الثلاثاء، 4 سبتمبر 2012

فضيحة كشفت عنها تحقيقات لشبكة البي بي سي


بريطانيا لم تلتزم بتجميد أموال وأصول نظام مبارك

كتبت: أمل خيري
منزل جمال مبارك بلندن
كشف تحقيق وثائقي أجرته هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي"، ونشرته بالتزامن صحيفتا الجارديان والحياة اللندنية أن الحكومة البريطانية فشلت في الالتزام باتفاقات تجميد أموال وأصول خاصة بنظام حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك. وأظهر التحقيق أن الحكومة البريطانية لم تجمد سوى 85 مليون جنيه استرليني (850 مليون جنيه مصري) من ممتلكات وأرصدة رموز ومسؤولي نظام حكم مبارك، في مخالفة صريحة لقرار الاتحاد الأوروبي بتجميد أموال 19 شخصية مصرية من بينها الرئيس السابق حسني مبارك وعائلته.
وكانت بي بي سي قد توصلت لمستندات متاحة على مواقع الكترونية، أوضحت أن هناك ممتلكات وشركات مملوكة لمسؤولين بارزين في نظام مبارك لم تدرج ضمن الأموال والأصول  المجمدة؛ فعلى سبيل المثال تشير بيانات مكتب تسجيل الشركات في بريطانيا إلى أن نجلاء الجزايرلي زوجة وزير الاسكان الأسبق أحمد المغربي تمكنت في نوفمبر 2011 من تسجيل شركة باسمها في لندن على الرغم من أنها مدرجة على قائمة المسؤولين المستهدفين من العقوبات بعد مرور 7 أشهر على تجميد ممتلكاتها.
 
كما كشفت وثيقة مشابهة عن أن شركة ميدانفيست لندن للاستثمارات التي أسسها جمال مبارك -وهي مملوكة
لشركة قبرصية يديرها جمال- قد واصلت نشاطها حتى فبراير الماضي، أي بعد مرور 11 شهرا على صدور قرار تجميد الأصول. كذلك لا توجد أي مؤشرات على أن مكتب تسجيل الأراضي (العقارات) في بريطانيا اتخذ قرارا في شأن المنزل الذي كان يقيم فيه جمال مبارك لسنوات عدة ويقع في منطقة ويلتون بالاس في نايتس بريدج وسط لندن، ويقدر ثمنه بنحو 8 الى 10 ملايين جنيه استرليني، وهو المنزل الذي سجله جمال رسميا كمحل لإقامته عام 2010، وظهر في شهادة ميلاد ابنته فريدة. وعلى الرغم من أن ملكية العقار تعود إلى إحدى الشركات في بنما إلا أن العقوبات المفروضة يجب أن تسري على المنتفع من العقار حتى وإن لم يكن المالك.
وحصلت بي بي سي على تقارير تبين أن الأموال المصرية المنهوبة تم تحويلها إلى مدريد ودبي ولندن وقبرص وبنما ومراكز ''أوف شور'' في أوروبا والكاريبي، وبعض هذه الأموال تم استثمارها في عقارات باهظة الثمن في لندن وغيرها من المدن العالمية.
وكانت الحكومة البريطانية قد وافقت على طلب السلطات المصرية بمساعدتها في تتبع وتجميد هذه الأصول، إلا أن بريطانيا دائما ما تطلب معلومات قبل الشروع في اتخاذ القرارات، وهو الأمر الذي يتعسر على الحكومة المصرية. وفي التحقيق الذي أجراه مراسل البي بي سي أكد المستشار عاصم الجوهري مساعد وزير العدل لشؤون الكسب غير المشروع، ورئيس لجنة استرداد الأموال المهربة للخارج أن الحكومة البريطانية ملزمة بقوة القانون بالتعاون مع الجانب المصري إلا أنا لا تبذل أي جهد للمساعدة على استرداد الأموال".
يذكر أن هناك العديد من التقارير التي أكدت استيلاء مبارك والدائرة المقربة منه على مليارات الدولارات في مصر، وكانت من بين العوامل المساعدة على اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير. وعقب الثورة التي أطاحت بنظام مبارك اتفقت بريطانيا مع بعض دول الاتحاد الأوربي على فرض عقوبات على هؤلاء المسئولين، غير أن هذه الخطوة جاءت بعد 37 يوما، مما سمح لدوائر من المقربين لمبارك بتهريب أموالهم وأصولهم تحسبا لأي إجراء قد يتخذ ضدهم.
ومع تصاعد الضغط الشعبي لاستردادا المليارات المنهوبة في الشارع المصري بعد ثلاثة أيام من سقوط مبارك، طلبت الحكومة المؤقتة في القاهرة من السلطات الغربية تجميد أصول العديد من أعضاء النظام السابق الذين كان يشتبه في اختلاسهم الأموال، مما دفع وزير الخارجية البريطاني وليام هيج أن يعلن أمام البرلمان البريطاني أن حكومته ستتعاون من السلطات المصرية من أجل تجميد أصول وممتلكات مسؤولين سابقين. وبالفعل صدر قرار بتجميد أصول بقيمة 85 مليون جنيه استرليني في بريطانيا يملكها مبارك وزوجته سوزان ثابت ونجلاه علاء وجمال إضافة إلى 15 مسؤولا آخرين.
النتائج التي توصلت إليها تحقيقات بي بي سي كانت مفاجئة إلا أن السلطات البريطانية رفضت التعليق، وقال اليستر بيرت وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية أنهم مازالوا يعملون مع السلطات المصرية للكشف عن هذه الأصول وتجميدها، غير أن عملية استعادة الأموال والأصول المسروقة لابد أن تتم بشكل قانوني؛ إذ أن بريطانيا لا يمكنها تجريد شخص من أمواله وممتلكاته وترسلها إلى دولة أخرى دون أن يكون قد تمت إدانته رسميا أو صدور قرار رسمي بمصادرة هذه الممتلكات، مضيفا أن بلاده لم يكن باستطاعتها تجميد أصول لمجرد الاشتباه.
وخلافا للطريقة التي تعاملت بها بريطانيا مع هذه القضية، تمكنت سويسرا من تجميد أصول لمبارك وأعوانه خلال نصف ساعة فقط من تنحيه، وبلغت قيمة الأصول التي جمدت حتى الآن نحو 700  مليون فرنك سويسري (4,471 مليار جنيه مصري) منذ فبراير 2011، بعد أن كانت وقتها تقدر بنحو410 مليون فرنكا فقط، في المقابل لم تشهد قيمة الأموال المصادرة في بريطانيا أي زيادة منذ العام الماضي. واتهم محمد محسوب وزير الشؤون القانونية المصري الجديد بريطانيا بالتقصير في الالتزام باتفاقيات التجميد، مشيرا إلى أن التقصير طال أيضا جهات داخلية نتيجة استمرار بعض العناصر الموالية للنظام القديم، مما أدى لفشل التحقيقات.
وأشارت تقديرات خبراء البنك الدولي إلى أن قيمة ما تم نهبه خلال سنوات حكم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك والذي استمر ثلاثين عاما يفوق 130 مليار دولار من بينها 54 مليار خلال السنوات الثماني الأخيرة، غير أن التحقيق كشف عن أن قيمة ما تم تجميده من هذه الأموال والأرصدة لا يتجاوز المليار دولار من بينها 800 مليون في مصارف سويسرا إلا أن هذه الأموال ربما لا تتمكن الحكومة المصرية من استعادتها قبل 10 سنوات كما أشارت البي بي سي.
يأتي هذا التحقيق في الوقت الذي تجري فيه الحكومة المصرية مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض ترفضه أغلب القوى السياسية، ومن شأن هذه الأموال لو تم استعادتها أن تجنب الحكومة المصرية اللجوء للاقتراض، من هنا فإن عدم تجميد بريطانيا لهذه الأموال يمثل ضربة قوية وفضيحة مدوية قد تجعل من استرداد مصر لأموالها المنهوبة أمرا في عداد المستحيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق