الأحد، 27 ديسمبر 2009

قراءة في الخطاب الديني وأزمة حظر المآذن

أمل خيري

ما أن أُعلنتْ نتيجة الاستفتاء السويسري بتأييد 57.5% من الناخبين السويسريين لصالح اقتراح حظر بناء مآذن جديدة في سويسرا، حتى انهالتْ بياناتُ الشجب والإدانة من علماء ومفكرين إسلاميين، وتحدَّث الكثير عن أسباب تزايد هذا الاتجاه اليميني المتطرف في بلد الحريات والحقوق، وقدم البعض مقترحاته لمواجهة هذه الأزمة.

والمتتبِّع لخطاب الدعاة والعلماء يلحظ تباينَ الخطاب الديني حول القضية على جميع الأصعدة، سواء من حيث تحديدُ أسباب هذه النتيجة، أو من حيث ما تمثِّله على مستقبل الإسلام وأهله، أو ما يترتب عليها من نتائجَ وتوقعاتٍ في المستقبل، كما اختلفتْ نبرات الخطاب الديني بخصوص دور المسلمين إزاء هذه الأزمة، وما الواجب فعله في مواجهة هذا الحظر.

البعض استنكر فكرة طرح الاستفتاء في حدِّ ذاته، واعتبرها خطوةً ستتبعها خطواتٌ أخرى على طريق الحد من الحريات الدينية ومحاربة الإسلام، فكما يقول الدكتور القرضاوي: "اليوم المآذن، وغدًا المساجد نفسها"، وعلى نفس المنوال تساءل الشيخ نبيل العوضي: إن كان ثمة ما يمنع من تَكرار استفتاءات مشابهة في المستقبل، سواء بخصوص السماح للمسلمات بلبس الحجاب، أو بالسماح لوجود حلقات تحفيظ القرآن، أو بجمع تبرعات للمسلمين، وغير ذلك؟

وهناك من اعتبر نتيجة هذا الاستفتاء دليلاً على أن سويسرا بدأتْ تظهر ما كانت تبطنه، وكشفتْ عن كذِب ما كانت تدَّعيه من كفالة الحرية الدينية لجميع المواطنين على أراضيها، فيأتي هذا الاستفتاءُ ليكشف الحقيقةَ لجميع من اعتقدوا طويلاً أن حوار الأديان والحضارات سيأتي يومًا بنتائجه المرجوة.

صليبية جديدة:
ومن حيث تحليلُ أسباب هذه النتيجة المخيِّبة لآمال المسلمين، تفاوت الخطابُ الديني، بدءًا من اعتبار هذا التصويت امتدادًا لسلسلة طويلة من الحقد الصليبي ضد الإسلام، وهو ما يمكن وضعه في إطار نظرية المؤامرة، وانتهاءً بإلقاء اللائمة على المسلمين أنفسهم بتقصيرهم في التعريف بالإسلام الصحيح.

فالدكتور جمال عبدالهادي اعتبر هذه النتيجةَ استكمالاً للمؤامرات الصليبية منذ بداية الحروب الصليبية على الشرق الإسلامي،
وربط الشيخ سيد عسكر بين نجاح الصِّهْيَوْنية العالمية في تخويف الشعوب الغربية من الإسلام، ونجاحها في نشر مزاعم "معاداة السامية"، وجعلها تهمة تواجه كل من ينكر أو يشكك في محرقة اليهود.

من ناحية أخرى، اعتبر البعض أن ما حدث يعبِّر عن فشل المسلمين في استغلال وسائل الإعلام المختلفة للتعريف بدين الإسلام؛ مما جعل أغلبية الأوربيين لا يعرفون شيئًا عن الإسلام، إلا من خلال ما تروِّجه وسائلُ الإعلام الغربية التي تشوِّه الإسلام، كما أن الأقلية المسلمة في أوروبا ساهمتْ في نمو هذا العداء بعزلتها عن المجتمع وتشرذمها؛ بل إن جانبًا من الخطاب الديني رأى أن تطاول أوروبا على الإسلام وحظرها للرموز الإسلامية جاء نتيجة لجرائم صدرتْ عن شيوخ مسلمين صمتوا إزاء سوابق أوروبية مماثلة؛ بل وبعضهم باركها بحُجة أن هذا من حقِّهم.

تفاوت الخطاب الديني كذلك في تكييف أزمة المآذن هذه؛ فهناك من ركَّز على جوانبها السلبية، واعتبرها منافيةً لمواثيق حقوق الإنسان، وجريمة في حق المسلمين وإهانة، وهناك من نظر إليها نظرة إيجابية باعتبار أن هذا الحدثَ كشف للجميع زيفَ ما تدَّعيه سويسرا من حمايتها للحريات واحترام حقوق الإنسان، كما كشف عن مدى تأثير انتشار الإسلام في تلك البلاد؛ بل رأى البعض أن هذه الخطوة ربما تؤدي لانتشارٍ أكثر للإسلام، كما حدث في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

وفي خطوة استشرافية للمستقبل، تباين الخطاب الديني حول تقدير النتائج التي يمكن أن تترتب على هذه الأزمة؛ فهناك من رأى أنالمسألة ليستْ حظرَ بناءِ مئذنة في مسجد؛ وإنما المستهدَف هو الإسلام ذاته، ليس في سويسرا وحدها؛ بل في الغرب كله، وبعض الخطابات رأتْ أن من شأن هذه الخطوة أن تعمِّق من مشاعر الكراهية والتمييز ضد المسلمين، وأنَّ تهاون المسلمين بشأن هذه القضية أو تساهلهم ربما يؤدِّي لتَكرار مثل تلك الحماقاتِ ضد المسلمين واستفزازهم وإهانتهم، فمفتي البوسنة نبَّه إلى أن هذا الاستفتاء قد يكون بمثابة بالون اختبار لقياس ردة فعل المسلمين، فإن كانت حازمة فلن يقدموا على تنفيذ نتيجة الاستفتاء؛ ولكنهم سيمررونه إن لم يجدوا ردًّا حاسمًا من العالم الإسلامي.

وفي حين هوَّن بعض العلماء من الحدث، مرددًا أن المئذنة ما هي إلا رمز، ولا تؤثِّر على وظيفة المسجد، ولا تنقص من صحة الصلاة، شدَّد البعض الآخر على أهمية معركة الرموز، واعتبرها أشد أنواع الحروب خطورة وتأثيرًا، وأن القضية أعمق من مجرد رمز؛ بدليل اختيار الملصقات التي صاحبتْ حملة الاستفتاء، والتي اشتملتْ على علم سويسرا تقف عليه امرأة منتقبة بلباس أسود مغطاة بالكامل، بينما يخترق العلمَ عدد كبير من المآذن التي بدتْ وكأنها صواريخ حربية، في حين أكَّد البيان الصادر عن الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين أن المآذن دليل على مكان عبادة، وليست لها دلالة سياسية، وهي رمز عمراني جميل، يدل على تسامح البلد وتنوعه الثقافي والحضاري.

شأن داخلي أم دولي؟:
تفاوَت الخطاب الديني بخصوص ما يجب على المسلمين داخل سويسرا القيامُ به، وما إن كان من الضروري التعامل مع الموقف كشأن محلي أم تدويل القضية ليشارك فيها المسلمون في العالم أجمع، فهناك من طلب منهم الانصياع لهذا القرار لو اتخذتْه الحكومة السويسرية، وهناك من نبَّه المسلمين إلى خطورة النتيجة التي تكشف عن خوف الشعب السويسري من الإسلام؛ ولذا فلا بد للمسلمين أن يغيِّروا من إستراتيجية الدفاع عن النفس التي يتبنَّونها، والخروج من العزلة والتهميش، إلى إستراتيجية أخرى تقوم على الانخراط الكامل في المجتمع والتفاعل مع قضاياه، وكثيرٌ من دعاة أوروبا رأَوا أن هذه النتيجةَ هي شأن داخلي، فلا داعي لتدويل القضية، وعلى المسلمين في الغرب حلُّ مشكلاتهم المحلية بأنفسهم، بينما اعتبر البعض الآخر أن على العالم الإسلامي بكامله أن يضطلع بدوره في التعريف بالإسلام الصحيح، ويشارك الأقلياتِ المسلمةَ في أوروبا همومَها، ويمدها بالعون المطلوب.

كما تراوحتْ حدة نبرات الخطاب الديني حول رد الفعل المطلوب من المسلمين في العالم إزاء هذه الأزمة، ما بين نبرات مهدِّئة، وأخرى محرِّضة، فكثير من الدعاة والعلماء رأوا أن التزام الهدوء مطلوب في هذا الموقف، وأن أفضل الطرق للتصدي لهذا الاستفتاء يكون باتِّباع الوسائل القانونية والسِّلمية، فلابد للمسلمين في العالم أجمع أن يعبِّروا عن رفضهم لنتيجة هذا الاستفتاء بشتى الطرق السلمية؛ مثل: إرسال رسائل تنديد إلى السفارات السويسرية في بلدان العالم، وتنظيم وقفات احتجاجية أمام السفارات السويسرية، وقيام منظمة المؤتمر الإسلامي بإطلاق حملة دولية في أوساط الأقليات المسلمة بالغرب خصوصًا؛ من أجل تِبيان خطورة هذا الاستفتاء على مستقبل التعايش بين المسلمين والمجتمعات الأخرى، كما أشار بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

بعض توجيهات الخطاب الديني ركَّزتْ على الجانب التنظيمي والأكاديمي،
من ضرورة قيام هيئات علمية بإعداد مؤتمرات إسلامية لدراسة ظاهرة تنامي العداء الغربي ضد الإسلام، ووضع حلول لمواجهة هذه الظاهرة، شرطَ أن يسبق هذه المؤتمراتِ تجهيزُ دراسات حديثة ودقيقة عن مظاهر العداء المتنامي في الغرب ضد المسلمين وأسبابه، ومدى تأثير أجهزة الإعلام فيه، ثم على أساسها توضع التوصيات والحلول العملية، وتلزم الأمَّة - شعوبًا وحكومات - بقراراتها.

بينما دعا البعض لوقف حوار الحضارات، معتبرًا أن مظاهرات الاحتجاج السلمية، أو الوقوف أمام السفارات، أو حتى حرق العلم السويسري، وغير ذلك من التصرفات - لن يؤثِّر في شعوب أوروبا التي تحلم بحروبها الصليبية ضد الإسلام، وأن مهزلة حوار الحضارات يجب أن تنتهي ما دامت أنها لم تثمر على مدى السنين الطويلة السابقة سوى ازدياد مشاعر الكراهية ضد المسلمين، ولكن في نفس الوقت هناك من أكَّد على ضرورة استمرار حوار الحضارات والمضي قدمًا في إجراءاته؛ لأنها ستؤدي حتمًا لنتائجَ إيجابيةٍ على المدى البعيد، وأن هذه الحوارات من شأنها أن تساهم في تعريف الغرب بالإسلام، وبيان جوانبه المشرقة، وتصحيح الصورة المشوهة عنه؛ بل وتفنيد مزاعم اليمين المتطرف حول ما يثيرونه من مخاوف من انتشار الإسلام في أوروبا، والتي يمكن أن تصل لتطبيق الشريعة الإسلامية هناك، وفرض الحجاب على النساء، وغير ذلك من أكاذيب يروجونها.

الرد الحضاري والاقتصادي:
البعض أكَّد على ضرورة الرد الحضاري باعتبار المئذنة رمزًا حضاريًّا، فيجب مواجهة هذا الحظر بصورة حضارية، فالدكتور طه جابر العلواني طرح فكرة مآذن لمساجد المسلمين تجمع بين الخلفية الإسلامية للمآذن، والأبعادِ الحضارية والقيم التي يتبناها المجتمع السويسري، والبعض حذَّر من فكرة الرد بالمثل، باعتبار أن المسلم يتعامل بروح وأخلاق وآداب الإسلام، وأنه إن كان ثمة ضرورة للمعاملة بالمثل، فتكون مع الحكومات نفسها، بإغلاق مؤسساتها الموجودة في الدول الإسلامية مثلاً، لا بحظر بناء الكنائس أو رفع الأجراس، وبعض العلماء أكَّد أن الإسلام لم ينتشر بمئذنة ولا مسبحة ولا عمامة؛ بل بمرونته ووسطيته وقيمه التي يسعى لنشرها؛ لذا فلا معنى لتضخيم الأمر وتهييج مشاعر المسلمين، مع الحذر من أن هذا التهييج هو ما تنتظره أوروبا بالفعل من المسلمين؛ لكي تدفع بالأقلية المسلمية للردود المتشنجة، ومن ثم استغلال هذه الردود في التأكيد على ضرورة القضاء على مظاهر الإسلام في أوروبا.

الحل الأخير الذي طرحه الخطابُ الديني تمثَّل في استخدام الأسلحة الاقتصادية، بدءًا من سحب الأموال الإسلامية من البنوك السويسرية، وانتهاء بمقاطعة المنتجات السويسرية، فبعض الدعاة دعا المسلمين للامتناع عن السفر لسويسرا للسياحة، وطرحت بدائل إسلامية للسياحة؛ كتركيا، وماليزيا، وغيرها من الدول الإسلامية التي تتمتع بطبيعة خلابة، ودعوة الأثرياء لسحب ودائعهم من البنوك السويسرية وإيداعها في بنوك إسلامية؛ للضغط على الحكومة السويسرية للعدول عن تنفيذ نتيجة الاستفتاء، كما ظهرتْ دعوات بمقاطعة السلع والمنتجات السويسرية أسوةً بحملة مقاطعة المنتجات الدنماركية في أعقاب أزمة الرسوم المسيئة، والتي كان لها دور في تراجُع الحكومة الدنماركية عن السماح بإعادة نشر الرسوم مرة أخرى، واعتبر بعض العلماء أن السلاح الاقتصادي أمرٌ مشروع؛ بل هو دور جهادي مؤثِّر من المسلمين لنصرة الإسلام وأهله.

الخميس، 24 ديسمبر 2009

"حينما كان للشوارع اسم" رواية تجسد آلام وأحلام الطفولة في فلسطين



"الساعة الآن السادسة والنصف صباحا ، قمت من فراشي متعثرة ، غسلت وجهي بالماء البارد ، نظرت إلى المروحة المتنقلة لأجدها مطفأة ، ربما تكون جدتي زينب هي التي أطفأتها ، فهي الوحيدة التي تنام متدثرة ببطانية سميكة حتى خلال ليالي الصيف القائظ !...."

بهذا القالب الروائي الساخر تُلقي رواية "حينما كان للشوارع اسم" - للروائية الأسترالية راندا عبد الفتاح - الظلال على التجربة الفلسطينية من منظورطفلة فلسطينية عمرها ثلاثة عشر عاما .
صدرت الطبعة الأولى من الرواية العام الماضي في ذكرى مرور 60 عاما على النكبة الفلسطينية ونظرا لنجاحها الهائل فقد أعيد في شهر أغسطس 2009 طباعتها مرة أخرى.
تدور أحداث الرواية في فلسطين وتحديدا في بيت لحم حيث تحكي عن العقبات التي تواجهها الطفلة "حياة" وعائلتها يوميا على يد الاحتلال الإسرائيلي، حيث قامت قوات الاحتلال بمصادرة بستان الزيتون الذي تملكه أسرتها بحجة شق طريق جديد ولذا فقد انتقلت الأسرة بكاملها مع الجدة للعيش في شقة صغيرة ، وتتواصل الأحداث حول علاقات الود والمحبة داخل هذه الأسرة حيث يستعد الجميع لحضور حفل زفاف "جيهان" شقيقة "حياة" مع ما يتعرضون له من تضييق أمني ومتاعب حظر التجوال والقيود المفروضة على التنقل.
البطلة طفلة عنيدة وصلبة
الشخصية المحورية في الرواية وهي "حياة" طفلة ذات عزيمة وأحيانا عنيدة لكنها تحمل جرحا عميقا في قلبها وذكرى أليمة حين تعرضت مع صديقتها الحميمة "ميساء" قبل عدة أعوام لانفجار قنبلة في الجدار ارتدت إلى الفتاتين تاركة جروح وتشوهات عميقة في جسد ووجه "حياة" وحين التفتت وراءها رأت صديقتها المفضلة غارقة في بركة من الدماء ، وعلى الرغم من أن "حياة" طفلة صلبة وقوية إلا أن مشهد صديقتها القتيلة لا يمكنها أن تنساه بل تشعر أنها مسئولة عن موتها ، وفي نفس الوقت تركت الندوب والجروح فيها ألما عميقا وكثيرا ما تسمع والدتها وجدتها يشرن إليها قائلتين "من سيتزوجها وجسدها ملئ بالندوب والجروح ووجهها مشوه؟".
 وتمضي الرواية في وصف شعور "حياة" المصدومة من ماضيها ولكنها تعلمت أن تكون صلبة في مواجهة الحرب التي مزقت الشرق الأوسط  فقد اكتشفت دورها المطلوب منها لتقديم الدعم لأهلها وهو مزيد من التحلي بالشجاعة في مواجهة الظلم.
وتكشف القصة أن الطفلة "حياة" ليست بمعزل عن العالم الخارجي ومشكلاته فهي تمضي وقتا ممتعا مع جدتها حين تحكي لها وللأسرة كلها قصصا وحكايات عن إنشاء دولة إسرائيل وعن المرأة التي طردتها من بيتها وأخذت مكانها .
من أجل حفنة تراب
بطلة الرواية لديها مهمة خطيرة فجدتها "زينب" مريضة وتوشك على الموت و"حياة" بعقلها الطفولي تعتقد أنها لو جلبت لجدتها المريضة حفنة من تراب القدس – مسقط رأسها- فسوف تشفى الجدة وتنقذ بهذه الحفنة حياتها إلا أنه رغم قصر المسافة بين بيت لحم والقدس فإن هذه الرحلة استغرقت منها أكثر مما كانت تتوقع .
شاركها في رحلتها جارها سامي الذي يهوى كرة القدم وغالبا ما يثير المتاعب ، وتمضي الرواية في وصف رحلة الطفلين وما واجههاه معا من عقبات في قالب فكاهي ، فأول ما واجههما كان جدار الفصل العنصري الذي يقسم الضفة الغربية ، فضلا عن نقاط التفتيش المتعددة ،وحظر التجول ولكن الحظ حالفهما أخيرا في أحد أيام إلغاء حظر التجول ولكن على الرغم من أن الرحلة لا تتجاوز بضعة كيلو مترات إلا أنها ربما تستغرق منهما العمر كله!.
وتحكي عن لقائهما بطفل لاجئ يدَّعي أنه منضم لفريق دولي لكرة القدم ، ولقائهما بزوجين إسرائيليين في ملابس مدنية إلا أن سامي ارتاب فيهما وأكد أنه يخشاهما أكثر مما يخشى الجنود الإسرائيليين الذين يرتدون الزي الرسمي ويحملون الأسلحة ، وتمضي "حياة" متعلقة خلف عربة إسعاف لتجد نفسها تقترب أكثر من موطن جدتها تشم رائحة أشجار اللوز، وتتساءل هل ستتمكن من المضي في خطتها لتجلب حفنة التراب لجدتها وتنقذ حياتها؟
كسر حاجز الصمت
الرواية مهداة من الكاتبة إلى جدتها "جميلة" التي وافتها المنية عام 2008 عن عمر يناهز  98 عاما وتقول الروائية أنها كانت تتمنى لو عاشت جدتها حتى ترى هذه الرواية وحتى تمس حفنة من تراب وطنها مرة أخرى ولكن عزاءها الوحيد أن جدتها توفيت محاطة بأبنائها وأصدقائها الذي يحبونها وتأمل أن يتسنى لوالدها أن يرى فلسطين المحررة في حياته، مؤكدة أن الذكريات لا يمكن أن تمحى وأنه على الرغم من تغيير معالم الشوارع في القدس وحملها لأسماء جديدة فإنها تظل في الذاكرة كما هي لا تتبدل يحتفظ العقل بصورتها القديمة.
وهدف الرواية الأساسي هو كسر حواجز الصمت والتأكيد على نبذ العنصرية والتعصب فلا يوجد بفلسطين سوى أناس يرغبون في العيش بسلام ولكنهم يواجهون صعوبات أكثر مما نتخيل، وتتضمن الرواية أيضا إشارة لطيفة حول التنوع الديني في فلسطين والتعايش بين الأديان فتحكي عن الصداقة بين "حياة" المسلمة و"سامي" المسيحي الكاثوليكي الذي توفيت والدته واعتقل والده ، وهذه الرواية تناسب الأطفال والمراهقين من عمر اثنا عشر عاما فما فوق.
وقد اختار مجلس كتب الأطفال بأستراليا الرواية كأحد الروايات البارزة لهذا العام وعلى الرغم من ذلك فإن الروائية لاقت العديد من الصعوبات قبل أن تنجح في نشر الرواية نظرا لحساسية الموضوع الذي اختارته ،حيث رفضت الكثير من دور النشر الرواية ، ولكنها تعتقد أن الجمهور الأسترالي بشكل عام أصبح أكثر وعيا بمثل هذه القضايا المعقدة والمتشابكة ، لذا فقد سعت لتعريف جمهور الأستراليين بالقضية الفلسطينية من خلال هذه الرواية .
يقول "جيني وندروز" الكاتب البريطاني ( قبل قراءة هذه الرواية لم أكن أعرف شيئا عن الاحتلال الاسرائيلي لمدينة القدس، لقد شعرت بالصدمة وأنا أقرأ عن هذا الصراع ، وأنا حقا سعيد لأني عرفت شيئا عن ذلك من خلال هذه الرواية ذات القالب الفكاهي واللهجة الخفيفة والمكتوبة ببراعة )
وفي معرض تعليقه على الرواية يذكر "بيتر مانينغ" - مؤلف كتاب "هم والولايات المتحدة : المسلمون والشرق الأوسط" – أنه يعتقد أن وسائل الإعلام الأسترالية بدأت للتو في تصوير المسلمين بطريقة أكثر توازنا، وبدا الناس أكثر وعيا بالزاوية الأخرى من الصراع فالرواية تؤكد أن الفلسطينيين ليسوا جميعا "انتحاريين".
الرواية في خدمة القضية
رواية "حيث كان للشوارع اسم" هي الرواية الثالثة للكاتبة الأسترالية راندا عبد الفتاح ذات الأصول المختلطة ، حيث ولدت عام 1979 في سيدني من أب فلسطيني وأم مصرية ، ونشأت في ملبورن ودرست بالمدرسة الكاثوليكية الإبتدائية ثم المعهد الإسلامي الثانوي حيث حصلت على الثانوية الدولية.
التحقت بعدها بجامعة ملبورن حيث درست الفنون والقانون وأثناء دراستها عملت كمنسق إعلامي  بالمجلس الإسلامي في فيكتوريا ، وهو الدور الذي أتاح لها الفرصة للكتابة في الصحف والتواصل مع المؤسسات الإعلامية والتحدث معها بشأن أسلوب تصويرها للمسلمين والإسلام في وسائل الإعلام.
 وأثناء دراستها الجامعية انصب اهتمام راندا على قضايا حقوق الإنسان والحوار بين الأديان فتطوعت في العديد من منظمات حقوق الإنسان والمراكز الخاصة بالمهاجرين العرب في أستراليا.
استخدمت راندا كتاباتها كوسيلة للتعبير عن آرائها حول حقوق الإنسان الفلسطيني، ونشرت مقالاتها عن فلسطين ، وعن المسلمين في أستراليا وعن النظرة الخاطئة حول  المرأة في الإسلام في العديد من الصحف الأسترالية والفرنسية ، وهي ضيف دائم الحضور في مهرجانات القراءة المدرسية وفي القنوات التليفزيونة وتقيم حاليا في سيدني مع زوجها وطفليها وتعمل محامية متخصصة في الدعاوى التجارية ، وهي أيضا عضو بالحركة الدولية من أجل العدل والسلام في فلسطين.
لاقت روايتها الأولى "هل يبدو رأسي كبيرا في الحجاب؟" نجاحا هائلا ، وتدور الرواية حول فتاة أسترالية مسلمة من أصل فلسطيني في السادسة عشر من عمرها  قررت ارتداء الحجاب وتحكي عما واجهته في المدرسة وفي البيت وفي الشارع من زميلاتها ووالديها وجيرانها بعد إرتدائها الحجاب وإصرارها على الالتزام بتعاليم الإسلام رغم ما تواجهه من سخرية واستهجان بل ونظرات تشكك خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، وحصلت الرواية على العديد من الجوائز من بينها جائزة كتاب العام الأسترالي للأطفال عام 2006.
أما الرواية الثانية فكانت بعنوان "عشرة أشياء أكرهها في نفسي" تدور حول فتاة أسترالية تكره في نفسها أمورا متعلقة بشكلها وبأسرتها وبإسمها ، أخفت عن الجميع في مدرستها حقيقة كونها من أصل لبناني حتى تعرفت على صديقة لها أخفت إسلامها عن الجميع لتصبح الفتاتان صديقتين وتقرران كشف حقيقتيهما.
وفي عام 2008 حصلت راندا عبد الفتاح على جائزة "كاثلين ميتشل" للتميز التي تمنح للكتاب دون الثلاثين عام .
http://www.aklaam.net/newaqlam/index.php?option=com_content&view=article&id=1502:q-q&catid=46:2008-10-14-08-29-13&Itemid=192
 

مصادر:

·        Where The Streets Had A Name: Randa Abdel-Fattah, Review by Callie Martin, Readings St Kilda.

·        Where The Streets Had A Name: Randa Abdel-Fattah review by Australian Bookseller & Publisher magazine.

·        West Bank Story, By Patrick Tombola.

·        Naomi Shihab Nye ,Wisdom and laughter in a child's view of Palestine.