وقال : قال ابن عجلان : إذا أخطأ العالم لا أدري أُصِيبَتْ مَقَاتِله . ويروي هذا الكلام عن ابن عباس .
وقال : سمعت ابن هرمز يقول : ينبغي أن يُورِث العالم جلساءه قول لا أدري ، وكان يقول في أكثر ما يُسأل عنه : لا أدري . قال عمر بن يزيد : فقلت لِمَالِك في ذلك ، فقال : يَرْجِع أهل الشام إلى شامهم ، وأهل العراق إلى عراقهم ، وأهل مصر إلى مصرهم ، ثم لعلي أرجع عما أرجع أُفْتيهم به ! قال : فأخبرتُ الليث بذلك ، فَبَكَى .
· قال أبي ليلى أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فيهم أحد يسأل عن شيء إلا أحب أن يكفيه صاحبه الفتيا وإنهم ها هنا يتوثبون على الأمور توثبا
· عن عقبة بن مسلم قال: صحبت ابن عمر أربعة وثلاثين شهراً، فكان كثيراً ما يسأل، فيقول: لا أدري، ثم يلتفت إليَّ فيقول: أتدري ما يريد هؤلاء؟. يريدون أن يجعلوا ظهورنا جسوراً على جهنم، يقولون أفتانا بهذا بن عمر!!.
· وقد قال الإمام مالك: من سئل عن مسألة فينبغي له قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة، ثم يجيب فيها.
· وقال ابن القاسم: "سمعت مالكا يقول: إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة، فما اتفق لي فيها رأي إلى الآن ".
· وسمعه ابن مهدي يقول: "ربما وردت علي المسألة، فأسهر فيها عامة ليلي ".
· قال مصعب: "وجهني أبي بمسألة -ومعي صاحبها - إلى مالك يقصها عليه، فقال: ما أحسن فيها جواباً، سلوا أهل العلم ".
· قال ابن أبي حسان: "سئل مالك عن اثنتين وعشرين مسألة، فما أجاب إلا في اثنتين بعد أن أكثر من "لا حول ولا قوة إلا بالله ".
والشأن اليوم كما قال أبو الحسين الأزدي: إن أحدهم ليفتي في المسألة لو وردت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر!
*- وجه أحد الطلبة سؤالا إلى يوسف القرضاوى : لما لا يلتقي الجميع على الرأي الذي عليه النص فأجاب الشيخ:
1- لا بد أن يكون النص صحيحا عند الجميع وأن يكون صريح الدلالة 2- يسلم من معارض مثله أو أ قوى منه
3- ان يكون من النصوص القاطعة الدلالة عند الإتيان بالدليل .
وهناك نقاش دار بين بعضهم ود. / عبد الفتاح الشيخ فقالوا (أليس لنا عقول ولهم عقول ) فرد عليهم قائلا ( لهم عقول ولكنكم ( عجول ) .وقال د/ القرضاوى (لماذا لا يحى الجميع على النص أو الرأى الذي جاء به النص).
والسؤال لماذا اختلفت الأمة؟ والاجابة في هذا الموقف:
خلا عمر رضي الله عنه ذات يوم، فجعل يحدث نفسه: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد؟ فأرسل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة - زاد سعيد: وكتابها واحد؟ - قال: فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين: إنما أنزل علينا القرآن فقرأناه، وعلمنا فيما أنزل، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن ولا يدرون فيما نزل، فيكون لكل قوم فيه رأي، فإذا كان كذلك اختلفوا.
وقال سعيد: فيكون لكل قوم فيه رأي، فإذا كان لكل قوم فيه رأي اختلفوا فإذا اختلفوا اقتتلوا! قال: فزجره عمر وانتهره عليّ.. فانصرف ابن عباس، ونظر عمر فيما قال، فعرفه. . فأرسل إليه وقال: أعد علي ما قلته، فأعاد عليه، فعرف عمر قوله وأعجبه.
حجج الفريق الرافض للمذاهب والرد عليها:
1- أن المذاهب فرقت المسلمين : وهذا الكلام مردود لأن فقه الاختلاف العلمي الذي عرف في عهد الصحابة والتابعين وأئمة الهدى لم يكن سببا للوقيعة بين المسلمين سوى في أيامنا هذه لأنها اختلافات لا تتعلق بمنطقة القطعيات وإنما بمنطقة الظنيات وتلك ينطبق عليها الحديث "من اجتهد فأصاب......)
حتى أن هؤلاء أسسوا ما يعرف بأدب الخلاف أو كما يسميه الدكتور سلمان العودة فقه الائتلاف.
ومن المعروف إن الأمور الخلافية لم تكن يوما سببا للوقيعة بين المسلمين ولكن عليك بإلقائها في بحر الشريعة ستجدها تحتمل .فلا إنكار من احد على احد في الأمور الاجتهادية طالما لاتتعرض مع أسس الخلاف المعتبر عند أهل العلم مثال إخراج الزكاة نقدا :فهذه ظروف خاصة لاتستوجب ولاتعنى الخلاف لأنها راعت لاح الفقير وهو مايحدث الآن ( إذا كثرت الحبوب وقلت النقود وكانت حاجة الفقير إلى النقود أكثر فإخراجها نقود مباح والعكس وقد رأى بعض أهل العلم في الذين يبيعون الزكاة ه بثمن بخس وشراء إغراض حرمها الإسلام مما قد يضر بمن يعول أجازوا بان تخرجها لهم (طعام جاهز ) (طبيخ مثلا) . , وهذا الخلاف لايستوجب السب أو الضرب ولا يحل اليد والسكين . فقد غير الإمام الشافعي منهجه تماما من القديم في العراق إلى الجديد في مصر بتغير الظروف والأحوال والمكان .فإذا كان من حقي إن اجتهد فلا بد إن أعطى هذا الحق للطرف الآخر وإذا أعطيته ذلك الحق فلابد من وجود الخلاف . وهناك مقولة معتبرة ( مراجعة الحق خير من التمادي في وجود الخلاف )
فهذا الخلاف ليس تناقضا في الشريعة بل تأكيدا لسموها وثراءها، فقد تركوا مدرسة شرعية فقهية على تنوع آرائها لنختار منها ما يتوائم مع كل حال وعصر ومصر . معنى ذلك أنه لا تناقض في الأحكام القطعية فالكل مجمع عليها أما الأحكام غير القطعية فيتعدد فيها وجه الصواب بتغير الزمان والمكان والحال.
أما تغير الزمان: اقتناء الإمام ابن أبي زيد القيرواني كلبا للحراسة وهو مالكي مخالفا بذلك الأثر الوارد عن مالك من كراهية ذلك فلما لامه من لامه على مخالفته لإمام مذهبه قال: لو كان مالك في زماننا لإتخذ أسدا ضاريا.
أما تغير المكان: فالفقهاء يقررون أن من أنكر الفرائض أو المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة يحكم عليه بالردة إلا أن يكون ناشئا (مقيما إقامة كدائمة) ببادية بعيدة عن أمصار الإسلام ومواطن العلم فيعذر لبداوته ويعطى فرصة ليتعلم ويتفقه.
أما تغير الحال: عقوبة شارب الخمر على عهد أبي بكر 40 جلدة وجعلها عمر 80 جلدة حين رأى الناس تمادوا في الشرب فرأى زيادة العقوبة ردعا وزجرا.
لهذا قال عمر بن عبد العزيز(تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور)
ومن ضمن ما يحسب للشيخ نصر فريد واصل أنه تبنى مسألة اعدام المغتصب وعرضت عليه حالات حكم فيها بالاعدام حتى لو تعدد الجناة.
ورحم الله ابن الوزير اليماني حين قال:
تسل عن الوفاق فربنا قد **** حكى بين الملائكة الخصاما
كذا الخضر المكرم والوجيه ـ **** المكلم إذا ألم به لمـامـا
تكدر صفو جمعهما مرارا **** وعجل صاحب السر الصراما
ففارقه الكليم كليم قلب **** وقد ثنى على الخضر الملاما
فدلَّ على اتساع الأمر فيما **** الكرام فيه خالفت الكراما
وما سبب الخلاف سوى اتساع **** الـعلوم هناك بعضا أو تماما
2- أن تباين الأحكام يوحي بتناقض الشريعة: ونرد على هذا الزعم بأن تباين الأحكام هو تباين تنوع لا تضاد ولذلك لم ينكر كل فريق على الآخر ،فاختلاف فقهاء المذاهب الإسلامية اختلاف في مسائل العمل ولا يمس الاعتقاد أو أصول الدين وفيه من الرحمة والتيسير بالأمة شئ عظيم ، كما أن هذا الاختلاف بين فقهاء الأمة يمثل ثروة تشريعية عظيمة.
ومنبع الاختلاف بين الفقهاء وأهل العلم إنما يكمن في تفاوت قدرات وملكات العقول البشرية في فهم نصوص الشريعة، واستنباط الأحكام منها ، وما من الله به على كل عالم من ملكة الفهم والاستنباط للأحكام من أدلتها، ومن قدرة على إدراك أسرار التشريع وعلل الأحكام الشرعية ، ولهذا نجد أنه لم يحدث خلاف في الأدلة القطعية التي تدل على الحكم يقينا وقطعا لقطعية ثبوتها ودلالتها على الأحكام كالقرآن والسنة المتواترة والمشهورة والإجماع، وإنما يقع الاختلاف في المسائل التي لم يرد بشأنها نص قاطع في الدلالة على الحكم.
والرواية التالية تدلل أكثر على هذا التنوع:
ما جاء عن عبدالله بن أبي قيس قال: سألت عائشة عن وتر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - كيف كان يُوتر: من أول الليل، أو من آخره؟ فقالت: كلُ ذلك قد كان يصنع، ربما أوتر من أول الليل، وربما أوتر من آخره. فقال: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.
فقلت: كيف كانت قراءته، أكان يُسر بالقراءة أم يجهر ؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، قد كان ربما أسر، وربما جهر، قال: فقلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.
قلت: فكيف كان يصنع في الجنابة ؟ أكان يغتسل قبل أن ينام، أو ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، فربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام. قلت الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.
التيار الثاني تيار التكفيريين :
وهم شرذمة قليلة من المتنطعين المتجرئين على الفتيا وتعاني منهم المجتمعات الإسلامية اليوم ويمارسون إرهابا فكريا على المسلمين ويتساهلون في إطلاق شعارات الكفر على من يخالفهم ويستحلون الدماء والأموال بل هناك من اعتبر ديار الإسلام كلها ديار كفر وأن مقاتلة الحكومات أولى من مقاتلة الكفار.
أسباب وقوعهم في التكفير :
1- إساءة فهم المصطلحات الكثيرة التي جاءت في الشرع ومنها مصطلح الكفر نفسه فمثلا حديث :
( لايزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن .....) فهذا ليس دليل كفر يخرج من الملة . ويمكن الرد عليهم بما يلي : لماذا تعددت العقوبات على جرائم الزنا والقتل والسرقة ) مع أن ارتكاب هذه الجرائم لاتخرج من الملة بالإجماع بديل انه لايعطى حكم المرتد من يفعل هذه المعاصي . وهناك دليل آخر أن الرسول صلى الله عليه وسلم(نهى عن لعن من يشرب الخمر)،فقد لعنه الصحابة فقال لاتلعنوه فاني اعلم انه يحب الله ورسوله ( وكانت هذه في شخص معين )
حديث ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ) قيل هو كفر دون كفر . كما أن قوله تعالى ( ومن لم يحكم بما انزل الله فألئك هم الكافرون ..... .....) ليس دليل كفر ولا تبديل لدين ولا مرتد ولم يعطل حدا من حدود الله والكفر هنا إطلاق مجازى يطلق على كا فه المعاصي . حديث ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب واذاوعد اخلف وإذا اؤتمن خان ) فهذا ليس المنافق الذي نزلت فيه سورة كاملة والذي قال عنه الله عز وجل ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا ) .... فهذا قياس خاطئ .
2- هذه الفئة عملت على تذويب الفوارق بين الأحكام ومراتبها في الدين .
فليس الكفر كالمعاصي وان كانت كبائر كما ان الكبائر ليست كالصغائر وليست الصغائر كالمشتبه فيه ةلا المتروك تحريما كالمتروك تنزيلا ويدل على ذلك قوله تعالى : ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ان ربك واسع المغفرة ) . وزعيم هذه الجماعة شكري مصطفى الذي وضع عدة مبادئ:
1- تكفير أمة الإسلام حكاما -لأنهم لا يحكمون بما أنزل الله- ومحكومين -لأنهم رضوا بذلك- وعلماء –لأنهم لم يكفروا هؤلاء ولا هؤلاء- ومن لم يكفر الكافر فهو كافر، وتكفير كل من ارتكب كبيرة وأصر عليها.
2- اعتبار العصور الإسلامية بعد القرن الرابع كلها عصور كفر لتقديسها لصنم التقليد المعبود من دون الله.
3- الطاعة العمياء للأمير بمقتضى عقد البيعة (من مات ولي في عنقة بيعة مات ميتة جاهلية)
4- يتعين اعتزال المجتمعات القائمة والانسحاب منها إلى الجبال والكهوف فتركوا الوظائف الحكومية والمدارس والجامعات ولا يصلون في المسجد إلا إذا كان الامام منهم.
5- إذا دخل العدو البلاد فلا يجوز المشاركة في الدفاع عن البلد لأنها بلد كفار بل منهم –فرقة الجهاد-من يرى أن قتال الحكام أولى من قتال اليهود وتحرير القدس.
وللرد عليهم:
1- هم يتناسون أنهم ينزعون سلطان الله لأنهم يحكمون على العقيدة والضمير يقول ابن القيم:
الكفر حق الله ثم رسوله بالنص يثبت لا بقول فلا
من كان رب العالمين وعبده قد كفراه فذاك ذو الكفران
2- في خلافة علي حينما خرج عليه الخوارج فسئل عنهم هل هم كفال؟ فقال: من الكفر فروا، فقيل :أمنافقون؟ فقال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا. فقيل له فما هم؟ فقال إخواننا بغوا علينا.
3- أنهم جعلوا المعاصي نواقض للإسلام مع أنه قد انعقدت كلمة الأئمة على أنه لا يكفر أصحاب المعاصي والكبائر إلا إذا استحلوها. يقول ابن حنبل (ويخرج الرجل من الايمان إلى اإسلام ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم أو يرد فريضة من فرائض الله جاحدا بها فإن تركها تكاسلا أو تهاونا كان في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه)
يقول حافظ حكمي:
ولا نكفر بالمعاصي مؤمنا إلا مع استحلاله لما جنى
وتقبل التوبة قبل الغرغرة كما جاء في الشرعة المطهرة
4- أن القاعدة المعروفة في الفقه أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر والله يتولى السرائر (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم له ذمة الله وذمة رسوله) ، لهذا أنكر النبي على أسامة حين قتل الرجل في المعركة بعد أن نطق بالشهادتين فقال (قتلت رجلا يقول لا إله إلا الله كيف أنت إذا خاصمك يوم القيامة بلا إله إلا الله؟! فقال أسامة: يارسول الله إنما تعوذ من القتل ، فقال له الرسول: هلا شققت عن قلبه حتي تعلم اقالها خوفا أم لا وظل النبي يردد امامه وهو حزين أقتلت رجلا يقول لا إله إلا الله حتي قال اسامة: وددت أني لم أكن اسلمت إلا يومئذ ثم استغفرله المصطفى ـ صلي الله عليه وسلم ــ وأمره بعتق رقبة.
5- أما بخصوص تكفير الحكام فقد نهى الحديث عن الخروج على الأئمة (إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان) فلا يبيح الإسلام الخروج على الحاكم المسلم وقتله ما دام مقيما على الإسلام ويعمل به وإذا خالف يتولوه بالنصح (الدين النصيحة)، أما آيات سورة المائدة فيقصد بها من لم يحكم بشيء مما أنزل الله ابتداء وقال ابن عباس في هذه الآيات (ليس بكفر ينقل عن الملة).
وأنصار المدرسة التكفيرية يمثلون نماذج تافهة لا علاقة لها بالدراسات الاسلامية والفتوى علما وخلقا:
فمن الناحية العلمية هم ليسوا أهل تخصص ويتساهلون في الفتوى.
ومن الناحية الخلقية هم أصحاب تدين سطحي مزيف (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم) ، وربما هذا ما جعل أحد العلماء حين وقع في يد بعض الخوارج فسألوه عن هويته فقال مشرك مستجير يريد أن يسمع كلام الله فقالوا حق علينا أن نجيرك ولو قال لهم مسلم لقطعوا رأسه، يقول ابو بكر (لو لم أجد للسارق والزاني وشارب الخمر إلا ثوبي لأحببت أن أستره به)
التيار الثالث : تيار القرآنيين:
ظهروا في العصور المتأخرة رفضوا السنة تماما وزعموا الالتزام بالقرآن فقط ففيه الكفاية وإذا استشهدوا بالسنة فمن باب إثبات زيفها وتعارضها مع القرآن ،فيعتقدون بعدم جواز أن ينسب حديث للنبي فيما يعرف بالسنة أو ينسب قولا لله تعالى عبر الأكذوبة المسماة بالحديث القدسي ويتجرأون بأقوال تجاوزت كل الحدود على سلفنا الصالح مثل:عفن التراث ، السلف غير الصالح......
من أقوالهم (أما بالنسبة لمن ماتوا من أئمة التراث ......هنا لا بد ـ فى نصرة الاسلام المظلوم ـ من توضيح عدائهم للاسلام بالأدلة القرآنية وبما كتبوه بأيديهم وفى تراثهم.......أولئك كذبوا على الله تعالى وعلى رسوله فيما يسمى بالسنة والحديث، وتلاعبوا بالكتاب العزيز فيما يعرف بالتفسير والتأويل وقاموا بحذف أحكامه بزعم النسخ ، وكتبوا أقاويل تطعن فى معظم سور القرآن وتشكك فيه تحت اسم ( علوم القرآن ).
هذا الصنف مكذب بالقرآن لأن الله تعالى يقول "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"
ناهيك عن تناقضهم مع أنفسهم في تطبيق الآيات فكيف ينفذون أوامر الله بالصلاة والصيام والحج وكل ذلك في حال الاستغناء عن السنة التفصيلية التي أوضحت تلك الأحكام؟
المدرسة الثالثة: المدرسة التبريرية (الحداثة- التنويرية التقريبية):
وتسمى بالمدرسة التنويرية التقريبية على اعتبار أنها ترمي إلى تقريب الاقتصاد الاسلامي من الاقتصاديات الوضعية وليس العكس وتنقسم هذه المدرسة إلى تيارين:
التيار الأول : العلمانيين اللادينيين (يضربون في الأحكام)
تعرف العلمانية Secularism - وترجمتها الصحيحة اللادينية أو الدنيوية- بأنها دعوة إلى إقامة الحياةعلى العلم الوضعي والعقل ومراعاة المصلحة بعيداً عن الدين وتعني في جانبها السياسيبالذات اللا دينية في الحكم ، وهياصطلاح لا صلة له بكلمه العلم وقد ظهرت في أوربا منذ القرن السابع عشر وانتقلت إلىالشرق في بداية القرن التاسع عشر وانتقلت بشكل أساسي إلى مصر وتركيا وإيران ولبنانوسوريا ثم تونس ولحقتها العراق في نهاية القرن التاسع عشر . أما بقية الدول العربيةفقد انتقلت إليها في القرن العشرين ،وقد اختيرت كلمه علمانية لأنها اقل إثارة منكلمه لادينية.
ومدلول العلمانية المتفق عليه يعني عزل الدين عن الدولة وحياةالمجتمع وإبقاءه حبيساً في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه وبين ربه فانسمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاةونحوهما.
تتفق العلمانية مع الديانة النصرانية في فصل الدين عن الدولة حيثلقيصر سلطة الدولة ولله سلطة الكنيسة وهذا واضح فيما ينسب للسيد المسيح من قوله(أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله ) . أما الاسلام فلا يعرف هذه الثنائية والمسلم كلهلله وحياته كلها لله ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)، من اشهر دعاة العلمانية في العالم العربي الإسلامي : احمد لطفي السيد ، إسماعيلمظهر ، قاسم امين ، طه حسين ، عبد العزيز فهمي ، ميشيل عفلق ،أنطوان سعادة ،سوكارنو ، سوهارتو ، نهرو، مصطفى كمال اتاتورك.
يغلب على أنصار هذه المدرسة التغريب عن مجتمعهم، والتأثر بالأنماط الغربية وبأفكار المستشرقين , إلى درجة نبذ الأحكام الشرعية، واستبدالها بالنظم الوضعية، بدعوى مواكبة المعاصرة والحداثة، حتى تتقدم الأمة صناعيًا وماديًا، لا روحيًا وخلقيًا، وهذا باب واسع للتفلت من أحكام الشريعة , من خلال آراء محشوة سما وضلالا وخطا ، على الرغم من رفض قادة ومفكرين نصارى للتبعية والذوبان في النموذج العلماني الغربي مفضلين عليه النموذج الإسلامي مثل مكرم عبيد "نحن مسلمون وطنا ونصارى دينا".
ومن أقوال العلمانيين المنحرفة:
· أن النص القرآني ليس وحيًا من الله، وإنما هو منتج ثقافي مستمد من البيئة، لا فارق بينه وبين الشعر الجاهلي أو المعلقات إلا في المدة التي تكون فيها (نصر حامد أبو زيد).
· أن النص القرآني نصاً أدبيًا، يعامل كأي نص أدبي بحيث يمكن تأويله، والاقتباس منه دون الإلتزام بحرفية النصوص القرآنية.
· أن النص القرآني مثل البقالية ( السوبر ماركت ) يمكن للمجتهد أن ينتقى منه ما يشاء من دون الالتزام بحرفية النصوص القرآنية , لان هناك كثيرا من الآيات القرآنية بينها تناقض وخاصة ما يتعلق بالتسامح والدعوة !
· السخرية من الأسماء الحسنى لله تعالى بوصف أسماء المهيمن والجبار والمتكبر بأنها أسماء تدل على الديكتاتورية للذات الإلهية !, وانه يجب حذف تلك الأسماء . ( حاشا لله)
· حمل آية السارق على أن المراد بها مكافئة السارق وإعطاؤه شيئا مما سرق وليس قطع يداه ! كما يقول اقطعوا لسان الشاعر الفلاني اى أعطوه مالا أو أن الحد لا يطبق على السارق إلا إذا تكررت منه السرقة !
· اعتبار الحجاب عادة عصرية ! على أساس اختلاف العلماء في فرضيته مما يعنى أن فيه سعة بحيث يصبح عادة أو موضة ! ( اقبال بركة –أمينة السعيد) ، وقد خلطوا بذلك بين اختلاف الفقهاء على درجات الحجاب وليس على فرضيته فكلهم أوجبوه .
· عدم فهمهم للفرق بين العلة والحكمة فأخذوا الحكمة وجعلوها علة ثم بنوا عليها الإحكام الشرعية ., فمن أحكامهم الغريبة أن الخنزير إذا قضى على الدودة الشريطية فيه فهو حلال !, والزنا إن لم ينتج عنه اختلاط الأنساب فهو حلال ! والخمر إن تمكن الطب من تفادى ما يسببه من قرحة في المعدة فهو حلال !, مع أن العلة تدور مع الحكم وجودا وعدما أما الحكمة التي تمثل الغاية من التحريم فقد يفطن الإنسان إليها وقد تكون خفية ,. فالعلة من تحريم الخمر الاسكار . أما الحكمة من تحريمه فما يسببه من قرحة وكذلك الزنا ولحم الخنزير فعلة الحرمة تعبدية .
· أجاز بعض الاقتصاديون منهم الفائدة المصرفية لأنها ليست ربا وإنما هي ثمن أو مقابل مشروع للتضخم !. أي أنها تعويض مشروع عن فارق سعر العملة نتيجة التضخم بين وقت الإقراض ووقت السداد وهذا مناف للواقع . لان البنوك تنص على نسبة الفائدة بغض النظر عن ارتفاع أو ثبات أو انخفاض قيمة النقود لهذا يجب سدادها حتى ولو تزايدت قيمة النقود , والربا والفائدة واحد وهو الزيادة في العوض من غير مقابل فهي من وجهة نظر إسلامية اقتضاء التعويض ممن لم يتسبب فيه .
فهذه الآراء المنحرفة غير المنضبطة بالقواعد الشرعية، والتي يرددها هؤلاء القوم من سفاحي الثقافة ومنحلي الفكر، لا يراد بها الخير للأمة كما يروجون، وإنما تهدف إلى تصفية الشريعة تحت ستار التجديد المزعوم من قوم هزموا نفسيًا أمام الحضارة الغربية، يستميتون عن جهل أو عمد في تبرير الواقع المفروض على الأمة الإسلامية للتحلل من أحكام الشريعة، مدعين أن ذلك «فقه الواقع»، الهدف منه مسايرة الواقع ومحاولة إضفاء الشرعية عليه، بحجة تسهيل الأحكام الشرعية على الناس وتيسيرها.
ولهؤلاء نقدم لهم بعض الأقوال:
إن كان رافضًا حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي
وقال آخر: "اللهم إن كان التمسك بالكتاب والسنة رجعيًا؛ فأحيني رجعيًا، وأمتني رجعيًا، وأحشرني في زمرة الرجعيين"
وقال الشاعر:
وليس يصح في الأفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
هؤلاء يتعمدون الخلط بين العلة والحكمة، فإذا كان تحريم الخمر والخنزير والزنا يرجع إلى علة، فإنها تزول بزوال هذه العلة، إي يحل أكل الخنزير إذا تم القضاء على الدودة الشريطية، وإذا أمكن منع عدم اختلاط الأنساب من العلاقات غير الشرعية، فالزنا حلال، وإن تمكن العلم الحديث من تفادي آثار الخمر السيئة على الجسم، وعدم تسبب الخمر لقرحة المعدة، فأنها في هذه الحالة تصبح حلال.
وللأسف الشديد، إننا نجد هؤلاء من أصحاب الفكر عندما يصلون إلى مركز مرموق، فأنهم يستغلون منصبهم في دعم أفكارهم ومعتقداتهم، وفي الجانب الآخر، نجد أن أصحاب الحق من المسلمين الذين يتسمون بالوسطية والعقلانية، لا يستفيدون من مراكزهم تورعًا.
ومن أكثر الأمثلة على استغلال المراكز والمناصب لتغيير الأوضاع من أجل المبادئ التي يتبناها أصحاب هذه المراكز ما قام به أتتاتورك في تركيا، مدعوماً بكل من القوى الغربية، والمؤسسة العسكرية التركية، حيث قام بالتالي:
- إلغاء النص الدستوري بأن الإسلام دين الدولة
- عدم إذاعة القرآن الكريم في وسائل الإعلام.
- جعل حروف الكتابة لاتينية بدلاً من الحروف العربية.
- جعل القوانين أوربية روحًا، ولحمًا، وعظماً.
- ساوى بين المرأة والرجل، وأعطى لها حق الزواج بغير ديانتها.
- منع المرأة من إرتداء الحجاب واستبدلها بالقبعة الأوربيو.
مثل هؤلاء يجعلون الخواجة يرتدي عمامة الشيخ المسلم، ويحاولون إيجاد المبررات المتعددة لنشر أفكارهم، بما تقبله العقول المسلمة، ومثال لذلك: أنه لا يوجد تنمية بلا اقتصاد، وليس هناك اقتصاد بدون بنوك، والبنوك لا وجود لها بدون فوائد، إذن فقد قامت الضرورة الاقتصادية على حل التعامل بالفوائد الربوية.
هؤلاء يريدون نسف كل قديم، حتى قال عنهم الرافعي: "يريدون أن يغيروا الدين، واللغة، والشمس، والقمر".
التيار الثاني : الالحاديون-الماركسيون (يضربون في العقيدة)
الإلحاد Atheism مذهب فكري فلسفي يقوم على فكرة(عدمية)أساسها إنكاروجود الله الخالق!!والميل بنصوص الكتاب والسنة عن الحق الثابت لها كتعطيل أسماء الله وصفاتهوغير ذلك.
هؤلاء يرفضون كل الأديان، وعلى رأسهم الإسلام، إلا أن لديهم دقة في العبارة، وقدرة كبيرة على العلم والمعرفة، وقدرة هائلة في استخدام الشعارات، كقولهم نريد التغيير الثوري، والتنظيم الثوري، الاشتراكية الثورية، .... واتصاف كل شيء لديهم بالثورية، كعبارة للتجديد الفكري.
وأكثر من انتقد الإفراط في الشعارات الرئيس السوفيتي السابق خرشوف، فقال: "إن الشعوب إذا لم نعدهم بغير هذه الشعارات فسيحكون رؤسهم، ويقولون فلتذهب الشعارات إلى الجحيم، أليس من الأفضل أن نطعم الجولاش بدلاً من هذه الشعارات".
والمثل يقول: إن كنت تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، فإنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت.
من أهم أفكارهم ومعتقداتهم:
·إنكار وجود الله سبحانه ، الخالق البارئ ، المصور ، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .
·إن الكون والإنسان والحيوان والنبات وجد صدفة وسينتهي كما بدأ ولا توجد حياة بعد الموت .
·أن المادة أزلية أبدية وهي الخالق والمخلوق في نفس الوقت .
·النظرة الغائية للكون والمفاهيم الأخلاقية تعيق تقدم العلم .
·إنكار معجزات الأنبياء لأن تلك المعجزات لا يقبلها العلم ، كما يزعمون . ومن العجب أن الملحدين الماديين يقبلون معجزات الطفرة الوحيدة التي تقول بها الداروينية ولا سند لها إلا الهوس والخيال .
·عدم الاعتراف بالمفاهيم الأخلاقية ولا بالحق والعدل ولا بالأهداف السامية ، ولا بالروح والجمال .
·ينظر الملاحدة للتاريخ باعتباره صورة للجرائم والحماقة وخيبة الأمل وقصته لا تعني شيئاً .
·المعرفة الدينية ، في رأي الملاحدة ، تختلف اختلافاً جذرياً وكلياً عن المعرفة بمعناها العقلي أو العلمي !!
·الإنسان مادة تنطبق عليه قوانين الطبيعة التي اكتشفتها العلوم كما تنطبق على غيره من الأشياء المادية .
·الحاجات هي التي تحدد الأفكار ، وليست الأفكار هي التي تحدد الحاجات .
·نظريات ماركس في الاقتصاد والتفسير المادي للتاريخ ونظرية فرويد في علم النفس ونظرية دارون في أصل الأنواع ونظرية دوركهايم في علم الاجتماع من أهم أسس الإلحاد في العالم .. وجميع هذه النظريات هي مما أثبت العلماء أنها حدس وخيالات وأوهام شخصية ولا صلة لها بالعلم .
أما أصحاب الماركسية من المؤيدين في الشرق الأوسط، فيطلقون عليها شعارات الإسلام اليساري، أو اشتراكية الرسول، أو اشتراكية أبو ذر، أو اشتراكية عمر، كوسيلة لإضفاء الشرعية الإسلامية على هذه الأفكار المدسوسة، وقد تناسوا أن هذه الاشتراكية وافد جديد على الإسلام، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، قد أتوا قبل هذا الوافد، الغير مرحب به، فكيف ينسب للقديم ما أتى به الحديث؟!.
هؤلاء قوم تهكموا في تجمعهم على الإسلام، واعتدوا على المولى عز وجل، فتذكر إحدى الروايات أن مدرس من هؤلاء السفهاء، اجتمع مع تلاميذهم، فقال لهم: هل ترون الله، فقالو: لا، ثم سألهم: هل تحسون الله، فأجابوا بالنفي ... حتى قام تلميذ منهم، وقال: هل تروا عقل الأستاذ؟، فأجابوا جميعًا: لا، فقال: إذن عقل الإستاذ غير موجود.
ويرى شكيب أرسلان: "إنما ضاع الدين بين جامد وجاحد، ذلك ينفر الناس منه بجموده، وهذا يضلهم منه بجحوده".
وينتشر الآن الملحدون العرب على شبكة الانترنت من خلال عدة منابر ومنتديات كشبكة اللادينيين العرب وشبكة الإلحاد وغيرها يحاولون إستمالة الشباب العربي المسلم ويطعنون في الدين والنصوص الثابتة وكثير من الشباب المتحمس للإسلام ارتاد مثل هذه الشبكات بدافع الرد على هؤلاء وإذا به يتأثر بأفكارهم ويتحول عن دينه.
وهؤلاء معالجتهم بالفكر، حيث لا يفل القلم إلا القلم، ولا يقاوم الشبه إلا الحجة، ولا يعارض كلام اللسان، بكلم السنان.
ولكن يتصدى لذلك رجال العلم المتخصصين لا الشباب المتهور سطحي الثقافة.
*من محاضرة للدكتور عبد الباسط وفا ألقاها على طلاب تمهيدي ماجستير قسم الاقتصاد بمعهد الدراسات الإسلامية