أمل
خيري
منذ
عقود طويلة وحلم التكامل العربي يراود الكثيرين، إلا أن غياب الإرادة السياسية حال
دون المضي في تحقيق هذا الحلم؛ فمازال حجم التجارة البينية بين الدول العربية لا
يتعدى 11% فقط. ومع بزوغ فجر الربيع العربي عاد الحلم يداعب خيال الشعوب قبل النخب، ولأن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، فإن
حلم التكامل العربي يبدأ تحقيقه بتكتلات اقتصادية محدودة بين دول الجوار تمهيدا
لترابط هذه الكيانات معا، ومن بين هذه التكتلات المطروحة إحياء مشروع المثلث الذهبي
بين مصر وليبيا والسودان.
مقومات تحقيق التكامل بين الدول الثلاث متوافرة؛ حيث
الجوار الجغرافي، والرباط الثقافي والتاريخي والحضاري المشترك، إضافة إلى تباين
الموارد الذي يجعل التكامل ميزة لكل الأطراف، فمصر تتوافر فيها الخبرات والكوادر
البشرية والأيدي العاملة، والسودان يتميز بوفرة المياه والأرض البكر الخصبة
المؤهلة للزراعة، وليبيا غنية بالنفط والمواد البترولية. ومن شأن تنفيذ مشروع
التكامل بين دول المثلث الذهبي أن يحقق التنمية في الدول الثلاث، ويقضي على
البطالة، ويقلل من الاعتماد على الخارج.
وقد
شهدت الفترة الأخيرة تأسيس نواة التعاون بين الدول الثلاث في مجالات الزراعة
والاستثمار والتجارة والأمن. فتم افتتاح البنك الأهلي المصري بالخرطوم الخميس
الماضي بحضور رئيس
مجلس الوزراء الدكتور هشام قنديل، والنائب الأول للرئيس السوداني علي
عثمان محمد طه.
ويهدف
البنك البالغ رأسماله 50 مليون دولار لدعم المستثمرين المصريين في السودان، مما
يسهم في دفع حركة التجارة من خلال خفض تكلفة الاستيراد والتصدير بين البلدين.
وخلال الافتتاح أكد قنديل أنه تم الاتفاق مع الجانب
السوداني على إنشاء منطقتين صناعيتين بالسودان، الأولى بالعاصمة الخرطوم، والثانية
فى منطقة النيل الأبيض، لصناعة الجلود والصناعات الغذائية والكيماوية، إضافة إلى
مركز تدريب لتأهيل العمالة السوادنية.
وخلال
الزيارة أيضا تم توقيع اتفاقية بين وزارتي الزراعة المصرية والسودانية تقضي بإقامة
مزرعة نموذجية للاستزراع السمكي، بطاقة إنتاجية 300 طن في السنة، إضافة لإنشاء
مفرخ سمكي لتوفير الزريعة اللازمة للمشروع. كما اتفق قنديل مع الحكومة السودانية
على زراعة 2 مليون فدان بالسودان بالقمح والذرة ومحاصيل أخرى، بمساهمة شركة مصرية
قطرية، مشيرا إلى أن كلا من الرئيسين المصري والسوداني قد منحاه هو ونظيره
السوداني مهلة أقصاها 3 سنوات لتحقيق التكامل الاقتصادى بين البلدين.
وكان
من المقرر هذا الشهر افتتاح الطريق البري الذي يربط بين مصر والسودان "طريق
قسطل - وادي حلفا"، مرورا بالضفة الشرقية لنهر النيل،
إلا أن افتتاحه تأجل إلى يناير القادم، ومن شأن هذا الطريق أن يسهم في تدفق حركة
البضائع والركاب، وخفض تكلفة النقل بين البلدين التي تبلغ حاليا 1200 دولار للطن
الواحد من السلع جوا مقابل 200 دولار فقط عن طريق النقل البري. كما أن هذا الطريق
يتيح انتقال الأفراد والبضائع من الخرطوم إلى الإسكندرية ومنها إلى ليبيا ودول
المغرب العربي والعكس. ومن المعتزم كذلك إنشاء طريقين آخرين بعد الانتهاء
من افتتاح الطريق الأول، يمتدان من مصر إلى السودان، ثم غربا إلى تشاد، وجنوبا إلى
أثيوبيا، ثم جنوب أفريقيا، مما يعزز حركة التجارة بين مصر والقارة الأفريقية.
وتتجه
مصر كذلك إلى الربط الكهربائى مع السودان، كما وقع الجانبان المصري والسوداني اتفاقية
حول التفتيش على المعابر بين البلدين تنص على إنشاء وحدة مشتركة من الجانبين
لتفتيش البضائع مرة واحدة بدلا من مرتين كما كان الأمر فى السابق.
يذكر
أن حجم الاستثمارات المصرية بالسودان تخطى المليار دولار، إلا أن الحكومتين اتفقتا
على استثمارات تقدر بنحو 7 مليارات دولار. وعلى الرغم من تواضع حجم التبادل
التجاري بين البلدين إلا أنه قد شهد قفزات ملحوظة في الفترة الأخيرة ليصل إلى 500
مليون دولار، وتتركز معظم الاستثمارات المصرية في السودان في مجال الصناعة بنسبة
70,5%، يليها الخدمات بنسبة 28,2%، وتبدو المفارقة في تدني الاستثمارات في القطاع
الزراعي الذي لا يتعدى 1,1%، في حين كان من المفترض أن يحتل المرتبة الأولى في
البلاد ذات التربة السمراء.
أما
بخصوص الجانب الليبي فإن هناك رغبة لدى مصر وليبيا لزيادة حجم التجارة البينية،
التي شهدت انخفاضا ملحوظا في الفترة الماضية، فخلال الربع الأول من العام الحالي
لم تحقق التجارة بين البلدين سوى نحو 467 مليون دولار، مقابل مليار و586 مليون
دولار عام 2010، وتشمل أهم السلع التى يتم تصديرها من مصر إلى ليبيا منتجات
الألبان والزيوت والعصائر والمربات والأجهزة المنزلية المعمرة ومواد البناء
والمنتجات المعدنية والأدوية والأثاث، فى حين يتم استيراد بروبلين غير مشبع وغاز
بوتان بوتاجاز ومنتجات الحديد والصلب وبولى ايثلين وميثانول. ويبلغ حجم الصادرات المصرية إلى ليبيا في
أغسطس 2012 نحو 660 مليون جنيه.
وخلال
زيارة رئيس مجلس الوزراء الليبي عبدالرحمن الكيب لمصر والوفد المرافق له في أغسطس
الماضي، أكد الجانبان على أهمية زيادة الاستثمارات الليبية في مصر والعمل علي
استئناف مشروع القاهرة الجديدة ومشروع الصالحية لاستصلاح ٣٣ ألف
فدان، وإعادة إحياء فكرة إنشاء منطقة اقتصادية حرة مشتركة في المنطقة الحدودية
للصناعات كثيفة الطاقة. كما تجري مفاوضات بين الجانبين على خطوات
تفعيل الاتفاق الذي يقضي باستيراد مصر 1,2 مليون طن خام من البترول الليبي، ومشاركة
شركات قطاع البترول المصرى فى مشروعات إعادة تأهيل معامل التكرير وإصلاح الأبار
البترولية فى ليبيا.
ومع
ذلك فإن استمرار الأزمة السياسية بين البلدين من شأنه أن يلقي بظلاله على مصير
العلاقات الاقتصادية بينهما في القريب العاجل؛ فمع رفض الجانب المصري طلبا ليبيا
بتجميد أموال وأرصدة رموز من النظام الليبي السابق علق الجانب الليبي ضخ
استثماراته في السوق المصري حتى تسوية الأزمة.
فقد
تقدمت الحكومة الليبية بطلب رسمي إلى كل من رئاسة الجمهورية والنائب العام والبنك
المركزي بتجميد أرصدة 329 شخصا وشركة ومؤسسة تعمل في الأراضي المصرية، ولديها
ارتباطات بالقذافي وأركان نظامه، والتي تقدر بنحو 70 مليار جنيه (11,6 مليار دولار)،
والتي تتوزع ما بين بنوك وشركات تأمين وشركات زراعية وعقارية وصناعية وملاحية
وطيران ومؤسسات مالية وفنادق 5 نجوم معروفة.
غير
أن الجانب المصري أكد أنه لن يجمد هذه الأموال إلا بعد صدور حكم قضائي نهائي من
قبل المحاكم الليبية، كما أن الحكومة المصرية لم تسلم حتى الآن بعض رموز نظام
القذافي المتواجدين على أراضيها، وهو الأمر الذي قوبل بالاستياء من الحكومة
الليبية التي ألمحت إلى استعداد ليبيا استقبال 1,5 مليون عامل مصري جدد، بمجرد تسليم
القاهرة هؤلاء الرموز، كما أشار ناصر بيان رئيس مجلس
الأعمال المصري الليبي إلى توقف ليبيا عن ضخ أي استثمارات في السوق المصري حتى
تسليم هذه الشخصيات.
نشر بجريدة الشعب
العدد11
25 سبتمبر 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق