السبت، 14 يناير 2006

خادم فقراء أفريقيا .. الدعوة من خلال التنمية

بقلم: أمل خيري

( من السهل جداً أن تتكلم عن موت الأطفال ولكنك لن تعرف ألم الموت إلاّ عندما تحمل الطفل بين يديك ويموت وأنت تحمله عند ذاك لن تنس أبداً لحظات النزعة الأخيرة.... )

تلك كانت كلمات رائدنا اليوم (خادم فقراء أفريقيا ) الطبيب المسلم الذي ترك حياة الرفاهية والدعة بموطنه الكويت، وأقام في بيت متواضع في قرية مناكارا بجوار قبائل ( الأنتيمور )، وقطع على نفسه العهد أن يمضي بقية عمره في الدعوة إلى الله هناك، فجاد بوقته وماله بل وأسرته في سبيل الله، طمعا في أن ينال رضوان الله .
نتساءل ...ما الذي يجعل رجل كهذا يعيش في قرية ينقطع فيها الكهرباء والماء يوميا، وهو مصاب بالسكر ويستخدم إبر الأنسولين خمس مرات في اليوم، ولديه أدوية لابد من وضعها في الثلاجة ؟!
من هذا الرجل الاعجوبة الذي يشعر بأنه أعظم من أكبر ملك في حينما يرى إنسانا يرفع يديه يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ؟!.
من هذا الرجل الذي يشعر بقمة السعادة عندما يرى يتيما حفظ سورة من القرآن، أو جاءه يركض وهو فرحان لأنه تفوق في الدراسة ؟!.
إنه الدكتور عبد الرحمن السميط رئيس مجلس إدارة جمعية العون المباشر بالكويت، وأبرز رواد العمل الخيري الإسلامي بشقيه الدعوى والإغاثي في أفريقيا .

المولد و النشأة

وُلِد الدكتور عبد الرحمن حمود السميط في الكويت عام 1947، حصل على البكالوريوس في الطب والجراحة من جامعة بغداد في يوليو عام 1972، ثم على دبلوم أمراض المناطق الحارة من جامعة ليفربول عام 1974، ثم على دبلومتين في التخصص في الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي من جامعة ماكجل في مونتريال في كندا عامي 1974 و1978، كما قدم أبحاثا في سرطان الكبد إلى (Kings College) في جامعة لندن عام 1979 و1980 .
وفي عام 1983 قرر التفرغ للعمل الإغاثي وتحديدا في أفريقيا التي لازال يعمل فيها حتى الآن بل إنه ترك الكويت كليةً وانتقل للإقامة في أدغال إفريقيا.
رحلة الى الأدغال
عندما بدأ العمل من خلال لجنة مسلمي أفريقيا في بداية الثمانينات، على شكل مشاريع محدودة جداً ببناء بعض المساجد في ملاوي، لم يكن الدكتور السميط يدرك ضخامة وخطورة الأوضاع التي تعاني منها المجتمعات المسلمة، وبالذات ما يتعلق بهويتهم الدينية والحضارية .. كانت الأهداف محدودة بتقديم بعض المساعدات وبناء بعض المساجد وحفر بعض الآبار.
إلا أنه بدأ يدرك بسرعة، عندما بدأت اللجنة تجوب البلدان وتتوغل داخل القارة، أن المخاطر والتحديات هي على درجة كبيرة جداً من التعقيد والشراسة.
فأدرك أنه من المستحيل التفكير في دعم وترسيخ الهوية الإسلامية للشعوب
الأفريقية، من دون العمل على تنمية تلك المجتمعات لأن معظمها كان يعيش تحت خط الفقر..
وبالتالي تغير مفهوم الدعوة لديه من دلالات المصطلح التقليدي إلى فهم شمولي للنهوض بالمجتمعات المسلمة الأفريقية نهضة شاملة..

الدعوة من خلال التنمية
لقد اكتشف أوضاعا مرعبة للمسلمين في أفريقيا فشعر بأننا إذا لم ندعم المسلمين في مجالات معينة من التنمية الاجتماعية، فسنكون عندئذ كمن يمارس نوعاً من النفاق، لأنه من غير المتصور أن نساهم في تذكير المسلمين بدينهم، ودعوة غير المسلمين إلى هذا الدين، بينما هم يتضورون جوعاً، وتموت نسبة مرتفعة جداً من أطفالهم بسبب سوء التغذية ، أو بسبب الأمراض المنتشرة.
و يروي الدكتور السميط أنه عندما زار إحدى القري بإثيوبيا، وجد أشكالا وألوانا من الأطفال وهم هياكل عظمية تمشي على قدمين، بعضهم يستطيع أن يمشي وبعضهم يحبو حبواً عمره قد يكون عشر سنوات، إثنى عشر سنة ولا يستطيع المشي على قدميه، وأغلبهم لم يأكل من ثلاث أو أربع أيام.
وعندما ذهب مرة من المرات مع زوجته وأولاده إلى إحدى القرى، ودخل على كوخ من الأكواخ، وجد
أن الأم ومعها أطفالها وأقاربها لم يأكلوا منذ ثلاثة أيام أي شيء على الإطلاق، حتى الحشيش الذي يؤكل غير موجود بسبب الجفاف. فذهبت إحدى بناته إلى السيارة لتجلب كيسا من الدقيق، ففوجئ بأن المرأة صُدمت واستغربت أن يعطيها الدقيق،
فقالت: لماذا هذا؟!!
فقال لها لأنك ما أكلتِ من ثلاث أيام أنت وأولادك
،

قالت نحن أغنياء، الحمد الله نحن ثلاثة أيام فقط ما أكلنا
، ففي الكوخ الذي خلفنا لم يأكل أهلها منذ ثمانية أيام!
مؤشرات مرعبة

إذا أخذنا " عينة " من البلدان الأفريقية المسلمة، كدول الساحل مثلا فإننا نستخلص الحقائق والمعلومات التالية:
فمتوسط الأعمار في هذه البلدان هو 43 سنة ( مقابل 74 سنة في البلدان الصناعية).
- معدل وفيات الأطفال قبل بلوغ سنة من 150 :200 طفل من 1000 ( مقابل 10من 1000 في البلدان الصناعية).- طبيب واحد لكل 22000 نسمة في مالي، وطبيب واحد لكل 60000 نسمة في بوركينافاسو ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!
وفضلاً عن هذا المؤشرات المرعبة،
تضاعفت الديون الخارجية ما بين 1970و 1980 من 450 مليون دولار سنة 1970إلى
3545 مليون دولار سنة 1980.لذا كان لزاماًَ أمام هذا الوضعية الخطيرة التي يعيشها المسلمون ( وغير المسلمين أيضاً ) أن تقترن الدعوة بالعمل التنموي من البداية ، وسرعان ما تبلورت فكرة المراكز متعددة التخصصات، وهي مجموعة من المشاريع ( مدرسة ودار أيتام ومستوصف ومركز لتأهيل النساء ثم أضيفت مراكز للكمبيوتر خلال النصف الثاني من التسعينات وكذلك مشاريع تنموية صغيرة مدرة للدخل )
الاستراتيجيات الدعوية لجمعية العون
لقد اتبعت جمعية العون عدة استراتيحيات في الدعوة منها:
** استراتيجية دعاة المستقبل تقوم الفكرة على أساس اختيار أيتام وأطفال من القبائل المختلفة، ثم إيوائهم في مراكز " العون المباشر" والدراسة في مدارسها والاستفادة من الخدمات التي تقدمها المراكز ( غذائية وصحية وتربوية .... ) على أساس إعداد هؤلاء الأيتام والأطفال من الصغر تعليمياً ودينياً واجتماعياً ، مع إشراكهم في مرحلة معينة في البرامج الدعوية ومشاركتهم الفعلية في القوافل الدعوية والتنقل ( أحياناً على الأرجل ) تدريباً لهم وإعداداً لتحمل أعباء الدعوة، للمساهمة في قيادة مجتمعاتهم مستقبلاً ، ثم بإعداد المتميزين منهم لمراحل التعليم المختلفة ،ويتم تطبيق هذا الاستراتيجية في 32 بلد إفريقياً. من هذا المنطلق يوجد لدى الجمعية 3288 داعية وطبيباً وإمام مسجد وفنياً. إلى جانب إدارتها لـ 840 مدرسة فيها نصف مليون طالب.
**
الدعوة بالكتاب المترجم من خلالالتركيز على ترجمة الكتب الإسلامية إلى لغات الجماعات والقبائل ، فضلاً عن اللغات الفرنسية والإنجليزية والبرتغالية وهي اللغات الرسمية في كل البلدان الإفريقية تقريباً.
** الاتصال الفردي :
ويهم هذا المجال القيادات التقليدية في المجتمع كالسلاطين وزعماء القبائل والقيادات الدينية ـ مسلمة كانت أو مسيحية ـ بمختلف اتجاهاتها وانتماءاتها والعمل على ربط أطيب الصلات معها دون الدخول في أية حساسية دينية أو قبلية وإعطاء الانطباع الإيجابي عن
الجمعية
كجهة تريد الخير للبلد وأهله والتعاون مع كل من يريد الخير…المشاركة فيالعادات والمناسبات
** إعداد الدعاة
و يعتبر حجر الزاوية في العمل الدعوي كله و يتم من خلال الدورات التدريبية في مجالات الثقافية الإسلامية الشرعية وفي فقه الدعوة.
* ومن الدورات التي أثبتت نجاحها:
1- دورات المهتدين الجدد.
2
- إرسال زعماء القبائل إلى الحج.3- دورات أئمة المساجد والدعاة.
** تأهيل النساء
و يتم عن طريق:
• التربية الدينية المنظمة ثم اختيار المتميزات لتأهيل دعوى خاص.
• التأهيل في حرف مدرة للدخل.
• التوجيه في مجالات تربية الأطفال حسب القيم الإسلامية.
• محو الأمية .
• تعليم أصول النظافة والإسعافات الأولية.
** التدريب المهني
اهتمت جمعية العون المباشر ، بإنقاذ المسلمين الفقراء في أفريقيا من الفقر، بتعليمهم الحرف اليدوية للرجال والنساء لتوفير الاكتفاء الذاتي للفرد والعائلة وإنقاذ الفقراء من الانحراف.
ومع التدريب المهني توفر الجمعية المعلومات والكتب للمتدرب عن هذه الحرف.
وقد أنشأت الجمعية ورش التدريب على النجارة والحدادة وميكانيكا السيارات والتمديدات الكهربائية، وتعمل الورش بنظام الدورات التخصصية تحت إشراف مدربين أكفاء ذوي مهارات وخبرات عالية ويمنح المتدرب شهادة بعد التدريب.
وقد إفتتحت جمعية العون المباشر العديد من مراكز التدريب المهني في دول أفريقيا لتدريب الفقراء والأيتام مجانا؛ مما كان له أثر هام في تغير حياتهم من الفقر إلى الاكتفاء الذاتي.
كما أنشأت الجمعية معاهد التدريب على الكومبيوتر في عده بلدان أفريقية، التي وصل عددها إلي 55 معهدا في 15 بلد أفريقيا.
المعوقات التي تواجه الجمعية
إلا أن الطريق ليس مفروشا بالورود فجمعية العون تواجه العديد من المعوقات مثل :
1- طغيان الولاء القبلي على الولاء الديني.
2- الأثر السلبي للتخلف الاقتصادي والاجتماعي والعلمي على حياة المسلمين.
3- أثر الممارسات والمعتقدات التقليدية على حياة المسلمين الدينية.
4- شدة ضراوة المشروع التنصيري بما يملك من إمكانيات هائلة.
5- نشاط الملل المنحرفة العاملة باسم الإسلام.
6- مخاطر المشروع الفرنكوفوني على الهوية الثقافية الإسلامية.
ملامح من شخصية السميط
يقول الدكتور عبد الرحمن السميط عن نفسه (أنا شخص عادي مثلي مثل كل مواطن أو مقيم في هذه الأرض الطيبة أرض العرب والمسلمين يبحث عن السعادة، و لقد وجدنا أنا وزوجتي وأولادي السعادة هناك لذلك قررت أن أنتقل إلى إفريقيا وأشعر بالراحة لذلك ).
حكمته الدعوية:
-و من مظاهر حكمته الدعوية أنه عندما أعلن سلطان إيسالي في نيجيريا،دخوله في الإسلام، نهاه الدكتور السميط عن هدم الكنائس عندما ذكر أنه سيهدمها في قريته، ودعاه إلى عدم المساس بمشاعر المسيحيين.
-كما أنه دعا العلماء المسلمين , إلى وضع فقه الواقع للأقليات الإسلامية , التي تعيش في الغرب، وانتقد بشدة الدعاة الذين يزورون بلدان الأقليات المسلمة وينشرون فتاوى متطرفة ضد النصارى، أو يثيرون فتن كبرى بين المسلمين حول قضايا صغيرة قد تسبب في زيادة العداء للإسلام، وتعطيل الدعوة بين الناس هناك.
وقد وفق الله الدكتور السميط إلى أن يسلم على يديه أربعة ملايين افريقي.

الأوسمة و الجوائز:
نال الدكتور السميط عدداً من الأوسمة والجوائز على جهوده مثل جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام وقدرها 750 الف ريال وتبرع بها لتكون نواة للوقف التعليمي لأبناء أفريقيا.
كما منحه رئيس جمهورية بنين ماثيو كريكو وسام الجمهورية ‏للاستحقاق بدرجة فارس وذلك ‏تكريما له على دوره في الخدمات الاجتماعية وجهوده الخيرية التي قدمها لشعب بنين.
المراجع:
  • موقع اسلام أون لاين
  • موقع جمعية العون المباشر
  • موقع صيد الفوائد
  • مقابلة تليفزيونية مع الدكتور السميط بقناة العربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق