الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

حصار الجوع..هل تبخرت أحلام الألفية؟

أمل خيري

عشر سنوات مضت منذ إتفاق قادة العالم عام 2000 على تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية بحلول عام 2015، وبات واضحا أن ما تحقق من هذه الأهداف حتى الآن لم يرق للمستوى المطلوب فالوقت يداهم بقوة والأزمات العالمية تدفع الأهداف الإنمائية عن مسارها الصحيح.

وفي حين كان خفض الجوع إلى النصف من بين أهم هذه الأهداف ومن القضايا ذات الأولوية القصوى التي وضعت على رأس جدول أعمال مؤتمر القمة الذي سيعقد بنيويورك في الفترة من 20 إلى 22 من سبتمبر الجاري فما زال الجوع يزداد ولا يزال يمثل تحدياً عالمياً هاماً.

فوفق تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لمتابعة التقدم المحرز في تنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية الذي عرض على الجمعية العامة للأمم المتحدة في فبراير 2010 ، مازال هناك أكثر من مليار شخص جائع في العالم وهناك ما يزيد عن ملياري شخص يعانون من نقص التغذية، و١٢٩ مليون طفل يعانون من نقص الوزن و١٩٥ مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من التقزم.

ومع ارتفاع عدد الجياع في أرجاء العالم من ٨٤٢ مليون شخص عام ١٩٩٠ لأكثر من مليار عام 2009 تضاءلت فرص الحصول على الغذاء بسبب ارتفاع أسعار الأغذية والأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي أدت إلى انخفاض الدخل وارتفاع معدلات البطالة، مما أدى إلى تقويض الثقة في التقديرات التي تشير إلى انخفاض الفقر في العالم، طالما أن الفقر يقاس بالدخل أو بالنفقات التي تعتبر ضرورية لتجنب الجوع.

فشل جماعي

وفي ظل هذه الحقائق أصبح من المرجح أن يشهد العالم أكبر فشل جماعي في التاريخ، ما لم يتم وضع خطة إنقاذ عاجلة لتسريع تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية خاصة في مجال خفض الجوع، وفي هذا الإطار صدر قبل عدة أيام تقرير عن منظمة أوكسفام بعنوان "خفض الجوع : هل ما زال ممكنا؟" ،والذي وضعته المنظمة كخطة إنقاذ بديلة للمعاونة في تحقيق هدف خفض الجوع معتبرة أن الفرصة الوحيدة لتجنب الفشل تتمثل في اتخاذ التدابير اللازمة، سواء على الصعيد السياسي أو المالي، لمواجهة القضايا العالمية التي تؤثر على الأمن الغذائي والتصدي لها بصورة جماعية.

ويشير التقرير إلى أن أغلب ضحايا الجوع من النساء والأطفال ، ونتيجة لزيادة أسعار المواد الغذائية خلال شهر أغسطس 2010 زاد انعدام الأمن الغذائي مما يؤكد هشاشة النظام الغذائي العالمي الذي يخضع لتقلبات الأسعار، ويزيد من احتمالات التعرض لأزمات أخرى خاصة مع استمرار مشكلات الوقود الحيوي والمضاربة في السلع الأساسية، وتزايد الطلب على اللحوم والطاقة في البلدان النامية، وركود الإنتاجية الزراعية خاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، إضافة لانعدام الأمن السياسي في كثير من الدول والذي يهدد التنمية والأمن الغذائي، كما تسبب تغير المناخ في جعل الفئات الأكثر فقرا في العالم تصل إلى حافة حدود الكفاف.

فتش عن السبب

ولكي نتعرف على الحلول المناسبة لمشكلة الجوع لابد من فهم الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الجوع، فالجوع وسوء التغذية ليسا نتيجة لندرة الغذاء ولكنهما نتيجة للفقر وعدم المساواة ، لا سيما في المناطق الريفية ،التي يعيش فيها ثلاث أرباع الفقراء.

والسبب الأول للجوع يتمثل في إهمال القطاع الزراعي، فبداية من الثمانينيات من القرن الماضي بدأت الحكومات الوطنية في التخلي عن القطاع الزراعي في البلدان النامية بسبب سياسات التكيف الهيكلي وتحرير الأسواق الزراعية التي فرضتها المؤسسات المالية الدولية مما أدى إلى إهمال الإنتاج المحلي للأغذية.

ومع الخفض الحاد في الإنفاق العام قل الاهتمام بالبحوث الزراعية الوطنية ونظم الإرشاد والتسويق للجهات المانحة، مع ترك القطاعات الإنتاجية في يد السوق، في الوقت نفسه وجهت المساعدات والمعونات الدولية إلى الإغاثة في حالات الطوارئ، وكانت النتيجة ركود الإنتاجية الزراعية، وخلال فترة التسعينيات لم تزد انتاجية الحبوب إلا بنسبة لا تتجاوز 1,2 % سنويا، مقارنة بنسبة 2,1 % بين عامي 1960 و1990 .

ويعود السبب الثاني للقواعد غير العادلة للتجارة الدولية، ففي حين تم تخفيض المعونة المقدمة للزراعة في البلدان النامية، زاد دعم البلدان الصناعية لمزارعيها، ومع التوسع في استخدام التكنولوجيا في هذه البلدان صارت السلع الزراعية المنتجة في الدول النامية غير قادرة على منافسة الواردات من الدول الصناعية من حيث الجودة والسعر مما دفع بالعديد من المنتجين للتخلي عن نشاطهم.

وتعتبر هاييتي مثالا واضح في هذا الإطار ففي الثمانينيات كانت هاييتي تنتج 80% من حاجات الاستهلاك المحلي من الأرز بل وكانت مصدرة صافية للأرز، إلا أنها قامت بتحرير قطاعها الزراعي قسرا بناء على توصيات المؤسسات الدولية المانحة وبالتالي تخلت الدولة عن مزارعيها وكانت النتيجة عدم قدرة المحصول على منافسة الأرز الأمريكي المدعوم فتخلى الكثير من المزارعين عن أراضيهم وهاجروا للعاصمة، وأصبحت هاييتي تستورد 80% من حاجات الاستهلاك المحلي من الأرز وغدت تنتمي لمجموعة البلدان ذات العجز الغذائي.

ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في عامي 2007 و2008 وقعت أزمة حقيقية للدول النامية التي تعتمد على تجارة المواد الغذائية خاصة مع عدم وجود الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر ضعفا وكانت الأسر التي ترأسها نساء الأكثر تضررا، حيث لم يعد أمامها سوى خيارين: خفض ما ينفق على الغذاء وتناول كميات أقل، أو خفض نفقات أخرى.

وتشير توقعات منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، للفترة 2010- 2019 إلى أن العقد القادم سوف يشهد المزيد من ارتفاع أسعار المواد الغذائية لتتراوح ما بين 15: 40 % للحبوب الجافة وأكثر من 40 % بالنسبة للنفط، ومن 16: 45 % بالنسبة لمنتجات الألبان .

توصيات أوكسفام

وفي ختام تقريرها توصي منظمة أوكسفام بمجموعة توصيات لتحقيق هدف خفض الجوع بحلول عام 2015 من بينها:

  • تنسيق العمل في إطار نهج مزدوج المسار:

1. ففي المدى القصير يجب الاستجابة للاحتياجات الفورية للسكان المعرضين للخطر (مناطق الكوارث والنزاعات) مع تقديم المساعدات الغذائية الطارئة، والعلاج والتغذية وشبكات الأمان، فضلا عن تمكين المزارعين من الوصول إلى البذور والأسمدة.

2. وعلى المدى الطويل لابد من تطوير الإنتاج الزراعي وزيادة المرونة، ودعم الزراعة على نطاق صغير، والتحسينات في أداء السوق، والتوسع في أنظمة الحماية الاجتماعية.

  • دعم لجنة الأمن الغذائي العالمي باعتبارها المنبر الرئيسي لتوجيه السياسات وتنسيق الجهود العالمية لمعالجة الأسباب الجذرية للجوع وسوء التغذية.
  • وضع آلية للمساءلة عن التمويل العالمي، بمعاونة لجنة الأمن الغذائي.
  • تعزيز دور المرأة الأساسي في تحقيق الأمن الغذائي والتغذية فلابد من مكافحة عدم المساواة بين الجنسين كإجراء أولي لمكافحة الجوع، فتشير التقديرات إلى أن المرأة تنتج 60-80 % من المواد الغذائية المستهلكة في البلدان النامية، وبالتالي فهي مفتاح الأمن الغذائي ومع ذلك، يتم استبعادها من دائرة صنع القرار، بل وتكون أقل قدرة على الوصول إلى الأراضي والمياه والتكنولوجيات الجديدة والإرشاد الزراعي والائتمان والأسواق.
  • تنظيم أسواق السلع الغذائية، للحد من المضاربات وتقلبات الأسعار.

وبالنسبة لحكومات البلدان المتقدمة فإن لديها دور رئيسي يتمثل في:

  • زيادة سنوية للمعونة قدرها 75 مليار دولار للاستثمار في الزراعة والتنمية الريفية والأمن الغذائي.
  • التوافق مع الأولويات الوطنية والإقليمية، ودعم بناء القدرات لضمان التنفيذ الفعال للمعونة .
  • تمويل إضافي لتعزيز تنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية من خلال مصادر مبتكرة مثل فرض ضريبة على المعاملات المالية الدولية، الإلغاء التدريجي لمعظم أنواع الإعانات الزراعية في الدول الغنية والإعفاءات الضريبية على الوقود الحيوي .

وبالإضافة إلى ذلك، توصي منظمة أوكسفام حكومات البلدان النامية:

  • زيادة الإنفاق العام على الزراعة والتنمية الريفية والأمن الغذائي والتغذية والحماية الاجتماعية، واستهداف النساء وأصحاب الحيازات الصغيرة والمستهلكين الأكثر ضعفا .
  • تطوير العمل الوطني والإقليمي من حيث:
  1. اتخاذ إجراءات محددة للحد من الجوع وسوء التغذية.
  2. تحديد سبل التمويل.
  3. تحديد الاحتياجات المالية والتقنية من المساعدات الدولية.
رابط النشر:
http://www.onislam.net/arabic/nama/news/124297-2010-09-20-09-32-40.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق