الثلاثاء، 29 مارس 2011

خمسة بولوتيكا (عن النظم الانتخابية)


أمل خيري

نسمع هذه الأيام عن مفاضلات بين النظم الانتخابية، ويطرح البعض تساؤلات أيهما أفضل: نظام الانتخاب الفردي أم القائمة؟، وهل القائمة المطلقة أفضل أم النسبية؟ومن أجل المفاضلة بين النظم الانتخابية الأصلح في الفترة الحالية لابد من التعرف على أنواع النظم الانتخابية ومميزات كل نوع وسلبياته.

يوجد 211 نظام انتخابي ولكن يمكن تصنيفهم إلى 12 نظام أساسي، وهذه الأنظمة الأساسية تنتمي إلى 3 عائلات رئيسية:

نظم الأغلبية، نظم التمثيل النسبي، نظم مختلطة.

وسنركز على النظام الفردي والقائمة النسبية حيث يدور الجدل والتفاوض بينهما.

نظم الأغلبية:

وبها العديد من الأنظمة، ولكن أشهرها نظام الفائز الأول (أو النظام الفردي)

ويعتمد على تقسيم الدولة إلى دوائر صغيرة (كل محافظة قد تكون 4 أو 5 دوائر أو أكثر) والناخب يختار مرشحا واحدا فقط بين عدة مرشحين بحيث يضع علامة بجوار اسم المرشح أو رمزه، والفائز هو من يحصل على أعلى الأصوات بين المرشحين الآخرين.

مميزاته:

· يمكن من قيام حكومات الحزب الواحد.

· يمكن من قيام معارضة برلمانية قوية.

· يعمل لصالح الأحزاب المرتكزة إلى قواعد واسعة من المؤيدين.

· يسهم في الحد من حصول الأحزاب المتطرفة على تمثيل برلماني لها.

· يقوي الصلات بين الناخبين والمرشحين حيث يختار الناخب مرشحه بناء على معرفته به.

· يعطي الفرصة للاختيار بين الأفراد وليس بين الأحزاب.

· يعطي الفرصة للمستقلين للفوز.

· سهل الاستخدام ويسير الفهم، فلا يحتاج الصوت الصحيح إلا للتأشير على اسم أو رمز المرشح وبالتالي يصلح للمجتمعات التي تنتشر بها الأمية.

عيوبه:

· استثناء الأحزاب الصغيرة والحد من حصولها على مقاعد في البرلمان.

· يحرم الأقليات من الحصول على تمثيل عادل فالأحزاب تختار المرشحين الأوسع انتشارا والأكثر قبولا.

· إضعاف التمثيل البرلماني للمرأة.

· يتيح نشوء أحزاب مستندة لقواعد قبلية أو عرقية أو مناطقية لجذب المواطنين (خاصة في مناطق القبليات والعشائر في القرى).

· يزيد من حدة الاكتساح الحزبي حيث يتيح لحزب واحد الحصول على كافة مقاعد محافظة بكاملها.

· يسفر عن ضياع أعداد كبيرة من الأصوات ليأس الأحزاب الضعيفة من انتخاب ممثلين لهم.

· قد يؤدي لانقسام الأصوات بين الأحزاب الكبيرة فتذهب الأصوات لصالح مرشحين أقل شعبية.

· يمكن التلاعب في ترسيم حدود الدوائر الانتخابية لصالح مرشح معين أو لحرمان مرشح معين من فرصة الفوز (كما حدث في دمج دائرة 24 و25 في حلوان).

· يمكن الاعتماد على النفوذ وعلى سلاح المال لإغراء الناخبين للتصويت لمرشح معين، وقد يستخدم سلاح الترهيب كذلك.

نظم التمثيل النسبي :

وتعتمد على ترجمة حصة أي حزب من أصوات الناخبين إلى حصة مماثلة من مقاعد البرلمان، وهناك العديد من أنظمة التمثيل النسبي وأشهرها القائمة النسبية.

ويشترط هذا النظام أن تقسم الدولة لدوائر كبيرة (مثلا المحافظة تكون دائرة واحدة فقط أو دائرتين)، وهناك دول تكون الدولة دائرة واحدة فقط مثل إسرائيل.

ويعتبر هذا النظام خيارا شائعا في الديمقراطيات الناشئة.

يقدم كل حزب قائمة من المرشحين في كل دائرة ويختار الناخب بين قوائم حزبية ويفوز كل حزب بحصة من المقاعد تتناسب مع حصته من أصوات الناخبين.

مميزاته:

· زيادة حصول ممثلي الأقليات على مقاعد في البرلمان حيث تحرص الأحزاب على أن تشمل قائمتها كافة الأقليات والطوائف للحصول على أصوات أكبر عدد من الناخبين.

· فرصة حصول المرأة على تمثيل برلماني عادل.

· يحفز على قيام تكتلات أو ائتلافات بين عدة أحزاب متقاربة في برامجها وأفكارها حيث يحرص كل تكتل على تقديم قائمة تضم أكثر المرشحين قبولا لدى الناخبين.

· يزيد عدد الناخبين حيث تزيد قناعة الناخب أن صوته سيكون له تأثير حقيقي.

· مساعدة أحزاب الأقليات على الحصول على تمثيل لها.

· تحفز الأحزاب للتوجه لقطاعات كبيرة من الناخبين (لكبر مساحة الدائرة).

· تحد من ظاهرة الاكتساح الحزبي.

· تؤسس لمبدأ الشراكة في الحكم بين الأحزاب السياسية في حالة كون نظام الدولة برلماني.

عيوبه:

· في النظم البرلمانية يؤدي لقيام حكومات ائتلافية تعمل على شرذمة الأحزاب.

· هذه الحكومات الائتلافية قد تؤدي لاختناقات في سير العمل التشريعي.

· قد تؤدي لانقسامات في الأحزاب السياسية مما يمس باستقرار النظام السياسي (تتزايد الخلافات داخل الأحزاب حول اختيار المرشحين في القائمة).

· قد يفسح للأحزاب الصغيرة جدا والمتطرفة لاستنزاف الأحزاب الكبيرة لتقديم تنازلات لتشكيل الحكومة الائتلافية (كما يحدث في إسرائيل من قبل الأحزاب الدينية المتطرفة).

· يسمح بظهور أحزاب متطرفة.

· حصول الأحزاب الصغيرة على حصص من السلطة لا تتناسب مع حجمها وقوتها.

· عدم قدرة الناخب على تنفيذ مبدأ المساءلة من خلال حجب الثقة وإقصاء حزب، فيستمر الحزب حتى مع تراجع أدائه.

· صلات ضعيفة بين الناخب والمرشح لاتساع الدائرة.

· تركيز السلطة في أيدي القيادات الحزبية ومقراتها الرئيسية.

· لا يعطي الناخب فرصة المفاضلة بين المرشحين فكثيرا ما تعمد الأحزاب لوضع قائمة تضم على رأسها مرشحين مقبولين ثم مرشحين ذوي أداء ضعيف لكن الناخب مجبر على اختيار القائمة كلها.

· يحتاج هذا النظام لوجود أحزاب سياسية فاعلة.

· نظام معقد يحتاج توعية للناخب وتدريب الموظفين ومشرفي لجان الاقتراع والفرز عليه.

سألخص الآن مميزات وعيوب هذين النظامين في الجدول التالي:

النظام الانتخابي

المميزات

العيوب

النظام الفردي (الفائز الأول)

قوة التمثيل الجغرافي.

سهولة ممارسة المساءلة والمحاسبة.

بسيط وسهل الفهم.

يمنح الناخبين خيارات واضحة.

يحفز على موجود معارضة متماسكة.

يسهم في إبعاد الأحزاب المتطرفة.

يمكن الناخبين من الاختيار بين المرشحين.

توفير دعم لمؤسسة الرئاسة من البرلمان.

تشكيل حكومات تتمتع بدعم الأغلبية البرلمانية.

يعمل على استبعاد الأحزاب الصغيرة.

يعمل على استثناء الأقليات من التمثيل.

يعمل على استثناء المرأة من التمثيل.

يؤدي لضعف إقبال الناخبين.

يؤدي كثيرا لإجراء انتخابات إعادة.

يحتاج لترسيم دوائر انتخابية كثيرة.

يسهل العبث بالدوائر الانتخابية لأغراض غير مشروعة.

يصعب معه تنظيم الاقتراع عن بعد.

نظام القائمة النسبية

التعددية الحزبية.

نسبية النتائج.

تمثيل الأقليات.

سهولة انتخاب المرأة.

انعدام الحاجة لترسيم الدوائر الانتخابية.

لا توجد حاجة لانتخابات تكميلية.

سهولة الانتخاب عن بعد.

الحد من انتشار المناطق التي ينفرد الحزب الواحد بالسيطرة فيها.

ارتفاع مستويات المشاركة.

ضعف التمثيل الجغرافي (قد يتركز المرشحين في العواصم والمدن دون القرى).

ضعف المساءلة والمحاسبة.

يقل حصول مؤسسة الرئاسة على دعم لها من البرلمان.

إمكانية قيام الحكومات الائتلافية أو حكومات الأقليات.

القوة الزائدة التي يمنحها لأحزاب ضعيفة.

يسهل وصول الأحزاب المتطرفة للسلطة.

عدم إمكان إقصاء حزب عن السلطة مهما ضعف أدائه.

الأحد، 27 مارس 2011

خمسة بولوتيكا (حول الدولة الدينية)


أمل خيري

سؤال وردني حول الدولة الدينية

أرجو التوضيح : في ناس كتير مجرد ما بتقولي دوله إسلاميه يقولولك عايزنها بقي زى إيران ولا زى السعوديه ولا زى ماليزيا ولا زى تركيا.... وبصراحة أنا مش شايفه أن تعريف الدوله ذات المرجعية الدينية اللي أحنا عايزنها ينطبق علي أي دوله في الأربعة اللي ذكرتهم أو علي غيرهم.... هل في نموذج فعلاً للدولة ذات المرجعيه الدينية طبعاً الإسلاميه في الواقع المعاصر وإيه تصنيف الأربع دول اللي أنا ذكرتهم؟؟؟

وللإجابة على هذا السؤال أؤكد على أن هناك اختلاف شديد بين الدولة الدينية والدولة ذات المرجعية الدينية:
الدولة الدينية يكون فيها تراتتبيات اكليركية (يعني مرجعيات ديني
ة فوق بعضها بالترتيب انتهاء بشخص يمثل المرجع الأعلى) وهذا غير موجود أصلا إلا في المسيحية والمذهب الشيعي لكنه غير موجود في المذهب السني نهائيا.

وبالتالي الدولة الدينية فيها كهنوت ورجال دين بمناصب تدرجية كل منها يعلو الآخر حتى ننتهي بشخص واحد يعتبر المرجع الأعلى أو السلطة الأعلى الذي لا يجوز مخالفته ممن هم أدنى منه منزلة.

هذا شرط قيام دولة دينية انه لازم يكون في دين بهذا الشكل الكهنوتي أو الكنسي والشيعة يتبعون ذلك أيضا فلديهم المرشد الأعلى ولديهم مرجعيات دينية شبيهة بالسلك الكهنوتي.

نأتي الآن للدولة الدينية وهي الدولة التي أيا كان نظام حكمها فإنها خاضعة لسلطة رجال الدين والمرجع الأعلى (كالمرشد الأعلى لإيران، أو البابا في الفاتيكان) له سلطة أعلى من سلطة الحاكم. وبالتالي لا يجوز على الحكومة مخالفة آرائه وإلا اعتبرت خارجة عن الشرع والدين.

ومن حق هذا المرجع الأعلى أن يعزل الحكومة وأن يعلن أحكام أو يضع قوانين إلزامية لها دون الرجوع للحكومة. وقد يوجد برلمان في الدولة لكنه شكلي ويتكون من رجال الدين الذين يتبعون مرجعهم الديني ويلتزمون بأقواله.

نأتي للدولة ذات المرجعية الدينية وهي الشكل الإسلامي الصحيح حسب المذهب السني. فهي دولة تعرف سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية لكن كل سلطة مستقلة عن الأخرى ولكنها مقيدة جميعا بالشرع

وعبارة مقيدة بالشرع أو ذات مرجعية إسلامية تختلف تماما عن الدولة الدينية المشار إليها سابقا. لأن الدولة المقيدة بالشرع حاكمها وحكومتها من أهل الخبرة ولا يشترط أن يكونوا فقهاء أو علماء أو شيوخ لأنه ليس في الإسلام ما يسمى برجال دين، وليس هناك شيوخ أعلى من شيوخ، ولا يوجد ممثل واحد أو مرجع ديني واحد بل هناك فقهاء ومفتون وكلهم يتساوون في المرتبة

الدولة الإسلامية منذ نشأتها وهي دولة ذات مرجعية دينية ولم تكن يوما دينية باستثناء فترة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه كان رئيس الدولة وفي الوقت نفسه نبي يتنزل عليه الوحي ورغم ذلك كان يترك أمور الدنيا ويقول (أنتم أعلم بشئون دنياكم) ولم يلزم بحكم في أمور الدنيا إلا ما نزل به الوحي. ولكن بمجرد وفاة الرسول انتهى هذا الأمر وتحولت الدولة إلى دولة مدنية بمرجعية إسلامية فالحكومة (السلطة التنفيذية) تشمل الولاة والجند ورؤساء الدواوين...، والسلطة التشريعية هم أهل الحل والعقد وهم من العلماء في كل فن والمختصين في كل شأن منهم الفقهاء، خبراء في الحرب، خبراء في التجارة، خبراء في الأسواق، سفراء..... ولا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من الفقهاء

أما السلطة القضائية فتتكون من قضاة فقهاء لأنهم ملزمون بالحكم بالشريعة من مصادرها وفي بعض الفترات كان يشترط للقاضي أن يكون فقيه مجتهد ليحكم في القضايا التي لم ينزل بشأنها وحي. لكن بعد استقرار الأحكام أصبح القاضي مقلد. وبالطبع كل من السلطة التشريعية والتنفيذية محكوم بن في النهاية بالشرع أي مطالبين بعدم الخروج عن أحكام الشريعة أو إصدار قوانين أو أحكام تخالف الشريعة

لو طبقنا ذلك على الدول الحديثة تكون الدولة ذات مرجعية دينية مثل السعودية التي لا يوجد فيها حكم ديني بالمعنى الإيراني ولكن هناك التزام بتطبيق أحكام الشريعة وكل القوانين مستمدة من الشريعة. وأي دولة يمكنها أن تكون بأي شكل من الأشكال: رئاسية ،برلمانية، مركزية، لا مركزية، ..... ولكن في النهاية مصدر تشريعاتها الأصلي من الإسلام ولا توضع قوانين تخالف شريعة الإسلام مثلا لا يمكن أن يصدر فيها قانون بمنع الحجاب، أو يصدر قانون بإباحة تداول الخمر أو بإباحة التعامل بالربا..... فكل هذه القوانين تكون باطلة في ظل الدولة ذات المرجعية الدينية. وبالتالي فأغلب الدول الإسلامية حاليا ليست ذات مرجعية دينية حيث نلاحظ إقرار التعامل بالربا، لا يوجد قواني تمنع الخمور أو الملاهي أو ما ينافي الشريعة بشكل عام وفي بعض الدول تصدر قوانين تناقض الشريعة. وبالتالي حين نطالب بدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية تعني دولة ديمقراطية تدار بحكم الأغلبية وبها سلطات مستقلة عن بعضها لكن كل السلطات ملتزمة بالشريعة ولا تخرج عنها

بالطبع لن نجد دولة تطبق نظام معين بحذافيره مثلما يقول الكتاب. معظم الدول خليط بين أنظمة متنوعة. مثلا فرنسا المفروض أنها دولة علمانية لكن رغم ذلك الدين حاضر عندها جدا ويفرض نفسه في كثير من سياسات الدولة. وطبعا السعودية ذات مرجعية دينية لكنها لا تطبق النظام الإسلامي كما يجب أن يكون هي تأخذ الجانب الشكلي فقط لكن الجوهر والمضمون بعيدة عنه تماما.عشان كده لا يوجد نموذج مثالي لدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية وتطبق الإسلام الصحيح حتى الآن . نحتاج فقط دولة واحدة تطبق ذلك وتنجح وستجدي بعدها كثير من الدول تحاول تقليدها. نموذج تركيا أقرب في أذهان الناس باعتبارها دولة علمانية ديمقراطية لكن الحكومة ذات مرجعية إسلامية أخذت الإسلام التطبيقي الصحيح وليس الشكل. لكن مع ذلك لا يعتبر النموذج التركي مثال لدولة ذات مرجعية إسلامية لأن العلمانية تفرض نفسها بقوة في جميع المجالات.