في المنزل حتى الزواج، وتفاصيل حياتهن وكيفية قضاء أوقاتهن لخدمة آبائهن.

إحدى الفتيات البالغة من العمر خمسة وعشرين عاما تعبر أكثر عن رؤية الحركة أثناء لقاء الآباء والبنات السنوي الذي يقيمه المنتدى في وصفها لأبيها بأنه يقودها، يسحرها، ويكسبها بحنانه وعطفه الفريد.

فتاة أخرى تدعى كاتي فالنتي تبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاما، ذكرت أن والدها أعظم رجل في حياتها، وبأنها تعتقد أن مساعدته في أعماله أمر جيد لاستغلال شبابها، وأفضل لإعدادها لمعاونة زوجها المستقبلي، بدلا من الانغماس في الأنانية والسعي لتحقيق ذاتها، وقد ظهر والد كاتي في مقطع فيديو عن زواج ابنته يعلن صراحة في مكبر الصوت أنه قد نقل سلطته على ابنته إلى زوجها.

ضد النسوية

ليس هذا فحسب بل إن الأختين بوتكين تؤمنان بأن النساء كن أكثر سعادة قبل المناداة بالمساواة بين الجنسين، وذلك من دون الاستناد إلى أي دراسات أو أبحاث أكاديمية، باستثناء اقتباس عبارات لفتيات تابعات للحركة يعتبرن أنفسهن مؤمنات القرن الحادي والعشرين، اللاتي يتمردن على النسوية، ويطالبن الفتيات بإحداث تغيير جذري في حياتهن بالعودة للأصول المسيحية والإيمان الحقيقي بالبقاء في البيت.

ويعتبر فتيات "فيجن" أنفسهن منتميات لحركة تتحدى المعايير الثقافية، من خلال تحديد الأهداف الحقيقية لأدوارهن في البيت مع الأسرة وتحت سلطة الأب، ويعتبرن أنفسهن امتدادا للحركة المضادة للنسوية في الغرب المسيحي.

كما أنهن يحذرن الفتيات من ارتياد الجامعات، باعتبارها من أخطر الأماكن التي تصيب الفتاة بالتشويش الذهني والأخلاقي، وتؤدي لإهدار سنوات من عمر الفتاة فيما لا طائل منه، بل تعتبران الجامعة بؤرة للماركسية ولنشر الأفكار النسوية التي تهدف إلى تفكيك وحدة العائلة، وتشجع النساء على ترك أزواجهن وقتل أطفالهن والتوجه نحو الانحراف الخلقي.

ويرفض أنصار الحركة النظر إلى أفكارها على أنها نوع من الاسترقاق للفتاة أو عدم النضج والأهلية، بل هم دائمو التأكيد على أن الفتاة حين تتنازل عن استقلاليتها وتعلن خضوعها لسلطة الأب عن طيب خاطر، فكأنها تعلن خضوعها لسلطة الله، لأنه هو الذي وهب الأب هذه السلطة.

وفي نظرهم يعد هذا قمة المسؤولية والحكمة والنضج الروحي والعقلي، فالمرأة سهلة الوقوع في الخطيئة والانقياد للشيطان، فأول امرأة على ظهر الدنيا بحسب الإنجيل كانت السبب في خروج آدم من الجنة لاستماعها لغواية الشيطان، لذا فإن مكان المرأة الطبيعي داخل البيت حيث الحماية من الوقوع في الخطيئة وارتكاب الرذائل التي يزخر بها المجتمع خارج البيت، ووفقا لهذا الفهم ينشأ الرجال على الاعتقاد أن المرأة خلقت فقط لخدمتهم، مقابل قيامهم بحمايتها من الآخرين.

هذه الأفكار - التي يعتبرها الكثيرون متحيزة ضد المرأة ودورها- لا تقتصر على الحركة البطريركية المسيحية، فهناك طوائف مسيحية عدة لديها المعتقدات نفسها، إلا أن هذه الحركة خلافا لغيرها من الجماعات الدينية المحافظة المنعزلة عن المجتمع كالمورمون أو الأصوليين، بحركتها الرامية لبقاء الفتيات في البيت قد تكون قادرة على نشر أفكارها في المجتمع خاصة بين الكنائس الإنجيلية والأصولية والمسيحيين الذين يعتمدون التعليم المنزلي، والذين يعدون نسخة أقل تشددا من هذه الحركة بالفعل فيما يخص المرأة، إلا أن أنصار هذه الحركة يشعرون بأنهم الأكثر نقاء وإيمانا من باقي المسيحيين.

جدلية النسوية والذكورية

لاقت هذه الحركة بالطبع العديد من الانتقادات، فالبعض اعتبرها تأويلات مصطنعة للكتاب المقدس لتبرير سيطرة الرجل على المرأة ومحو شخصيتها، وهناك من يراها امتدادا لفكر العصور الوسطى الذي لم يعد يتلاءم مع القرن الحادي والعشرين.

وهناك عدد من الملاحظات التي يمكن أن نسجلها على ظهور هذه الحركة وتنامي شعبيتها:

أولا: يمكن اعتبار هذه الحركة ثورة على المدرسة النسوية التي ينصب اهتمامها على الدفاع عن حقوق المرأة ضد ما أسمته بالسلطة البطريركية (الأبوية)، وإذا كانت النسوية قد نشأت في الغرب كرد فعل على هذه السلطة، فإن الدعوة لعودة الفتيات إلى البيت ترى أن المكاسب التي حققتها النسوية عبر عدة عقود لم تكن في صالح المرأة.

فالحركة إذاً نوع من التمرد على ما أحدثته النسوية من تغير في المفاهيم (الجندرية) وطبيعة أدوار كل من المرأة والرجل، لذا فهي ترى أن الأفضل للمرأة أن تنسجم مع فطرتها الأنثوية والذي يستتبع العودة لدورها الصحيح الذي ظلت تمارسه لآلاف السنين وهو دورها كزوجة وأم.

فمنازعة المرأة الرجل في أدواره واقتحامها مجالات العمل الذكورية قد نال من حيائها وخلقها وطبيعتها الرقيقة، فعاشت حياة بائسة جمعت فيها بين أدوارها الأصلية والأدوار الذكورية، في الوقت الذي ظل الرجال على نفس طبيعتهم الفطرية ولم يضيفوا لأدوارهم أدوارا أخرى.

إذاً تنظر هذه الحركة إلى النسوية باعتبارها جاءت في مصلحة الرجل، وليس في مصلحة المرأة كما روج لها دعاة النسوية وحاولوا إقناع النساء بها، فبدلا من أن تتحرر المرأة في ظل النسوية كُبِّلت أكثر بالمهام والأدوار التي أثقلت كاهلها من ناحية، ولا تتلاءم مع طبيعتها الأنثوية من ناحية أخرى.

ثانيا: إن هذه الحركة حاولت تعزيز أفكارها باستدعاء النصوص الإنجيلية، الأمر الذي ربما جاء متكلفا ومصطنعا، لكنها ضربت على الوتر الحساس لدى أي مجتمع، ألا وهو وتر الإيمان والفضيلة، فقد اعتبرت أن الإنجيل لم يطلب من المرأة سوى أن تكون تابعا للرجل ومعاونا له على أداء دوره في المجتمع، إذاً دور الرجل أصلي بينما دور المرأة فرعي.

بل يدافع أنصار الحركة عن مقولة أن الله خلق المرأة لتعاون الرجل، وهذه هي وظيفتها الحقيقية، ويستنتجون من ذلك كما يقولون "أن المرأة لو لم تخلق لهذا الدور لم يكن ثمة حاجة لوجودها".

ولا يخفى ما في هذا الاستنتاج من تأويل متكلف للنصوص؛ فكيف تستقيم الحياة برجل فقط من دون امرأة؟ مهما بلغت قوته وأهمية دوره في المجتمع.

المرأة والإسلام

ثالثا: رددت الأختان بوتكين أكثر من مرة أن المسيحية هي الدين الوحيد الذي عامل المرأة أفضل معاملة، في الوقت الذي تلقى فيه المرأة المهانة والإذلال في جميع الأديان الأخرى كاليهودية والإسلام والبوذية... وهذا الفهم قاصر بالطبع؛ فقد ساوتا بين الإسلام وغيره من المذاهب والأديان الأخرى في معاملة المرأة، فمن ناحية جاء الإسلام بعد المسيحية وبالتالي فهو امتداد لها ولرسالتها، فإذا كان الله قد كرم المرأة في المسيحية بعد قرون من الذل والاضطهاد في ظل المذاهب والديانات السابقة كما يقولون، فهل يمكن أن يأتي بعدها بقرون عدة ليعيد إذلالها مرة أخرى!

ومن ناحية ثانية تعبر هذه المقولات عن افتقار الأختين بوتكين للثقافة والإطلاع، بل وعن تحيزهما المسبق ضد الإسلام، فقد بنتا فكرتهما عن تكريم المسيحية للمرأة بناء على نصوص إنجيلية، بينما بنتا فكرتهما عن مهانة المرأة في الإسلام بناء على واقع تعيشه بعض المسلمات من اضطهاد، لا على النصوص القرآنية.

فلو تأملتا الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية التي تعرضت للمرأة لوجدتا حقوقا ومساواة لم تحظ بها المرأة في الشرائع الأخرى.

كما أن واقع المرأة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أو في العهود التالية يؤكد مشاركة المرأة في الحياة بكافة مناحيها، فلم تكن المرأة ذلك الكائن القابع في البيت الذي لا يدري شيئا عن شؤون الدنيا، فهناك من كانت تمارس التجارة وتشارك في الحياة العامة والحروب واتخاذ القرارات، والتاريخ الإسلامي يشهد بأن فترات ازدهار الحضارة الإسلامية حظيت فيها المرأة بدور فاعل وإيجابي، بينما تزامنت فترات الانحدار مع تراجع دور المرأة والنظرة الدونية إليها.

رابعا: ثمة ملاحظة حول العلاقة الجدلية بين المرأة والخطيئة والشرور في الفكر البطريركي بشكل عام، وهذا ما يختلف في طرحه عن الفكر الإسلامي فيما يتعلق بالمرأة، فالإسلام لم يحمل المرأة وحدها عبء الخطيئة والانحراف بل جعل الرجل والمجتمع بكامله شركاء في استقامة المجتمع أو انحرافه.

لذلك وضع الإسلام من التشريعات الموجهة لكل من المرأة والرجل بغض البصر والابتعاد عن مواطن الشبهات، وأمر المرأة بالاحتشام ووضع شروطا لزيها، وفي الوقت نفسه أوجب على المجتمع ككل الحفاظ على القيم والأخلاقيات.

فليس صحيحا أن خروج المرأة للمجتمع سبب انحرافه، ولا أن عودة المرأة للبيت ستقي المجتمع من الشرور، فالأصل هو الالتزام بالتعاليم وقيام المجتمع بدوره في حراسة القيم.

النظام الأبوي والقوامة

خامسا: تحظى الأسرة ومؤسسة الزواج لدى الحركة البطريركية بمكانة مقدسة؛ فهم ينظرون لمجتمع ما بعد الحداثة والفكر (الجندري) باعتباره المؤدي لتفكك الأسرة وانحلال المجتمع، فتداخل أدوار المرأة والرجل الذي دعا إليه دعاة المساواة كان سببا في التفكك الأسري، والمسيحية بحسب هذه الحركة تولي اهتماما بالغا بالأسرة وتماسكها.

وتعتبر فكرة تمايز الأدوار هي الفكرة المحورية لدى الحركة البطريركية فيما يخص الأسرة، وهذا التمايز من وجهة نظر الحركة يضمن قيام كل فرد بمسؤولياته على الوجه الأكمل، إلا أن هذه الأدوار تتسم بعلاقة تبعية لا علاقة تكافؤ؛ فالزوجة تابعة للرجل لأسباب عدة، من بينها أن الرجل هو الذي يقوم بدور الحماية ولا يمكن للمرأة في ظل ضعفها البدني أن تحمي نفسها ناهيك عن حماية أسرتها.

وفي الوقت نفسه يمثل الرجل سلطة الضبط الاجتماعي فيما يتعلق بالأبناء، ولا يمكن للمرأة القيام بذلك لرقتها وحنانها الفطري، وبالتالي يجب أن تتسم العلاقة بالتبعية من جانب الزوجة والأبناء لرب الأسرة الذي هو حاميها وراعيها وفق فكر الحركة.

فالأسرة كما أرادها الله وفق هذا الفكر تقع تحت النظام الأبوي، وما أحدثته الثورة الصناعية من تداخل في الأدوار يعد تحولا في النظام الإلهي للأسرة كما أراده الله، والنظام الأبوي يوجه الرجال لمسؤولياتهم كأزواج وآباء عن رعاية أسرهم.

ويدافع أنصار الحركة البطريركية عن النظام الأبوي بقوة الكتاب المقدس كما يقولون، فيطالبون الكنيسة بضرورة إعلان المذهب الإنجيلي الذي يركز على النظام الأبوي في الكتاب المقدس باعتباره النمط الذي وضعه الله من أجل رفاه الأسرة والمجتمع والأمم جميعها.

وإذا تأملنا ظاهر هذه الرؤية تجاه الأسرة لوجدناها لا غبار عليها، فتمايز الأدوار مطلوب ووجود راع ومسؤول عن الأسرة أمر محمود، ومفهوم القوامة هو البديل الإسلامي لفكرة السلطة الأبوية، لكن تبقى العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تكافؤ فليست المرأة أدنى منزلة من الرجل بحكم خلقتها، فالنساء شقائق الرجال، وتمايز الأدوار لا يعني أفضلية بعض الأدوار على غيرها، فلا فضل في الإسلام إلا بالتقوى. ومع ذلك فإن فكر الحركة لا ينسى التذكير بأن اتباع النظام الأبوي المقدس هو الكفيل بحماية المجتمع من العقائد الوثنية كالإسلام!

وهذا أيضا ينم عن جهل مطبق بحقيقة الإسلام، فالأسرة في الإسلام أيضا هي اللبنة الأساسية للمجتمع، ووضع الإسلام العديد من التشريعات التي تضمن تماسك الأسرة، كما جعل كل فرد من أفراد الأسرة راع ومسؤول عن رعيته، لكنه التحيز المسبق ضد الإسلام الذي ينعتونه بالدين الوثني.

تبقى حركة " ابقي في البيت يا بنتي" حركة مثيرة للجدل، تطرح العديد من الأفكار وتطرق القضايا الشائكة، لكنها مع ذلك تعتبر فكرها الفهم الأوحد الصحيح للدين، وتظل نظرتها الدونية إلى المرأة مثار انتقاد الجميع حتى الأديان التي وصمتها بالتخلف والوثنية.

http://www.islamonline.net/ar/IOLArticle_C/1278407301066/1278406720653/IOLArticle_C