أمل خيري
إسلام أون لاين
ربما لا يعلم الكثيرون منا بوجود دولة صغيرة، عبارة عن مجموعة جزر تقع في المحيط الهندي، جميع سكانها من المسلمين. وعلى الرغم من غياب هذه الدولة المسماة بجمهورية جزر المالديف عن العقل الإسلامي وذاكرة المسلمين، إلا أن الإسلام يحتل فيها مكانة بارزة على مدى قرون طويلة منذ أن دخلها الإسلام.
وشهدت هذه الدولة نوعا من الحكم الاستبدادي الذي أدى في نهاية المطاف لتصاعد المد الثوري الإسلامي، أو كما يحلو للبعض تسميته بالراديكالية الإسلامية. وهو الأمر الذي جذب انتباه بعض الباحثين الغربيين قبل المسلمين. إلا أن الدراسة التي بين أيدينا اليوم ربما تكون الأولى من نوعها في مجال الدراسات الأكاديمية التي تتناول الوضع في جزر المالديف، ويقوم بإعدادها باحث مسلم، ويشرف عليها أيضا أستاذ مسلم. حيث نوقشت رسالة الماجستير المقدمة من الباحث حسن أمير، وأشرف عليها البروفيسور محمد حافظ بمدرسة الدراسات العليا البحرية، بولاية كاليفورنيا الأمريكية، في ديسمبر 2011.
وتهدف الرسالة لاستكشاف العوامل التي أدت إلى تصاعد التيارات الإسلامية في المالديف، وأهم هذه التيارات الموجودة على الساحة.
الإسلام في المالديف
دخل الإسلام جزر المالديف في القرن السادس الهجري - الثاني عشر الميلادي، على يد أبي البركات يوسف البربري الداعية الإسلامي القادم من المغرب العربي. ويروي الأدب الشعبي قصة دخول الإسلام إلى المالديف، حيث قدم هذا الداعية إلى المالديف وراعه أن وجد أهلها غارقين في الخرافات والجهل، الأمر الذي دعاهم بالتضحية بأجمل فتياتهم كل شهر وإلقائها في المحيط اتقاء للعنات إحدى الأرواح الشريرة التي تحيط بالجزر. واستطاع البربري إقناع أهل المالديف بعدم وجود روح شريرة؛ إذ ظل طوال الليل يتلو القرآن في مكان تقديم الأضحية ولم تظهر الروح الشريرة لعدة أيام، وهكذا دخل السلطان المالديفي "درمس كويمالا كالو" الإسلام، وسمى نفسه السلطان محمد بن عبد الله، وأصدر مرسوما ملكيا داعيا جميع المالديفيين إلى اعتناق الإسلام.
ولم يكتف السلطان بذلك، بل أمر بإنشاء المساجد والمدارس الإسلامية في جميع أنحاء الجزر. وهكذا دخل الإسلام المالديف بمرسوم ملكي، مما يفسر ارتباط الدين بالقائم على الحكم منذ أمد بعيد في هذه الجزر المنسية. وربما أيضا يفسر ذلك امتداد بعض التأثيرات الجاهلية على من أسلموا في البداية واستمرار بعض مظاهر الوثنية من الديانات السابقة. وظلت المرأة المالديفية محافظة على تقاليدها، فلم يكن هناك التزام بالحجاب، كما تمسك المجتمع المالديفي بعاداته الاجتماعية، فشهد تاريخ المالديف وجود العديد من الحكام من النساء، ويذكر أن المجتمع المالديفي مجتمع أمومي على غرار بعض المجتمعات الهندية.
ومنذ دخول الإسلام جزر المالديف، أصبح المحيط الهندي قوة عربية لا يُستهان بها، إلا أن هذه القوة تراجعت خلال القرن السابع عشر الميلادي، تزامنا مع بدء اهتمام القوى الاستعمارية بالمنطقة. ومما مهد للاحتلال البرتغالي للمالديف اعتناق السلطان حسن التاسع (المعروف باسم مانويل دوم بعد تعميده) للمسيحية، حيث رحب بالمحتل البرتغالي ودخل في حمايته.
احتلال المالديف
ظلت المالديف تحت الاحتلال البرتغالي من عام 1558 حتى 1573، إلى أن استطاع محمد ذاكروفانو تحريرها بالكامل، وأعلن نفسه سلطانا في البلاد، وبدأ حملته لتطهير الجزر من كافة مظاهر المسيحية التي أدخلها سلفه.
وبعد أقل من قرن، وقعت المالديف تحت الاحتلال الهولندي، ثم البريطاني، ففي عام 1887 أصبحت جزر المالديف محمية بريطانية تابعة لمستعمرة سيلان. وفي عام 1965 نالت المالديف استقلالها، وتحولت من سلطنة إلى نظام جمهوري بناء على استفتاء شعبي، وتولى إبراهيم ناصر رئاسة البلاد عام 1968.
وبرغم التحول من السلطنة إلى الجمهورية، ظلت الممارسات الديكتاتورية للحكام، إذ احتفظ الرئيس بالسلطات المركزية في يده، ولم يسمح بتكوين أحزاب سياسية. بل وأعطت التعديلات الدستورية التي أجريت أعوام 1970، و1972، و1975 مزيد من السلطات للرئيس. وظل رئيس المالديف أيضا مخولا بنشر وحماية الدين الإسلامي، وتطبيق أحكام الشريعة.
وفي عام 1978 تولى مأمون عبد القيوم رئاسة البلاد، خلفا لناصر الذي رفض ترشيح نفسه لفترة ثالثة، رغم عدم وجود أي تقييد على عدد مرات الترشح للرئاسة. وقد تلقى عبد القيوم تعليمه في الأزهر بمصر، وشغل بعض الوظائف التعليمية في نيجيريا. وعندما عاد إلى بلاده بدأ في انتقاد الحكومة فيما يتعلق بمسألة التجاوزات الأخلاقية في السياحة، وبيع المشروبات الكحولية، وغيرها من الأمور التي تتنافى مع الشريعة الإسلامية. وبسبب هذه الانتقادات وضع عبد القيوم قيد الاقامة الجبرية ونفي من المالديف عام 1973. وبعد عودته أصبح وزيرا للنقل، حتى وصوله سدة الرئاسة.
طلائع الصحوة الإسلامية
منذ اضطلاعه بمهام رئيس الجمهورية على مدى ثلاثين عاما، شهدت المالديف في عهد عبد القيوم مزيدا من عمليات الأسلمة للمجتمع، وأصبح الإسلام محركا أساسيا في الخطاب الاجتماعي والسياسي السائد في البلاد.
ومن بين المبادرات التي قام بها إنشاء معهد الدراسات الإسلامية عام 1980. وفي عام 1984 قام بتأسيس المركز الإسلامي بمساعدات من بعض الدول الإسلامية، مثل باكستان وسلطنة بروناي، وبعض دول الخليج العربي. وخلال السنوات الأولى لحكمه بدأت أعداد كبيرة من الشباب المالديفي في الحصول على منح وبعثات للتعليم في دول العالم الإسلامي المختلفة، وكان هؤلاء الشباب هم طليعة الحركة الإسلامية في جزر المالديف.
ولم ينس عبد القيوم يوما أنه نفسه مفكر وداعية إسلامي، فكان يقوم بإلقاء الخطب والدروس بنفسه في المساجد وعبر شاشات التليفزيون. ويرى البعض أن عبد القيوم لم يسمح بظهور أي معارضة ولو حتى في المسائل الدينية، لذا فإن المعارضة كانت تلقى في عهده التنكيل والقمع، وهو الأمر الذي يراه الباحث أحد الدوافع الأساسية لتصاعد المد الإسلامي المتشدد في البلاد.
وربما كان عبد القيوم يحاول تقديم دولته على أنها نموذج للإسلام المعتدل، لتحقيق أمرين:
الأول: من أجل القضاء على التشدد الديني، وتجفيف منابع التطرف.
والثاني: جذب المساعدات والاستثمارات الأجنبية لجزر المالديف، خاصة أن الاقتصاد المالديفي يعتمد على السياحة التي تأتي من الغرب.
من هنا، مكنت سياسة عبد القيوم دولته من اجتذاب الاستثمارات الأجنبية، خاصة من دول الخليج، التي قدمت القروض بشروط ميسرة، مما مكن البلاد من القيام بدور متزايد على الصعيد الدولي، لا سيما في مجال تزعم قضايا المناخ، والتنمية المستقلة للدول الصغيرة.
التحول الديمقراطي والحركة الإسلامية
على الرغم من دور عبد القيوم في نهضة بلاده، ونجاحه في تحقيق العديد من النجاحات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن التدابير القمعية التي انتهجها نظامه على مدى ثلاثين عاما مهدت لتصاعد الحركات الإسلامية، خاصة أنه كان يصم معارضيه بالزندقة والكفر، أو على أحسن الأحوال (أعداء الإسلام).
وما لبثت الساحة السياسية في المالديف أن شهدت قدرا هائلا من التغيير مع الشروع في عملية الإصلاح الديمقراطي، والتي بدأت جديا عام 2003. فقد سمح بتكوين الأحزاب السياسية، وظهرت تحولات في نمط الحكم المركزي بمزيد من الصلاحيات والسلطات للمجالس المحلية.
ومنذ عام 2005 نشأت العديد من الأحزاب السياسية مثل حزب المالديف الديمقراطي، وحزب الشعب الثوري – الذي أسسه عبد القيوم نفسه – ثم أحزاب أخرى أقل حجما مثل، الحزب الجمهوري، والحزب الاجتماعي التحرري.
وقد انقسم الخطاب السياسي الديني إلى خطين رئيسيين:
الأول: انتهجته جميع الأحزاب ضد منافسيها، بوصمهم بمعاداة الإسلام والهرطقة. وهذا النوع من الخطاب قد استخدمه الحزب الديمقراطي بشدة في مواجهة حزب الشعب الثوري.
الثاني: يتركز حول تصاعد الراديكالية والتطرف في المالديف، وكيف أن الحزب الديمقراطي قد ساهم في هذا التصاعد.
وفي مواجهة هذين الخطابين، ظهر خطاب ثالث جديد، تبناه حزب العدالة، وهو أحد الأحزاب السياسية الإسلامية التي تضع الإسلام في مركز السياسة. وقد تمكن الحزب عام 2008 من حصد 15% من الأصوات لصالح مرشحه في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة. إلا أنه في جولة الإعادة شكلت المعارضة تحالفا ضده بقيادة الحزب الديمقراطي، حيث فاز محمد ناشد برئاسة الجمهورية خلفا لعبد القيوم.
حزب العدالة
ويعمل حزب العدالة على نشر الدين الإسلامي والحفاظ على الهوية الإسلامية لشعب المالديف، ويسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية. ومن ثم يعد الحزب جزءا من الصحوة الإسلامية، وينتمي العديد من قياداته إلى طلائع الحركة الإسلامية الذين تلقوا تعليمهم في السعودية وباكستان وماليزيا، وبعد عودتهم لبلادهم تم تهميشهم وقمعهم في عهد عبد القيوم لرفضهم قبول فكرة "الإسلام المعتدل" التي روج لها عبد القيوم، لذا حينما شهدت البلاد قدرا من الانفتاح السياسي كانوا أول من سارع بدخول الساحة السياسية للاستفادة من هذا الانفتاح.
ومنذ انتخاب ناشد رئيسا للبلاد، حرص على إزالة كافة المظاهر الإسلامية من الدولة التي أصلها عبد القيوم. ومن هنا بدأ حزب العدالة في الانتقاد العلني لسياسات الحكومة، ومن أهمها ترحيب ناشد بعودة العلاقات مع الكيان الصهيوني، بعد أن كان عبد القيوم قد قطع كافة هذه العلاقات، وسحب اعتراف بلاده بإسرائيل.
وقد دفعت سياسات ناشد بحزب العدالة إلى تنظيم احتجاجات موسعة ومسيرات جابت العاصمة "ماليه"، ضد قرار ناشد بسماحه لفريق طبي إسرائيلي بزيارة المالديف. كما عارض الحزب الحكومة بخصوص السياسات المتعلقة بإعادة التعليم المختلط، وانتقد الحزب هذه السياسات علانية، وازدادت حدة المعارضة حين قررت الحكومة إغلاق المدرسة الوحيدة لتعليم اللغة العربية في البلاد.
كذلك انتقد الحزب توجه الحكومة لإضفاء الشرعية على بيع الكحول ولحم الخنزير في الفنادق التي تستقبل السياح، بحجة اجتذاب المزيد من السياح الأجانب، ودعم الاقتصاد المحلي، مما أجبر الحكومة على التراجع عن هذه القرارات.
بين التحديث والتغريب
ظلت جزر المالديف نقطة التقاء العديد من الحضارات والثقافات على مدى تاريخها لوقوعها على طريق القوافل، وبالتالي شهدت ثقافتها مزيجا من تقاليد منوعة، مثلت فسيفساء ثقافية مميزة. إلا أن هذا المزيج شكل تهديدا دائما للهوية الإسلامية، مع تزايد أعداد السائحين الأجانب الوافدين بعادات وتقاليد مختلفة، مما أدى إلى حدوث تغيرات اجتماعية واقتصادية هائلة، ومعاناة الشعب المالديفي من آثار الحداثة والتغريب.
ومن أبرز ما ترتب على هذا الانفتاح، ازدياد معدلات الجريمة والعنف، وانتشار المخدرات بين أوساط الشباب، وكذلك انتشار البطالة بين الطبقات الوسطى، وظهور حدة التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية بين ساكني العاصمة، والمناطق النائية، التي لم تلق نفس الاهتمام بالمرافق الأساسية والخدمات العامة.
بطبيعة الحال كان هناك أيضا إيجابيات للحداثة، فبفضل هذا الانفتاح شهدت المالديف ثورة في الرعاية الصحية، ونشر المعرفة. وتكفي الإشارة إلى انخفاض معدلات وفيات الرضع، واختفاء ظاهرة الأمية بين الشعب المالديفي.
ومع ذلك، فإن الاحتكاك بين منظومتي القيم التقليدية والتحديثية قد أدى في نهاية المطاف إلى نشوء اتجاه محافظ وآخر حداثي. ومثّل الاتجاه المحافظ بعض الحركات الإسلامية غير المسلحة التي ظهرت على الساحة منذ عام 2009.
ففي هذا العام ظهرت الجماعة السلفية، وكذلك منظمة المالديف الإسلامية، وكلاهما تيارات إسلامية لا تنتهج العنف، وتتبنى فكرة الاصلاح الاجتماعي. وقبل هذا الوقت حالت الطبيعة الجغرافية لجزر المالديف دون ظهور علماء ودعاة على المستوى القومي، نظرا لصعوبة التنقل بين الجزر، لذا كان التركيز على القيادات الدينية المحلية، ومن ثم كان وجود جماعات دينية منظمة أمرا مستحيل حدوثه.
وفي مرحلة ما قبل التحول الديمقراطي، لم يكن مسموحا لأي جماعة دينية أن يكون لها هيكل تنظيمي، إذ كان ينظر إليها باعتبارها تهديدا محتملا للسلطة. إلا أن ذلك لا ينفي تأثر جزر المالديف بالحركات الإسلامية المختلفة التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، غير أن تأثيرات فكر مثل هذه الحركات على أرض المالديف اقتصر على بعض الجزر النائية.
السلفية والوهابية
يرى الباحث في دراسته أن جذور السلفية في المالديف تعود إلى الطلاب الذين تلقوا تعليمهم في عدة دول إسلامية، وتأثر بعضهم بالفكر الوهابي. وقد تمكن هؤلاء من الوصول إلى عامة الناس في المساجد، وكذلك في التليفزيون والراديو، وشبكة الانترنت.
وقد بدأت هذه المنظمات، وعلى الأخص، الجماعة السلفية، في توعية الجماهير من خلال المحاضرات الدينية لعلماء مشهورين تمت دعوتهم مثل الداعية بلال فيليبس. كما بدأت المنظمة الإسلامية في التواصل مع المالديفين المغتربين في سريلانكا والهند وماليزيا، واستخدمت كذلك وسائل الإعلام الجماهيري خاصة الأشرطة والانترنت.
ولم تكن الحركات الإسلامية بمعزل عن الحركات الأخرى خارج المالديف، فقد تأثر الكثير من الشباب في أواخر الثمانينيات بالفكر الجهادي، حيث سافر العديد منهم لتلقي العلم في باكستان وتمكن بعضهم من الاحتكاك بمجاهدين أفغان وعرب شاركوا في الجهاد ضد الاتحاد السوفيتي.
أما النقطة الفاصلة التي مكنت لوجود الإسلاميين في المالديف، فيعود إلى عام 2004، حين اجتاحت الجزر موجات تسونامي، وتدفقت العديد من منظمات الإغاثة على البلاد، ومن بينها منظمات تبشيرية، وبالطبع كان على المنظمات الإسلامية أن تبحث لها عن موطئ قدم. وبالفعل نجحت بعض هذه المنظمات في تقديم المساعدات الإنسانية والطبية للمتضررين من الفيضانات، كما نجحت في تقديم الكتيبات والأشرطة الصوتية التي تروج لما أسماه الباحث بالفكر الوهابي.
وعلى حد قول الباحث، فقد قامت هذه المنظمات أيضا بمساعدة الكثير من الشباب المالديفي على التسجيل في المدارس الدينية في باكستان، وبعضها نجح في تجنيد هؤلاء الشباب لأغراض أكثر تطرفا. ومن بين هذه المنظمات المتطرفة بعض الجماعات الدعوية التي تعمل في مجال التبليغ ونشر الدعوة وترتبط ببعض المنظمات الموضوعة على قائمة المنظمات الإرهابية مثل "عسكر طيبة"، المسئولة عن تدبير العديد من الهجمات في الهند وباكستان. وبحسب الباحث فقد نجحت بعض هذه المنظمات في تجنيد الشباب المالديفي وإرسالهم إلى معسكرات التدريب في باكستان، وبعضهم شارك في عمليات انتحارية بما أضر بالأمن القومي المالديفي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق