أمل خيري
إسلام أون لاين
على
مدى العقد الماضي بذلت السلطات الأمريكية جهودا مضنية، معلنة وأخرى غير
معلنة، من أجل "مكافحة التطرف". إلا أن كثيرا من سياسات مكافحة التطرف منيت
بالفشل الذريع، كما قوبلت بالانتقاد نظرا لانتهاكها الحريات الدينية. لذا
اقترح البعض استراتيجيات جديدة لمكافحة التطرف عبر التحول نحو القوة
الناعمة، أو النهج الوقائي الذي يتسم بكونه أقل ضررا على سمعة الحكومة،
وأكثر فعالية في نتائجه.
ومن بين هذه الاستراتيجيات الناعمة ما اقترحه صامويل راسكوف (أستاذ
القانون في جامعة نيويورك) بتأسيس ما يسمى بـ"الإسلام الرسمي"، والتي
قدمها في دراسة بعنوان "تأسيس الإسلام الرسمي: قانون وإستراتيجية مكافحة
التطرف"، ونشرت في دورية ستانفورد للقانون الفصلية Stanford Law Review، في العدد الأخير الصادر في يناير 2012.
ويتلخص مفهوم "الإسلام الرسمي" في نظر راسكوف، في التوجه الإسلامي السائد الذي ترعاه الحكومات لتواجه به الأيديولجيات المتطرفة.
مكافحة التطرف
على
عكس مفهومي "مكافحة الإرهاب"، أو "مكافحة التمرد"، القائمين على أسس
مفاهيمية ثرية، فإن مفهوم "مكافحة التطرف" لا يزال في طور التنظير.
وبالنسبة لأنصار مكافحة التطرف، فإنه يبدأ مع افتراض غير مثير للجدل، يتمثل في أن مظاهر
وجذور التطرف والعنف تكمن في الأفكار والعمليات الاجتماعية السلوكية، ومن ثم فإن فهم هذه الأفكار والعمليات يساعد في منع هجمات في المستقبل، وينبغي أن تؤدي بذلك دورا مهما في سياسة مكافحة الإرهاب الأميركية.
وجذور التطرف والعنف تكمن في الأفكار والعمليات الاجتماعية السلوكية، ومن ثم فإن فهم هذه الأفكار والعمليات يساعد في منع هجمات في المستقبل، وينبغي أن تؤدي بذلك دورا مهما في سياسة مكافحة الإرهاب الأميركية.
إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة، فالإدارة الأمريكية عادة ما تستخدم إحدى إستراتيجيتين لمكافحة التطرف: العلمانية، أو الدينية.
وتعني الإستراتيجية العلمانية أن الحكومة تسعى إلى إحداث تغييرات في التفكير الديني عن طريق
معالجة أسبابه من دون إشارة الى الدين أو الأيديولوجية. على سبيل المثال ما تبذله الولايات المتحدة من دعم للدول ذات الأغلبية المسلمة كالمساعدات المالية التي يمكنها أن تؤدي إلى الاستقرار، وبالتالي القضاء على البيئة التي ينمو فيها العنف والإرهاب. أيضا، ما تقدمه إلى هذه الدول من مساعدات لدعم الرياضة من أجل امتصاص طاقة الشباب بدلا من توجيهها نحو التطرف. وكذلك برامج الحكم الرشيد ومكافحة الفساد، وغير ذلك من السياسات التي تستهدف تجفيف المنابع وقطع الطريق على أي توجه نحو التطرف أو العنف.
معالجة أسبابه من دون إشارة الى الدين أو الأيديولوجية. على سبيل المثال ما تبذله الولايات المتحدة من دعم للدول ذات الأغلبية المسلمة كالمساعدات المالية التي يمكنها أن تؤدي إلى الاستقرار، وبالتالي القضاء على البيئة التي ينمو فيها العنف والإرهاب. أيضا، ما تقدمه إلى هذه الدول من مساعدات لدعم الرياضة من أجل امتصاص طاقة الشباب بدلا من توجيهها نحو التطرف. وكذلك برامج الحكم الرشيد ومكافحة الفساد، وغير ذلك من السياسات التي تستهدف تجفيف المنابع وقطع الطريق على أي توجه نحو التطرف أو العنف.
أما
الإستراتيجية الدينية (التبشير)، فتعني اتباع إستراتيجيات دينية واضحة
لمكافحة التطرف. على سبيل المثال، تحت قيادة الجنرال دوج ستون، قام مسؤولون
أمريكيون مكلفون بالإشراف على احتجاز السجناء العراقيين، بإصدار دليل لما
أسموه بالآيات القرآنية "المعتدلة" و "المتطرفة"، من أجل غسل أدمغة
المعتقلين، والقضاء على التفكير في أي تفسيرات متطرفة للإسلام، كما أصدروا
دليلا بالأحاديث الأكثر اعتدالا. أيضا رعت وزارة الخارجية الأمريكية رحلات
لدعاة أمريكيين من ذوي الفكر الإسلامي المعتدل لزيارة البلدان ذات الأغلبية
المسلمة، بغرض نشر ما أسمته بالإسلام المعتدل.
وكما
أنه على الحكومة الأمريكية أن تختار بين هاتين الإستراتيجيتين، فإن عليها
أيضا أن تتبنى أحد النظريات الثلاث لمكافحة التطرف: السلوكية، أو
الأيديولوجية، أو الوقائية.
وتركز
النظرية السلوكية على التعرف على الأسباب الاجتماعية والنفسية التي قد
تدفع المسلمين المعتدلين للسلوك المتطرف. إلا أن هذه النظرية تتعرض
للانتقاد لكون العلوم الاجتماعية قاصرة عن التنبؤ بشكل صحيح بالعوامل التي
تؤدي للإرهاب، وهو ما سجلته كثير من التقارير الأمريكية التي اتهمت الإدارة
الأمريكية بالفشل في ذلك النهج.
أما النظرية الأيديولوجية، فتركز
على وجود وانتشار الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة، وليس على العمليات
النفسية أو السلوكية للأفراد. فقد أكد البعض أن هناك عديدا من الجماعات
الاسلامية التي تعلن رفضها للعنف، إلا أنها بفكرها المتطرف تلعب دور
"السيور الناقلة" له، ومن بين هذه الجماعات: الإخوان المسلمون، وحزب
التحرير، وجماعة التبليغ، فكلها جماعات لا تنتهج العنف، ولكنها في نظر بعض
المحللين تعمل على تشجيع التطرف بأساليب أيديولوجية. على سبيل المثال لقد
أخرجت السلفية الجهادية قادة متطرفين مثل بن لادن وأنور العولقي وغيرهما.
النظرية الأخيرة هي الوقائية، والتي تعتمد على منع الأفراد أو الجماعات من التوجه نحو التطرف، باتباع أسلوب وقائي شامل، يشار إليه عادة بمصطلح "اجتثاث التطرف"، والذي طبقة دوج ستون كما أسلفنا في المعتقلات الأمريكية.
الإسلام الرسمي المستورد
على
مدى السنوات الخمس الأخيرة، التفتت الولايات المتحدة إلى ضرورة مكافحة
التطرف على المستوى المحلي، إلا أنها قامت باستيراد بعض الإستراتيجيات
الأوروبية، خاصة من بريطانيا.
ولفترة
طويلة ظلت سياسة الإسلام في القارة الأوروبية تركز على الهجرة والاندماج
وقضايا الهوية، إلا أن التطور الأخير تمثل في سعي بعض الدول الأوروبية
–فرنسا وألمانيا خاصة - إلى "تدجين" الإسلام، من خلال إنشاء مؤسسات رسمية
تعبر عنه.
على
سبيل المثال في عام 2002، أنشأ نيكولا ساركوزي وزير الداخلية في فرنسا
آنذاك، المجلس الفرنسي للدين الإسلامي، كوسيلة لإيجاد مؤسسة رسمية تتحدث
باسم مسلمي فرنسا من جهة، وللحد من
التدخل الأجنبي في الشؤون السياسية الداخلية لمسلمي فرنسا من جهة أخرى. كما قام المسؤولون الألمان بتعيين أكاديميين مسلمين معتدلين لتدريب الدعاة والمدرسين في المدارس العامة، والتي أثارت انتقادات من بعض المنظمات الألمانية الإسلامية.
التدخل الأجنبي في الشؤون السياسية الداخلية لمسلمي فرنسا من جهة أخرى. كما قام المسؤولون الألمان بتعيين أكاديميين مسلمين معتدلين لتدريب الدعاة والمدرسين في المدارس العامة، والتي أثارت انتقادات من بعض المنظمات الألمانية الإسلامية.
على
النقيض من ذلك، نجد السياسات البريطانية تختلف في كونها تتبع نهجا
استباقيا وقائيا عبر الإسلام الرسمي، حيث استخدمت جميع المؤسسات الحكومية والأجهزة
الأمنية لمواجهة صعود الإسلام المتطرف. ومع ذلك فقبل هجمات السابع من
يوليو عام 2005، ظلت بريطانيا تنتهج أسلوب عدم التدخل في شؤون مواطنيها
المسلمين، إلا أن هذه الهجمات اضطرتها لتغيير نهجها، فاتبعت إستراتيجية
جديدة مكونة من أربعة محاور: الملاحقة والحماية والتأهيل والمنع.
تجسدت
الملاحقة في قيام السلطات الأمنية بملاحقة وتتبع الإرهابيين والقبض عليهم.
في حين تعني الحماية، اتخاذ وسائل أمنية تحسبا لأي هجوم إرهابي محتمل. أما
التأهيل فيركز على التخفيف من تأثير الهجمات الإرهابية بمجرد حدوثها.
أخيرا
يأتي المنع، الذي يعتمد على تدشين ما يسمى بالإسلام الرسمي من خلال إنشاء
وتمويل مؤسسات تابعة للدولة تتصدى للتطرف. على سبيل المثال، اعتمدت الحكومة
البريطانية برنامج تمويل إنشاء مجموعات عمل من المسلمين البارزين وكلفتهم
باقتراح أفكار لمكافحة التطرف، واتحدت المجموعات تحت شعار "معا لمنع
التطرف"، وقدمت عددا من المقترحات، مثل إنشاء المجلس الاستشاري للمساجد
والأئمة.
ومع
مرور الوقت، توسعت هذه الإستراتيجية لتشمل إنشاء مجموعة أدوات للمدارس
لحثها على القيام بدورها في الوقاية من التطرف والعنف، وتقديم الدعم
للأفراد المعرضين للعنف والتطرف. ويبدو أن هذه الإستراتيجية الأخيرة استهوت
الإدارة الأمريكية وسعت إلى استخدامها.
تأسيس الإسلام الرسمي الأمريكي
اتبعت
الإدارة الأمريكية عدة مناهج لتأسيس الإسلام الرسمي؛ فقد بنت الإدارة
الأمريكية جهودها لمكافحة التطرف على فكرة الاشتباك، أي الوصول إلى
المجتمعات المسلمة، وجعلها جزءا من النظام، بهدف فرض الإسلام الرسمي كواقع
اجتماعي.
على
سبيل المثال، أنشأ المدعي العام الأمريكي في ولاية أوريجون "شبكة من قادة
المجتمع المحلي المسلمين"، بدافع من الرغبة في تثقيف المسلمين، ومنحهم
الموارد والدعم حتى يتمكنوا من مواجهة
التطرف من تلقاء أنفسهم. كما قامت الإدارة الأمريكية بإرسال أحد الدعاة المعتدلين إلى جزر المالديف ليحاضر عن التسامح في الإسلام. أيضا قامت برعاية حفلات لفرقة نيتيف دين Native Deen، في أنحاء الولايات المتحدة لنشر الإسلام المعتدل من خلال الإنشاد.
التطرف من تلقاء أنفسهم. كما قامت الإدارة الأمريكية بإرسال أحد الدعاة المعتدلين إلى جزر المالديف ليحاضر عن التسامح في الإسلام. أيضا قامت برعاية حفلات لفرقة نيتيف دين Native Deen، في أنحاء الولايات المتحدة لنشر الإسلام المعتدل من خلال الإنشاد.
كما
اتبعت الإدارة الأمريكية في بعض الأحيان أسلوب تفويض مهمة مكافحة التطرف
إلى المنظمات الإسلامية، ووصل الأمر إلى التدخل في اختيار أئمة المساجد، بل
وتوظيف مراقبين (مخبرين) لمتابعة أنشطة المراكز الإسلامية. والأمر نفسه
يتكرر مع المدارس الحكومية، حيث يتم التدخل في اختيار المعلمين الذين
يوصفون بالاعتدال.
كما
أصبح المسؤولون الأمريكيون يشاركون في صياغة ونشر الإسلام الرسمي كجزء من
إستراتيجية الحكومة الأمريكية لمكافحة التطرف، عبر جميع الوسائل الممكنة
بما فيها الكتيبات والندوات والإنترنت، لمحاولة تشكيل الهوية الإسلامية.
ومع
ذلك، هناك العديد من الانتقادات التي تتعرض لها الإدارة الأمريكية بهذا
الخصوص، فمن ناحية، تحتاج برامج من هذا النوع إلى قدر من التبصر والقدرة
على التنبؤ، وهو ما يؤكد كثير من المحللين افتقاد الإدارة الأمريكية إليه.
ومن ناحية أخرى، قد تفشل الحكومة، ليس بسبب الرسالة بل بسبب حاملها، أي أن الحكومة الأمريكية تفتقر إلى المصداقية بين المجتمعات المسلمة، وتفتقر إلى الخبرة فيما يتعلق بالقضايا ذات الصلة بالدين.
أضف
إلى ذلك أن كل الأفكار الراديكالية المعاصرة تعد شكلا من أشكال الرفض
للسلطة الإسلامية التقليدية التي ارتبطت تاريخيا بالدولة بشدة. من هنا فإن
رفض المسلمين لفكرة الإسلام الرسمي قد تشكل عائقا أمام الإدارة الأمريكية
في جهودها لمكافحة التطرف.
ومن بين الانتقادات كذلك لفكرة تأسيس الإسلام الرسمي، ما تؤدي إليه من تمييز مصطنع بين "المعتدلين"
و"المتطرفين"، خاصة أن الإدارة الأمريكية تعبر أحيانا عما يسمى بالمسلمين
الصالحين والمسلمين السيئين، مما يخلق نوعا من التمييز وعدم المساواة بين
المسلمين، قد يفضي في نهاية المطاف إلى المزيد من التطرف بين أولئك
المنبوذين. وهناك الانتقادات التي تأتي من دافعي الضرائب الذين يرون تمويل
مثل هذه البرامج التي تعزز الإسلام الرسمي نوعا من إهدار الأموال.
تحديات
يرى
راسكوف أن هناك تحديات أساسية تواجه عملية تأسيس الإسلام الرسمي، التحدي
الأول يكمن في ضرورة ألا تقوم فكرة الإسلام الرسمي على افتراض أن التطرف هو
حركة سياسية، بل لا بد أن تعي أن التطرف في الأساس له جذور دينية.
من هنا فإن الإسلام الرسمي يعني
إيجاد بديل لهوية دينية راسخة تمنع التوجه نحو التطرف العنيف. ولا يصح
النظر إلى التطرف على أنه أيديولوجية سياسية، بل هو أيديولوجية دينية نابعة
من المفاهيم الإسلامية نفسها.
كما
أن كثيرا من مفردات ومفاهيم الإسلام الراديكالي مستمدة من الأيديولوجيات
السياسية الحديثة، بما في ذلك الأيديولوجية الليبرالية. فصعود الإسلام
السياسي يتجسد في حركات متنوعة مثل الإخوان المسلمين، وحزب التحرير، وحزب
الله، وكل هذه الحركات تشهد على أن لغة ومفردات الخطاب الحديثة مستعارة من
الغرب، ولكن تم تسييسها لصالح الأيديولوجية الإسلامية.
بالإضافة
إلى أن التمييز بين الإسلام السياسي والإسلام الديني أمر مبالغ فيه بشدة،
فهناك جماعات متطرفة – في نظر راسكوف - ومع ذلك ليست سياسية، كجماعة
التبليغ، التي تعلن أنها لا تتدخل في النواحي السياسية. كما أن هناك الكثير
من الدول على المستوى الرسمي تضع الشريعة الإسلامية من مصادر التشريع
الرئيسية في دساتيرها كمصر والسعودية وإيران، ومن ثم فإن الإسلام الرسمي في
هذه الدول لا يفصل بين الدين والسياسة.
أما
التحدي الثاني فيتعلق بمدى قانونية ودستورية إستراتيجيات الإسلام الرسمي،
ومدى انتهاكها للحريات، خاصة أن الدستور الأمريكي ينص على حرية المعتقد
وحرية التعبير، ومن ثم فلا يجوز للمسؤول الحكومي أن يتحدث باسم فئة معينة،
بل يفوض ذلك إلى فاعلين آخرين خارج المنظومة الحكومية، مثلما يحدث مع
المنظمات والمراكز الإسلامية المشاركة في عملية تأسيس الإسلام الرسمي على
النمط الأمريكي.
ويبقى
السؤال: هل ينجح الإسلام الرسمي على النمط الأمريكي في مكافحة الأفكار
المتشددة؟ أم أن المجتمعات الإسلامية سترفضه، كما رفضت من قبل الإسلام
الرسمي المرتبط بحكوماتها؟
http://www.islamonline.net/ara/article/1304971367796
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق