الخميس، 26 يناير 2006

المعلم الداعية في مدرسة الهجرة


تحقيق- أمل خيري.....

يعد دور المعلم الداعية مع طلابه من أجلِّ الطاعات ومن أشرف سبل الدعوة إلى الله؛ لأن ما يُبلغه هو ميراث الأنبياء، قال- صلى الله عليه وسلم-: "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير".

فهو راعٍ ومسئولٌ عن رعيته الذين هم أبناء المسلمين، والمعلم الناجح يتعلم من مدرسة الهجرة، ويسعى إلى توظيف مادته العلمية في ترسيخ دروس وعبر الهجرة، ولكن هل يقتصر الأمر على مدرس التربية الإسلامية أو مدرس العلوم الشرعية فقط ؟ أم يشترك فيه جميع المعلمين؟!

درس العلوم
يقول أحمد كمال (مدرس علوم): أوظف دروسَ الهجرة في دروسي حسب ما يناسبها، فمثلاً عند شرح ظاهرة الإبصار نقول للطلاب: إنَّ الإنسان يرى الأشياء عندما يقع عليها الضوء، فيحدث انعكاس لها على شبكية العين، والذي حدث أثناء الهجرة أنَّ الله أغشى أعين الكفار فلم يستطيعوا رؤيةَ الضوء المنعكس بعد سقوطه على جسم الرسول ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ (يس: من الآية 9).

وفي درس الحشرات يمكن أن نتحدث عن العنكبوت والمعجزة العلمية في نسج الخيوط في وقتٍ وجيز، وكذلك نستطيع الحديث عن الثعابين التي كانت بداخل الغار، ونُبرز المعجزةَ الكبرى في شفاء الصديق من لدغة الثعبان.

الاستعانة بالخرائط

أما محمود منصور (مدرس جغرافيا) فيقول: إن دروس الهجرة غنيةٌ بالمعلومات الجغرافية، فلو تحدَّثنا عن حركة الرياح نستشعر المعجزةَ الحقيقيةَ في السحابة التي كانت تظلُّ الرسولَ- صلى الله عليه وسلم- فنوضح للطلاب أنَّ السحابة هنا لم تخضع للقوانين الطبيعية من حركة الرياح، ولكن تخضع للأمر الإلهي (كن فيكون).

ونستطيع كذلك استغلال الحدث في تعريف الطلاب بتضاريس مكة والمدينة، وتوضيح مدى وعورة الطريق بينهما، ونوضح- باستخدام الخريطة- الطريق المعتاد الذي كانت تسلكه القوافل مع توضيح الطريق الآخر الذي سار منه الرسول، وهو طريق الساحل، ونُبين هنا لماذا احتاج الركب لدليلٍ خبيرٍ بهذه المجاهل؟

ولنزيد محبة الطلاب في نبيهم نذكِّرهم أنَّ عمر الحبيب المصطفى وقتها كان 53 عامًا ليستشعروا مدى تضحية الرسول وجهاده في هذه السن حتى يَصِل لهم الإسلامُ الآن جاهزًا.
أما حنان فتحي (مدرسة رياضيات) فتقول: في بعض المسائل الرياضية نستطيع أن نقول إنَّ غار ثور ارتفاعه نحو 748 مترًا من سطح البحر، ونحو 458 مترًا من سفح الجبل، وهذا الغار يستغرق الصعودُ إليه نحو ساعة ونصف، كما نستطيع أن نقول له احسب المسافة بين مكةَ والمدينة بالطريق المعتاد وبالطريق الذي اتخذه الرسول واحسب الفرق بينهما.

وأيضًا ملاحظة ارتفاع سقف الغار الذي لا يزيد بأي حالٍ من الأحوال عن 1.25 مترًا فكيف يستطيع شخصٌ المكوثَ داخل هذا الغار مثل هذه المدة (ثلاثة أيام) بدون الاحتياج إلى الوقوف.

مدرسة التخطيط
أما منال عبد الله (مدرسة حاسب آلي) فتقول: لدينا درس خاص بمبادئ البرمجة وأسلوب حلِّ المشكلات وكتهيئةٍ للدرس أبدأ في الحديث عن التخطيطِ في الهجرة، وأجعل الطلاب أنفسهم يستخرجون دروسَ التخطيط من الهجرة، وأجمع كل ما قالوه وأرتبه، وأبدأ في شرح الدرس متخذةً أمثلةً مما قالوه، وتؤكد أننا لن نجد أبلغ من حادثةِ الهجرةِ في التدليل على أهمية التخطيط والإعداد الجيد.

وللفن نصيب
قامت نهى مجدي (مدرسة تربية فنية) مع طلابها بوضع مجموعةِ كراتين مع تغطيتها بقماش أبيض، وعمل تجويف في الوسط كأنه الغار، مع رش لونٍ بُني كلون الجبل، ثم وضع شبكة، وأحضر أحد الطلاب لعبةً بلاستيكيةً على شكل عنكبوت، وبدأت تسرد لهم القصةَ، وتسألهم: مَن يستطيع دخول هذا الغار والمكوث فيه لمدة ساعة بدون أن يتحرك؟ وبعد عدة محاولات من الطلاب لم يصبر أي منهم على الجلوس أكثر من خمس دقائق، فبدأت تذكر لهم كيف مكث الرسول وصاحبه ثلاثةَ أيامٍ، وكيف تحملا ذلك من أجلنا نحن؟! ومن يومها رسخت هذه المعلومة في أذهانهم، وأصبحوا أكثرَ حبًّا للرسول الكريم.

الابتكار والتجديد
إلا أن أغلب المعلمين لا يهتم بتوظيف دروس وأحداث السيرة النبوية مع الطلاب، وفي هذا الإطار تقول الداعية سمية رمضان: إن السيرةَ لا تُسقَى للطلاب بالشكل التقليدي، وإنه لإيجاد مدرِّسٍ يغرس في الطلاب كيفيةَ الاقتداء بالرسول وحب السيرة النبوية، فإنَّ المعلمَ يحتاج إلى أربعةِ أشياءَ:

أولها: الدعاء إلى الله أن يعلمه ويلهمه.
والأمر الثاني: أن يصل المعلم نفسه للدرجة التي يكون فيها الرسول أحبَّ إليه من نفسه وولده وماله، وهنا سيتكلم المعلم بروح وقلب مرتبط بسيرة الرسول.
والأمر الثالث: عبارة عن محاولةٍ فرديةٍ منه لتطوير نفسه ومهاراته في عرض المعلومة.
والأمر الأخير محاولةٌ جماعيةٌ من بعض المعلمين مع داعية يتوسَّم فيه الخير، بحيث يترجم حياة الرسول في القرآن والسيرة بقلب حي نابض.

وتؤكد أنَّ هذا الأمر يتطلَّب دوراتٍ لهؤلاء المعلمين بأن يُنتخَب عددٌ معينٌ من العلماء الذين يجيدوا تجسيدَ سيرةِ الرسول للمعلمين، وهم بدورهم سينقلوها للطلاب، كما تضيف أنَّ تبادل الخبراتِ هامٌّ جدًّا، فلا يعتقد معلم- مهما بلغ من علمه- أنه حصَّل العلم كله فلو جلس 5 – 6 أفراد يتحدث كل منهم عمَّا تعلمه من هجرة الرسول، وكيف نوصلها للطلاب لكان لدينا عدة أفكار جديدة.

وتنتقد الداعية سمية رمضان اقتصارَ المعلم على تذكير الطلاب بالهجرة في ذكرى الهجرة فقط، بل يجب أن يعلم الطلاب أنَّ الرسولَ إذا كان هاجر من مكة للمدينة وكانت جنة للمسلمين في الأرض، فإننا نهاجر إلى الله من الدنيا إلى الآخرة إلى الجنة الحقيقية، وذلك في كل وقت وحين؛ لذا ينبغي على المعلم تذكير الطلاب بأن يجعلوا كل أيامهم هجرةً إلى الله، ويعلمهم أن كل يوم يجب أن يتعلموا من سيرة الرسول الجديدَ، ويتخلقوا بخلق جديدٍ، عن طريق عمل مسابقة يومية بينهم، ويسألهم من تَخَلَّق اليوم بخلقٍ من أخلاق الرسول؟
كما يقول للطالب: قبل أن تفعل أي شيء قِفْ مع نفسك ثانيةً واحدةً، واسأل: لو كان الرسول مكاني ماذا كان يفعل؟

ويعلمهم أن يربطوا بين القرآن والسيرة، فإذا كان القرآن هو الدستور النظري فإن سيرة الرسول هي الجانب العملي، فيعلِّم الطالبَ: إذا قرأت آيةً تساءل أي من مواقف السيرة يوافقها؟

وإذا قرأت موقفًا من سيرة الرسول تساءل أية آيةٍ تناسب هذا الموقف؟

تنوع وسائل العرض
وعن الأسلوب الأمثل لتدريس أحداث الهجرة للطلاب يؤكد الدكتور جاد مخلوف- الأستاذ بكلية الدعوة جامعة الأزهر- على ضرورةِ تبسيط المعلومة للطالب حسب مرحلته العمرية باستخدام القصص الملونة والمجسمة أو عرض مسرحية، حيث نحوِّل القصةَ إلى مشاهِدَ، ويؤدي الطالب دورًا فيها، مع التأكيد على أن حفظ الله تزامن مع التخطيط البشري، وأنَّ سبب نجاح الهجرة تخطيط الرسول مع حفظ الله وعنايته.

أما الطلاب الأكبر في العمر فيمكن إعطاؤهم كتبًا مبسطةً في السيرة، ثم نتدرج معهم إلى الكتب التي تقدم الدروس والعبرَ مع الأحداث.

وأكد أن كل معلم يستطيع أن يفعل ذلك طالما توفرت لديه المعرفة والقدرة على توصيل المعلومة والأسلوب المبتكر في العرض، ولا يشترط حصرها في معلم التربية الإسلامية فقط.
والأهم هو عرض مواقف السيرة النبوية بأسلوبٍ علمي شيق وجميل، ويتطلب ذلك تنمية قدرات المعلمين، وتطوير إمكانياتهم في التمهيد الجيد للمعلومة، ثم العرض الشيق أيضًا، مع إجادة استخدام الوسائل التعليمية في العرض، واستخدام الحاسب الآلي.

ويتفق معه الداعية الشيخ ممدوح جابر، فيؤكد أنَّ المعلم يجب أن ينوِّع من طرق وأساليب العرض، من شريط فيديو إلى فيلم كارتون.

كما يمكنه- من خلال نشيد (طلع البدر علينا) الذي يردِّده جميع الطلاب- أن يوضح مدى فرحة الأنصار بقدوم الرسول للمدينة، فيسأل: لماذا تفرح بقدوم أبيك؟ فيقول: لأنه يأتي بهدية، فيقول: وكذلك هم فرحوا بالرسول؛ لأنه أتى لهم بأعظم هدية وهي الإسلام.

يمكن أيضًا عن طريق الأسئلة، مثلا:
- مَن يحب أن يترك بلده ويجلس في مدينة كذا؟ (ويختار مدينةً بعيدةً لا يعرفها الطالب).
فيجيب الطلاب: لا نحب ذلك، فيبدأ في شرح كيف أن الرسول ترك بلده مكة وهي أحب بلاد الله إليه ليذهب للمدينة.

- يسأل مَن منكم يستطيع أن يعطي سريره لصديقه وينام هو على الأرض؟
فيقولون بالطبع: لا أحد، فيقول: لقد فعل الأنصار ذلك، وبهذ فأنت تُشعِر الطالبَ بقيمته، وأنه هو الذي قال المعلومةَ، فترسخ في ذهنه، وتنطبع في ذاكرته.

التأريخ بالهجرة
ينصح الدكتور أحمد عبده عوض- أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة طنطا- المعلمَ أن يعوِّد الطلابَ على استخراج لطائف المعاني ودقائق الأسرار من الآيات، ويضرب المثل بأن الله تعالى قد هدى سيدنا عمر بن الخطاب لبدء تأريخ العام بهجرة الرسول؛ حيث نظر إليها على أنها كانت فتحًا ونصرًا من خلال الآية الكريمة ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ (سورة التوبة من الآية 108) وتوقف عند كلمة (أول يوم) فهداه الله إلى أنَّ هذه إشارة إلى تحديد تاريخ هذه الأمة بهجرة الرسول، ويضيف: إنَّ المعلمَ يستطيع عرض مواقف من سيرة الرسول الكريم في كل موقف يقابله ويوظفه توظيفًا غيرَ مباشر، سواء في بداية درسه، أو في طابور المدرسة، أو في موضوع تعبير، أو موضوع رسم، وينتهز كل موقف ليربطه بأصحاب رسول الله، ويجب أن يعوِّد طلابه على كثرة ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- وضرورة الصلاة عليه كلما ذُكِر اسمه.

وكلما توسَّعت ثقافة المعلم، استطاع أن يربط المقرراتِ الدراسيةَ بمواقفَ من السيرةِ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق