الثلاثاء، 28 ديسمبر 2010

خيرية المياه من الأنانية إلى المسئولية الاجتماعية

أمل خيري

على الرغم من عمرها القصير الذى لا يتعدى ثلاث سنوات، فإن منظمة "Charity Water" نجحت فى تأمين مياه الشرب النقية والصالحة للشرب لأكثر من مليون فقير فى الدول النامية، من خلال أكثر من 2000 مشروع، فى سبع عشرة دولة.

"Charity Water" هى منظمة غير ربحية تسعى للعمل على وصول مياه نقية وصالحة للشرب ومأمونة للفقراء فى الدول النامية، وكل التبرعات التى تحصل عليها توجهها لمشروعات مبتكرة؛ لتنقية المياه فى المناطق الفقيرة، إيمانا منها بالمسئولية الاجتماعية تجاه المجتمع، خاصة فى الدول النامية.

قصة خيرية المياه

يروى سكوت هاريسون مؤسس "Charity Water" قصة المنظمة التى بدأت عام 2004، حين خرج إلى شوارع مدينة نيويورك هائما على وجهه، بعد أن قضى العديد من سنوات عمره فى السهر فى النوادى الليلية، وارتداء الملابس الفاخرة، والعيش بأنانية دون مبالاة بالآخرين؛ ليكتشف شعوره الخانق بالفراغ الروحى واليأس، فتوجه فى رحلة لشواطئ غرب إفريقيا لرغبته فى نوع من التغيير.

ولدى وصوله عاوده الشعور بالإحباط وبدأ يراجع حياته السابقة المفرطة فى الأنانية والبعد عن الإيمان؛ فتساءل فى نفسه كيف يمكننى إحداث تغيير جذرى وشامل فى حياتى؟ وما الذى جعلنى أراجع نظرتى للحياة؟ فكان أن التحق بفريق من المتطوعين على متن مستشفى عائم، تنتمى لمجموعة تطوعية تدعى سفن الرحمة، وهى منظمة إنسانية تقدم الرعاية الطبية المجانية فى الدول الأكثر فقرا فى العالم، وحين أراد الانضمام لفريق العمل المتطوع، فوجئ أن هذه المنظمة تمارس أنشطتها الإنسانية منذ خمسة وعشرين عاما، وهو لم يسمع حتى بهم.

وأثناء فترة تطوعه أتيحت له فرصة هائلة لمراجعة أسلوب حياته السابقة؛ فمن مدينته الفسيحة إلى مقصورة السفينة، التى لا تتعدى مساحتها أربعة عشر مترا مربعا، والتى تضم عدة أسِرَّة بدورين، تحوى العديد من المتطوعين، وتشاركهم فى المقصورة الكثير من الحشرات الزاحفة، ومن المطاعم الفاخرة إلى حجرة الطعام الشبيهة بمعسكرات الجيش، والتى تسع أربعمائة شخص متراصين لتناول أسوأ أنواع الأطعمة، لحظتها شعر بالأسى والفقر.

إلا أنه بمجرد وصوله الشاطئ وإطلاعه على مقدار المعاناة التى يعانى منها الفقراء فى هذه البقعة من الأرض؛ أدرك تماما أنه على الرغم من كل ما لاقاه على سطح السفينة، فإنه يعيش فيها كالملك مقارنة بحال هؤلاء الفقراء المرضى، وبدأ فى التقاط الصور وتوثيق المعاناة التى يعيشها هؤلاء البشر، وهو لا يقوى على منع دموعه من التساقط.

تبرع بحفل مولدك

قضى سكوت عدة أشهر فى زيارة مستعمرة لمرضى الجذام بـ "ليبريا"، وعدد من القرى النائية المحيطة بها، ليجد نفسه وجها لوجه مع ملايين الأشخاص الذين يعيشون فى أشد حالات الفقر؛ حيث يعيشون على أقل من دولار واحد يوميا، بلا كهرباء، ولا مياه نقية، ولا صرف صحى.

وهناك صدم بأعداد المرضى المصابين بتشقق الشفاه والأورام والعمى، وغيرها من الأمراض البكتيرية المنقولة عن طريق مياه الشرب الملوثة، وخلال ثمانية أشهر التقى سكوت بالعديد من المرضى الذين تعلم منهم الشجاعة والصبر، فكثير من هؤلاء قضى سنوات عمره يعانى من الموت البطيء، وهنا قرر سكوت أن يفعل شيئا من أجل هؤلاء؛ لضمان حصولهم على مياه شرب نقية حتى يستعيد إنسانيته ومسئوليته تجاه بنى جلدته.

فكانت أول مبادرة له بإعلان عزمه على إلغاء احتفاله بيوم مولده الحادى والثلاثين، والتبرع بتكاليف الحفل لصالح توصيل مياه نقية للفقراء، ودعا أصدقاءه وأقاربه للتبرع بقيمة الهدايا التى كانوا سيقدمونها له، وبالفعل تبرع أكثر من 700 شخص بالمال الذى ساهم فى تمويل أول مشروعات Charity Water؛ حيث تم حفر ستة آبار فى شمال أوغندا.

ومنذ ذلك الوقت شارك المئات من معارف سكوت فى الإقلاع عن عادة الاحتفال بيوم مولدهم لصالح التبرع لمشروعات تنقية المياه للمحرومين، ويقول سكوت إن ما نحتاج إليه فعلا الاستغناء عن 2.5 مليون حفل ميلاد لإنقاذ 100 مليون شخص من الموت بالتبرع بتكاليف هذه الاحتفالات لتمويل مشروعات تنقية المياه.

لماذا المياه؟

هناك ما يقرب من مليار شخص على سطح الأرض لا يحصلون على مياه نقية وصالحة للشرب، وهذه المياه غير النقية، إضافة لغياب الصرف الصحى، هما السببان الرئيسيان لأكثر من 80% من الأمراض، التى تتسبب فى وفاة المزيد من الناس كل عام، والتى تفوق كثيرا أعداد قتلى الحروب والمعارك الدموية، ويكون الأطفال غالبا هم الضحايا الأساسية لهذه الأمراض كالإسهال والدوسنتاريا.

فمن بين 42000 حالة وفاة أسبوعية؛ بسبب المياه الملوثة، تبلغ نسبة الأطفال دون سن الخامسة 90%، والحل ببساطة يكمن فى تحسين إمدادات المياه والصرف الصحى؛ لذا يأتى مشروع Charity Water لضمان الحصول على مياه نقية مأمونة للشرب للنساء والأطفال فى الدول النامية.

ففى إفريقيا وحدها يقضى السكان 40 مليار ساعة سنويا فى السير للحصول على المياه من أقرب مصدر، يتعرض خلالها الأطفال والنساء للقتل والأمراض والخطر الدائم، وبإقامة مشروعات لتنقية المياه تتحسن سبل معيشة هؤلاء الفقراء، كما يمكن ضمان تعليم الأطفال، وحماية النساء، وتشغيل العاطلين.

إضافة لذلك فإن إفريقيا تعانى من خسارة اقتصادية هائلة؛ بسبب نقص المياه الصالحة للشرب والصرف الصحى، تصل إلى 28 مليار دولار سنويا، أو حوالى 5 ٪ من الناتج المحلى الإجمالي.

وفى المناطق التى تتوافر فيها المياه يستحوذ عدد قليل من السكان على المياه ليبيعوها بأسعار مرتفعة؛ مما يضطر الأسر الأكثر فقرا لإنفاق ما يصل إلى 11 ٪ من الدخل على ضرورة من ضرورات الحياة الأساسية.

ومع ذلك فإن هذه المياه التى يدفعون مقابلها هذا المال غالبا ما تكون ملوثة، تؤدى للعديد من الأمراض، التى تسبب الموت البطيء.

فى الوقت نفسه يحتاج الناس للمياه النقية فى عمليات الرى للحصول على الغذاء، وندرة هذه المياه تؤدى لعدم كفاية حاجات البشر من الغذاء، وهنا تنتشر المجاعات والحروب على موارد المياه والغذاء، وبالتالى فإن هناك حاجة ماسة لمشروعات لتنقية المياه وضمان وصولها لمستحقيها من الفقراء بلا مقابل، ويشارك فى هذه المشروعات الرجال والنساء على حد سواء، من خلال تنمية روح المبادرة والعمل الجماعي.

الاستثمار الذكى

حتى العام الماضى نجحت Charity Water فى إيصال المياه النقية لأكثر من مليون شخص، كانوا فيما سبق يسيرون لساعات وأيام متواصلة للحصول على المياه، والآن أصبحت المياه النقية فى متناول أيديهم، وتوافرت محطات لغسل الأيدى، ومراحيض عامة صحية فى أنحاء هذه المجتمعات التى كانت قبل سنوات تعانى من الأمراض المسببة للعدوى لانعدام الصرف الصحى وتلوث المياه.

والكثير الآن من هؤلاء المستفيدين صار فى مقدورهم التفرغ لزراعة حدائق صغيرة للخضروات حول بيوتهم الصغيرة، وأصبح بوسع الأطفال الالتحاق بالمدارس، وقضاء الوقت فى المذاكرة بدلا من السير المتواصل للبحث عن مصدر للمياه، ويؤكد أصحاب مبادرة Charity Water أن الاستثمار فى البنية التحتية للمياه هو استثمار ذكى وآمن، فيمكن بواسطة عشرين دولارا فقط توفير المياه النقية لشخص واحد لمدة عشرين عاما كاملة.

وتقوم آلية عمل Charity Water على إطلاق الحملات الإلكترونية للتبرع لصالح مشروعات تنقية المياه ليس عبر المشروعات القومية الكبرى، بل من خلال وسائل بسيطة جدا كحفر الآبار، أو الفلاتر الرملية، أو إقامة مجمعات لمياه الأمطار.

أقيمت العديد من المشروعات فى إثيوبيا، وبنجلاديش، وملاوى، وأوغندا، وليبريا، وهاييتى، وكينيا، وكوت ديفوار، وكمبوديا، وسيراليون، ورواندا وتنزانيا، وغيرها من الدول النامية. وتحرص Charity Water على الاعتماد على الشركاء المحليين فى إنشاء وتنفيذ مشروعات المياه؛ وذلك لأن هؤلاء الشركاء هم الأكثر دراية بالأرض والثقافة والسكان، وبالتالى يمكنهم تحديد تكنولوجيا المياه الأكثر ملاءمة، كما أنهم يشاركون بتقديم بيانات وخرائط تفصيلية عليها إحداثيات المواقع المفترض إقامة المشروعات فيها.

والفكرة الأساسية للمنظمة ليست فقط العمل على توصيل المياه النقية، بل إقامة مشروعات مستدامة يعمل فيها السكان المحليون، فيحصلون على دخل لعائلاتهم، وبالتالى خفض معدلات البطالة، والعمل على تحسين أحوال المعيشة والرفاهية للفئات المحرومة والفقيرة، ومشاركة الأفراد أنفسهم فى تنمية المجتمع بكاملهـ بدلا من الاعتماد على الصدقات والمعونات الموسمية.

المياه للمدارس

من بين الحملات التى أطلقتها منظمة Charity Water، حملة "المياه للمدارس"، وهى عبارة عن حملة بين طلاب المدارس للتوعية بالحاجة لوصول مياه نقية للفقراء فى الدول النامية، فالأطفال فى عمر الثامنة فما بعدها يشاركون آباءهم فى رحلة الوصول إلى المياه، والتى يقضون فيها حوالى ثلاث ساعات يوميا، وبالتالى لا يتمكنون من حضور الفصول الدراسية فيكثر غيابهم، وكثيرا ما يتسربون من التعليم لهذا السبب.

ومشروع المياه للمدارس يضم ثلاثة مكونات أساسية هى: الماء، وغسل الأيدى، والمراحيض الصحية، فالمشروع الواحد يمكنه أن يخدم أكثر من ألف تلميذ، وكذلك مجتمعهم المحيط؛ حيث يحصل التلاميذ داخل المدرسة على مياه نقية للشرب، ويعودون كذلك لعائلاتهم بفائض هذه المياه.

كما يتمكن التلاميذ من غسل أيديهم، وبالتالى يتم خفض معدلات الوفيات بنسبة 50% تقريبا، فالمشروع يعمل على توفير صنابير للمياه لتدريب الأطفال على غسل أيديهم بمياه نقية، واتباع عادات صحية، ويمول المشروع كذلك إنشاء مراحيض صحية تضمن خصوصية وكرامة التلاميذ، وفى الوقت نفسه تحافظ على نقاء موارد المياه وعدم تسرب فضلات الصرف الصحى للتربة.

ويحض العاملون على مبادرة Charity Water على التعرف على المشروعات التى أقيمت، وكذلك المشروعات المعتزم إقامتها، ومن ثم التبرع لصالح هذه المشروعات، كنوع من ممارسة المسئولية الاجتماعية الفردية والجماعية تجاه الفقراء والمعوزين، فدولار واحد يمكن أن يساهم فى إنقاذ حياة شخص لعام كامل.

ويضم موقع Charity Water العديد من قصص النجاح والصور ومقاطع الفيديو من أرض الواقع لمشروعات أقيمت فى عديد من الدول النامية، ويمكن للجميع التعرف على ميزانية المنظمة من إيرادات ونفقات وفق مفهوم الشفافية والثقة؛ كى يضمن جميع المتبرعين وصول أموالهم لمستحقيها.

كما يضم الموقع متجرا إلكترونيا لشراء هدايا منوعة تحمل شعار المنظمة يتم التبرع بثمنها لصالح مشروعات تنقية المياه، ويمكن الشراء مباشرة بوسائل الدفع الإلكتروني، ومن لا يرغب فى الشراء يمكنه تقديم تبرع نقدى للمشروعات، أيضا من خلال وسائل الدفع الإلكتروني، ويشجع الموقع كذلك الجميع للمشاركة فى حملات المياه النقية للمحرومين، سواء بالتبرع أو التدوين أو حملات الدعاية.


http://www.onislam.net/arabic/nama/success-stories/127403-charity-water.html


الأحد، 26 ديسمبر 2010

الدين مازال يشغل أذهان المثقفين


أفضل عشرة كتب دينية لعام 2010

أمل خيري

إسلام أون لاين

في الوقت الذي بدأ فيه موقع أمازون للكتب في عمل قوائم بأفضل الكتب مبيعا خلال عام 20
10، وأهم الكتب المفضلة لدى القراء. يأتي موقع جريدة الهفنجتون بوست ليصدر تقريرا مصورا عن أفضل عشرة كتب دينية صدرت خلال عام 2010، مع تقديم عرض موجز لكل كتاب.
تنوعت الكتب ما بين كتب حول الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية، ودراسات حول العلم والدين، وتباين المؤلفون بين قساوسة ورجال دين يهود وزعماء دينيين ومفكرين وشعراء وصحفيين ودبلوماسيين. وبعض هذه الكتب أثار جدلا حولها والبعض الآخر اعتبرها البعض نقطة تحول في الدراسات الدينية.

عشت محمداً
يأتي على قمة هذه الكتب حسب الجريدة كتاب "محمد: قصة خاتم الأنبياء" لمؤلفه ديباك شوبرا، وهو الكتاب الذي أثار حوله جدلا موسعا منذ صدوره.
والدكتور ديباك شوبرا كاتب غزير الإنتاج، صدر له ما يربو على 55 كتاباً، من بينهم أربعة عشر كتاباً صنفت ضمن الكتب الأكثر مبيعا على مستوى العالم، ترجمت لأكثر من خمس وثلاثين لغة. وهو مؤسس مركز شوبرا للرفاه في كارلسباد بكاليفورنيا ، وأحد مؤسسي ورئيس التحالف من أجل إنسانية جديدة. وله العديد من الكتب والمحاضرات في مجال التنمية البشرية، كما صدرت له العديد من الكتب الدينية من بينها كتاب "كيف تعرف الله"، "يسوع: قصة التنوير" "الحياة بعد الموت"، "بوذا: قصة التنوير"، "يسوع الثالث: المسيح الذي لا يمكننا تجاهله".
اختارته مجلة تايم كواحد من أفضل 100 شخصية غيرت القرن العشرين، ووصفته بأنه الأب الروحي للطب البديل، وحصل على جائزة كويل عن كتابه "السلام هو الطريق"، وله عمود ثابت في صحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل، والواشنطن بوست والهفينجتون بوست.
ويأتي كتابه الأخير "محمد: قصة خاتم الأنبياء" ليروي فيه حياة النبي صلى الله عليه وسلم بعيون مراقب خارجي محايد. وأول ما يلفت النظر في كتابه الطابع القصصي الأدبي الذي يغلف الأحداث مما أضفى طابعا إنسانيا عميقا على الكتاب. يقول شوبرا عن كتابه " عشت محمداً، أقوم وأصحو معه، قرأت تفاصيله، أعظم شيء وجدته فيه إنسانيته، كتابه الذي أجزم أن فيه وحياً إلهياً، تناقضاته، إصراره على أنه عبد وإنسان وليس إلها. من هنا جاء كتابي "محمد: قصة خاتم الأنبياء".
وفي تعليقها على الكتاب تقول داليا مجاهد مستشارة شؤون العالم الإسلامي للرئيس الأمريكي باراك أوباما، إن قراءتها للكتاب كان تجربة روحية رائعة، حيث جعلها تبكي في كثير من الأحيان، ورأت لمحات من جمال سيرة الرسول أثناء القراءة. لكنها تعيب على الكاتب بعض الأمور من بينها أن بعض الأحداث في القصة لم ترو من مصادرها الأصلية الموثوقة، وبالتالي لا يوافق الكتاب المعايير الأكاديمية المتعلقة بكتابة السير والتاريخ، ولكن يمكن النظر إليه على أنه قصة روائية تحمل عناصر من الإبداع والتشويق، تساهم في التعريف بنبي الإسلام في سياق من الإسلاموفوبيا المتصاعدة.
كما أن هناك بعض الحقائق التي يختلف معها المسلمون، كقوله في تبرير اصطحاب نبي الله إبراهيم لزوجته هاجر وولده إسماعيل إلى مكة بأنه استجابة لغيرة زوجته سارة، بينما الحقيقة أنها استجابة لأوامر الله، أيضا في وصفه قتال بني قريظة بأنه مجزرة فقد تخلى بذلك عن منهجه الثابت في عدم الحكم المسبق على الأحداث وتركها للقارئ، حيث لم يتبين جيدا السبب في الأمر بهذا الحكم على بني قريظة حين نقضوا العهد وتآمروا على النبي صلى الله عليه وسلم.
أينشتاين والدلاي لاما
وفي المرتبة الثانية جاء كتاب "إله أينشتاين:محادثات حولالعلموالروح الإنسانية" لمؤلفته كريستا تيبيت، وهي صحفية وكاتبة أمريكية، لها برنامج إذاعي أسبوعي حول الإيمان يبث في مئات القنوات المحلية والفضائية وأيضا من خلال موقعها على الإنترنت. وفي عام 2008 أصدرت أول كتاب لها بعنوان " حديث حول الإيمان: لماذا يهمنا الدين وكيف نتحدث عنه". وهي حاصلة على ماجستير في اللاهوت من جامعة ييل.
يقوم كتاب تيبيت على فرضية أنه من الممكن أن يكون هناك تفاعل مثمر بين الدين والعلم، مستخدمة مقتطفات من كتابات ألبرت أينشتاين، الذي وصفته بأنه "عقل كبير ورجل حكيم"، ومن ثم تبدأ في نقاش عدد من العلماء حول العلم والدين، لتستنتج أن دور العلم يتمثل في تقديم عوالم جديدة تفتح الأفاق لفهم أثر الدين على النفس البشرية ومكانة الدين في العالم.

أما ثالث الكتب الدينية أهمية خلال هذا العام كتاب "
نحوقرابةحقيقية للأديان: كيف يمكن اجتماع الأديانفي العالممعا" من تأليف الدلاي لاما الزعيم الروحي للتبت.
ويحاول الدلاي لاما من خلال الكتاب تقديم رسالة للقارئ في أن المهمة الأساسية للإنسانية في القرن الحادي والعشرين هي العمل على توطيد التعايش السلمي بين أديان العالم لمواجهة مشكلات البيئة والاقتصاد والتسلح النووي، وبفضل تكنولوجيا الاتصالات الحديثة أصبح تواصل الأديان ممكنا أكثر من ذي قبل.
ويؤكد الزعيم البوذي على قيمة الرحمة التي ينبغي اتخاذها كمبدأ إرشادي لجميع الأديان، لأن هذه القيمة تمكن البشر من الاعتراف بالأديان الأخرى ومن ثم تعزيز الاحترام الحقيقي، من دون مساس بالالتزام بجوهر التعاليم العقائدية للدين الذي يتبعونه.
وللدلاي لاما العديد من المؤلفات من بينها "أخلاقيات الألفية الجديدة"، " فن السعادة في عالم مضطرب"، "رحلتي الروحية". وقد منح الدلاي لاما جائزة من معهدراؤولوالنبرجلحقوقالإنسانوالقانونالإنساني، وجائزة ألبرت شويتزر الإنسانية، وجائزة نوبل للسلام.
ديانات متناحرة !
وتصنف الهفنجتون بوست رابع الكتب في الأهمية " الإله ليس واحدا: الديانات الثماني المتناحرة التي تدير العالم، ولماذا تهم اختلافاتها" لستيفن بروثيرو، رئيس قسم الأديان بجامعة بوسطن، وله العديد من الكتابات بمجلات تايم وأوبرا، وول ستريت جورنال، وبوسطن جلوب، وواشنطن بوست ولوس أنجلوس تايمز وغيرها، وهو حاصل على درجات علمية في الأديان من جامعة هارفاردوييل، ولبروثيرو عدة مؤلفات من بينها "يسوع الأمريكي: كيف تحول ابن الله لرمز وطني"، "التثقيف الديني: ما الذي يحتاج كل أمريكي أن يعرفه أو لا يعرفه" والذي حصل على لقب أفضل الكتب مبيعا.
في كتابه الأخير "الإله ليس واحدا" يختلف بروثيرو بشدة مع فكرة الوحدة الدينية أو أن هناك مساواة بين جميع البشر بغض النظر عن الأديان، فهذه الفكرة وإن صحت سياسيا إلا أنها غير صحيحة واقعيا، فالدين ليس مجرد مسألة خاصة بالفرد بل له تأثير هام على العالم من وجهات نظر اجتماعية واقتصادية وسياسية وعسكرية، ويرى أنه من الخطأ أن نتظاهر بأن أديان العالم كلها تعبر عن مسارات دينية مختلفة لنفس الإله. فلا يحق لنا طمس الفروق الحادة بين الأديان، فهذا مجرد حلم ساذج لكن الأهم هو كيفية استثمار الاختلافات الدينية كي تكون جسرا للتعاون بدلا من أن تكون قنبلة للدمار، ويعتبر هذا هو التحدي الأكبر في عصرنا.
ويناقش في كتابه ما أسماه بالديانات الكبرى في الشرق الأوسط (اليهودية والمسيحية والإسلام)، وفي الهند (الهندوسية والبوذية) ، وفي شرق آسيا (الكونفوشية والتاوية). ووصف الكبرى هنا يتعلق بعدد الأتباع وكذلك بالأهمية التاريخية. أما الدين الثامن فيفاجأ به القراء بأنه ديانة اليوروبا المنتشرة في غرب إفريقيا، كما يتناول في كتابه كذلك فصلا عن الإلحاد. ويحاول بروثيرو تقديم دليل مرجعي لهذه الأديان الكبرى ويبين المسارات المختلفة لكل منها لمن يريد فهما أفضل للمسائل الكبرى التي شغلت البشر لآلاف السنين.
والكتاب الخامس في الأهمية بحسب الجريدة هو كتاب "الدليل اليسوعي لكل شيء من أجل حياة روحانية حقيقية" للقس جيمس مارتن، والكتاب يحاول الإيجاب بإيجاز عن كل الأسئلة المقلقة التي تدور بأذهان البشر حول الله، فهو لا يخاطب فقط المسيحيين بل يخاطب كذلك الملحدين، ويعتبر مارتن كتابه هذا دليلا للوصول لمعرفة الله في كل جوانب الحياة. ويتطرق كذلك لأهمية الصلاة وضرورة عدم التهاون فيها تحت أي مبرر ولو كان ضغوط العمل.
ويشغل مارتن منصب رئيس تحرير مجلة الثقافة الأمريكية، وهو مؤلف للعديد من الكتب، من بينها كتاب "البحث عن الله في جراوند زيرو"، "اليسوعية خارج برودواي"، "هذا منفانا: رحلة روحية مع اللاجئين في شرق أفريقيا"، " حياتي مع القديسين" والذي حقق أفضل المبيعات لعام 2006. تخرج مارتن من كلية وارتون للأعمال قبل التحاقه بالسلك الكهنوتي، ويظهر في العديد من البرامج التليفزيونية وله برنامج في راديو الفاتيكان، ويكتب في النيويورك تايمز ، وفي وول ستريت جورنال، وبوسطن جلوب وغيرها من الصحف.
لاهوتيون وعلماء
سادس الكتب الدينية لهذا العام كتاب "طفل حنا: مذكرات رجل دين" لرجل الدين اللاهوتي ستانلي هيورواس، والذي يحكي فيه مذكراته الخاصة منذ ولادته، وحتى عمله كرجل أكاديمي، وأهم الأشخاص الذين التقى بهم وساهموا في تشكيل شخصيته وآراءه، وقد لاقى الكتاب صدى واسعا بين الأمريكيين الذي يعشقون ستانلي، ويعتبرونه رمزا دينيا. وكانت مجلة تايم قد أعلنت ستانلي كأفضل رجل دين لاهوتي في أمريكا في مطلع الألفية الجديدة.
ويشغل هيورواس حاليا منصب أستاذ الأخلاق بجامعة ديوك، وقام سابقا بالتدريس في جامعة نوتردام. من مؤلفاته "الحقيقة حول الله: الوصايا العشر للحياة المسيحية"، "المملكة المسالمة: أول كتاب في الأخلاق المسيحية"، "الرب يعلمنا: صلاة الرب والحياة المسيحية".
أما الكتاب السابع في الأهمية فهو كتاب "العلم مقابل الدين: ما الذي يعتقده العلماء حقا" لإيلين هوارد إكلاند، الأستاذة بجامعة رايس، والتي قامت في كتابها باستطلاع آراء 1700 عالم من أفضل العلماء الذين ينتمون لإحدى وعشرين جامعة لتتعرف على كيفية تأثرهم بالدين، وذلك خلال الفترة من 2005-2008. وفي هذه الدراسة الاستقصائية تباينت معتقدات العلماء ما بين الإيمان والإلحاد، فقد تبينت أن حوالي 53% من هؤلاء العلماء لا يدينون بأي دين، وعلى الرغم من ذلك فإن نحو 20% من هؤلاء الملحدين يصفون أنفسهم بالروحانية.
وبعد استعراض معتقدات العلماء الشخصية تنتقل إيلين للقضايا العامة، لتتعرف على كيفية تعامل العلماء مع الطلاب، والذين تباينوا بين قمع الممارسات الدينية في الصف الجامعي، وبين التجاهل والسلبية وأيضا التشجيع والاشتراك. وتتناول كذلك في كتابها موضوع علمنة الجامعة لتكتشف أن حوالي 40% من هؤلاء العلماء يعتقدون أن الدين يمكن أن يلعب دورا إيجابيا في الجامعات. وفي القسم الأخير من كتابها تحاول إيلين تحطيم الخرافات التي كشفت عنها الدراسة، مثل أسطورة أن جميع الملحدين معادون للأديان، أو أن العلماء جميعهم ملحدون، أو أن الدين يقضى عليه بالقمع أو التجاهل، أو أن كل المتدينين أصوليون.
وتشغل إيلين إلى جانب عملها بجامعة رايس منصب مدير برنامج الدين والحياة العامة بمعهد بحوث المناطق الحضرية، وعالمة بمعهد بيكر للسياسات العامة، وتعمل على اكتشاف آليات التغيير المؤسسي وكيفية تطوير الأفراد للمخطط المعرفي الذي يؤدي لتحقيق تغيرات كبرى في المؤسسات، كما تعالج قضايا الدين والهجرة والعلوم والحياة المدنية، ولها العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات العلمية، وصدر لها عام 2006 كتاب بعنوان "الإنجيليين الأمريكيين الكوريين: نماذج جديدة للحياة المدنية".
تقاليد هندية
ووفق تصنيف الهفنجتون بوست يأتي الكتاب الثامن بعنوان " الفيدا الأميركية:منإمرسونوالبيتلز إلىاليوغاوالتأمل كيفغيرت التقاليد الدينية الهندية الغرب" لفيليب جولدبرج، والذي سعى من خلاله لدراسة تأثير الأفكار الروحية الهندية على الحياة الروحية الأمريكية، والتأثير الملحوظ للثقافة الهندية على الثقافة الغربية. حيث يعود لجذور التقاليد الهندية لأكثر من مئتي سنة عندما بدأت الولايات المتحدة في استيراد المعرفة جنبا إلى جنب مع البهارات والأقمشة الملونة من آسيا.
وقد وجدت أول ترجمة للنصوص الهندوسية طريقها إلى المكتبات عن طريق جون آدامز ورالف والدو إمرسون. حين بدأ كثير من المفكرين والكتاب باستعراض ما تعلموه في الهند والذي كان له تأثير هائل في توسيع فهم الغرب للعقل والجسم وتغيير نظرة الإنسان لنفسه ولموقعه في الكون. وينتقل جولدبرج لكيفية انتقال هذه الأفكار للمختبرات والمكتبات والأطباء حتى أننا نجد كثيراً من الأطباء يوصون المرضى بعلاج روحاني كممارسة تمرينات اليوغا.
ولجولدبرج ما يقرب من عشرين كتاباً من أهمها " علامات الطريق: في المسار الروحي، والحياة في قلب التناقضات"، "حافة الحدس"، ويعمل جولدبرج مستشارا روحيا ومعلما للتأمل، وهو أيضا روائي وكاتب سيناريو وله العديد من المحاضرات وورش العمل في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية. وهو دبلوماسي سابق حيث خدم في القنصليات الأميركية في الخارج لسنوات عدة وتقلد العديد من المناصب القيادية في وزارة الخارجية إلى أن اختير سفيرا للولايات المتحدة في بوليفيا قبل أن تعلنه حكومة بوليفيا شخصا غير مرغوب فيه وطردته بتهمة الاستخبار، ويعمل حاليا مساعدا لوزير الخارجية للاستخبارات والبحوث منذ فبراير 2010.
حرق الكتب السماوية
وحسب تصنيف الجريدة يحتل كتاب "الكتبالمحرقة:الحاخامنحمانوفرانز كافكا (لقاءات يهودية("، لرودجر كامنتز المرتبة التاسعة، حيث يستعرض فيه كامنتز فكرة حرق الكتب السماوية عبر التاريخ، فيبدأ بالقول أن إعلان قس فلوريدا عزمه على إحراق المصاحف وإن كان فكرا أخرق، إلا أنه وجهه لأهمية الكتاب الإلكتروني، فإذا كان يمكن لأي معتوه أن يحرق الكتب الورقية فلا يمكن حرق الكتب الإلكترونية. لذا قام باستعراض تاريخ حرق الكتب السماوية بدءاً من حريق مكتبة الإسكندرية القديمة وحتى المحارق النازية، ليتبين له أن القرآن ليس الكتاب الوحيد الذي يتعرض لمحاولات الحرق بل إن كتب الأناجيل والتوراة كذلك تعرضت للحرق.
وينتقل للحاخام نحمان اليهودي الذي قام بكتابة التوراة على مجموعة أوراق ثم حرقها أمام تلاميذه ليعلمهم الدرس أن التوراة ليست هي الحروف والكلمات المطبوعة، بل هي ما يستقر في القلوب والعقول، ويحاول عقد مقارنة بين نحمان وفرانز كافكا.
ورودجر كاتب وشاعر أمريكي يعمل أستاذا للغة الانجليزية والدراسات الدينية، وهو منوم إيحائي معتمد، ومن مؤلفاته الشهيرة " يهودي في اللوتس: إعادة اكتشاف شاعر من الهوية اليهودية في الهند البوذية" والذي صنف من ضمن أفضل الكتب مبيعا، ويروي رحلة حج قام بها حاخامات يهود للهند لزيارة الدلاي لاما وجرت حوارات تاريخية بينهم، واعتبر البعض الكتاب إعادة تقييم لليهودية في ضوء الفكر البوذي، وأعيد طبع الكتاب خمساً وثلاثين طبعة، ويعد جزءا أساسيا في المقررات الدينية الجامعية، وقد دعت صحيفة نيويورك تايمز لاعتبار الكتاب "نصا مقدسا"، وله كذلك ديوان "اليهودي المفقود"، الذي حصل على جائزة الكتاب الوطنية للفكر اليهودي عام 1997، وله "إيليا المطاردة"، وفي عام 2007 نشر له "تاريخ آخر ليلة حلم" . وهو متزوج من الروائية مويرا كرون.

ونأتي للكتاب الأخير في قائمة أفضل الكتب الدينية لعام 2010 وهو كتاب "النعمة الأميركية: كيف يقسمنا الدين ويوحدنا"، لروبرت بوتنام وديفيد كامبل، وصفه النقاد بأنه إنجاز كبير وحجر أساس لدراسة الدين في أميركا. حيث يعتبر أميركا دولة فريدة من نوعها في عمق الدين والتنوع الديني والتسامح، إلا أنه في العقود الأخيرة تم إعادة تشكيل المشهد الديني بكامله.
فقد شهدت البلاد ثلاث صدمات عنيفة للتراجع الديني في الستينيات والسبعينيات ثم الثمانينيات، أنتجت ردة فعل بتصاعد اليمين الديني. ومنذ التسعينيات زاد التحول إلى العلمانية مما أدى لتراجع أعداد المعتدلين الدينيين، وزادت حالات الزواج المختلط وهذه العلاقات الشخصية أدت لمزيد من التسامح الديني بشكل مثير للدهشة أكثر مما أسماه المؤلفان بالحروب الثقافية.
ومن المفارقات التي كشف عنها الكتاب عبر دراسات استقصائية أن حوالي ثلث إلى نصف الزيجات الأميركية هي زيجات بين أديان مختلفة، وأن ما يقرب من ثلث الأميركيين قد تحولوا دينيا في فترة من فترات حياتهم، وأن الشباب أكثر معارضة للإجهاض من الأجيال السابقة وإن كانوا أكثر قبولا لزواج المثليين، وأن كثيراً من الأميركيين يعتقدون بأن غيرهم من أتباع الأديان الأخرى قد يدخلون الجنة.
ويشغل روبرت بوتنام منصب أستاذ السياسة العامة بجامعة هارفارد ومؤسس الحلقة الدراسية "ساجوارو" وهو برنامج مخصص لتعزيز المشاركة المدنية في أميركا. وهو العميد السابق لكلية جون كنيدي للدراسات الحكومية، شارك في تأليف العديد من الكتب. أما ديفيد كامبل فهو أستاذ للعلوم السياسية في جامعة نوتردام ، وباحث في معهد تنفيذ المبادرات التعليمية. شارك في تأليف وتحرير العديد من الكتب ، وله كتابات في مجلة السياسة والرأي العام الفصلية، ومجلة الدراسة العلمية للدين.

الاثنين، 20 ديسمبر 2010

موظفات فوق العادة


يوميات صحفية من منازلهم
الحلقة 5

أمل خيري

منذ بداية كتابة هذه اليوميات، توالت عليّ الكثير من الرسائل والمطالبات الملحة لحلول عملية، ونماذج واقعية لأعمال يمكن أن تمارس عن طريق المنزل، ووفق مفهوم العمل عن بعد.

ومع تقديري لهذه الحماسة التي أظهرتها الكثيرات من الراغبات في العمل من المنزل، إلا أنني لا أدعي امتلاك الحل السحري للجميع، فما يصلح لي ربما لا يصلح لغيري، وما يمكن لغيري القيام به قد أعجز عنه، ومع ذلك هناك الكثير من المجالات المفتوحة على مصراعيها للعمل عن بعد، وما على كل راغبة في العمل سوى انتقاء ما يناسبها، ويلائم ظروفها وإمكاناتها، ويوظف مهاراتها وخبراتها.

ولكي يكون الكلام واقعا ملموسا سأبدأ من تجربتي المتواضعة التي تعددت فيها مجالات العمل عبر سنوات حتى اخترت أحد المجالات وركزت فيه جهدي في الفترة الأخيرة.

فبدايتي كانت أثناء دراستي الجامعية، واستمرت بعد تخرجي، من خلال العمل كصحفية تحت التمرين في عدد من الصحف والمجلات العربية والإسلامية؛ كنت أجري الحوارات والتحقيقات، وأكتب تقارير وأرسلها عبر البريد، أو أسلمها لمقر الجريدة أو أحد الوسطاء، وكنت أحاول فيها دائما اختيار مجالات الكتابة التي لا تحتاج للانتقال الفوري لموقع الحدث، أو التي تتطلب تحركات كثيرة، ومعظمها كان يتم بالتليفون، أو بالمقابلات المرتبة أو غير المرتبة.

فأحيانا يفرض الحدث نفسه أثناء ركوب القطار، أو السير في الطريق، أو زيارة بعض الأصدقاء، أو الأقارب، أو حتى بين الجيران، لأبدأ في إجراء تحقيق أو كتابة تقرير عن ظاهرة ما أو حدث معين.

بالتأكيد ابتعدت عن الأخبار والتغطيات السياسية، وكان توجهي نحو الأبواب الاجتماعية التي ترصد الظواهر والمشكلات بعيدة المدى، والمتغلغلة في المجتمع، وليست الأحداث الطارئة أو المفتعلة؛ مما يسر لي التطرق لموضوعات تهم الناس على المدى الطويل، ويمكن قراءتها، والاستفادة منها، ولو بعد سنوات.

التوعية بالكتابة

الخطوة الثانية تمثلت في كتابة المقالات في مجالات متعددة، سواء المجال الدعوي، أو الاجتماعي، أو التنموي، أو الفكري، أو الثقافي... ولا أنكر الدور الذي لعبته شبكة الإنترنت معي؛ فقد يسرت سبل التواصل مع المواقع والصحف الأكثر انتشارا للكتابة، معظمها كتابات تطوعية ولكنها من باب خدمة المجتمع بالمشاركة في التوعية والتعليم.

وهذا فيه الرد على من يعتقد أن ممارس الصحافة والكتابة يجب أن يكون شخصا لا يهدأ ولا يسكن، يدور حول الأحداث في مواقعها، ولا يمكن العمل في هذا المجال من خلال المنزل، فالتجربة أثبتت أن العمل الصحفي له العديد من المجالات، منها: ما يتطلب الحركة الدءوب، ومنها ما لا يتطلب إلا إعمال الفكر خاصة إذا تعلق بترجمات أو عروض ومراجعات لكتب أو دراسات أو تقارير دولية...

تجربة أخرى عاصرت الكتابة الصحفية، وهي التدريب في مجال التنمية البشرية، والذي تتعدد مجالاته حسب التخصص فيمكن أن تقدم المرأة دورات تربوية للأمهات، وقد تكون دورات دعوية للداعيات أو تثقيفية، أو دورات تخصصية...، ومن جانبي اخترت الدورات التربوية والإدارية التي قدمتها في المدارس والجمعيات بشكل تطوعي، ولكن متى أرادت المرأة أن تحترف المجال، وأن تتكسب منه سيتيسر لها ذلك، طالما توافرت لها مهارات الإلقاء، وحصلت على تدريب متخصص متوازن.

تدريس وتحفيظ

ذكرني مجال التدريب بمهنة أخرى كنت أمارسها أثناء دراستي بشكل متفرق، وهي التدريس للأطفال في المراحل الابتدائية، فأحيانا كانت تلجأ لي بعض الأمهات لمساعدة أطفالها على الارتقاء بمستواهم الدراسي، أو تحسين مهارات الكتابة أو القراءة لديهم، فتبعث لي بأطفالها في بيتي، بل إن إحدى السيدات الأميات كانت تأتيني لأعلمها مبادئ القراءة والكتابة، وفي الحقيقة كنت أجد متعة كبيرة في ممارسة هذه الأعمال.

يضاف لذلك مسألة تحفيظ القرآن في البيوت، ذكرت لي إحدى صديقاتي أنها كانت تستعين بمحفظة تقوم بتحفيظها هي وثلاثة من الأبناء، وكانت تتقاضى شهريا مائة جنيه عن كل فرد من أفراد الأسرة، من جانبي لم أشأ التكسب من تعليم القرآن أو التجويد رغم إفتاء العلماء بإباحته؛ حيث كنت أعتبر أن قيامي بذلك هو دين أوفيه لأساتذتي الذين قاموا بتحفيظي بلا أجر، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، ولكنه ما زال بابا يمكن لكثير من النساء احترافه والتكسب المادي من خلاله، إضافة إلى الأجر الأخروي مع إخلاص النية لله تعالى.

كمبيوتر وترجمة

في بعض الفترات كنت أحتاج التفرغ التام لرعاية الأطفال، ولكني لم أشأ تضييع العمر، فانتهزت الفرصة لمواصلة دراستي، وفي الوقت نفسه تعرفت على مجال جديد وهو البرمجة، فتلقيت دورات متخصصة، وعلمت نفسي الكثير بأسلوب "self training"، مما وفر لي الفرصة لتقديم تدريب للفتيات والسيدات والأطفال أيضا من خلال البيت، أو الاتفاق مع بعض المراكز التدريبية للعمل عدد معين من الساعات أو تقديم دورات في الموعد الذي أحدده مقابل نسبة من رسوم الدورة التدريبية.

بقيت في هذا المجال سنوات، ولكني لم أشأ الاستمرار فيه، فعدت مرة أخرى للترجمة والكتابة الصحفية وإعداد الأبحاث والدراسات؛ استجابة لنوازع التخصص التي ظلت تلح علي لسنوات، وفي نفس الوقت لم تضيع سنوات دراسة الكمبيوتر هباء؛ حيث أفادتني التقنيات الحديثة هذه المرة في عملي خير فائدة، فانطلقت في مجال الإعلام الإلكتروني الذي لاءم كثيرا رغبتي في العمل من خلال البيت، ولعب الإنترنت دوره في تيسير تواصلي مع العديد من الجهات التي استفدت منها في الحصول على تدريبات إلكترونية ومصادر تعليمية، ومكنتني من التعرف على كثير من الزميلات اللاتي يعمل بنفس الأسلوب سواء في مجال الترجمة أو الدراسات أو الكتابة الصحفية التقليدية.

بالطبع تخلل هذه الأعمال فترات من العمل بدوام كامل، حين كانت تتهيأ الظروف لذلك، إلا أني كنت ما ألبث أن أعود مرة أخرى للعمل عن بعد، ووجدت فيه ضالتي، ووجدته الأنسب لي حتى الوقت الحالي، وإن كان هذا لا ينفي إمكانية العودة ثانية للعمل بدوام كامل في المستقبل، فالأمر يتسم لدي بالمرونة.

هذه مجرد أمثلة لأعمال يمكن أن تتم من خلال البيت، وكما ذكرت سابقا أؤكد على أن اختيار مجال العمل يختلف من شخص لآخر، فالمفترض أن يختار الشخص ما يناسبه ويلائم طبيعة شخصيته وميوله واتجاهاته، ويوافق خبراته ومهاراته الشخصية وظروفه العائلية، وغيرها من الاعتبارات محل الاهتمام، وفي مرات قادمة بإذن الله سأذكر تجارب واقعية أخرى لشخصيات نجحن في العمل عن بعد.

الأحد، 19 ديسمبر 2010

بعد عامين من الأزمة المالية بطالة وأجور متدنية

أمل خيري

ما زالت تداعيات الأزمة المالية العالمية تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي على الرغم من مرور أكثر من عامين على اندلاعها، وكان لسوق العمل النصيب الأكبر من هذه التداعيات؛ حيث ارتفعت معدلات البطالة إلى 210 ملايين شخص، مسجلة أعلى مستوى لها عن أي وقت مضى.

وامتدت التداعيات للقوى العاملة نفسها؛ حيث انخفضت الأجور الحقيقية إلى النصف، وبالتالي انخفضت القوة الشرائية للأفراد والأسر؛ مما انعكس سلبا على إجراءات التعافي من آثار الأزمة العالمية، وحول هذه التداعيات على سوق العمل صدر تقرير الأجور في العالم لعام 2010/2011 بعنوان "سياسات الأجور في أوقات الأزمة"، الصادر عن منظمة العمل الدولية.

انخفاض وتفاوت

تشير النتائج الأولية للتقرير إلى أن الأزمة العالمية -المالية والاقتصادية- قد أدت إلى تباطؤ كبير في معدل نمو الأجور الحقيقية في جميع دول العالم؛ حيث تراجع متوسط الأجر الشهر الحقيقي من 2,8% عام 2007؛ أي قبيل الأزمة، ليصل إلى 1,5 % عام 2008، ثم 1,6 % عام 2009.

ويوضح التقرير كذلك وجود تفاوت هائل بين الدول فيما يتعلق بمعدل نمو الأجور؛ ففي البلدان المتقدمة بلغ معدل نمو الأجور قبيل الأزمة 0,8% سنويا، ليتراجع إلى -0,5% فور اندلاع الأزمة عام 2008، ثم عاد للارتفاع مرة أخرى عام 2009 ليصل إلى 0,6%، بينما تراجع نمو الأجور الحقيقية في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى من 17% عام 2007 ليصل إلى 10,6% عام 2008، ثم يواصل الانخفاض الحاد ليصل إلى -2,2% عام 2009.

الأمر نفسه تكرر في أوروبا الشرقية والوسطى؛ حيث تراجع نمو الأجور الحقيقية من 6,6% عام 2007 إلى 4,6% عام 2008؛ ليصبح -0,1% عام 2009.

وفي أمريكا اللاتينية ودول البحر الكاريبي بلغ معدل تباطؤ الأجور من 3,3% عام 2007 إلى 1,9% عام 2008، ثم يعاود الصعود عام 2009 ليصل إلى 2,2%.

ويسجل التقرير ثباتا ملحوظا في معدلات نمو الأجور الحقيقية في آسيا؛ حيث ظلت تدور حول 7% في الفترة من 2006 -2009، ففي عام 2007 وصل النمو إلى 7,2%، بينما أصبح 7,1% عام 2008، وارتفع إلى 8% عام 2009، في الوقت الذي تراجع فيه معدل نمو الأجور في إفريقيا من 1,4% عام 2007 إلى 0,5% عام 2008، قبل أن يعاود الارتفاع إلى 2,4% عام 2009.

ويؤكد التقرير أن آثار الأزمة المالية والاقتصادية على متوسط الأجور في الدول المتقدمة، ينبغي تناولها ضمن سياق طويل الأمد، يتعلق بسياسات الأجور على مدى عقد كامل منذ مطلع الألفية، فقد تصاعد معدل نمو الأجور العالمية بمقدار الربع خلال عشرة أعوام، وفي بعض المناطق النامية كشرق آسيا ارتفع معدل الأجور لأكثر من ضعفين خلال هذه الفترة، بينما تضاعف ثلاث مرات في دول أوروبا الشرقية والوسطى في نفس الفترة.

على النقيض من ذلك لم ترتفع الأجور الحقيقية في الدول المتقدمة في نفس الفترة سوى بمقدار 9% فقط؛ مما يعكس نموا ثابتا ومعتدلا خلال هذا العقد، ويعتبر التقرير أنه من المبكر جدا تحديد أي القطاعات أو الوظائف التي تأثرت أكثر جراء الأزمة، وذلك بسبب ندرة البيانات والإحصاءات التي قدمتها الدول عن هياكل الأجور بها، إلا أن التقديرات الأولية تشير إلى أن القطاع الخاص كان أكثر تضررا من القطاع العام في كثير من الدول.

عوامل الانخفاض

ومن حيث العوامل المحددة لنسبة الأجور من إجمالي الدخل على المدى البعيد يرصد التقرير أربعة عوامل رئيسية تتمثل في تكنولوجيا الإنتاج، والسياسات المؤسسية، والعولمة، وهيكل قطاعات الإنتاج.

فتعتبر تكنولوجيا الإنتاج عاملا هاما في توزيع الدخل بين أصحاب عوامل الإنتاج المختلفة؛ حيث ينخفض الطلب على العمالة ذات المهارات المنخفضة كلما زاد الاعتماد على تكنولوجيا الإنتاج، وبالتالي انخفاض أجور هذه الفئة من العمالة، وفي المقابل ازدياد الطلب على العمالة المؤهلة تكنولوجيا والمدربة، ومن ثم ترتفع أجورها، بينما يضر استخدام التكنولوجيا كثيفة رأس المال بالأجور عموما.

العامل الثاني يتعلق بالمؤسسات والسياسات، فوجود المنافسة غير الكاملة في المنتج يخلق فائضا، يتم توزيعه بين العمال وأصحاب رأس المال فقط في حالة وجود نقابات قوية تدافع عن حقوق العمال؛ مما يؤدي إلى ثبات واستقرار الأجور، وعلى العكس تؤدي النقابات الهشة والضعيفة إلى استئثار صاحب رأس المال بالأرباح وحده.

ويمكن للعولمة أيضا أن تساهم في خفض نسب الأجور؛ حيث تؤدي العولمة لزيادة التخصص في إنتاج وتصدير السلع كثيفة رأس المال، ومن ثم زيادة عائدات رأس المال بالنسبة للعمل، كما أن وجود أفرع للشركات العابرة للقارات قد يهدد بنقل مصانع لخارج حدود الدول؛ مما يضعف الموقف التفاوضي للعمال، وأخيرا غالبا ما يرافق العولمة نفوذا متزايدا للمؤسسات المالية التي تقوم بدورها في ضغط الأجور مقابل زيادة العائد على رأس المال.

وتؤثر التغيرات في هيكل قطاعات الإنتاج للاقتصاد على نسب الأجور على مر الزمن، وعلى سبيل المثال إذا اقترن النمو الاقتصادي للدولة بتحول من الاستخدام الكثيف للأيدي العاملة إلى قطاعات كثيفة رأس المال، يمكن توقع انخفاض في الأجور.

وهذه العوامل الأربعة جميعها تسير جنبا إلى جنب في تأثيرها على معدلات الأجور؛ لذا من الصعوبة بمكان عزل أحد هذه العوامل عن الآخر.

التمييز والفئات المهمشة

يتناول التقرير كذلك الزيادة في أعداد الذين يتقاضون أجورا منخفضة، وتعرف الأجور المنخفضة بأنها الأجور التي تقل عن ثلثي الأجور المتوسطة، فهذه الفئة قد تزايدت أعدادها منذ التسعينيات في العديد من الدول، كالأرجنتين وإسبانيا وإندونيسيا وأيرلندا وبولندا والصين.

وفي ظل هذه الأوضاع يزيد احتمال بقاء هذه الفئة من العمال في نفس الوظائف ذات الأجر المنخفض، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى زيادة حدة التوتر الاجتماعي، ويزيد الوضع سوءا شعور هذه الفئة بالظلم الواقع عليها؛ حيث دفعت ثمنا باهظا أثناء الأزمة، بينما لم توزع ثمرات فترات الازدهار بالعدل والتساوي على الجميع.

ويفيد التقرير بوجود عدة عوامل تمييزية تساهم في استمرار التفاوت بين الأجور، ووجود فئات ذات دخل منخفض في الدول الصناعية والنامية على حد سواء، ومن بين هذه العوامل الانتماء إلى أقليات إثنية أو عرقية أو فئات مهاجرة ومحرومة، ويؤدي تركز هذه الخصائص في صفوف العمال ذوي الدخل المنخفض إلى الانتقاص من قيمة هذه الوظائف.

ويستعرض التقرير عدة أسباب تجعل المرأة أكثر عرضة لانخفاض الأجر، من أهمها الاعتقاد بأن عمل المرأة ربما يُقوَّم بأقل من قيمته الحقيقية لاتباع المرأة نمطا اقتصاديا معيشيا مختلفا، وقد يعود ذلك لانخفاض المهارات، أو لكون دخلها مصدرا ثانويا للأسرة، أو لتركز النساء في القطاعات ذات الدخل المنخفض، وقد يعود تقييم عملها إلى ظروفها الصحية، وحصولها على إجازات للوضع، أو رعاية الأطفال، كل هذه الأسباب تساهم في تدني الأجور.

وتميل كثير من النساء لقبول الوظائف ذات الدخل الأدنى التي لا يقبل عليها الرجال، وقد يعود ذلك لقيام المجتمع بالتمييز بين النساء والرجال أو ممارسة نوع من الضغط على المرأة قد يدفعها لقبول مثل هذه الأعمال المتدنية الأجر.

وبحسب التقرير يرى البعض أن ركود الأجور في الفترة السابقة للأزمة المالية العالمية يعد أحد أسباب وقوع الأزمة، وكذلك أحد أسباب تأخر الاقتصادات المختلفة في التعافي من آثار الأزمة بسرعة.

صحيح أن هناك عوامل كثيرة وراء حدوث الأزمة، إلا أن هناك من يرى أن تراجع إجمالي الطلب قبل الأزمة كان أحد الأسباب الهيكلية لاندلاع الأزمة.

فإعادة توزيع الأرباح من ذوي الأجور المتوسطة إلى ذوي الأجور المرتفعة، أدى إلى انخفاض الطلب الإجمالي؛ حيث تحول الدخل من الطبقات الميالة للإنفاق إلى الطبقات الميالة للادخار، وهناك عدد من الدول حافظ على الاستهلاك المعيشي للأسر من خلال زيادة المديونية، وهناك اقتصادات اعتمدت على الصادرات، إلا أن كلا النموذجين غير قابلين للاستدامة، ويجعلان الاقتصاد هشا، وعرضة للأزمات، في حين تبين أن أفضل السبل للنمو الاقتصادي الحفاظ على استهلاك أسري أقوى عن طريق زيادة الدخل.

فرص وتوصيات

ويحاول التقرير في ختامه تلمس الأوجه الإيجابية للأزمة، فيشير إلى أن الأزمة الاقتصادية قد قدمت بالفعل فرصة فريدة لتوسيع الأسس المنطقية لسياسات الأجور، وعلى أساس تقييم منهجي للقيود المحتملة التي تحول دون تحقق هذه السياسات بالكامل، ووضع مزيد من السياسات الفعالة التي من شأنها أن تسهم في اقتصاد منصف ومستدام.

وفي هذا الصدد، يشير التقرير إلى بعض القضايا الرئيسية التي تعتبر حاسمة في تحسين سياسات الأجور، خصوصا في العالم النامي؛ حيث تنتشر الثغرات والتفاوتات بين الأجور، ولذلك ينبغي وضع سياسات للأجور والدخل لمعالجة الأشكال المختلفة من التمييز، من خلال قانون العمل، واللوائح ذات الصلة، والتدابير الأخرى.

ومن بين التوصيات التي يذكرها التقرير:

1- قيام الدولة بتشجيع عمليات التفاوض الجماعي، من خلال تقوية الاتحادات والنقابات العمالية؛ لأن أول الصعوبات التي تواجه العمال تتمثل في صعوبة تنظيم أنفسهم في إطار رسمي، سواء بسبب زيادة أعداد العمال غير الرسميين، أو زيادة أعداد النساء العاملات من خلال المنزل، وكل هذه الفئات بحاجة لتنظيم قوي يدافع عن حقوقهم، وإيجاد آليات بديلة لضمان أجور عادلة وكريمة.

2- ينبغي وضع سياسات عامة للحد الأدنى من الأجور، لا تقتصر على العمال منخفضي الأجور فقط، بل تعود بالفائدة على جميع العمال، بغض النظر عن مستويات الأجور، أو عضوية الاتحادات والنقابات أو الحالة الوظيفية.

3- إعادة النظر في دخول الأسر ذات الدخل المنخفض، عبر آليات غير تقليدية جنبا إلى جنب مع السياسات التقليدية، كالإعفاءات الضريبية، والإعانات الأسرية، مع توجيه الاهتمام للأسر المعتمدة على دخل غير منتظم كالعمالة الموسمية أو غير الرسمية.

http://www.onislam.net/arabic/nama/news/127205-2010-12-19-10-02-11.html


الأحد، 12 ديسمبر 2010

30 يوما بالحجاب.. مغامرة صحفية أمريكية

أمل خيري

هل يمكن لقطعة من القماش أن تقلب وجهات نظر الأفراد رأسا على عقب؟

هل شخصية المرأة وأفكارها يمكن أن تختلف حين تضع على رأسها قطعة القماش هذه؟

هل الذين يخافون من الحجاب والإسلام يهابون الرمز فقط أم ما يحمله الرمز؟

كل هذه الأسئلة حاولت الصحفية الأمريكية كاسيدي هرنجتون الإجابة عليها حين قررت أن تخوض تجربة فريدة؛ لكي تتعرف أكثر على المجتمعات المسلمة، فأخذت قرارها بارتداء الحجاب لمدة شهر كامل، بداية من شهر أكتوبر 2010 وحتى نهايته..

في البداية كانت تعتقد أن تغيير مظهرها الخارجي سيسمح لها بالتعرف أكثر على المجتمع المسلم وطبيعته، لكنها بعد خوض التجربة اكتشفت أيضا مكانها وموقعها في هذا العالم. في البداية كانت تعتقد أن تغيير مظهرها الخارجي سيسمح لها بالتعرف أكثر على المجتمع المسلم وطبيعته، لكنها بعد خوض التجربة اكتشفت أيضا مكانها وموقعها في هذا العالم.


تعمل كاسيدي محررة في صحيفة كنتاكي كرنل، وفي الوقت نفسه تدرس الصحافة والسياسة الدولية بجامعة كنتاكي، وحين فكرت في القيام بهذه المغامرة لم يكن الحجاب بالنسبة لها إلا رمزا مقدسا، صحيح أنه مثير للجدل، ويساء فهمه لحد كبير، إلا أنه مع ذلك يظل رمزا للدين الذي يبلغ عدد أتباعه أكثر من مليار نسمة في العالم، الدين الذي يساء فهمه كذلك ويثار الجدل حوله، ومن هنا أدركت كاسيدي أن أفضل طريقة للتعرف على المسلمين هي معايشة دينهم فقامت في مطلع شهر أكتوبر الماضي بوضع غطاء للرأس، وبدأت في ممارسة أنشطتها الطبيعية مع الأسرة، والزملاء والغرباء وهي مرتدية الحجاب.

وبعد مرور شهر كامل على ارتدائها الحجاب أحبت كاسيدي أن تشارك تجربتها مع الجميع، وإن كانت تعرف مقدما أن ذلك سيفتح عليها النار، ويثير الكثير من الجدل حولها، لكنها اعتبرت أن هذه المغامرة قد ألهمتها كلمات لا يمكن نسيانها.

بداية الفكرة

في عمودها الصحفي الأول لهذا العام الدراسي كتبت كاسيدي قائلة: "على مدار الساعة نحن نرى واجهة المنبه، لكننا لا نرى محتوياته الداخلية لنرى كيف يعمل"، وحتى ذلك الوقت لم تكن تدرك مدى حاجتها للتأكيد على جدية كلامها، فقررت أن تنفذه عمليا وتمارس التجربة كصحفية وكامرأة بل وكإنسانة.

وبعد بضعة أسابيع قرأت كاسيدي مقالا لكاتبة مسلمة تصف مشاعر الإسلاموفوبيا التي تقف وراء حملات منع إنشاء مسجد الجراوند زيرو، والذي انهالت على إثره تعليقات لاذعة للقراء، كلها تعبر عن الكراهية والحقد والخوف من الإسلام، ومعظم هذه التعليقات رادفت الإسلام بالعنف والإرهاب، وجاء أحد التعليقات قائلا "الكاتبة تريدنا أن نثق في الإسلام، ولكن في ضوء تجربتنا الجماعية، وفي ضوء تاريخ الإسلام، يحق لي أن أتساءل على أي الكواكب تعتقد الكاتبة أننا نعيش".

وتروي كاسيدي أنها رغم عدم معرفتها بكاتبي هذه التعليقات فإنها شعرت أنها تنتمي إليهم؛ لكونها غير مسلمة، لكنها قررت الانتقال للجهة الأخرى من الكوكب، واعتقدت أن ارتداءها الحجاب سيقربها من هذا المجتمع المجهول الذي تخشاه، وفي نفس الوقت سيمكنها من معايشة ملايين النساء في العالم اللاتي يرتدين الحجاب، وأخيرا سيجعل منها صوتا غربيا غير مسلم يعبر عن حقيقة الإسلام لكثير من غير المسلمين.

وقبل إقدامها على التجربة رأت كاسيدي أن تستطلع رأي بعض الفتيات المسلمات المحجبات في قرارها هذا، لقلقها من مدى انعكاس هذا القرار من فتاة غير مسلمة على المسلمات، فقامت بزيارة رابطة الطلاب المسلمين بالجامعة، وحضرت أحد اجتماعات الرابطة، وكانت وقتها في قمة العصبية والقلق، إلا أنها حين قابلت هبة سليمان رئيسة اتحاد الطلاب المسلمين، وشرحت لها خطتها، شجعتها على ذلك، وأخذت بيدها لباقي المجموعة، وأعلنت عن رغبتها هذه أمام الجميع، وفي نهاية المقابلة صافحتها الكثير من الطالبات، واقتربت منها إحدى الطالبات قائلة لها أحييك على هذا القرار الذي لم أستطع وأنا مسلمة أن أتخذه بعد.

حتى هذه اللحظة لم تكن كاسيدي تشعر بمدى خطورة هذا القرار، ولكنها في هذه اللحظة بالذات شعرت أن الأمر لا يقتصر على مجرد ارتداء هذه القطعة من القماش، بل إنها ستمثل هذا الدين وهذا المجتمع؛ لذا يجب عليها أن تتنبه جيدا لكل خطواتها وتصرفاتها أثناء ارتدائها الحجاب، حتى لا تقدم مثالا سيئا للحجاب والإسلام.

أول خطوة بالحجاب

بعد أسبوعين من لقائها بأعضاء الرابطة التقت كاسيدي هبة سليمان وصديقة أخرى فقامتا بتعليمها كيفية ارتداء الحجاب، وقدمتا لها الدعم المعنوي الكثير، ولاحظت أن ردود الفعل على حجابها شبه منعدمة باستثناء بعض النظرات، ولكنها في نهاية الشهر اعتادت على الحجاب حتى إنها كانت تسير في الجامعة وهي لا تتذكر أنها تضع غطاء على رأسها، وعلى الرغم من عدم تعليق أي من زملائها على حجابها فإنها أدركت أن كثيرا من زملائها وأساتذتها يتحاشون الكلام معها ويتجاهلونها.

وهنا شعرت أن هناك فجوة بينها وبين الجميع أخذت تتسع شيئا فشيئا؛ لمجرد تغيير مظهرها، وعندما سألت زملاءها لم هذا التجاهل، فجاءت الردود إما لأن الأمر يحمل الكثير من الحساسية للتحدث حوله، أو لعدم الاكتراث، تسببت هذه الردود في ضيق كاسيدي؛ حيث كانت تعتقد أن الحجاب ما هو إلا رمز تماما كالصليب أو النجوم في العلم الأمريكي، وأنها ما زالت كما هي كاسيدي هرنجتون، ولكن بمظهر مختلف.

الوطنية الزائفة

تجربة كاسيدي أكدت لها أن كثيرا من الأمريكيين يعانون من مرض الرهاب من الإسلام، بل ويساهمون في تأصيله بالدعابات السمجة، وهي من جانبها تعتبر ذلك نوعا من الوطنية الزائفة، فبعد ارتدائها للحجاب تلقت بريدا إلكترونيا من أحد القراء يحمل عنوان نغمتي الجديدة، وحينما قامت بتشغيل ملف الصوت المرفق سمعت صوت الأذان من الحرم المكي، ثم توقفه بعد إطلاق ثلاث رصاصات ليرتفع بعدها النشيد الوطني الأمريكي، وحينما تحدثت مع مرسل الرسالة أكد لها أنها مجرد مزحة، وهنا تكمن المشكلة من وجهة نظر كاسيدي أننا بدعوى الوطنية نطلق النكات والدعابات لتأصيل الخوف أكثر من دين لا نعرفه جيدا.

وحين توجهت كاسيدي لأحد المؤتمرات الصحفية، فوجئت أنها الوحيدة التي تم توقيفها من بين كل الصحفيين الذين حضروا المؤتمر، وطُلب منها الكشف عن هويتها، حينها تأكدت أنها أتقنت دورها جيدا بالحجاب، لكنها في الوقت نفسه عرفت حجم الخوف والتحامل على الإسلام.

وتتساءل كاسيدي عن سبب الخوف من الإسلام مع أن الغرب ليس في حالة حرب معه، بل إن كثيرا من الجنود المسلمين يخدمون في الجيش الأمريكي ويدافعون عن هذا البلد، وتدعو كاسيدي جميع الأمريكيين لأن يحذو حذوها بالاقتراب من المجتمع المسلم، ومعايشته، ليس شرطا بارتداء الحجاب، ولكن بمشاركتهم المناسبات الدينية، ومحاولة التعرف أكثر على الإسلام الحقيقي.

http://www.onislam.net/arabic/adam-eve/women-voice/127060-30-.html


الأربعاء، 8 ديسمبر 2010

باتريشيا كرون .. نموذج لتعصب الاستشراق الجديد

أمل خيري

باتريشيا كرون، الدنمركية المولد البريطانية النشأة، تمثل نموذجا متشددا ينتمي للمدرسة الاستشراقية المتعصبة في العصر الحديث، فهي تتسم بالتشدد والتعصب واغتصاب الحقيقة وتلك أكبر ممثل للأخطاء المنهجية، فتعمد إلى اجتزاء النصوص، واللعب بالألفاظ، بل تغيير الحروف، رغم معرفتها أو ادعائها المعرفة الكاملة للغة العربية.
هذه الشخصية كرست جهدها وبحثها للقدح في الإسلام والنيل من ثوابته والتشكيك في مصادره بأسلوب مغلف بقالب البحث العلمي المحايد، ولكنها فشلت في الحياد تماما ولم تستطع التخلي عن نبرات العداء والكراهية التي تقطر من كتاباتها.



ولدت باتريشيا كرون في الدانمارك، وفيها أنهت تعليمها الأساسي، ثم انتقلت إلى بريطانيا، وأكملت دراستها الجامعية والعليا في جامعة لندن، وحصلت منها على الدكتوراه من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية عام 1974.
عملت في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن من عام 1974 إلى 1977، وبعدها عملت على مدى عشرين عاما في جامعة كمبريدج البريطانية حتى 1997 حيث انتقلت بعدها للعمل في معهد الدراسات العليا المتقدمة في جامعة برنستون الأمريكية.
لها أكثر من عشرة كتب منشورة في التاريخ والحضارة الإسلامية واشتركت في إصدار سلسلة دراسات عن: القانون الإسلامي والدراسات الاجتماعية وهي عضو في مجلس إدارة خمس دوريات تاريخية من بينها موسوعة الفكر السياسي، وهي عضو في الجمعية الفلسفية الأمريكية، وأستاذ فخري في كلية اللاهوت في جامعة آرهوس.
وهي تجيد اللغة العربية إجادة تامة إلى جانب العبرية واللاتينية واليونانية والفرنسية والألمانية، وقد منحت مؤخرا شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة كوبنهاجن، ولها العديد من المحاضرات والدورات التدريبية حول الإسلام وتاريخه.
مكة.. على البحر الميت !
يعد كتاب "تجارة مكة وظهور الإسلام" من أشهر مؤلفات كرون، صدر عن جامعة أكسفورد وانتشر بين جامعات بريطانيا ويكاد يكون كتابا رئيسيا في أيدي طلبة أقسام التاريخ في الغرب.
احتوى الكتاب على أفكار وآراء بدت بعيدة تماما عن الوقائع التاريخية والأثرية الموثقة والمستقرة إضافة لازدرائها لبعض مفاهيم الإسلام وتوصلت فيه باتريشيا لعدد من النتائج الخطيرة من أهمها:
أولا: رفض ما هو ثابت تاريخيا وجغرافيا حيث ادعت أن مكة لا تقع في مكانها المعروف والمستقر بل تحركها من مكانها على الخريطة؛ فمكة حسب باتريشيا تقع على البحر الميت.
ثانيا: التشكيك في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم حيث ادعت أن دعوته لم تظهر في مكة بل في شمال الحجاز، وأن قريشا ارتبطت بشمال الحجاز لا مكة كما هو معروف وثابت، وبذلك فهي لا تهدم تجارة مكة العالمية فقط بل تحاول هدم أساس من أسس الدعوة الإسلامية وهو انطلاقها من مكة.
ثالثا: التشكيك في المصادر الإسلامية حيث تعمدت إغفال المصادر الأساسية التي تناقض آراءها، وطرحت نتائج بلا ذكر لمصادرها، واتهمت المستشرقين الذين خالفوها الرأي بأخذهم من المصادر الإسلامية على علاتها.
رابعا: نفت اتجاه الحجيج قبل الإسلام إلى مكة والبيت الحرام وادعت أنهم كانوا يتجهون للأسواق القريبة منها وهي عكاظ وذو المجاز ومجنة، وقامت بشرح مناسك الحج الجاهلي والإسلامي متعمدة إهمال ذكر الطواف والتلبية.
خامسا: رفضت الاعتراف بدور قريش في تجارة الشرق العالمية وأصرت على تهميش دورها ووصفته بالدور المحلي، رافضة لتفسير المفسرين لسورة قريش التي تؤكد الاتجاه الدولي في تجارة قريش قبل الإسلام.
سادسا: استخدمت أسلوب السخرية والتهكم لإقناع القارئ بفكرتها عن العرب بوصفهم بالبرابرة، والمسلمين بأنهم وكر لصوص.
سابعا: حاولت التشكيك في تاريخ معركة بدر الكبرى الثابت وقوعها في السنة الثانية للهجرة بخلط الحقائق وتكذيب المصادر الإسلامية عن تاريخ هذه المعركة.
وخلال صفحات الكتاب استخدمت أساليب مراوغة وتحايل لتخلط على القارئ المعاني وتطمس الحقائق، وقامت بتغطية مغالطاتها بثوب من البحث العلمي التاريخي.
وقد أحسنت صنعا الدكتورة آمال الروبي بترجمة الكتاب للعربية وتفنيد مزاعم كرون والرد عليها بأسلوب علمي ونشر الكتاب في إطار المشروع القومي للترجمة الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة المصري.
هاجريون لا مهاجرون !
أما كتابها التالي حسب الشهرة فهو كتاب الهاجرية أو الهاجريون والذي اشتركت في تأليفه مع البروفيسور مايكل كوك (أستاذ التاريخ الإسلامي وأحد تلاميذ البروفيسور برنارد لويس) وحاول هذا الكتاب إعادة كتابة التاريخ الإسلامي بالاعتماد على المصادر غير الإسلامية ورفض المصادر الإسلامية دون أي تبرير. وفي هذا الكتاب توصلا إلى أن المهاجرين ينتسبون إلى السيدة هاجر وليس إلى الهجرة من مكة إلى المدنية.
وقد صرح مؤلفا الكتاب أن أي مسلم لن يقبل النتائج التي توصلا إليها ليس لأن هذه النتائج تقلل من الدور التاريخي للرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لأنها تقدمه في دور يختلف كلياً عما يعرفه المسلمون تقليدياً. كما ذكرا أن كتابهما كتب من قبل الملحدين للملحدين، ومما يثير السخرية أنهما اعترفا أيضا أن المسلم الذي في قلبه مثقال حبة من خردل من الإسلام لن يجد صعوبة في رفض الكتاب كليا!.
بل يذكر علي خان أستاذ القانون في جامعة واشبورن بكانساس أن مؤلفي الكتاب قد اعترفا له صراحة في بعض المقابلات الشخصية أن هذا الكتاب لم يكن سوى فرضية لم تثبت صحتها وفي حين تبرأ مايكل كوك مما جاء في الكتاب وذكر أن ما توصلا إليه كان زعما خاطئا وحان الوقت لإعادة التفكير فيه، فإن كرون كانت أكثر صراحة في رفض الأطروحات التي قدمتها فيه فقالت إن الكتاب صدر في عام 1977 وأن حماسة الشباب دفعتهما لكتابته، وأن فرضياته لم تكن صحيحة ولا جيدة.
محمد والقرآن.. في دائرة الاتهام !
في مقال آخر بعنوان "محمد الذي لا نعرفه" بدأت تسوق الحجج والبراهين التي تحمل في طياتها الكثير من المراوغات والمغالطات لتصل في النهاية لنفي نبوة الرسول، فهي تنفي وجود مصادر عن هذا النبي باستثناء المصادر الإسلامية (التي لا تعتد بها)، حتى القرآن الكريم لم يذكر الكثير عن النبي ولا عن حياته كما ذكر تفصيلا عن أنبياء آخرين سبقوه.
كما تدعي أن القرآن مليء بالمغالطات فهو يصف مشركي مكة بأنهم مزارعون يزرعون القمح والعنب والزيتون بينما مكة كانت قفرا لا تنمو فيها زراعات باستثناء النخيل.
يتضح هنا بالطبع مدى جهلها بالعربية رغم إجادتها لها فهي لا تفهم المعاني ولا تكلف نفسها عناء قراءة تفسير الآيات في كتب المفسرين فهي تشير إلى الآية الأخيرة من سورة الفتح "وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ" ولا ندري من أين أتى تفسيرها للآية لتؤكد أن القرآن وصف مشركي مكة بالمزارعين؟ ، والآية تتناول بشارة التوراة والإنجيل بمحمد وأصحابه وتشبيههم في الإنجيل بالزرع الذي بدأ ضعيفا ثم اشتد وقوي عوده وكما ذكر ابن كثير في تفسيره (أَيْ فَكَذَلِكَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آزَرُوهُ وَأَيَّدُوهُ وَنَصَرُوهُ فَهُمْ مَعَهُ كَالشَّطْءِ مَعَ الزَّرْع)، فما علاقة الآية بوصف المشركين بأنهم مزارعون؟!
وهي تشكك في قبول القرآن كمصدر تاريخي باعتبار أنه لم يدون إلا بعد وفاة النبي، كما أن النسخ الأولى منه كانت غير منقوطة أو مشكَّلة لتستنتج أن الكلمات المكتوبة ربما تحمل معاني أخرى غير التي وصلتنا بعد إتمام تنقيط الحروف وتشكيل الكلمات، وهي بالطبع لا تعترف بتلقي الأمة للقرآن بالمشافهة وتواتره بالإجماع، وفي نفس الوقت ترى أن ألفاظ القرآن مبهمة وغامضة وتستعصي حتى على المفسرين وهي تقول ذلك دون أن تحدد من هؤلاء المفسرين الذين استعصى عليهم فهم القرآن أو ما هي المصادر التي اعتمدت عليها في تأكيد هذه الحقيقة؟.
تمضي باتريشيا قدما في التشكيك حول وجود النبي من خلال حقيقة أن صورته لم تنقش على عملات في ذلك الزمن، وأي دارس لتاريخ النقود في الإسلام يمكنه أن يرد عليها ببساطة بل ويكذب ادعاءاتها التي سبق وذكرتها بخصوص مكة وتجارتها قبل الإسلام.
فقد عرفت الجزيرة العربية قبل الإسلام العديد من أنواع النقود وتبادلت العملات المتنوعة خلال رحلات قريش للشام واليمن فكانت تحصل على النقود الحميرية من اليمن والنقود البيزنطية من الشام وكانت ترد إليها أيضا النقود الساسانية من العراق.
وحين جاء الإسلام أقر النبي التعامل بهذه النقود ولم يقم بسك عملات جديدة وسار أبو بكر الصديق على نهجه حتى جاء عمر بن الخطاب فقام بعدة إصلاحات نقدية كتوحيد أوزان العملات وإضافة كلمات عربية ، أما أول من نقش اسمه على السكة فكان معاوية وكان ينقشها باللغة الفهلوية ولم يتم تعريب وسك النقود على الطراز الإسلامي إلا في عهد عبد الملك بن مروان.
ومن تتبع هذه الحقائق الثابتة تاريخيا كيف يسوغ القول بالتشكيك في وجود النبي لعدم نقش اسمه على العملة الإسلامية، وهي التي لم تسك إلا في العقد السابع بعد الهجرة؟، أي لم توجد نقود إسلامية في عهد النبي حتى ينقش عليها اسمه.
وتستمر المستشرقة كرون في المغالطات لتؤكد على تناقض القرآن وخطأ المؤرخين في تحديد مكان مكة فها هو القرآن يخبر المشركين في سورة الصافات عن قوم لوط "وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ" ومن المعروف أن قوم لوط كانوا بمنطقة البحر الميت فكيف يمكن لساكني مكة أن يمروا على هذه الديار في الصباح والمساء إلا إذا كانت مكة نفسها تقع على البحر الميت؟
وفي إجماع المفسرين على أن هذا المرور الذي ذكرته الآيات ليس مرورا يوميا بل في أسفارهم نهارا وليلا وقال قَتَادَة في تفسير الآية "نَعَمْ وَاَللَّه صَبَاحًا وَمَسَاء يَطَئُونَهَا وَطْئًا , مَنْ أَخَذَ مِنْ الْمَدِينَة إِلَى الشَّام , أَخَذَ عَلَى سَدُوم قَرْيَة قَوْم لُوط" ، وفي هذا التفسير دلالة ليس فقط على موضع مكة بل وتأكيد على عالمية تجارتها التي تنفيها كرون.
نشأة الإسلام
اشتركت كرون مع جوناثان بيركي في تأليف كتاب بعنوان "تشكيل الإسلام" قاما فيه بالبحث في تاريخ الشرق الأدنى خلال الأعوام 600 :1800م بدراسة المشهد الديني قبل الإسلام ثم في صدر الإسلام مرورا بالدولة الأموية والعباسية ليؤكدا على أن الإسلام لم يظهر ويتشكل مرة واحدة بل كان تشكيله جزءا من عملية تدريجية طويلة تطورت فيها التشريعات الدينية، وأن أهم سمات الإسلام اكتسبها في فترة العصور الوسطى.
وبنفس الطريقة اشتركت مع تشيس روبنسون في كتاب "التأريخ الإسلامي" ليبحثا في كيف فهم المسلمين ماضيهم وكيف كانوا يكتبون التاريخ وأهم مشاكل الكتابة التاريخية العربية الإسلامية وتوظيف المسلمين للتاريخ سياسيا واجتماعيا منذ القرن الثامن حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي، ولا يخفى ما في هذين الكتابين من إشارات خفية لزيف التاريخ الإسلامي ومصادره باعتبار أنه من اختراع المسلمين أنفسهم.
ففي مقال لها على موقع " أوبن ديموكراسي " بعنوان "الجهاد: الفكرة والتاريخ" قدمت دراسة من أربعة أجزاء تناولت فيها مفهوم الجهاد الإسلامي من حيث نشأته، معتبرة أن نشأة الجهاد في الإسلام ارتبطت به منذ البداية من خلال نوعين من الحروب: ما أسمته بالحروب التبشيرية والتي تعني اتباع الدولة الإسلامية لسياسة العنف الحربي لنشر الدين الإسلامي في أرجاء العالم حيث انتشرت الجيوش لفرض الإسلام في كل مكان.
والنوع الثاني ما كان موجها للكفار الذين رفضوا الإسلام فهؤلاء يُقابلون بالعنف والقتل فيما عدا أهل الذمة في حالة قبولهم بدفع الجزية، أما لو رفضوا فإنهم يقابلون بالقتل أيضا.
وتسوق كرون مقارنة غريبة بين التبشير الإسلامي كما أسمته وبين التبشير المسيحي؛ إذ إن المبشرين المسيحيين انطلقوا مع الجيوش الغربية لغزو الدول الإسلامية كمبشرين سلميين ومدنيين لا كجنود، بينما الجنود المسلمون (الفاتحون) هم في الوقت نفسه مبشرون (دعاة).
هذا هو الفرق بين الإسلام والمسيحية، حيث الخلط بين الجهاد والدعوة في الإسلام لتصل إلى الادعاء بأن الإسلام هو دين عنف لا سلم، وينشر دعوته بالسيف لأن دعاته هم جنوده، كما تدعي أن الحروب الصليبية تتباين عن حروب الإسلام في أن الأولى لم تكن حروبا توسعية أو لتنصير المسلمين بل كانت فقط لاستعادة الأراضي المقدسة.
وتحاول كرون دائما إقناع القارئ أن تشريع الجهاد في الإسلام مر بمرحلتين متباينتين: الأولى فترة الضعف في مكة حيث لم يشرع الجهاد، والثانية فترة القوة بالمدينة؛ لذا تطرح سؤالا متكررا على ألسنة المستشرقين: هل الإسلام انتشر بحد السيف؟ لتجيب بلا تردد وبقوة: نعم. فالإسلام يريد جر الناس للجنة بالسلاسل على حد قولها! ثم يزعم أنه دين عالمي.
وتأتي بأقوال منسوبة لمجهولين دون أن تفصح عن مصادرها لتؤكد أن كثيرا من الفلاسفة شككوا في صحة الإسلام حيث قالوا إن كان الإسلام دينا بالفعل ونبيه المزعوم نبيا بحق لم يكن لينشر هذا الدين بالسيف؛ لأن الأنبياء لا يبعثون بالسيف بل بالرحمة.
تمضي باتريشيا في ادعاءاتها لتصل إلى أن الزمان دار دورته وعاد المسلمون اليوم سيرتهم الأولى من الضعف بعد فقدانهم السيادة الإسلامية على كثير من الأراضي مثل الأندلس وهنا ينقسم الفقهاء إلى فريقين: فريق أسمته الأصوليين أو المتشددين الذين يرون الجهاد ضرورة من أجل استعادة الأراضي السليبة وحتى يدخل الجميع في الإسلام، وفريق يرى أن يعود المسلمون كما كانوا في مكة فيستسلمون لحكم الكفار وإن كان ولا بد من المقاومة فليهاجروا إلى مكان آخر حتى يصبحوا في موضع قوة مرة أخرى فيعودوا لنشر الإسلام.
هذه الادعاءات جميعها من قبل كرون لا أساس لها من الصحة وتفتقر للعلمية فهي تارة تعتمد على مصادر مجهولة وأقوال منسوبة لمجهولين لتأكيد ادعاءاتها، وتارة تجتزئ النصوص القرآنية لتتوافق مع آرائها وتصوغ الحجج والدلائل من مصادر غير إسلامية لتعضيد فكرتها وتتجاهل النصوص والمصادر التي تتناقض مع رؤيتها.
فتشريع الجهاد جاء متدرجا على نمط كثير من الأحكام كتحريم الخمر والربا وغيرها فكانت سنة التدرج في الأحكام من سمات التشريع الإسلامي وليس ارتباطا بضعف المسلمين أو قوتهم، وهناك الكثير من المستشرقين المنصفين الذين فندوا مقولة انتشار الإسلام بالسيف وردوا على ادعاءات مماثلة ليس هذا محلها.
لا إكراه في الدين
على نفس النهج ألقت كرون محاضرة لها في جامعة فرايبورج عام 2007 حول الإكراه الديني في الإسلام ومن ثم تحولت المحاضرة إلى مقال نشر على موقع أوبن ديموكراسي في نوفمبر 2009 يحمل عنوان "لا إكراه في الدين" حاولت فيه تناول مفهوم الحرية الدينية والإكراه الديني في الإسلام من منظور تاريخي اعتمدت فيه على جهل القارئ الغربي بحقائق الإسلام، حيث ساقت العديد من البراهين التي تدلل على غياب الحرية الدينية في الإسلام سواء على مستوى النص أو الممارسة، وتنوعت هذه البراهين بين نصوص قرآنية وأدلة عقلية.
فساقت الآيات التي تخدم فكرتها حول الأمر بقتال المشركين، كما تؤكد على أن العلمانية هي الشرط الضروري لقيام تعددية دينية، وفي ظل غياب العلمانية في الإسلام تنعدم الحرية الدينية ويظل الإكراه على دخول الإسلام فقط.
وهي تعتمد في هذا المقال على نفس الأسلوب من اجتزاء للنصوص وإخراجها من سياقها، وسوق تفسيرات للآيات بلا ذكر أسماء المفسرين أو كتب التفسير التي استمدت منها هذه التفاسير، وفي نفس الوقت تتجاهل آيات كثيرة أخرى في القرآن تؤكد حقيقة الحرية الدينية وقبول التعددية الدينية في الدولة الإسلامية على مستوى النص، كما تتجاهل الحقائق التاريخية التي تؤكد وجود التعددية الدينية وتعايش غير المسلمين في الدولة الإسلامية على مستوى الممارسة.
الخلافة والحكم
قدمت كرون للمكتبة الغربية عدة كتب حول الحكم والخلافة والدولة في الإسلام ففي كتاب "الفكر السياسي الإسلامي في العصور الوسطى" تحاول إلقاء الضوء على مفهوم الخلافة والحكم والدولة والسياسة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرورا بعهد الخلفاء الراشدين ثم بني أمية ثم العباسيين، وتصف في كتابها أحداث الفتنة بعد مقتل عثمان على أنها حرب أهلية وتشبه استشهاد عثمان بإعدام تشارلز الأول أثناء الحرب الأهلية البريطانية أو لويس السادس عشر أثناء الثورة الفرنسية.
فتريد تصوير الأمر على أنه حرب أهلية دارت رحاها بين المسلمين وحاول فيها الإصلاحيون التخلص من رموز الحكم السالف، إلا أن الاختلاف بين عثمان وبين هذين الملكين أنه لم يخضع لمحاكمة رسمية كما أن قاتليه لم يشرعوا في إقامة نظام سياسي مختلف بل على العكس قاموا باختيار الخليفة الرابع من أقارب النبي وتصوير علي بن أبي طالب على أنه مناوئ لسلفه سعى لانتزاع السلطة منه ليرد الخلافة لبيت النبي.
وفي كتابها "خليفة الله" تؤصل للتفرقة بين الفكر السني والشيعي حول الخلافة من حيث إن الخليفة قد ورث السلطة السياسية والدينية عن رسول الله في الفكر الشيعي، بينما في الفكر السني للخليفة سلطة سياسية فقط ولم تورث النبوة، وتقوم كرون في هذا الكتاب بالخلط بين مصطلحي "خليفة الله" وهو عنوان الكتاب و"خليفة رسول الله" وهو ما يدور حوله موضوع الكتاب.
كما ألفت كتابيها "من القبائل العربية إلى الإمبراطورية الإسلامية: الجيش والدولة والمجتمع في الشرق الأدنى"، "العبيد على الخيول: تطور نظام الحكم الإسلامي"، وفي هذين الكتابين تشرح التطور الذي مر به العرب الذين أسلموا مع نبيهم من كونهم عبيدا وقبائل متفرقة إلى أن أصبحوا إمبراطورية كبيرة تغزو العالم على الخيول وبقوة السيف، والغريب أن كرون تعتبر هذين الكتابين مناقضين لكتابها "الهاجريون" لأن الأخير يرفض المذهب الإسلامي بينما الكتابان الآخران يتأسسان عليه.
ففي كتابها "العبيد فوق الخيول" قدمت دراسة عن ظاهرة تراجع الجند، ولماذا كان الحكام يختارون الجنود من الأرقاء والعبيد، وتوصلت إلى أن الدولة الإسلامية لم تتضح معالمها الكاملة إلا في خلافة عبد الملك بن مروان، وربما كان هناك بعض ملامح شكلية للدولة في زمن معاوية بن أبي سفيان، وما سبق على هذه الفترة لا تتوافر حوله مصادر كافية أو وثائق أساسية.
وهو ما يقود كرون لاستنتاجها أن تاريخ نشأة الإسلام لا يعتمد على وثائق ومصادر مؤكدة، بل مجرد مصادر أدبية متناقضة سواء برديات أو نقوش على النقود أو روايات قرآنية (والتي سبق القول إنها لا تعترف بها كمصدر موثوق فيه بل هي مصادر أدبية ثانوية).
كتاب آخر يحمل عنوان "القانون الروماني والإسلامي" حاولت فيه مراجعة أفكار جوزيف شاخت حول نشأة الشريعة الإسلامية ومصادرها لتخلص من دراستها أن القوانين الرومانية والتشريعات اليهودية التلمودية تمثل المصادر الأولى للشريعة الإسلامية، وخطورة هذا الاستنتاج تكمن في تأكيدها على أن نشأة الفقه في البصرة والكوفة والحجاز والشام لم تبدأ إلا في القرن الثاني الهجري، وبالتالي فإن النص القرآني أو النبوي لم ينشأ إلا في هذا القرن، وبالتالي فكل نصوص القرآن والسنة النبوية لم تدون إلا بعد وفاة النبي بزمان مما ينفي قدسيتها ويجعلها من وضع المتأخرين من علماء الكلام.
أخطاء منهجية
وعلى الرغم من إجادة كرون للغة العربية فإنها عندما تنقل الكلمات العربية إلى الحروف اللاتينية تنقلها بطريقة متقطعة بحيث تتداخل حروف الكلمات مما يحدث تغييرا في المعنى، وكثيرا ما تخلط بين حرفي B,H مما يحدث تغيرا في المبنى والمعنى لمن لا يجيد العربية، كما أنها كثيرا ما تخطئ في الإشارة إلى السور والآيات القرآنية، وهي دائمة التشكيك في المصادر الإسلامية معتبرة إياها من المصادر الأدبية الثانوية.
وكثيرا ما تحاول كرون تشتيت القارئ بالإتيان بروايات متعددة حول نفس الواقعة لتوهم القارئ أن ثمة تعارضا بين الروايات، ولكنها تتوقف عند هذا الحد ولا تمضي للخطوة التالية التي يجب على الباحث المنصف أن يتبعها ألا وهي دحض الروايات وبيان الصحيح منها والخاطئ، ولكن توقف كرون يشير إلى هدفها المتمثل في تلبيس الحقائق وتضليل القارئ دون رغبة حقيقية في كشف مدى صحة الروايات من عدمه لتصل باستنتاجاتها لرفض المصادر كلها طالما بها تناقض.
ومن الأخطاء المنهجية التي تنتشر في كتابات كرون أنها تبدأ غالب كتبها بفرضية لا تستند على أي أساس في مقدمة الكتاب إلا أنها مع صفحات الكتاب تتعامل مع هذه الفرضية على أنها حقيقة واقعة وتبني استنتاجاتها عليها على الرغم من عدم قيامها بإثبات صحة هذه الفرضية، وهي بهذا تستخف بعقول القراء الذين يعتقدون أنها ربما أثبتت افتراضاتها في مواضع أو كتابات أخرى وهي تعتمد على هذا الاعتقاد كثيرا .
ومن المعروف أن عمل المؤرخ يرتبط بتحليل الأحداث التاريخية إلا أن كرون لا تكتف بتحليل الأحداث بل تضع فرضيات تخيلية كأن تسأل ماذا لو قامت دعوة النبي في المدينة بدلا من مكة؟، ويكمن الخطأ في مثل هذه الفرضيات في أنها تقود المؤرخ لسلسلة من الافتراضات الخيالية التي لا ينبني عليها حكم.
وفي كثير من الأحيان ترفض كرون إحدى الروايات أو المصادر ثم تستشهد في موضع آخر بنفس الرواية التي سبق ونفت صحتها؛ لأن بها ما يؤيد ادعاءاتها، فعلى سبيل المثال ترفض قبول ما أسمته بالرواية التقليدية حول حياة النبي صلى الله عليه وسلم وما ذكر فيها من قيام قريش بعرض المال والملك على النبي ليكف عن دعوته، ولكنها في موضع آخر تقبلها كما هي كما لو كانت رواية صحيحة في نظرها لتستنتج أن مشركي قريش قد فهموا حقيقة ما يرنو إليه النبي من ملك وسلطة وإلا ما كانوا عرضوا عليه هذا العرض؛ لأنهم فهموا أن قبول دعوته معناها قبولهم له كحاكم لا كرجل يهتم بأمور الآخرة.
ويتضح من ذلك أن كرون بنت استنتاجها الذي توصلت إليه على استقطاع جزء من رواية سبق ونفت صحتها كليا، فلا مانع لديها من قبول الرواية التي ترفضها وتنفي صحتها طالما أن بها تأييدا لفكرتها.
وتبقى باتريشيا كرون نموذجا يمثل التيار الاستشراقي المتعصب في العصر الحديث، والتي تنتمي للمدرسة التاريخية المجاهرة بتعصبها ضد الإسلام والمعتمدة على ليِّ أعناق النصوص القرآنية واجتزائها من سياقها ورفض الاعتماد على المصادر الإسلامية، وتشويه الحقائق التاريخية بالاعتماد على مصادر غربية متحيزة لتضليل القارئ الغربي، وتشويه صورة الإسلام في إطار مغلف بثوب من البحث العلمي المحايد.

http://www.islamonline.net/ar/IOLStudies_C/1278407153881/1278406720653/IOLStudies_C