أمل خيري
جريدة الحرية والعدالة
"كن متساهلا افتح صدرك للجميع. ليكن كالمحيط في
اتساعه... لتمتلئ بالإيمان وبمحبة البشر... لا تترك روحا معذبة لا تمد لها يد
العون، أو تجعلها خارج نطاق اهتمامك".
(فتح الله كَوُلَنْ، من كتاب الموازين أو أضواء على
الطريق)
ربما تلخص العبارة السابقة أبرز أفكار وآراء المفكر
الإسلامي التركي فتح الله كَوُلَنْ، الذي يُصنَّف أيضاً على أنه كاتب وشاعر وقائد
رأي وناشط تربوي وداعية ومصلح اجتماعي، ومن أفكاره استلهمت الحركة التي تحمل اسمه
أهم مبادئها.
ولد فتح الله كَوُلَنْ في أرضروم بتركيا عام 1941، بدأ
تلقي تعليمه الابتدائي في قريته، ثم تلقى العلوم الدينية على يد العديد من مشاهير
العلماء المسلمين والمربين الروحيين، وتأثر كثيرا بالمفكر الصوفي التركي سعيد
النورسي. أنهى كَوُلَنْ تعليمه الديني في سن مبكرة وألقى أول خطبة له وهو في
الرابعة عشر من عمره.
وبالإضافة لنبوغه في العلوم الدينية فقد درس كَوُلَنْ
أيضاً مبادئ ونظريات علم الاجتماع الحديث والعلوم الطبيعية والتي كان لها أثر واضح
في خطبه التي تتميز بتعدد مجالاتها، فهو يطرق موضوعات التعليم والعلم والعدالة الاقتصادية
والاجتماعية.
كتب كَوُلَنْ أكثر من 60 كتاب والعديد من المقالات في
الكثير من المجالات المتنوعة بما فيها العلوم الاجتماعية، والديمقراطية والدين
والفن والعلوم والرياضة، وسجل آلاف الأشرطة السمعية والبصرية. وكتب مقالات
افتتاحية لمجلات إسلامية وفلسفية من بينها: مجلة "فونتن" (fountain)، مجلة
"يني إميد" (YENI UMID)، مجلة "سيزنتي" (SIZINTI)، ومجلة "ياغمور"
(Yağmur). وقد ترجمت
كتبه للإنجليزية والألمانية والروسية والألبانية واليابانية والاندونيسية والكورية
والأسبانية.
يدعو كَوُلَنْ
إلى القيم التقدمية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، والحرية الدينية، كما يسعى لتعزيز
الحوار بين الأديان والمجتمعات والتسامح وقبول
الآخر. ويتبنى أيضا المنهج العلمي في التفكير والحفاظ على القيم الأخلاقية
والإيمان بالله.
ويرى كَوُلَنْ أن العلم يتطلب أساساً أخلاقياً مستمداً
من الدين، ودائما ما يشجع الشباب على التوفيق بين التنوير العقلي والروحانية
المتسعة الأفق، والاهتمام بالنشاط الإنساني. ويقيم كَوُلَنْ في منفاه بالولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2000 بعد
تعرضه للملاحقات من قبل الجناح العلماني التركي الحاكم.
حركة عالمية
تشير حركة كَوُلَنْ إلى مجموعة من
المنظمات الدينية والتعليمية والاجتماعية التي تأسست وفق أفكار فتح الله كَوُلَنْ،
وإن كان كَوُلَنْ نفسه يفضل تسميتها باسم حركة خدمة Hizmet.
وهي حركة تجمع بين العلم والدين،
ويقترب عدد أعضاؤها من سبعة ملايين مواطن تركي، أما خارج تركيا فيقدر عدد
أتباعها بثلاثة ملايين مسلم.
وترتكز الحركة على شبكة من المدارس
ومراكز التعلم التي لا يمتلكها كَوُلَنْ بل هي مستوحاة من فكره ومن مبادئ حركته
الإصلاحية، كما تعتمد المنهج الغربي الذي يركز على العلوم والرياضيات وتدريس اللغة
الانجليزية. وقد وصل عدد المدارس التي تستلهم أفكار كَوُلَنْ إلى أكثر من 1000
مدرسة تنتشر في أكثر من 100 دولة، في أفريقيا وآسيا وأوروبا.
ومن أبرز ما يميز حركة كَوُلَنْ سعيها لتعزيز الأخلاق العالمية
من خلال المدارس وهو الأمر الذي دعا أحد المحللين
الأتراك للقول "إذا التقيت شاباً مهذباً من آسيا الوسطى يتحدث التركية
والإنجليزية بطلاقة فإنك تتأكد أنه تعلم في أحد مدارس كَوُلَنْ" .
وتشجع الحركة الأنشطة الخيرية والخدمية، بالإضافة إلى
الاستفادة من وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية والإلكترونية؛ فهناك صحيفة "زمان"
Zaman، والتي تهتم بمتابعة أنشطة الحركة وزعيمها، ويوزع منها ما بين 800 ألف و100 ألف نسخة يوميا في جميع أنحاء العالم، وتوجد
أيضا قناة سامانيولو وهي واحدة من قنوات التلفزيون الرئيسية في تركيا، وتشاهد على
نطاق واسع في الأناضول خاصة من قبل الطبقات المحافظة.
كما تولي الحركة اهتمامها بعدد من
الأنشطة الترويجية، مثل المؤتمرات والمحاضرات والحلقات الدراسية ودورات اللغة
وتعليم الموسيقى والرحلات في الخارج، وغالباً ما تعقد هذه الفعاليات تحت رعاية
منتدى حوار الثقافات في برلين.
وأخيرا سعت الحركة لإنشاء معهد كَوُلَنْ، الذي يهدف إلى
النهوض بالمعرفة والفهم والاحترام المتبادل، وإرساء التعاون بين الشعوب ذوي الأصول
المتنوعة. وتتمثل رؤية المعهد في جعل وسائل الاتصال المتطورة والإعلام والتطور في
خدمة السلام الاجتماعي؛ لذا فإن من بين أهداف معهد كَوُلَنْ الدفع في اتجاه علاقات
تعاونية بين البشر، وإتاحة الفرص للبشر للالتقاء حول قيم إنسانية عليا، والعمل من
أجل الآمال والاهتمامات المشتركة، واكتشاف الأدوار الإيجابية التي يمكن للتعليم أن
يضطلع بها لتعزيز ثقافة عالمية من الوئام الاجتماعي لديها القبول لمواقف وآراء
الآخر.
وسعياً لتحقيق هذه الأهداف، فإن معهد كَوُلَنْ ينظم
فعاليات أكاديمية فضلا عن الفعاليات العامة، ويقوم بنشر المؤلفات العلمية والعامة،
ويزود الطلاب والأكاديميين بالمصادر. وتشمل القيم الأساسية التي يدعو إليها معهد كَوُلَنْ
التعاطف والرحمة والحب، والنزاهة والجدارة بالثقة، والسلام والعدالة الاجتماعية، و القضاء على الصراعات
العنيفة وتخفيف المعاناة الإنسانية، ومنع إساءة استغلال الثروات، وحماية موارد
الأرض والمحميات الطبيعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق