الاثنين، 21 مارس 2011

أين الخطاب السلفي المعاصر من قضايا التنمية؟


السلفية المعاصرة.. أزمة في الخطاب الديني
أمل خيري
إسلام أون لاين
كانت وما زالت قضايا التنمية والنهوض والإصلاح الاقتصادي محاور أساسية في الخطابات الفكرية على تنوعها سواء تلك التي تنتمي للمدارس الإسلامية أو الغربية، ولا شك أن الخطاب السلفي المعاصر أحد المناهج الرئيسية التي تنتمي للفكر الإسلامي والتي ينبغي عليها الإسهام في قضايا التنمية المعاصرة.
لا نقصد بالخطاب السلفي هنا المعنى الحرفي لمصطلح السلفية والذي يعني المنهج الذي سار عليه السلف في العقيدة والعمل والسلوك ولكن نعني به الفكر السلفي في تجلياته المعاصرة، أي العلماء والدعاة الذين ينتسبون للمنهج والفكر السلفي في عصرنا الحاضر لنبحث هل قدم المفكرون السلفيون في العصر الحديث خطابا يتعلق بالمجال التنموي والاقتصادي يتلاءم مع مقتضيات العصر الحديث كما قدم أسلافهم من علماء السلف تراثا فكريا لاءم العصور التي نشؤوا فيها، أم أن السلف المعاصر اكتفى بما قدمه السلف السابق دون أن يقدم هذا الفكر التراثي في ثوب حداثي يفهمه الناس في هذا العصر؟.
السلف والتنمية
مما لا شك فيه أن علماء ومفكري السلف في التاريخ الإسلامي قدموا إسهامات جليلة في مجال الفكر الاقتصادي وصاغوا نظريات اقتصادية وتنموية سبقت في حينها الفكر الاقتصادي العالمي بقرون عديدة، وهذه الأفكار والسياسات الاقتصادية استندت على قواعد ثلاث:
1-الأدلة الشرعية الكلية التي يستدل بها على الحكم الشرعي كالقرآن والسنة.
2- الأحكام المستنبطة من تلك الأدلة كتحديد الطيبات وغير الطيبات، والحلال والحرام من السلع.
3- الشروط المتصلة بالمجتهد الذي يستنبط هذه الأحكام.
وعلى أساس هذه القواعد وضعت النظريات الخاصة بالإيرادات والنفقات، وتوزيع الأموال، ودور الدولة الاقتصادي والسوق والملكية، والنقود والتجارة وقانون العرض والطلب وغيرها الكثير من الأفكار والنظريات الاقتصادية التي ما زالت تبرهن على ريادتها وسبقها في الفكر الاقتصادي العالمي.
تجدر الإشارة إلى أن علماء السلف في القرون السابقة قد اقتربوا من المجال الاقتصادي والتنموي من مدخلين أساسيين:
أولا: المدخل الفقهي فيمكن استخلاص التراث الإسلامي فيما يتعلق بالموضوعات الاقتصادية من كتب الفقه العامة التي تضم أبوابا تتعلق بالنظام المالي والاقتصادي، وكذلك من كتب الفقه المتخصصة في الفقه المالي ككتاب الخراج للقاضي أبي يوسف (113-182هـ) وكتاب الأموال لأبي عبيد (154-224 هـ) وكتاب الخراج ليحيى بن آدم (المتوفى سنة 203هـ) وغيرها العديد من كتب الفقه المالي التي تناولت أحكام السوق والخراج والكسب والتسعير والحسبة.
ثانيا: المدخل الفكري: الذي يبحث في الواقعة أو الظاهرة الاقتصادية وتحليلها والتأثير فيها والتنبؤ بها، وهذا المدخل لم يتناوله الفقهاء بل مفكرون مسلمون، ومن بين كتب الفكر الاقتصادي كتاب الأحكام السلطانية للماوردي (364-350هـ)، وما كتبه أبو الفضل الدمشقي في كتابه "الإشارة إلى محاسن التجارة" عام 1175م ، وكذلك المقريزي في كتابه "إغاثة الأمة بكشف الغمة" أو "تاريخ المجاعات في مصر" عام 1364م وإسهامات الإمام الغزالي وابن تيمية وابن خلدون.
كانت هذه إسهامات علماء السلف السابق في مجال الاقتصاد والتنمية ونأتي الآن للنظر إلى ما قدمه مفكرو السلفية المعاصرون لهذين المجالين بمحاولة تطبيق نفس هذه المداخل التي اتبعها السلف السابق.
السلفية المعاصرة
الاتجاه السلفي المعاصر ليس كيانا واحداً أو منظومة متسقة بل هناك الكثير من الخطابات التي تعلن انتماءها للسلفية، ودون الحديث عن الفروقات بين السلفية العلمية والجهادية والحركية فإننا نقتصر على السلفية العلمية التي تفصل بين المجال الشرعي والسياسي، والتي يهتم علماؤها بنشر العلم الشرعي من مصادره الأصيلة من الكتاب والسنة وما سار عليه السلف الصالح في العصور الأولى.
لنطرح السؤال هل هناك خطاب اقتصادي وتنموي لدى علماء السلفية العلمية المعاصرة على المستوى الفكري وليس الحركي؟
نحاول تطبيق نفس المداخل التي عالج بها السلف السابق المجال الاقتصادي وهما الفقهي والفكري.
نبدأ بالمدخل الفقهي وأول ملاحظة تجدر الإشارة إليها تتمثل في اهتمام السلفيين المعاصرين بالعقيدة والعبادات، لذا تجد معظم كتاباتهم وأحاديثهم ودروسهم تقتصر في غالبيتها على الأحكام الفقهية خاصة تلك المرتبطة بالعبادات وأحيانا المعاملات، والزهد والرقائق، وعلوم التفسير وعلوم الحديث، والعقائد والتوحيد.
ونادرا ما نجد كتابات متخصصة في الاقتصاد والتنمية وعلاج مشكلات المجتمع المالية والاقتصادية فيما عدا المدخل الفقهي الذي يستقى من الفتاوى التي يجيب عنها علماء السلفية، وهذه الفتاوى المتعلقة بالجانب الاقتصادي يغلب عليها الطابع التراثي، حيث الاستشهاد بالنصوص الفقهية القديمة بنفس مصطلحات العصور الوسطى بلا محاولة لتقريب المفاهيم للأذهان باستخدام مصطلحات العصر الحديث.
ويغلب على كثير من هذه الفتاوى الانعزال عن مشكلات الواقع المعاصر والحلول المثالية لمثل هذه المشكلات، وأغلب الفتاوى تدور حول البيوع والزكاة والقرض والربا والبنوك الإسلامية وكأن الاقتصاد الإسلامي خلا من سائر القضايا الأخرى التي ترتبط بتنمية المجتمع ونهضته الاقتصادية، فلا نجد حلولا واقعية وعملية للفقر أو البطالة أو الأزمات الاقتصادية.
أما المدخل الثاني لتناول القضايا الاقتصادية فيتمثل في المدخل الفكري:
ونقصد به ما قدمه السلفيون المعاصرون من تناول وتحليل للظواهر والوقائع الاقتصادية كما قدمها السلف السابق، وأول ملاحظة تبدو في هذا المجال أن هناك عدة اقترابات سلفية من القضايا الاقتصادية فهناك اقتراب التجاهل، واقتراب الزهد واقتراب آخر تربوي.
الفقر نعمة
يعد اقتراب التجاهل هو السمة الغالبة لدى كثير من علماء السلفية المعاصرين فالكتابات والدروس والخطب تكاد تخلو من الإشارة إلى المجال الاقتصادي والمشكلات الاقتصادية، فالاهتمام منصب على علم العقيدة والحديث والعبادات دون الخوض في القضايا الاقتصادية على اعتبار أن إصلاح عقيدة الفرد المسلم على رأس أولويات علماء السلفية، ثم يأتي في المرتبة الثانية التزام الشعائر الدينية والهدي النبوي الظاهر، أما أحوال الأمة ومشكلاتها الاقتصادية فستحل تلقائيا بمجرد إصلاح العقيدة والعبادة.
أما اقتراب الزهد وهو ما يسميه البعض بالاقتراب العلماني من حيث كونه يفصل بين الدين والسياسة والاقتصاد، فنلحظه في خطاب بعض علماء السلفية المعاصرة الذين يقصرون اهتمامهم على تذكير الفرد بأهمية الزهد وما كان عليه السلف الصالح من زهد في الدنيا واستغناء عنها، فتتعدد الأشرطة التي تتناول نعمة الفقر وفضله وكيف كان الرسول وصحابته يعيشون في فقر مدقع، ولكنهم مع هذا فتحوا الدنيا ونشروا الإسلام، وأحاديث تتناول ذم الترف والوعيد للأغنياء.
ولا يخفى على أحد ما لهذا الاقتراب من تداعيات خطيرة تلقي الوهن في نفوس عامة المسلمين، فلا حاجة للتنمية ولا لإيجاد سبل لحل المشكلات الاقتصادية المعاصرة لأن الدنيا زائلة والآخرة خير وأبقى والفقير أفضل عند الله من الغني.
وحتى حينما حاول بعض السلفيين الخروج من مأزق التفضيل بين الغني والفقير كان الخطاب حول الأفضلية عند الله بالتقوى والعمل الصالح، وبالنسبة لعلاج مشكلات الفقر في الأمة الإسلامية نجد هذه النوعية من الخطابات ترتكز على حلول إيمانية عقائدية بحتة ويمثل هذا الاقتراب الشيخ محمد حسين يعقوب والذي يقترح علاجا للفقر يرتكز على التوحيد وصحة الاعتقاد، إشغال القلب بالآخرة، تخليص القلب من حب الدنيا، عدم الاختلاط بأهل الدنيا، الأخوة الإيمانية، التقيد بمنهج تربوي.
مشيرا إلى أن خير الرزق الكفاف وهو ما يكف الإنسان عن الجوع وعن السؤال، وأن الطريقة المثلى في استثمار المال على الوجه الذي يرضي الله يتمثل في بذل الفضل.
ويعارض بعض السلفيين مثل هذا الاقتراب العلماني من المجال الاقتصادي ومن بينهم الدكتور محمد محمد بدري الذي يرى أن هذا الاقتراب في تناول المجال الاقتصادي كان هو نفسه السبب في تخلف المسلمين وتأخرهم فبدلا من أن تكون الدنيا مزرعة للآخرة كما أشار الرسول صلى الله عليه وسلم أصبحت الدنيا الوجه المضاد للآخرة ولا يمكن للمسلم أن يجمع بينهما، فإما أن يكون فقيرا زاهدا في الدنيا مقبلا على الآخرة أو تاركا الآخرة مقبلا على الدنيا، ولذا فقد تحول معنى الزهد إلى العجز، وارتبط التوكل بالسلبية والعشوائية التي تقعد المسلم عن المشاركة في تنمية المجتمع ونهضته.
وهذا الاقتراب السلفي الزهدي من المجال الاقتصادي ليس به إشارة لدور الدولة والمؤسسات في الاقتصاد أو دور الأمة بكاملها في النهوض الاقتصادي، ولا يحدد النظام الاقتصادي الأولى بالاتباع، فلا مانع لديه من التعاون مع دولة ذات نظام رأسمالي أو اشتراكي فالمهم هي الدولة التي تترك له مساحة من الحرية للتحرك لنشر أفكاره وخطابه بمختلف الوسائل فهي سلفية التعايش التي لا تبدي رأيا ولا تعارض نظاما، وهم بهذا أبعد الناس عما كان عليه السلف السابق من فهم شمولي للإسلام سواء على مستوى الفكر أو الحركة.
الإسلام منهاج شامل
آخر هذه الاقترابات هو الاقتراب التربوي، وهو من أكثر الخطابات واقعية وأقربها لما كان عليه السلف الصالح وينتمي إليه الدكتور محمد محمد بدري، والذي يستنكر الخطابات السلفية المعاصرة التي تدعو المسلمين من فوق المنابر بالعودة للإسلام دون أن تقدم منهجا تربويا شاملا لكافة مناحي الحياة ، فيؤكد أن معالم المنهج الإسلامي تتسم بالشمولية في إطار المرجعية الإسلامية، والواقعية، والتدرج.
ويرى في كتابه "الأمـة الإسلاميـة من التبعية إلي الريادة: معالم الإحياء الحضاري الإسلامي" أن للمنهج الإسلامي هدفين أحدهما أخلاقي يهدف لتكوين المثال الإنساني، والثاني مادي يهدف لتكوين الإمكانية البشرية لاستخلاص الطاقة، وهذان الهدفان يتطلبان فقهاء تربويين يجسدون المنهج الإسلامي في الواقع ويعظمون من القيم الإسلامية التي يجب تربية الفرد المسلم عليها ومن أهمها قيمة العمل، ويتم من خلال التربية على التنفير من العجز والكسل والفهم الخاطئ للزهد الذي عزز الرضا بالفقر واعتبره من سمات الصالحين، مع إبراز المفهوم الصحيح لقيمة العمل كما تربى عليها جيل السلف الذين جمعوا بين العبادة والعمل والكدح.
هذه الأفكار النهضوية التي تنشرها الأمة يجب ألا تكون حكرا على جماعة أو حزب أو الصفوة بل هي ملك للأمة وبلغة تفهمها الجماهير وتحمل أفكارا ريادية تحل مشكلات الواقع، وترسم خطة المستقبل، وأول خطوة على هذا الطريق إيقاف التباري والتشاحن بين الفصائل والتيارات الإسلامية لتوضع مشكلات الأمة على قائمة الأولويات، وهذه النهضة تتطلب وجود مفكرين ومنظرين مهمتهم ابتكار الاستراتيجيات الملائمة للعصر، كما تتطلب قوى تنظيمية تطبق هذه الاستراتيجيات.
ربما كان المدخل الأخير هو الأكثر واقعية كما ذكرنا من قبل والأقرب لما كان عليه السلف الصالح، ومع هذا ما زال لدينا حاجة ماسة لكتابات وأفكار متخصصة تعالج القضايا والمشكلات الاقتصادية المعاصرة وتقترح حلولا واقعية عملية عصرية لهذه المشكلات تتفق مع الشريعة الإسلامية من حيث أحكامها ونصوصها وروحها.
http://www.islamonline.net/ar/IOLStudies_C/1278407604478/1278406720653/IOLStudies_C

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق