الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

سيناريوهات العلاقات الاقتصادية المصرية الفلسطينية بعد إغلاق الأنفاق



أمل خيري

 

عقب الأحداث المأساوية التي شهدتها رفح رمضان الماضي، انطلقت مطالبات عديدة بتدمير الأنفاق بين غزة وسيناء، على اعتبار أنها موطن لتهريب السلاح والإرهابيين، تأسيسا على إدعاءات متسرعة قبل التوصل لنتائج رسمية للتحقيقات حول الحادث، نسبت العملية لجهاديين من غزة قدموا عبر هذا الأنفاق.

 

وبغض النظر عن التسرع في هذه الأحكام، فإن مسألة الأنفاق ترتبط بعمليات تهريب أخرى للسلع، ومنها سلع مدعومة داخل مصر، وكذلك تقترن بامبراطوريات الاقتصاد السري، والتي يتحكم فيها نحو 2471 مليونير حسب آخر دراسة قام بها بعض الباحثين المتخصصين داخل قطاع غزة، من بينهم 613 مليونيرا أعلنوا ثروتهم وسجلوها لدى سلطة حماس.

 

تقرير حديث آخر صادر عن الأمم المتحدة، أكد أن أباطرة الأنفاق من التجار يحققون أرباحا تصل إلى حوالي 500- 700 مليون دولار أمريكي سنويا، في حين يقدر حجم تجارة الأنفاق كلها بمليار دولار سنويا. ومع ذلك فإن تدمير الأنفاق لن يؤدي فقط لخسارة هؤلاء التجار، بل إنه سيساهم في زيادة حدة البطالة بين السيناويين الذين يعملون في نقل البضائع بين غزة ومصر عبر هذه الأنفاق، وتتراوح يوميتهم بين 50 و100 جنيه، ومع الشروع في تدمير الأنفاق زادت معاناة هؤلاء العمال، وسيطر الكساد على المنطقة، وبالتالي لم يتضرر الجانب الفلسطيني وحده بل طالت الأضرار سيناء، ومن ثم كان لابد من البحث عن بديل للأنفاق، وهو ما تناولته صفحة  الشعب الاقتصادي في عددها الصادر 4 سبتمبر الجاري، بالحديث عن إنشاء منطقة تجارة حرة بين مصر وغزة.

 

وفي هذا الصدد صدر عن منتدى الأعمال الفلسطيني مؤخرا تقريرا بعنوان "مستقبل التجارة والعلاقات  المصرية الفلسطينية في ظل الحكومة المصرية الجديدة". ويبحث التقرير في الأشكال الممكنة للعلاقة الاقتصادية بين مصر وفلسطين مستقبلا، مقترحا ثلاث آليات لها، وهي عقد اتفاق تجاري، وإقامة منطقة تجارة حرة، بالإضافة إلى إنشاء مناطق صناعية للتنمية المستقبلية.

 

وأشار التقرير إلى أن تطوير معبر رفح كمنفذ تجاري من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض التبادل التجاري الفلسطيني مع إسرائيل عبر معبر كرم أبو سالم، لصالح زيادة التبادل التجاري مع مصر، مما يؤدي بالضرورة إلى انتهاء الاعتماد على الأنفاق بشكل تدريجي.

 

وأكد التقرير أن  تطوير العلاقات الاقتصادية وفق اتفاق تجاري يساهم في علاج الخلل في الميزان التجاري الفلسطيني وتحرير التجارة البينية؛ حيث يمكن لمصر أن تستورد ما بين 20-40%  من المنتجات والسلع الفلسطينية، وبالمقابل تستورد فلسطين ما بين 50-80% من البضائع المصرية والعربية، مما ييسر إنشاء مشاريع مشتركة لتعزيز القدرة التنافسية لكلا الاقتصادين أمام المنتجات الأجنبية في السوقين المصري والفلسطيني، ويساهم في كسر احتكار إسرائيل للتجارة الخارجية الفلسطينية.

 

كما قدم التقرير دراسة حالة لمشروع منطقة تجارة حرة بين مصر وقطاع غزة والذي قدمته  الحكومة الفلسطينية في غزة، وتقدر المساحة المقترحة ما بين 12,222- 22,222 دونم، يتم إنشاؤها والعمل فيها على مراحل. وذلك بغرض توثيق وتعزيز التعاون الاقتصادي والترابط بين الشعبين المصري والفلسطيني، وجذب رؤوس الأموال الفلسطينية والمصرية عبر تأمين مناخ استثماري آمن، وتوفير أكبر عدد ممكن من فرص العمل المتنوعة من الأيدي العاملة المصرية والفلسطينية المؤهلة، وتأمين مراكز عبور آمنة للبضائع والمواد الخام.

 

ويعتبر الجانب الفلسطيني هذا المشروع ضمانة لتحرر غزة من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، لذا فكان أحد الملفات التي حملها معه هنية في زيارته لمصر الشهر الماضي.

في المقابل يتعرض الجانب المصري لضغوط خارجية حول المشروع الذي مازال قيد الدراسة، غير أن حزب الحرية والعدالة أبدى حماسه للمشروع، على اعتبار أنه يساهم في خلق نوع من الرواج الاقتصادي في المنطقة وبخاصة في محافظة سيناء والتي أصبح حوالي91% من سكانها يعانوا من مشكلة البطالة، نتيجة تراجع السياحة التي يعتمد عليها أغلب السكان.

 

أما الآلية الثالثة التي اقترحها التقرير فتمثلت في إنشاء مناطق صناعية مشتركة للتنمية المستقبلية، يقترح إنشاؤها على 5238 دونم، بهدف خلق فرص عمل للجانبين، والمساهمة في نقل التكنولوجيا، وزيادة مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي لكلا البلدين، وإيجاد بنية تحتية متقدمة لتشجيع الصناعة وزيادة مقدرتها على المنافسة، مع إداراتها وتشغيلها وفق أحدث النظم الإدارية العصرية، وأخيرا إيجاد مراكز خدمات مركزية لخفض التكلفة على المستثمرين.

 

ولاشك أن تطبيق هذه الأشكال الطبيعية من العلاقة التجارية بين غزة ومصر سيعود بفوائد اقتصادية كبيرة على الجانبين، أهمها سهولة تدفق البضائع في الاتجاهين، وتطوير المناطق المهمشة على الحدود، وتشغيل عدد كبير من العاطلين في مصر وغزة، إضافة إلى رفع مستوى التبادل التجاري المصري الفلسطيني على حساب التبادل التجاري بين غزة و)إسرائيل)، ناهيك عن تدفق السلع بين الجانبين بشكل شرعي تحت إشراف السلطات، وهو ما يؤدي للقضاء على ظاهرة الأنفاق بما تحمله من آثار سيئة على الأمن في كل من مصر وقطاع غزة.

نشر بجريدة الشعب عدد 11

25 سبتمبر 2012

Top of Form

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق