الجمعة، 9 ديسمبر 2005

الداعية وثقافة " التيك أواي "




تحقيق: أمل خيري.......
فوجئ الداعيةُ أحمد أثناء إلقائه درسًا في المسجد عن أهمية الدعوة إلى الله بسؤالٍ من أحد الحاضرين يقول: "كيف يا سيدي تؤكد على وجوب الدعوة، والقرآن الكريم يقول ﴿يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم﴾، كلامك هذا يتعارض مع القرآن"، بُهت أحمد ولم يستطع جوابًا، أتدري ما السبب؟

إنه لم يكلف نفسه مشقَّةَ القراءة في تفسير القرآن الكريم، ولم يسلح نفسه بالثقافة الإسلامية الضرورية لمواجهة مثل هذه المواقف.

عاد أحمد لكتب التفسير ولكتب التراث يحاول البحث عن هذه المعضلة حتى وجد مقولةً للإمام ابن تيمية في تفسير الآية "إن المسلم إذا قام بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يضره ضلال الضلاَّل"، فتأكد من عدم وجود تعارض، ولكنه قرر في نفسه أمرًا، وهو أن يضع لنفسه برنامجًا ثقافيًا دعويًا حتى يستعد لمثل هذه المواقف.

فما هو الحد الأدنى من الثقافة الواجب توافره في الداعية قبل أن يتصدى لهذه المهمة الجليلة؟ ومن أين يستقي الداعية ثقافته الدعوية؟

هل أنت مؤهَّل للدعوة؟
تقول كريمة (واعظة بالجمعية الشرعية) أقومُ بالوعظ في بعض المساجد وأحيانًا أُدعى لإلقاء محاضرات في بعض الندوات أو المحافل العامة، وبالطبع لم أكن لأتصدى لهذا العمل إلا بعد حصولي على قدرٍ معقول من الثقافة الإسلامية، حيث أنهيت دراستي بأحد معاهد الدعاة، كما أن لدي بفضل الله مكتبة تحوي كثيرًا من كتب التفاسير والأحاديث و السيرة.

وأعتقد أنه يجب على الداعية أن يرتبط بشيخٍ يتعهده أخلاقيًا وتربويًا، فكما أُثر "من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان"، ثم ينتسب لأحد معاهد الدعاة ولا يتوقف أبدًا عن تحصيل العلم فلا بد من صحبة صالحة تعينه على أمر الدراسة.

داعية ترانزستور
بينما يؤكد عبد الرحمن علي (طالب) قائلاً: أقوم بالوعظ بين زملائي بالجامعة، وبالطبع لم انتسب لأحد معاهد الدعاة ولكن الأشرطة لجميع المشايخ تنتشر بالأسواق، بل وعلى الأرصفة، وأنا اعتبرها مصدري الأول في الثقافة حيث لا وقت عندي للاطلاع على الكتب.

وتوافقه نهى سيد التي تلتقي ببعض المحفِّظات في إحدى حلقات تحفيظ القرآن في درس أسبوعي فتقول: الحمد لله يتوفر لنا الآن العلم الديني في كل مكان، في القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت، فأقوم بتفريغ بعض الحلقات لكبار الدعاة وأنقلها كما هي في الدرس.

أما عادل (مقيم شعائر بأحد المساجد) فيقول دراستي في الأزهر جعلتني مُلمًّا بكثيرٍ من العلوم الإسلامية الأساسية، ولكن للأسف أشعر في كثير من الأحيان بعدم قدرتي على تجديد الخطاب الديني وعدم استطاعتي مجاراة الشباب في اهتماماتهم، خاصةً مع نمط الحياة السريع الذي أصبحنا نحيا فيه.

معاهد الدعاة
يقول الداعية فضيلة الشيخ المحمدي عبد المقصود: إن أول مبادئ التصدي للدعوة تستلزم من الداعية أن يلتحق أولاً بأحد معاهد الدعاة لأنها تفتح أبواب العلم بطريقة منظمة، ولكنها لا تعطي العلم كله، فلا بد للداعية أن يستكمل العلم من كتب الفقه ويتوسع فيه بطريقة منهجية بعد أن وضع المعهد له الأساس، ويستكمل السيرة من كتب السيرة بعد أن تلقى الأساس فيها وهكذا في سائر العلوم.

كما أنه ينبغي كذلك أن يتعلم شئون المجتمع ويتعلم كيف يدير نفسه في تنشيط المجتمع والأخذ بيده للطريق الصحيح، أما شرائط الكاسيت وبرامج الفضائيات ومواقع الإنترنت فإنها لا تكفي وحدها في تثقيف الداعية؛ فمثلا شرائط الكاسيت هي امتداد لفكر وتوجه الداعية الذي يتحدث، وبالتالي لو كان له ثقافة معينة أو اتجاه معين فإن السامع سيتأثر بها وينقلها لغيره دون أن يميز بين غثها وثمينها إذا لم يكن لديه الأساس السليم في العلوم الشرعية، لذا لا بد من التحصن بالعلم الصحيح قبل سماع الأشرطة لتكون لديه قاعدة أساسية غير مطاطية ينطلق منها دون إفراط أو تفريط، كما ينبغي على الداعية أن يتعرف فقه ضروريات الوقت ويراعي أحوال المدعوين.

عودة للأصول
ويؤكد الدكتور منير جمعة عضو هيئة الجمعية الشرعية أن أول ما يلزم الداعي من عدة فكرية أن يتسلح بثقافة إسلامية ثابتة الأصول تستقي مصدرها من الإسلام.

وعن هذه المصادر يقول:
أولاً: القرآن الكريم هو المصدر الأول لثقافة الداعية فيجب على الداعية أن يحفظ من القرآن قدر ما يستطيع ليكون قادرًا على استحضاره والاستشهاد به في كل مناسبة ممكنة، وأن يحسن تلاوته بإتقان وأن يتعرف على خصائص القرآن ليسهل عليه نقلها والدعوة إليها، وأن يحذر من أن يفسر بهواه أو يقول بغير علم، وأن يحسن الاستدلال بالآيات القرآنية في موضعها تمامًا وأن يعتني بالنماذج القرآنية كنموذج الشاب المتعفف عن الحرام المتمثل في شخصية سيدنا يوسف، والشاب المطيع لأبيه ولأوامر الله المتمثل في سيدنا إسماعيل وهكذا.

ثانيًا: السيرة النبوية لأنها الناحية العملية من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ففيها يجد الداعية الإسلام مجسمًا في حياة بشر لذا فيحسن للداعية أن يذكر في حديثه نماذج عملية من أخلاقه مع أهله وصحابته.

وعلى الداعية أن يحذر من تسرب الأحاديث الضعيفة بأن يعتني بانتقاء كتب الأحاديث الصحيحة، فقد تسللت للأسف إلى كثير من كتب التفسير والرقائق، بل قلَّ أن نجد اليوم محدثًا في الإذاعة أو خطيبًا في مسجد يفلت من شرك الاستشهاد بالأحاديث المردودة.

ثالثًا: العقيدة: من حيث معرفة الله وتوحيده توحيدًا خالصًا من الشوائب، وليحذر الداعية من الإغراق في مباحث علم الكلام، وليحذر من صرف الهمة إلى مشكلات تاريخية في العقيدة؛ فنحن في حاجة للوقت لمواجهة معضلات زماننا.

رابعًا: الفقه فلا بد للداعية من قدر مناسب من الثقافة الفقهية بحيث يعرف أهم الأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات؛ وذلك ليعمل هو بمقتضاها أولاً ثم تصحيح ما يقابله من أخطاء وتقويم ما يواجهه من انحرافات في ضوء الأحكام الشرعية بعلم وفقه.

وعن الاستدلال بالأدلة الشرعية يؤكد الدكتور منير أن الداعي عليه أن يحرص على ربط الأحكام بأدلتها من الكتاب والسنة، فالدليل يكسو الحكم أو الفتوى نورًا و جمالاً.

وليحذر الداعية من المبالغة في تعليل العبادات، فمثلا قد يقول الداعية في تحريم الخنزير بأنه يأكل القاذورات فيجد من يرد عليه بأن هذا لا ينطبق إلا على الخنازير سيئة التغذية مثلاً.

هل الداعية= الخطيب؟
إلا أنه من الخطأ حصر مفهوم الدعوة في الوعظ والإرشاد والخطابة؛ فالحديث العادي والمقالة يكتبها كاتب أو صحفي، والبحث الميداني، والكتاب يؤلَّف، والتحقيق الصحفي، والبرنامج الإذاعي، والبرنامج التليفزيوني، والعمل الدرامي والشعر، والنثر، والقصة، والمسرحية كل ذلك من الممكن أن يكون دعوة وخطابًا إسلاميًا، وهنا يتصدى الجميع للدعوة كلٌّ على قدر تخصصه وثقافته، والداعية عليه أيضًا أن يتثقف بالثقافة العلمية ويساير مقتضيات العصر ومستحدثاته كقضايا زرع الأعضاء والاستنساخ ومقاطعة البضائع الأجنبية وزواج المسيار، والقضايا التي تهم الشباب كالعلاقات الافتراضية بين الفتاة والشاب من خلال الدردشة الالكترونية وهل تعد خلوة؟ و حكم مراسلة الفتاة للشاب.. فكل هذه المستحدثات تتطلب داعية على قدر من الوعي وتفتح الذهن.

فإذا أردت أخي الداعية ألا يتكرر معك موقف أحمد فلتسلح نفسك بالعلم الشرعي من مصادره الأصلية ولا تكتفي بالاعتماد على ثقافة "تيك أواي"، التي تجعلك تنقل من هذا الشريط ومن ذلك البرنامج ومن تلك المواقع الالكترونية بشكل عشوائي بلا تخطيط وبلا أساس قوي من العلم الشرعي الأصيل، ولتسارع بالالتحاق بأحد معاهد الدعاة وتضع لنفسك برنامجًا لتثقيف نفسك بالعلوم الشرعية ولا تكفي الشهادة الدراسية وحدها في هذا العصر مسوّغًا للعمل في عصر تتدفق فيه المعارف والمعلومات، ومن ثم وجب على الداعية أن يكون واسع الأفق، مفتوح العقل والحواس لفهم كل جديد في هذا العصر، وبخاصة الجديد الذي يؤثر مباشرةً في أفكار الناس وأوضاعهم الثقافية والاجتماعية كالكمبيوتر والإنترنت وغيرهما من مبتكرات العصر، فحصِّن نفسك أيها الداعي بالثقافة الأصيلة، وطور من نفسك وأدائك لتساير تغيرات العصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق