الثلاثاء، 22 نوفمبر 2005

لحظة من فضلك .... هل أعددت الزاد قبل أن تدعو إلى الله ؟

أمل خيري


- أخبرت شيخي أني نويت السفر فقال و أين الزاد ؟

- قلت لم اقصد مغادرة المكان بل هو السفر في طريق الدعوة .

- تبسم و قال اذا فأنت أولى المسافرين بالزاد الذي يمنحك القوة و الثبات و القدرة على مواصلة الطريق بلا فتور أو خواء .

و استطرد قائلا و لكنه ليس كأي زاد بل هو زاد روحي يجدد صلتك بالله و يمدك من فيض نوره فتزكو نفسك و تسمو على شواغل الدنيا و تمضي في طريق الدعوة بلا كلل أو ملل ألم تسمع معي قوله تعالى : ( و تزودوا فإن خير الزاد التقوى ).

- قلت بلى و لكن كيف السبيل للتقوى و الطريق كما تعلم طويل؟

أجاب يا بني لا تتحير فقد دلنا رب العباد على السبيل تأمل معى قوله تعالى ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم و الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) إذاً المصدر الأساسي للتزود بالتقوى هو عبادة الله.

- انفرجت أساريري و قلت أتقصد الصلاة و الصيام والزكاة و الحج و ذكر لله . الامر إذا هين و ميسور.

- قال شيخي لا تعجل فما اسهل اداء العبادات و لكن اتعتقد ان اداء العبادات على أي وجه يمدك بالزاد؟

ان العبادة لكي تؤتي اثرها في النفس لابد من فهم اسرارها و تلمس معانيها و معايشتها بالجوارح و القلب معا و لكل عبادة زادها و اثرها الذي يختلف عن العبادات الاخرى.

- استأذنت شيخي أن يبدأ بالحديث عن الصلاة و كيف يمكن أن تمد الداعية بزاد روحي يعينه على مواصلة الطريق.

صلة دائمة بين العبد و ربه:

- فقال اعلم يا بني أن الصلاة هي صلة ما بين العبد و ربه و هي مصدر متجدد للطاقة الروحية و من فضل الله تعالى ان جعلها موزعة على الليل و النهار كما انه يسرها لكل مسلم في جميع الاحوال في الصحة و المرض و السلم و الحرب و الاقامة و السفر و هي أفضل وسيلة لتهذيب النفوس و تزكية الأخلاق . يقول الشيخ الغزالي: (وفي المعراج, شرعت الصلوات الخمس, شرعت في السماء لتكون معراجا بالناس, كلما تدلت بهم شهوات النفس وأعراض الدنيا( .

- سألت شيخي : و هل هناك فوائد روحية يجنيها الداعية من صلاته؟

أجاب شيخي : تتحقق في الصلاة عدة معاني سأذكر لك بعضها.

و جُعلت قرة عيني في الصلاة :

- فقد كان الرسول صلى الله عليه و سلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة فيجد الراحة و الامن لذا كان يقول لبلال ( ارحنا بها يا بلال) كما قال : ( جُعلت قرة عيني في الصلاة( فإن الداعية إذا انصرف من صلاته، وجد خفة من نفسه، وأحس بأثقال قد وضعت عنه، فوجد نشاطاً وراحة وروحاً، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها، لأنها قرة عينه، ونعيم روحه، وجنة قلبه، ومستراحه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن ضيق حتى يدخل فيها، فيستريح بها، لا منها فالصلاة تنير القلب وتشرح الصدر، وتفرح النفس والروح، ومعلوم عند جميع الأطباء أن السعي في راحة القلب وسكونه وفرحه وزوال همّه وغمه، من أكبر الأسباب الجالبة للصحة، الدافعة للأمراض، المخففة للآلام، وذلك مجرب مشاهد محسوس في الصلاة.

العزة في طاعة الله:

- كما أن الصلاة تمد الداعية بكل معاني العزة فلا يركع و لا ينحني الا لله في اجلال و تعظيم ( الذين يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون احدا الا الله ) و في الالتزام بعدد الحركات نفسها فيه معنى الطاعة المطلقة و التسليم المطلق لله حتى لو لم نتبين الحكمة.

قيم جمالية:

و التهيؤ للصلاة بطهارة البدن و الثوب و المكان و الوضوء يربي المسلم على النظافة و النقاء و الذوق الرفيع لا سيما إذا صاحب ذلك طهارة القلب مما يشعر بالزاد الاعظم و يجعل الداعية ذا حس مرهف يأنس به المدعوون. كما جعل الشرع من شروط صحة الصلاة دخول الوقت مما يعود الداعية على الدقة في المواعيد و الحرص على الوقت.

كأنهم بنيان مرصوص:

إن تحري القبلة و التوجه إليها يعود المصلي على معرفة الاتجاهات و جغرافية المكان كما ان شعور المسلمين في انحاء الدنيا بتوجههم جميعا الى الكعبة المشرفة يربطهم بها و يقوي اواصر الأخوة. كما أنه يزيد الشعور بالمساواة في صف واحد بين يدي الله لا فرق بين غني و فقير فالكل سواء بل قد يضع الغني جبهته ساجدا لله قريبا من قدمي الفقير في الصف الذي أمامه دون حرج أو اشمئزاز.

كما أن اجتماع المسلمين على الصلاة في المسجد في الأوقات الخمسة و في الجمعة و العيدين يتيح الفرصة بين المسلمين في الحي الواحد للتعارف و التآلف و الوحدة و التعاون .

جندي في صفوف الدعوة:

فان الاستجابة لنداء الصلاة بمجرد سماع الأذان هو قمة المجاهدة مما يعود الداعية على العزيمة القوية و الارادة الماضية فيعوده على ترتيب الاولويات في مهامه الدعوية . و انتظام الصفوف في الصلاة و تسويتها و متابعة الامام و عدم سبقه او التأخر عنه و كذلك الفتح عليه إذا نسى أو اخطأ يربي الداعية على مبادئ الجندية و الطاعة و النظام مع النصح و التنبيه للخطأ برفق و لين.

المسجد نقطة انطلاقك للدعوة :

حرص المسلمين على الصلاة في المسجد يربطهم بالمسجد مما يعيد للمسجد رسالته و مكانته كما كان العهد في بداية الدعوة الإسلامية كما انه يربط الداعية بالمسجد فيجعله مألوفا للمدعوين في حيه فيتقبلون منه ما لا يتقبلون من غيره.

- سألت شيخي و ما هو السر في الوصول لهذه المعاني ؟

- أجاب : انه حضور القلب.

فهو روح الصلاة و بسببه يخشع العبد في صلاته يقول الحسن البصري ( كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع ) و قد حذر العلماء من ترك الخشوع في الصلاة فهذا بشر بن الحارث يقول ( من لم يخشع فسدت صلاته ) و ذلك لان الخشوع هو أول علامات المفلحين ( قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)

و لقد حرص السلف الصالح على الخشوع في الصلاة فقد قال ثابت البناني: ( كنت أمر بعبد الله بن الزبير وهو يصلي خلف المقام، كأنه خشبة منصوبة لا يتحرك)

و روي أن ابن الزبير كان يوماً يصلي فسقطت حية من السقف تطوقت على بطن ابنه هاشم، فصرخ النسوة وانزعج أهل المنزل، واجتمعوا على قتل الحية، فقتلوها وسَلِم الولد، فعلوا هذا كله وابن الزبير في الصلاة لم يلتفت، ولا درى بما جرى لابنه حتى سلَّم.

- قلت لشيخي و كيف السبيل لتحقيق الخشوع؟

- قال : تأمل معي ما رواه حاتم الأصم فقد سئل عن صلاته فقال: إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء, و أتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه, فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي, ثم أقوم إلى الصلاة, و أجعل الكعبة بين حاجبي, و الصراط تحت قدمي, الجنة عن يميني, و النار عن شمالي, و ملك الموت ورائي, و أظنها آخر صلاتي, ثم أقوم بين الرجاء و الخوف, و أكبر تكبيرا بتحقيق, و أقرأ قراءة بترتيل, و أركع ركوعا بتواضع, و أسجد سجودا بتخشع, و أقعد على الورك الأيسر, و أفرش ظهر قدمها, و أنصب القدم اليمنى على الإبهام, و أتبعها بإخلاص, ثم لا أدري أقبلت مني أم لا.

- برنامج عملي للتدريب على الخشوع في الصلاة:

- قلت لشيخي و لكن هذا كلام مطلق أرجو أن تدلني على الوسائل العملية.

- فقال ارجع لابن القيم حيث وضع لنا برنامجا عمليا للتدريب على الخشوع:

يقول :
*(فإنه إذا انتصب قائما بين يدي الرب تبارك وتعالى شاهد بقلبه قيوميته .
*وإذا قال: الله أكبر: شاهد كبرياءه

*وإذا قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, فقد آوى إلى ركنه الشديد واعتصم بحوله وقوته من عدوه الذي يريد أن يقطعه عن ربه ويباعده عن قربه ليكون أسوأ حالا .)
*و إذا قرأ الفاتحة استشعر انه يحاور رب العزة تبارك و تعالى يقول الأستاذ الندوي ( تأمل معي سورة الفاتحة التي هي الدرة الفريدة في المعجزات السماوية و قطعة رائعة من القطع القرآنية البيانية لو اجتمع أذكياء العالم و أدباء الأمم على أن يضعوا صيغة يتفق عليها البشر لما جاءوا بأحسن منها أو مثلها)

*و عندما تركع, استحضر عظمة الله, في الركوع, واعلم أنك بين يدي الله, راكعا بين يدي عظمته, في صحيح البخاري, أن ركوع النبي صلى الله عليه وسلم باطمئنان, فكان يسوي ظهره بالركوع ويتمه.

*وعندما تسجد "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" رواه أحمد
فالمصلي و هو يسجد يمكن جبهته من أذل الأشياء و هو تراب الأرض ليهتف بأعظم كلمة ( سبحان ربي الأعلى)

*أما جلسة التشهد فيقول الأستاذ مصطفى مشهور عنها( جلسة ربانية يعيشها المصلي مناجيا ربه مؤكدا هويته و يحدد مكانه و حزبه مع عباد الله الصالحين )

و أحب أن أختتم معك يا بني بقول الإمام حسن البنا عن الصلاة ( منزلة الصلاة من الإسلام منزلة الرأس من الجسد فهي عمادة ودعامته وركنه وشعيرته ومظهره الخالد وآيته الباقية وهي قرة العين وراحة الضمير وانس النفس وبهجة الروح....)

قلت لشيخي جزاك الله عني خيرا فلقد جعلتني أعيد النظر إلى الصلاة من منظور جديد . ولكن حدثني عن القران كزاد لي في طريق الدعوة

ضحك الشيخ وقال : لم العجلة يا بني..... انتظرني في اللقاء القادم بإذن الله.

المراجع:

1 – مصطفى مشهور،زاد على الطريق

2 – مصطفى مشهور، الحياة في محراب الصلاة

3 – ابن قدامة المقدسي،مختصر منهاج القاصدين

4 – سعيد حوى ، المستخلص في تزكية الأنفس

5 - عبدالقيوم السحيباني،أرحنا بالصلاة، دار القاسم

الأربعاء، 16 نوفمبر 2005

وقفة مع العيد .. فلنبعث روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها

إعداد : أمل خيري....
يأتي العيد فيبتهج الأطفال و يفرح لبهجتهم الكبار ومواسم الخير لا تنقطع من السماء فقد أراد الله عز وجل أن يكون العيد واحة للمسلم يجد فيها لهواً طيباً مباحاً، و عبادة متقبلة فيفرح بفضل الله ،(قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ)
و الأعياد ظاهرة إنسانية و اجتماعية عامة لا يخلو منها مجتمع و مع أن مظاهر الاحتفال بالأعياد تختلف من مجتمع لآخر و من بلد لآخر فإن للإسلام مفهوما متميزا عن غيره فما هو هذا المفهوم؟

معنى العيد :

العيد لغة من العود وهو الرجوع بعد غياب .
وتعريف العيد في لسان العرب هو: كل يوم فيه جمع.
واشتقاقه من عاد يعود وقيل اشتقاقه من العادة لأنهم اعتادوه.
و يجمع العيد عدة معاني:
* منها يوم عائد كيوم الجمعة كقوله صلى الله عليه وسلم فيه إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدا.
*ومنها الاجتماع فيه أو أعمال تجمع ذلك من العبادات أو العادات كقول ابن عباس شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
*وقد يختص العيد بمكان بعينه وقد يكون مطلقا كقوله صلى الله عليه وسلم لا تتخذوا قبري عيدا.
وكل من هذه الأمور قد يسمى عيدا .
* وقد يكون لفظ العيد اسما لمجموع اليوم والعمل فيه وهو الغالب كقول النبي صلى الله عليه وسلم دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وإن هذا عيدنا.

و يعرف مصطفى صادق الرافعي العيد بأنه ( زمن قصير ظريف ضاحك تفرضه الأديان على الناس ليكون لهم بين الحين و الحين يوم طبيعي في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها)
و في موضع آخر يصف العيد بأنه ( يوم تعم فيه الناس ألفاظ الدعاء و التهنئة مرتفعة بقوة إلهية فوق منازعات الحياة)

العيد في القرآن الكريم:

وردت كلمة العيد في القرآن الكريم في الحوار بين سيدنا عيسى وأصحابه حول المائدة التي يمنحها الله لهم، ليعيشوا الفرح في معنى الكرامة الإلهية، ولتكون مناسبة يتذكرونها ويخلّدونها مع الأجيال التي تلتزم نهجهم، وتعيش سرّ الكرامة في حركتهم، وفي قاعدتهم، ولذلك طلبوا منه أن ينـزّل الله عليهم مائدة من السماء وقالوا: ( تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا ). أي تكون عيداً يحتفل به أوّلنا الذين عاشوا الكرامة، ويحتفل به آخرنا الذين يعيشون من بركة هذه الكرامة.

العيد في السنة النبوية:
في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ((ما هذان اليومان؟)) قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر))
عيدان عند أولي النهى لا ثالث *** لهما لمن يبغي السلامة في غد
الفطر والأضحى وكل زيادة *** فيها خروج عن سبيل محمد

نظرة الإسلام للعيد:

دين يتسق مع الفطرة:

و لأن الإسلام دين واقعي فإنه وسع على المسلمين بإظهار الفرح و السرور و تبادل التهاني و الزيارات ليخرج المسلم من حياته الرتيبة ليشارك الآخرين أفراحهم ( قال محمد بن زياد : كنت مع أبي امامة الباهلي و غيره من أصحاب رسول الله فكانوا إذا رجعوا من صلاة العيد يقول بعضهم لبعض تقبل الله منا و منكم ) كما أباح الإسلام التمتع بالطيبات فيه لذا فقد حرم الله الصوم في يوم عيد الفطر و عيد الأضحى و يومين بعده (أيام التشريق أيام أكل و شرب و بعال )

مكافأة فورية فمن يستحقها؟

و تأتي أعياد المسلمين عقب عبادات كبرى فعيد الفطر يأتي عقب شهر الصوم حيث يغالب الإنسان شهواته و عيد الأضحى يأتي عقب التضحية في سبيل الله بالمال و الوقت و الجهد في رحلة الحج الشاقة فكأن الله يكافئ المسلمين براحة بعد عناء.
وبذلك يرتفع معنى العيد في وجداننا وحياتنا ليكون العيد طاعة لله ولتكون مناسبة العيد مناسبة طاعة، وعند ذلك تكون كلّ أيامنا أعياداً عندما نطيع الله في صلاتنا وعندما نطيع الله في علاقاتنا، وعندما نطيع الله في كل معاملاتنا عند ذلك يمكن أن نعيش العيد في امتداد الزمن. وهكذا لا يبقى العيد يوماً في السنة ولكنه يمتد ليكون سنةً في العمر وعمراً في الوجود كله.و كما قال الإمام علي رضي الله عنه "إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وقيامه" ويقول الحسن البصري رحمه الله: ( كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد، وكل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذكره وشكره فهو له عيد ).

هل فهمنا العيد حقا؟

يقول الرافعي نحن بحاجة إلى فهم أعيادنا فهما جديدا لكي نتنبه إلى أوصافها القوية و لتتجدد نفوسنا بمعانيها .
و يرصد الرافعي نظرة الناس الحالية للأعياد في أن أكبر عملها تجديد الثياب و تحديد الفراغ و زيادة ابتسامة على النفاق.
و يقارن بين فهم الناس للعيد و المعنى الحقيق للعيد في الإسلام:
فالعيد في الإسلام عيد الفكرة العابدة و الناس يجعلونه عيد الفكرة العابثة
و العيد في الإسلام إثبات الأمة وجودها الروحاني في أجمل معانيه و الناس يجعلونه إثبات الأمة وجودها الحيواني في أدنى معانيه
و العيد في الإسلام يوم استرواح القوة من جدها و الناس جعلوه استراحة الضعف من الذلة
و العيد في الإسلام هو يوم المبدأ و هم جعلوه يوم المادة
و في ذلك يقول مصطفى السباعي رحمه الله:مَن أراد معرفة أخلاق أمة فليراقبها في أعيادها إذ تنطلق فيها السجايا على فطرتها وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقيها.
و في العيد معان سياسية:
إن المتأمل لحكمة تشريع الأعياد في الإسلام يلمح بعض المعاني السياسية التي يغفل عنها الكثيرون و منها:
التكافل بين الشعوب:

و نعود للرافعي الذي يؤكد أن العيد ليس إلا تعليم الأمة كيف تتسع روح الجوار وتمتد، (حتى يرجع البلد العظيم وكأنه لأهله دارٌ واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي، وتظهرُ فضيلة الإخلاص مستعلنة للجميع، ويهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة، وكأنما العيد هو إطلاق روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها)

استقلال سياسي و اكتفاء ذاتي:

كما يعلمنا العيد الاعتماد على ما أنتجته أيدينا و الاستغناء عن المنتجات الأجنبية
فيقول الرافعي ( ليس العيد إلا إبراز الكتلة الاجتماعية للأمة متميزة بطابعها الشعبي، مفصولة من الأجانب، لابسة من عمل أيديها، معلنة بعيدها استقلالين في وجودها وصناعتها، ظاهرة بقوتين في إيمانها وطبيعتها، مبتهجة بفرحين في دورها وأسواقها، فكأنَّ العيد يوم يفرح الشعب كله بخصائصه) .

استشعار معاني النصر:

(وليس العيد إلا تعليم الأمة كيف توجه بقوتها حركة الزمن إلى معنى واحد كلَّما شاءت؛ فقد وضع لها الدين هذه القاعدة لتخرج عليها الأمثلة، فتجعل للوطن عيداً مالياً اقتصادياً تبتسم فيه الدراهم بعضها إلى بعض، وتخترع للصناعة عيدها، وتوجد للعلم عيده، وتبتدع للفن مجالي زينته، وبالجملة تنشيء لنفسها أياماً تعمل عمل القادة العسكريين في قيادة الشعب، يقوده كلّ يوم منها إلى معنى من معاني النصر).
و يضيف الرافعي أن هذه المعاني السياسية القوية هي التي من أجلها فُرض العيد ميراثاً دهرياً في الإسلام، ليستخرج أهل كلّ زمن من معاني زمنهم فيضيفوا إلى المثال أمثلة مما يبدعه نشاط الأمة، ويحققه خيالها، وتقتضيه مصالحها.

امة واحدة رغم الحدود:

و من المعاني السياسية للعيد استشعار الأمة الإسلامية وحدتها حتى تكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر و الحمى .
يقول الأستاذ محمد حامد أبو النصر (هل يكون فرحنا فرحًا حقيقيًّا من أعماقنا، ونحن نقرأ ونسمع عما يتعرض له إخوة لنا في الإسلام في أنحاء متفرقة من العالم من حرب وقتل وإيذاء وتعذيب وتشريد بغير ذنب، إلا أن يقولوا ربنا الله؟!
كيف لا نهتم ولا نفكر في هموم المسلمين، ورسولنا- صلى الله عليه وسلم- يقول: من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.)

العيد دعوة للعمل و استئناف المسيرة:

و الأمة الإسلامية تنطلق في مسيرتها نحو الإصلاح حتى تستشعر المعنى الحقيقي للعيد يقول
المستشار محمد المأمون الهضيبي (العيد يكون عيدًا حين يوجد الإيمان عند القادة وحكام المسلمين بضرورة تربية الفرد، وتكوين الأمة، وإعداد الأجيال على الأساس الصحيح من خلال المنهج الرباني الأصيل، ويكون عيدًا حقيقيًّا بكف دعاة العلمانية والتهريج والمرتزقة والإلحاد، وبقايا الشيوعية، عن السخرية بالإسلام وبشعائره، وإيقافهم عند حدودهم، وإن كنا نوقن بأن البحر لا يضره أبدًا أن يلقي فيه غلام بحجر، وأن الشمس لن تقف عن مسيرتها لو رماها طفل بحصاة ) وهكذا كان الإمام البنا يربي الرجال، وهكذا كان حاله وحالهم في الأعياد، بينما الناس يتنزَّهون ويستجمُّون كانوا هم في شأن آخر، يسافرون إلى أقاصي البلاد، ويعقدون المؤتمرات، ويقيمون الندوات، ويتباحثون في شئون الإسلام والمسلمين.
و لا ننسى وصية الإمام البنا للشباب حيث يقول :-

يا شباب:-
(إن عيدكم الأكبر يوم تتحرر أوطانُكم، ويَحكمُ قرآنُكم..فاذكروا في العيد ماضيَكم المجيد؛ لتتذكروا تبعاتكم، وأملكم لحاضركم، ورسالتكم لمستقبلكم، وجدِّدوا الآمال، وآمنوا، وتآخَوا، واعملوا، وترقَّبوا بعد ذلك النصرَ المبين..
ولا تنسَوا أن ثمنَ النصر تضحيةٌ وفداءٌ؛ فاحرِصوا على تقديم هذا الثمن، ولا تهِنوا بعد ذلك ولا تحزنوا؛ فأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعماكم، وما كان الله ليضيعَ إيمانكم.)
المراجع:

د/حسن أبو غدة ، مجلة الوعي الإسلامي، عدد 410
مصطفى صادق الرافعي ، وحي القلم
http://arabic.bayynat.org.lb
http://www.denana.com