الثلاثاء، 12 أبريل 2011

الطلبة في فصل 5-1

أمل خيري

هو فصل غير كل الفصول الدراسية؛ فطلبته خليط غريب غير متجانس من أصول اجتماعية واقتصادية متباينة، بل حتى في الأخلاق والسلوك هناك تباين شديد.

المجموعة الأولى من أبناء المدرسين ومن أبناء أقارب مديري المدرسة، تتسم هذه المجموعة بالفشل الدراسي وسوء السلوك، ينجحون بالغش حيث تجبر إدارة المدرسة سنويا المدرسين على كتابة الإجابات الصحيحة لهؤلاء الطلاب، أو رفع درجاتهم بعد ظهور النتيجة، لينجحوا دائما.

المجموعة الثانية بعضهم يحاول التملق للمجموعة الأولى أحيانا ويتملق للمدرسين وإدارة المدرسة أحيانا أخرى ليضمن الحصول على بعض الدرجات أو على الأقل النجاح في بعض المواد، وبالتالي لم يكلف نفسه المذاكرة والاستعداد للامتحان.

المجموعة الثالثة من طلبة ذوي خلق لكنهم قرروا عدم المشاركة في لعبة الامتحانات طالما أن النجاح في النهاية للغشاشين فقط فلم يفكروا في المذاكرة باعتبار أن النتيجة محسومة سلفا وحتى لو كتبوا الإجابة الصحيحة فلن يحصلوا على النجاح.

المجموعة الرابعة أيضا من ذوي الخلق، ولشدة أخلاقهم وحسن سلوكهم يتعرضون للضرب من قبل المجموعة الأولى، الذين يسرقون منهم السندوتشات ويستولون على كراساتهم وأقلامهم بالقوة، ليس هذا فحسب بل إن المجموعة الأولى تفرض على هذه المجموعة فتح أوراق إجاباتهم في الامتحانات لينقلوا منها الإجابات الصحيحة وإلا يوقعون بينهم وبين المدرسين فيوقعوا عليهم عقوبات تصل أحيانا للطرد خارج الفصل، وأحيانا التعليق من أرجلهم ومدهم على أقدامهم، وغالبا ما تنتهي بحرمانهم من أداء الامتحان، ومع ذلك ظلت هذه المجموعة حريصة على الاجتهاد والمذاكرة.

المجموعة الأخيرة عبارة عن مجموعة من الطلبة المستجدين لم يحضروا الترم الأول مع زملائهم، وهم أيضا وافدون من مدارس أخرى وبالتالي لم يعتادوا على نظام الامتحانات في هذه المدرسة الجديدة، والوقت ضيق جدا على موعد الامتحان وهم لم يستعدوا له إطلاقا.

ظل الوضع هكذا قائما حتى نجحت المجموعة الأخيرة في حشد بعض المجموعات الأخرى لمواجهة إدارة المدرسة وتقدموا بطلب للإدارة التعليمية لتغيير هذه الإدارة المدرسية، وبالفعل تغيرت هذه الإدارة وبعض المدرسين، وجاءت الإدارة الجديدة لتعلن موعد امتحانات الترم الثاني.

وهنا صرخت المجموعتان الثانية والأخيرة بأن الوقت المتبقي على موعد الامتحان قليل جدا ولن يسمح لهم بالمذاكرة والإلمام بكل المنهج والاستعداد له، خاصة أن المجموعة الرابعة مستعدة منذ بداية العام للامتحان، ومن ثم فهذا يقضي على مبدأ تكافؤ الفرص. وبدلا من أن تركز جهدها في المذاكرة والاستعداد للامتحان في الفترة القليلة المتبقية على الامتحان، اتفقت على أن توقع بين إدارة المدرسة والمدرسين من جهة وبين طلاب المجموعة الرابعة من جهة أخرى، وذلك إما ليتم استبعادهم من دخول امتحان هذا الترم، أو تأجيل الامتحان للجميع وبالطبع هذا ما لم تستطع إدارة المدرسة فعله، أو تشكيك الجميع في استحقاقهم لدرجاتهم التي قد يحصلون عليها من تعاطف المدرسين معهم.

بينما قررت المجموعة الثالثة أن تحاول الاجتهاد في الفترة المتبقية والاستعداد بقدر ما تستطيع دون أن ترفع صوتا أو ترثي حالها، وقد تعلمت الدرس أن المذاكرة في حد ذاتها والاجتهاد مطلوب حتى لو كانت نتائجه معروفة مسبقا.

وفي نفس الوقت أسقط في يد المجموعة الأولى، فهي تعرف جيدا أنها لم تنجح طيلة عمرها إلا بالغش والتهديد والهدايا، فتفرقت بعد أن كانت مجتمعة وحاولت تارة الوقيعة بين الطلاب وإدارة المدرسة الجديدة، وتارة أخرى بين مجموعات الطلاب أنفسهم ، وأحيانا كانت تنجح وكثيرا كانت تفشل.

انتهت حكاية فصل 5-1

ملحوظة: أحداث هذه القصة من نسيج خيال الكاتبة

ومسموح للجميع بإطلاق العنان لخيالهم لإسقاط الأحداث والشخصيات على أي واقع يريدونه.

الأحد، 3 أبريل 2011

أزمة العلمانية والتنوع الديني.. دروس هندية زائفة

الهند.. ليس بالدستور وحده تتحقق الديمقراطية!
أمل خيري
إسلام أون لاين
أفرزت تجربة الاستفتاء المصرية الأخيرة، على التعديلات الدستورية أزمة النخب العلمانية، التي كثيرا ما تشدقت بالتعددية والديمقراطية وحرية الممارسة السياسية والمعتقد الديني؛ لتأتي التعليقات على نتيجة الاستفتاء وتطيح بهذه القيم، وتمارس نوعا من الإقصاء من جهة، والديمقراطية الانتقائية من جهة أخرى.
فهذه النخب ترحب بالديمقراطية فقط حين تأتي نتائجها وفق هواها؛ لكن: حين تتفق إرادة الأغلبية على غير هذا الهوى، فإنها ترفض هذه الديمقراطية وتنقلب عليها، وتكفر بأخف مبادئها وطأة على هذه النخب، فتسعى لممارسة سياسة الإقصاء، ضد فصائل تضر بمصالح هذه النخب، وتمارس حجرا على الأغلبية، وتتهمها بالسذاجة وعدم القدرة على اتخاذ القرار الصحيح، لافتقادها الرؤية الثاقبة التي لا تتوفر إلا لهذه النخب التنويرية!!!.
والحقيقة: أن أزمة هذه النخب العلمانية، ليست في مصر وحده ولا في الشرق الأوسط فحسب، بل هي نتاج أزمةٍ تتعرض لها العلمانية في مستوى العالم أجمع، ربما تعصف بالنظرية العلمانية نفسها.
علمانية الإقصاء
تعرضت العلمانية على مدى العقود الثلاثة الماضية للعديد من الانتقادات؛ نتيجة بعض الممارسات الغربية، التي تنم عن حضور الدين في كثير من القضايا السياسية، وهو ما يتنافى مع أسهل مبادئ العلمانية، سواء منها: حظر الحجاب أو النقاب في بعض الدول الأوروبية، أو حظر بناء المساجد، أو غيرها من الممارسات الغربية المناهضة للحريات.
فهذه المجتمعات العلمانية، لم تستطع فصل الدين عن الدولة في كثير من الأحيان، بل غالبا ما تستدعي الدين في قضايا سياسية ومجتمعية، وفي الوقت نفسه لم تنجح في استيعاب التنوع الديني داخلها، وإنما سعت للإقصاء والتمييز، وهو ما يناقض مبدأ المواطنة، الذي تتشدق به هذه المجتمعات.
كل هذا الإخفاق، دعا بعض المتابعين إلى توجيه انتقادات معنوية وأخلاقية حادة للعلمانية الغربية؛ حتى أن هناك من أعلن صراحة: أن الوقت قد حان للتخلي عن العلمانية السياسية، إلا أن المفكر الهندي راجيف بهارجافا[1]، اعتبر أن التجربة الغربية في العلمانية، ما هي إلا وصمة عار في جبين النظرية العلمانية، وأن التجربة الهندية العلمانية، تقدم البديل الأكثر موضوعية، في استيعاب التنوع الديني والطائفي، وعلى الغرب أن يتعلم من التجربة الهندية، خاصة ما يتعلق منها بالسلام بين الطوائف وحقوق الأقليات[2].
وينتقد راجيف بشدة ما يدعيه الغرب، من أن العلمانية الغربية أصبحت محاصرة بالتشدد الديني الإسلامي؛ وأن التهديد الأوحد لها يأتي من الشرق الإسلامي، بدءا من الدولة الدينية في إيران، وما تلاها من ظهور الحركات الإسلامية السياسية، في مصر والسودان والجزائر وتونس وإثيوبيا ونيجيريا وتشاد والسنغال وتركيا وأفغانستان وباكستان؛ وحتى في بنغلاديش.
والواقع كما يرى راجيف:أن هناك الكثير من التحديات التي تواجه العلمانية غير الإسلام؛ فقدظهرت الحركات البروتستانتية، التي تشجب العلمانية في كينيا وجواتيمالا والفلبين، وأصبحت الأصولية البروتستانتية قوة في السياسة الأميركية، كما ظهرت في سري لانكا الحركة القومية السنهالية البوذية، وكذلك القوميون الهندوس في الهند، والمتشددون الدينيون في إسرائيل، والقوميون السيخ في ولاية البنجاب في الهند، وغيرها من الحركات التي تناهض العلمانية، ولا علاقة لها بالإسلام.
خرافة العلمانية
ويؤكد راجيف: أن العلمانية الغربية قد أمَّنت للمواطنين، العديد من الحقوق المدنية والسياسية؛ التي لم يسمح بها الدين في الفترة السابقة من الأخذ بالعلمانية، إلا أن هناك العديد من المشاكل التي أفرزتها العلمانية، ومن أهمها المشاكل: الناجمة عن الهجرات الكثيفة، من المستعمرات الأوروبية السابقة، التي جلبت معها تنوعا دينيا هائلا، نشأ بعده جيل يعيش حالة من الشك المتبادل، وعدم الثقة والعداوة والصراع، وهذا واضح في ألمانيا وبريطانيا، كما وضح في قضية الحجاب في فرنسا، ومقتل المخرج ثيو فان جوخ في هولندا، في أعقاب فيلمه المثير للجدل عن الثقافة الإسلامية.
ويستطرد راجيف في الحديث، عن مظاهر أخرى أفرزتها العلمانية الغربية، حيث أن هذه العلمانية: لم تفعل سوى محاولات هامشية، لتعزيز العلاقات بين الطوائف الدينية، أو الحد من التمييز بينها، ومع ذلك يرى كثيرون: أن العلمانية الغربية ما هي إلا خرافة؛ حيث أصبح التحيز الديني ظاهرة واضحة، في عديد من الدول الأوروبية، كلما تعمق التنوع الديني.
فالدول الأوروبية التي تدعي العلمانية، ظلت تنحاز للمسيحية، ومازالت تمول المدارس الدينية علنا، وتحافظ على رواتب مرتفعة لرجال الدين، وتدريب متميز لهم، كما تمول الكنائس، وتسهل سيطرتها على مساحات شاسعة من الأراضي، باختصار يرى راجيف: أنه لم يكن هناك نزاهة في نطاق الدين، وبالرغم من المساواة الرسمية، فمازال هناك تحيز فعلي للمسيحية، وهو ما يتناقض مع العلمانية.
هل العلمانية دينية؟!
ويتساءل راجيف: لماذا إذاً لا تتخلى الدول الأوروبية عن العلمانية؛ طالما أن الدين مازال محور سياساتها؟
وللإجابة عن هذا السؤال يعرض راجيف لأنموذجين من العلمانية الغربية، الأنموذج الأول: هو الأنموذج الفرنسي، الذي يفصل الدين عن الدولة، مع احتفاظ الدولة بسلطة التدخل في الدين، أي أن العلمانية الفرنسية ببساطة تعني الاستبعاد من جانب واحد، حيث يجوز للدولة التدخل في الدين، سواء بالمساعدة أو بالمنع، ولكن في الحالات جميعاً: هذا التدخل من الدولة يكون لضمان سيطرتها على الدين.
فالدين يصبح الهدف من القانون والسياسة العامة، ولكن فقط من جانب الدولة،وهذا المفهوم نشأ استجابة للهيمنة المفرطة للكنيسة الكاثوليكية في فرنسا؛ وبالتالي سعت الدولة لترويض المؤسسة الدينية، وتهميش الدين تماما، ولكنها في الوقت نفسه لا تمنع طائفة دينية بعينها، أن تهيمن على الطوائف الأخرى، أو حتى تهميشها واضطهادها.
وربما تكون الأقلية المسلمة في أوروبا، الأكثر تعرضا للاضطهاد، فعلى سبيل المثال في بريطانيا، لا يوجد سوى ـ فقط ـ مدرستين إسلاميتين مقابل كل ألفي مدرسة كاثوليكية، وكذلك فشل فرنسا في التعامل مع مسألة الحجاب، و مطالب المسلمين في بناء المساجد، والأمر نفسه في ألمانيا وإيطاليا والدنمرك، أي أن الإسلاموفوبيا تتحكم في المجتمعات الغربية بشدة، وهو ما ينبئ عن احتمال أن ينال المسلمين مزيد من الاضطهاد، بسبب انتمائهم الديني.
أما الأنموذج الثاني للعلمانية الغربية – كما يرى راجيف ـ فهو النموذج الأمريكي، الذي يعني الفصل المتبادل بين الدين والدولة، فلا يتدخل أي منهما في الآخر، كما يوفر للجميع حرية إقامة مؤسساتهم الدينية والحفاظ عليها. كما يعني الأنموذج الأمريكي: الإيمان بحرية الفرد في معتقداته الدينية ، وهذه العلمانية الأمريكية، يجب أن تتحقق في المستويات الثلاث: (أ) الغايات (ب) المؤسسات، والأفراد (ج) القانون والسياسة العامة.
فالمستوى الأول والثاني: يجعلان الدولة غير دينية من الناحية النظرية، أما المستوى الثالث: فيضمن أن الدولة لا تتدخل لصالح الدين لا بالسلب ولا بالإيجاب. فهي لا تتدخل في المسائل الدينية، حتى عندما تنتهك بعض القيم، المعلنة من قبل الدولة ضمن المجال الديني، (مثل المساواة)، فالكونجرس بوضوح تام: لا يملك سلطة التشريع بشأن أي مسألة تتعلق بالدين.
العلمانية الهندية
من أجل ذلك يرى راجيف: أن أزمة العلمانية تكمن في التطبيق الغربي إياها، الذي لا يقوم على احترام التنوع والتعدد الديني، لذا يطرح راجيف الأنموذج الهندي للعلمانية، الذي قام في الأصل على أساس التنوع الديني، ليس هذا فحسب، بل لقد قام على حد قوله: على الالتزام بقيم الحرية والمساواة، بالمعنى الشامل لجميع الطوائف الدينية، إضافة إلى السلام والتسامح بين المجتمعات، وحق الأفراد في اعتناق معتقداتهم الدينية، وإقامة وإدارة المؤسسات التعليمية، التي تحافظ على تقاليدهم الدينية المميزة.
وثمة سمة أخرى للعلمانية الهندية في نظر راجيف، وهي مساواة الطوائف الدينية في الحقوق السياسية كما يكفله الدستور، بالإضافة إلى أن الفصل بين الدين والدولة ليس صارما، بل تحتفظ الدولة ببعض الثغرات، التي تسمح لها بالتدخل لصالح طائفة بعينها، كالتدخل لمنح مساعدات لإقامة معابد أو مدارس لفئات مهمشة. كما تتسم العلمانية الهندية بعدم وجود مؤسسة دينية مهيمنة أو دين معين سائد؛ ولكن للجميع حق ممارسة دينهم بالمساواة نفسها.
إذاً: في نظر راجيف، تختلف العلمانية الهندية عن الغربية، في أن الأخيرة علمانية سياسية، أما الأولى فهي علمانية سياسية واجتماعية، فلا امتياز لفئة على أخرى، في تمويل المدارس ودور العبادة، ولا انتصار لطائفة على أخرى، مع حضور بادي للدين لكل الطوائف في كافة مظاهر الحياة. فالدولة إذاً: تقف على مسافة واحدة من الأديانوالمذاهب جميعاً، وتحتفظ لنفسها بحق التدخل في حالة هيمنة طائفة على أخرى، وتقوم بتوزيع الموارد على بالتساوي الطوائف جميعاً.
وأي امتياز يمنح لطائفة دينية، لابد أن يقابله امتياز مماثل للطوائف الأخرى، على سبيل المثال يعفى السيخ من الالتزام بارتداء خوذة الشرطة الرسمية، ليتمكنوا من ارتداء العمائم الدينية، وفي الوقت نفسه، يسمح لليهود بارتداء العمائم الخاصة بهم، كما يسمح للنساء المسلمات بارتداء الشادور. وكذلك تطبق كل طائفة، القوانين الخاصة بها في شريعتها، سواء في الزواج أو الطلاق أو قوانين الإرث أو الملكية أو التحكيم في المنازعات المدنية، فلا تتدخل الدولة في هذه القوانين، وينطبق ذلك على الطوائف جميعاً.
ويطلق راجيف على هذا النوع من العلمانية مصطلح العلمانية السياقية، على اعتبار أنها تسعى لضمان حقوق كل من الفرد والمجتمع في الوقت نفسه ، وكثيرا ما تنتقد العلمانية الهندية، وتتهم بالتناقض، لما يحويه الدستور الهندي، من مواد خلافية عميقة وغامضة، تشكل الطبيعة العلمانية للدولة الهندية، ولكن حسبما يرى راجيف: فإن هذه الطبيعة المتناقضة واحدة من نقاط القوة العظيمة للعلمانية الهندية، دون أن يوضح كيفية ذلك.
إخفاقات هندية
لكن هل ما يبشر به راجيف، من علمانية هندية، ينبئ بالفعل عن أنموذج مثالي، يحتذى به في الحريات والتعددية الدينية؟
في ظني أنها تجربة زائفة؛ فبالنظر إلى حالة شبه القارة الهندية، لن نجد هذه العلمانية المثالية التي يتحدث عنها راجيف؛ فهناك العنف الممارس ضد المسلمين، والذي شهدناه في جوجارات، وفي هجمات مومباي، وشهدناه في هدم المسجد البابري عام 1992، وفي تحرشات الهندوس المستمرة بالمسلمين ،على مرأى ومسمع من السلطات الحكومية.
وهذه الجماعات الهندوسية المتطرفة، تقوم بقتل عائلات مسلمة بأكملها، وتهدم المساجد وتغتصب النساء وتحرق المسلمين أحياء، وترتكب مجازر وحشية في الأحياء الإسلامية، ليس هذا فحسب بل ما تمارسه الشرطة الهندية، من انتهاك بحق المسلمين لحقوق الإنسان، من اعتقال تعسفي وتعذيب يعبر عن اضطهاد رسمي منظم للمسلمين؛ من قبل الدولة، إضافة إلى ما يمارسه الإعلام الهندي، من تعميق الكراهية تجاه المسلمين، وما يتضمنه من حث للجماعات الهندوسية المتطرفة، على ممارسة أعمالها الوحشية، بحجة مقاومة الإرهاب الإسلامي، وأصبح كل مسلم هندي متهماً بولائه لباكستان.
وينبغي التأكيد على: أن أكثر الممارسات الإرهابية ضد المسلمين في الهند؛ يقوم بها أتباع منظمة "آر إس إس"، التي نشأت عام 1925، على يد السياسي القومي المتطرف الدكتور "كيثورام بلرام هيد كيوار"، واليوم يعد حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المعارض، الجناح السياسي لهذه المنظمة التي قامت بالعديد من عمليات الاغتيالات.
وهناك قضية كشمير، والممارسات الهندية الوحشية ضد الشعب الكشميري الأعزل، والحرج الذي تقع فيه الحكومة الهندية دوما، حين تتهم بالاستبداد وعدم الديمقراطية، بسبب لجوئها إلى تزوير الانتخابات في كشمي،ر وتحويل العاصمة سرينجار ثكنةً عسكرية أثناء الانتخابات، يعلو فيها صوت الرصاص وتفوح رائحة الدماء.
كل هذا يدفع إلى القول: بأن ما يقدمه راجيف من أنموذج مثالي للعلمانية الهندية؛ لا يمت إلى لواقع بصلة، فالمساواة في الحقوق لا تكفله ـ فقط ـ الدساتير ، بل تضمنه الممارسات العملية، صحيح أن الدستور الهندي من الناحية النظرية، يؤكد أن الهند دولة ديمقراطية علمانية، وأنه يكفل لكل الطوائف حريتهم في حماية لغتهم وثقافتهم، ويمنع سلطات الحكم المحلي إصدار قوانين تفرض ثقافة أو لغة معينة على الأقليات؛ ويساوي بين جميع الطوائف، في التسهيلات الحكومية المقدمة، لتوفير تعليم يعتمد على اللغة الأم لكل طائفة، كما يضع الدستور إطارا لحماية الأفراد من أشكال التمييز، ويمنح الأقليات حرية إنشاء المؤسسات الدينية والتربوية والثقافية.
فهو إذاً: دستور مثالي يضع الهند على رأس الدول الديمقراطية في العالم!!!؛ لكن ليس بالدستور وحده تتحقق الديمقراطية، فالواقع يؤكد هيمنة الهندوس على الدولة، واضطهاد الأقليات الأخرى ،خاصة من المسلمين، الذين يشكلون 12% من الشعب الهندي، فهم محرومون المناصب السيادية كافة، وكذلك المشاركة في الهيئات العسكرية والأمنية، وينالهم العنف والإرهاب، الذي تمارسه جماعات يمينية متطرفة، برعاية حكومية باقتدار.
العلمانية في أزمة
ونعود الآن إلى أزمة العلمانية الغربية، فمع تقديرنا لرأي راجيف حول إخفاق العلمانية الغربية، فإنه ينبغي أن لا ننسى: أن الهدف من الأنموذج العلماني الأمريكي في الأصل، كان حل النزاعات بين الطوائف المسيحية المختلفة، ضمان قدرٍ من المساواة بينها، إلا أن ظهور المسلمين في المجتمع الأمريكي، قد انتقص من هذا الفصل بين الدين والدولة، صحيح أن المسلمين لديهم حرية في أمريكا تمكنهم من ممارسة شعائر دينهم أكثر منها في الدول الأوروبية؛ إلا أن الإسلاموفوبيا مازالت المهيمنة لدى النخب وصناع القرار.
والأمر نفسه ينطبق على أوروبا، إذ أنها قامت بفصل الدين عن الدولة، يوم أن كان الدين واحداً، ولكنها لم تهيأ للتعامل مع التنوع الديني فاصطدمت به، ولم تستطع الاحتفاظ بالمبادئ نفسها، التي دعت إليها لتحييد الدين وفصله عن الحياة السياسية، فوقعت في أزمة حقيقية، بين حرية المعتقد وعدم تدخل الدولة في الدين، أيا كان هذا الدين من ناحية، وبين انحيازها المطلق للمسيحية، الذي يجعلها تطيح بكل المبادئ التي آمنت بها ودعت إليها.
ومازالت الحرب على الإسلام (باسمها الحركي: الحرب على الإرهاب) تنطلق من أيديولوجية دينية متطرفة، تعتبر هذه الحرب حربا صليبية مقدسة، لا يمكن إزاءها أن يتحدث الغرب عن استمرار تمسكه بالعلمانية بمعناها التقليدي؛ فهي إذاً علمانية انتقائية- إقصائية، فالدين لا يُسمح له بالتدخل في الحياة السياسية فقط حين يكون هو الإسلام، أما إن كان المسيحية، فيرحب بها وبتدخلها في السياسة والحكم والحرب بقدر ما.

[1] Rajeev Bhargava, باحث ومفكر هندي، ورئيس مركز دراسات المجتمعات النامية بدلهي، له العديد من الكتابات حول العلمانية، خاصة العلمانية الهندية.