الاثنين، 23 أغسطس 2010

رمضان شهر التقوى والأرباح.. دراسة أمريكية

رمضان شهر التقوى والأرباح.. دراسة أمريكية
أمل خيري

إسلام أون لاين

ربما يرتبط شهر رمضان والصوم لدى الكثيرين بانخفاض الانتاجية وتناقص ساعات العمل والتهرب من المسئوليات الوظيفية ، ولكن حتى وإن صدقت هذه الفرضية بحق صغار الموظفين فإن الأمر في سوق المال والاستثمار يختلف تماماً.

فرمضان هو شهر التقوى وهو أيضا شهر الأرباح وذلك حسب الدراسة التي أعدها باحثون بجامعة نيو هامبشير الأمريكية والتي أشرف عليها البروفيسور أحمد اعتباري وجاءت الدراسة بعنوان "التقوى والأرباح : ازدهار سوق الأسهم خلال شهر رمضان" ، وقدمت إلى مؤتمر التمويل وحوكمة الشركات الذي انعقد في مدينة ملبورن الاسترالية هذا العام.

من خلال الدراسة التطبيقية المشار إليها تمت دراسة عوائد الأسهم خلال شهر رمضان في 14 دولة ذات أغلبية إسلامية من الفترة 1989-2007م، أظهرت النتائج أن عائدات الأوراق المالية قد ازدادت خلال شهر رمضان بما يقرب من تسعة أضعاف مثيلاتها باقي العام، مما يجعل النتائج تتفق مع الافتراض الذي قامت الدراسة على أساسه وهو أن رمضان يؤثر إيجابيا على نفسية المستثمرين، كما أنه يعزز من مشاعر التضامن والهوية الاجتماعية بين المسلمين في جميع أنحاء العالم، وهو ما يترك أثرا تفاؤليا يشمل قرارات الاستثمار.

التفاؤل والاستثمار

كثرت الدراسات السابقة التي تناولت تأثير عوامل معينة على ارتفاع عوائد الأسهم في الأسواق المالية كالطقس والمعتقدات والهوية الاجتماعية والاتزان البيولوجي، من بينها على سبيل المثال الدراسة التي قام بها هرشيلفر وشمواي عام 2003 والتي توصلا من خلالها إلى أن عوائد الأسهم اليومية ترتبط بشكل ملحوظ بأشعة الشمس، ودراسة داولنغ ولوسي عام 2005 التي أثبتت أن التغيرات الموسمية في الاتزان البيولوجي واضطرابات النوم بسبب تغيير التوقيت من صيفي إلى شتوي والعكس تؤثر على عائدات الأسهم، وأخيرا دراسة إدماس وآخرون عام 2007 التي درست العلاقة بين نتائج فرق كرة القدم الوطنية في دولة ما في المباريات الدولية وبين عوائد الأسهم.

كل هذه الدراسات ركزت على الآثار المترتبة على العواطف والمشاعر في اتخاذ قرارات الاستثمار، بينما جاءت دراسة أحمد اعتباري لتدرس العلاقة بين ممارسة الشعائر الدينية والاستثمار من خلال دراسة تأثير العبادات على نفسية المستثمرين، وسلوك السوق، وذلك خلال شهر الصوم .

انقسمت الدراسة إلى أربع أجزاء، تناول الجزء الأول منها عرض ومناقشة ما كتب حول الفوائد الصحية الناتجة عن الصيام والدليل على انتعاش الحركة السوقية خلال المناسبات الدينية ، والجزء الثاني يتناول إجراءات جمع البيانات ، بينما يناقش الجزء الثالث نتائج الدراسة ، في حين يتناول الجزء الرابع تقييما لهذه النتائج .

أشرف على إعداد الدراسة البروفيسور أحمد اعتباري أستاذ المالية ورئيس قسم المحاسبة والمالية بمدرسة ويتمور للاقتصاد بجامعة نيو هامبشير وهو من أصل إيراني، وله العديد من البحوث والدراسات، وشارك فيها كل من جيدرز بيالكوسكي الأستاذ بقسم الاقتصاد والمالية ، كلية الأعمال والاقتصاد جامعة كانتربري ، بنيوزيلندا، وتوماس ويسلنيوسكي الأستاذ بكلية الإدارة ، جامعة ليستر ، بإنجلترا ، ونال البحث جائزة أفضل بحث في مجال الاستثمار من معهد المحترفين الماليين بنيوزيلندا.

انتعاش الأسواق

الصوم في رمضان هو أحد العبادات الدينية الهامة التي تجمع 1,5 مليار مسلم حول العالم ، ليس فقط من حيث الامتناع عن الطعام والشراب بل وكذلك من حيث إصلاح الذات وعبادة الله ، وتزكية النفس وكأن الهدف النهائي من رمضان الذي أشارت إليه الآية "لعلكم تتقون" يتمثل في جعل الفرد أكثر مراعاة للاعتبارات الإنسانية ليصبح عضوا مسؤولا في المجتمع، وقد لوحظ أن المسلمين تتزايد روابطهم الاجتماعية خلال هذا الشهر حيث يجتمعون على تلاوة القرآن وصلاة التراويح ووجبات الإفطار وبذل الخير والصدقات. وكما أن كثير من أماكن العمل تقوم بتغيير وخفض عدد ساعات العمل أثناء رمضان فإن الأسواق المالية والمصارف أيضا تحرص على تغيير ساعات العمل احتراما لشهر رمضان، في الوقت نفسه تظل المحلات التجارية والأسواق تفتح أبوابها لجزء كبير من الليل. ويلاحظ انتعاش حركة الأسواق خلال ساعات المساء خاصة بعد صلاة التراويح ، ومع ارتفاع الحالة المزاجية لدى الأفراد وتحسن مستويات الصحة البدنية نتيجة الصوم يسود التفاؤل الذي من شأنه أن يؤثر على سلوك المستثمرين في الأسواق الإسلامية، وهو ما أسماه اعتباري "تأثير رمضان".

دراسات قليلة سابقة تناولت العلاقة بين شهر رمضان وحركة الأسواق المالية منها دراسة قام بها
حسين فضل عام 1998 حول حركة الأسهم في باكستان خلال السنوات 1989-1993 والتي أثبتت ارتفاع عوائد الأسهم خلال رمضان وثباتها باقي العام، ودراسة محسن الحاج وآخرون عام 2005 حول سوق الأسهم في المملكة العربية السعودية للفترة 1985-2000 ، وتشابهت في نتائجها مع الدراسة السابقة ، وهناك دراسة ثالثة عن تركيا .

أما دراسة اعتباري فقد جاءت أكثر شمولا ، حيث شملت 14 دولة يعيش فيها ما يقرب من 695 مليون نسمة ،شملت البحرين ومصر والسعودية وأندونسيا والأردن والكويت وماليزيا والإمارات وقطر وتونس وتركيا والمغرب وعمان وباكستان، وأخذت عينات من بيانات مؤشر سوق الأوراق المالية الدولية المعروف باسم مورغان ستانلي (MSCI) ، والذي تطلب متابعة لما لا يقل عن 200 دراسة حالة من الأسواق المالية في هذه الدول على مدار العام ، بحيث يمكن تقدير نموذج قياسي للعائدات ، واسترشادا بهذه الاعتبارات ، تم الاستقرار على اختيار عينة من 129 حدث مالي في البورصات، وأظهرت النتائج أن متوسط العائدات ارتفع بصورة ملحوظة في 11 دولة خلال شهر رمضان لتصل إلى 38,09 ٪ ، بالمقارنة مع إجمالي عائدات متواضع يصل إلى 4,32 ٪ خلال الفترة المتبقية من العام.

التمويل السلوكي

يؤكد الدكتور ويسلنيوسكي أن هذا البحث يعكس اتجاها متزايدا في مجال البحوث في علم التمويل السلوكي، والذي يعني أن مشاعر المستثمرين وحالتهم المزاجية تؤثر على قراراتهم.

ويضيف أن علم التمويل قد تطور بشكل كبير خلال العقود العديدة الماضية، وقد أدرك كثير من الباحثين أن أسعار الأسهم ليست ناجمة فقط عن أرباح الشركات وأرباح الأسهم ، ولكن أيضا يتعلق جانب كبير منها بمشاعر جمهور المستثمرين ، فما نراه من فقاعات مالية في سوق الأوراق المالية والتقلبات المفرطة في أسعار الأصول يشهد على هذه الحقيقة، وبناء على ذلك ، يمكننا فهم تقلبات أسعار الأسهم بتحليل عقلية المشاركين في السوق.

واعتمادا على حركة القمر ، فإن شهر رمضان المبارك يستمر إما 29 أو 30 يوما أي ما يعادل 21-22 يوما من التداول ، وقد سجلت المؤشرات ارتفاعا طفيفا في معدلات أسعار الأسهم خلال الأيام الخمس الأولى من الشهر الفضيل، وهذا بالطبع أمر متوقع حيث يواجه الفرد في بداية الصوم اضطرابات ناشئة عن تغيير نظامه الغذائي سرعان ما يعتاد عليها وبالتالي يتحسن المزاج الانفعالي وهو ما لوحظ لدى المستثمرين في الأيام التالية من الشهر حيث ارتفعت المعدلات بنسب فائقة ثم ما بدأت في الانخفاض عقب شهر رمضان .

وفي ضوء هذه النتائج توصي الدراسة المستثمرين الباحثين عن الربح السريع بالاستفادة من الفرصة الذهبية التي يقدمها شهر رمضان حيث يمكنهم شراء الأسهم قبل بداية شهر رمضان ثم بيعها في نهاية الشهر الفضيل أو بعد عيد الفطر مباشرة للاستفادة من ارتفاع عوائد الأسهم .

التمويل الإسلامي

وفي تعليقه على نتائج هذه الدراسة يقول الدكتور محمد شريف بشير : الأستاذ بكلية الاقتصاد في جامعة العلوم الإسلامية بماليزيا وعميد كلية إدارة الأعمال والعلوم الإدارية بجامعة السلطان الشريف علي الإسلامية بروناي وعضو الرابطة الاقتصادية الماليزية –في تصريحات خاصة لإسلام أون لاين- أوضحت الدراسة التي أشرف عليها الأستاذ أحمد اعتباري أن أسواق الأسهم في 14 دولة إسلامية سجلت ازدهاراً خلال شهر رمضان في الفترة 1989 - 2007م وذلك بسبب تنامي التفاؤل في شهر رمضان. ومعلوم أثر العوامل السلوكية والنفسية في حجم تداولات الأسهم والأرباح المصاحبة لها، وبشكل عام فإن الدراسة تسلط الضوء مجدداً على أثر الدين وعلى وجه الخصوص التعاليم الإسلامية على القرارات الاستثمارية والاقتصادية، وهذا النوع من الدراسات التحليلية ليس جديداً، ولكنه يقابل بعدم الاكتراث والتقليل من أهميته من قبل الماديين الذين لا يؤمنون بدور القيم والمعتقدات الدينية.

ويضيف الدكتور بشير أن هذه الدراسة كانت ستصبح أكثر نفعاً وأنصع دليلاً إذا ما كشفت لنا عن دور شهر رمضان في التأثير على حجم التداولات وعائد الأرباح لصالح الأسهم والمنتجات الإسلامية، والتأثير الإيجابي لهذا الشهر الفضيل على قرارات المستثمرين في هذه الأسواق المالية. لقد أجريت بعض الدراسات المقارنة المهمة حول أداء الأسواق المالية التقليدية منها والإسلامية بالدول الإسلامية، وأظهرت نتائجها تقدم أداء الأسواق الإسلامية على التقليدية، وكذلك تفوق أدوات ومنتجات الاستثمار والتمويل الإسلامي على غيرها من الأدوات التقليدية، و كان الواجب إظهار هذه النتائج والاحتفاء بها ليس من جانب الرأي العام وإنما من جانب صناع السياسات المالية والاقتصادية بالبلدان الإسلامية، ولكن مزمار الحي لا يطرب.

بينما ترى سارة ولبر الأستاذ المشارك بجامعة هامشير والتي تقوم بتدريس دورة في الدراسات الإسلامية ، أن نتائج الدراسة تنبيء عن فطنة الباحثين وأكدت أن شهر رمضان هو الشهر الأكثر تعظيما بالنسبة للمسلمين ، وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن لذا فإن المسلمين يشعرون فيه بالسعادة والقرب من الله ، والدراسات تؤكد العلاقة بين السعادة والتفاؤل وتنامي حجم الاستثمارات ،مما يجعل نتائج هذه الدراسة منطقية.

من ناحية أخرى سجلت دراسات أمريكية ارتفاع القوة الشرائية بين المسلمين الأميركيين خاصة بالنسبة لتجارة التمور والحلويات ، ويقدر المجلس الأمريكي للأغذية والطعام الإسلامي (IFNCA) نمو استهلاك الأغذية الحلال في السوق الأمريكية بمقدار 80% منذ عام 2005 ،وأشار المجلس في بيان له صدر مؤخرا أن هذا الاهتمام المتزايد بالمنتجات والأغذية الحلال في السوق الأمريكية يعكس القدرة الشرائية للمسلمين الأمريكيين التي تبلغ 170 مليار دورلار أمريكي.

الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

مستقبل الأديان في أمريكا..تجاور الإيمان والإلحاد


أمل خيري
إسلام أون لاين
تحتل قضايا الدين والإيمان أهمية كبرى في الولايات المتحدة الأمريكية، فالمجتمع الأمريكي يمثل ساحة خصبة تضم أفكارا وعقائد متباينة بدءا من التعصب الديني والأصولية وانتهاءا بالإلحاد وإنكار الأديان.

ولذا كانت الحياة الدينية في أمريكا محور اهتمام العدد الأخير من مجلة "الدراسة العلمية للدين " ، ""Journal for the Scientific Study of Religion

، حيث صدر العدد الثاني من المجلد 49 ، في يونيو 2010 ويضم عدة مقالات ودراسات هامة حول الدين ومستقبله في الولايات المتحدة الأمريكية إضافة لموضوعات أخرى في المجال النفسي والاجتماعي ذات الصلة بالقضايا الدينية.

و"الدراسة العلمية للدين" مجلة فصلية تتناول الاقترابات النظرية والمنهجية للدين بما يشمل دور المؤسسات الدينية في التغيير الاجتماعي ، كما تهتم بالموضوعات النفسية والسياسية والأنثروبولوجية والاقتصادية ذات العلاقة بالدين إلا أنها لا تعالج قضايا الدين من الناحية اللاهوتية .

بدأ صدور المجلة عام 1961 ويترأس تحريرها حاليا ماري كورنول ، والمجلة تصدر عن جمعية الدراسات العلمية حول الدين التي تأسست عام 1949 من قبل علماء دينيين واجتماعيين بغرض تشجيع البحث العلمي والتواصل مع المؤسسات الدينية وتبادل البحوث والأفكار مع المختصين.

الانتماء والردة

من أهم الدراسات التي تناولها العدد الحالي الدراسة الاستقصائية التي قام بها فيليب شواديل أستاذ علم الاجتماع بجامعة نبراسكا - لنكولن ، حول علاقة الأجيال الأمريكية المختلفة بالدين تبعا للأعمار الحالية وتبعا لفترة الميلاد حيث خلصت الدراسة إلى أن الأجيال الحديثة من المواليد الأمريكيين يشهدون نسبة أكثر من عدم الانتماء الديني عن الأجيال السابقة، فبداية منذ مواليد الفترة من 1955-1959 فإن كل جيل يصبح أكثر عرضة من سابقه لنشأة خالية من الانتماء الديني. إضافة لذلك فإن احتمال عدم الانتماء الديني قد تزايد من 0.6 : 0.8 بالنسبة لمواليد السبعينيات والثمانينيات إلى 0.16 في 2006.

ويفرق شواديل بين عدم الانتماء الديني Non-affiliation ، وبين ما أسماه بالتسرب الديني Disaffiliation أو الردة حسب الفقه الإسلامي، فعدم الانتماء الديني يقصد به أن الفرد لا ينتمي لأي دين ابتداء بل هو منذ نشأته بلا دين ، أما الردة فيقصد بها الكفر بعد الإيمان أي أن الفرد قد يكون مسيحيا ثم يقرر أن يترك دينه ويصبح بلا دين ، وهذا بالطبع يختلف أيضا عن التحول الديني أو تغيير الدين.

والافتراض الأساسي الذي يعمل عليه شواديل أن تزايد أعداد غير المؤمنين (الذين لا يدينون بأي دين) في المجتمع الأمريكي يعود إلى كون هؤلاء لم يدينوا بأي دين منذ البداية وليس لكونهم ارتدوا عن دينهم ، فهناك زيادة واضحة في أعداد اللادينيين خاصة في الفترة من 1990 إلى 2006، ومع ذلك تناقصت نسبة الارتداد الديني كثيرا في نفس الفترة، وهذا الجيل هو نفسه من مواليد الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ، وبالمقارنة بمواليد فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية نجد أن أعداد المتمسكين بدينهم في تزايد وأن نسبة تعرض الجيل الحالي لترك الدين أقل بكثير من نسبة تعرض جيل الحرب العالمية الثانية للارتداد عن الدين.

استندت الدراسة الاستقصائية على بيانات المسح الاجتماعي من عام 1973 وحتى عام 2006 بناء على مسح وطني يجري سنويا أو كل سنتين في أمريكا حول الانتماء الديني والتحول الديني في البلاد ، حيث تم توجيه سؤال للعينة المختارة "ما هي ديانتك التي تعتنقها؟" ،والاختيارات هي :البروتستانتية-الكاثوليكية-اليهودية-أديان أخرى – لا أؤمن بأي دين، فإذا كانت الإجابة باختيار أحد الأديان يتم توجيه السؤال الثاني "هل تغير انتماءك الديني حاليا عما كنت عليه في عمر السادسة عشر؟"، فإذا أجاب بنعم اعتبر ذلك ارتدادا دينيا عكس ما لو أجاب عن السؤال الأول بأنه بلا دين لأنه في هذه الحالة ليس مرتدا بل هو غير مؤمن إبتداءا.

خريطة الأديان

تضمن العدد الحالي كذلك دراسة أخرى بعنوان " العلمانية أم الأصولية ، أم الكاثوليكية؟ التكوين الديني للولايات المتحدة حتى عام 2043" قام بها كل من فيجارد سكيربيك وإريك كوفمان وآن جوجون، وهي عبارة عن تقدير إستشرافي لخريطة الأديان بالولايات المتحدة الأمريكية حتى عام 2043م، حيث قامت الدراسة بإجراء تقديرات لأعداد المنتمين للأديان الرئيسية والتي تصل إلى إحدى عشر ديانة ، اعتمادا على المسح الاجتماعي العام، احصاءات الهجرة السكانية، وإحصاءات منتدى "بيو" للأديان ، وأظهرت الدراسة أن هناك اتجاها عاما للاستقرار في الجماعات الدينية المختلفة ومع ذلك توجد عدة مؤشرات ذات دلالة من بينها توقع ارتفاع أعداد الكاثوليك من أصل لاتيني من 10% إلى 18% بحلول عام 2043م بسبب الهجرة وارتفاع نسبة الخصوبة وهيكل التركيب العمري.

المؤشر الثاني: يتعلق بتوقع ارتفاع نسبة المسلمين وتناقص نسبة اليهود، وتعزى هذه التوقعات إلى ارتفاع معدل الخصوبة لدى المسلمين وتزايد الشريحة العمرية للشباب في سن العشرين ، مقابل انخفاض مستويات الانجاب لدى اليهود وارتفاع الشريحة العمرية، ومع استمرار تدفق المهاجرين المسلمين للولايات المتحدة فيتوقع أن يتجاوز المسلمون عدد اليهود بحلول عام 2023 ، وأن يتجاوز عدد الناخبين المسلمين نظرائهم من اليهود مما قد يكون له آثار عميقة على مسار السياسة الخارجية الأمريكية. فالمؤشرات توضح أنه في ظل ثبات معدلات الخصوبة الحالية ستقترب نسبة المسلمين من 2,5 % بينما تنخفض نسبة اليهود إلى 1% في عام 2043م.

كما توقعت الدراسة تزايد الانخفاض في أعداد البروتستانت نظرا لانخفاض معدل الخصوبة وكذلك انخفاض أعداد الكاثوليك البيض ، في الوقت نفسه يتوقع نمو أعداد العلمانيين في العقود المقبلة بنسبة كبيرة خاصة بين السكان البيض حيث ستتفوق نسبة العلمانيين على الأصوليين بحلول عام 2030.

وتبلغ نسبة المسيحيين حاليا في الولايات المتحدة 78,4 % من إجمالي عدد السكان ، يصل البروتستانت وحدهم إلى 51,3 % مقابل 23,9 % من الكاثوليك، وتبلغ نسبة اليهود 1,7 % بينما نسبة المسلمين 0,6 % حسب إحصاءات 2008 ، أما نسبة الذين لا يعتنقون أي دين فيصلون إلى 16,1% بينهم 1,6 % ملحدون والباقي إما علمانيون أو غير مهتمين بالانتماء لأي دين.

التعددية الدينية

الدراسة الثالثة ذات الأهمية كانت بعنوان "التنوع الديني في الأمة المسيحية" ، لستيفن ميرينو الأستاذ بجامعة بنسلفانيا ، وتدور حول آثار التواصل بين الأديان على التسامح الديني وقبول التعددية الدينية ، ومن أهم نتائج الدراسة أن قبول الأمة الأمريكية المسيحية للهندوس يفوق قبولها للمسلمين اعتقادا منهم بأن الهندوس لا يشكلون خطرا على العقيدة المسيحية بعكس الإسلام الذي يشكل مصدر خطورة على المسيحية كدين وكأمة ، ويعود ذلك لتكريس الصورة النمطية عن الإسلام كدين عنف وإرهاب خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، لذلك لا يلقى بناء معبد هندوسي في أمريكا أي اعتراضات أو تحفظات من المسيحيين وعلى النقيض فإن إنشاء مسجد يسبب حساسية كبرى لديهم.

ويعتقد ميرينو أن أحد أسباب تكريس هذه الصورة النمطية عن الإسلام يعود إلى أن البروتستانت الانجيليين أقل الجماعات الدينية تسامحا مع الآخرين بما فيهم الطوائف المسيحية الأخرى فهم بصفة عامة لا يشجعون التواصل مع الأديان أو المذاهب الأخرى ، وربما يعود السبب في ذلك إلى رغبتهم في الحفاظ على الهوية الانجيلية في مجتمع شديد التنوع فيصبح اتخاذ الإسلام كعدو سببا في الحفاظ على التماسك الداخلي والوحدة الإنجيلية .

المسلمون في الغرب

دراسة أخرى تضمها المجلة حول الممارسات الدينية بين المهاجرين المسلمين بالتطبيق على المغاربة والأتراك من الرجال في بلجيكا، وهي من إعداد فرانس سميتس ، وستيجن رويتر ، وفرانك فان توبرجان.

وتقدم الدراسة إجابة عن سؤال : ما هي العوامل التي تؤثر على طبيعة الممارسات الدينية لدى الذكور من المهاجرين المغاربة والأتراك في بلجيكا؟

واعتمدت الدراسة على الممارسات الدينية الظاهرية كالمواظبة على الصلاة في المساجد والمشاركة في الفعاليات الرمضانية والمشاركة في ذبح الأضحية في عيد الأضحى وغيرها من المظاهر الدينية ، وقد أظهرت الدراسة أن المهاجرين من ذوي الوظائف الدائمة أقل مشاركة في الفعاليات الدينية مقارنة بالعاطلين، ربما يعود ذلك لضيق الوقت لدى العاملين ، لكن الأثر الأهم تمثل في الزواج المختلط حيث يقل اهتمام الفرد بالممارسات الدينية في حالة اقترانه بشريكة غير مسلمة.

إلا أن الدراسة تثير ثلاث مسائل هامة، أولها أن دراسة الممارسات الدينية ليس بهذه السهولة بسبب صعوبة وجود بيانات حقيقة، كما أن معرفة العوامل التي تؤثر في طبيعة المظاهر الدينية أمرا ليس ميسورا ويختلف مع مرور الوقت.

المسألة الثانية: أن هذه الدراسة اقتصرت على الرجال فقط بينما هناك حاجة لشمول الأبحاث المستقبلية للنساء أيضا لأن احتمالات المشاركة تختلف بين الرجل والمرأة ومن المحتمل أن تختلف محددات ومؤثرات هذه المشاركة كذلك.

الأمر الأخير الذي تلفت الدراسة النظر إليه هو أن هناك حاجة ماسة لدراسة العلاقة بين المعتقد الديني والمشاركة في المظاهر الدينية في المجتمع ، فهناك اعتقاد بأن المهاجرين الجدد يكونوا أكثر حرصا على الشعائر الدينية من قدامى المهاجرين لما لهذه الشعائر من آثار اجتماعية بجانب الآثار الروحية أو الإيمانية فالمسجد يعتبر نقطة إلتقاء للأعراق المختلفة من المهاجرين وكلما انغمس المهاجرون في المجتمع وارتبطوا بعلاقات مع طوائف أخرى كلما قلت حاجتهم لممارسة الشعائر الدينية الجماعية.

وتخلص الدراسة إلى أن مشاركة المهاجرين في الشعائر الدينية تتزايد بين المهاجرين الذين كانوا يواظبون على الالتحاق بمدارس وحلقات التحفيظ في بلادهم الأصلية، أو الذين كانوا منخرطين في أنشطة إجتماعية ذات اهتمام ديني في بلادهم الأم ، وإما أنهم من الفئات الأقل تعليما، أو من المقيمين حاليا في أحد المناطق المأهولة بالمساجد ، وأخيرا المهاجرين المرتبطين بعلاقات متعددة مع أعراق مختلفة.

تحتوي المجلة على دراسات أخرى من بينها دراسة حول التكامل الديني العرقي لدى الأمريكان من أصل أفريقي، ودراسة مقارنة حول التجربة الصوفية لدى المسلمين والمسيحيين والهندوس بولاية تاميل الهندية، ودراسة بحثية حول الثقة في القيادات الدينية في كوريا، ودراسة مقارنة بين سياسة المحافظين والانجيليين البيض في أمريكا، وأخيرا دراسة حول تصاعد الروح الإيمانية في القرن التاسع عشر في أمريكا في الفترة من (1854-1873م).

وبالإضافة للدراسات تضم المجلة ملحقا لعروض الكتب التي تصل إلى تسعة عروض في هذا العدد من أهمها : كتاب "الروحانيات السياسية : الثورة العنصرية في نيجيريا" لروث مارشال ،وكتاب "الدين والأخلاق ، والمجتمع في مجتمعات الاتحاد السوفيتي بعد انهياره" الذي حرره مارك شتاينبرج وكاترين وارنر ،وكتاب "الديمقراطية وحقوق الإنسان في المجتمعات المتعددة الثقافات" من تحرير كونيج ماتياس وبول دي جوشتينير ، وكتاب "الحاسة الكبرى: لماذا نؤمن بما لا يمكن تصديقه؟" لبروس هود.


Read more: http://mdarik.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1280404730971&pagename=Zone-Arabic-MDarik%2FMDALayout#ixzz0wx3xFIqV

الأحد، 15 أغسطس 2010

صلاة التراويح تطيل العمر!

بقلم : د.إبراهيم ﺒﯿﭽلي سيد *
ترجمة:أمل خيري

إسلام أون لاين


تمد الصلاة المسلمين بفوائد علاجية وروحية بداية من الوضوء وانتهاءا بالحركات الجسدية في الصلاة، من تكبير، وقيام، وركوع، وسجود، وجلسة بين السجدتين، ثم التسليم، ويؤدي المسلمون يوميا الصلوات الخمس المفروضة، إضافة لصلاة التطوع ( النوافل) طوال العام، وصلاة التراويح خلال شهر رمضان.

وهذا يؤدي إلى ممارسة المسلم لنوع من الرياضة البدنية المعتدلة الخاصة بكل عضلة في الجسم ، وتنقبض بعض العضلات بنفس الطول وبعضها بنفس التوتر، والطاقة اللازمة للعضلة خلال التمرين تستمد من خلال عملية تعرف باسم التحلل الجلايكولي (التمثيل الغذائي للجلاكوجين).

معدل التمثيل الغذائي (الأيض) في العضلات يزيد أثناء أداء الصلاة ، مما يؤدي إلى نقص نسبي في الأوكسجين والمغذيات في العضلات. وبدوره يؤدي هذا النقص إلى توسيع الأوعية الدموية مما يسمح بتدفق الدم بسهولة عائدا إلى القلب وزيادة الحمل على القلب مؤقتا تؤدي لتقوية عضلة القلب وتنشيط الدورة الدموية داخل عضلة القلب.

وخلال شهر رمضان ، يؤدي المسلم صلوات إضافية بعد صلاة العشاء والتي تعرف باسم صلاة التراويح ، وتترواح عدد ركعاتها بين ثماني إلى عشرين ركعة تتخللها استراحة بضع دقائق عقب كل أربع ركعات، لذكر الله وتسبيحه . بعد تناول وجبة الافطار يستمر مستوى السكر في الدم في الارتفاع بسبب تناول الطعام. بينما يصل مستوى السكر في الدم والأنسولين لأدنى مستوياته قبل الإفطار مباشرة، وفي خلال ساعة أو نحو ذلك بعد تناول وجبة الإفطار، يبدأ السكر في الدم في الارتفاع وكذلك أنسولين البلازما، ويستهلك الكبد والعضلات الجلوكوز، ويصل سكر الدم لأعلى مستوياته خلال ساعة أو ساعتين وهنا تبدأ فوائد صلاة التراويح في الظهور.

ويتحلل الجلوكوز المنتشر إلى ثاني أكسيد الكربون وماء أثناء صلاة التراويح. ومن ثم فإن صلاة التراويح تساعد في حرق السعرات الحرارية الزائدة وتحسين المرونة والتناسق ، والحد من ردود الأفعال اللاإرادية المرتبطة بالتوتر لدى الأشخاص الأصحاء ، وتخفف من القلق والاكتئاب.

الرفاه الجسدي والعاطفي

التمرينات الرياضية التي يؤديها الجسم أثناء أداء صلاة التراويح تساهم في تحسين اللياقة البدنية والرفاه العاطفي وطول العمر للمصلي . وعندما يتم بذل جهد إضافي قليل، كما في أداء صلاة التراويح ، ستزيد القدرة على التحمل، والمرونة والقوة، ولوحظ أن الصلوات الخمس اليومية تؤدي لنفس التغييرات الفسيولوجية التي يؤدي إليها الجري أو المشي بسرعة ثلاثة أميال في الساعة دون أي آثار جانبية غير مرغوب فيها.


البحوث والدراسات الحديثة التي أجريت على 17000 من خريجي هارفارد الذين التحقوا بالجامعة بين عامي 1916-1950 تعطي دليلا قويا على أن ممارسة تمارين رياضية معتدلة فقط - أي ما يعادل الجري حوالي 3 أميال يوميا- يعزز الصحة الجيدة ويضيف سنوات لمتوسط العمر. والأشخاص الذين يستهلكون حوالي 2000 كيلو سُعر من الطاقة أسبوعيا ( بما يعادل المشي يوميا لمدة 30 دقيقة ، أو الجري أو ركوب الدراجات أو السباحة ، إلخ) تنخفض معدلات الوفاة لديهم لحوالي الربع أو الثلث عن أقرانهم الذين لا يمارسون أي رياضة.


كبار السن

وبالإضافة إلى ما تقوم به الصلاة من تنشيط صحي فإن المصلي من خلالها يتدرب على الاستعداد لأي مجهودات بدنية غير متوقعة كالحمل المفاجيء للأطفال أو الكراسي أو اللحاق بالحافلات العامة. وسوف يتمكن المسنون من إنجاز هذا بأمان وكفاءة أكثر. وبالتالي فإن الصلاة تعطي ميزة لكبار السن للحفاظ على لياقتهم البدنية لفترة أطول من الزمن. وقد لوحظ أن أولئك الذين يصومون ويؤدون صلاة التراويح لديهم مشاعر أكثر قوة وتعافيا.

كلما طعن الإنسان في العمر كلما قل نشاطه الفسيولوجي ، وبالتالي تصبح عظامه أرق وإذا لم يلق الرعاية المناسبة ربما يتعرض للإصابة بهشاشة العظام والتي تتسبب في كسور العظام لدى كبار السن في حالة تعرضهم للسقوط نتيجة لنقص الكالسيوم في العظام وفقدان النسيج الإسفنجي لها، مما يترتب عليه أن تصبح العظام غير مستقرة من الناحية الهيكلية ، وهشة وعرضة للكسور.

ويعد مرض هشاشة العظام الأولية أكثر شيوعا بين النساء في سن اليأس (بسبب انخفاض هرمون الاستروجين) أو اللاتي تعرضن لاستئصال الرحم والمبيضين.حيث احتمالية إصابة المرأة بهشاشة العظام تصل إلى ستة أضعاف الرجل، وهناك ثلاث استراتيجيات أساسية للوقاية من هشاشة العظام وهي زيادة جرعات الكالسيوم وفيتامين د ، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام وتعويض الاستروجين لدى النساء بعد انقطاع الطمث.

ويصبح الجلد أيضا هشا ومجعدا وتصير عمليات تجديد الجسم أبطأ وتنخفض الاستجابات المناعية، وينخفض النشاط الجسدي لدى كبار السن وبالتالي تصبح لديهم مستويات أقل من عامل النمو شبيه الإنسولين. والاحتياط الوظيفي لجميع الأعضاء الحيوية يقل ويصبح كبار السن أكثر عرضة للحوادث والأمراض. وبسبب الحركات المتكررة والعادية للجسم أثناء الصلاة تزيد قوة العضلات وشدة الأوتار ومرونة المفاصل ويتحسن احتياطي ضربات القلب .

ومن ثم تمكن الصلاة وصلاة التراويح المسنين من إثراء نوعية الحياة ومواجهة الصعوبات غير المتوقعة كالسقوط الذي يعرض أجسادهم للأذى ، ولذلك فإن صلاة التراويح ستؤدي لزيادة قدرتهم على التحمل واحترام الذات والثقة بالنفس والاعتماد على الذات.

ويتم إفراز الأدرينالين حتى مع النشاط الطفيف ويدوم الإفراز مدة أطول حتى بعد إنتهاء صلاة التراويح، حيث تظل آثار الأدرينالين والنورأدرينالين واضحة ، والأدرينالين الذي يسمى أيضا الإيبينيفرين ينتج بواسطة الغدد الكظرية . والجزء الأوسط من هذه الغدد – نخاع الغدة الكظرية - يفرز هذا الهرمون ، وهو كيميائيا مماثل لعملية إنتاج النورأدرينالين- المادة المنتجة في نهايات الاعصاب-. إفراز الأدرينالين في مجرى الدم في حالة الإجهاد يتسبب في تسارع القلب ، وانقباض الشرايين ، وإتساع حدقة العين.

بالإضافة إلى ذلك يؤدي الأدرينالين لزيادة ملحوظة في معدل الأيض وبالتالي إعداد الجسم لحالات الطوارئ.

حتى مجرد التفكير أو النية في أداء صلاة التراويح وحدها كافية لتنشيط الجهاز العصبي السمباثوي ، وهو أحد أجزاء الجهاز العصبي الذاتي ، الذي يمد الأعصاب الحركية في العضلات الملساء للأعضاء الداخلية ولعضلة القلب. الألياف العصبية السمباثوية تنشأ عن طريق الأعصاب في العمود الفقري في الفقرات الصدرية والقطنية. حيث تنتج الأطراف الأدرينالين بشكل رئيسي ، مما يزيد من معدل ضربات القلب ومعدل التنفس ويرفع ضغط الدم ، ويؤدي إلى إبطاء عمليات الجهاز الهضمي ، كما يؤدي الأدرينالين لإعادة توزيع الدم في الجسم الى العضلات النشطة ، ودفع الجليكوجين إلى الكبد إذا لزم الأمر من أجل توفير الجلوكوز للأنسجة النشطة ، والتي من شأنها أن تقلل التعب في عضلات الهيكل العظمي ويسهل تهوية الحويصلات والاسترخاء العضلي بالقصيبات ، وممارسة التمرينات الرياضية تؤدي لمزيد من الأداء الفعال لمستقبلات الأدرينالين من نوع بيتا الموجودة على أغشية الخلايا.

الآثار المفيدة

تعتبر صلاة التراويح نوع من التمارين الرياضية اللطيفة والآثار المفيدة لهذا النوع من التمرينات على البدن عديدة من بينها:

· الآثار على عضلات الهيكل العظمي : أثناء صلاة التراويح ، انقباض العضلات بالتساوي في الطول أو التوتر يعزز من القدرة على التحمل ويقلل من التعب، ويساعد العضلات الضعيفة على تحقيق الاستفادة القصوى من قدراتها، فتدفق الدم في العضلة المتوترة يكون منخفضا، وأثناء الصلاة يتدفق الدم بصورة زائدة إلى العضلات بل وزيادة تدفق الدم في بعض الأحيان يبدأ حتى قبل بدء صلاة التراويح ، بمجرد التفكير أو النية في أداء صلاة التراويح.

ويجب أن ننتبه أنه بالإضافة إلى الحاجة للدهون والبروتينات ، والكربوهيدرات ، فإن جسم الإنسان يحتاج إلى المعادن مثل البوتاسيوم للنشاط العضلي والعصبي. والذي يوجد في الفواكه واللحوم والمأكولات البحرية والحليب،فنقص البوتاسيوم يؤدي إلى اضطرابات عصبية وعضلية والبوتاسيوم مهم أيضا في نقل النبضات العصبية ، ويعتبر البوتاسيوم الأيون الموجب الرئيس داخل الخلايا، ويشارك البوتاسيوم في الأنشطة الإنزيمية الخلوية ، ويساعد على تنظيم التفاعلات الكيميائية التي يتم من خلالها تحويل الكربوهيدرات إلى طاقة والأحماض الأمينية إلى بروتين.


أيونات البوتاسيوم أيضا تسبب توسع الأوعية في الشرايين. وخلال صلاة التراويح ، قد يواصل ضغط الدم الانقباضي ارتفاعه قليلا وضغط الدم الانبساطي قد يبقى دون تغيير أو حتى ينخفض. ولكن بعد إنتهاء صلاة التراويح قد ينخفض ضغط الدم إلى ما دون المستويات العادية والتي تعتبر مؤشرا طيباً.

· صلاة التراويح تعمل على تحسين كفاءة الجهاز التنفسي ؛وزيادة تدفق الدم في الشعيرات الدموية المحيطة بالحويصلات الهوائية ، أو الأكياس الهوائية، وهذا يؤدي لتعزيز تبادل الغازات وعمق التنفس، فالزيادة في معدلات الاستهلاك القصوى للأوكسجين تجعل المصلي يشعر بأنه في حال أفضل. أولئك الذين يؤدون صلاة التراويح ، هم أشد انتباها ونشاطا من أولئك الذين لا يؤدونها ، حتى بالنسبة لكبار السن فوق الستين.كما تؤدي صلاة التراويح لتحسين القوة البدنية واستقرار الأربطة وتعمل على الحد من خطر الإصابة في الأوتار والأنسجة الضامة، فبعد سن الأربعين تبدأ كثافة العظام في الانخفاض مع تقدم العمر وصلاة التراويح تعمل على زيادة كثافة العظام للنساء المسنات أو في سن اليأس، ومنع هشاشة العظام والحفاظ على الحياة الطبيعية في بنية العظام. حيث تتسبب هشاشة العظام في كسور الفخذ عند النساء بعد سن اليأس ولدى الرجال المسنين ، وتقوم الصلاة عامة وصلاة التراويح على وجه الخصوص بتقليل مخاطر هشاشة العظام.الصلاة أيضا تحافظ على مرونة المفاصل بزيادة الزيوت فيها وبالتالي مرونة الحركة كما تمنع تخثر الأوردة العميقة وهي السبب الأكثر شيوعا لتقرحات الساقين لدى كبار السن.

· آثار الأيض (التمثيل الغذائي): تمكن الصلاة من التحكم في وزن الجسم وحرق السعرات الحرارية من دون زيادة مصاحبة في الشهية. والجمع بين الحمية الغذائية المعتدلة ، سواء في وجبات الإفطار أو السحور ،وبين صلاة التراويح ، يعمل على خفض الوزن. وبالتالي خفض كل من الدهون ووزن الجسم كذلك ، ولذلك ينبغي خلال شهر رمضان عدم تناول الوجبات الدسمة في السحور والإفطار مع المحافظة على أداء الصلاة وصلاة التراويح وبذلك يفقد المرء بعض الوزن الزائد.


ومن المعروف أن ممارسة التمرينات الرياضية يمنع أمراض القلب والشرايين التاجية، ويزيد من الكثافة العالية للبروتينات الدهنية(الكولسترول الحميد أو الصحي) ، ويزيد الحد الأقصى لامتصاص الأوكسجين ، ويؤدي إلى إبطاء ضربات القلب ، ويخفض ضغط الدم قليلا ، ويعمل على تخفيض نشاط خوارج البطين ، ويوسع من تجويف الشرايين التاجية وزيادة ضخ الدم في القلب.

ممارسة التمرينات الرياضية يحسن أيضا التمثيل الغذائى الكربوهيدرات ، ويفيد في حالات مرض البول السكري المتأخر ، ويساعد في حالات الأمراض التنفسية المزمنة، وقد تم تسجيل تحسن ملحوظ في نتائج تحليل الدهون في الدم ، وضغط الدم ، وعوامل تخثر الدم ، وخفض الوزن وحساسية العضلات للانسولين والأنسجة الأخرى في الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بانتظام.

إفراز هرمون النمو يزيد مع الصيام كما يرتفع كذلك مع صلاة التراويح، وبما أن هرمون النمو ضروري لتشكيل الكولاجين فإن هذا قد يكون عاملا هاما لتفسير تأخر ظهور تجاعيد الجلد لدى المواظبين على صلاة التراويح خلال شهر رمضان حتى لدى كبار السن.


الصحة العقلية


ومن المعروف أن ممارسة الرياضة يحسن المزاج والفكر والسلوك. فالرياضة تحسن نوعية الحياة ، وتؤدي إلى قدر أكبر من الرفاهية ، والطاقة ، وتقلل من القلق والاكتئاب ، ولها تأثير إيجابي على الحالة المزاجية وتسهم في تعزيز تقدير الذات والثقة بالنفس ، كما تقوي الذاكرة لدى المسنين وخاصة مع تكرار ترديد الآيات القرآنية أثناء الصلاة باستمرار ، ومن شأن ذلك التكرار المستمر للآيات القرآنية أن يصون العقل من تشتت الفكر.

وقد تمكن الدكتور هربرت بنسون الباحث بجامعة هارفارد في دراسة له من الكشف عن أن تكرار الصلاة وتلاوة الآيات القرآنية أو ترديد ذكر الله تعالى أو القيام بالأنشطة العضلية إذا اقترن بتفريغ الذهن وصفائه يؤدي إلى حالة من الاسترخاء والتي تؤدي إلى تخفيض ضغط الدم وخفض استهلاك الأوكسجين ، وانخفاض معدلات القلب والجهاز التنفسي ، وكل هذه الأفعال تتضمنها صلاة التراويح والتي تمثل حالة مثالية للاسترخاء فهي تجمع بين النشاط العضلي المتكرر مع تكرار حركات الصلاة وبين ترديد الآيات والذكر والدعاء ففي صلاة التراويح يصبح العقل في حالة استرخاء. هذه الحالة من الهدوء العقلي تعود جزئيا لإطلاق الإنكفالينات و البيتا إندورفينات (المورفينات الذاتية) وغيرها في الدورة الدموية.

والإندورفينات هي أحد الببتيدات العصبية المكونة من العديد من الأحماض الأمينية ، التي تفرزها الغدة النخامية ، وتعمل على الجهاز العصبي المركزي والمحيطي للحد من الألم. وتصنف الإندورفينات إلى ألفا إندروفين وبيتا إندروفين وجاما إندروفين والتي تنتج آثارا دوائية مماثلة للمورفين.

البيتا إندروفين يوجد في الدماغ والأمعاء ويعد مصدرا قويا لتسكين الألم القاتل في الإنسان والحيوان. على سبيل المثال أثناء الولادة كثير من النساء تقل لديهم حدة الآلام بتناول الإندروفين .وإفراز الاندروفين يصاحبه الشعور بالنشاط والحيوية والسعادة.


الخلاصة


الإسلام هو الدين الوحيد الذي يجمع بين الحركات البدنية والشعائر الروحية في الصلاة ، وكذلك في صلاة التراويح وعندما يواظب المسلم على أداء صلاة التراويح بل وأداء الصلوات المفروضة طوال حياته مكررا إياها كل بضع ساعات في اليوم الواحد فإن ذلك يدربه على القيام بهذه المهمة الصعبة المتمثلة في التدبر والخشوع أثناء أداء حركات الصلاة البدنية وبالتالي يستفيد المصلي روحيا وجسديا. والصلوات وخاصة التراويح فريدة من نوعها في تقوية العضلات أثناء أداء حركات الصلاة الجسدية من جهة ، في نفس الوقت تصفية الذهن من أي انشغالات عقلية من ناحية أخرى.

وقد لوحظت الفوائد التالية بين هؤلاء الذين يؤدون صلاة التراويح : حرق السعرات الحرارية وفقدان الوزن ، والحفاظ على قوة العضلات وبنية الجسم ، ومرونة المفاصل - فتصلب المفاصل غالبا ما يكون نتيجة الاهمال، وليس لالتهاب المفاصل- ، وزيادة معدل التمثيل الغذائي ، وتحسين الدورة الدموية ، وتحسين القلب ووظيفة الرئة والقدرة على التنفس ، وخفض خطر أمراض القلب ، وزيادة الشعور بضبط النفس، وتقليل مستوى التوتر، وزيادة القدرة على التركيز ، وتحسين الشكل الخارجي ، والحد من الاكتئاب وزيادة القدرة على مقاومة الاكتئاب ، مما يساعد على نوم أفضل وتحكم في الشهية.

وتؤكد الأدلة المتراكمة أيضا أن الناس الذين يمارسون الصلاة العادية جنبا إلى جنب مع صلاة التطوع يمكنهم الحفاظ على عظامهم بل وتأخير الفقد في كثافة العظام فعليا لدى كبار السن ، وبالتالي الوقاية من ويلات مرض هشاشة العظام الذي يصيب الرجال والنساء على حد سواء ، ومن الممكن أيضا أن تؤخر الصلاة أعراض الشيخوخة وتحافظ على صحة الجسم في الكبر.

فهؤلاء الذين يؤدون الصلوات المفروضة والنافلة ،وصلاة التراويح في جميع مراحل الحياة يتمتعون بالوقاية والتأثيرات الايجابية على الصحة وطول العمر، وهي أيضا تعمل كمثبطات للتأثيرات السلبية للتدخين وزيادة وزن الجسم اللذان يتسببان في خفض معدلات العمر . حتى أولئك الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم (المسبب الرئيسي لأمراض القلب) تنخفض لديهم معدلات الوفاة إلى النصف كما تنخفض معدلات الوفاة من الأمراض الخطيرة . بل والوفاة المبكرة لأسباب وراثية . ومن ثم فالصلاة المفروضة والنافلة والتراويح ضرورية للمسلمين للحفاظ على الحياة والصحة في سن الشيخوخة.


** رئيس مؤسسة البحوث الإسلامية الدولية بالولايات المتحدة الأمريكية.

*أصل المقال منشور بالإنجليزية بمجلة راديانس فيوز ويكلي عدد 15 أغسطس 2010.

http://www.islamonline.net/ar/IOLStudies_C/1278406940171/1278406720653/IOLStudies_C

الأربعاء، 4 أغسطس 2010

طارق رمضان: اترك غرفة للآخرين في عقلك وقلبك


أمل خيري
إسلام أون لاين

رحلة جديدة يأخذنا إليها المفكر والفيلسوف المسلم طارق رمضان، للبحث عن الحقيقة ومحاولة وضع إطار فلسفي لفهم التعددية، من أجل تهيئة مجتمع عالمي يسوده التعايش والحوار والتعاون، وذلك من خلال كتابه الجديد الذي سيصدر غدا (5-8-2010) ويحمل عنوان "البحث عن المعني: وضع فلسفة للتعددية".

يضم الكتاب 224 صفحة ويصدر عن دار نشر ألن لان البريطانية، ويعد أحدث مؤلفات طارق رمضان المفكر الإسلامي المعروف في أوروبا.

ورمضان هو زميل كلية سانت أنتوني في أكسفورد وباحث أول في مؤسسة لوكاهي، ساهم من خلال كتاباته ومحاضراته بشكل كبير في النقاش حول قضايا المسلمين في الغرب والإحياء الإسلامي في العالم الإسلامي. وهو ناشط أكاديمي وأيضا يتمتع بحضور شعبي في أنحاء كثيرة من العالم لكتاباته حول أخلاقيات المواطنة والعدالة الاجتماعية والحوار بين الحضارات. وهو عضو في العديد من المنظمات الدولية واللجان التوجيهية ، وقد ترجمت كتبه إلى لغات عديدة وعدته مجلة تايم واحد من أهم المبدعين في القرن 21.

رحلة إلى الأعماق

يدعو طارق رمضان في كتابه الجديد القارئ للانضمام معه في رحلة إلى أعماق الأديان والتقاليد الروحية الدينية والعلمانية، لاستكشاف أهم القضايا الملحة المعاصرة ؛ وخلال هذه الرحلة يناقش رمضان مفاهيم وقضايا أساسية كالعلاقة بين الإيمان والعقل ، والعواطف والقيم الروحية والتقاليد والحداثة والحرية والمساواة والعالمية والحضارة.

ومع اعترافه بوجود بؤر ومسارات للتوتر والصراع على مستوى العالم فإنه يسعى لرأب الصدع والوصول إلى أرضية مشتركة بين كل هذه التقاليد الدينية والفكرية، ويدعو بإلحاح إلى حوار عميق وهادف لتجاوز مفهوم التعايش في تسامح إلى التعايش في احترام متبادل.

يأتي الكتاب في أسلوب تأملي ومباشر، وهذا أمر مطلوب في وقتنا الراهن حيث لابد من النقاش المباشر حول أهم القضايا العصرية، فيكتب عن القيم المشتركة بين مختلف الأديان والحضارات والثقافات والتقاليد ، وهو دعوة للنظر بعمق في ماضي هذه المذاهب والأديان المختلفة للبحث عن الميراث المشترك، والحقائق العالمية التي نتشارك فيها بغض النظر عن مدى ما وصلنا إليه. وذلك في محاولة نزع فتيل التوتر بين المجتمعات.

والكتاب يعد محاولة جريئة من رمضان للبحث عن أطر مشتركة للتأصيل لفلسفة جديدة من التعددية من أجل التعايش السلمي. والكتاب يسعى للإجابة عن سؤال مهم هو: هل يمكن أن توجد أوجه التشابه بين أناس من خلفيات مختلفة؟

انظر من النافذة إلى المحيط

في محاضرة له للتعريف بكتابه ألقاها في الثاني من أغسطس الجاري بمدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية أكد رمضان أن نقطة البداية التي ينبغي علينا الاقتناع بها هي أننا كبشر مختلفون ، وكل منا لديه نافذة يطل منها على المحيط، ولابد أن يتفهم كل منا أن زاوية كل نافذة تجعل الرؤية مختلفة رغم أن الجميع ينظر لنفس المحيط، وبالتالي يجب تقبل حقيقة أنه لا يوجد أحد يحتكر الحقيقة كاملة أو لديه الرؤية الكاملة فالرؤية الشاملة للمحيط لن تتم إلا من خلال كل النوافذ معا.

وأشار رمضان أن الحقيقة الثانية التي يجب أن ننطلق منها أن البشر لا يتسمون بالكمال؛ وبالتالي فهم في حاجة لبعضهم البعض ولا يمكنهم العيش إلا في إطار الاعتماد المتبادل سواء على المستوى المادي أو العقلي أو الفكري ، فمن حقك أن تؤمن بصحة رأيك لكن ليس من حقك أن تنكر آراء الآخرين بل عليك أن تتقبلها وتكون على قناعة بإمكانية صحتها.

ورأى رمضان في تقديمه للكتاب بمدرسة لندن أن فلسفة التعددية تدور حول المسئولية بحيث يمكن مرادفة التعددية بالمسئولية، وهذه المسئولية هي مدينة وكذلك أخلاقية، وهناك علاقة وثيقة بين الحرية والمسئولية فكلما كان الإنسان حرا كلما كان لديه شعور بالمسئولية تجاه مجتمعه وهذه المسئولية تفرض عليه تقبل الآخرين كما هم ، واحترام أفكارهم، بينما التعصب العقلي يجعلنا نعتقد أن الآخرين على خطأ فنتعامل معهم على هذا الأساس.

المستشرقة الأيرلندية كارين أرمسترونج قدمت قراءة للكتاب نشرت في مجلة فاينانشيال تايمز، وذكرت خلال عرضها للكتاب أن العبارة الأولى التي تضمنها الكتاب قد جذبتها كثيرا حتى أنها لم تستطع إلا أن تنهي صفحاته بالكامل حيث تقول العبارة "هذا الكتاب عبارة عن رحلة واستهلال" ، فطارق رمضان على يقين من أننا جميعا نعاني من أزمة الثقة؛ فالخوف والشك وعدم الثقة قد احتلوا قلوبنا وعقولنا بصورة تدريجية، وبهذا يصبح الآخر الصورة السالبة لنا، واختلاف الآخرين يجعلنا ندرك ذواتنا ونحدد هويتنا.

وترى أرمسترونج أن طارق رمضان قد اختبر ذلك بنفسه فهو يمثل صوتا قويا للإصلاح والنهضة في العالم الإسلامي ، وإن كان لدى الغرب الكثير من الشكوك تجاهه فكثير من الليبراليين يوجهون إليه النقد بزعم أن الإسلام لا يعني بالإصلاح أو النهضة، وبالتالي فقد باتت الشكوك والمخاوف تهيمن على حياتنا السياسية وكثيرا ما تمنع الآخرين من رؤيتنا بوضوح . فوفقا لرمضان يصبح "الآخر" الظل المعاكس الذي نسقط عليه كل مخاوفنا اللاشعورية.

الاحترام لا التسامح

يرى رمضان-في كتابه- أن مفهوم التسامح الذي اعتبر شعارا لفلاسفة عصر التنوير ليس كافيا على الاطلاق، فالمعنى الحرفي للتسامح يعني أن "تعاني من" أو "تحتمل" وجود الآخرين، وهو ما يتضمن وجود علاقة هيمنة، فهناك طرف قوي مطلوب منه أن يسيطر على نفسه ويحد من قدرته على إلحاق الضرر بالآخرين، أي أن هذا التسامح ينطوي على قبول الآخر على مضض لكل من الطرف الأقوى والأضعف.

وبحسب رمضان فإن المطلوب هو الاحترام لا التسامح، وهذا الاحترام يقوم على أساس المساواة والعلاقة المتكافئة ، فالتسامح يقصر علاقتنا بالآخر لمجرد السماح له بالتواجد بينما الاحترام يكشف لنا مكنونات نفسه، كما أن الاحترام يشترط وجود المعرفة فالإنسان لن يحترم المجهول، لذا لابد أن يتعرف جيدا على الآخرين ومن ثم يتعامل معهم باحترام وتقدير.

وتؤكد كارين -في مراجعتها لكتاب رمضان الأخير- على أننا دائما مفتونون بتصور أن آراءنا هي الحقيقة الوحيدة في الكون، في الوقت الذي يصر فيه طارق رمضان على أن هناك حقائق مشتركة عالميا ويتم التوصل إليها بشكل مختلف في العديد من أنظمة الفكر سواء العلمانية أو الدينية؛ فحتى يكون اختيارنا للحقيقة التي نؤمن بها معنى لابد من تجربة الحقائق الأخرى والنظر لها على أنها صادقة ، أما إذا نظرنا لرؤيتنا على أنها ذات طابع فريد فإنها ستفقد معناها وهذه هي الحكمة في اختلاف الناس وتنوع عقائدهم وأفكارهم "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" .

وتعتبر كارين الكتاب نظرة عاطفية عقلانية ثاقبة فالرسالة الأساسية التي يتضمنها تتلخص في: أن بقاءنا يعتمد على قدرتنا على بناء مجتمع عالمي يقوم على الاحترام والتناغم ، فالساحة السياسية الآن تهيمن عليها ردود فعل عامة عاطفية وفورية، وفي هذا العصر الذي تسوده وسائل الاتصال العالمية ، أصبحنا نتعرض لموجات من المد والجزر من الانفعالات العالمية التي أدت إلى أعمال عنف أعمى في العالم ، والناخبون اليوم أصبحوا أقل اهتماما بالأفكار والقناعات وبدلا من ذلك يتم تعبئتهم عبر مخاوفهم وعبر حاجتهم إلى الأمن والطمأنينة وهوية واضحة المعالم.

"نحن" و"الآخر"

وإبقاء البشر في حالة مستمرة من التأهب ، يجعل هناك شعور جماعي بالإيذاء وشعور كل شخص أنه ضحية مما يقوض كل إحساس بالمسؤولية ؛ فالضحية يرى مبررا لإلقاء اللوم على الآخر الذي يمثل مصدر خطورة ، وهذا الآخر بعيد جدا عنا لكنه كذلك منا وبيننا حتى أصبحنا لا نستطيع تحديد مفهوم كلمة "نحن" ، ووفقا لرمضان فإن خطر الإرهاب هو من الضخامة بحيث أن في ظله أصبح تجاهل حقوق الإنسان أمرا مقبولا ، بحيث أصبح الخضوع للرقابة وفقدان الحق في الخصوصية ، وإقامة معسكرات للتعذيب أمورا مفروغا منها.

والعلاج في نظر طارق رمضان يكمن في إعادة تشكيل أنفسنا على المستوى العميق مرارا وتكرارا ، فالمبادئ التي وضعها الفلاسفة وعلماء الدين تمكن البشر من تجاوز الحدود الضيقة بخصوص مكنونات النفس والأنانية المخيفة فيصبح "نحن" مقياسا لكل شيء . ونحن بحاجة إلى فهم دوافعنا ، وتحليل عواطفنا وانفعالاتنا ، وهمومنا وجروحنا ومن ثم نحكم السيطرة عليها .

ويرى رمضان أنه بدلا من إلقاء اللوم على الآخرين لابد من تطوير القدرة الحاسمة على الوقوف مرة أخرى والاعتراف بأخطائنا وتحمل المسئولية الكاملة عن أفعالنا ، علينا أن نعيد تعريف أنفسنا وأن ندرك أنه ليس هناك شيء اسمه هوية شخصية أو حضارية خالصة وأننا جميعا نتاج لمؤثرات متنوعة.

ومع ذلك فقد اعترف طارق رمضان في كتابه أن ذلك لن يكون سهلا؛ فنحن الآن نتوقع لحظة تحول ولحظة تغيير جذري في السلوك والمظهر ، بينما التغيير يحدث بشكل تدريجي بطيء وغير محسوس. فقد فقدنا عادة الاستماع بقلب مفتوح ، وخلطنا بين العاطفة والروحانية.

وفي ختام عرضها للكتاب تؤكد كارين أن طارق رمضان هو أحد الأصوات الهامة والمؤثرة ورسالته في غاية الأهمية ، لكن الكثيرين سيشعرون بالحيرة والارتباك من ندائه البليغ للجميع بأن يتركوا غرفة للآخرين في عقولهم وقلوبهم فربما يكونوا على حق، وهذه الدعوة تنطوي على معاني أكثر بكثير من مجرد القبول الفكري للموقف بل تصل لمستوى أعمق من العقل بحيث يتعين علينا أن نتخلى عن الأنماط المعتادة في التفكير وندرك ضآلة ما نعرفه عن الآخرين، وإذا لم نتمكن من العمل الدؤوب على تنمية الشعور العميق بقيمة كل نفس بشرية فسوف نصاب بعقم أخلاقي نعجز معه عن معرفة أنفسنا أو التعايش مع الآخرين.

Read more: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1280404720595&pagename=Zone-Arabic-MDarik%2FMDALayout#ixzz0vcvcI5BJ