السبت، 12 يوليو 2008

عقد القران.. بوابة السعادة الزوجية *

أمل خيري
Image
يأتي عقد الزواج غالبا تتويجا لمراحل سابقة من التعارف والخطبة، كما أنه البوابة الذهبية لحياة زوجية كثيرا ما يتوقف نجاحها أو فشلها على مدى استثمار مرحلة العقد، لهذا تحرص شبكة (إسلام أون لاين.نت) منذ إطلاقها على أن تكون مع المقبلين على الزواج في تلمس طريقهم نحو عقد قران ناجح.
فغالبا ما يسبق العقد فترة من الخطبة طالت أم قصرت، وهي مرحلة مهمة للتعارف بين الزوجين الذي من شأنه أن يجنبهما مشاكل مستقبلية، إلا أن الخِطبة في كثير من الأحيان قد لا تحقق القدر الكافي من التعارف؛ لذا تأتي مرحلة العقد لمزيد من التعارف والتآلف، خاصة في الأسر التي لا توفر للخاطبين فرصة التعارف الحقيقي.
على أعتاب العقد
وفقا لرؤية (إسلام أون لاين.نت) فإن العقد ليس مرحلة لاستكشاف مدى التوافق بين الطرفين؛ لأن هذا الاستكشاف من المفترض أنه قد تم في مراحل سابقة، ويأتي العقد تتويجا لهذا التوافق والتعارف والتآلف ليمهد الطريق لعلاقة زوجية ناجحة.
يقصد بفترة العقد الفترة الواقعة بين إجراء العقد الشرعي المكتمل الأركان، وقبل الزفاف؛ لذا فإن العلاقة بين العاقدين تختلف بالكلية عن العلاقة بين المخطوبين، مما يسمح لكلا العاقدين بمزيد من استكشاف الطرف الثاني، والتعرف على خصاله وطباعه وما يحبه وما يكرهه وطموحاته وأحلامه، أملا في الوصول لمرحلة من التفاهم المشترك والاندماج لا يتبقى معه سوى الحاجة لإتمام الزفاف، لذا فإن فترة العقد بمثابة الجذر الذي تستند عليه شجرة الحياة الزوجية، أو الأساس اللازم لبناء متين، وبما أن مساحة العلاقة بين العاقدين تكون أكبر بكثير من فترة الخطوبة - التي يقتصر فيها الأمر على مقابلات في وجود المحارم - في حين يسمح العقد بما هو أكثر من ذلك.
لذا تدور المشكلات بين العاقد وأهل زوجته حول حدود العلاقة بينهما، ويحدث صراع حول مفاهيم الطاعة والإنفاق وغيرها؛ لذا يفضل أن تكون فترة العقد قصيرة، ولكن بما لا يخل بتحقيق التآلف والاندماج اللازم لعلاقة زوجية ناجحة.
العلاقة بين العاقدين
يتلخص خطاب (إسلام أون لاين.نت) في مسألة حدود العلاقة بين العاقدين في أن عقد الزواج إذا تم مستوفيا أركانه وشروطه فيكون العقد قد وقع صحيحا، وتترتب عليه آثاره الشرعية، إلا أن هذا الأمر إذا انطبق في حالة وقوع العقد مع الزفاف في نفس الوقت، إلا أنه يختلف عن حالة إتمام العقد ثم بقاء الزوجة في بيت أهلها مدة من الزمن قد تطول أو تقصر، ففي هذه الحالة فإن الموقف يتغير، حيث يستثنى من تحقيق آثار العقد الشرعية في هذه الحالة أمران:
الأول: طاعة الزوج، فلا طاعة للزوج حتى تنتقل الزوجة إلى بيت الزوجية، وما دامت في بيت أبيها فالطاعة واجبة لأبيها، كما جرى العرف أيضا بأن الأب هو الذي ينفق على البنت المعقود عليها ما دامت عند أبيها، ولا يطالب العاقد بالإنفاق عليها إلا بعد الزفاف، وبالتالي فلا قوامة للزوج أثناء العقد، بل الولاية للأب، ويجب شرعا مراعاة هذه الأعراف الصحيحة، والتي لا تعارض الأحكام الشرعية.
الأمر الثاني: المعاشرة الزوجة، فالعلاقة الجنسية التامة لا تكون إلا بعد أن تزف الزوجة إلى بيت زوجها؛ لأن النكاح في الإسلام مرتبط بـالإشهار، أما في حالة العقد بشكله الحالي فإن الإشهار هنا يعني فقط أن هناك ورقة رسمية تربط هذا الشاب بهذه الفتاة، وأنه لم يدخل بها بعد.
وكل ما هو باستثناء ذلك فإنه في دائرة المباح، ومن ذلك خروج العاقدين إلى الأماكن العامة بدون محرم، بل كل استمتاع دون العلاقة الزوجية المباشرة فهو في دائرة المباح، مع ضرورة مراعاة العرف، فقد لا يسمح الأهل بمجرد الخلوة، فلابد من إرضاء الأهل؛ لأن ابنتهم ما زالت في بيتهم، والطاعة تجب لهم.
أخطاء العقد
هناك مجموعة من الأخطاء التي تحدث في العقد وتؤدي لعواقب وخيمة، ويهمنا أن نرصد ملامح خطاب (إسلام أون لاين.نت) بشأن أهم هذه الأخطاء:
الخطأ الأول: تسرع العاقدين في العلاقات الجنسية الناقصة أو الكاملة، وهذا من شأنه أن يخرج العقد عن هدفه الحقيقي.
الخطأ الثاني: عدم التقارب الكافي بين العاقدين في هذه الفترة، سواء كان بسبب الأهل الذين يمنعون العاقد من الجلوس مع زوجته والخروج معها إلا بصحبة أحد المحارم، مما يمنع تواصلا وتفاعلا حقيقيا بينهما، أو بسبب سوء فهم العاقدين لهدف العقد والغاية منه، فيكون التركيز على الأمور المادية لبناء البيت، وإغفال عنصر التآلف النفسي، والتقارب الروحي بينهما.
الخطأ الثالث: الاندفاع في العواطف من طرف واحد، بينما الطرف الثاني ما زال يحتاج لفترة طويلة من التدرج في عواطفه، فيتهم بأنه بارد المشاعر، أو جاف العاطفة، أو ربما يظن الطرف المندفع في حبه أن شريكه لا يقبله، أو لا يبادله المشاعر.
وهنا يجب تأكيد أن البشر يتفاوتون في طريقة التعبير عن مشاعرهم، فمنهم من يصرح ومنهم من يلمح، كما أن نمو العاطفة لا يكون بنفس الدرجة لدى كل البشر، فإذا توافر الحد المعقول من القبول النفسي والتوافق الروحي فإن نبتة الحب تحتاج إلى الرعاية وعدم التسرع.
الخطأ الرابع: تعريض الطرف الثاني للاختبارات، كمن يضع زوجته في اختبار مستمر، ليختبر مدى حبها أو اهتمامها به بشكل يعقد حياته وحياتها، وفي نفس الوقت تخفي هي حقيقة مشاعرها خجلا، لذا لابد أن يعيش العاقدان بطبيعتهما بلا تكلف وبلا اختبارات.
مع الأهل
فترة العقد من أكثر الفترات التي تثير مشكلات وخلافات مع الأهل، خصوصا مع أهل الزوجة، والتي يمكن أن تستمر روافدها لما بعد الزواج.
ومن بين هذه المشكلات تدخل أم الزوجة بين ابنتها والعاقد عليها، ومحاولتها إفسادها عليه، فيخشى الشاب من تأثر زوجته بكلام والدتها، إلا أن اتفاق الزوج وزوجته على مبادئ حياتهما التي من أهمها عدم تدخل أي شخص فيما يدور بينهما، وهذا الاتفاق من شأنه أن يساعدهما على استمرار حياتهما، خاصة أن فترة العقد فترة مؤقتة ستنتقل بعدها الزوجة إلى بيت زوجها، ولن يكون للأم أي دور في حياتهما، مع الاجتهاد في عدم الصدام بالأم مع الحسم عند التدخل المباشر، ومحاولة التقرب باللطف والسياسة الهادئة؛ فهي في النهاية أم ثانية للرجل، وجدة لأولاده القادمين فيما بعد.
وقد يرفض بعض الأهل إعطاء مساحة للخصوصية بين العاقدين، فالبعض من الآباء يرفض أن تجلس ابنته دون حجاب أمام زوجها، ويرفض خروجهما معا، ويرفض خلوتهما ولو لحظات، وكل هذا يمكن تلافيه في فترة ما قبل العقد، حيث إن الاتفاقات تكون مهمة جدا، وإذا كنا نرفض التجاوز الذي يحدث بين العاقدين، فإننا أيضًا نرفض التعنت في تحديد العلاقة بينهما، فلا إفراط ولا تفريط.
كما لا ينبغي أن تؤثر الخلافات بين أهل كل من الزوجين على العاقدين؛ لأن هذه الخلافات ما تلبث أن تقل بالتدريج، وتتحول لنوع من التكيف والتطبيع.
ألف باء تخطيط
ينصح خطاب (إسلام أون لاين.نت) بأن يستثمر العاقدان فترة العقد في التخطيط لحياتهما الزوجية؛ لأنها ليست رومانسية فحسب بل هي مسئوليات متبادلة، فينبغي الاتفاق على هذه المسئوليات، ودور كل طرف في إدارة الأسرة.
فهذه الأدوار يجب أن تتكامل في إطار رؤية شاملة لملامح الحياة الزوجية، فيتم الاتفاق على إدارة ميزانية الأسرة، والبنود الأساسية للإنفاق، وهل ستعمل الزوجة أم لا؟ وإن كانت ستعمل فكيف يتم التصرف في راتبها؟ وكيف يتم التعامل في حالة الخلافات الزوجية؟ ومن الأطراف التي يمكن اللجوء إليها؟ وما حدود تدخل الأهل؟ وهل تستكمل الزوجة دراستها أم لا؟
كل هذه الاتفاقات من شأنها رسم صورة مستقبلية للحياة الزوجية، تقي من مشكلات قد تكتنف الزوجين وتهدد استقرار حياتهما الزوجية، وتجعلهما في مهب العواصف والأنواء التي قد لا يتحملانها، فيكون الندم بعد فوات الأوان، ولا مانع من الاستفادة من خبرات الأصدقاء المتزوجين، حتى يكون التخطيط واقعيا.
فسخ العقد
وفي بعض الأحيان قد يكتشف أحد العاقدين سمات شخصية سلبية في شريك الحياة، أو يظهر الطرف الثاني بشكل مخالف لما كان عليه قبل العقد، أو يكتشف الطرفان معا أن طريقهما مختلف ومساحات الاختلاف بينهما أكثر من مساحات الاتفاق، فيتم الاتفاق على فسخ العقد، ويبدو أن آثار فسخ العقد تنعكس بالسلب على الفتاة أكثر من الشاب، سواء بالشعور بفقد الثقة بالآخرين، أو فقد الثقة في النفس في الحكم على الآخرين، أو التأثير السلبي على كيفية اختيار شريك الحياة المقبل.
ولتجاوز هذه الآثار يمكن وضع قواعد عامة:
  • لا داعي لظلم النفس، أو فقدان الثقة بالنفس، فما دام الإنسان فكر قبل اتخاذ قراره فيجب ألا يندم على اختياراته، وحتى لو أخطأ فإنه يتأكد أولا أنه أخطأ، ثم يتعلم من هذا الخطأ.
  • الحكم على الآخرين مهارة نكتسبها مع الأيام، ويعيننا في ذلك الشخصيات الحكيمة من حولنا.
  • لا داعي لتكرار الخطأ نفسه مرتين، فليكن الاختيار القادم مبنيا على أسس ومعايير ثابتة وواضحة، يراعى فيها تجاوز سلبيات الاختيار السابق.

*الأصل دراسة قدمتها الباحثة بعنوان: "عقد الزواج في خطاب شبكة إسلام أون لاين.نت".
رابط المقال المنشور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق