الخميس، 26 يناير 2006

المعلم الداعية في مدرسة الهجرة


تحقيق- أمل خيري.....

يعد دور المعلم الداعية مع طلابه من أجلِّ الطاعات ومن أشرف سبل الدعوة إلى الله؛ لأن ما يُبلغه هو ميراث الأنبياء، قال- صلى الله عليه وسلم-: "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير".

فهو راعٍ ومسئولٌ عن رعيته الذين هم أبناء المسلمين، والمعلم الناجح يتعلم من مدرسة الهجرة، ويسعى إلى توظيف مادته العلمية في ترسيخ دروس وعبر الهجرة، ولكن هل يقتصر الأمر على مدرس التربية الإسلامية أو مدرس العلوم الشرعية فقط ؟ أم يشترك فيه جميع المعلمين؟!

درس العلوم
يقول أحمد كمال (مدرس علوم): أوظف دروسَ الهجرة في دروسي حسب ما يناسبها، فمثلاً عند شرح ظاهرة الإبصار نقول للطلاب: إنَّ الإنسان يرى الأشياء عندما يقع عليها الضوء، فيحدث انعكاس لها على شبكية العين، والذي حدث أثناء الهجرة أنَّ الله أغشى أعين الكفار فلم يستطيعوا رؤيةَ الضوء المنعكس بعد سقوطه على جسم الرسول ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ (يس: من الآية 9).

وفي درس الحشرات يمكن أن نتحدث عن العنكبوت والمعجزة العلمية في نسج الخيوط في وقتٍ وجيز، وكذلك نستطيع الحديث عن الثعابين التي كانت بداخل الغار، ونُبرز المعجزةَ الكبرى في شفاء الصديق من لدغة الثعبان.

الاستعانة بالخرائط

أما محمود منصور (مدرس جغرافيا) فيقول: إن دروس الهجرة غنيةٌ بالمعلومات الجغرافية، فلو تحدَّثنا عن حركة الرياح نستشعر المعجزةَ الحقيقيةَ في السحابة التي كانت تظلُّ الرسولَ- صلى الله عليه وسلم- فنوضح للطلاب أنَّ السحابة هنا لم تخضع للقوانين الطبيعية من حركة الرياح، ولكن تخضع للأمر الإلهي (كن فيكون).

ونستطيع كذلك استغلال الحدث في تعريف الطلاب بتضاريس مكة والمدينة، وتوضيح مدى وعورة الطريق بينهما، ونوضح- باستخدام الخريطة- الطريق المعتاد الذي كانت تسلكه القوافل مع توضيح الطريق الآخر الذي سار منه الرسول، وهو طريق الساحل، ونُبين هنا لماذا احتاج الركب لدليلٍ خبيرٍ بهذه المجاهل؟

ولنزيد محبة الطلاب في نبيهم نذكِّرهم أنَّ عمر الحبيب المصطفى وقتها كان 53 عامًا ليستشعروا مدى تضحية الرسول وجهاده في هذه السن حتى يَصِل لهم الإسلامُ الآن جاهزًا.
أما حنان فتحي (مدرسة رياضيات) فتقول: في بعض المسائل الرياضية نستطيع أن نقول إنَّ غار ثور ارتفاعه نحو 748 مترًا من سطح البحر، ونحو 458 مترًا من سفح الجبل، وهذا الغار يستغرق الصعودُ إليه نحو ساعة ونصف، كما نستطيع أن نقول له احسب المسافة بين مكةَ والمدينة بالطريق المعتاد وبالطريق الذي اتخذه الرسول واحسب الفرق بينهما.

وأيضًا ملاحظة ارتفاع سقف الغار الذي لا يزيد بأي حالٍ من الأحوال عن 1.25 مترًا فكيف يستطيع شخصٌ المكوثَ داخل هذا الغار مثل هذه المدة (ثلاثة أيام) بدون الاحتياج إلى الوقوف.

مدرسة التخطيط
أما منال عبد الله (مدرسة حاسب آلي) فتقول: لدينا درس خاص بمبادئ البرمجة وأسلوب حلِّ المشكلات وكتهيئةٍ للدرس أبدأ في الحديث عن التخطيطِ في الهجرة، وأجعل الطلاب أنفسهم يستخرجون دروسَ التخطيط من الهجرة، وأجمع كل ما قالوه وأرتبه، وأبدأ في شرح الدرس متخذةً أمثلةً مما قالوه، وتؤكد أننا لن نجد أبلغ من حادثةِ الهجرةِ في التدليل على أهمية التخطيط والإعداد الجيد.

وللفن نصيب
قامت نهى مجدي (مدرسة تربية فنية) مع طلابها بوضع مجموعةِ كراتين مع تغطيتها بقماش أبيض، وعمل تجويف في الوسط كأنه الغار، مع رش لونٍ بُني كلون الجبل، ثم وضع شبكة، وأحضر أحد الطلاب لعبةً بلاستيكيةً على شكل عنكبوت، وبدأت تسرد لهم القصةَ، وتسألهم: مَن يستطيع دخول هذا الغار والمكوث فيه لمدة ساعة بدون أن يتحرك؟ وبعد عدة محاولات من الطلاب لم يصبر أي منهم على الجلوس أكثر من خمس دقائق، فبدأت تذكر لهم كيف مكث الرسول وصاحبه ثلاثةَ أيامٍ، وكيف تحملا ذلك من أجلنا نحن؟! ومن يومها رسخت هذه المعلومة في أذهانهم، وأصبحوا أكثرَ حبًّا للرسول الكريم.

الابتكار والتجديد
إلا أن أغلب المعلمين لا يهتم بتوظيف دروس وأحداث السيرة النبوية مع الطلاب، وفي هذا الإطار تقول الداعية سمية رمضان: إن السيرةَ لا تُسقَى للطلاب بالشكل التقليدي، وإنه لإيجاد مدرِّسٍ يغرس في الطلاب كيفيةَ الاقتداء بالرسول وحب السيرة النبوية، فإنَّ المعلمَ يحتاج إلى أربعةِ أشياءَ:

أولها: الدعاء إلى الله أن يعلمه ويلهمه.
والأمر الثاني: أن يصل المعلم نفسه للدرجة التي يكون فيها الرسول أحبَّ إليه من نفسه وولده وماله، وهنا سيتكلم المعلم بروح وقلب مرتبط بسيرة الرسول.
والأمر الثالث: عبارة عن محاولةٍ فرديةٍ منه لتطوير نفسه ومهاراته في عرض المعلومة.
والأمر الأخير محاولةٌ جماعيةٌ من بعض المعلمين مع داعية يتوسَّم فيه الخير، بحيث يترجم حياة الرسول في القرآن والسيرة بقلب حي نابض.

وتؤكد أنَّ هذا الأمر يتطلَّب دوراتٍ لهؤلاء المعلمين بأن يُنتخَب عددٌ معينٌ من العلماء الذين يجيدوا تجسيدَ سيرةِ الرسول للمعلمين، وهم بدورهم سينقلوها للطلاب، كما تضيف أنَّ تبادل الخبراتِ هامٌّ جدًّا، فلا يعتقد معلم- مهما بلغ من علمه- أنه حصَّل العلم كله فلو جلس 5 – 6 أفراد يتحدث كل منهم عمَّا تعلمه من هجرة الرسول، وكيف نوصلها للطلاب لكان لدينا عدة أفكار جديدة.

وتنتقد الداعية سمية رمضان اقتصارَ المعلم على تذكير الطلاب بالهجرة في ذكرى الهجرة فقط، بل يجب أن يعلم الطلاب أنَّ الرسولَ إذا كان هاجر من مكة للمدينة وكانت جنة للمسلمين في الأرض، فإننا نهاجر إلى الله من الدنيا إلى الآخرة إلى الجنة الحقيقية، وذلك في كل وقت وحين؛ لذا ينبغي على المعلم تذكير الطلاب بأن يجعلوا كل أيامهم هجرةً إلى الله، ويعلمهم أن كل يوم يجب أن يتعلموا من سيرة الرسول الجديدَ، ويتخلقوا بخلق جديدٍ، عن طريق عمل مسابقة يومية بينهم، ويسألهم من تَخَلَّق اليوم بخلقٍ من أخلاق الرسول؟
كما يقول للطالب: قبل أن تفعل أي شيء قِفْ مع نفسك ثانيةً واحدةً، واسأل: لو كان الرسول مكاني ماذا كان يفعل؟

ويعلمهم أن يربطوا بين القرآن والسيرة، فإذا كان القرآن هو الدستور النظري فإن سيرة الرسول هي الجانب العملي، فيعلِّم الطالبَ: إذا قرأت آيةً تساءل أي من مواقف السيرة يوافقها؟

وإذا قرأت موقفًا من سيرة الرسول تساءل أية آيةٍ تناسب هذا الموقف؟

تنوع وسائل العرض
وعن الأسلوب الأمثل لتدريس أحداث الهجرة للطلاب يؤكد الدكتور جاد مخلوف- الأستاذ بكلية الدعوة جامعة الأزهر- على ضرورةِ تبسيط المعلومة للطالب حسب مرحلته العمرية باستخدام القصص الملونة والمجسمة أو عرض مسرحية، حيث نحوِّل القصةَ إلى مشاهِدَ، ويؤدي الطالب دورًا فيها، مع التأكيد على أن حفظ الله تزامن مع التخطيط البشري، وأنَّ سبب نجاح الهجرة تخطيط الرسول مع حفظ الله وعنايته.

أما الطلاب الأكبر في العمر فيمكن إعطاؤهم كتبًا مبسطةً في السيرة، ثم نتدرج معهم إلى الكتب التي تقدم الدروس والعبرَ مع الأحداث.

وأكد أن كل معلم يستطيع أن يفعل ذلك طالما توفرت لديه المعرفة والقدرة على توصيل المعلومة والأسلوب المبتكر في العرض، ولا يشترط حصرها في معلم التربية الإسلامية فقط.
والأهم هو عرض مواقف السيرة النبوية بأسلوبٍ علمي شيق وجميل، ويتطلب ذلك تنمية قدرات المعلمين، وتطوير إمكانياتهم في التمهيد الجيد للمعلومة، ثم العرض الشيق أيضًا، مع إجادة استخدام الوسائل التعليمية في العرض، واستخدام الحاسب الآلي.

ويتفق معه الداعية الشيخ ممدوح جابر، فيؤكد أنَّ المعلم يجب أن ينوِّع من طرق وأساليب العرض، من شريط فيديو إلى فيلم كارتون.

كما يمكنه- من خلال نشيد (طلع البدر علينا) الذي يردِّده جميع الطلاب- أن يوضح مدى فرحة الأنصار بقدوم الرسول للمدينة، فيسأل: لماذا تفرح بقدوم أبيك؟ فيقول: لأنه يأتي بهدية، فيقول: وكذلك هم فرحوا بالرسول؛ لأنه أتى لهم بأعظم هدية وهي الإسلام.

يمكن أيضًا عن طريق الأسئلة، مثلا:
- مَن يحب أن يترك بلده ويجلس في مدينة كذا؟ (ويختار مدينةً بعيدةً لا يعرفها الطالب).
فيجيب الطلاب: لا نحب ذلك، فيبدأ في شرح كيف أن الرسول ترك بلده مكة وهي أحب بلاد الله إليه ليذهب للمدينة.

- يسأل مَن منكم يستطيع أن يعطي سريره لصديقه وينام هو على الأرض؟
فيقولون بالطبع: لا أحد، فيقول: لقد فعل الأنصار ذلك، وبهذ فأنت تُشعِر الطالبَ بقيمته، وأنه هو الذي قال المعلومةَ، فترسخ في ذهنه، وتنطبع في ذاكرته.

التأريخ بالهجرة
ينصح الدكتور أحمد عبده عوض- أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة طنطا- المعلمَ أن يعوِّد الطلابَ على استخراج لطائف المعاني ودقائق الأسرار من الآيات، ويضرب المثل بأن الله تعالى قد هدى سيدنا عمر بن الخطاب لبدء تأريخ العام بهجرة الرسول؛ حيث نظر إليها على أنها كانت فتحًا ونصرًا من خلال الآية الكريمة ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ (سورة التوبة من الآية 108) وتوقف عند كلمة (أول يوم) فهداه الله إلى أنَّ هذه إشارة إلى تحديد تاريخ هذه الأمة بهجرة الرسول، ويضيف: إنَّ المعلمَ يستطيع عرض مواقف من سيرة الرسول الكريم في كل موقف يقابله ويوظفه توظيفًا غيرَ مباشر، سواء في بداية درسه، أو في طابور المدرسة، أو في موضوع تعبير، أو موضوع رسم، وينتهز كل موقف ليربطه بأصحاب رسول الله، ويجب أن يعوِّد طلابه على كثرة ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- وضرورة الصلاة عليه كلما ذُكِر اسمه.

وكلما توسَّعت ثقافة المعلم، استطاع أن يربط المقرراتِ الدراسيةَ بمواقفَ من السيرةِ.

الأربعاء، 25 يناير 2006

في مطلع العام الهجري.. جددي حياتك بالتخطيط

بقلم : أمل خيري
عندما تتطلعين إلى الورقات القليلة المتبقية من التقويم الهجري والتي تُنبئ عن عام هجري مضى وعام آخر يسارع باللحاق به حينها تدركين أنك اقتربت أكثر من موعد ملاقاة الله، فتتذكرين أن حياتنا ما هي إلا مجموعة أوراق تتساقط الواحدة تلو الأخرى حتى لا يتبقَّى منها ورقةٌ واحدةٌ.

فماذا أعددتِ لنفسِكِ في مطلع عام هجري جديد؟! هل جلستِ ساعةً مع نفسك جلسةَ صدقٍ ومصارحةٍ ومكاشفةٍ، تسألين نفسك كيف كان حالي مع الله؟ مع نفسي؟ مع أسرتي؟ مع جيراني؟ مع مجتمعي؟ كم مرة صليت الصلاة في حينها؟ كم مرة قمت الليل؟ كم مرة ختمت القرآن؟ كم سورة حفظت؟ كم كتابًا طالعت؟!

ربما لا تسعفك الذاكرة!!
قد تسألين نفسك: هل حققت أهدافي وما كنت أطمح إليه؟!
فتفاجَئين بأنك لم تضعي لنفسكِ هدفًا أو أنك ربما وضعتيه ولكن لم تستطيعي أن تحقِّقي شيئًا منه.
أتدرين لماذا؟! لأنك لم تخططي لنفسك منذ بداية العام.
ولأنه لا فائدةَ من البكاء على اللبن المسكوب اعقدي العزمَ الآن على أن تبدئي عامَكِ الجديد بطفرة في حياتك، وبنفس مشرقة مقبلة على الله؛ لتضعي لنفسك خطةً شاملةً، محدَّدةَ الأهداف والوسائل، موزعةً على الأيام والشهور، وتعلَّمي من نبيك أعظم دروس التخطيط.

جهد بشري ونصر من الله
فتأمَّلي هجرة الحبيب المصطفى.. لقد كان الله تعالى قادرًا على أن يهاجر بنبيه الكريم في لَمْح البصر بالبراق، كما حدث في ليلة الإسراء والمعراج، ومع أن النبي يوم هجرته كان أحوجَ إلى البراق؛ لأن القوم يتربَّصون به ويستعدون للفتك به إلا أن إرادة الله أن يظهر الجهد البشري خلال الهجرة، كرسالة لجميع البشر أن عناية الله ونصره لا تغني عن الأخذ بالأسباب.

ولقد بلغ الجَهد البشري برسولنا الكريم الذروةَ في التخطيط للهجرة مما نستطيع معه القول أن الرسول الحبيب- صلى الله عليه وسلم- هو رائد التخطيط المؤيد بنصر الله.

سارعي بإحضار ورقة وقلم واستعدِّي:
تحديد الأهداف
احرصي أن تكون الأهداف محددةً وقابلةً للتنفيذ، ولا تضعي لنفسك أهدافًا مستحيلةَ التحقيق؛ حتى لا تصابي باليأس وتشعري بالإحباط، فهذا النبي الكريم وضع لنفسه أهدافًا محددةً من الهجرة، وهي:
- إيجاد أرضٍ بديلةٍ للدعوة لكي تنعم بالأمن والاستقرار.
- الانتقال بالرسالة الإسلامية من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة.
- تكثير الأنصار وإيجاد رأي عام مؤيد للدعوة.
- استكمال الهيكل التنظيمي للدعوة.
فماذا وضعتِ لنفسِكِ من أهداف هذا العام؟!

حدِّدي وسائل التنفيذ
قومي بتجهيز وتهيئة كلِّ الوسائل التي تُعينك على تحقيق أهدافك، ولا تتركي الأمور تسير بعشوائية، ولا تقولي: إن الوقت ما زال مبكرًا، فقد أعد سيدنا أبو بكر الصديق بعيرَين للركوب وبَقِيا عنده 4 أشهر (وعلف راحلتين كانتا عنده ورقَ السمر أربعة أشهر) وهذا غاية الاستعداد والتجهيز.

رتِّبي أولوياتك
لا شكَّ أن أولويات كل مرحلة ومتطلباتها تختلف عن الأخرى، فالطالبة غير الزوجة غير الأم، فلا بدَّ أن تحدِّدي أولوياتك وترتِّبيها، وتبدأي بالأهم فالمهم، وتعلَّمي من نبيِّكِ ترتيبَ أولويات المرحلة، فاحتياجات المسلمين في العهد المكِّيّ تختلف عن احتياجاتهم في العهد المدني.

اختيار الرفيق
حاولي أن تختاري رفيقاتك بعناية؛ لأنه كما يقولون "الصاحب ساحب" وفي الحديث الشريف: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يخالل" فاحرصي على حسن اختيار الصديقة التي تعينك على طاعة الله.

فقد حرص الرسول الكريم على اختيار الرفيق، فمنذ أن فاتح الرسولُ أبا بكر الصديق برغبته في الهجرة أشار الرسول له بقوله: "على رِسلك؛ فإني أرجو أن يؤذن لي".

كوني كتومة
إنَّ من أشد آفات المرأة كثرة القيل والقال، فابدئي عامَك الجديد بالحرص على أن تكتمي أمورَك وأسرارك وأسرار من ائتمنك، ولا تُكثري اللغو، وتعلَّمي من ذات النطاقين التي لم تتعدَّ العشرين ربيعًا، كيف كتَمَت سرَّ رسول الله وصاحبه، ففي رواية أن أسماء بنت أبي بكر قالت: "لما خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أتانا نفرٌ من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر- رضي الله عنه- فخرجَت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ قالت: قلت والله لا أدري أين أبي؟ قالت: فرفع أبو جهل يده (وكان فاحشًا خبيثًا) فلطم خدي لطمةً خرم منها قرطي.
تعلمي منها الثبات والشجاعة والتضحية والحرص على الكتمان، حتى لو كلَّفها الإيذاء والألم.

إحسان التصرف
تذكَّري مواقفك في العام الماضي التي لم تحسني فيها التصرف، وعاهدي نفسك العام المقبل أن تُحسني التصرف بحكمة وفطنة، متأسيةً أيضًا بذات النطاقين التي لم تَجِدْ ما تحمل فيه الطعام، فشقَّت نطاقها نصفَين، فشدَّت بنصفه السفرة، واتخذت النصف الآخر منطقًا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة"، فقيل لها ذات النطاقين.

كما بلغت حكمتها مبلغًا عظيمًا، حينما دخل عليها جدها أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه، فقالت: كلا يا أبت، ووضعت أحجارًا في كيسٍ لتجعلَ الشيخ يطمئن، فهي بفطنتها هدَّأت قلب الجد الضرير كما أنها سترت أباها.

أداء الأمانات
ابدئي عامَكِ الجديد بالحرص على ردِّ الأمانات ولو كانت بسيطةً، ككتاب استعرتيه من صديقة، أو مجلة أو شريط ونسيتيه في مكتبتك مع زحمة الأشغال، وتعلمي من نبيك الكريم حرصَه على ردِّ الأمانات إلى مَن اضطَّهدوه وسَعوا لقتله، فما كان الرسول لينشغل بالتخطيط والإعداد للهجرة عن ردِّ الأمانات واستبقاء علي بن أبي طالب في مكة؛ ليتأكَّد من ردِّ جميع الأمانات، ولعلك تلحظين التناقض العجيب لموقف المشركين الذين لم تمنعهم محاربتهم للرسول وعزمهم على قتله أن يحرصوا على إيداع ودائعهم لديه.

اليد العليا
تعلَّمي أن تكوني مصدر عطاء للناس، وتعفَّفي عما بأيديهم "ازهد فيما عند الناس يحبك الناس" فهذا نبيكِ الكريم رفَضَ أن يركب الراحلة إلا بحقِّها، واستقرَّ الثمن دينًا بذمته، كما أنه لما عَفَا عن سراقة بن مالك عرَض عليه سراقةُ المساعدةَ فقال: "وهذه كنانتي فخُذ منها سهمًا فإنك ستمرُّ بإبلي وغنمي في موضع كذا وكذا، فخذ منها حاجتك" فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "لا حاجة لي فيها".

إسعاد الآخرين
وتعلمي من الهجرة أعظم دروس التضحية والفداء، وتعلمي من علي بن أبي طالب الصبي الذي نام في فراش الرسول غير عابئ أن يُقتَل، وتعلَّمي من أبي بكر الصديق الذي كان يسير أمام الرسول تارةً وخلفه تارةً وعن يمينه تارةً وعن شماله تارةً ليدفع عنه الأذى ويفديه بنفسه.

وتعلمي من صهيب الرومي- رضي الله عنه- فبعد أن عقد العزم على الهجرة منعته قريش واعترضت سبيله، ففاوضهم على ترك ماله مقابل السماح له بالهجرة، فخرج مهاجرًا إلى المدينة، تاركًا ماله ومتاعه، مضحيًا بكل ذلك في سبيل عقيدته ودعوته، راجيًا ما هو خير وأبقى، وقد وصف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صفقته تلك بقوله: "ربح صهيب، ربح صهيب".

الثبات على الحق
وتعلَّمي من السيدة زينب (كريمة رسول الله) إصرارَها على الهجرة وتحمُّلها الألم وفقد الولد، ففي رواية: "خرجت زينب- رضي الله عنها- من مكة مع كنانة، فخرجوا في طلبها، فأدركها هبَّار بن الأسود، فلم يزل يطعن بعيرَها برمحه حتى صرعها وألقت ما في بطنها، وهريقت دمًا فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "هي خير بناتي أصيبت فيَّ".

لا تعجبي بعملك
لا تغمطي الآخرين حقَّهم أو تقلِّلي من شأنهم، وتعلَّمي من موقف السيدة أسماء بنت عميس أن فضل العمل عند الله هو معيار التميز، فعندما عادت أسماء من الحبشة متوجِّهةً إلى المدينة المنورة، فتوجَّهت تزور حفصة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- فدخل عليهما عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قائلاً: "لقد سبقناكم بالهجرة؛ فنحن أحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم- منكم، فغضبت- رضي الله عنها- وقالت: أي لعمري لقد صدقت؟! كنتم مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم، يطعم جائعكم، ويعلِّم جاهلكم، وكنَّا البعداء الطرداء.. أما والله لآتين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلأذكرن ذلك له، ولا أنقص ولا أزيد في ذلك، فذكرت ذلك له، فقال: "لكم الهجرة مرتين، هاجرتم إلى النجاشي وهاجرتم إليَّ، فسُرَّت بذلك، وأثلج صدرها، ولم يكن ذلك نوعًا من تطييب الخاطر وإراحة النفس لأسماء فقط، بل كان توضيحًا للحقيقة، فهم تركوا مكة فارِّين بدينهم إلى الحبشة، فكانت "هجرة" وهم أنفسهم انتقلوا من الحبشة إلى المدينة فهذه "هجرة".

الصبر الجميل
ستواجهكِ مصاعب وأنت تسعَين لتحقيق خطتكَ، فاستعيني بالصبر والإيمان، وتعلَّمي من أم سلمة جميلَ الصبر، فهذا أبو سلمة قد أخذ زوجته وابنه، وانطلق مهاجرًا إلى الله ورسوله، يريد المدينة، إلا أن أهل زوجته عارضوا ذلك، وأمسكوا بها مع ولدها، فقام آل أبي سلمة يريدون ولد ابنهم، فتجاذبوا الولد حتى خلعوا يده، ثم أخذه أهل أبيه، وواصل أبو سلمة طريقَه وحده صابرًا محتسبًا حتى بلغ المدينة، وهكذا استقبل أبو سلمة هذه المحنةَ بصبرٍ وثباتٍ، وزوجته تشاطره الصبر على فراقه وفراق ابنها، وبقيت نحو عامٍ حتى لحقت بزوجها في المدينة بعد ما استرجعت ابنها.

تجنب الأثرة
وتمسَّكي بالإيثار، وتعلَّمي من الأنصار الحب والإيثار، الذي كان يدفع الرجل إلى التنازل عن إحدى زوجتيه بطلاقها حتى يتزوَّجها أخوه المهاجر.

بعد أن وضعتِ خطتكِ اتركي القلم الآن وتوضئي وصلِّي ركعتين لله، وابتهلي إليه أن يعينك على تنفيذها، وإن كان في العمر بقية في العام القادم فسترَيْن الفارق، بإذن الله.

الأحد، 15 يناير 2006

دليل الأسرة في استثمار الإجازة


أمل خيري

تمضي الأيام سريعًا وتُطوى صفحات من حياتنا ويمر شبح الامتحانات بأغلب البيوت ثم تأتي الإجازة التي ينتظرها الجميع، ويُعد وقت الفراغ في حياة الإنسان فرصة مناسبة لتجديد الحيوية وتنمية المواهب على أسس ومبادئ صحيحة، والإسلام حين يحرم هدر الوقت فإنه بذلك يضع الخطوط الرئيسة لاستثمار وقت الفراغ واغتنام فرص الحياة في طاعة الله وتلقي العلم النافع الصحيح واكتساب المهارات الفنية النافعة، ويحذره من كل لهو فارغ يهدر وقته ويفتك بدينه وخلقه، فكيف استعدت الأسر والأبناء للإجازة؟

تقول هدى (ربة منزل- الكويت) دائمًا أستغل إجازة الأولاد في زيارة الأقارب والتنزه في الحدائق وعمل ورشة لإصلاح وتنظيف البيت أو المسجد القريب من البيت، وتقترح إقامة يوم مفتوح للأطفال يشتمل على العديد من الأنشطة كالمسابقات والألعاب مثل مسابقات الرسم والتصميم بالصلصال وغيرها وبعض الفقرات الترفيهية كالمسرح والإنشاد.

وتوافقها منى (أم لخمسة أطفال- السعودية) بقولها: منذ عامين بدأنا بتطبيق هذه الفكرة على المستوى العائلي؛ حيث نجمع مبلغًا من أفراد العائلة (الكبار) ونشتري بالمبلغ هدايا ونضع في الاعتبار عدد الأولاد وعدد البنات (هدايا منفصلة).

قبل الإجازة نغلف الهدايا، ونقوم بإعداد مسابقات متنوعة لجميع الفئات العمرية الموجودة.. وأهم ما في الموضوع أن الفائز في كل مسابقة لا يأخذ هديةً، أي أن المسابقات من أجل الترفيه والمرح.

ونخصص هدايا للطفل المثالي.. الذي يتم اختياره عن طريق التصويت، وعادةً يكون الطفل المجتهد في الدراسة والمطيع الذي نال أقل العقوبات في فترة الدراسة.

أما محمود فاضل (مهندس زراعي وأب لطفلين- مصر) فيقترح شراء الهدايا الرمزية لكبار السن من الأقارب؛ بحيث يقوم الأطفال بالزيارة وإهدائهم، وكذلك مسابقة الطفل الموهوب في أي مجال: الإلقاء أو الرسم أو التلوين ..وغيرها.

ويؤكد أن الجميع سيربح لأنه لا يوجد طفل غير موهوب... كما يقترح وضع برنامج للرحلات بهدف زيارة معالم مصر السياحية كالمتحف الزراعي أو الإسلامي، وكذلك الاشتراك في إحدى المكتبات القريبة من السكن.

وتضيف نهلة (طبيبة وأم لثلاثة أطفال- مصر) بالنسبة لنا نكلف إحدى الأخوات بجمع كل الأطفال، ثم تقوم بعمل برنامج متكامل لهم؛ بحيث كل واحد منهم عليه المشاركة بشيء معين؛ كأن يقدم أحدهم للبرنامج والآخر يقرأ القرآن والآخر يقدم ابتسامةً وحكمةً ونشيدًا ومسابقةً بين الأطفال، وطبعًا الشيء المميز والذي يجذب الأطفال هو التصوير بكاميرا الفيديو، وفي مرة من المرات اقترح الأطفال تقديم هدية لأكبر واحد في العائلة، وفي الختام توزع بعض الحلويات عليهم مع الهدايا طبعًا.

أما عبد الحميد (مدرس تاريخ- مصر) فيقول: لي ثلاثة من الأبناء، في كل إجازة كنت أقوم بعمل مسابقة لحفظ سور معينة من القرآن الكريم وتُقسم لمستويات حسب العمر، وبعد الاختبار يحدد يوم لعمل حفل بسيط وتقديم الهدايا، ثم اتسعت الفكرة لتشمل مجموعة من الأقارب والجيران الذين انضموا للمسابقة حيث نضع صندوقًا لتجميع مبالغ من الوالدين لشراء الهدايا لكل الأطفال الفائزين.

بينما تؤكد انتصار (مدرسة تربية فنية وأم لثلاث بنات- مصر) أن أسوأ مشكلة واجهتها في بداية زواجها عدم احترافها صنع المأكولات مما أوقعها في مواقف صعبة، لذا قررت أن تعلم بناتها صنع بعض المأكولات والحلويات وبعض مهارات تزيين المنزل وكذلك مبادئ التطريز والكروشيه؛ لأن الفتاة المسلمة يجب أن تكون ماهرة.

هل استعد الطلاب؟تقول نجلاء (الصف الثاني الثانوي) سأقضي الإجازة بالترفيه والتسلية وقراءة بعض الكتب للاستفادة منها، كما إني أفكر في التسجيل في دورة للحاسب الآلي بأحد المراكز القريبة.

ويشاركها في الرأي يوسف (حقوق القاهرة) الذي يعتمد أولاً على الترفيه بعد عناء الاستذكار ثم تبدأ رحلة الاستفادة من الوقت في حفظ القرآن الكريم وتعلم المحادثة بالإنجليزية.

أما زياد (الصف الخامس الابتدائي) فقد استعد والده للإجازة بتوفير مجموعة من أفلام الكارتون والألعاب على جهاز الكمبيوتر، ولكنه اشترط علينا ألا تزيد مدة جلوسنا أمام الكمبيوتر عن أربع ساعات في اليوم لنتمكن من الذهاب للنادي لممارسة لعبة كرة القدم وكذلك لنحفظ قدرًا من القرآن الكريم.

أما رنا (الصف الثالث الابتدائي) فتقول تعمل أمي معلمة حاسب آلي وستعلمني في الإجازة استخدام برنامج الفلاش لعمل رسوم متحركة بعد أن تعلمت في الإجازة الماضية الرسم باستخدام الكمبيوتر، أما أخي كريم (الصف الثاني الابتدائي) فهوايته الألعاب ومشاهدة الكرتون، كما استعد أبي بشراء مجموعة من القصص والمجلات وكتب التلوين، وعلق لنا جدولاً على الحائط لتنظيم اليوم في الإجازة وتوزيع الأنشطة منذ الاستيقاظ وحتى النوم، مع الحرص على الصلاة في وقتها، ونقوم بوضع علامة صح أو خطأ ومن يحصل على عدد أكبر من العلامات الصحيحة يضع اسمه في لوحة الشرف.

وتضيف لمياء (الصف الأول الاعدادي) اتفقت مع والدي أن يعلمني الدخول على شبكة الإنترنت وكيف أحمي نفسي من مخاطره، وكذلك مساعدة الوالدة في إعداد الوجبات البسيطة.

فلنقتسم الكعكة
ويرى الدكتور إيهاب عيد- الأستاذ المساعد بمعهد دراسات الطفولة- أن قيمة الوقت في أغلب الأسر المصرية مهدرة، لذا يؤكد أهمية تدريب الأبناء على قيمة الوقت ليس أثناء الإجازة فقط بل كقيمة حياتية شاملة، ولتطبيق ذلك يقترح فكرة عمل جداول لتنظيم الوقت على أن تنطبق مواعيدها مع مواقيت الصلاة، ونعتبر أن الوقت كعكة مقسمة لأجزاء متساوية مع مراعاة:
- قضاء الأسرة بعض الوقت مع أبنائها.

- إعطاء وقت للراحة بعد عناء المذاكرة والامتحانات.

- وقت للاطلاع والمراجعة بعض المواد الدراسية بشكل مبسط، ويفضل أن يرشح الآباء بعض الصفحات الملخصة للمناهج ليقرأ منها الابن كل يوم صفحة أو صفحتين حتى تظل المعلومات حاضرة في ذهنه.

- ملاحظة مواهب الأبناء لاستغلال الإجازة في تنمية هذه المواهب سواء كانت رياضية أو فنية أو أدبية أو علمية، واعتبر أن هذه الفترة فرصة لتغذية هذه المواهب وصقلها عن طريق تنظيم زيارات لنوادي العلوم أو مراكز سوزان مبارك للاستكشاف العلمي.

- مراعاة ألا نفرض شخصياتنا على أبنائنا، فنجبرهم على موهبةٍ معينةٍ، وإنما دور الوالدين هو توضيح كافة الأنشطة ومزاياها، ثم يتركون لهم حرية الاختيار.

- لا بُدَّ أن يكون هناك ما يُسمى ((Quality Time أو (وقت جودة) يفرِّغ فيه الأب والأم نفسيهما لتتجمع الأسرة ككل حول المائدة، أو في فسحة، أو قراءة كتاب، أو اللعب الجماعي، أو حواراتٍ غير تقليديةٍ، وهذا شيء مطلوب أثناء الإجازة يوميًّا، وفي سائر العام يكون مرةً في الأسبوع على الأقل؛ لأن الدراساتِ التربويةَ تؤكد: إنه كلما زاد تواجد الأب والأم مع الأبناء خاصةً من عمر 7 : 14 كلما شكل شخصياتهم وهذب انفسهم.

- عند وضع التقسيمات يجب مراعاة ألا تكون تقسيمات جامدة، بل يُعطَى قدرٌ من المرونة؛ لأننا لسنا أمام قوالبَ جامدةٍ.

- يجب أن يشارك الأبناء أنفسُهُم في وضع الجدول حتى ندربهم على الموضوعية والقدرة على الاختيار.

- على الآباء أن يحدِّدوا قيمًا معينةً يستهدفون تأصيلها في الأبناء أثناء الإجازة، مثل الصدق أو الأمانة أو التعاون، ويدور الجدول كله حول تحقيق هذه الأهداف سواء كان عن طريق قصة أو مسرحية أو لعبة، المهم أن يشعر الأبناء بالحرية، والاستمتاع والحب.

الأم العاملة
وتضيف ناهد عبد المنعم- الاستشاري التربوي ونائب مدير مركز التطوير التربوي بجمعية مصر المحروسة-: إن هذا البرنامج يجب أيضًا أن يراعي عدة أمور منها:

- حث الطفل على مراجعة أو حفظ قدرٍ يسيرٍ من القرآن يوميًّا؛ حتى يظل مرتبطًا بكتاب الله.

- اجتماع الأسرة على عمل طاعة يوميًّا، كقراءة القرآن أو المدارسة في السيرة أو الذكر؛ لأن الاجتماع على الطاعة يؤلف القلوب.

- انتهاز فرصة الإجازة في صلة الأرحام التي ننسى- في زحمة الانشغال بالعمل والدراسة- أن نعطيها حقها.

- الرحلات الترفيهية مهمة جدًّا لإضفاء جوٍّ من المرح وتجديد النفس.

- تراعي الأسرة أن تضع لنفسها برامجَ للتنميةِ البشريةِ، سواء كانت مسموعةً أو مقروءةً أو عن طريق الاشتراك في دوراتٍ بمراكزَ للتنميةِ البشريةِ.

- أما بالنسبة للأم العاملة التي تترك أبناءها في فترة الصباح، فتقترح أن تكلِّفهم الأم ببعض الأعمال، ولو بأجرٍ حتى تُزيد لديهم الدافعَ كأَنْ تكلِّفهم بمساعدتها في عملها أو عمل الوالد مثل الكتابة على الكمبيوتر أو تصميم عروض تقديمية أو ترتيب الأوراق.. مع تحفيزهم بإعطائهم أجرًا لهذا العمل.

- كما يمكنها أن تُجريَ مسابقةً كأحسن رسم أو أحسن قصة.. مع تقديم جوائز، وبالتالي لن تترك لهم وقتَ فراغٍ.

دور الجامعات
ويوضح الدكتور طه مصطفى أبو كريشة- الأستاذ بجامعة الأزهر- أن المسلم ليس لديه وقتُ فراغٍ، فالشاب إذا أدَّى العباداتِ المفروضةَ بانتظامٍ، خاصةً الصلاة في المواقيت الخمس التي يبدأ بها يومه منذ طلوع الفجر حتى صلاة العشاء، خاصةً إذا أدَّاها في جماعةٍ فسيكون في رباطٍ دائمٍ مع الله، مع مراعاةِ ذكرِ الله، والقيام بحقِّ والديه، وقراءة وردٍ من القرآن، فلن يكون لديه وقتُ فراغٍ.

وإذا فُهم الحديث النبوي الشريف: "لا تزولا قدما عبدٍ حتى يسألَ عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به"، فسيعلم أن كل دقيقةٍ هو محاسَبٌ عليها من خلال هذا البيان النبوي، خاصةً فترة الشباب و الحيوية.

وعن دور الجامعات في ملء أوقات فراغ الطلاب يؤكد أنه توجد إدارة بكل جامعة تُسمَّى (رعاية الشباب)، من مهمتها استغلالَ فتراتِ الإجازات في إقامة دوراتٍ متعددةِ الأنشطة، سواء كانت فنيةً مثل الخط أو الرسم أو الكمبيوتر أو رحلات كشفية أو انشطة رياضية أو نشاط الجوالة، لذا فإن هذه الإدارة هي المنوط بها شغل فراغ الطلاب، وتنمية مواهبهم، لذا ينصح الطلاب بالتوجه لهذه الإدارة بكلياتهم قبل الإجازة ليستفسروا عن البرامج المتاحة، ليتخيروا ما يتناسب مع ميولهم.

معرض الكتاب..احتفالية سنوية بسورة العلق.




تحقيق- أمل خيري..........
كانت القراءة- وما تزال- أساس العلم والحضارة، فلا عجب أن كانت أول آية من القرآن ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، فما المغزى من نزول أول أمر من الله لرسوله بأن يقرأ؟ ولماذا لم يكن (صلِّ) أو (اعبد الله)؟ رغم قوله تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾؟ إنها إشارة واضحة إلى أن هذه الأمة هي أمة القراءة و العلم، وأن العلم هو السبيل للعبادة الصحيحة.

فما أهمية القراءة؟ و لماذا لا يقرأ الطفل؟ وكيف ننمي عادة القراءة عند أبنائنا؟ وهل يكون معرض الكتاب فرصةً لغرس حُبِّ القراءة لدى الأبناء؟

احتفالية بالكتاب
تقول ألفت (ربة منزل وأم لطفلين): ننتظر جميعًا افتتاح معرض الكتاب كل عام بشوقٍ جارفٍ، فالأولاد يدَّخرون من مصروفهم طول العام استعدادًا لهذه المناسبة، خاصةً أنها تصادف إجازة نصف العام، فنذهب في جولةٍ رائعةٍ نتنقل بين أجنحة المعرض، ويحرص الأطفال على شراء القصص وكتب التلوين، بينما الأبناء الكبار تستهويهم قصص الخيال العلمي والكتيبات الإسلامية الصغيرة الملونة والفاخرة الطباعة، أما أنا وزوجي فنحرص على الاطلاع على كل ما هو جديد من الكتب العلمية والإسلامية، وكذلك الكتب الخاصة بتربية الطفل.

عادة سنوية
أما عماد محمود (أولى ثانوي) فيقول: عوَّدنا والدنا على زيارة معرض الكتاب سنويًّا، وكنَّا نقتصد من مصروفنا لنشتري القصص الهادفة والكتب المفيدة، حتى تكوَّنت لدينا مكتبة كبيرة وأصبحت القراءة متعةً لا تقدَّر بثمنٍ، وعن تأثير حبه للقراءة على شخصيته، يقول: أشعر أن القراءة تجعلني مختلفًا عن زملائي الذين لا يقرؤون، فمعلوماتي تجعلني أثق بنفسي وتمكنني من دخول المسابقات العلمية والبحثية، وأحصل فيها على مراكزَ متقدمةٍ.

طلب العلم
وتتَّفق معه مروة (ثانية علوم حلوان) في أهمية القراءة والاطلاع، حيث تؤكد أن أسرتها زرعت لديها حب القراءة والاطلاع حتى أصبحت أفضل هواياتها رغم إجادتها لاستخدام الكمبيوتر والرسم، إلا أن متعتها الحقيقية في القراءة التي تفتح لها آفاق العلم، وتوضح أن القراءة الآن لا تنحصر في الكتب فقط، بل هناك علوم ومعارف نقرؤها من خلال بعض مواقع الإنترنت التي فتحت آفاقًا رحبةً، فتستطيع قراءة أحدث الكتب العربية والأجنبية في أي بلدٍ في العالم عبر الإنترنت، وتحرص مروة على الذهاب لمعرض الكتاب مع بعض زميلاتها المحبات للقراءة والاطلاع، فيشاركن في بعض الفعاليات كالندوات العلمية والثقافية، وتؤكد أن يومًا واحدًا لا يكفي لزيارة المعرض، بل إنها تذهب عدة أيام حتى يتسنَّى لها زيارة كل الأجنحة ودور العرض.
عرس سنوى
يعتبر محمود قطر- مدير عام الإدارة العامة للمكتبات جامعة حلوان- أن

معرض الكتاب فرصةٌ ذهبيةٌ أو عرسٌ سنويٌّ، وواجهة فكرية لعرض خلاصة الفكر العربي سواء عن طريق الكتب أو الفعاليات الأخرى التي أضيفت للمعرض منذ ما يربو على عشر سنوات، مثل المحاورات الثقافية والحوارات الساخنة المباشرة مع شخصياتٍ عامةٍ، والمتصلة بقضايا سياسيةٍ وثقافيةٍ عالميةٍ مثل العولمة أو هيمنة القطب الواحد، وكذلك الحلقات النقاشية، والمنتديات الثقافية أو الشعرية.

ويوضح من خلال عمله أن هناك فئتين من المتردِّدين على المكتبات، وهما فئة فوق الخمسين الذين وصلوا لمستوى من النضج الثقافي، وهؤلاء يقرؤون الكتب الأدبية والثقافية، ويطلعون على الجرائد والمجلات، والفئة الذهبية الأخرى هي فئة الشباب من 16 إلى 20 سنة، وهؤلاء تكون توجهاتهم دراسيةً في البداية، ثم تتحول اتجاهاتهم إلى الكتب التي تغطي احتياجاتهم النفسية والسيكلوجية، ولكن مع وجود مواسم مهرجان "القراءة للجميع" تظهر فئة أخرى موسمية، وهي الأطفال حتى 15 سنة، لأن المهرجان يجتذبهم من مدخل الأنشطة غير القرائية، كالأنشطة الفنية والمسرحية، إلا أن هذه الفئة غير مستديمةٍ، لذا ينبغي ترغيبهم في زيارة معرض الكتاب.

عزوف الأطفال والشباب
وإن كنا نلحظ جميعًا عزوفَ كثيرٍ من الأطفال عن القراءة، فإن هناك عدةَ جهاتٍ تلعب دورًا بارزًا في هذا العزوف، فإذا كان الوالدان لا يميلان للقراءة فطبيعي أن لا يحب الطفل القراءة، كما أن التلفزيون وما يبثه من برامج كالرسوم المتحركة، والمسلسلات، والألعاب الإلكترونية، والكتب المصورة التي تجعل الطفل يبحث عن الصور، وليس عن القراءة، إضافةً لأسعار الكتب التي لا تكون في متناول الجميع كلها من أسباب عزوف الطفل والشاب عن القراءة.

في هذا الإطار يؤكد الدكتور جابر قميحة- أستاذ الأدب الحديث- أن ارتفاع أسعار الكتب من الأسباب الرئيسة لانصراف الشباب عن القراءة، ولإعادة الإقبال على الكتب فإن ذلك يتطلب أن يكون هناك خصم كبير في ثمن الكتاب، خاصةً للطلاب، نظرًا للظروف الاقتصادية الحالية، لذا يقترح- كجزء من حل طويل- أن يُطبع من كل كتاب طبعتان مختلفتان إحدهما فاخرة، وأخرى شعبية؛ لأن القارئ يهمه نوعية ما يقرأ، و ليس أوراق ما يقرأ.

من ناحيةٍ أخرى يجب التركيز أثناء أيام المعرض على محاضراتٍ وندواتٍ تتعلَّق بوضع الشباب حاليًا تشخيصًا وعلاجًا، وكجزء من حل طويلٍ أيضًا، يجب تشجيع الشباب على نشر إنتاجهم وتدعيمهم في ذلك.

كما أكد أن مشكلة الشباب اليوم أنهم يتفادون الكتب ذات الثقافة الثقيلة، مثل دوائر المعارف، والكتب الفلسفية الاقتصادية إلا المتخصصين منهم؛ لذا يبحثون عن كتب الثقافة السريعة التي يطلق عليها (التيك أواي) أو بعبارةٍ أخرى (الكتب الساندوتشية).

تحبيب الطفل في القراءة
وعن كيفية تنشئة الطفل منذ الصغر على حب القراءة ينصح الدكتور جابر الأسرة أن تبدأ مع الطفل الصغير بالكتاب الجميل، أي الملون والجذاب والجيد الإخراج، مع الاهتمام بالصور والأشكال وفي الغرب يهتمون بهذا الجانب الجمالي جدًّا بالنسبة لكتاب الطفل، ثم بالتدريج نربط الطفل بما هو أرقى ليتحول اهتمامه من الشكل إلى الموضوع.

وأمر آخر، وهو أن يقرأ الكبار في الأسرة ويقبلوا على القراءة على مستوى العائلة، وألا يتخلى الأبوان عن دورهما في توجيه الطفل نحو القراءة النافعةِ، ويا حبَّذا لو خصصا جوائزَ رمزيةٍ للطفل إذا ما قرأ كتابًا معينًا، وذكر أن هذا ما يفعله شخصيًّا مع أحفاده؛ ليقبلوا على القراءة.

المعرض والتنشئة الثقافية
تؤكد الدكتورة سهير الجيار- أستاذ أصول التربية بكلية البنات جامعة عين شمس- أن المسألة ليست محصورةً في معرض الكتاب، وإنما هي مسألة ثقافةٍ عامةٍ وواسعةٍ، ومفهومٍ ضخمٍ؛ لأن الثقافة- باعتبارها عاداتٍ وتقاليدَ وقيمًا واتجاهاتٍ ماديةً ومعنويةً- تترسخ منذ الصغر، وتحتاج إلى توجيهٍ تربوي مع الأطفال في الأسرة.

لأننا نستطيع الحكم على ثقافة الأسرة وقيمها واتجاهاتها من خلال لغة أبنائها واهتماماتهم؛ لأن الأسرة وعاء ثقافي يتشكل فيه الطفل، لذا فإن الاهتمام بزيارة معرض الكتاب تبدأ منذ مرحلة الروضة بشراء الكتب المصورة، ثم نتدرج معه ليشبَّ على قيمة القراءة وتقدير قيمة الوقت.

وحول كيفية الاستفادة من معرض الكتاب وفعالياته في بناء ثقافة المجتمع أشارت الدكتورة سهير إلى أن معرض الكتاب ليس فرصةً لشراء الكتب فقط، بل إن كل فعالياته سواء من ندوات أو لقاءات متنوعة ثقافية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، كل ذلك يسهم في إضافة قيم جديدةٍ ليشعر الشاب بما يحدث حوله من تغيُّراتٍ، كما أن هذه اللقاءات أحيانًا يُدعى إليها مفكرون أجانب، مما يسهم في إثراء معرفتنا عن رأي الآخر.

وعن دور مؤسسات التربية غير الرسمية (اللا نظامية) في توعية الشباب وتوجيههم نحو القراءة، تؤكد أن هذه المؤسسات مثل النوادي والمدارس والجامعات، لها دورٌ كبيرٌ في تكوين الدافعية لدى الطلاب والشباب نحو الثقافة، فينبغي على هذه المؤسسات استغلالَ معرضِ الكتاب في تنظيم رحلاتٍ إليه، ولا تقتصر على الرحلات الترفيهية فقط؛ لأن زيارة الشاب للمعرض والمشاركة في أنشطته مع جماعةٍ منسجمةٍ في نفس المرحلة السنية، وبذات الاهتمامات المشتركة، ولغة التفاهم الواحدة يسهم في زيادة الدافعية، بعكس ذهاب الشاب مع والديه، حيث تتباين الأعمار والتفضيلات.

التوازن مطلوب
تشير الدكتورة سهير إلى تنامي ظاهرةٍ خطيرةٍ وهي طغيان الاهتمام من جانب الطفل والشاب على حدٍّ سواء بالكمبيوتر والإنترنت على القراءة، حيث أصبحت آفةَ العصر أن يترك الشاب محاضراتِهِ والطفل مذاكرَتَه ليقبع أمام شاشة الكمبيوتر لمشاهدة الأفلام أو الألعاب "كالبلاي ستيشن" أو يقضي ساعات في الدردشة غير الهادفة عبر الإنترنت، وينغلق على نفسه ويستغرق مع عالمٍ افتراضي منعزلاً عن الواقع الخارجي، ولا يفكر في الذهاب لمعرض الكتاب، أو مطالعة الكتب، فهجر الكثير هذه الهواية المحببة، والتي كانت- فيما سبق- من العادات المتأصلة.

وتنصح الأسرة أن تنشِّئَ أبناءها على التوازن، وتؤكد أن القراءة عبر الإنترنت وحدها لا تكفي؛ لأن الإنترنت لا يقدم كل شيء، وليست كل المعلومات والمعارف التي يقدمها صحيحةً، فأحيانًا تكون هناك مواقعُ مغرضةٌ، تبث معلوماتٍ غيرَ سليمةٍ على المستوى الشخصي أو الوطني أو القومي، لذا ينبغي أن نربي أبناءنا على مهارة القدرة على الاختيار، والتمييز بين الغثِّ والسمين.

السبت، 14 يناير 2006

خادم فقراء أفريقيا .. الدعوة من خلال التنمية

بقلم: أمل خيري

( من السهل جداً أن تتكلم عن موت الأطفال ولكنك لن تعرف ألم الموت إلاّ عندما تحمل الطفل بين يديك ويموت وأنت تحمله عند ذاك لن تنس أبداً لحظات النزعة الأخيرة.... )

تلك كانت كلمات رائدنا اليوم (خادم فقراء أفريقيا ) الطبيب المسلم الذي ترك حياة الرفاهية والدعة بموطنه الكويت، وأقام في بيت متواضع في قرية مناكارا بجوار قبائل ( الأنتيمور )، وقطع على نفسه العهد أن يمضي بقية عمره في الدعوة إلى الله هناك، فجاد بوقته وماله بل وأسرته في سبيل الله، طمعا في أن ينال رضوان الله .
نتساءل ...ما الذي يجعل رجل كهذا يعيش في قرية ينقطع فيها الكهرباء والماء يوميا، وهو مصاب بالسكر ويستخدم إبر الأنسولين خمس مرات في اليوم، ولديه أدوية لابد من وضعها في الثلاجة ؟!
من هذا الرجل الاعجوبة الذي يشعر بأنه أعظم من أكبر ملك في حينما يرى إنسانا يرفع يديه يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ؟!.
من هذا الرجل الذي يشعر بقمة السعادة عندما يرى يتيما حفظ سورة من القرآن، أو جاءه يركض وهو فرحان لأنه تفوق في الدراسة ؟!.
إنه الدكتور عبد الرحمن السميط رئيس مجلس إدارة جمعية العون المباشر بالكويت، وأبرز رواد العمل الخيري الإسلامي بشقيه الدعوى والإغاثي في أفريقيا .

المولد و النشأة

وُلِد الدكتور عبد الرحمن حمود السميط في الكويت عام 1947، حصل على البكالوريوس في الطب والجراحة من جامعة بغداد في يوليو عام 1972، ثم على دبلوم أمراض المناطق الحارة من جامعة ليفربول عام 1974، ثم على دبلومتين في التخصص في الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي من جامعة ماكجل في مونتريال في كندا عامي 1974 و1978، كما قدم أبحاثا في سرطان الكبد إلى (Kings College) في جامعة لندن عام 1979 و1980 .
وفي عام 1983 قرر التفرغ للعمل الإغاثي وتحديدا في أفريقيا التي لازال يعمل فيها حتى الآن بل إنه ترك الكويت كليةً وانتقل للإقامة في أدغال إفريقيا.
رحلة الى الأدغال
عندما بدأ العمل من خلال لجنة مسلمي أفريقيا في بداية الثمانينات، على شكل مشاريع محدودة جداً ببناء بعض المساجد في ملاوي، لم يكن الدكتور السميط يدرك ضخامة وخطورة الأوضاع التي تعاني منها المجتمعات المسلمة، وبالذات ما يتعلق بهويتهم الدينية والحضارية .. كانت الأهداف محدودة بتقديم بعض المساعدات وبناء بعض المساجد وحفر بعض الآبار.
إلا أنه بدأ يدرك بسرعة، عندما بدأت اللجنة تجوب البلدان وتتوغل داخل القارة، أن المخاطر والتحديات هي على درجة كبيرة جداً من التعقيد والشراسة.
فأدرك أنه من المستحيل التفكير في دعم وترسيخ الهوية الإسلامية للشعوب
الأفريقية، من دون العمل على تنمية تلك المجتمعات لأن معظمها كان يعيش تحت خط الفقر..
وبالتالي تغير مفهوم الدعوة لديه من دلالات المصطلح التقليدي إلى فهم شمولي للنهوض بالمجتمعات المسلمة الأفريقية نهضة شاملة..

الدعوة من خلال التنمية
لقد اكتشف أوضاعا مرعبة للمسلمين في أفريقيا فشعر بأننا إذا لم ندعم المسلمين في مجالات معينة من التنمية الاجتماعية، فسنكون عندئذ كمن يمارس نوعاً من النفاق، لأنه من غير المتصور أن نساهم في تذكير المسلمين بدينهم، ودعوة غير المسلمين إلى هذا الدين، بينما هم يتضورون جوعاً، وتموت نسبة مرتفعة جداً من أطفالهم بسبب سوء التغذية ، أو بسبب الأمراض المنتشرة.
و يروي الدكتور السميط أنه عندما زار إحدى القري بإثيوبيا، وجد أشكالا وألوانا من الأطفال وهم هياكل عظمية تمشي على قدمين، بعضهم يستطيع أن يمشي وبعضهم يحبو حبواً عمره قد يكون عشر سنوات، إثنى عشر سنة ولا يستطيع المشي على قدميه، وأغلبهم لم يأكل من ثلاث أو أربع أيام.
وعندما ذهب مرة من المرات مع زوجته وأولاده إلى إحدى القرى، ودخل على كوخ من الأكواخ، وجد
أن الأم ومعها أطفالها وأقاربها لم يأكلوا منذ ثلاثة أيام أي شيء على الإطلاق، حتى الحشيش الذي يؤكل غير موجود بسبب الجفاف. فذهبت إحدى بناته إلى السيارة لتجلب كيسا من الدقيق، ففوجئ بأن المرأة صُدمت واستغربت أن يعطيها الدقيق،
فقالت: لماذا هذا؟!!
فقال لها لأنك ما أكلتِ من ثلاث أيام أنت وأولادك
،

قالت نحن أغنياء، الحمد الله نحن ثلاثة أيام فقط ما أكلنا
، ففي الكوخ الذي خلفنا لم يأكل أهلها منذ ثمانية أيام!
مؤشرات مرعبة

إذا أخذنا " عينة " من البلدان الأفريقية المسلمة، كدول الساحل مثلا فإننا نستخلص الحقائق والمعلومات التالية:
فمتوسط الأعمار في هذه البلدان هو 43 سنة ( مقابل 74 سنة في البلدان الصناعية).
- معدل وفيات الأطفال قبل بلوغ سنة من 150 :200 طفل من 1000 ( مقابل 10من 1000 في البلدان الصناعية).- طبيب واحد لكل 22000 نسمة في مالي، وطبيب واحد لكل 60000 نسمة في بوركينافاسو ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!
وفضلاً عن هذا المؤشرات المرعبة،
تضاعفت الديون الخارجية ما بين 1970و 1980 من 450 مليون دولار سنة 1970إلى
3545 مليون دولار سنة 1980.لذا كان لزاماًَ أمام هذا الوضعية الخطيرة التي يعيشها المسلمون ( وغير المسلمين أيضاً ) أن تقترن الدعوة بالعمل التنموي من البداية ، وسرعان ما تبلورت فكرة المراكز متعددة التخصصات، وهي مجموعة من المشاريع ( مدرسة ودار أيتام ومستوصف ومركز لتأهيل النساء ثم أضيفت مراكز للكمبيوتر خلال النصف الثاني من التسعينات وكذلك مشاريع تنموية صغيرة مدرة للدخل )
الاستراتيجيات الدعوية لجمعية العون
لقد اتبعت جمعية العون عدة استراتيحيات في الدعوة منها:
** استراتيجية دعاة المستقبل تقوم الفكرة على أساس اختيار أيتام وأطفال من القبائل المختلفة، ثم إيوائهم في مراكز " العون المباشر" والدراسة في مدارسها والاستفادة من الخدمات التي تقدمها المراكز ( غذائية وصحية وتربوية .... ) على أساس إعداد هؤلاء الأيتام والأطفال من الصغر تعليمياً ودينياً واجتماعياً ، مع إشراكهم في مرحلة معينة في البرامج الدعوية ومشاركتهم الفعلية في القوافل الدعوية والتنقل ( أحياناً على الأرجل ) تدريباً لهم وإعداداً لتحمل أعباء الدعوة، للمساهمة في قيادة مجتمعاتهم مستقبلاً ، ثم بإعداد المتميزين منهم لمراحل التعليم المختلفة ،ويتم تطبيق هذا الاستراتيجية في 32 بلد إفريقياً. من هذا المنطلق يوجد لدى الجمعية 3288 داعية وطبيباً وإمام مسجد وفنياً. إلى جانب إدارتها لـ 840 مدرسة فيها نصف مليون طالب.
**
الدعوة بالكتاب المترجم من خلالالتركيز على ترجمة الكتب الإسلامية إلى لغات الجماعات والقبائل ، فضلاً عن اللغات الفرنسية والإنجليزية والبرتغالية وهي اللغات الرسمية في كل البلدان الإفريقية تقريباً.
** الاتصال الفردي :
ويهم هذا المجال القيادات التقليدية في المجتمع كالسلاطين وزعماء القبائل والقيادات الدينية ـ مسلمة كانت أو مسيحية ـ بمختلف اتجاهاتها وانتماءاتها والعمل على ربط أطيب الصلات معها دون الدخول في أية حساسية دينية أو قبلية وإعطاء الانطباع الإيجابي عن
الجمعية
كجهة تريد الخير للبلد وأهله والتعاون مع كل من يريد الخير…المشاركة فيالعادات والمناسبات
** إعداد الدعاة
و يعتبر حجر الزاوية في العمل الدعوي كله و يتم من خلال الدورات التدريبية في مجالات الثقافية الإسلامية الشرعية وفي فقه الدعوة.
* ومن الدورات التي أثبتت نجاحها:
1- دورات المهتدين الجدد.
2
- إرسال زعماء القبائل إلى الحج.3- دورات أئمة المساجد والدعاة.
** تأهيل النساء
و يتم عن طريق:
• التربية الدينية المنظمة ثم اختيار المتميزات لتأهيل دعوى خاص.
• التأهيل في حرف مدرة للدخل.
• التوجيه في مجالات تربية الأطفال حسب القيم الإسلامية.
• محو الأمية .
• تعليم أصول النظافة والإسعافات الأولية.
** التدريب المهني
اهتمت جمعية العون المباشر ، بإنقاذ المسلمين الفقراء في أفريقيا من الفقر، بتعليمهم الحرف اليدوية للرجال والنساء لتوفير الاكتفاء الذاتي للفرد والعائلة وإنقاذ الفقراء من الانحراف.
ومع التدريب المهني توفر الجمعية المعلومات والكتب للمتدرب عن هذه الحرف.
وقد أنشأت الجمعية ورش التدريب على النجارة والحدادة وميكانيكا السيارات والتمديدات الكهربائية، وتعمل الورش بنظام الدورات التخصصية تحت إشراف مدربين أكفاء ذوي مهارات وخبرات عالية ويمنح المتدرب شهادة بعد التدريب.
وقد إفتتحت جمعية العون المباشر العديد من مراكز التدريب المهني في دول أفريقيا لتدريب الفقراء والأيتام مجانا؛ مما كان له أثر هام في تغير حياتهم من الفقر إلى الاكتفاء الذاتي.
كما أنشأت الجمعية معاهد التدريب على الكومبيوتر في عده بلدان أفريقية، التي وصل عددها إلي 55 معهدا في 15 بلد أفريقيا.
المعوقات التي تواجه الجمعية
إلا أن الطريق ليس مفروشا بالورود فجمعية العون تواجه العديد من المعوقات مثل :
1- طغيان الولاء القبلي على الولاء الديني.
2- الأثر السلبي للتخلف الاقتصادي والاجتماعي والعلمي على حياة المسلمين.
3- أثر الممارسات والمعتقدات التقليدية على حياة المسلمين الدينية.
4- شدة ضراوة المشروع التنصيري بما يملك من إمكانيات هائلة.
5- نشاط الملل المنحرفة العاملة باسم الإسلام.
6- مخاطر المشروع الفرنكوفوني على الهوية الثقافية الإسلامية.
ملامح من شخصية السميط
يقول الدكتور عبد الرحمن السميط عن نفسه (أنا شخص عادي مثلي مثل كل مواطن أو مقيم في هذه الأرض الطيبة أرض العرب والمسلمين يبحث عن السعادة، و لقد وجدنا أنا وزوجتي وأولادي السعادة هناك لذلك قررت أن أنتقل إلى إفريقيا وأشعر بالراحة لذلك ).
حكمته الدعوية:
-و من مظاهر حكمته الدعوية أنه عندما أعلن سلطان إيسالي في نيجيريا،دخوله في الإسلام، نهاه الدكتور السميط عن هدم الكنائس عندما ذكر أنه سيهدمها في قريته، ودعاه إلى عدم المساس بمشاعر المسيحيين.
-كما أنه دعا العلماء المسلمين , إلى وضع فقه الواقع للأقليات الإسلامية , التي تعيش في الغرب، وانتقد بشدة الدعاة الذين يزورون بلدان الأقليات المسلمة وينشرون فتاوى متطرفة ضد النصارى، أو يثيرون فتن كبرى بين المسلمين حول قضايا صغيرة قد تسبب في زيادة العداء للإسلام، وتعطيل الدعوة بين الناس هناك.
وقد وفق الله الدكتور السميط إلى أن يسلم على يديه أربعة ملايين افريقي.

الأوسمة و الجوائز:
نال الدكتور السميط عدداً من الأوسمة والجوائز على جهوده مثل جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام وقدرها 750 الف ريال وتبرع بها لتكون نواة للوقف التعليمي لأبناء أفريقيا.
كما منحه رئيس جمهورية بنين ماثيو كريكو وسام الجمهورية ‏للاستحقاق بدرجة فارس وذلك ‏تكريما له على دوره في الخدمات الاجتماعية وجهوده الخيرية التي قدمها لشعب بنين.
المراجع:
  • موقع اسلام أون لاين
  • موقع جمعية العون المباشر
  • موقع صيد الفوائد
  • مقابلة تليفزيونية مع الدكتور السميط بقناة العربية