الاثنين، 14 فبراير 2011

الثورة العربية في 12 سؤالاً وجواباً


رؤية ماليزية حول الثورة في تونس ومصر
شاندرا مظفر*
ترجمة: أمل خيري
إسلام أون لاين
ناقش الدكتور شاندرا مظفر Chandra Muzaffar، أستاذ الدراسات العالمية ورئيس الحركة الدولية للعدل (JUST)ما يجري في المنطقة العربية من تحولات واحتجاجات واصفا إياها بالثورة العربية في مقالة نشرها على موقع JUST قدمها في شكل 12 سؤالاً وجواباً، وينشر موقع إسلام أون لاين. نت ترجمة لهذا الحوار نظرا لأهميته.
هل هي انتفاضة؟
-1 هل من الصحيح وصف ما يحدث في عدد قليل من الدول العربية بأنه "الثورة العربية" طالما لم تتأثر معظم الدول العربية بتلك المظاهرات والاحتجاجات؟
- بصرف النظر عن تونس ومصر، فقد وقعت احتجاجات في الجزائر والأردن واليمن. ويمكن أن تمتد إلى دول عربية أخرى. وبوضع هذه الدول الخمس معا، صحيح سيكون لدينا أقل من ربع الدول العربية. ولكن هناك شعور واسع لأثر هذه الاحتجاجات الحاشدة في معظم الدول العربية الأخرى. بعض قادة هذه الدول لديه شعور بالتوتر. إلى جانب ذلك، فإن وجود مصر في عين العاصفة في هذه اللحظة الراهنة، بالنظر إلى مكانتها التاريخية والسياسية وعدد سكانها يعتبرها البعض مركز العالم العربي.
2- هذه انتفاضة شعبية فعلية؟ بعض المحللين المعروفين من روسيا وألمانيا يتبنون وجهة النظر بأن هذه الانتفاضات تمت إدارتها والتخطيط لها من قبل الولايات المتحدة حيث ترغب في استبدال بعض حلفائها الذين أصابتهم الشيخوخة في العالم العربي لمنع الفوضى التي قد تظهر حال وفاتهم.
- إن بعض حلفاء الولايات المتحدة مثل حسني مبارك في مصر في الثمانينيات من عمره، هذا أمر واقع. وصحيح أيضا أن المسؤولين الأمريكيين قد قاموا بمناقشة "الانتقال المنظم" في العالم العربي لبعض الوقت الآن. ولكن من الصعب الاعتقاد بأن أي شخص في واشنطن أو لندن أو تل أبيب يرغب في التخطيط لاحتجاجات واسعة كوسيلة لتحقيق تلك التحولات.
فالقادة في هذه العواصم وشبكات الاستخبارات ومؤسسات الفكر والرأي تعلم جيدا أنه ليس من السهل السيطرة على الانتفاضات الجماهيرية للتوجه بشكل مباشر نحو النتائج المخطط لها. هذا ينطبق بشكل خاص على منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا حيث تنتشر بشدة المشاعر السلبية بين الشعوب تجاه الولايات المتحدة والنخب الإسرائيلية.
فهل يمكن لأي زعيم أمريكي أو إسرائيلي أو بريطاني أن يتحمل تلك المخاطرة في هذه المنطقة، التي تعد فيها القضية الفلسطينية حجر الزاوية؟ إلى جانب ذلك، فهي تدرك تماما أنه في عدد كبير من تلك البلدان تعتبر الحركات ذات التوجه الإسلامي هي الأكثر شعبية والتي غالبا ما تعارض احتلال فلسطين وغيرها من الأراضي العربية، وكذلك تعارض القهر والظلم.
شعوري الشخصي هو أن قيادة الولايات المتحدة وحلفاءها لم يتوقعوا هذه الانتفاضة، ولكنها حدثت بالفعل الآن، ومن ثم فهم يحاولون بشدة تحديد نتائجها. وهم عاقدون العزم على ضمان مصالحهم في المنطقة مهما كانت التكاليف والعواقب.
احتجاجات الكرامة
3-وهل سيقبل بذلك ملايين المتظاهرين المعارضين في مصر والذين يتوقون إلى تغيير حقيقي؟
- البعض سيقبل، ولكن هناك شريحة كبيرة من المجتمع المصري التي تمقت المحاولات الأمريكيةوالغربية لاتخاذ القرار وتحديد مستقبلها. هؤلاء المصريون يعرفون لماذا تهتم الولايات المتحدة بالعالم العربي وغرب آسيا. إنه النفط، وكذلك الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بأكملها: البحر المتوسط، وقناة السويس، مضيق هرمز، وهناك أيضا إسرائيل.
وهم يعرفون أنه تم التضحية بمئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال لصالح الولايات المتحدة. هم يعرفون كيف أزهقت العديد من الأرواح الغالية خاصة من الأطفال الصغار بسبب الحرب الصليبية التي تقودها الولايات المتحدة والعقوبات التي فرضتها على العراق والتي استمرت لمدة 13 عاما، وبلغت ذروتها في غزو واحتلال تلك الأرض مما أدى إلى مزيد من الشقاء والموت والدمار.
المصريون وغيرهم من العرب يتذكرون كل ذلك. وهذا يفسر سبب وجود الكثير من الغضب ضد زعماء مثل مبارك وزينالعابدين بن علي -الرئيس التونسي المخلوع-، الذين ينظر إليهم على أنهم من الرجال الذين ضمنوا هيمنة الولايات المتحدةعلى العالم العربي في السنوات الأخيرة. فهم يعتبرونهم أذناباً للولايات المتحدة لا هم لهم سوى خدمة أجندات إمبريالية. يظهر ذلك في عديد من اللافتات التي رفعها المتظاهرون في القاهرة وتونس والتي تصفهم كعملاء للولايات المتحدة.
مبارك وزين العابدين بن علي أيضا كانا جزءا لا يتجزأ من النفاق الصارخ الذي يميز علاقات الولايات المتحدة بالأنظمة الديكتاتورية في كل مكان. فقد ادعى قادة الولايات المتحدة كثيرا أنهم ملتزمون بتعزيز الحرية والديمقراطية في العالم العربي. وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كوندوليزا رايس أعلنت في القاهرة في عام 2005 "نحن ندعم الطموحات الديمقراطية لجميع الناس". وقد أطلقت مؤسسة تسمى مؤسسة المستقبل لهذا الغرض. وكان رئيسها حتى يونيو 2008 السياسي الماليزي أنور إبراهيم وهو حليف وثيق للولايات المتحدة.
في الواقع، فإن الولايات المتحدة، كما يعلم الجميع، قد قدمت دعمها الكامل للرئيس مبارك وزين العابدين بن علي وغيرهم من الطغاة الذين سجنوا وعذبوا وقتلوا المعارضين السياسيين. ولكن عندما يصبح هؤلاء الطغاة على وشك الانهيار فإن المسؤولين الأمريكيين يشرعون في دعم التطلعات الديمقراطية للشعوب.
والذي يجعل نفاقهم هذا في غاية السوء قمعهم للمحاولات الحقيقية من قبل شعوب المنطقة لممارسة المبادئ الديمقراطية. فعندما فازت حماس في انتخابات حرة ونزيهة فيفلسطين المحتلة في يناير 2006، تعرضت لمقاطعة وعزل من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وبسبب مثل هذا النفاق فإن أولئك الذين يناضلون من أجل التغيير في مصر وأماكن أخرى لا يثقون في قيادة الولايات المتحدة.
4- في ردكم للتو ذكرتم "إسرائيل". هل إسرائيل حقا عامل أكثر إلحاحا في غضب الشعوب ضد قادتها؟
- إذا كانت هيمنة الولايات المتحدة تثير المشاعر السلبية، فإن ذلك يرجع جزئيا إلى استخدامها هذه الهيمنة لحماية وتعزيز مكانة إسرائيل في المنطقة. فإسرائيل ينظر إليها كثير من العرب باعتبارها نقمة على بلدانهم. وكثيرا ما تعتبر الشعوب القادة والحكومات التي تتواطأ مع النظام الإسرائيلي خونة للقضية الفلسطينية.
فقد تعرض زين العابدين بن علي للانتقادات من قبل العديد من الجماعات الإسلامية والعلمانية فيالعالم العربي لدى استضافته رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إرييل شارون في تونس منذ بضعسنوات. مبارك الذي تربط بلاده علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، تعرض أيضا للنقد من جانب الجميع دون استثناء لإغلاقه معبر رفح على الحدود بين مصر وغزة خلال الهجوم الإسرائيلي على غزة في ديسمبر 2008 ويناير 2009. مما أدى إلى تفاقم الوضع الهش بالفعل للشعب المحاصر في غزة. وعندما هاجمت إسرائيل لبنان في يوليو 2006، اعتمد الرئيس مبارك موقفا معاديا تجاه حزب الله وهي الحركة الأكثر فعالية في العالم العربي في مقاومة العدوان الإسرائيلي.
إسرائيل وأولئك الذين تحالفوا معها، قد أسخطوا الكثير من العرب والمسلمين ليس فقط بسبب الطريقة التي تم بها إنشاء إسرائيل في 1948، بل لما فعلته إسرائيل منذ ذلك الحين من استيلاء على كثير من الأراضي الفلسطينية والعربية، وقتل الآلاف من الفلسطينيين والعرب، وطرد العائلات الفلسطينية، وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والمضايقات اليومية في عدد لا يحصى من نقاط التفتيش الفلسطينية، وجدار الفصل العنصري الذي حاصر الفلسطينيين، كل هذه العوامل ساهمت جميعا في الإهانة الجماعية للعرب والمسلمين. لقد اكتوى هؤلاء من غطرسة إسرائيل على مدى 63 عاماً. واستمرار إسرائيل يمثل إهانة دائمة لكرامتهم البشرية. والاحتجاجات في تونس، في مصر، في الأردن، في الجزائر واليمن تدور كلها حول الكرامة.
أين الاقتصاد؟
-5 من المؤكد أن الثورة العربية لم تقم فقط لانتزاع الغطرسة الإسرائيلية ومحاولات الهيمنة الأمريكية على كرامة الشعب. هل ساهم الوضع الاقتصادي أيضا في الغضب الجماهيري؟
- بالتأكيد. فتشير التقديرات إلى أن نحو 140 مليون عربي -40% من مجموع السكان- يعيشون تحت خط الفقر. لكن الفقر المطلق وحده نادرا ما أدى إلى ثورات جماعية في التاريخ. إنه كذلك اتساع الفوارق في الدخل والثروة، التي تفاقمت بسبب زيادة أسعار المواد الغذائية وارتفاع معدلات البطالة، التي بدأت تؤذي الكثير من الناس.
في حين أن السياسات والأولويات التي وضعتها النخبة الوطنية مسؤولة جزئيا عن هذا الضيق الاقتصادي، فقد كانت البيئة الاقتصادية العالمية أيضا عاملا رئيسيا. أسعار الغذاء العالمية، على سبيل المثال، ارتفعت بشكل كبير في نهاية 2010 نتيجة لأسباب متنوعة تتراوح ما بين الكوارث الطبيعية وتغير المناخ لتحويل المحاصيل الغذائية إلى وقود حيوي وتفشي المضاربة في السلع الأساسية. اليوم تستورد كل من تونس ومصر الغذاء في حين كانتا تحققان الاكتفاء الذاتي في المواد الغذائية في الستينيات.
عتماد مصر على الواردات الغذائية حاليا يعكس خللا هيكليا رئيسيا في عدد من الاقتصاديات العربية والاقتصاديات الأخرى وفي الواقع في كل مكان حول العالم سواء في جنوب الكرة الأرضية أو شمالها. بدءا من الثمانينيات، فقد بدأت مصر في تنفيذ سياسات "الليبرالية الجديدة" والتي تتطلب إجراءات عديدة من بينها رفع القيود عن توزيع المنتجات الزراعية والقضاء على الدعم الزراعي ودعم المواد الغذائية.
إلى جانب ذلك، أدت الرأسمالية الليبرالية الجديدة أيضا إلى انفتاح السوق المحلية على واردات المواد الغذائية التي كانت أكثر قدرة على المنافسة، والتي بدورها أثرت على الإنتاج الغذائي المحلي. وبالتالي، انخفض الإنتاج الغذائي بشكل ملحوظ وأصبحت مصر دولة مستوردة صافية للأغذية، حتى إن ارتفاع معدل البطالة كان إلى حد ما نتيجة لهيمنة رأس المال النقدي، بدلا من رأس المال الموجه لأنشطة التصنيع أو قطاع الخدمات تماما وفق الرأسمالية الليبرالية الجديدة. مع صناديق التحوط والمصارف الاستثمارية والمضاربين بالعملة تركزت الأموال أكثر في أيدي عدد قليل.
لذا فإنه ليس من المستغرب أن يصبح التفاوت في الدخل والثروة أكثر وضوحا وحدة في مصر اليوم، بالمقارنة بفترة الستينيات وأوائل السبعينيات، ومن المهم أن تضع ذلك في الاعتبار، حين تجد غضب المتظاهرين تجاه ارتفاع أسعار المواد الغذائية والبطالة والفوارق الهائلة الاتساع.
الفساد
- 6وما العلاقة بين هذه القضايا الاقتصادية والفساد والمحسوبية للنخبة الحاكمة التي على مايبدو أيضا واحدة من الأسباب التي أدت إلى الثورة العربية؟
- عندما يعاني الناس من ارتفاع أسعار السلع الضرورية وانعدام فرص العمل، تتصاعد الاتهامات حول الفساد والمحسوبية في النخبة، لا سيما إذا كانت هي المتسببة في ذلك. فلا أحد ينكر أن هناك بلا شك قدرا كبيرا من الفساد على جميع المستويات في عدد من الدول العربية. وغالبا ما يرتبط بالأقارب والمقربين.
في تونس، كان هناك اتهامات حول فساد زين العابدين بن علي تم تداولها لفترة طويلة. وغالبا ما كانت تطال زوجته ليلى الطرابلسي، التي تعيش في البذخ والإسراف وهذه المفاسد أججت مشاعر الغضب لدى الشعب ولدى مئات الآلاف من المعارضين الراغبين في التغيير، فكلتا العائلتين (عائلة بن علي وعائلة زوجته) كانتا تمتلكان حصة في جميع الشركات الكبرى من بنوك وشركات الطيران وشركات الجملة والتجزئة. هذا الجشع حرض على الكراهية الشاملة.
الكثير من الغضب تجاه مبارك والفساد الدائر حوله خاصة حول ابنه جمال. فقد أدت المحسوبية للأب إلى تراكم ثروة الأسرة عبر تجاوزات استمرت على مدى 30 سنة من سنوات حكمه في مصر. وزاد الأمر سوءا محاولة مبارك توريث الحكم لابنه.
في اليمن أيضا، اضطر علي عبد الله صالح الذي يرأس البلاد منذ 1978 إلى التخلي عن مخططاته لتسليم مقاليد السلطة لابنه أحمد، بعد تصاعد الاحتجاج الشعبي ليعلن أنه ليس لديه هذه النية وأنه سوف يتخلى عن منصبه عندما تنتهي ولايته في 2013 بينما استمرت مطالبات الشعب بتخليه عن منصبه في الفترة السابقة.
7- أليس بقاء هؤلاء القادة في مناصبهم لعدة عقود ثم سعيهم لتوريث السلطة لذريتهم أحد الأسباب الرئيسية لتفجر الغضب في الشارع العربي؟
- سياسة الأسر الحاكمة سياسة بغيضة تحت أي ظرف من الظروف ولكنها تصبح أكثر بغضا حين يطول حكم الفرد طويلا مع غياب الثقة والأمانة.
في هذه المنطقة من العالم التي تقع فيها الدول العربية، وربما تكون المنطقة الوحيدة في العالم اليوم التي يرتقي فيها الحكام بدون انتخابات أو من خلال انتخابات صورية، وربما هي المنطقة الوحيدة التي تشهد أطول فترات حكم ومحاولات تسليم مقاليد السلطة إلى الأبناء. تشهد هذه المنطقة أيضا ندرة وجود البرلمانات المنتخبة، والمنافسة الانتخابية وفق التعددية الحزبية، وتفتقد غالبا المساءلة المؤسسية وشرعية المعارضة السياسية، أو استقلالية القضاء، وغيرها من قواعد الحكم الديمقراطي.
وبسبب غياب هذه الديمقراطية ثار هؤلاء الشباب ضد حكوماتهم الديكتاتورية التي تقمع حرية التعبير وتفتقد للمساءلة. فهم يمقتون القوانين القمعية، وأساليب التعذيب والقمع الوحشي للمعارضة المشروعة المرتبطة بهذه الأنظمة. وقد قررت شريحة من الجيل الأكبر سنا والذي استاء دائما من قمع النخب السياسية، التعاون مع الشباب. والنتيجة هي انفجار مشاعر الغضب التي نشهدها في العديد من دول المنطقة.
الشرارة
- 8في حين أن هذا الغضب قد تراكم على مدى فترة من الزمن، فلا بد من وجود شرارة لإطلاقه.
- في حالة تونس، تمثلت الشرارة في قيام الشاب محمد البوعزيزي بإشعال النار في جسده، وهو بائع خضر كان يكافح لتغطية نفقاته في خضم ارتفاع أسعار المواد الغذائية ويتعرض باستمرار لمضايقات من قبل السلطات البلدية، مما أثار مشاعر فياضة من الغضب. وبعد عشرة أيام من جنازته، وفي 14 يناير 2011، فر من البلاد زين العابدين بن علي الذي ظل في السلطة لمدة 23 عاما كاستجابة لنداء جميع طبقات المجتمع من أجل الإطاحة به. وهذا الأمر أعطى الأمل للشعوب في الأردن والجزائر ومصر الذين كانوا أيضا يحلمون بالتغيير. وعندما خرج مئات الآلاف من المصريين ليطالبوا بإسقاط الرئيس تشجع شعب اليمن للضغط على زعيمهم لإرغامه على الاستقالة.
ومن الواضح أن النضال ضد الاستبداد التونسي كان له تأثير المتوالية. فقد قام أربعة أشخاص في مصر بتقليد البوعزيزي في حرق أنفسهم. لكن ذلك لم يحرك الشعب الساكن، بل انطلقت الشرارة على يد شباب ناشط إلكترونيا حث المصريين على التجمع في مسيرة بميدان التحرير يوم 25 يناير، بعضهم من أعضاء حركة شباب 6 أبريل والتي لعبت دورا كبيرا في تنظيم الاحتجاجات الواسعة منذ ذلك اليوم، وكان لفتاة تدعى أسماء محفوظ دور مهم في حشد المتظاهرين.
-9 أليس من الإشارات المهمة انتشار خبر انتحار البوعزيزي، ونداء أسماء محفوظ، عبر وسائل الإعلام الجديدة؟
- ستخلد الثورة العربية لعام 2011 في التاريخ بوصفها الثورة التي تشكلت من قبل وسائل الإعلام الجديدة وتكنولوجيا الاتصال الجديدة والتي لا تقتصر فقط على مواقع الإنترنت والمدونات والفيس بوك، بل تشمل كاميرات الفيديو والهواتف المحمولة والتي كان لها نفس القدر من الأهمية في نقل الصور والرسائل التي ساعدت على تعبئة وحشد الجماهير في احتجاجاتهم.
العلاقة بين وسائط الإعلام الجديدة والتلفزيون أيضا تشكل عاملا حاسما في تعزيز زخم النضال من أجل التغيير وخاصة في مصر. وفي هذا الصدد، لعبت قناة الجزيرة دورا مهما في النضال العربي من أجل العدالة. وقد أظهرت وبعبارات لا لبس فيها أنها ملتزمة تماما بقضية الشعب. وبتبني هذا الموقف أجبرت الجزيرة شبكات التلفزيون الأخرى مثل سي إن إن والبي بي سي -التي تعبر عادة عن مصالح الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهما- على استيعاب الأصوات المعارضة من الشارع العربي والتي غالبا لا يسمعها الغرب.
الإخوان المسلمون
-10 هل المخاوف المستمرة من دور الإخوان المسلمين في الانتفاضة أصبحت تشبه الثورة الإسلامية في إيران والتي نسمع كثيرا في شبكة سي إن إن أنها تعمل وفق أجندتها؟
- حركة الإخوان واحدة من مجموعة متنوعة من الحركات والمنظمات التي تشارك في الاحتجاجات في مصر. ولكنها لم تكن هي الداعية للاحتجاجات. وبالطبع فهي كحركة شعبية لها سمعتها الطيبة في كونها أكثر الحركات انضباطا وتنظيما. وقد استمرت في ممارسة نشاطها على مدى أكثر من 80 عاما، على الرغم من أنها رسميا لا تزال محظورة.
على الرغم من أنها ليست سوى أحد العناصر الفاعلة في هذه اللحظة فإن بعض المعلقين الغربيين يعتقدون أن الإخوان سوف يتولون الحكم بمجرد تشكيل حكومة جديدة في مصر، كما حدث في إيران. مستدلين على أن العنصر الإسلامي في الثورة الإيرانية عام 1979 كان أيضا واحدا من عناصر الثورة، وفي غضون بضع سنوات، أصبحت النخبة الدينية راسخة في السلطة، وقامت بتنحية الجهات الفاعلة الأخرى.
أولئك الذين يعقدون هذه المقارنة يغفلون اثنين من الاختلافات المهمة. صحيح أن الثورة الإيرانية تنوعت طوائفها إلا أن آية الله الخميني اعتبر القائد العام للثورة نظرا لمؤهلاته الدينية وتضحيته ونكرانه الذات. في صراعه ضد شاه إيران لما يقرب من 20 سنة، سواء داخل البلاد أو في المنفى، ظهرت بوضوح رؤية الخميني للنضال والتغيير التي اتسمت بالطابع الديني في الأساس. كان هناك عدد من رجال الدين البارزين الآخرين مثل آية الله طالقاني وآية الله مطهري الذي كان أيضا على رأس الثورة الإيرانية. بالمقابل لا يوجد أحد من الإخوان يلعب مثل هذا الدور في انتفاضة مصر.
يعود ذلك بشكل جزئي لمكانة الخميني الذي كان قادرا على تشكيل إيران ما بعد الثورة في قالب ديني معين. وساعدت الحرب التي قادها صدام حسين من العراق -بدعم من عدد من الدول العربية وعلى مرأى ومسمع من الولايات المتحدة وبريطانيا ودول غربية أخرى، من 1980 حتى 1988- الخميني على تعزيز قبضته الدينية على شعبه. ليس هناك ما يشير إلى أن مثل هذه الظروف الاستثنائية التي سمح فيها بقيادة خاصة ذات توجه ديني معين لتعزيز موقفها ستتكرر في حالة مصر.
إلى جانب ذلك، فإن الإخوان الذين عرفوا في أوقات سابقة بالتشدد والمحافظة قد شهدوا بعض التغييرات المهمة. وأصبحت الجماعة من أكثر التيارات الدينية تسامحا، وأكثر تكيفا مع دور المرأة والأقليات غير المسلمة، وأقل تشددا بخصوص مفهومهم للدولة والقانون. ومن الجدير بالذكر أنه في أعقاب مذبحة كنيسة القديسين في مدينة الإسكندرية قبل بضعة أسابيع، لعب الإخوان دورا رئيسيا في إبراز التضامن المسيحي الإسلامي. ومن المفارقات، أن الحظر السياسي على الإخوان قد عزز من التزامهم بالمبادئ الإنسانية والرعاية الاجتماعية في الإسلام، ومع ذلك لا تزال هناك بعض العناصر داخل الإخوان الذين ما زالوا يلتزمون التفسير السطحي والحرفي لقواعد الإسلام وأوامره.
وبعبارة أخرى، فإن "الدولة الإسلامية" أو "الشريعة الإسلامية" ليست هي المشكلة. وإذا أكد الإخوان المسلمون على قبول الغرب مع قوته وهيمنته، سيصبح الغرب مستعدا جدا لقبول الإخوان. الولايات المتحدة والنخب الغربية الأخرى لم تكن متأكدة إذا كان الإخوان سوف يرفضون هيمنتها -كما فعلت القيادة الإيرانية الإسلامية- ويصرون على استقلال وسيادة مصر والشعب العربي ككل.
فهل سيحذو قيادات الإخوان حذو حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان من إصرار على الموقف المبدئي لتحرير الأراضي الفلسطينية والعربية الأخرى، وهل ستعارض إسرائيل وتصرفاتها الشائنة في المنطقة؟ هل سيعلي الإخوان شرف وكرامة المضطهدين وضحايا العدوان فوق مصالح النخب الأميركية والبريطانية والإسرائيلية؟ ولأن هذه الأسئلة مقلقة لأولئك الذين يسعون لإدامة هيمنتهم وقوتهم، يظل الإخوان والحديث عنهم قضية أساسية.
-11 ألا ينبغي على الولايات المتحدة والنخب الإسرائيلية بدلا من التركيز على الإخوان، أن يفكروا في الكيفية التي يمكن أن يلعبوا بها دورا بناء في العالم العربي يؤكد كرامته وشرفه؟
- هذا هو بالضبط ما ينبغي أن تفعله. فإذا كان الشعب نجح في إحداث تغيير جوهري في تونس ومصر وبلدان أخرى في المنطقة العربية فلا يمكن للولايات المتحدة والنخب الإسرائيلية أن تستمر في سياستها الحالية من السيطرة، والتلاعب والهيمنة على المنطقة من خلال النخب الذين يمثلون مصالحهم أكثر من حرصهم على رفاه الجماهير العربية. وينبغي أن تتكيف مع الحقائق الجديدة على الأرض.
بعبارات أكثر تحديدا، فإن هذا يعني تحقيق العدالة للفلسطينيين التي حرموا منها طوال العقود الستة الماضية. وينبغي أن يسمح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى موطنهم، وبقيام دولة فلسطينية جديدة في الضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها القدس.
وينبغي الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين والعرب الآخرين في السجون الإسرائيلية. وينبغي أن تعاد هضبة الجولان بكاملها إلى سوريا وينبغي إعادة مزارع شبعا إلى لبنان. وينبغي لإسرائيل القضاء على أسلحتها النووية لتعلن منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية. وإذا كانت الولايات المتحدة صادقة في ادعائها باحترام وتحقيق تطلعات شعوب المنطقة، فإنه ينبغي عليها إقناع بل وإجبار إسرائيل على اتخاذ هذه التدابير. وحينما تتجه إسرائيل نحو السلام القائم على العدل ستنال الاعتراف الرسمي بها من قبل دول المنطقة.
وفي حين سيكون حل الصراع العربي الإسرائيلي اختبارا لمدى صدق الولايات المتحدة في موقفها تجاه الشعب العربي، فإنه سيكون عليها أيضا أن تظهر من خلال تصرفاتها أنها لم تعد تسعى لإدامة هيمنتها السياسية أو الاقتصادية في أي مكان في المنطقة. وينبغي ألا تحاول الحفاظ على سيطرتها السياسية على المنطقة عن طريق ضمان وصول عملائها للسلطة من خلال صناديق الاقتراع.
يتعين على الولايات المتحدة أيضا وقف اتخاذ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من المؤسسات ترتيبات لتمرير السياسات الرأسمالية الليبرالية الجديدة والبرامج التي من الواضح أنها معادية لمصلحة الشعب. وبدلا من محاولة تشكيل مصير العالم العربي لغرض هيمنتها الخاصة، ينبغي أن تتعلم النخب الأمريكية احترام استقلالية وسلامة الشعوب. وينبغي لها أن تسمح للشعوب بتسخير قوتها الدينية والثقافية من أجل بناء مستقبلهم، بالاسترشاد برؤيتهم الخاصة.
خاتمة الانتفاضات
-12 أخيرا، هل ترى أن هناك خاتمة لهذه الانتفاضة العربية؟
- حتى في تونس حيث نجح الشعب في إجبار الدكتاتور على الرحيل، فإن الوضع لا يزال في حالة تغير مستمر. وقد وعدت الحكومة المؤقتة بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وأدخلت بعض الإصلاحات الديمقراطية. لكن أجهزة السلطة في النظام القديم لا تزال قائمة. ولم يتم السماح لكل الحركات المحظورة بممارسة العمل بحرية في إطار شرعي. ولا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين.
في الأردن، أقال الملك عبد الله حكومته ردا على السخط الشعبي ولكن ينظر إلى هذا الإجراء على أنه محاولة تجميل للنظام. وحققت الجزائر بعض التغييرات السطحية في بعض من قوانينها الصارمة في حين فشل الرئيس اليمني في قمع الاحتجاجات، على الرغم من تعهده بعدم ترشيح نفسه مرة أخرى.
ومع ذلك، فإن الوضع السائد في مصر هو أكثر الأمور غير المتوقعة. فقد دخلت الاحتجاجات الجماهيرية أسبوعها الثالث، وبدأت أعداد المتظاهرين في ميدان التحرير في التناقص، بعد إعلان الرئيس مبارك قبل بضعة أيام أنه سيترك الحكم في سبتمبر 2011، فشعر بعض المتظاهرين أنهم حققوا هدفهم وليس هناك أي سبب لمواصلة حملتهم.
وقد بدأت الآن محادثات بين نظام مبارك الذي يمثله نائب الرئيس المعين عمر سليمان، وطائفة واسعة من الأحزاب السياسية والجماعات المدنية التي تمثل حركة الاحتجاج، بما في ذلك جماعة الإخوان المحظورة. وفقا لتقارير إخبارية فإن الاجتماع الأول ناقش التعديلات التي أدخلت على الدستور المصري، والإصلاحات الديمقراطية المختلفة، وخطط لمكافحة الفساد ومحاكمة الفاسدين الذين كانوا يستغلون سلطتهم. ما هو مهم في هذه المحادثات، كما يبدو لي، هو لإقناع المعارضين للنظام بإنشاء آليات مؤسسية فعالة على الفور من شأنها أن تضمن انتخابات حرة ونزيهة لرئاسة الجمهورية في سبتمبر 2011. وهذا يتطلب ليس فقط لجنة انتخابية مستقلة، ولكنه أيضا حرية كاملة لجميع الطامحين للمنافسة على أعلى منصب في البلاد.
ينبغي أن يكون التحضير لهذه الانتخابات المصيرية واحدا من أولويات الحركة من أجل التغيير. فعناصر الحركة المختلفة، والمتباينة ينبغي أن تصبح أكثر اتحادا وتماسكا. وينبغي عليهم اختيار المرشح لرئاسة الجمهورية الذي يجسد تطلعات الشعب ونضاله من أجل العدالة والحرية. وأيضا يسعى لتحرير مصر من الفجوة الاقتصادية الهائلة بين من يملكون ومن لا يملكون، ينبغي أيضا على المرشح للرئاسة أن يضع على رأس جدول أعماله التوصل إلى حل عادل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني يقوم على أساس حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
ومن المشكوك فيه أن يقوم النظام الحاكم في القاهرة المنحاز للمصالح الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية بالسماح بوجود مثل هذا المرشح. وسوف يسعون في الأسابيع والأشهر القليلة القادمة إلى "إدارة التغيير" بطريقة لا تلبي إرادة الشعب. فإدارة التغيير بالنسبة لهم تعني إجراء بعض التغييرات التجميلية السطحية هنا وهناك والتي يأملون أن تكون كافية لإرضاء الشعب. فهدفهم الأساسي، بلا شك يتمثل في صون وتعزيز مصالحهم المكتسبة، التي تدور حول إسرائيل والنفط. وسيكون من العار إذا نجحوا في تحقيق هدفهم.
فهل سيصبح قتل المئات الذين ضحوا بحياتهم في الثورة العربية عبثا. وهل أحلام آلاف من الشابات والشبان الذين لديهم الشجاعة لتحدي الدكتاتورستبقى حبرا على ورق؟كيف نسمح للأغنياء والأقوياء بسحق آمال الفقراء والضعفاء من خلال الخدع الشيطانية؟ لماذا ينبغي إحباط وتخييب الآمال؟
--------------------------------------------------------------------------------
*المقال منشور 7 فبراير 2011 على الرابط التالي:

http://www.islamonline.net/ar/IOLStudies_C/1278407446261/1278406720653/IOLStudies_C



مستقبل المسلمين السكاني حتى عام 2030


قراءة في تقرير
منتدى مركز بيو للدين حول سكان العالم الإسلامي

أمل خيري
إسلام أون لاين

يحتل العالم الإسلامي أهمية بالغة لدى صانعي القرار في الدول الغربية، الأمر الذي يظهر في اهتمام مراكز الأبحاث الغربية برصد التحولات الأساسية في العالم الإسلامي، ودراسة اتجاهات
النمو السكاني، إضافة للدراسات المستقبلية المستفيضة حول توقعات نسب وأعداد المسلمين في العالم ومدى تأثيرها على الخطط السياسية في الدول المتقدمة.
ومن بين أهم مراكز الأبحاث المهتمة بدراسة العالم الإسلامي منتدى مركز بيو للدين والحياة العامة Pew Forum on Religion & Public Life الذي أصدر تقريرا شاملا يوم 27 يناير 2011 من 221 صفحة بعنوان "مستقبل سكان العالم الإسلامي: توقعات بين عامي 2010- 2030" The future of the global Muslim population.
ويسعى التقرير إلىتقديم تقديرات حول النمو السكاني بين مسلمي العالم خلال العقدين القادمين، استنادا إلى الاتجاهات الديموجرافية في العقود السابقة، وإلى توقعات مستقبلية بناء على افتراضات أولية، من بينها على سبيل المثال أنالتغيرات التي طرأت علىالمناخالسياسيفي الولاياتالمتحدةأوالدول الأوروبية، يمكن أن تؤثربشكل كبير علىأنماطهجرة المسلمين.
توقعات أولية
يتوقع التقرير أن يزيد عدد مسلمي العالم بنحو35% فيالسنواتالعشرين المقبلة، حيث يتوقع ارتفاعه من 1,6 مليار عام 2010 إلى 2,2 مليار بحلول عام 2030. وعلى الصعيد العالمي يتوقع نمو عدد المسلمين بمعدل الضعف عن باقي سكان العالم من غير المسلمين على مدى العقدين المقبلين؛ حيث يتوقع أن يصل متوسطمعدل النمو السنوي للمسلمين إلى 1,5% سنويا مقابل 0,7% لغير المسلمين. وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإن المسلمين عام 2030 سيشكلون نسبة 26,4% من مجموع سكانالعالم (الذي يتوقع أن يصل إلى 8,3 مليار نسمة)، مقارنة بالنسبة الحالية التي تقدر بـ 23,4% من إجمالي سكان العالم البالغ 6,9مليار نسمة اليوم.
ومع ذلك فمن المتوقع أن ينمو عدد المسلمين بمعدل أبطأ في العقدين المقبلين مما كان عليه في العقدين السابقين، ففي الفترة من 1990 إلى 2010 كان معدل النمو السنوي للمسلمين 2,2%، بينما يتوقع انخفاضه إلى 1,5% في الفترة من 2010 حتى 2030.
ويشير التقرير إلى أنه إذا استمرت الاتجاهات الحالية في النمو السكاني فيتوقع أن تصبح هناك حوالي 79 دولة يزيد عدد سكان المسلمين فيها عن مليون نسمة عام 2030 مقابل 72 دولة اليوم. وسيظل غالبية مسلمي العالم (حوالي 60%) يعيشون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، في حين يتوقع أن يعيش حوالي 20% من المسلمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما هو الحال نفسه اليوم.
ولكن من المتوقع أن تصبح باكستان أكبر دولة في العالم من حيث عدد المسلمين لتتجاوز إندونيسيا، كما يتوقع أن يواصل عدد المسلمين في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ارتفاعه، فعلى سبيل المثال، من المرجح أن يزيد عدد مسلمي نيجيريا عن عددهم في مصر خلال عشرين عاما. ومع ذلك سوف يظل المسلمون أقليات صغيرة نسبيا في أوروبا والأمريكتين، ولكن من المتوقع أن تتزايد نسبتهم من إجمالي عدد السكان في هذه المناطق.
أوروبا والولايات المتحدة
ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يتوقع أن يتزايد عدد المسلمين بأكثر من الضعف خلال العقدين القادمين، ليرتفع من 2,6 مليون عام 2010 إلى 6,2 مليون في عام 2030، ويعود ذلك بشكل أساسي لتزايد معدل الهجرة من ناحية وارتفاع معدل الخصوبة لدى المسلمين من ناحية ثانية. ومن المتوقع أن تزيد نسبة المسلمين من إجمالي سكان الولايات المتحدة من 0,8% في 2010 إلى 1,7% في 2030. وعلى الرغم من أن العديد من الدول الأوروبية سترتفع نسبة المسلمين بها إلا أن الولايات المتحدة سيكون لديها أكبر عدد من المسلمين بحلول عام 2030 مقارنة بالدول الأوروبية.
وفي أوروبا، من المتوقع أن ترتفع نسبة المسلمين من 6% عام 2010 إلى 8% بحلول 2030، حيث تشير التوقعات إلى ارتفاع عدد مسلمي أووربا من 44,1 مليون حاليا إلى 58,2 مليون في 2030.
على سبيل المثال يتوقع أن يشكل المسلمون في المملكة المتحدة نسبة 8,2% من السكان في 2030، ارتفاعا من 4,6% اليوم، وفي النمسا من المتوقع أن يصل إلى 9,3% من السكان في عام 2030، ارتفاعا من 5,7% اليوم، وفي السويد 9,9% مقابل 4,9%، وفي بلجيكا 10,2% مقابل 6% اليوم، وفي فرنسا 10,3% مقابل 7,5% اليوم.
وهناك عدة عوامل تتسبب في هذه الزيادة تعود في أغلبها للهجرات، وكذلك إلى ارتفاع معدلات الخصوبة (عدد الأطفال لكل امرأة) لدى المسلمين مقارنة بغيرهم. بالإضافة لذلك فقد أدى التحسن في الصحة والظروف الاقتصادية في البلدان ذات الأغلبية المسلمة إلى انخفاض أكبر من المتوسط في معدلات وفيات الرضع والأطفال، وارتفاع متوسط العمر المتوقع، ومع ذلك، ينبغي ألا تحجب هذه التوقعات اتجاها ديموجرافيا آخر مهماً يتمثل في تباطؤ معدل النمو بين المسلمين في العقود الأخيرة، ومن المرجح أن يستمر في الانخفاض على مدى العقدين المقبلين.
ففي الفترة من 1990 - 2000 بلغ معدل نمو السكان المسلمين السنوي 2,3%. لينخفض إلى 2,1% من 2000 - 2010، ومن المتوقع أن ينخفض إلى 1,7% ما بين 2010 - 2020 ثم 1,4% من 2020 - 2030 (أو 1,5% سنوياً خلال العشرين سنة من 2010 - 2020).
ويفسر التقرير هذا التراجع بانخفاض معدل الخصوبة في كثير من البلدان ذات الأغلبية المسلمة كإندونيسيا وبنجلاديش، مع ارتفاع معدلات تعليم الفتيات ومستوى المعيشة والانتقال من الريف للمدن. ويشير التقرير إلى أن معدل تباطؤ نمو المسلمين يزيد وضوحا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا، بينما تقل حدته في أفريقيا جنوب الصحراء، أما المنطقة الوحيدة التي ستشهد نموا متسارعا فهي الأمريكتين بسبب الهجرة بالطبع.
من الفتوة للشيخوخة
تحمل التوقعات السابقة دلالات بالغة الأهمية؛ فتراجع معدلات المواليد سوف يؤدي في النهاية لتحولات كبيرة في الهيكل العمري للمسلمين، ففي حين شهد العالم الإسلامي عام 1999 ما سمي "طفرة الشباب" أي ارتفاع نسبة المسلمين في سن المراهقة والشباب؛ حيث كان أكثر من ثلثي السكان في البلدان ذات الأغلبية المسلمة دون سن الثلاثين، في حين يشكلون اليوم 60% فقط وبحلول عام 2030 يتوقع أن يصلوا إلى 50%.
في الوقت نفسه يتوقع أن يتزايد أعداد كبار السن في هذه البلدان خلال العقدين القادمين، حيث تزيد نسبة السكان فوق الثلاثين من 40% اليوم مقابل 50% عام 2030، وأن ترتفع نسبة السكان فوق الستين من 7% اليوم إلى 12% عام 2030.
مع ذلك يؤكد التقرير أن ارتفاع نسب الشيخوخة ليست قاصرة على المسلمين فقط، بل هي ظاهرة عامة سيشهدها العالم، وبالتالي ستظل المجتمعات المسلمة فتية نسبيا مقارنة بالمجتمعات الأخرى لعدة عقود مقبلة. فمتوسط العمر في البلدان ذات الأغلبية المسلمة على سبيل المثال ارتفع من 19 في 1990 إلى 24 في عام 2010، ويتوقع أن يرتفع إلى 30 بحلول عام 2030. ولكنه لا يزال أقل من متوسط العمر في أمريكا الشمالية وأوروبا وغيرها من المناطق الأكثر نموا، الذي ارتفع من 34 إلى 40 بين عامي 1990 و 2010، ومن المتوقع أن يصبح 44 في عام 2030.
توزيع المسلمين في العالم
تناول التقرير في سياقه توقعات التوزيع الجغرافي للمسلمين في العالم خلال العقدين المقبلين ويمكن إيجاز أهم النتائج التي توصل إليها التقرير فيما يلي:
على المستوى العالمي:
· سيظل المسلمون السنة يشكلون الأغلبية الساحقة من المسلمين في عام 2030 (ما بين 87 - 90%). وسيتراجع عدد الشيعة بسبب انخفاض معدل الخصوبة النسبي في إيران، حيث يعيش أكثر من ثلث الشيعة.
· اعتبارا من عام 2010، سوف يتركز نحو ثلاثة أرباع المسلمين في العالم (74,1%) في 49 دولة ذات أغلبية مسلمة، وأكثر من خمس المسلمين في العالم (23,3%) سيعيشون في دول ذات أغلبية غير مسلمة في العالم النامي. بينما يعيش حوالي 3% من المسلمين في العالم في المناطق الأكثر نموا ، مثل أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا واليابان.
· ترتبط معدلات الخصوبة في البلدان ذات الأغلبية المسلمة ارتباطا وثيقا بمستويات تعليم المرأة. ففي البلدان التي تتلقى الفتيات عموما عدد سنوات دراسية أقل، يصل متوسط معدل الخصوبة خمس أطفال لكل امرأة أي أكثر من ضعف المعدل المتوسط (2,3 طفل لكل امرأة) في البلدان التي تتلقى فيها الفتيات عموما سنوات دراسية أعلى. الاستثناء الوحيد من ذلك الأراضي الفلسطينية حيث يصل متوسط معدل الخصوبة إلى (4,5 طفل لكل امرأة) وهو معدل مرتفع نسبيا على الرغم من أن كل طفلة تولد هناك اليوم يتوقع لها الحصول على ما لا يقل عن 14 عاما من التعليم النظامي.
· أقل من نصف النساء المتزوجات (47,8%) اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15-49 في البلدان ذات الأغلبية المسلمة قد استخدمن شكلا من أشكال تنظيم النسل. بالمقارنة بغيرهن من النساء في نفس الفئة العمرية في الدول الأقل نموا فإن نسبة استخدام وسائل تنظيم النسل تصل إلى ما يقرب من الثلثين (63,3%).

في آسيا والمحيط الهادئ:
· ما يقرب من ثلاثة من كل عشرة من السكان في منطقة آسيا والمحيط الهادئ (27,3%) سيكون مسلما في عام 2030، ارتفاعا من (24,8%) في عام 2010، و21,6% عام 1990.
· لا يشكل المسلمون سوى نحو 2% من السكان في الصين، ويعود ذلك لارتفاع عدد السكان في البلاد، ومع ذلك من المتوقع أن تصبح الصين في الترتيب التاسع عشر من حيث الدول التي تضم أكبر عدد من المسلمين بحلول عام 2030.

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:

· منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال لديها أعلى نسبة من البلدان ذات الأغلبية المسلمة. فهناك عشرون دولة في هذه المنطقة، يتوقع أن يزيد عدد المسلمين فيها عن نصف أعداد السكان، وهناك 17 دولة يتوقع أن يمثل المسلمون ما لا يقل عن 75% من إجمالي عدد السكان في 2030.
· ومن المتوقع أن تبلغ نسبة المسلمين ما يقرب من الربع (23,2%) من سكان إسرائيل([1])عام 2030، ارتفاعا من 17,7% في 2010 و 14,1% في عام 1990. ليصبح عدد المسلمين فيها 2,1 مليون نسمة بحلول 2030.
· مصر والجزائر والمغرب لديها حاليا أكبر عدد من المسلمين في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ولكن بحلول عام 2030، من المتوقع أن يكون العراق ثاني أكبر دولة في المنطقة من حيث عدد المسلمين بعد مصر لارتفاع معدل الخصوبة في العراق عنه في الجزائر أو المغرب.

أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى:
· من المتوقع أن تقترب نسبة المسلمين لإجمالي السكان في أفريقيا جنوب الصحراء من 60% تقريبا في السنوات العشرين المقبلة، ليرتفع عدد المسلمين من 242,5 مليون نسمة حاليا إلى 385,9 مليون في عام 2030. وبما أن سكان المنطقة من غير المسلمين تتزايد أعدادهم أيضا بوتيرة سريعة، لذا فمن المتوقع أن نسبة المسلمين لن تشكل سوى 31% من سكان المنطقة عام 2030 مقابل 29,6% عام 2010.
· ووفقا لمختلف الدراسات الاستقصائية التي تقدم نسبا متباينة في أعداد المسلمين والمسيحيين في نيجيريا، والتي يبدو فيها تساوي النسبة بينهما في 2010. فيتوقع التقرير أنه بحلول عام 2030، لن تزيد نسبة المسلمين عن 51,5% فقط من إجمالي عدد السكان.
في أوروبا:
·يتوقع التقرير أن يشكل المسلمون في عام 2030 أكثر من 10% من مجموع السكان في البلدان الأوروبية العشرة التالية: كوسوفو (93,5%) ، وألبانيا (83,2%) ، والبوسنة والهرسك (42,7%) ، جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة (40,3%) والجبل الأسود (21,5%) وبلغاريا (15,7%) وروسيا (14,4%) ، وجورجيا (11,5%) وفرنسا (10,3%) وبلجيكا (10,2%).
· ومن حيث الأرقام المطلقة ستظل روسيا الدولة الأوروبية الأكبر من حيث عدد المسلمين في عام 2030، حيث من المتوقع ارتفاع عددهم من 16,4 مليون في 2010 إلى 18,6 مليون في عام 2030. ومن المتوقع أن يزيد معدل النمو السكاني للمسلمين ليصبح 0,6% سنويا خلال العقدين المقبلين. مقابل انخفاض معدل نمو غير المسلمين خلال الفترة نفسها ليصل إلى 0,6% أيضا.

وفي الأمريكتين:
· من المتوقع أن يتضاعف عدد المسلمين في كندا إلى ثلاثة أضعاف تقريبا في السنوات العشرين المقبلة، ليرتفع من حوالي 940,000 في عام 2010 إلى ما يقرب من 2,7 مليون في 2030. ومن المتوقع أن يشكل المسلمون 6,6% من إجمالي سكان كندا في عام 2030، ارتفاعا من 2,8% اليوم.
· ومن المتوقع أيضا أن تصبح الأرجنتين ثالث أكبر دولة من حيث عدد المسلمين في الأمريكتين، بعد الولايات المتحدة وكندا. في حين تعتبر اليوم ثاني دولة بعد الولايات المتحدة مباشرة بعدد يقارب المليون مسلم.
·لا يشكل الأطفال تحت سن 15 سنة اليوم سوى نسبة ضئيلة نسبيا من عدد المسلمين في الولايات المتحدة، تقدر بحوالي 13,1%، وهذا يعكس حقيقة أن نسبة كبيرة من المهاجرين الجدد من المسلمين الذين وصلوا الولايات المتحدة هم من البالغين. لكن بحلول عام 2030، يتوقع أن يُكوِّن العديد من هؤلاء المهاجرين أسرهم الخاصة. وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإن عدد المسلمين في الولايات المتحدة تحت سن 15 سيصبح أكثر من ثلاثة أضعاف، ليرتفع من أقل من 500,000 في 2010 إلى 1,8مليون عام 2030. ومن المتوقع كذلك أن يرتفع عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن أربع سنوات من أقل من 200,000 اليوم إلى أكثر من 650,000 في 2030.
· حوالي ثلثي المسلمين في الولايات المتحدة اليوم (64,5%) هم من الجيل الأول من المهاجرين (مولودين في الخارج)، في حين تقدر نسبة المولودين في الولايات المتحدة بحوالي 35,5% اليوم. وبحلول عام 2030 يتوقع أن تصل نسبة المولودين داخل الولايات المتحدة 44,9% من إجمالي عدد المسلمين.
· ومن حيث الأصول المهاجرة سجلت باكستان وبنجلاديش أعلى عدد من المهاجرين للولايات المتحدة عام 2009، ومن المتوقع أن تظل كذلك أيضا في 2030.

حول التقرير
يؤكد التقرير أن البيانات الواردة فيه هي فقط مجرد توقعات، ورغم أنها مبنية على البيانات السكانية الحالية والافتراضات حول الاتجاهات الديموجرافية، فإن هناك العديد من العوامل غير المتوقعة التي يمكن أن تغير هذه البيانات وتجعلها غير دقيقة، مثل قوانين الهجرة والأوضاع الاقتصادية والكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة، والاكتشافات العلمية، والحركات الاجتماعية والاضطرابات السياسية -على سبيل المثال لا الحصر– فكل هذه الأمور قد تحول من الاتجاهات الديموجرافية بطرق غير متوقعة. ولهذا السبب اقتصرت التوقعات على عشرين سنة مقبلة فقط، ومع ذلك وفقا للتقرير فليس هناك ما يضمن أن ينمو المسلمون بنفس المعدلات المتوقعة تماما، إذ ربما تتأثر هذه المعدلات بأحداث غير متوقعة.
قدم التقرير أيضا ثلاثة سيناريوهات محتملة حول النمو السكاني بين المسلمين تتراوح بين الارتفاع والانخفاض، ولكن الأرقام والنسب التي ذكرها في نتائجه تمثل السيناريو الأوسط بين هذه الاحتمالات، والتي قام بها خبراء الديموجرافيا في منتدى بيو، والذين تعاونوا مع باحثين في المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية في النمسا (IIASA).
وتم استخراج البيانات السكانية الحالية التي قدمها التقرير من أفضل المصادر المتاحة عن تعداد المسلمين في دول العالم البالغ عددها 232 دولة عضواً في الأمم المتحدة. ونشرت العديد من هذه الإحصاءات الأساسية في تقرير لمنتدى بيو عام 2009، وتم الاستعانة بأكثر من 1500 مصدر للبيانات –تقارير التعداد والدراسات السكانية والمسوحات السكانية العامة- في تصميم الخرائط والجداول الإحصائية.
ومن بين ما أكد عليه التقرير أن تعريف كلمة مسلم هنا شامل لحد كبير حيث يتم احتساب كل من ولد لأبوين مسلمين بغض النظر عن كونه علماني المذهب، فالتقرير يقتصر على التنبؤ بأعداد السكان دون رصد مستويات التدين أو العلمانية في العقود المقبلة.


[1] يستخدم التقرير مصطلح الشرق الأوسط باعتباره المنطقة التي تضم 13 دولة: البحرين، العراق، الأردن، الكويت، لبنان، عمان، قطر، السعودية، الجزائر، سوريا، الإمارات العربية، اليمن، ويضم إليها دولة إسرائيل والتي تشمل أيضا القدس بحسب التقرير، بينما يشير إلى فلسطين بعبارة الأراضي المحتلة ويقصد بها الضفة الغربية وقطاع غزة.
http://www.islamonline.net/ar/IOLStudies_C/1278407431261/1278406720653/IOLStudies_C

السبت، 12 فبراير 2011

في صباح الحرية رسائل قصيرة لكل مصري



أمل خيري
ربما تكون كلمات سريعة غير مرتبة لكنها ظلت تلح علي أثناء عودتي من ميدان الكرامة بعد انتصار ثورة الشعب. رسائل قصيرة لكل مصري وليبحث كل منا عن نفسه في هذه الرسائل.
في البداية أرجو ألا ننسى في غمرة فرحتنا إخوتنا الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء للحرية، فهم وقود الثورة. لا أقل من أن نقيم لهم نصب تذكاري في قلب ميدان التحرير تنقش عليه أسماؤهم، ونقيم لهم جنازة عسكرية رمزية، وتطلق أسماؤهم على شوارع وميادين الوطن، وعلى مدارس ومكتبات حملت لعقود أسماء الطغاة والفاسدين.
ومن ميزانية الدولة تصرف تعويضات لأسرهم وإن كانت كل كنوز الدنيا لا تقدر ثمن تضحياتهم. ولا أقل من أن يحاكم القتلة والمتسببين في قتلهم محاكمة جماعية في ميدان التحرير، ويتخذ بحقهم القصاص العادل الذي يشفي صدور كل المصريين الشرفاء.
أبطال وضحايا الثورة
الجرحى والمصابين أيضا لا يجب أن ننساهم، هناك من أصيبوا بالعجز الكامل والجزئي، هناك من فقدوا أبصارهم وهناك من فقدوا أطرافهم وأصيبوا بعاهات مستديمة تقعدهم عن العمل وأغلبهم من شباب لا يتعد الثامنة عشر، يأتي هنا دور رجال الأعمال الشرفاء الذين تزخر بهم مصر سواء من مساندتهم في العلاج ولو في الخارج، وتوفير فرص عمل لهم، وكما أنشئت جمعية المحاربين القدماء وضحايا الحرب منذ أكتوبر 1973، على مؤسسات المجتمع المدني أن تنشئ جمعية أبطال الثورة وضحاياها، وتصرف لهم تعويضات مناسبة.
الآباء والأمهات وكل الأسر المصرية التي وقفت وراء شبابنا تحمي ظهره وتدفعه للخروج والثبات، والذين شاركوا بأنفسهم في الثورة وانضموا للشباب الذي فجر الثورة تحية لكم، وتقدير فقد قدمتم صورة مشرفة للأسرة المصرية نسيناه بل ربما لم نتوقعه.
إعادة الإعمار
شباب مصر مازال أمامكم الكثير في مرحلة البناء وإعادة الإعمار، نريد مصر جميلة نظيفة، فقد أصبحت الآن البلد بلدكم، التي أخرجت أجمل ما فيكم من قيم وأخلاقيات ونظام ونظافة لم نكن لنكتشفها لولا المحنة التي عاشها الوطن. لنبدأ حملات تنظيف الأحياء، لنعمل مسابقة لأجمل حي، لنرفع اللافتات منذ الآن في كل الأحياء تذكرنا بقيمة النظافة والجمال، من اليوم لن ننتظر البلدية أو كناسي الحكومة لينظفون شوارعنا، لن يلقي أحد منا ورقة، لن نترك من يشوه جمال أحيائنا ووطننا.
رجال السياسة والقانون أمامكم مهمات ضخمة في إعداد الدستور الجديد أو تعديل مواد الدستور القديم بما يتلائم وطموحات الشعب في التحول نحو ديمقراطية حقيقية، وحرية وعدل وكرامة، عليكم مسئولية كبيرة للإصلاحات الدستورية والتشريعية التي تضمن إستقلال القضاء والفصل بين السلطات واعتماد مبدأ المحاسبة والمسئولية السياسية.
رجال الإعلام الشرفاء الذين لم يتلونوا طوال الأيام الماضية، وظهر معدنهم الأصيل، عليهم أيضا أن يعملوا الفترة القادمة على تطهير الجهاز الإعلامي من المنافقين والمضللين والمطبلين والزمارين الذين يتلونون على كل الأوجه ويسيرون مع جميع الموجات ويلعبون على كل الحبال، فهذه المحنة محصت القلوب وميزت بين الأقلام وشباب الثورة أصبح واعيا بل كل الشعب أصبح لديه الوعي الكافي للتمييز بين الغث والسمين.
رجال القوات المسلحة البواسل وفيتم حتى الآن بوعدكم، ونرجو أن تكملوا دوركم الرائع حتى تسلموا السلطة لحكومة مدنية منتخبة من الشعب في أقرب وقت، لتظل مكانتكم العظيمة في وعي وعقل كل مصري، ولتحتفظوا بدوركم التاريخي في الحفاظ على الشرعية الشعبية ومكتسبات الوطن.
اللعبة الديمقراطية
الأحزاب السياسية ليتها في العهد الجديد تعيد ترتيب البيت من الداخل وتعيد تنظيم الصفوف، وتنزل للشارع وتتحدث باسم المواطنين الحقيقيين لتستعيد دور الأحزاب الرائد في تاريخ الأمم الحديثة، ولتتوقف عن كونها أحزاب ورقية لا وجود لها إلا على الورق، ولتسعى للمنافسة الشريفة في ظل جو ديمقراطي حقيقي.
الإخوان المسلمون أيضا أقول لهم لقد أديتم دورا رائعا عبر تاريخكم المشرف كحركة دعوية اجتماعية، رغم إلصاق كلمة المحظورة بكم. واليوم في عهد جديد جاءت الفرصة لتعملوا في النور وفق قواعد اللعبة الديمقراطية، ننتظر منكم حزبا سياسيا بلا شعارات يسعى لتحقيق العدالة والكرامة والتنمية لكافة أطياف المجتمع، استلهموا تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا بما يتوافق مع طبيعة النظام المصري وخصوصياته.
وقد أثبتم في الأيام الماضية أنكم انصهرتم في الثورة حتى لم يستطع الكثير تمييزكم عن غيركم وأنكم لم تسعوا للعمل لحسابكم الخاص ولم ترفعوا شعارا واحدا يفرق الأمة، فليتكم تسيرون على نفس الهدي. ويمكن أن يسير الحزب بجانب الجماعة بحيث تظل الأخيرة محافظة على نفس نهجها الدعوي والاجتماعي الرائد، ويختص الحزب بالدور السياسي المدني، الذي يتنافس كغيره من الأحزاب في ظل العملية الديمقراطية السليمة التي تضمن تداول السلطة.
طيور الظلام
كما أتوجه إلى طيور الظلام الذي لم يرحبوا بالثورة منذ بدايتها، والذين ارتبطوا بالنظام السابق وتلاقت مصالحهم مع بقائه سنوات طويلة، لا تحاولوا الالتفاف على الثورة أو سحقها فهي أقوى منكم، حاولوا أن تعيشوا في النور، وأن تجربوا الطهارة والنقاء، وتتخلوا عن الفساد الذي التصق بكم دهرا، وتوبوا إلى الله توبة نصوح وأعيدوا للوطن ما سلبتموه منه، ستشعرون بالفارق وستستعيدون احترامكم لأنفسكم. وإن لم تستطيعوا أن تمحو عن أنفسكم أدران الفساد وأوحاله، فكفوا أيديكم عن ثورتنا، ولا تعبثوا بأمن الوطن الذي ادعيتم أنكم تحمونه وتدافعون عنه.
أما الأغلبية الصامتة فقد جاء الوقت لتنحية الخوف، والتخلي عن السلبية واللامبالاة والأنانية، علموا أبناءكم الانتماء والحرية والكرامة فلو كنتم خرجتم وشاركتم منذ بداية الثورة لما فقدنا كل هؤلاء الشهداء، وقوفكم في خانة المتفرج أطال أمد الثورة وأزهق المزيد من الأرواح، نرجو ألا يتكرر ذلك.
سيناء الحبيية نسيناك كثيرا، لماذا لا ننشئ فيها عاصمة جديدة تتركز فيها مقرات الوزارات والهيئات الحكومية ونبدأ ثورة التعمير المدني الحقيقية ليتلاحم بدو سيناء مع الشعب المصري في نسيج واحد بدلا من أن تظل علاقة أهل سيناء بالدولة والشرطة علاقة عداء وثأر وانتقام، فلنتشارك في إعمار سيناء وإدماجها في النسيج المصري لنستعيد ولاء أهلها وثقتهم في الوطن.
صباح الأمل
لكل شباب الثورة أقول لكم شكرا لقد أعدتم إحياء الأمل في نفوسنا، لقد أظهرتم أجمل ما فينا، وساعدتم كل المصريين على نبذ الخوف والسير بجانب الحيطان، نحن الذين لم نعايش أجواء ثورة يوليو ولا حرب أكتوبر، وكنا نعتقد أننا سنحيا ونموت في ظل الديكتاتورية أمدا طويلا ولن نرى أجواء الحرية.
أعدتم لنا الأمل، وجعلتمونا نحيا لحظات رائعة سيخلدها التاريخ ونظل نرويها لأبنائنا وأحفادنا إن امتد بنا العمر كثورة بيضاء حضارية لم يشهدها التاريخ. شكرا لكم من جميع المصريين الذين يقدمون أيضا اعتذارهم لأنهم تشككوا في انتمائكم ووعيكم قبل ثلاث أسابيع فقط، فقد أثبتم أنكم واعون أكثر من جيل آبائكم، وأكثر انتماءا وعزة وكرامة.
وأخيرا شكرا فيس بوك وتويتر، شكرا لكل وسائل الإعلام الأجنبية والعربية التي غطت الأحداث بمهنية، والتي أنقذتنا من غيابة الإعلام الرسمي الذي أعادنا لحقبة الستينيات.
تحيا الحرية... تحيا الكرامة. وصباح الخير يا مصر.