إسلام أون لاين
رحلة جديدة يأخذنا إليها المفكر والفيلسوف المسلم طارق رمضان، للبحث عن الحقيقة ومحاولة وضع إطار فلسفي لفهم التعددية، من أجل تهيئة مجتمع عالمي يسوده التعايش والحوار والتعاون، وذلك من خلال كتابه الجديد الذي سيصدر غدا (5-8-2010) ويحمل عنوان "البحث عن المعني: وضع فلسفة للتعددية".
يضم الكتاب 224 صفحة ويصدر عن دار نشر ألن لان البريطانية، ويعد أحدث مؤلفات طارق رمضان المفكر الإسلامي المعروف في أوروبا.
ورمضان هو زميل كلية سانت أنتوني في أكسفورد وباحث أول في مؤسسة لوكاهي، ساهم من خلال كتاباته ومحاضراته بشكل كبير في النقاش حول قضايا المسلمين في الغرب والإحياء الإسلامي في العالم الإسلامي. وهو ناشط أكاديمي وأيضا يتمتع بحضور شعبي في أنحاء كثيرة من العالم لكتاباته حول أخلاقيات المواطنة والعدالة الاجتماعية والحوار بين الحضارات. وهو عضو في العديد من المنظمات الدولية واللجان التوجيهية ، وقد ترجمت كتبه إلى لغات عديدة وعدته مجلة تايم واحد من أهم المبدعين في القرن 21.
رحلة إلى الأعماق
يدعو طارق رمضان في كتابه الجديد القارئ للانضمام معه في رحلة إلى أعماق الأديان والتقاليد الروحية الدينية والعلمانية، لاستكشاف أهم القضايا الملحة المعاصرة ؛ وخلال هذه الرحلة يناقش رمضان مفاهيم وقضايا أساسية كالعلاقة بين الإيمان والعقل ، والعواطف والقيم الروحية والتقاليد والحداثة والحرية والمساواة والعالمية والحضارة.
ومع اعترافه بوجود بؤر ومسارات للتوتر والصراع على مستوى العالم فإنه يسعى لرأب الصدع والوصول إلى أرضية مشتركة بين كل هذه التقاليد الدينية والفكرية، ويدعو بإلحاح إلى حوار عميق وهادف لتجاوز مفهوم التعايش في تسامح إلى التعايش في احترام متبادل.
يأتي الكتاب في أسلوب تأملي ومباشر، وهذا أمر مطلوب في وقتنا الراهن حيث لابد من النقاش المباشر حول أهم القضايا العصرية، فيكتب عن القيم المشتركة بين مختلف الأديان والحضارات والثقافات والتقاليد ، وهو دعوة للنظر بعمق في ماضي هذه المذاهب والأديان المختلفة للبحث عن الميراث المشترك، والحقائق العالمية التي نتشارك فيها بغض النظر عن مدى ما وصلنا إليه. وذلك في محاولة نزع فتيل التوتر بين المجتمعات.
والكتاب يعد محاولة جريئة من رمضان للبحث عن أطر مشتركة للتأصيل لفلسفة جديدة من التعددية من أجل التعايش السلمي. والكتاب يسعى للإجابة عن سؤال مهم هو: هل يمكن أن توجد أوجه التشابه بين أناس من خلفيات مختلفة؟
انظر من النافذة إلى المحيط
في محاضرة له للتعريف بكتابه ألقاها في الثاني من أغسطس الجاري بمدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية أكد رمضان أن نقطة البداية التي ينبغي علينا الاقتناع بها هي أننا كبشر مختلفون ، وكل منا لديه نافذة يطل منها على المحيط، ولابد أن يتفهم كل منا أن زاوية كل نافذة تجعل الرؤية مختلفة رغم أن الجميع ينظر لنفس المحيط، وبالتالي يجب تقبل حقيقة أنه لا يوجد أحد يحتكر الحقيقة كاملة أو لديه الرؤية الكاملة فالرؤية الشاملة للمحيط لن تتم إلا من خلال كل النوافذ معا.
وأشار رمضان أن الحقيقة الثانية التي يجب أن ننطلق منها أن البشر لا يتسمون بالكمال؛ وبالتالي فهم في حاجة لبعضهم البعض ولا يمكنهم العيش إلا في إطار الاعتماد المتبادل سواء على المستوى المادي أو العقلي أو الفكري ، فمن حقك أن تؤمن بصحة رأيك لكن ليس من حقك أن تنكر آراء الآخرين بل عليك أن تتقبلها وتكون على قناعة بإمكانية صحتها.
ورأى رمضان في تقديمه للكتاب بمدرسة لندن أن فلسفة التعددية تدور حول المسئولية بحيث يمكن مرادفة التعددية بالمسئولية، وهذه المسئولية هي مدينة وكذلك أخلاقية، وهناك علاقة وثيقة بين الحرية والمسئولية فكلما كان الإنسان حرا كلما كان لديه شعور بالمسئولية تجاه مجتمعه وهذه المسئولية تفرض عليه تقبل الآخرين كما هم ، واحترام أفكارهم، بينما التعصب العقلي يجعلنا نعتقد أن الآخرين على خطأ فنتعامل معهم على هذا الأساس.
المستشرقة الأيرلندية كارين أرمسترونج قدمت قراءة للكتاب نشرت في مجلة فاينانشيال تايمز، وذكرت خلال عرضها للكتاب أن العبارة الأولى التي تضمنها الكتاب قد جذبتها كثيرا حتى أنها لم تستطع إلا أن تنهي صفحاته بالكامل حيث تقول العبارة "هذا الكتاب عبارة عن رحلة واستهلال" ، فطارق رمضان على يقين من أننا جميعا نعاني من أزمة الثقة؛ فالخوف والشك وعدم الثقة قد احتلوا قلوبنا وعقولنا بصورة تدريجية، وبهذا يصبح الآخر الصورة السالبة لنا، واختلاف الآخرين يجعلنا ندرك ذواتنا ونحدد هويتنا.
وترى أرمسترونج أن طارق رمضان قد اختبر ذلك بنفسه فهو يمثل صوتا قويا للإصلاح والنهضة في العالم الإسلامي ، وإن كان لدى الغرب الكثير من الشكوك تجاهه فكثير من الليبراليين يوجهون إليه النقد بزعم أن الإسلام لا يعني بالإصلاح أو النهضة، وبالتالي فقد باتت الشكوك والمخاوف تهيمن على حياتنا السياسية وكثيرا ما تمنع الآخرين من رؤيتنا بوضوح . فوفقا لرمضان يصبح "الآخر" الظل المعاكس الذي نسقط عليه كل مخاوفنا اللاشعورية.
الاحترام لا التسامح
يرى رمضان-في كتابه- أن مفهوم التسامح الذي اعتبر شعارا لفلاسفة عصر التنوير ليس كافيا على الاطلاق، فالمعنى الحرفي للتسامح يعني أن "تعاني من" أو "تحتمل" وجود الآخرين، وهو ما يتضمن وجود علاقة هيمنة، فهناك طرف قوي مطلوب منه أن يسيطر على نفسه ويحد من قدرته على إلحاق الضرر بالآخرين، أي أن هذا التسامح ينطوي على قبول الآخر على مضض لكل من الطرف الأقوى والأضعف.
وبحسب رمضان فإن المطلوب هو الاحترام لا التسامح، وهذا الاحترام يقوم على أساس المساواة والعلاقة المتكافئة ، فالتسامح يقصر علاقتنا بالآخر لمجرد السماح له بالتواجد بينما الاحترام يكشف لنا مكنونات نفسه، كما أن الاحترام يشترط وجود المعرفة فالإنسان لن يحترم المجهول، لذا لابد أن يتعرف جيدا على الآخرين ومن ثم يتعامل معهم باحترام وتقدير.
وتؤكد كارين -في مراجعتها لكتاب رمضان الأخير- على أننا دائما مفتونون بتصور أن آراءنا هي الحقيقة الوحيدة في الكون، في الوقت الذي يصر فيه طارق رمضان على أن هناك حقائق مشتركة عالميا ويتم التوصل إليها بشكل مختلف في العديد من أنظمة الفكر سواء العلمانية أو الدينية؛ فحتى يكون اختيارنا للحقيقة التي نؤمن بها معنى لابد من تجربة الحقائق الأخرى والنظر لها على أنها صادقة ، أما إذا نظرنا لرؤيتنا على أنها ذات طابع فريد فإنها ستفقد معناها وهذه هي الحكمة في اختلاف الناس وتنوع عقائدهم وأفكارهم "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" .
وتعتبر كارين الكتاب نظرة عاطفية عقلانية ثاقبة فالرسالة الأساسية التي يتضمنها تتلخص في: أن بقاءنا يعتمد على قدرتنا على بناء مجتمع عالمي يقوم على الاحترام والتناغم ، فالساحة السياسية الآن تهيمن عليها ردود فعل عامة عاطفية وفورية، وفي هذا العصر الذي تسوده وسائل الاتصال العالمية ، أصبحنا نتعرض لموجات من المد والجزر من الانفعالات العالمية التي أدت إلى أعمال عنف أعمى في العالم ، والناخبون اليوم أصبحوا أقل اهتماما بالأفكار والقناعات وبدلا من ذلك يتم تعبئتهم عبر مخاوفهم وعبر حاجتهم إلى الأمن والطمأنينة وهوية واضحة المعالم.
"نحن" و"الآخر"
وإبقاء البشر في حالة مستمرة من التأهب ، يجعل هناك شعور جماعي بالإيذاء وشعور كل شخص أنه ضحية مما يقوض كل إحساس بالمسؤولية ؛ فالضحية يرى مبررا لإلقاء اللوم على الآخر الذي يمثل مصدر خطورة ، وهذا الآخر بعيد جدا عنا لكنه كذلك منا وبيننا حتى أصبحنا لا نستطيع تحديد مفهوم كلمة "نحن" ، ووفقا لرمضان فإن خطر الإرهاب هو من الضخامة بحيث أن في ظله أصبح تجاهل حقوق الإنسان أمرا مقبولا ، بحيث أصبح الخضوع للرقابة وفقدان الحق في الخصوصية ، وإقامة معسكرات للتعذيب أمورا مفروغا منها.
والعلاج في نظر طارق رمضان يكمن في إعادة تشكيل أنفسنا على المستوى العميق مرارا وتكرارا ، فالمبادئ التي وضعها الفلاسفة وعلماء الدين تمكن البشر من تجاوز الحدود الضيقة بخصوص مكنونات النفس والأنانية المخيفة فيصبح "نحن" مقياسا لكل شيء . ونحن بحاجة إلى فهم دوافعنا ، وتحليل عواطفنا وانفعالاتنا ، وهمومنا وجروحنا ومن ثم نحكم السيطرة عليها .
ويرى رمضان أنه بدلا من إلقاء اللوم على الآخرين لابد من تطوير القدرة الحاسمة على الوقوف مرة أخرى والاعتراف بأخطائنا وتحمل المسئولية الكاملة عن أفعالنا ، علينا أن نعيد تعريف أنفسنا وأن ندرك أنه ليس هناك شيء اسمه هوية شخصية أو حضارية خالصة وأننا جميعا نتاج لمؤثرات متنوعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق