الثلاثاء، 18 أكتوبر 2005

البيت أم الدعوة الاختيار الصعب

تحقيق : أمل خيري.....
يقول الله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...) وهذا دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المرأة كوجوبه على الرجال، حيث وجدت الاستطاعة .
و لكن بعض الداعيات من المتزوجات تظن بأن الدعوة إلى الله يجب أن تأخذ كل وقتها وكل جهدها فتخرج من بيتها صباحاً للدعوة إلى الله بمحاضرة أو عمل دعوي فتعود إلى بيتها وقد استهلكت قواها وأصبحت متعبه نفسياً وجسدياً وغير قادرة على بذل أي مجهود آخر. فكيف تسعى لراحة زوجها وهي من يفتقد هذه الراحة في ظل خروجها من منزلها ، و كيف تهتم بأبناءها و هي مستنفذة الطاقة؟
و على النقيض نجد الداعية التي تتزوج فتقعد عن العمل الدعوي و تتنصل من أي مهام أو تكليفات و تتفرغ تماما للبيت .
هل خمد البركان؟

تقول نهى محمد قبل الزواج كنت شعلة لا تهدأ بين دروس العلم و حلقات التحفيظ و زيارة دور الأيتام و الزيارات التي لا تنتهي بهدف الدعوة الفردية و صلة الرحم و لكن للأسف بعد الزواج و في ظل وجود الأولاد لا يتبقى لدي دقيقة واحدة للدعوة خارج المنزل فالبيت أولى و أهم.
أما منال علي فتقول حتى بعد الزواج فمازلت أؤدي نفس الأدوار الدعوية و لكن هذا يكون على حساب الإهمال في حق الزوج و الأولاد فأشعر كثيرا أني مقصرة تجاههم.
و تختلف مروة محمود معهما حيث ترى وجوب التوازن بين البيت و الدعوة مع الأخذ في الاعتبار أن كل مرحلة لها أولوياتها و متطلباتها حسب ظروف الداعية.
و تضيف أن هذا التوازن صعب و لكنه مهم و تنجح فيه من تقدر الوقت و تحسن استغلاله.

ترشيد الدور الدعوي
وفي لقاء مع الداعية د/ سحر محمد أستاذ مساعد بطب القصر العيني أكدت على ضرورة ترشيد العمل الدعوي في حدود الأوقات مع ضرورة استغلال الداعية لطاقاتها و مواهبها أفضل استغلال حتى لا تكون طاقة مهدرة.
كما أن ممارسة العمل الدعوي لا تكون حسب الهوى فمثلا بعض الداعيات تحب الأفراح الاسلامية فتقضي كل أوقاتها في هذه الأفراح حتى لو لم يكن لها دور بحجة الدعوة.
فما ليس لك فيه دور مؤثر فلا تهدري وقتك فيه
مجالات العمل الدعوي كثيرة
و تضيف د / سحر أن الدور الأساسي للداعية تستمده من قوله تعالى : ( إني جاعل في الأرض خليفة ) و كذلك ( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ) فقد خلقنا الله على هذه الأرض و سخر لنا كل ما فيها من تربة و هواء و ماء و حيوان و زرع ..... و نحن مكلفين بإصلاح و رعاية كل ذلك و أن نحسن استثماره و لا نفسده من خلال مهمتين أساسيتين:
أولا : أن نكون مصلحين.
ثانيا : أن نأخذ على يد المفسدين و الفاسدين و نردهم أيا كان المجال الذي نعمل فيه.
فقد يكون العمل الدعوي في تقويم فساد في محل عملها أيا كان تخصصها أو في ابتكار أو اختراع ينفع البشرية و الإسلام و قد يكون في الحي الذي تقيم به من حيث النظر في مشكلاته و محاولة حلها ، و قد يكون بين جيرانها أو أقربائها ، و قد يكون بالوعظ و قد يكون بتأليف الكتب و قد يكون بتحفيظ القرآن و قد يكون بالعمل الاجتماعي العام أو من خلال جمعيات حماية المستهلك أو الحفاظ على البيئة ....
فكل داعية تبحث عن المجال الذي تبدع فيه و تبتكر لتكون إما مُصلحة أو مقاومة لفساد.
و المهم هو التخصص المبني على الدراسة المتعمقة
داعية في بيتها
و تعتقد د / سحر أن أهم مجال للمرأة الداعية هو ما يؤدي للإنجاز في حياتها الخاصة من حيث اكتساب المهارات التربوية و الزوجية و الأسرية و أن تربي أبناءها التربية الإسلامية الصحيحة و تكتشف مواهبهم و تنميها و تستثمر مهاراتها هذه مع أبناء الجيران أو الأقارب .
و تؤكد أن كل ذلك يتطلب تنظيم الوقت و معرفة فقه الأولويات و تعلم فن الإدارة و منها الإدارة بالتفويض فما يمكن أن يؤديه غيرها فلا تهدر وقتها فيه كتفويض سائق لتوصيل الأولاد للمدرسة أو شراء حاجاتها بالتليفون ...... و ذلك حتى تفرغ نفسها للأعمال الأساسية التي لا يمكن تفويض أحد فيها.
و قبل كل ذلك اقتناع الزوج بأهمية دورها .
اضبطي ساعتك
في كتابه أصول الدعوة يؤكد الدكتور عبد الكريم زيدان أن الداعي المسلم يحتاج إلى تنظيم وقته فان الوقت هو الحياة و هو رأس ماله و عليه أن يجعل شعاره الحديث الشريف ( من استوى يوماه فهو مغبون )و تنظيم وقت الداعي يقوم على تقسيم يومه إلى أجزاء و تخصيص كل جزء إلى أداء ما عليه من واجبات فجزء لنفسه و جزء لأهله و جزء لعبادة ربه و جزء للدعوة إلى الله و حذار أن ينفق أوقاته فيما لا فائدة فيه فإن الواجبات أكثر من الأوقات و لأنه معرض للموت في كل لحظة فمن الحزم المبادرة إلى استغلال كل دقيقة من وقته في أداء واجب أو مستحب أو مندوب.
و يذكر روبرت بودش في كتابه ( كيف تنجز أكثر في وقت أقل ) بعض الأفكار لإدارة الوقت منها يمكن للداعية أن تستفيد منها:
1 - جهز قائمة بالمهام التي يجب إنجازها.
2 - رتب قائمتك تبعاً للأهمية.
3 - أجل المهام الغير ملحة لصالح الأكثر إلحاحاً.
4 - طور عادة تدوين خطه على الورق لإنجاز المهام.
5 - خطط لكل ساعة من عملك اليومي . حدد أوقات لمهام جدولك اليومي.

زوجي يمنعني من الدعوة
أحيانا يقوم الزوج بمنع زوجته من الدعوة فما رأي الشرع؟
يقول الشيخ سفر بن عبد الرحمن الحوالي ينبغي أن نعلم أن تكاثر الأعباء هو المشكلة التي نشتكي منها جميعا وتداخل الواجبات وما لم يكن لدينا المقدرة على ترتيب الأولويات وعلى وضع كل شيء في موضعه وإعطاء كل ذي حق حقه فإننا نكون مقصرين وإن أفلحنا في بعض الجوانب وهذا لا ينبغي وقد يكون أيضا مما يوقع في الإثم ، فزوجة مثلا تترك حق زوجها وأبنائها وتقصر فيه تأثم وإن كانت داعية ناجحة والعكس.
و يتفق معه الدكتور جاد مخلوف الأستاذ بجامعة الأزهر حيث يؤكد أن الداعية عليها أن ترتب الأولويات و أن تتفاهم مع زوجها بشأن عملها الدعوي خارج البيت فإن رفض أطاعته و قد أعطاها الإسلام مندوحة في تعدد الأعمال الدعوية التي يمكن أن تقوم بها بدون الخروج .
للبيت نصيب من الدعوة

و يتعجب الشيخ مازن عبد الكريم الفريح من ضيق مفهوم الدعوة عند بعض النساء، ويتجلى هذا الضيق في حصر مفهوم الدعوة في دائرة الوعظ في المساجد ولا شك أن هذا قصور بيّن ، فمفهوم الدعوة واسع كما هو معلوم .وعليه فالمرأة تستطيع أن تقوم بالدعوة ابتداءً من محضنها الأساسي (البيت) إلى أفسح المجالات وأوسعها، بحسب الضوابط الشرعية. ومن هذه المجالات والميادين: مدارس البنات ، ومدارس تحفيظ القرآن النسائية، والمنشآت الصحية ، وفي المساجد في الجناح الخاص بالنساء، وفي الجمعيات النسائية، وكذلك المشاركة في العمل الدعوي في وسائل الإعلام المختلفة ضمن الضوابط الشرعية المسموح بها.
و لذا على الداعية
1- أن تركز جهودها في الدعوة في داخل البيت ومن خلال تربية الأولاد والتناصح مع الزوج وحسن دعوته وتكوين البيت المسلم .
2- إقناع الزوج بضرورة حضور مجالس الذكر والالتقاء بالأخوات الصالحات .
3 - دعوة الأخوات الصالحات لزيارتها في البيت للتشاور في أمور الدعوة وطرق موضوعات إيمانية تقوي إيمانها وتزيد من حماسها .
و يضيف
إن المهمة الأساسية للمرأة في الدعوة قيامها على بيتها وأداؤها لمسئولياتها وواجباتها فيه.
ألا ترين أيتها الداعية أن حصر الدعوة في الخروج من البيت خطأ قد يؤدي بك إلى القعود عن الدعوة بالكلية .
و لا تنسي الدعاء إلي الله أن يوفقك إلى ما ينفع الإسلام و المسلمين.

المراجع:
1 – د / عبد الكريم زيدان ، أصول الدعوة
2 - روبرت بودش ، كيف تنجز أكثر في وقت أقل

الاثنين، 17 أكتوبر 2005

أعلني الحرب على الفوضى

تحقيق : أمل خيري

هل تسقط الملابس من دولابك حينما تفتحينه؟
هل ترغبين في مطالعة كتاب فتبحثين عنه في المكتبة بلا جدوى ؟
هل عند مرض أحد أفراد الأسرة تجدين أنه من الأسهل شراء الدواء بدلا من البحث عنه في الأدوية الموجودة؟
هل ينتهي مصروف البيت في أقل من أسبوع؟
إذا كانت الإجابة نعم عن أي من هذه الأسئلة فقد حان الوقت لتبدئي تنظيم حياتك.42-15536536 - Untidy Room

من المسئول؟
تقول هدى كانت أمي أثناء الدراسة لا تشركنا معها في الأعمال المنزلية حتى لا نتعطل عن المذاكرة و في الأجازة كنا نضيع أوقاتنا أمام التليفزيون أو في اللعب و التنزه و الرحلات و حينما تزوجت صدمت بكبر حجم المسئولية الملقاة على عاتقي أعود من العمل متعبة فأبدأ في إعداد الطعام فاكتشف خلو الثلاجة من الطماطم أو انتهاء صلاحية المعلبات أو عدم وجود ملح ......فأتحير و غالبا كان زوجي يعود قبل انتهاء الطعام فيجد الأطباق المكدسة في الحوض و أكوام الملابس المتسخة و الدولاب غير مرتب فيبدأ مسلسل النكد اليومي.

و إذا كان هذا هو حال الزوجة العاملة فبعض الزوجات الغير عاملات لسن بأسعد حالا فتقول منال فشلت تماما في إدارة ميزانية البيت. فالأعمال المنزلية أكثر من الأوقات المتاحة ظللت لمدة عام في بداية الزواج أستعين بأمي في إدارة الميزانية وشئون البيت و إعداد الطعام فكانت النتيجة تدخلها بعد ذلك في كل صغيرة و كبيرة حتى ضاق زوجي و كان الانفصال و أنا ألقي باللوم و التبعة على أمي التي قصرت في إعدادي لهذه المسئولية الكبيرة.

على الجانب الآخر تقول الحاجة فاطمة بدأت في تعويد أبنائي على دخول المطبخ من سن العاشرة لا أفرق بين البنين و البنات الكل تعلم الطبخ و تنظيم البيت و تنظيفه و الحياكة و التطريز من سن مبكرة و بالتالي لم أكن أحمل هما عندما أمرض أو أسافر للعمرة فشئون البيت تسير و لله الحمد و حينما تزوجت ابنتي أثناء الدراسة كان الجميع يتساءل كيف توفق ابنتك بين البيت و الزواج و الدراسة و الامتحانات؟
و قبل زواج الفتاة بعام على الأقل كنت أترك لها مصروف البيت لتدير الميزانية و تتحمل كل المسئولية عن إدارة البيت .و الأهم هو تعويد البنت من سن مبكرة على الصبر و الإيمان و القناعة فلبس الحجاب سهل و الزواج سهل و لكن الصبر على المكاره لا يستطيعه إلا القليل .AX046875 - Dirty Dishes and Food in Kitchen Sink
و تضيف الحاجة أم عادل أن إحاطة البنت بصحبة صالحة قبل و بعد الزواج يعينها على حسن إدارة بيتها حيث تتبادل معهن الخبرات المفيدة.
و تؤكد عايدة محمود على دور الأسرة الممتدة في تعليم الفتاة تنظيم و إدارة شئون البيت فالجدة و الخالة و العمة حيث تستقي منهم الفتاة الخبرات الجيدة و لكن للأسف هذه الأسر اندثرت و أصبحت الفتاة لا تتلقى إلا من والدتها التي ربما تفتقد هي الأخرى لهذه المهارات.
عنق الزجاجة

و يوضح الدكتور صلاح عبد المتعال أستاذ الاجتماع والخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن فترة بداية الحياة الزوجية تكون بمثابة عنق الزجاجة نتيجة تضارب الطباع و العادات الشخصية و إذا تنازل كل طرف عن بعض هذه العادات سينجحا في تجاوز عنق الزجاجة إلا أن عادة الفوضى لدى أحد الطرفين و خاصة الزوجة من العادات التي لا تغتفر لأن التخطيط هام جدا في كل مناحي الحياة سواء في العمل أو البيت أو شئون الدولة و آفة مجتمعاتنا العربية هي عدم اتباع المنهج العلمي في ادارة شئون الحياة و هذه نقيصة في الأمة كلها رغم أن إسلامنا هو دين التخطيط و نبينا هو القدوة في التخطيط.
و يؤكد أن التخطيط هو فن كبير يحتاج لنوع من التوعية قبل الزواج و كذلك نوع من الترشيد و المشكلة أن الشباب قبل الزواج يأخذوا القدوة من الأباء الذين غالبا ما يفتقدون لهذه المهارة و بالطبع فاقد الشئ لا يعطيه .
إضافة إلى أن هؤلاء الشباب يتناقلون التجارب الزواجية من الآخرين فيكون لديهم خلفية سلبية فتسمع الفتاة من زميلة لها أنها حاولت بشتى الطرق مع زوجها و لكنها فشلت في التفاهم معه غير مدركة أن سوء تصرفها و اهمالها هو السبب و بالطبع فإنها لا تحاول لوم نفسها بل دائما الآخر هو السبب في المشكلة.
و يكمن الحل في نظر الدكتور صلاح في أن تتسلح الفتاة قبل الزواج بهذا الفن قبل أن تدخل الحياة الزوجية كما يقع عبء كبير على المدارس و وسائل الإعلام التي يجب أن توجه الخطاب للزوجين لوضع أسس الحياة الصحيحة و كذلك الآن السماء مفتوحة سواء من الفضائيات أو الانترنت فيجب أن نأخذ منها ما يفيدنا و هناك مواقع معظمها للأسف أجنبية تقدم نصائح و تجارب عملية وواقعية تساعد الزوجة في إدارة شئون بيتها .
كما تنتشر في الغرب مراكز تدريب للزوجة و كذلك معاهد تعدها قبل الزواج لتعلم مهارة إدارة شئون الحياة و للأسف نحن في حاجة شديدة لمثل هذه المراكز و المعاهد في الدول العربية حيث نفتقدها بشدة.
في بيتنا وزيرة تخطيط
و إذا كانت أغلب المشكلات الأسرية تعود إلى فقدان مهارة التخطيط لدى الزوج أو الزوجة و تقع المسئولية الأكبر على الزوجة التي تعتقد أن هذه المهارة متطلبة في الوظائف القيادية الخطيرة فقط و لتصحيح هذا الاعتقاد تقول د/ سحر محمد أستاذ مساعد بطب القصر العيني إذا كان الطبيب لا يستطيع ممارسة الطب إلا إذا تعلم و تدرب فمن باب أولى عند بناء أسرة و هي الكيان المحوري في المجتمع أن أدرب نفسي قبل الزواج و أحصل على دورات تدريبية عن كيفية إدارة الوقت ، اقتصاديات الأسرة ، فهم شريك الحياة ، إدارة الغضب و الخلاف ،و قد أصبح كل ذلك متاحا في الكتب و على شبكة الانترنت و الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها.
شركة مساهمة أسرية
و تضيف د / سحر أن التخطيط يستلزم عدة أمور منها :
1 - التفاهم و الترابط بين أفراد الأسرة فينبغي أن تجمعهم هوايات و اهتمامات مشتركة و الاتفاق على استراتيجيات تتبع قبل الزواج و إن لم يكن فلنتداركها بعد الزواج.
2 – التعاون بين جميع أفراد الأسرة و كل يؤدي دورا لكن الزوجة عليها أن تدرك أنها كالمايسترو لا تنفذ كل مسئوليات البيت بنفسها و بمفردها و لكنها توزع الأدوار و تمسك بكل الخيوط بيدها.
3 - للزوج أيضا دور في مساعدة الزوجة في شئون البيت وليكن له في رسول الله أسوة حسنة فهذا هو سيد الرجال عليه أفضل الصلاة والسلام تحدث عنه عائشة وقد سئلت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يصنع في بيته؟! قالت : كان يكون في مهنة أهله "تعني في خدمة أهله" فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. كيف لا يكون كذلك وهو الذي يقول صلى الله عليه وسلم: "أنا خيركم لأهلي".
و لكن على الزوجة أن تحدد للزوج دورا محددا فيقول العلماء أن طبيعة الرجل تختلف عن المرأة في انه لا يستطيع تنفيذ مهمة كلية فمثلا لا تقول له الزوجة ذاكر للأبناء و لكن تقول له من فضلك راجع إجابات التدريبات.
4 – المسئوليات كثيرة فعلى الزوجة أن تتعلم التفويض في المسئوليات وتربي أبناءها على تحمل المسئولية كل حسب عمره و قدراته و مع الوقت تزداد مسئولية كل منهم حتى يقوم الكبير برعاية الصغير.
و أيضا وزيرة مالية
نأتي الآن للمشكلة التي تعاني منها كثير من الأسر و هي عدم كفاية الدخل لمتطلبات الأسرة و السر هنا يكمن في يد الزوجة الحكيمة التي تدير اقتصاديات الأسرة فقد أسفرت الدراسات عن أن حسن تصرف الزوجة في دخل زوجها يزيد من قوة هذا الدخل بنسبة تتراوح بين 30 و 60 %.
و قدرت مجلة لايف في موضوع صحفي بعنوان ( مشكلة المرأة ) ما كان ينفقه الرجل في استخدام أشخاص يؤدون له الخدمات التي تؤديها زوجته و ربة بيته بنحو 2500 جنيه في السنة .
لذلك تنصح د / سحر محمد الزوجة ببعض الأشياء الهامة مثل:
1 – ترتيب الأولويات و تدوينها من الأهم إلى الأقل أهمية.
2 – وضع نظام للإنفاق الشهري و إذا كانت الزوجة لا تستطيع ذلك فلتقسمه لوحدات صغيرة كأسبوع أو يوم بحيث تضع ميزانية لا تتخطاها.
3 – الابتعاد عن الأقساط و التطلعات الاستهلاكية قدر المستطاع .
4 – توعية الأولاد و تدريبهم و إشعارهم بوجود أزمات مادية فقد تكون لديهم أفكار مبتكرة أو على الأقل يتنازلوا عن بعض متطلباتهم .
5 – مهما كان متاع الدنيا نضع نصب أعيننا الآية الكريمة (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) و ذلك حتى لا نغرق أنفسنا في كماليات معتقدين أنها أساسيات .
سلعة غالية
و تؤكد دورثي كارنيجي زوجة ديل كارنيجي مؤسس معهد العلاقات الإنسانية بنيويورك و مؤلف كتاب كيف تكسب الأصدقاء أن هناك بعض القواعد التي يمكن أن تستغل الزوجة بها هذه السلعة الثمينة و هي الوقت:
1 – تأملي الطريقة التي تنفقين بها وقتك مدة أسبوع على الأقل لتضعي يديك على الثغرات التي يتسرب منها الوقت.
2 – اجعلي للوقت ميزانية تنفقينه على أساسها و غيري هذه الميزانية كل أسبوع
3 – ابتدعي وسائل لاختصار الوقت مثل توفير الوقت الذي تقضينه يوميا عند البقال إذا اشتريت حاجتك من البقالة لمدة أسبوع.
4 – استخدمي اللحظات المضيعة فيما يعود عليك بالفائدة.
5 – عودي أصدقائك و معارفك ألا يزورونك في أوقات انشغالك بعملك.
ماذا أنت فاعلة الآن؟
لقد تحددت لديك الرؤية الآن فأعلني الحرب على الفوضى فورا و لا تترددي في إعادة تنظيم شئونك و إسألي الله الصبر و العون و البركة في الوقت و المال و الصحة واضعة نصب عينيك عظم الأمانة الملقاة على عاتقك (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والعبد راع في مال سيده ومسئول عن رعيته ).

السبت، 15 أكتوبر 2005

باحثة البادية .. تحرير المرأة على الطريقة الإسلامية

....... بقلم :أمل خيري
باحثة البادية «ملك حفنى ناصف» من أعلام الحركة الثقافية النسائية في الربع الأول من القرن العشرين، ورائدة من رائدات الإصلاح الإجتماعى في مصر والعالم العربي.
نذرت نفسها للدفاع عن حقوق المراة و إصلاح وضعها في الأسرة و المجتمع متسلحة بمنطلقات إسلامية راسخة ميزتها عن غيرها من دعاة تحرير المرأة في ذلك العصر.
ولدت «ملك» في حي «الجمالية»، بالقاهرة في 25 من ديسمبر عام 1886، وشاء القدر أن يتفق يوم مولدها مع زفاف الأميرة "ملك" إلى الأمير "حسين كامل" الذي صار سلطانًا بعد ذلك، فسمّاها أبوها باسم الأميرة.و هي الابنة الكبرى للأديب الكبير حفني ناصف أحد أعلام الأدب واللغة والقضاء في مصروقد ختم حياته بعمل جليل هو كتابة المصحف الشريف على الرسم العثماني ووضع له قواعد الإملاء الخاصة به .
لذا فقد نشأت "ملك" في بيت علم وأدب، ووجدت عناية فائقة من أبيها لما رأى فيها من ذكاء ونبوغ.
التحقت بالمدرسة السنية وهي المدرسة الوحيدة التي كانت آنذاك لتعليم البنات في مصر.. وحصلت منها على الشهادة الابتدائية سنة 1900م فتدرجت عبر سلمها الدراسي حتى حصلت على شهادتها في التعليم العالي فكانت من أوائل المصريات اللواتي حصلن على هذه الشهادة.ثم اشتغلت بالتعليم في مدارس البنات الاميرية.
جهادها الباكر
بدأت «ملك» جهادها المبكر، فكانت تتولى منذ صغرها الكثير من شؤون البيت وشؤون رعاية اخوتها، حيث أقعد المرض والدتها، وكانت هي الكبرى، فكانت تكرس إجازاتها الصيفية لاعادة تنظيم البيت وتجديد كل ما يلزمه من مخيطات المفروشات، واكمال ما ينقص من أدوات واعداد ملابس العام لوالديها، واخوتها، كما كانت تساعد صديقاتها في المواسم كبدء السنة الدراسية وحلول الشتاء والأعياد وفي المناسبات الخاصة كالسفر والزواج والوفاة, كما كانت تؤم بيوت صاحباتها ومعارفها ولا تزال بهن حتى يرسلن بناتهن الى المدرسة على أن تراعي هي بنفسها أولئك الصغيرات رعاية .
في بيت الزوجية
وفي سنة 1907م تزوجت "ملك" من "عبد الستار الباسل" رئيس قبيلة "الرماح" بالفيوم، وكان رجلاً متعلمًا يجيد أكثر من لغة أجنبية، ومعروفا بالشهامة والمروءة، وفوق ذلك كان من أكبر أثرياء مصر، وبعد الزواج اتخذت "ملك" لنفسها لقبًا جديدًا اشتهرت به هو "باحثة البادية" و ارتدت العقال البدوي و كانت تباشر أعمالها المنزلية بنفسها لتكون قدوة لغيرها من السيدات اللواتي تركن أعمال منازلهن للخادمات فأوقعن بيوتهن في البلاء وأزواجهن في الشقاء.. فكانت رحمها الله إذا ما فرغت من أعمالها المنزلية عكفت على قراءة الكتب النافعة وكتابة مقالاتها والقيام بزيارات لمدارس البنات تتفحص خلالها مناهج التعليم وتقدم النصح والإرشاد لتطوير تعليم المرأة بما ينفعها.
وأثناء عيشها في البادية كانت تحث الآباء على تعليم بناتهم وعلى النظـافة والاعتناء بغذاء الجسم، حتى اصبحت القرية التي كانت فيها متحضرة أكثر مما عليه بعض المدن.
مساهماتها الاجتماعية
أسست باحثة البادية عدة جمعيات، منها:
* جمعية الاتحاد النسائي التهذيبي، وكان يضم كثيرات من نساء مصر والبلاد العربية وبعض الأجنبيات.
* وجمعية للتمريض على غرار الصليب الأحمر كانت النواة لتأسيس الهلال الأحمر،كانت ترسل الأدوية والأغطية والملابس والأغذية إلى الجهات المنكوبة في مصر والبلاد العربية. وقد حاكت بيدها 100 بذلة كاملة للهلال الأحمر المصري فكانت باكورة أعمالها في هذا المجال جمع التبرعات لمنكوبي طرابلس من ضحايا الاستعمار الفاشي..
* وعندما أذيع إحياء مشروع الجامعة المصرية كانت «ملك» الآنسة الوحيدة التي ألفت لجنة وجمعت قدراً من المال .
* وضعت برنامجاً لمشغل للفتيات وملجأ للمعوزات وكانت تنوي وقف خمسة وثلاثين فدانا بالفيوم- ملكها الخاص- للمشغل والملجأ ولكن القدر لم يمهلها لتأسيس المشغل والملجأ .
ملك (الشاعرة)
قالت الشعر وهي في الحادية عشرة من عمرها، وكان بدء أمرها فيه أن تقوله معارضة لما تحفظه في المدرسة تارة جدا وتارة هزلا. ثم كان لها من حسن استعدادها وكثرة قراءتها ونبوغ والدها فيه خير معوان على تعبيد سبيله. وفي ذلك الوقت كتبت قصيدة في رثاء السيدة عائشة التيمورية التي توفيت سنة (1320هـ = 1902) وكانت أول قصيدة لها نشرتها الجرائد، وبدأ اسمها يتردد في المحافل الأدبية.
كما نشرت بعض آثارها الشعرية في جريدة "المؤيد" للشيخ "علي يوسف"، ثم دعاها الشاعر الكبير "مطران خليل مطران" إلى الكتابة في مجلة "الجوائب المصرية" التي كان يصدرها، فنشرت قصيدة وهي في السابعة عشرة من عمرها تأسى فيها لوضع الشرق وتتألم من حاله المتردي، وقد أثارت القصيدة إعجاب الشاعر، ورأى فيها نزوعا إلى الإصلاح والتجديد.
تقول في أبيات لها عن الحياء.
إن الفتاة حديقة وحياؤها
كالماء موقوفاً عليه بقاؤها
بفروعها تجري الحياة فتكتسي
حللاً يروق الناظرات رواؤها
إيمانها بالله أحسن حلية
فيها ، فإما ضاع ، ضاع بهاؤها
لا خير في حسن الفتاة وعلمها
إن كان في غير الصلاح رضاؤها
فجمالها وقف عليها إنما
للناس منها دينها
الأديبة و الخطيبة
كتبت باحثة البادية سلسلة من المقالات التي كانت تدعو فيها إلى وجوب تعليم المرأة، باعتباره الوسيلة الوحيدة لتحرير عقلها وتقويم أخلاقها، وإصلاح أسرتها، والاقتراب من زوجها، في جريدة "الجريدة" لصاحبها "أحمد لطفي السيد" وقد جمعت هذه المقالات في كتاب تحت عنوان "النسائيات"، ونشرته سنة 1910م، وكان يضم 24 مقالا، وخطبتين وقصيدة واحدة، وقدّم له "أحمد لطفي السيد"، وقرّظه بعض العلماء.
ولجأت باحثة البادية إلى وسيلة أخرى تؤازر مقالتها وتدعم تأثيرها؛ فاتجهت إلى الخطابة وإلقاء المحاضرات العامة على السيدات في دار الجريدة وفي الجامعة المصرية، وفي الجمعيات النسائية، وكانت خطيبة مفوهة ذات تأثير في نفوس سامعيها؛ حتى أن "أحمد زكي باشا" الملقب بـ "شيخ العروبة" كان يُثني عليها، ويقول بأنها أعادت العصر الذهبي الذي كانت فيه ذوات العصائب يناضلن أرباب العمائم في ميدان الكتابة والخطابة.
تحرير المرأة
* كانت ملك حفني ناصف تنطلق في أفكارها الإصلاحية من الشرع الإسلامي فدعت إلى إتباع الطريقة الشرعية في الخِطْبة والزواج والالتزام بالحجاب، وأيدت عمل المرأة على ألا يتعارض ذلك مع رسالتها الأولى كأم وزوجة.
*وكان أعظم ما ساهمت به ملك حفني ناصف الورقة التي قدمتها لمؤتمر مصري عن مقترحاتها حول إصلاح المرأة ضمنتها ما تراه واجباً للنهوض بالمرأة من حيث تعليم البنات الدين الإسلامي الصحيح ، وإنشاء مدارس ابتدائية وثانوية خاصة بالفتيات ، وإضافة تعليم التدبير المنزلي على أسس وقواعد سليمة.. وفتح المجال للنساء لتعلم الطب.. وإقامة معاهد لإعداد المعلمات لتتولى المرأة مهمة تعليم البنات في مصر.
معارك فكرية
كانت ملك حفني ناصف شاهداً معاصراً للمعركة القلمية التي احتدمت عريكتها في الفترة الأولى من القرن العشرين بين دعاة السفور من أرباب الأقلام المتفرنجة وبين دعاة الحجاب من أرباب الإصلاح في الإطار الإسلامي وبلغ من حدة المعركة أن دلف إليها كثير من رجال الأدب والفكر، بل إنها جذبت رجلا اقتصاديا لم يكن له انشغال بقضايا الفكر من قبل هو "محمد طلعت حرب"، فشنَّ حملة على دعاة السفور، وكانت هذه المعارك من آثار الضجة التي أشعلها كتابا: "تحرير المرأة" و"المرأة الجديدة" لـ "قاسم أمين". وكان طبيعيا أن تنزل "ملك" هذا المعترك متسلحة بالثقافة الواسعة، ملتزمة بأحكام الشرع ومبادئه، فدفعت اعتراضات الداعين إلى السفور بآيات من القرآن الكريم ونصوص من السنة، وفنّدت آراء الذين يُرجعون تأخر الشرق إلى التمسك بالحجاب ببراهين وأدلة عقلية، مثل قولها: "إن الأمم الأوروبية قد تساوت في السفور، ولم يكن تقدمها في مستوى واحد، فمنها الأمم القوية، ومنها الأمم الضعيفة، فلماذا لم يسوّ السفور بينها جميعا في مضمار التقدم، إذا كان هو الأساس للرقي الحضاري كما يزعم هؤلاء".
مؤلفاتها
1- النسائيات وهو مجموع من خطبها وكتاباتها في الجرائد، وقد تكلمت فيه عن شؤون المرأة.
2- حقوق النساء .
3- رسالة قدمتها للمؤتمر المنعقد في مايو سنة 1191م بمصر الجديدة ضمنتها آراءها السديدة في وسائل ترقية المرأة المصرية .
4- وشرعت في ترجمة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد شعراً، فنظمت منها نحو ثمانية أبيات ثم عاجلتها المنية .
وفاتها
لم تمتد الحياة بـ "ملك حفني ناصف"، فلقيت ربها بعد عمر قصير بأيامه حافل بمنجزاته في صبيحة 17 أكتوبر 1918م عن اثنين وثلاثين عامًا.
وسار في جنازتها جمهور غفير من تلميذاتها وكبار الأدباء ورجال الدولة ، وبموتها ماتت أكبر كاتبة اجتماعية في ذلك العصر .
رثائها
* قال الشاعر «حافظ ابراهيم»، في رثائه لها:
سادت على أهل القصور وسودت أهل الوبر
* وقال الدكتور «منصور فهمي»: «كانت ترسم خطوط الاصلاح وهي متسمة بميسمها الشرقي والمصري والاسلامي، وتعتز بكثير من مقومات مصر والشرق والاسلام مادامت تلك المقومات لا تجافي الطبع السليم في شيء، فمن أجل ذلك كله كانت صلتها وثيقة بالميدان الذي تعمل فيه ومن ثم كان لصوتها صدى مسموع وكان توجيهها مطاعاً مقبولاً».
* أما «تشارلز آدامز» في كتابه «الاسلام والتجديد في مصر»، فيقول عنها: «أؤكد لك أنها سارت على نهج الامام الشيخ محمد عبده في التوفيق بين المدنية الغربية والعلم الغربي وبين الحياة الاجتماعية والدينية والأدبية في مصر».
* وكذلك رثاها الشاعر أبو الوفاء محمد فقال:
يا مصر قد أفل القمر فسجا ظلامك واعتكر لم يبق في فلك السما من كوكب إلا انكدر
* أفردت لها المؤلفة الانجليزية «شارلوت كمرون» فصلا خاصا في كتابها عن النهضة النسائية في العالم،
* كذلك أطنبت في الحديث عنها المؤلفة الامريكية «اليزابت كوبر» في كتابها عن المرأة المصرية،
* وقام أخاها مجد الدين حفني بجمع كتاب اسماه «آثار باحثة البادية» .
* وأخيرا تقول الأديبة مي زيادة راثية صديقتها «ملك» :«اكتب اسم باحثة البادية فيتمثل لناظري ذلك الثغر البسام وذلك الوجه ذو السمرة المصرية العذبة وأسمع صوتها الرخيم مردداً كلمات حلوة اللفظ لطيفة المعنى »
وفاء و تقدير
و قد قامت مؤسسة المرأة والذاكرة بتنظيم مؤتمر تحت عنوان "في ذكرى ملك حفني ناصف باحثة البادية ". وقد عقد المؤتمر بمكتبة القاهرة الكبرى خلال يومي 17 – 18 أكتوبر 1998. وشارك فيه العديد من الباحثين والباحثات، بأوراق عمل عن ملك حفني ناصف ودورها كرائدة من رائدات الفكر النسائي. وتمت مناقشة الأوراق خلال اليوم الأول والثاني، كما نظمت في اليوم الثاني حفل استقبال بمناسبة إعادة إصدار كتاب "النسائيات" لملك حفني ناصف.
هذه ملك حفني ناصف باحثة البادية التي أطلت على العالم المتمدن بحجابها وأخلاقها ومبادئها الإسلامية فانطلقت تبحث عن المرأة.. تجند قلمها وطاقاتها المقالية والشعرية والخطابية لخدمة الأمة الإسلامية.
المراجع
عبد المتعال الجابري ، المسلمة العصرية عند باحثة البادية ، دار الأنصار
إيمان الوزير، نساء رائدات ، مجلة المنار ، العدد 83 ، جمادى الآخرة 1425هـ.
شخصيات في مسيرة الحركة النسائية العربية، عن مجلة المنار - أكتوبر سنة 2000م
شذرات من حياة باحثة البادية، صحيفة الثورة – صنعاء
نساء مصريات على درب تحرير المرأة ،موقع ملتقي المرأة العربية

الجمعة، 14 أكتوبر 2005

علي الغاياتي الشاعر الثائر

بقلم أمل خيري
من هو الغاياتي؟

هو المجاهد الوطني الكبير الشيخ على الغاياتى والذي عاش في عصر ينوء بالعواصف و الفتن فمصر كانت ولاية تتبع الدولة العثمانية بالاسم ، لكنها واقعة تحت نير الاحتلال البريطاني ، وقد ترك فيها جمال الدين الأفغاني ( 1871 ـ 1879) أثرا كبيرا لإيقاظ الفكر وظهور تيار جديد أساسه الدعوة إلى الحرية والحكم النيابي والدستور والتخلص من النفوذ الأجنبي المتمثل في الاحتلال وكذلك التخلص من حكم الفرد المطلق ونفوذ الخديوي ، وحاشيته التركية المحيطة به .
المولد و النشأة
ولد علي الغاياتي يوم 24 أكتوبر 1885وتلقى تعليمه في أحد الكتاتيب الكثيرة التي كانت منتشرة في دمياط ، وكان يملكه والده الشيخ " محمود الغاياتى " وبه تعلم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ بعض آيات القرآن الكريم .
ثم استكمل مرحلة تعليمه الابتدائي في مدرسة (الفتوح الرباني ) التي أنشاها الشيخ على الحزاوي عام 1873.
انتقل بعدها إلى المعهد الأزهري بجامع البحر ، ثم عمل مدرسا في نفس المدرسة التي تلقى فيها تعليمه الأولى .

الغاياتي كاتبا

ويبدو أن تلك الحياة الهادئة المطمئنة التي كان يعيشها في بلده الوديع أو {المحافظ} كما كان يسميه ، لم تكن تلائم طبيعته النارية ، الجامحة إلى الكفاح والنضال ، بدليل قوله عن شعره البدائي الذي كان ينظمه في بدء شبابه ، بعيداً عن الأغراض السياسية والوطنية ( .. ولقد أضلني ما أضل الشعراء من قبل ، فطرقت في بدء محاولتي للنظم موضوعات لا خير فيها للبلاد ولا ذكر للأمة والوطن ، أما عذري في ذلك إن حاولت الاعتذار فذالك أنني في معزل عن الحركة الوطنية ولا أعرف من أمرها شيئاً وحسبي أنى ولدت في مدينة دمياط ونشأت فيها بين قوم كرام ، غير أنهم {محافظون} يعبدون الحكام كأنهم آلهة يحيون ويموتون ، ثم لا يكادون يذكرون الوطن والوطنية على الإطلاق ....)
و في اليوم الرابع من إبريل عام 1907 رحل إلى القاهرة فقيرا مجهولا يبلغ من العمر اثنين وعشرين عاما ، فاتخذ مسكنا في حي عابدين قريبا من دور الصحف ، وما لبث أن عمل محررا بجريدة " الجوانب المصرية "لصاحبها خليل مطران وحدث أن كتب الغاياتى مقالا بعنوان ( الدستور أميرنا ) لم يعجب صاحب الجريدة ، فجمع النسخ من أيدي الباعة ، ووضع مكانه مقالا آخر ، فغضب الغاياتى لهذا التصرف وترك العمل بالجريدة ، وانتقل إلى " اللواء " .

الغاياتي ثائرا
- عمل الغاياتي في مجلة يصدرها الشاعر خليل مطران ، وخاض على صفحاتها أولى معاركه عام 1907 ضد علماء الدين الذين نشروا صناديق النذور والتوسل بأرباب القبور و وصفهم بأنهم " من ذوى الأفكار العتيقة البالية الجهلة " فعاقبت السلطات الغاياتي على جرأته بالتحقيق معه وسجنه اثني عشر يوما.
- وانضم الغاياتي إلي الحزب الوطني لأنه كان الأعلى صوتا في تلك الفترة ضد الاحتلال والقصر وأخذ ينشر قصائده النارية هجوما على المحتلين وأبواقهم .
- وهاجم أمير الشعراء أحمد شوقي ، وشيوخ الأزهر وغيرهم من رجال الإعلام الموالين للاحتلال .
- وأيد الغاياتي في مقالاته وشعره كل عمل ثائر في مصر وخارجها ، من أجل إجلاء الإنجليز ، والأخذ بالدستور ، وإصلاح الحكم، والضرب علي يد الفساد ، ونشر التعليم .
- وامتدح بقصائده قادة الحركة الوطنية مثل مصطفى كامل ، ومحمد فريد .
- و قد هاجم الحكم على عبد العزيز جاويش بالسجن ثلاثة أشهر لمقاله عن ذكرى دنشواى ثم كتب قصيدة فى تحيته يوم خرج من السجن.
- وشن الغاياتي حملة على أحمد شوقي أمير الشعراء لأنه صرح بلسان الخديوي أن إعلان الدستور غير ممكن إلا بإذن من الإنجليز .
- وكتب قصيدة نارية وقف فيها مع إضراب طلبة الأزهر وتحقيق مطالبهم .
- وحين صدر قانون المطبوعات المقيد للحريات كتب قصيدة يقول فيها : " لئن قيدوا مني اليراع وأوثقوا لساني .. فقلبي كيفما شئت ينطق " .
- ولم يفلت الخديوي عباس من لسان الغاياتي حين ظهر ميله إلي الاحتلال .
- كما رحب في قصيدة له بموقف الشاب الهندي الذي أطلق رصاصه على السير " ويللي " في أحد شوارع لندن فأرداه قتيلا وكتب إن الهند بذلك قد نالت المجد كله في نضالها من أجل الحرية .
-في عام 1910 قام الرئيس الأمريكي السابق تيودور روزفلت بزيارة لمصر أشاد خلالها بالاحتلال البريطاني ، فهاجمه على الغاياتي بعنف .
وكانت تلك كلها مواقف جريئة شجاعة لروح ثائرة ، ضاق بها صدر الحكومة ، بل وضاق بها صدر عباس العقاد الذي تساءل : " أيمكن أن تلام الحكومة إذا ضيقت من حرية الصحافة بعد أن استفاضت الدعوة لارتكاب الجرائم ؟ ".

الغاياتي شاعرا
فى الفترة من 1907 إلى 1910 ، وهى التي قضاها الغاياتى في القاهرة كان لعمله في الصحافة أثر كبير فى اتصاله بأدباء عصره ، فكان يشاركهم جلساتهم ويعرض عليهم قصائده . و في يوليو 1910 أصدر ديوانا جمع فيه شتات مقطوعاته الشعرية وقصائده المتفرقة واختار له اسما ما لبث أن ذاعت فيما بعد شهرته وهو (وطنيتي).
لم تزد صفحاته عن 135 صفحة من القطع الصغير ولم تزد قصائده عن مائة بعضها لا تتجاوز أبياته الأربعة .
وكان في الديوان قصائد وطنية تندد بالاحتلال البريطاني لمصر وتصدر عن روح التمرد التي أشاعتها دعوة الزعيم مصطفى كامل وخليفته الزعيم محمد فريد..
وديوان " وطنيتي " كما يقول فتحي رضوان في كتابه " عصر ورجال " هو بلا شك : " ديوان الوطنية المصرية في الفترة ما بين سنة 1907 حتى سنة 1911 " إذا قرأته اكتملت لديك صورة كاملة للعهد الذي ظهر فيه . إذ لم تترك قصيدة منها حدثا سياسيا إلا وتعرضت له بروح ثائرة محبة للوطن .
لكن صحيفة المؤيد وصاحبها الشيخ على يوسف شنت حملة على الديوان ، فلفتت إليه أنظار القصر والإنجليز . وأدركت الحكومة أنها أمام قذيفة مركزة من التحريض على الاحتلال والدعوة للثورة والاستقلال ، فراحت تبحث عن الديوان في كل مكان ، وأصدرت أمرا باعتقال الغاياتي و محمد فريد ، والشيخ عبد العزيز جاويش لمشاركتهما في كتابة مقدمته.
وبسبب ذلك الديوان الصغير قامت الحكومة لأول مرة بتعديل القانون ليصبح النظر في قضايا الصحافة والنشر من اختصاص محاكم الجنايات ، بعد أن كان ينظر إليه بصفته " جنحة "

بدأت المأساة حين وجهت إليه النيابة تهمة (تحبيذ الجرائم وإهانة الحكومة ). فاختفى الغاياتى عن الأنظار ولم يحضر المحاكمة وحكم غيابيا على الغاياتى بالحبس سنة مع الأشغال .

الهجرة

نشطت السلطات في البحث عن ( الغاياتى ) الذي غادر البلاد ظهر يوم الأربعاء متنكرا في ملابس إفرنجية ، فقص شاربه ، ولبس نظارة سوداء ، وسار بجانب ضابط تركي سهل هروبه من ميناء الإسكندرية حيث نزل بالآستانة ، وبها تولى تحرير جريدة( دار الخلافة) وأخذ ينشر قصائده ومقالاته ضد السلطة الطاغية في مصر التي كانت تبحث عنه في كل مكان ، وأخيرا عرفت عنوانه في تركيا ، وخوفا من تسليمه بمعرفة الحكومة العثمانية للسلطات المصرية استقر عزمه على التوجه إلى سويسرا .
وهناك عاش على تدريس اللغة العربية بمعهد لتعليم اللغات ، وقام في الوقت ذاته بمراسلة صحيفة الحزب الوطني في القاهرة والعمل مترجما في صحف سويسرية ، ثم كاتبا في أكبر الصحف هناك بمرتب شهري قدره ثلاثمائة فرنك . وبعد انقضاء عدة سنوات على الحكم عليه بالسجن حاول الغاياتي العودة إلي مصر ، فاعتقلوه ثانية بتهمة أنه وصل إلي البلاد لتدبير الدسائس ضد الخديوي ، وقاموا بترحيله إلي الخارج .
منبر الشرق
عندما قامت ثورة 1919 راح الغاياتي يدافع عنها في الخارج دفاعا حارا ، فقطعت الصحف السويسرية العمل عنه ، فأصدر جريدة على حسابه هي منبر الشرق كان يطبع ثلاث صفحات منها بالفرنسية وصفحة واحدة بالعربية . واستمرت الصحيفة منتظمة في الصدور منذ عام 1922 حتى عام 1937 في ظروف بالغة الصعوبة إلي أن رجع الغاياتي بعد ذلك إلي مصر عام 37 ، حين انضمت مصر لعصبة الأمم المتحدة .
حين استقرت حياة الغاياتى في الخارج تزوج بفتاة سويسرية عام 1912 ، أعلنت إسلامها ،وأسس أسرته ، وزوج بناته من شباب مصريين.

العودة للوطن
ظل ( الغاياتى ) هذه السنوات الطويلة في سويسرا وقلبه يهفو إلى وطنه ويحن إلى أهله وعشيرته ، ولاح في الأفق ضوء جديد حين وصل إلى " مونتريه " بسويسرا وفد مصري فطلب إليه أن يعود إلى وطنه .. وعاد إلى مصر يوم 28يونيه 1937 ، وكان يوما مشهودا في حياة الغاياتى حين نزل بأسرته إلى أرض الوطن الذي غاب عنه سبعة وعشرين عاما ، عاد ومعه قلمه وجريدته (منبر الشرق) ليبدأ مرحلة جديدة من كفاحه حيث أعيد إصدار ديوانه وطنيتي وعاود إصدار منبر الشرق من القاهرة و كان الإخوان المسلمون يلتقون على هذه المجلة يكتبون فيها، وهو ما جعل الجريدة تحيا بعد موات، وتشتهر بعد خمول و قد استمرت حتى وفاته.
و كان شعارها
باسم الكنانة واسم شعب ناهض لا باسم أحزاب ولا زعماء
كل يزول وينقضي، أما الحِمى فـوديعـة الآباء للأبناء
وفاته
توفي علي الغاياتي في اليوم السابع والعشرين من أغسطس عام 1956 بالقاهرة حيث دفن بها .

نماذج من شعره

يقول في قصيدة بعنوان ( ثمن الاحتلال ) يهيب بالشباب أن يثور على الظلم :

أيها الشعب أفـق ولـى الظـلام ، ولاح النـور للمستبـصـر
فانهض الآن ولا ترقـب غـدا وادفـع الشـر بسيـف الحـذر

و في قصيدة نحن و الاحتلال يقول:
كفكفي يا مصرُ دمعَ الوَجَلِ وارتقبْ يا نيلُ نَيْلَ الأملِ
جاوزَ الصبرُ المدى، والصدرُ لم يُبقِ فيه الوجدُ من مُحْتَمَل

مشكلة أو مأساة على الغاياتي أنه لم يحسب بين الشعراء ، لأنه لم يكن شاعرا عظيما ، ولا بين أعلام الصحافة ، أو النقد ، لكنه يحسب كروح عابرة ثائرة مرت على أحلام مصر وحلقت بها قليلا لأعلى . وفي أيامنا هذه يشتاق المرء كثيرا إلي روح حية من نوع على الغاياتي .
المراجع
" -كامل الدابى ، على الغاياتى " ، مارس 4 198
- محمد الخولي، وطنيتي على نهر الايست ، استراحة البيان
- أحمد الخميسي ، ديوان - وطنيتي - قصة الروح الثائرة، الحوار المتمدن - العدد: 731 - 2004 / 2 / 1
- موقع كنانة اونلاين

الأربعاء، 12 أكتوبر 2005

عبد العزيز جاويش: شيخ التربية والصحافة والجهاد




إعداد: أمل خيري.....
بعد احتلال إنجلترا لمصر تصاعدت روح المقاومة الوطنية، سواءٌ في السياسة أو الخطابة أو الشعر والأدب، وفي هذا العصر برز الشيخ عبد العزيز جاويش والذي شارك في كل طيبات عصره، فإذا تحدثت عن أدب ذلك العصر وجدته في مقدمة أدبائه، وإذا تحدثت عن العلم والعلماء رأيته في الذروة، وإذا تحدثت عن التربية والتعليم ألفيته المصلح الكبير، وإذا ذكرت المضحِّين في سبيل الوطنية وجدته أكبر المضحين، وإذا تحدثت عن الإرشاد الاجتماعي وجدته من ذوي الآراء الناضجة، وإذا تحدثت عن المضطهدين في أوطانهم كان أوضح عنوان لهذا الاضطهاد.

المولد والنشأة
وُلد عبد العزيز جاويش في الإسكندرية (12 من شوال 1293هـ= 31 من أكتوبر 1876م)، ونشأ في أسرة كريمة تعمل بالتجارة، وحفِظ القرآنَ الكريم، وتعلَّم مبادئ القراءة والكتابة، واتجه إلى مواصلة التعليم، فسافر إلى القاهرة والتحق بالأزهر سنة (1310هـ= 1892م) وهو في السادسة عشرة من عمره، لم يستمر عبد العزيز جاويش في الأزهر سوى عامين وتركه، والتحق بمدرسة دار العلوم بعد أن اجتاز اختبارًا صعبًا بين يدي لجنة تضم عشرةً من كبار رجال العلم تمتحن المتقدمين في دقائق الفقه والتفسير والنحو والبيان والبديع والإنشاء والتاريخ.

وحصل على شهادتها سنة (1315هـ= 1897م) وهو في الحادية والعشرين من عمره، ثم عُيِّن الشيخ مدرسًا للغة العربية بمدرسة الزراعة، وكان من سُنن وزارة الزراعة أن تُرسل من خريجي دار العلوم بعثةً سنويةً إلى إنجلترا فاختِيْر الشيخ والتحق هناك بجامعة برورود، وتلقَّى هناك علومَ التربية والطرق الحديثة في التدريس، وظل هناك ثلاث سنوات عاد بعدها إلى القاهرة سنة (1319هـ= 1901م) ليعمل مفتشًا في وزارة المعارف لم يكن همه الأول إحصاء أغلاط المدرسين بل كان همه الأول إصلاح التعليم.

الشيخ الأديب والمجاهد
كان للشيخ فطرةٌ أدبيةٌ ميَّزَته وهو طالب بدار العلوم، كان يكتب في (اللواء) ثم في (العلم) وكذلك في (الهداية) مقالات نارية ضد الاحتلال وحكومات الاحتلال من المصريين كما كان يكتب في تفسير القرآن الكريم.

- رأَس تحرير جريدة (اللواء) 1908 خلفًا لمصطفى كامل، وهنا بدأت مرحلةٌ جديدةٌ في حياته لخَّصها هو في مقاله الأول، الذي نُشر في (1 من ربيع الآخر 1326هـ= 3 من مايو 1908م)، وجاء فيه: "باسمك اللهم قد استدبرت حياةً زادُها الجبن وخوَر العزيمة ومطيتُها الدهان والتلبيس، وبيمينك اللهم أستقبل فاتحة الحياة الجديدة، حياة الصراحة في القول، وحياة الجهر بالرأي، حياة الإرشاد العام، حياة الاستماتة في سبيل الدفاع عن البلاد العزيزة، سيسير (اللواء) على ما كان عليه خادمًا للأمة المصرية، مدافعًا عن الأريكة الخديوية ما حرصت على مصالح رعاياها، مجاهدًا الإنجليز ما بقوا في بلادنا، حاثًّا على الفضيلة والأخلاق الكريمة، داعيًا إلى توحيد عناصر الأمة على اختلاف مللها ونحلها".

- قُدِّم للمحاكمة أمام محكمة عابدين 1908 لنشره مقالاً تحت عنوان (دنشواي أخرى في السودان)، وقد حُكم عليه ابتدائيًّا وبرِّئ استئنافيًّا.

- قُدِّم للمحاكمة سنة 1909 بسبب نشره مقالاً في اللواء بعنوان (ذكرى دنشواي) وصدر الحكم بحبسه ثلاثة أشهر.

- في 27 نوفمبر 1909 قَدَّم له الشعب وسامًا في حفل خاص تقديرًا لوطنيته.

- في 1910 أنشأ مجلة (الهداية) لإفهام المسلمين أسرار القرآن.

- في سنة 1910 قُدِّم للمحاكمة بسبب مشاركته في وضع مقدمة لديوان (وطنيتي) لعلي الغاياتي، وحُكم عليه بالحبس ثلاثة أشهر.

- في سنة 1912 أُبعد الشيخ جاويش إلى تركيا حيث أعاد إصدار مجلة (الهداية) و(الهلال العثماني) و(الحق يعلو).

- في سنة 1912 تزعَّم مع بعض زملائه أنصار الحزب الوطني جمع التبرعات وإرسال الذخائر إلى طرابلس لمقاومة الغزو الإيطالي.

- في سنة 1913 طلبت الحكومة المصرية تسليم الشيخ جاويش لمحاكمته عن تهمة إرسال منشورات ضُبطت مع أحد الطلبة المصريين القادمين من تركيا وتم تسليمه بالفعل وأُودع سجن الحدرة ثم أفرج عنه.

- في سنة 1914 أنشأ الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ووضع أساسها وأعاد إصلاح كلية صلاح الدين بالقدس الشريف.

- في سنة 1914 سافر الشيخ إلى إنجلترا؛ حيث اتفق مع أحد أغنياء الهنود على إنشاء أسطول إسلامي.

- في سنة 1915 أُعدت حملةٌ من الجيش التركي لتخليص مصر من الاحتلال وشارك فيها الشيخ.

- فيما بين سنتي 1915 و1918 كان ينتقل ما بين ألمانيا وتركيا والشام، وقد أنشأ مجلاتٍ إحداها باللغة الألمانية باسم Die Islamische Welt" وثانية في إسطنبول باسم (العالم الإسلامي) وفي سويسرا مجلة باسم Egypte؛ وذلك للدفاع عن استقلال مصر، كما اشترك في مؤتمر الدفاع عن الدول المحتلة في إستكهولم.

- في سنة 1918 غادر الشيخ جاويش تركيا خفيةً حيث اتصل بالوفد المصري بباريس.

- في سنة 1922 استدعاه الغازي مصطفى كمال باشا وعيَّنه رئيسًا للجنة الشئون التأليفية الإسلامية بأنقرة.

- في سنة 1923 حدث خلاف بينه وبين الغازي في شأن إلغاء الخلافة، فعاد لمصر خفيةً ونَشرت جميع الصحف مقالاً تحت عنوان (تجديد العهد) بتوقيع الشيخ جاويش، وبعد عشرة أيام صرَّحت له الحكومة بالإقامة في مصر.

العالِم المُصلح
كان الشيخ يحضر دروس الإمام محمد عبده فتأثر به في تفسير القرآن وفي البحث الديني وفي اتجاهاته الإصلاحية، فسلك في ذلك سبيل التأليف والخطابة، فألف كتاب (الإسلام دين الفطرة) أثناء وجوده في إنجلترا وترجَمَه للغة الإنجليزية ليساهم في بناء مفاهيم الإسلام والكشف عنها.

وفي عام 1911 عقدت الحكومة المصرية مؤتمرًا بمصر الجديدة للإصلاح العام، فألقى الشيخ خطبةً عن الإصلاح الاجتماعي كان عنوانها (وجوب مراعاة أحوال الزمان والمكان في تطبيق أحكام الشرعة الغراء).

وقد دعا إلى ترابط رؤوس الأموال الصغيرة وإنشاء مصرف وطني، وحارب الخمر ومضارّ المسكرات، وألَّف في ذلك كتابًا بعنوان "أذى الخمر ومضارُّه"، وارتفع صوتُه بضرورة العناية بالمرأة وتعليمها وإصلاح أحوالها ورفعه شأنها، وعارض زواج المصريين من الأجنبيات.

الشيخ المربِّي
و قد كتب كتابًا بعنوان (غنية المؤدبين) طُبع عام 1903 حيث عالج فيه أساليب المحاورة والاستنتاج بدلاً من الحفظ والتلقين في التدريس.

كما ألف كتاب (مرشد المترجم)؛ مما يدل على إتقانه للغة الإنجليزية، وأسس مدرسةً ليلية سمَّاها الإعدادية الليلية يتعلم فيها الأزهريون اللغة الفرنسية، وعقد مؤتمرًا كبيرًا في مدينة المنصورة في فبراير 1911 ألقى فيه خطبةً جامعةً في إصلاح التربية والتعليم.

وقد تطلع جاويش إلى اختيار عدد من الطلاب الأزهريين النابهين- الذين يقصدون مدرسته- وإرسالهم في بعثات إلى أوروبا، وكانت البعثات تسافر من كل المدارس ما عدا الأزهر، ونجح جاويش في جمع التبرعات اللازمة لنفقات أول بعثة أزهرية على نفقة الأمة إلى فرنسا، وتكوَّنت من ثلاثة طلاب سافروا إلى فرنسا في (1911م)، وكان معهم جاويش، وكان الهدف من هذه البعثة الوقوف على أساليب التعليم الحديثة ليطبقها هؤلاء المبعثون في الجامعة الأزهرية حتى تصبح عصريةً، غير أن هذا المشروع توقف بعد سفر جاويش إلى تركيا بعد التضييق عليه ومحاربته.

وبعد عودة جاويش رأت الدولة أن تنتفع بخبرته في التربية والتعليم، فأسندت إليه منصب مدير التعليم الأوَّلي سنة (1344هـ= 1925م)، وذلك وفق خطة لمحو الأمية وتوسيع دائرة التعليم، فاستكمل ما كان قد بدأه من طرق الإصلاح في التربية والتعليم، فأخذ يجوب البلاد ويُنشئ المدارس ويضع الخطط للنهوض بالتعليم حتى وافاه أجله.

وكان جاويش- بحكم ثقافته العربية الإسلامية واتصاله بمناهج التعليم الحديثة الغربية- يؤمن بأن الأمم لا تنهض إلا بالتربية والتعليم، ولم يشغله عمله في جريدة (اللواء) عن الدعوة إلى إصلاح التعليم، فأنشأ المدرسة الإعدادية كنواةٍ صالحةٍ ينسج عليها التعليم الثانوي، وكان جاويش يقوم بالتدريس فيها بنفسه، ويفتح أبوابها في إجازات الصيف للطلاب حتى لا تضيع أوقاتهم فيما لا يفيد.

ودعا جاويش إلى إصلاح مناهج التعليم والعناية بالتربية كأساس للتعليم ورفع مستوى القائمين على العملية التعليمية والأخذ بالأساليب الحديثة في التربية، وهاجم مناهج التعليم القائمة؛ لأن الاحتلال هو الذي وضعها وأشرف على تنفيذها، ودعا إلى التوسع في التعليم الزراعي والصناعي، وعمل على إكمال النقص في برامج مدارس بالحكومة، وحماية الطلاب من مناهج التعليم الأجنبي بإنشاء عدد من المدارس تكون تحت رعايته.

وامتدت دعوته إلى إصلاح التعليم، فشملت تطوير التعليم بالأزهر وإدخال العلوم العصرية ضمن مناهجه، وفتح أبواب المدرسة الإعدادية التي أنشأها لطلاب الأزهر، وكان من بين من تعلم فيها طه حسين.

أخلاقه ووفاته
كان الشيخ صريحًا في كل آرائه؛ ولذلك كثرت محاكماته وكثرت سكناه السجون، كما اتسم بخفة الروح والظل لا يمله الجالس كما كان أبي النفس.

كان الشيخ في سنواته الأخيرة يرعى أسرة زميل جهاده محمد فريد الذي توفِّي في برلين سنة (1339- 1920)، ثم كان عليه أن يقوم على رعاية أسرة الصحفي المجاهد أمين الرافعي الذي تُوفي قبله، وفي غمرة هذا العمل المتصل وافاه الأجل المحتوم في فجر يوم الجمعة الموافق (13 من شعبان 1347هـ= الموافق 25 من يناير 1929م)، تاركًا ذكرى عطرةً وسيرةً طيبةً لأجيال أمته.

الأحد، 9 أكتوبر 2005

أيها المعلم..... بيدك مفاتيح القلوب


تحقيق : أمل خيري......

يقول الله تعالى "إنما يخشى الله من عباده العلماء" كما قال " قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون"
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها والحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير"
فأنت أيها المعلم تحمل بيدك مشاعل النور و الهداية لتخريج أجيال تحمل هم الإسلام لتواصل معك مسيرة النور و الهداية في المجتمع بأسره و يكفيك شرفاً أنك تمتهن مهنة الأنبياء والرسل و أنك من ورثة الأنبياء فكيف يمكنك أن تؤثر فيمن حولك ؟و كيف تصبح المعلم الداعية الذي يمتلك قلوب من حوله؟

لا مكان للنصح و المواعظ

يقول الأستاذ خالد مدرس لغة عربية ينبغي مع الطلاب التركيز على الجوانب العملية بدلا من إلقاء المواعظ و النصائح و ذلك بأن يعطي المعلم لطلابه من نفسه مثلا يحتذى به . و عن دور المعلم في دعوة ولي الأمر يؤكد الأستاذ خالد أن التأثير في ولي الأمر يكون من خلال الطالب نفسه و يستدل على ذلك بواقعة حدثت مع أحد طلابه حيث أعطى الطلاب جدول محاسبة يومي لمتابعة صلاة الفجر فأراد طالب أن يصلي الفجر في المسجد و لما كان والده لا يقوم لصلاة الفجر منعه من الخروج فأصر الطالب و بكى فاضطر والده أن ينزل معه فاعتاد الوالد على صلاة الفجر في المسجد.

و تقول الأستاذة فاطمة أنها كانت تشجع الطالبات على حفظ القرآن بتحديد ورد يومي و كتابة اسم الطالبة في لوحة الشرف فاتصلت بها يوما إحدى الأمهات تشكرها و تقول لها لقد أحرجتني أمام ابنتي حين سألتني كم تحفظين من القرآن ؟ و هل حفظت الورد اليومي ؟ فبدأت أحفظ معها و ما زلت أواظب على ذلك.
أما الأستاذة مها فأكدت أن المعاملة الحسنة و الابتعاد عن التوجيه المباشر هما السر في نجاح أسلوبها الدعوي مع طالباتها كما أنها دائما ما تتحاور معهن فيما يخصهن و تنزل لمستوى تفكيرهن و لا تحاول تعنيف أي طالبة صدر منها فعل سيئ بل تحاورها برفق حتى تقتنع الطالبة بأنها أخطأت و تعدل عن هذا السلوك
استغلال حصة الاحتياطي

كما تؤكد مها على أن الحصص الاحتياطية فرصة للتقرب أكثر للطالبات و التودد الذي يؤتي ثماره و أنها دائما تحمل معها حقيبة بها كتيبات و مجلات و بض المسابقات الورقية لاستغلال هذه الحصة.
و على الجانب الآخر تروي حنان تجربتها فتقول (حينما كنت في المرحلة الثانوية و كنت وقتها غير ملتزمة و غير محجبة قابلتني إحدى المعلمات المحجبات مقابلة عاصفة كانت تكيل لي الاتهامات و تسدد لي النظرات حتى شعرت أني كافرة و أن مصيري هو النار فنفرت من كل المحجبات ثم قابلت معلمة أخرى ترتدي الحجاب كانت تبتسم لي دائما دون أن يدور بيننا حديث ثم بدأت في الحديث إليّ بتودد و أهدتني مطوية تتحدث عن حب الله ثم أتبعتها بأخرى عن وصف الجنة و هكذا لمدة شهر ثم بدأت في إعارتي بعض الشرائط التي لا تتحدث إلا عن الجنة و نعيمها و عن رحمة الله و كانت لا تنفك في هذه الأثناء تطمئن علي و تسدي لي الخدمات و تقف بجانبي في الأزمات فتوثقت بيننا العلاقات و أحببتها و بعد مرور عام أخبرتها أني أفكر في ارتداء الحجاب فاحتضنتني و بكت من الفرحة و في اليوم التالي أهدت لي ايشارب رقيق ما زلت أحتفظ به رغم مرور عدة أعوام)
محاور عمل المعلم الداعية

و كان لنا لقاء مع الأستاذ يوسف مدير إحدى المدارس و الذي أكد أن هناك ثلاث محاور أمام المعلم الداعية و هي : مع الزملاء و الطلاب و أولياء الأمور.
و بخصوص المحور الأول يرى أن مفتاح القلوب للزملاء دائما أن تضع نفسك موضع الخادم الأمين فتقديم الخدمات يأسر القلب لا سيما إذا أحطت ذلك بالكتمان و السرية. كما أكد على معان بسيطة كتقديم الهدايا في المناسبات أو الزيارات أو الاتصالات التليفونية مع ضرورة أن تشعر كل زميل بخصوصيته و مكانه الأثير لديك.
كما أن إفادته في المجال المهني كتقديم كتاب له في تخصصه أو دفعه مثلا لاستكمال دراسته العليا يجذبه إليك حيث يشعر باهتمامك به و حرصك على مصلحته .
و بخصوص المحور الثاني مع الطلاب فيقول أ/ يوسف لا تنسى التربيت على الكتف و الابتسامة الدائمة و إشعار الطالب أنه ابنك . و يضيف أن مشاركة المعلم لطلابه في أنشطة خارج اليوم الدراسي كلعب الكرة أو الإفطار الجماعي يكون له تأثير فعال .و يروي لنا واقعة طريفة له مع أحد الطلاب حيث اتفق طلاب الفصل على عمل إفطار جماعي عبارة عن وجبة فول و كان أحد الطلاب لا يحب الفول ففكر في طريقة يدفعه بها للأكل فطلب من زملائه أن يضع كل واحد منهم لقمة في فم هذا الزميل و كان في الفصل ثلاثون طالب فأكل ثلاثين لقمة و هو يضحك و يستمتع مع زملائه .
و على المحور الأخير الخاص بأولياء الأمور أكد أن الاتصال بولي الأمر في المناسبات أو إرسال كارت له أو تقديم الخدمات يكون له أبلغ الأثر . و يقترح أ / يوسف فكرة توظيف أولياء الأمور بمعنى أنه بعد توثيق الصلات بولي الأمر من الممكن إشراكه في خدمات عامة أو أعمال اجتماعية تخدم الطلاب فمثلا إذا كان طبيبا أرغبه في تخفيض أجرة الكشف للطلاب الغير قادرين ، و إذا كان يمتلك مكتبة يخفض أسعار الكشاكيل .... مع تذكيره دائما بثواب الله و فضله.

اضفاء جو من الود و المرح

و تتفق الأستاذة هدى مديرة إحدى المعاهد الأزهرية مع أ/ يوسف بخصوص عمل المعلم في هذه المحاور معا ومن جانبها أكدت أن بعض المعلمين في المعهد لهم تجارب دعوية مميزة جعلت من المعلمين أسرة واحدة متوادة و ذكرت بعض وسائل عملية و بسيطة يمكن استخدامها في غرفة المعلمين كعمل مكتبة تحتوي على كتب و أشرطة ، تعليق بعض اللوحات مثل الأذكار أو أحاديث ويمكن تعليق مجلات خاصة بمناسبات إسلامية كرمضان أو الهجرة أو المولد النبوي أو عمل مسابقات ثقافية أو مسابقة في حفظ القرآن و تفسيره. كما أن الاتفاق على عمل الافطارات الجماعية داخل الغرفة أو التنزه بعد اليوم الدراسي يضفي مساحة من الود و الحب المتبادل .
و بالنسبة للطلاب طرحت لنا بعض الوسائل التي اتبعها بعض المعلمين في المعهد و كان لها بالغ الأثر مثل: المسابقات ،الإذاعة المدرسية مع تقديم اسكتشات هادفة عن الصلاة أو حسن الخلق مثلا ، استغلال حصص النشاط ،عمل مكتبة بالفصل بها مجموعة من الأشرطة و الكتيبات يتبادلها الطلاب فيما بينهم ، الرحلات الترفيهية في مجموعات صغيرة ، الاتفاق مع الطلاب على صلاة الجمعة في مسجد معين و مصافحتهم بعد الصلاة ، الاشتراك معهم في نظافة و تجميل المدرسة .
أما بالنسبة لأولياء الأمور فتقول لا أغلق بابي أمام أي ولي أمر و أبدي اهتمام كبير بحل مشكلاتهم حتى و إن كانت بسيطة و أحرص دائما على استقبالهم بابتسامة ودودة مع تقديم مشروب كما أني احتفظ دائما بمطويات و ملصقات في درج مكتبي فأقدمها لهم و أحرص على أخذ أرقام تليفوناتهم فأتصل ببعضهم في المناسبات أو للتناقش بخصوص شئون الطالب و كذلك يحرص كثير من المعلمين في المعهد على توثيق العلاقة بأولياء الأمور.


نحو علاقة ممتعة مع الطلاب

و ما زلنا مع المعلم الداعية و مفاتيح القلوب حيث عقد في هذا الإطار الملتقى التربوي الثاني بمعهد الوفاء الأزهري للفتيات تحت شعار " معا نحو عام دراسي ممتع" و الذي عقد في بداية العام الدراسي الحالي حيث أكدت الأستاذة ناهد عبد المنعم نائب مدير مركز التطوير على أن هناك أربع أركان لوجود علاقة ممتعة بين الطالب و المعلم تجعل المعلم مؤثرا فيمن حوله و هي:
الحب و الود ، الاحترام المتبادل ،الاستماع الجيد ، التماس الأعذار .و أضافت أن المعلم الداعية ينبغي أن يكون مثقفا يسعى لتطوير معارفه و إجادة مادته العلمية لينال مصداقية طلابه كما أن التجارب أثبتت أن إشراك الطالب نفسه في إدارة الحصة يعوده على الايجابية و تحمل المسئولية فيكون النتيجة مواطن صالح و ايجابي ينفع مجتمعه.
كما روت إحدى المعلمات تجربتها الدعوية مع الطالبات حيث كانت تملأ حقيبتها دائما بهدايا رمزية مثل توكة ، حلوى ، استيكة ، قلم..... كانت تكلفتها زهيدة و لكن نتائجها بليغة.
كما قامت الطالبات بتقديم اسكتش فكاهي يوضح صفات المعلم المؤثر اتضح منه أن الطالب يحب المعلم الدائم الابتسام ، المرح ، المتمكن في مادته ، و على العكس فإنه ينفر من المعلم العابس الوجه ، المتسلط.
من هنا أخي المعلم فأنت بالفعل تملك مفاتيح القلوب و كما يقول الشيخ صالح محمد المنجد إن علاقتك بالآخرين عبارة عن علم ودعوة وفن وذوق وأخلاق خالصة لوجه الله ، قائمة على إيصال الخير للآخرين وقصدهم في أماكنهم ، علاقة هداية وتعليم وتحبيب الخير وتبغيض الشر إليهم بأحسن أسلوب ، علاقة قائمة على التذكير بالله واليوم الآخر : وليست علاقة جافة فكرياً وإقناعه ذهنياً دون حركة قلبه . علاقة قائمة على الرحمة والشفقة وليس على التكبر والقسوة والاحتقار.