الأحد، 15 يناير 2006

معرض الكتاب..احتفالية سنوية بسورة العلق.




تحقيق- أمل خيري..........
كانت القراءة- وما تزال- أساس العلم والحضارة، فلا عجب أن كانت أول آية من القرآن ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، فما المغزى من نزول أول أمر من الله لرسوله بأن يقرأ؟ ولماذا لم يكن (صلِّ) أو (اعبد الله)؟ رغم قوله تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾؟ إنها إشارة واضحة إلى أن هذه الأمة هي أمة القراءة و العلم، وأن العلم هو السبيل للعبادة الصحيحة.

فما أهمية القراءة؟ و لماذا لا يقرأ الطفل؟ وكيف ننمي عادة القراءة عند أبنائنا؟ وهل يكون معرض الكتاب فرصةً لغرس حُبِّ القراءة لدى الأبناء؟

احتفالية بالكتاب
تقول ألفت (ربة منزل وأم لطفلين): ننتظر جميعًا افتتاح معرض الكتاب كل عام بشوقٍ جارفٍ، فالأولاد يدَّخرون من مصروفهم طول العام استعدادًا لهذه المناسبة، خاصةً أنها تصادف إجازة نصف العام، فنذهب في جولةٍ رائعةٍ نتنقل بين أجنحة المعرض، ويحرص الأطفال على شراء القصص وكتب التلوين، بينما الأبناء الكبار تستهويهم قصص الخيال العلمي والكتيبات الإسلامية الصغيرة الملونة والفاخرة الطباعة، أما أنا وزوجي فنحرص على الاطلاع على كل ما هو جديد من الكتب العلمية والإسلامية، وكذلك الكتب الخاصة بتربية الطفل.

عادة سنوية
أما عماد محمود (أولى ثانوي) فيقول: عوَّدنا والدنا على زيارة معرض الكتاب سنويًّا، وكنَّا نقتصد من مصروفنا لنشتري القصص الهادفة والكتب المفيدة، حتى تكوَّنت لدينا مكتبة كبيرة وأصبحت القراءة متعةً لا تقدَّر بثمنٍ، وعن تأثير حبه للقراءة على شخصيته، يقول: أشعر أن القراءة تجعلني مختلفًا عن زملائي الذين لا يقرؤون، فمعلوماتي تجعلني أثق بنفسي وتمكنني من دخول المسابقات العلمية والبحثية، وأحصل فيها على مراكزَ متقدمةٍ.

طلب العلم
وتتَّفق معه مروة (ثانية علوم حلوان) في أهمية القراءة والاطلاع، حيث تؤكد أن أسرتها زرعت لديها حب القراءة والاطلاع حتى أصبحت أفضل هواياتها رغم إجادتها لاستخدام الكمبيوتر والرسم، إلا أن متعتها الحقيقية في القراءة التي تفتح لها آفاق العلم، وتوضح أن القراءة الآن لا تنحصر في الكتب فقط، بل هناك علوم ومعارف نقرؤها من خلال بعض مواقع الإنترنت التي فتحت آفاقًا رحبةً، فتستطيع قراءة أحدث الكتب العربية والأجنبية في أي بلدٍ في العالم عبر الإنترنت، وتحرص مروة على الذهاب لمعرض الكتاب مع بعض زميلاتها المحبات للقراءة والاطلاع، فيشاركن في بعض الفعاليات كالندوات العلمية والثقافية، وتؤكد أن يومًا واحدًا لا يكفي لزيارة المعرض، بل إنها تذهب عدة أيام حتى يتسنَّى لها زيارة كل الأجنحة ودور العرض.
عرس سنوى
يعتبر محمود قطر- مدير عام الإدارة العامة للمكتبات جامعة حلوان- أن

معرض الكتاب فرصةٌ ذهبيةٌ أو عرسٌ سنويٌّ، وواجهة فكرية لعرض خلاصة الفكر العربي سواء عن طريق الكتب أو الفعاليات الأخرى التي أضيفت للمعرض منذ ما يربو على عشر سنوات، مثل المحاورات الثقافية والحوارات الساخنة المباشرة مع شخصياتٍ عامةٍ، والمتصلة بقضايا سياسيةٍ وثقافيةٍ عالميةٍ مثل العولمة أو هيمنة القطب الواحد، وكذلك الحلقات النقاشية، والمنتديات الثقافية أو الشعرية.

ويوضح من خلال عمله أن هناك فئتين من المتردِّدين على المكتبات، وهما فئة فوق الخمسين الذين وصلوا لمستوى من النضج الثقافي، وهؤلاء يقرؤون الكتب الأدبية والثقافية، ويطلعون على الجرائد والمجلات، والفئة الذهبية الأخرى هي فئة الشباب من 16 إلى 20 سنة، وهؤلاء تكون توجهاتهم دراسيةً في البداية، ثم تتحول اتجاهاتهم إلى الكتب التي تغطي احتياجاتهم النفسية والسيكلوجية، ولكن مع وجود مواسم مهرجان "القراءة للجميع" تظهر فئة أخرى موسمية، وهي الأطفال حتى 15 سنة، لأن المهرجان يجتذبهم من مدخل الأنشطة غير القرائية، كالأنشطة الفنية والمسرحية، إلا أن هذه الفئة غير مستديمةٍ، لذا ينبغي ترغيبهم في زيارة معرض الكتاب.

عزوف الأطفال والشباب
وإن كنا نلحظ جميعًا عزوفَ كثيرٍ من الأطفال عن القراءة، فإن هناك عدةَ جهاتٍ تلعب دورًا بارزًا في هذا العزوف، فإذا كان الوالدان لا يميلان للقراءة فطبيعي أن لا يحب الطفل القراءة، كما أن التلفزيون وما يبثه من برامج كالرسوم المتحركة، والمسلسلات، والألعاب الإلكترونية، والكتب المصورة التي تجعل الطفل يبحث عن الصور، وليس عن القراءة، إضافةً لأسعار الكتب التي لا تكون في متناول الجميع كلها من أسباب عزوف الطفل والشاب عن القراءة.

في هذا الإطار يؤكد الدكتور جابر قميحة- أستاذ الأدب الحديث- أن ارتفاع أسعار الكتب من الأسباب الرئيسة لانصراف الشباب عن القراءة، ولإعادة الإقبال على الكتب فإن ذلك يتطلب أن يكون هناك خصم كبير في ثمن الكتاب، خاصةً للطلاب، نظرًا للظروف الاقتصادية الحالية، لذا يقترح- كجزء من حل طويل- أن يُطبع من كل كتاب طبعتان مختلفتان إحدهما فاخرة، وأخرى شعبية؛ لأن القارئ يهمه نوعية ما يقرأ، و ليس أوراق ما يقرأ.

من ناحيةٍ أخرى يجب التركيز أثناء أيام المعرض على محاضراتٍ وندواتٍ تتعلَّق بوضع الشباب حاليًا تشخيصًا وعلاجًا، وكجزء من حل طويلٍ أيضًا، يجب تشجيع الشباب على نشر إنتاجهم وتدعيمهم في ذلك.

كما أكد أن مشكلة الشباب اليوم أنهم يتفادون الكتب ذات الثقافة الثقيلة، مثل دوائر المعارف، والكتب الفلسفية الاقتصادية إلا المتخصصين منهم؛ لذا يبحثون عن كتب الثقافة السريعة التي يطلق عليها (التيك أواي) أو بعبارةٍ أخرى (الكتب الساندوتشية).

تحبيب الطفل في القراءة
وعن كيفية تنشئة الطفل منذ الصغر على حب القراءة ينصح الدكتور جابر الأسرة أن تبدأ مع الطفل الصغير بالكتاب الجميل، أي الملون والجذاب والجيد الإخراج، مع الاهتمام بالصور والأشكال وفي الغرب يهتمون بهذا الجانب الجمالي جدًّا بالنسبة لكتاب الطفل، ثم بالتدريج نربط الطفل بما هو أرقى ليتحول اهتمامه من الشكل إلى الموضوع.

وأمر آخر، وهو أن يقرأ الكبار في الأسرة ويقبلوا على القراءة على مستوى العائلة، وألا يتخلى الأبوان عن دورهما في توجيه الطفل نحو القراءة النافعةِ، ويا حبَّذا لو خصصا جوائزَ رمزيةٍ للطفل إذا ما قرأ كتابًا معينًا، وذكر أن هذا ما يفعله شخصيًّا مع أحفاده؛ ليقبلوا على القراءة.

المعرض والتنشئة الثقافية
تؤكد الدكتورة سهير الجيار- أستاذ أصول التربية بكلية البنات جامعة عين شمس- أن المسألة ليست محصورةً في معرض الكتاب، وإنما هي مسألة ثقافةٍ عامةٍ وواسعةٍ، ومفهومٍ ضخمٍ؛ لأن الثقافة- باعتبارها عاداتٍ وتقاليدَ وقيمًا واتجاهاتٍ ماديةً ومعنويةً- تترسخ منذ الصغر، وتحتاج إلى توجيهٍ تربوي مع الأطفال في الأسرة.

لأننا نستطيع الحكم على ثقافة الأسرة وقيمها واتجاهاتها من خلال لغة أبنائها واهتماماتهم؛ لأن الأسرة وعاء ثقافي يتشكل فيه الطفل، لذا فإن الاهتمام بزيارة معرض الكتاب تبدأ منذ مرحلة الروضة بشراء الكتب المصورة، ثم نتدرج معه ليشبَّ على قيمة القراءة وتقدير قيمة الوقت.

وحول كيفية الاستفادة من معرض الكتاب وفعالياته في بناء ثقافة المجتمع أشارت الدكتورة سهير إلى أن معرض الكتاب ليس فرصةً لشراء الكتب فقط، بل إن كل فعالياته سواء من ندوات أو لقاءات متنوعة ثقافية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، كل ذلك يسهم في إضافة قيم جديدةٍ ليشعر الشاب بما يحدث حوله من تغيُّراتٍ، كما أن هذه اللقاءات أحيانًا يُدعى إليها مفكرون أجانب، مما يسهم في إثراء معرفتنا عن رأي الآخر.

وعن دور مؤسسات التربية غير الرسمية (اللا نظامية) في توعية الشباب وتوجيههم نحو القراءة، تؤكد أن هذه المؤسسات مثل النوادي والمدارس والجامعات، لها دورٌ كبيرٌ في تكوين الدافعية لدى الطلاب والشباب نحو الثقافة، فينبغي على هذه المؤسسات استغلالَ معرضِ الكتاب في تنظيم رحلاتٍ إليه، ولا تقتصر على الرحلات الترفيهية فقط؛ لأن زيارة الشاب للمعرض والمشاركة في أنشطته مع جماعةٍ منسجمةٍ في نفس المرحلة السنية، وبذات الاهتمامات المشتركة، ولغة التفاهم الواحدة يسهم في زيادة الدافعية، بعكس ذهاب الشاب مع والديه، حيث تتباين الأعمار والتفضيلات.

التوازن مطلوب
تشير الدكتورة سهير إلى تنامي ظاهرةٍ خطيرةٍ وهي طغيان الاهتمام من جانب الطفل والشاب على حدٍّ سواء بالكمبيوتر والإنترنت على القراءة، حيث أصبحت آفةَ العصر أن يترك الشاب محاضراتِهِ والطفل مذاكرَتَه ليقبع أمام شاشة الكمبيوتر لمشاهدة الأفلام أو الألعاب "كالبلاي ستيشن" أو يقضي ساعات في الدردشة غير الهادفة عبر الإنترنت، وينغلق على نفسه ويستغرق مع عالمٍ افتراضي منعزلاً عن الواقع الخارجي، ولا يفكر في الذهاب لمعرض الكتاب، أو مطالعة الكتب، فهجر الكثير هذه الهواية المحببة، والتي كانت- فيما سبق- من العادات المتأصلة.

وتنصح الأسرة أن تنشِّئَ أبناءها على التوازن، وتؤكد أن القراءة عبر الإنترنت وحدها لا تكفي؛ لأن الإنترنت لا يقدم كل شيء، وليست كل المعلومات والمعارف التي يقدمها صحيحةً، فأحيانًا تكون هناك مواقعُ مغرضةٌ، تبث معلوماتٍ غيرَ سليمةٍ على المستوى الشخصي أو الوطني أو القومي، لذا ينبغي أن نربي أبناءنا على مهارة القدرة على الاختيار، والتمييز بين الغثِّ والسمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق