ترجمة: أمل خيري
يواجه المسلمون اليوم مشكلتين أساسيتين: تتعلق المشكلة الأولى بالنصوص التأسيسية في حد ذاتها، أما الثانية فتتعلق بالتباين في تفسير هذه النصوص تبعًا لاختلاف المجتمعات.
وإذا كان القرآن الكريم هو كلام الله المقدس فإنه أيضا نزل منجما على مدى ثلاث وعشرين سنة في سياق تاريخي واجتماعي محدد، وهناك العديد من الآيات القرآنية لا يمكن تفسيرها إلا في ضوء هذا السياق فقط، ولذا فإن القراءة الحرفية التاريخية للنص تجعل منه نصًّا جامدا وهذا بدوره يمنعنا من إدراك غايات الوحي.
ولا يمكن تدارك ذلك إلا من خلال الدفع في اتجاه إعادة تفسير النص في ضوء ما يستجد من السياقات التاريخية والجغرافية التي تمكن المسلمين من التمسك بروح النصوص التي جاءت بها الشريعة.
إعادة قراءة السنة
ويصدق هذا بالمثل على نصوص السنة النبوية، حيث يجب أن تخضع الأحاديث النبوية الشريفة لتحليل نقدي من حيث صحة ثبوتها، ومن حيث مضمونها على حد سواء، وفي هذا الصدد قام العديد من علماء الأمة بجهود جليلة عبر القرون، وهذه الجهود يجب أن تستكمل.
وبالمناسبة فإن مبادرة جامعة أنقرة للعلوم الدينية جديرة بالثناء –دون مبالغة في تقديرها– حيث دعت لمراجعة الأحاديث النبوية الشريفة وإعادة قراءتها في سياق معطيات العصر، وبالرغم من أن هذه النتائج لم يتم تقييمها بعدُ، فإن المزية الأساسية لهذا المنهج النقدي تتمثل في إتاحة الفرصة لإعادة القراءة النقدية للنصوص في ضوء السياقات المعاصرة.
والمسلمون اليوم في أشد الحاجة لهذه القراءة النقدية التي تمكنهم من فهم جوهر النص معزولا عن سياقاته التاريخية التي نزل فيها، وتشتد هذه الحاجة لمواجهة التحديات المعاصرة، مثل التحول الديمقراطي، وحقوق الإنسان، والعدالة الاقتصادية، وبالطبع مكانة المرأة.
موروثات ثقافية لا دينية
أما التحدي الثاني فقد نشأ عن تلك القراءات والتفسيرات التي لا تزال تخضع لموروثات البيئة الثقافية والاجتماعية، فعلى سبيل المثال في الشرق الأوسط -إفريقيا وآسيا- حيث تسود الثقافات التقليدية والسلطة الأبوية يتم تفسير النصوص القرآنية والأحاديث النبوية في ضوء هذا السياق القائم، وهذا بدوره يحول دون مزيد من الدراسة النقدية للنصوص من حيث أسباب نزولها والغايات التي نزلت لتحقيقها.
لذا فإن عملية إعادة قراءة النص في ضوء مستجدات العصر قد أضحت من الأهمية بمكان من أجل تمييز ما هو ديني عما هو موروث ثقافي، ومن هنا نستطيع على سبيل المثال تأكيد أن موضوعات، مثل: ختان الإناث، والزواج بالإكراه، وجرائم الشرف ليس لها أصول إسلامية، بل على النقيض هي موروثات ثقافية الإسلام منها براء.
جوهر النص لا سياقاته
ونحن اليوم في أشد الحاجة للتفسير النقدي للنصوص الإسلامية لمقاومة أشكال محددة من الاختلال الثقافي؛ لذا فنحن ندعو المسلمين للمشاركة في شهر مايو المقبل في الحملة الأوروبية لمكافحة الزواج بالإكراه ومواجهة القراءة الحرفية للنصوص والتفسير المبني على الموروثات الثقافية، ويجب أن نمضي قدمًا في مهمة الإصلاح، ونتذكر بوضوح أنه لا يمكن للمسلمين أن يظلوا مخلصين لجوهر النص ما لم يكونوا قادرين على تطوير أسلوب التفسير.
ويجب أن يتفهم المسلمون حقيقة أن التعاليم الدينية المتحجرة هي نفسها سبب في التضليل، وأنه بدون التطوير لا تصلح النية الخالصة وحدها ولا التمسك الحرفي بالنصوص في الحفاظ على التعاليم الدينية.
المقال منشور بموقع إسلام أون لاين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق