الثلاثاء، 24 فبراير 2009

في يوم المعلم.. "التعليم للجميع" التزام بلا ملتزمين

أمل خيري

أكدوا على تحقيقه بحلول 2015

في يوم المعلم.. "التعليم للجميع" التزام بلا ملتزمين



Image

جرس إنذار عن أوضاع التعليم المتدهورة أطلقه التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع لعام 2009 الصادر عن اليونسكو.. مضمون الإنذار الذي جاء قبل أيام من الاحتفال بيوم المعلم العربي الذي يوافق 25 فبراير يدور حول حقيقة هامة، وهي أن مبدأ التعليم للجميع لا يزال يواجه تحديات تحول دون تعميمه بحلول عام 2015، وهو الالتزام الذي قطعته الدول على نفسها في مؤتمر داكار الذي نظمته اليونسكو عام 2000.

وحدد التقرير ثلاثة تحديات أساسية تواجه التعليم، وهي: عمل الأطفال؛ حيث تبلغ عمالة الأطفال نحو 218 مليون طفل، وسوء الحالة الصحية؛ فهناك 60 مليون طفل يعانون من نقص اليود، ويعاني 200 مليون طفل من الأنيميا، وهذه الأمراض تحد من قدرة الطفل على التعلم، ويتمثل التحدي الثالث في الإعاقة البدنية لدى الطفل.

ويعرض التقرير بعض الإصلاحات في مجال السياسات العامة والحوكمة لإيقاف دورة الحرمان، كما يعرض أهم المؤشرات على التقدم المحرز في تحقيق الأهداف الستة لـ"التعليم للجميع" التي اتفقت عليها الدول في داكار منذ تسع سنوات.

رعاية الطفولة المبكرة

على صعيد تحقيق الهدف الأول، وهو "الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة"، رصد التقرير عوامل تؤثر سلبا على تحقيقه من أهمها سوء التغذية لدى الأطفال، والذي يمثل وباء عالميا يصيب ثلث الأطفال دون سن الخامسة، ويضعف قدرتهم على التعلم.

ويؤكد التقرير أن التقدم في معالجة سوء التغذية ما زال بطيئا؛ مما يعرقل التقدم نحو تعميم التعليم الابتدائي خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء، وجنوب آسيا.

ولا تزال الفجوة هائلة في توفير التعليم بين أطفال الأسر الأكثر ثراء والأسر الأكثر فقرا؛ حيث بلغت نسبة القيد في التعليم الابتدائي بالدول المتقدمة 79% عام 2006، مقابل 36% فقط في الدول النامية.

كما تبلغ احتمالات التحاق الأطفال المنتمين لأغنى خمس أسر ببرامج التعليم قبل المدرسي خمسة أمثال نسبة التحاق الأطفال المنتمين لأفقر خمس أسر.

أما الهدف الثاني: وهو "تعميم التعليم الابتدائي"، فيتمثل في تمكين جميع الأطفال من الحصول على تعليم ابتدائي جيد ومجاني وإلزامي بحلول عام 2015، مع التركيز على الفتيات والأطفال الذين يعيشون ظروفا صعبة، وأطفال الأقليات العرقية.

ويشير التقرير إلى أن عدد الملتحقين بالتعليم الابتدائي زاد بين عامي 1999 و2006 بمقدار 40 مليون نسمة، وارتفع متوسط نسب القيد في البلدان النامية منذ عام 2000 في إفريقيا جنوب الصحراء من 54% إلى 70%، وفي جنوب وغرب آسيا من 75% إلى 86%.

ورغم أن هذا التقدم يعد مذهلا إلا أنه غير كاف؛ فما زال هناك 75 مليون طفل غير ملتحقين بالتعليم، بينهم 55% إناث، كما تشير التوقعات أن هناك 29 مليون طفل تقريبا بـ134 دولة سيكونون غير ملتحقين بالمدارس بحلول 2015، وهو ما يمثل حوالي ثلثي مجموع الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في ذلك الوقت، ويتركز أكثرهم في نيجيريا، وباكستان، والنيجر، وكينيا.

وتتباين نسب الالتحاق بالتعليم الابتدائي بين الدول الغنية والفقيرة، وأيضا داخل الدولة الواحدة على أساس تفاوت الدخل، وكذلك التفاوت بين المناطق الريفية والحضرية؛ حيث ترتفع نسب الفقر في بعض الأحياء فتتدنى صحة الأطفال، وينخفض معدل التحاقهم بالتعليم.

ويواجه أطفال الأسر والأحياء الفقيرة عقبات تعليمية مثل الرسوب الذي تزيد نسبته عن 20% في بعض البلدان، ويأتي الرسوب كأول أسباب إرهاق ميزانيات الدول؛ حيث يستهلك حوالي 12- 16% من ميزانية التعليم، ويترتب عليه مشكلة التسرب خاصة في الأسر الفقيرة.

تعليم الشباب والكبار

ويركز الهدف الثالث على تلبية احتياجات التعلم مدى الحياة لدى الشباب والكبار، وذلك من خلال الانتفاع ببرامج للتعلم المستمر واكتساب المهارات الحياتية، ويشير التقرير إلى ارتفاع مستوى القيد في التعليم الثانوي بشكل عام من 52% إلى 58% مع التفاوت الشديد بين الدول المتقدمة والنامية، كما اتسع التعليم الجامعي بشكل سريع منذ منتدى داكار.

وتشير الإحصاءات -رغم ذلك- إلى أن الحكومات لا تضع الأولوية لاحتياجات التعلم في سياستها التعليمية؛ نظرا لما يتطلبه ذلك من تمويل حكومي وإعداد تصورات وبيانات وإحصاءات.

والهدف الرابع: وهو محو أمية الكبار يتمثل في تحقيق تحسن بنسبة 50% في مستويات محو أمية

حجم امية الكبار بعام 2015
الكبار بحلول عام 2015 خاصة للنساء، إلا أن الدلائل تشير إلى أن عدد الكبار المفتقرين للمهارات الأساسية للقراءة والكتابة يقدر بنحو 776 مليون نسمة أي 16% من سكان العالم من الكبار، يشكل النساء ثلثيهم، ولم تحقق معظم الدول إلا قدرا ضئيلا من التقدم في تحقيق هذا الهدف، كما أن معدلات القراءة لدى الكبار في 19 دولة نامية يقل عن 55%، وترتبط أمية الكبار بالفقر وكافة أشكال الحرمان، أما الشباب الأميون فقد انخفض عددهم من 167 مليون نسمة عام 2000 إلى 130 مليون نسمة عام 2006.

المساواة بين الجنسين

إزالة أوجه التفاوت بين الجنسين في مجال التعليم الابتدائي والثانوي بحلول عام 2015 كان هو الهدف الخامس من أهداف داكار، وقد وضع الهدف لتحقيق المساواة بين الجنسين في ميدان التعليم، مع التركيز على تأمين فرص متكافئة للفتيات للاستفادة من التعليم الجيد.

لم يتحقق من هذا الهدف سوى 37% في مرحلة التعليم الثانوي كما تشير الدلائل، أما التعليم الابتدائي فقد ارتفع فيه مؤشر التكافؤ بين الجنسين من 0.48 إلى 0.95 خلال الفترة من 1999 إلى 2006، وذلك بدول غرب آسيا، أما دول إفريقيا جنوب الصحراء فما زال أمامهم الكثير من الجهد للتقدم نحو تحقيق هذا الهدف.

ويؤكد التقرير أن الفقر يؤدي إلى تفاقم أوجه التفاوت بين الجنسين، وعلى الرغم من أن أداء الفتيات بشكل عام أفضل من أداء الذكور في التعليم إلا أن بعض الفتيات يواجهن بعد التحاقهن بالتعليم صعوبات؛ بسبب مواقف المعلمين المميزة ضدهن.

نوعية وجودة التعليم

الهدف السادس والأخير أتى بعنوان: "النوعية" وتعني: تحسين كافة الجوانب النوعية للتعليم، وضمان الامتياز للجميع؛ بحيث يحقق جميع الدارسين نتائج معترفا بها وقابلة للقياس، خاصة في القراءة والكتابة والحساب والمهارات الحياتية الأساسية التي تجعل حياة الأطفال أفضل، وتزيد من فرص ونطاق مشاركتهم في المجتمع؛ حيث أشار التقرير إلى وجود فروق كبيرة في التحصيل الدراسي بين طلبة البلدان الغنية والفقيرة، وفي داخل الدولة الواحدة بين الجماعات المحلية؛ فقد بينت نتائج برنامج التقييم الدولي للطلاب بشأن التحصيل في مادة العلوم أن 60% من الطلاب في إندونيسيا وتونس سجلوا أدنى مستوى؛ حيث يقل بمقدار 10% عن مستوى التحصيل في فنلندا وكندا.

وتعاني البلدان النامية من انخفاض مستوى التحصيل الدراسي والذي يتأثر بالخلفية التي ينتمي إليها التلميذ، والبيئة المدرسية، والموارد الأساسية كالبنى التحتية، والطاقة الكهربية، والمكان، والكتب، كما تعاني دول عديدة من نقص في توفير المعلمين المدربين، إضافة إلى انخفاض معنويات المعلمين بسبب تدني الأجور.

حوكمة التعليم

"حوكمة التعليم".. اعتبر بندا هاما في جدول أعمال منتدى داكار لـ"التعليم للجميع"، ومفهوم الحوكمة ليس مفهوما مجردا، بل إنه يعني ضمان التحاق الأطفال بمدارس تحظى بتمويل جيد، ويعمل فيها معلمون مدربون ومتحمسون، وقد خلص التقرير إلى وجود أربعة جوانب أساسية لإصلاح الحوكمة وهي:

1. تمويل التعليم: حيث يجب أن تضطلع الحكومة المركزية بدورها في ضمان المساواة في توزيع التمويل العام حتى في ظل النظام اللامركزي.

2. الإدارة المدرسية: فينبغي إقامة نظم راسخة للتعليم الأساسي حتى لو نقلت المسئولية للمجتمعات المحلية أو القطاع الخاص.

3. المعلمون والإشراف: فيجب على الحكومات تحفيز المعلمين، مع وضع سياسات للإشراف والمساءلة.

4. التخطيط والحد من الفقر: حيث يجب إدماج التعليم في إطار الإستراتيجيات الأوسع لمكافحة الفقر.

حجم المعونات المقدمة لدعم التعليم

ويشير التقرير إلى أن مجموعة البلدان الثمانية والستين المنخفضة الدخل قد تلقت معونة للتعليم بمقدار 6.4 مليارات دولار في عام 2006، يستهدف 75% منها التعليم الأساسي.

توصيات التقرير

ويقدم التقرير في نهايته بعض التوصيات للحكومات والجهات المانحة بخصوص تحقيق أهداف التعليم للجميع، وهي:

- توثيق الروابط بين تخطيط التعليم والرعاية الصحية للطفل.

- منح الأولوية لتوفير الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة، خاصة الفئات المهمشة.

- تعزيز وتوسيع نطاق الالتزامات بمكافحة الفقر عن طريق التصدي لسوء التغذية.

- دعم المساواة في التعليم خاصة للفتيات والفئات المحرومة بإلغاء الرسوم، وزيادة الإنفاق العام في هذا المجال.

- تحسين نوعية التعليم من خلال توفير الكتب المدرسية والمعلمين المدرَّبين.

- إدراج هدف جودة التعليم في سياسات الدول، وإيجاد البيئة الصالحة للتعلم الفعال.

- العمل على إكساب الأطفال المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب.

- زيادة القدرة على قياس ورصد وتقييم نوعية التعليم، والمشاركة في عمليات تقييم التعلم المقارنة على الصعيدين الإقليمي والدولي.

- العمل على تقليص حدة الفوارق بين الجنسين في مجالي الصحة والتعليم من خلال التنسيق بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني.

- زيادة الإنفاق الوطني على التعليم، وربط التمويل بمستويات الفقر والحرمان.

- دعم مبادرة المسار السريع، وسد النقص المتوقع في التمويل المقدر بمبلغ 2.2 مليار دولار سنويا.

- تحسين فعالية المعونة من خلال مواءمة المعونة مع الأولويات الوطنية، وزيادة استخدام نظم الإدارة المالية الوطنية.

وعلى الرغم من تشديد التقرير على الأهمية المحورية للقيادة الحكومية والسياسات العامة إلا أن ذلك لا يلغي دور المجتمع المدني الذي يجب أن يقوم بما يلي:

- مواصلة تمثيل المهمشين في المجتمع من أجل العمل على تحقيق التعليم للجميع.

- مساءلة الحكومات، ودعم توفير التعليم وبناء القدرات.

ويخلص التقرير إلى أهمية الحوكمة الجيدة لتطوير نظم تعليمية أفضل جودة، وأشد تلبية لاحتياجات جميع الأطفال؛ حتى يتسنى تحقيق أهداف التعليم للجميع بحلول عام 2015.


http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1235477848899&pagename=Zone-Arabic-Namah%2FNMALayout

الاثنين، 16 فبراير 2009

فلسطين.. اقتصاد ميت بغزة ومحتضر بالضفة

أمل خيري


Image
خريطة تشير لأراضي الضفة المصادرة

لم يكن إعلان صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية يوم الإثنين 16 فبراير عن تحويل1700 دونم من الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية إلى "أراضي دولة إسرائيل" -لإقامة حي استيطاني- بالأمر الجديد؛ فالقيود المفروضة على أهالي الضفة في تملك الأراضي كانت محورا للعديد من التقارير الاقتصادية الصادرة عن مؤسسات دولية، آخرها تقرير البنك الدولي الصادر أواخر عام 2008 تحت عنوان: "التأثيرات الاقتصادية للقيود المفروضة على تملك الأراضي بالضفة الغربية".

التقرير بما رصده من تأثيرات كشف عن وضع اقتصادي مزرٍ تعاني منه فلسطين، التي أضحى اقتصادها في غزة مدمرا جراء العدوان الإسرائيلي خلال شهر يناير 2009، وعلى الجانب الآخر يحتضر في الضفة بسبب القيود المفروضة على تملك الأراضي الزراعية.

مظاهر هذا الاحتضار بدت واضحة فيما سماه التقرير بحالة من الانكماش في الاقتصاد، أدت إليها القيود الاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي وحركة الاستيطان التوسعية في الضفة، وانخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2007 بنسبة 60% عن عام 1999، وبلغ الاستثمار أدنى معدلاته، وفي غضون العامين الماضيين توقف الاستثمار العام تماما؛ حيث اقتصرت المدفوعات الحكومية على دفع رواتب الموظفين، وتغطية نفقات التشغيل، ووفقا لصندوق النقد الدولي فإن الاستثمارات في القطاع الخاص قد انخفضت أكثر من 15% في عامي 2005-2006، ولم يسجل عاما 2007-2008 تحسنا مذكورا على حركة الفلسطينيين والبضائع الفلسطينية، وقيود الوصول إلى الموارد الطبيعية واستخدامها.

الضفة الغربية.. فقر رغم الثراء

تتسم الضفة الغربية بثراء الموارد الطبيعية؛ حيث الأراضي الخصبة، والمزارع، والمراعي، والمسطحات المائية التي لا تقل عن 5655 مترا مربعا وسط تلال ووديان ممتدة بين شرق وادي الأردن والبحر الميت، إضافة للمواقع الأثرية العديدة.

ويشكل ذلك بيئة مثلى للاستثمار والتنمية والسياحة، ولكنها على الرغم من ذلك محرومة من استغلال هذه الإمكانات في الاستثمار الفعلي؛ نظرا لما تتعرض له من قيود على تملك الأراضي، والانتقال في بقعة يبلغ متوسط الكثافة السكانية فيها 415 نسمة في المتر المربع.

فوفقا لاتفاقيات أوسلو 1995 قسمت الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق: "أ" و"ب" و"ج" والتي تتفاوت فيما بينها في السلطات والصلاحيات، فالمنطقة "أ" تخضع مدنيا وإداريا للسلطة الفلسطينية، أما المنطقة "ب" وتشمل معظم المراكز الريفية فهي تخضع مدنيا للسلطة الفلسطينية، ومن حيث إدارة وتخطيط الأراضي تخضع لمسئولية مشتركة بين السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي نظريا، بينما تخضع للجيش الإسرائيلي بصورة فعلية، أما المنطقة "ج" فتخضع خضوعا تاما للسلطات الإسرائيلية، وتضم هذه المنطقة 59% من إجمالي الأراضي في الضفة الغربية؛ حيث يوجد أكبر عدد من المستوطنات، فقد زاد عدد المستوطنين بواقع أكثر من 150٪، وزادت مساحة الأراضي التي تسيطر عليها المستوطنات أكثر من 400٪ تلك المستوطنات قامت على حساب مصادرة الأراضي الفلسطينية، وتعزل ربع مليون فلسطيني عن باقي أنحاء الضفة الغربية.

ويشكل الجدار العازل الذي تم التصديق عليه من قبل مجلس الوزراء الإسرائيلي في أبريل عام 2006 قيدا جديدا على حرية انتقال الفلسطينيين خاصة من المزارعين الذين عزلهم هذا الجدار عن الوصول لأراضيهم الزراعية، مع ضرورة الحصول على تصاريح انتقال من قبل السلطات الإسرائيلية؛ مما أثر على أرزاق كثير من الفلسطينيين في الضفة.

بين المصادرة والحظر

حدت تبعية المنطقة "ج" الإدارية والمدنية لسلطة الاحتلال الإسرائيلي من إمكانات التنمية الاقتصادية في المنطقة؛ حيث ترفض السلطات منح الفلسطينيين تراخيص البناء في أراضيهم، ويتعرض بذلك أي بناء يتم دون ترخيص لخطر الهدم والمصادرة، ويساهم هذا بشكل أساسي في تقليل مساحة الأراضي المملوكة للفلسطينيين لحساب ازدياد عدد المستوطنات غير القانونية التي تنشأ على الأراضي المصادرة.

وتبين من البيانات التي تم الحصول عليها من وزارة الدفاع الإسرائيلية أنه في الفترة من 2000 - 2007 قد تم تنفيذ 33٪ من أوامر الهدم الصادرة بحق الفلسطينيين، في مقابل تنفيذ 7٪ فقط ضد المنشآت في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية.

وساعد الكيان الإسرائيلي في عملية استيلائه على الأراضي إيقافه لعمليات تسجيل الأراضي بعد عام 1967؛ مما ترتب عليه أن مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية التي لم يتم تسجيلها رسميا قبل هذا التوقيت صودرت، واعتبرت مملوكة للكيان الإسرائيلي، ثم تم منحها للمستوطنين.

وقبل هذا التاريخ 1967 كان هناك العديد من الأسباب التي منعت الفلسطينيين من تسجيل أراضيهم، منها القيود التي كانت تفرضها سلطات الاحتلال البريطاني، ومنها ما يعود للرسوم المرتفعة على عمليات التسجيل، إضافة لارتفاع نسب الضرائب على الأراضي، وتفتت الملكية؛ مما أدى إلى أن نسبة 33% فقط من أراضي الفلسطينيين في الضفة قد سجلت بشكل رسمي قبل عام1967.

أدت كل هذه السياسات والقيود لنتيجة واحدة هي وجود نظام قمعي لا يشجع على التنمية، وله تأثيرات شديدة الخطورة على البنية التحتية والاستثمار والزراعة والسياحة والبيئة، خصوصا في المنطقة "ج" التي تعاني أكثر من غيرها من هذه القيود، ورغم عدم توافر بيانات دقيقة عن سكان هذه المنطقة فإن عدد الفلسطينيين في المنطقة "ج" يقدر بحوالي 70 – 230 ألف نسمة معظمهم من المزارعين والرعاة والبدو ويعانون من انخفاض حاد في الخدمات.

البنية التحتية والاستثمار

تكشف البيانات الخاصة بتراخيص البناء والهدم في الفترة من 2000 -2007 أن 91 فلسطينيا من أصل 1624 حصل على تصاريح البناء، في حين صدرت في نفس الفترة قرارات هدم تصل في مجموعها إلى 4993 نفذ منها فعليا 1663 قرارا، وهذا بدوره أثر على البنية التحتية وفرص الاستثمار في المباني؛ مما حرم السكان من أبسط الخدمات الأساسية كالكهرباء، والمياه، والمدارس، والمستشفيات، كما تقوم سلطات الاحتلال بحظر إمدادات المياه للفلسطينيين؛ مما أدى إلى حرمان 9% من السكان من الحصول على المياه.

أما في المنطقتين "أ" و"ب" فقد ارتفعت أسعار العقارات والأراضي؛ حيث تتضاعف كل عام حيث بلغ متوسط سعر الأراضي 4000 دولار للمتر المربع في رام الله على سبيل المثال، كما تتردد المصارف في تقديم قروض عقارية أو قبول هذه العقارات كضمان للقروض، وفي الوقت نفسه تعاني الضفة الغربية من نقص حاد في المساكن؛ فوفقا لصندوق الاستثمار الفلسطيني هناك حاجة إلى 108 آلاف وحدة سكنية على مدى السنوات الثلاث المقبلة و 304 آلاف وحدة خلال عشرة أعوام لتلبية احتياجات النمو السكاني.

التنمية الزراعية الأكثر تضررا

ويؤكد التقرير أن الآثار الاقتصادية لهذه السياسات قد بلغت أقصاها على القطاع الزراعي؛ حيث صعوبة وصول المزارعين لأراضيهم الزراعية التي يفصلهم عنها الجدار العازل، وزاد من المشكلة وقوفهم المستمر على الحواجز بمحاصيلهم مما يؤدي في كثير من الأحيان لتلفها؛ حيث تشير الإحصاءات إلى رفض سلطات الاحتلال منح تصاريح العبور لحوالي 60% من العائلات الفلسطينية منذ إنشاء الجدار العازل، وأن 50% من المزارعين لم يعد لديهم أي اتصال بأراضيهم كلية.

إضافة لارتفاع تكاليف النقل، وكذلك التخريب المتعمد للأراضي الزراعية من قبل المستوطنين، وكنتيجة لكل تلك المعوقات انخفضت الإنتاجية الزراعية لأدنى مستوى لها؛ فحوالي 10.2% حرمت من مجموع المساحة المزروعة في الضفة الغربية من موارد المياه اللازمة للري بسبب الجدار العازل، ويبلغ متوسط القيمة الاقتصادية لهذه الأراضي 38 مليون دولار بما يعادل 8% من الناتج الزراعي الفلسطيني.

وبالمثل فإن 274.700 دونم (الدونم يعادل 1000 متر مربع)، من الأراضي الزراعية والتي تنتج حوالي خمس إجمالي الإنتاج الزراعي الفلسطيني، مهددة الآن في منطقة العزل الشرقية على طول وادي نهر الأردن، وتتضمن هذه المنطقة أكثر من 80٪ من المراعي والمناطق الفلسطينية؛ حيث يقوم الرعاة حاليا برعي الأغنام والماعز في مساحة 225 ألف دونم ما زالت مفتوحة من أصل 1.5 مليون دونم من مساحة المراعي المتوفرة فعليا في المنطقة.

أدت كل هذه القيود إلى زيادة تكلفة المواد الغذائية المحلية، ورفع تكاليف المعيشة لجميع الفلسطينيين، والحد من القدرة التنافسية للقطاع الزراعي؛ حيث أظهر مسح من قبل الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن 68% من الأراضي لم تستغل في الزراعة بسبب عدم توفر المياه ومصادرة الأراضي.

التنمية الصناعية تسير للخلف

أدت القيود المفروضة على تملك الأراضي بالضفة إلى عجز في النمو نتج عن انخفاض الإنتاجية بسبب عدم تطوير المنشآت الصناعية، واستمرارها بنفس الحجم على مدى العقد الماضي.

وأعاق ذلك التنمية الصناعية في الضفة الغربية خاصة في المنطقة "ج" التي يندر فيها الحصول على تصاريح المنشآت الصناعية والبنى التحتية المرتبطة بها، كما ترتفع تكاليف الشحن، بالإضافة إلى أن القطاع الصناعي يواجه مشكلة حادة في التخلص من النفايات، وترتب على ذلك انخفاض حصة القطاع الصناعي من الناتج المحلي الإجمالي من نحو 16% عام 1996 إلى حوالي 12% عام 2005.

مشكلات بيئية

لم تسلم البيئة من الآثار السلبية للقيود الإسرائيلية على التنقل بالضفة الغربية؛ حيث انتشر التصحر في المنطقة الشرقية التي تتميز بالمنحدرات الشديدة، وتتزايد المشكلة مع تحويل أراض زراعية كثيرة في المنطقة "أ" و"ب" إلى مناطق سكنية، ومن جانب آخر فإن انتشار المصانع الإسرائيلية زاد من حدة التلوث البيئي، ومن صعوبة تخلص المنشآت الصناعية الفلسطينية الصغيرة من النفايات، ومع حرمان مناطق عديدة من الصرف الصحي تزداد المخاطر البيئية المحيطة بمعظم مناطق الضفة الغربية.

ويشير التقرير في ختامه إلى أن هذه التحديات والآثار لا يمكن التغلب عليها إلا بحل نهائي لعملية السلام وإنهاء الاحتلال، فقد كانت التوقعات بعد أوسلو مبشرة بازدهار في الاقتصاد الفلسطيني، إلا أن النقيض هو ما حدث؛ حيث ازدادت حدة الفقر، وانخفضت معدلات النمو بالقطاعات المختلفة، وزادت معاناة الشعب الفلسطيني أكثر مما مضى.

ويأتي الحل لذلك بتحفيز القطاع الخاص والعام للاستثمار، وهذا بدوره سوف يتطلب تحولا أساسيا في السياسة الإسرائيلية، وعلى وجه التحديد توسيع الحيز الاقتصادي الفلسطيني للتنمية في الضفة الغربية، والتصدي لتأثير التوسع الاستيطاني الإسرائيلي على الاقتصاد الفلسطيني.