الاثنين، 21 فبراير 2005

أطفالنا والحاسوب.. عزلة أم تواصل اجتماعي؟!


تحقيق- أمل خيري

حلَّ علينا جهاز الحاسوب ضيفًا جديدًا واقتحم علينا بيوتنا وأصبح جزءًا أساسيًّا من حياتنا لا نتخيل العيش بدونه، وأصبحت الأم ترى أنه المنقذ لها خلال الإجازة الصيفية من تعطيل الأبناء لها عن أعمالها؛ حيث يمكث الأطفال أمامه معظم ساعات النهار وأحيانًا الليل متنقلين بين الألعاب وأفلام الرسوم المتحركة.

وفي أثناء الدراسة تستخدمه كوسيلةٍ للإثابة والمكافأة إذا أنجز الطفل واجباته بسرعة فيقضي أمامه وقتًا طيبًا قبل النوم أو في عطلة نهاية الأسبوع.

ونحن بدورنا نتساءل: ما الآثار الاجتماعية لاستخدام الطفل للكمبيوتر؟

وما دور الحاسوب في تحقيق تماسك أو تفكك الروابط الأسرية والعائلية والاجتماعية؟

وهل هناك علاقة بين استخدام الحاسوب والنمو الاجتماعي للطفل؟

وما السن المناسبة لتقديم الحاسوب للطفل؟

يقول (م- خ) موظف: لقد تنبهت بالفعل إلى أن أبنائي أصبحوا انطوائيين وازدادت عزلتهم بشكلٍ كبير، ولكني لم أعتقد أن جهاز الحاسوب هو السبب حتى فوجئت بأبنائي عند زيارة بعض الأقارب لنا يتجاهلونهم تمامًا ويجلسون في غرفتهم أمام الحاسوب.

ويتفق معه (س-ع) طبيب فيقول: كنا في طفولتنا نفرح جدًا عندما يزورنا بعض الأقارب وننطلق مع الصغار منهم فنخرج لهم ألعابنا الغالية فنلعب معًا في غرفتنا، أما أطفالي اليوم فيضيقون بوجود الضيوف، وإذا كان مع الضيوف أطفال لا يكلفون أنفسهم باللعب معهم ويظلون جالسين أمام الحاسوب غير عابئين بالضيوف.

أما (مروة) ربة بيت فلديها طفلٌ عمره ثماني سنوات وطفلة عمرها خمس سنوات لا تتذكر أنهما لعبا معًا لعبة ثنائية أو أنهما جلسا لتبادل الأحاديث فيما بينهما، وإن تحدثا كان الشجار حول دور مَن الآن في اللعب على الحاسوب.

وتؤكد نادية- مدرسة- أن الحاسوب أفقد الطفل سبل التواصل مع الآخرين وتقول: لقد ندمت أشد الندم على شرائه لكل واحد حتى إني أحيانًا لا أجد مَن أتحدث معه؛ فهذا مشغول في لعبة سباق السيارات وهذا لا يتزحزح من أمام أفلام الكارتون.
النمو الاجتماعي

في دراسة د. ميرون أورلينس لمؤتمر (الأسرة والتكنولوجيا والتعليم) بجامعة إلينوي 1997م، أكد أن استخدام الطفل للحاسوب ربما يؤثر على حياته الشخصية وعلاقاته الأسرية وعلاقاته بالأصدقاء، وحذَّر من تصاعد المخاوف من ضعف النمو الاجتماعي للطفل الذي يتزايد استخدامه له، وقال إن هذه المخاوف ليست جديدةً حيث أكدت الدراسات أن الدوائرَ الإلكترونية مثل التليفزيون والحاسوب وألعاب الفيديو لها نفس الخطورة على التفاعل الاجتماعي للطفل.

بينما تعرضت جوليا بيرنس في دراسة لها عن (أثر استخدام الكمبيوتر في الطفولة المبكرة على النمو الاجتماعي) لأهمية مرحلة الطفولة المبكرة في النمو الاجتماعي؛ حيث يكتسب الطفل المهارات الاجتماعية، وبالتالي يحتاج للاندماج في أنشطة اجتماعية وتفاعلية، وأكدت أن معظم الأسر للأسف تترك الطفل يستخدم الحاسوب على نحوٍ غير ملائم وفي سن مبكرة جدًا.
طفل أناني ومنعزل

وتضيف جوليا أن ألعاب الحاسوب تتسم غالبًا بالسرعة مما يجعل الطفل مفتقدًا للصبر، سريعَ الغضب مع أصدقائه ووالديه، كما أنها تؤدي لاتساع الفجوة بين الطفل ووالديه وأشقائه؛ حيث إن هذه الألعاب تولد الأنانية.

وتعارض جان هيلى المتخصصة في مجال الطفولة فكرة استخدام الطفل للحاسوب في طفولته المبكرة، وأكدت أنه ليس بحاجةٍ له قبل سن السابعة؛ لأن ذلك يعيق عملية النمو الاجتماعي لديه؛ حيث إن الطفلَ ما بين الرابعة والسابعة تنمو لديه عدة مهارات مثل استخدام اللغة، فهم الآخرين، احترام الآخرين، قواعد الحوار.. وهذا ما يفتقده الطفل أثناء الجلوس أمام هذا الجهاز حيث يفقد التواصل مع الآخرين.

وتضيف جان أنه في هذه المرحلة تكون عقول الأطفال طيعة وتبدأ القيم والمعتقدات والأفكار في التشكيل؛ لذا فمن الخطورة ترك الطفل أمام الجهاز يشكل له هذه المعتقدات.

ويتفق معها جون رسمويند- باحث في مجال الطفولة- في الرأي حيث ذكر أنه رغم إمكان إجادة الطفل لاستخدام الحاسوب في هذه السن إلا أنه ربما يتكون لديه العديد من المشاكل ويفتقد الكثير من المهارات الحيوية التي تتطلب تفكيرًا إبداعيًّا.
افتقاد الحوار

تؤكد الدكتورة فاطمة عبد الستار- أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر- أن الحاسوب كغيره من مستحدثات العصر التي لها جوانب إيجابية وأخرى سلبية وليس من الخطأ وجوده في البيت ولكن الخطأ في عدم ترشيد استهلاكه.

وتضيف أن أهم أسباب تزايد عدد ساعات جلوس الطفل أمامه انشغال الوالدين وافتقاد الأسرة عنصر الحوار فلا يجد الطفل ما يفعله إلا الجلوس أمامه حتى يصل لمرحلة الإدمان.

وتوضح الدكتورة فاطمة أن المشكلة الأساسية أنه يجعل الطفل يعيش في عالم افتراضي فلا يتعرض للانفعالات البشرية كتجهم الوجه أو انبساطه أو الملامسة بل يتعامل مع عالم وهمي وكائنات افتراضية فيفقد التواصل الاجتماعي.

كما أنه يؤدي إلى الكذب والزيف في أحيان كثيرة فتصله معلومة خاطئة يصدقها هو على أنها الحقيقة.

وتنصح الدكتورة فاطمة الآباء أن يحموا أولادهم بالتنشئة الدينية والعودة للحوارات الأسرية، وأن يكونوا قدوة أمام أبنائهم وأن يقضوا مزيدًا من الوقت مع الأبناء.

ويرجع الدكتور محمد المهدي- رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر- السبب في انشغال الأبناء بالكمبيوتر إلى عنصر الإبهار الذي يتميز به الحاسوب، إضافةً إلى أن النفس البشرية بطبعها تنفر من الأمر والنهي، أما الحاسوب فيقدم المعلومات بشكلٍ جذاب وبدون فرض فيتلقى الطفل الرسالة التربوية العشوائية من الجهاز ويتشكل عقله ووعيه وفكره ووجدانه وسلوكه في هذه المرحلة المبكرة، وهذه الرسالة تتسلل إليه بلا مقاومة بل ربما يكون مستلقيًا على سريره متابعًا لفيلم كارتون.

ويضيف الدكتور المهدي أن الإنسان في حياته يحيا على ثلاثة مبادئ متدرجة من الطفولة إلى المراهقة إلى النضج وهي:

1- مبدأ اللذة في مرحلة الطفولة فينجذب لما يمتعه ويبهجه.

2- فإذا وصل لمرحلة المراهقة يتبع مبدأ الواقع؛ حيث يرى أن هناك أشياء قد تكون مؤلمة أو غير سارة ولكن الواقع يفرضها عليه كالمذاكرة أو مساعدة الأم في بعض الأعمال.

3- فإذا ما وصل الإنسان لمرحلة النضج فإنه يحيا وفق مبدأ الواجب الذي يدفعه لأعمال يفرضها عليه الواجب وليس ما يحقق له المتعة.

وخطورة قضاء الطفل ساعات طويلة أمام الحاسوب أو حتى الفضائيات أو الإنترنت أنه يرسخ لديه مبدأ اللذة مما يؤدي إلى تمحور الطفل حول ذاته وتقوقعه على نفسه فلا يكون لديه في المستقبل استعداد لتقبل الواقع أو التضحية من أجل الواجب.
التأخر الدراسي

وتأتي مشكلة مثل عمل الواجبات حيث يدور الصراع بين الطفل والأم حوله؛ حيث يهمل الطفل دراسته ومع السهر أمام الكمبيوتر يكون الذهاب للمدرسة بمثابة عقاب وحرمان من هذه اللذة، ونجد بالطبع حالات التأخر الدراسي نتيجة عدم التركيز والرغبة في النعاس أثناء اليوم الدراسي بالإضافة إلى مشكلة السرحان وانعدام التركيز حيث يظل عقل الطفل منشغلاً بجهاز الحاسوب والألعاب والكارتون في الوقت الذي تفتقد فيه الحصة عناصر الجذب والتشويق في ظل التعليم التقليدي الذي يشعر الطفل أنه مكره ومجبر على الجلوس ساعات طويلة داخل أربعة جدران مزدحمة وعلى مقعد غير مريح وغير مسموح له بالتحرك أو التنقل داخل الفصل.
استيقظ مبكرًا

وعن أفضل الأوقات لاستخدام الطفل للحاسوب أثناء الدراسة يقول الدكتور جون هيرمان في دراسة قدمها للمركز الطبي بجامعة ساوثويسترن في مدينة دالاس الأمريكية: (.. إن الأطفال والمراهقين الذين يتبعون نظام الذهاب إلى الفراش مبكرًا والاستيقاظ مبكرًا يؤدون واجباتهم المدرسية والذهنية أفضل من أولئك الذين لا يطبقون متطلبات الساعة البيولوجية للجسم (السيركادية) وأن أفضل وقت للعمل على الحاسوب أو قضاء بعض الوقت أمام التلفزيون هو الصباح الباكر عندما يكون الطفل في حاجة للمنبهات لمساعدته على خزن ما يتعلمه في يوم مدرسي مكتظ بالمواد).
دفء الأسرة


أخيرا أتقدم إلى كل أسرة بهذه النصائح:

- يجب ألا يحل الحاسوب وعالمه الافتراضي محل العالم الواقعي.

- لا بد من استمرار العلاقات المادية المحسوسة داخل الأسرة مثل تبادل الحوارات والمسامرات، القراءة الجماعية، الألعاب الجماعية بين الأشقاء.

- لا بد من انتقاء ما نقدمه للطفل فمن الخطورة ترك الطفل أمام أفلام وألعاب العنف أو الخيال المبالغ فيه أو أفلام تحمل قيمًا مغايرةً أو وافدةً إلينا من الغرب.

- ينبغي متابعة كل صغيرة وكبيرة في حياة الأبناء وإسداء التوجيهات الصحيحة لهم والانتباه من تأثير المحيط اليومي بهم ففي ذلك أساس مطلوب لتربية علمية وأخلاقية أفضل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق