الخميس، 22 نوفمبر 2007

محمد أحمد الراشد .. همسات في مسار الدعوة


أمل خيري

محمد أحمد الراشدإن محمد أحمد الراشد لا يعد منظرا فكريا فحسب، بل هو كاتب جمع بين الفصاحة والبلاغة ويسر الأسلوب، تشعر معه أنك تحلق في عالم رحب وترتفع عن الدنيا حتى تكاد تلامس السحاب، ثم لا تلبث أن تعود لدنيا الواقع بقلب مشرق ونفس متفتحة فتمضي في مسار الدعوة وصناعة الحياة.

النشأة والتكوين

ولد عبد المنعم صالح العزي وكنيته (أبو عمار) في 11 جمادى الآخرة 1357هـ/الثامن من يوليو 1938م بحي الأعظمية ببغداد، وتعود أصوله لعشيرة بني عز من العرب المضرية العدنانية.

كانت بداية دراسته الابتدائية في مدرسة تطبيقات دار المعلمين وهي أرقى مدرسة في العراق، وتميز عبد المنعم في صباه بالوقار والجدية وعفة اللسان والصدق والطاعة والاحترام لمعلميه، كما كان واسع النشاط متعدد المواهب فكان يلعب الكرة، ويجيد الركض والسباحة، فقد عبر نهر دجلة وعمره ثماني سنوات دون الاستعانة بأحد، كما كان لا يفتر عن التجوال على الدراجة الهوائية.

تفتحت نفس عبد المنعم منذ طفولته المبكرة على العلم والقراءة فقد كان شقيقه الأكبر يضع مجلة "الرسالة" في يده فيأتي عليها من الغلاف إلى الغلاف، دون أن يفهم منها إلا قليلا، ولكن ترسبت منها في اللاشعور بعض معانيها، كما كان يقرأ مجلات أدبية أخرى مثل "الأنصار" فتضاعف سمت الجد الذي فطره الله عليه.

بدأ اهتمامه ووعيه السياسي وهو في الثانية عشرة من عمره حين كان في المدرسة المتوسطة، حيث كانت القضية الفلسطينية في ذروة الاهتمام، إضافة إلى اندلاع المظاهرات المطالبة بإسقاط معاهدة بورت سموث، كما بدأت المطابع بإنتاج كتب عن تاريخ الحرب العالمية الثانية وقصص رومل وغيره، فتضاعف اهتمامه بالقضايا السياسية وهو ما أدى إلى انخراطه في صفوف العمل الدعوي في هذه المرحلة. كانت بداياته مع جماعة الإخوان المسلمين التي كانت حينها تتخذ الطابع العلني في أيام العهد الملكي.

بدأ عبد المنعم تعرفه على الإخوان حين كان يصطحب أحد الإخوة من أصدقاء عائلته وكان كفيفا فيقوده إلى دار الإخوان وهم مجتمعون يلقون الدروس، فبدأ وعيه لكتب الإخوان وهو ما زاد من شوقه للانتماء لهذه الجماعة، إلا أن الفتنة التي صاحبت نشأة حزب التحرير وانشقاقه عن الإخوان كان لها أكبر الأثر في تكوينه ووعيه المبكر لخطر الفتن وآثارها قبل الانضمام للجماعة؛ ما جعله يكرس حياته لمحاربة الفتن.

السلفية الإخوانية

تتلمذ الراشد على يد مجموعة من العلماء الأجلة كالشيخ الصواف قائد الإخوان في العراق، والشيخ عبد الكريم الشيخلي، ويلقب بالشيخ عبد الكريم الصاعقة وهو من علماء السلف، والشيخ تقي الدين الهلالي وهو من العلماء المعروفين الذين نالوا الدكتوراة من ألمانيا، وأخذوا الحديث عن علماء الهند، وله أثر كبير على الراشد في التوجه السلفي، عبر خطبه ودروسه في مسجد الدهان ببغداد. ومن بين شيوخه أيضا الشيخ محمد القزلجي وهو كردي من أوائل العراقيين الذين درسوا في الأزهر، والشيخ أمجد الزهاوي رئيس علماء العراق، ثم الشيخ محمد بن حمد العسافي السلفي، وغيرهم من العلماء الذين استفاد منهم الشيخ ولم يلازمهم. كما تأثر كثيرا بقصائد شاعر الدعوة وليد الأعظمي، كما تميز الراشد بسعة اطلاعه ومتابعته لكتب الأدب والشعر بدءا من العصر العباسي حتى العصر الحديث إذ تأثر بالرافعي ومحمود شاكر وعبد الوهاب عزام وغيرهم الكثير.

درس الراشد في كلية الحقوق جامعة بغداد أصول الفقه والمواريث ومسائل الطلاق وأبوابا من المعاملات عبر الفقه المقارن؛ ما وسع مداركه في العلوم الشرعية، وتخرج عام 1382هـ/1962م، وعمل محاميا ثم صحافيا ثم تفرغ للكتابة في العمل الدعوي. وفي 1391هـ/1971م اضطر الراشد للاختفاء داخل العراق بسبب الظروف الأمنية، ومع مطلع 1392هـ/1972م هاجر إلى الكويت فعمل محررا في مجلة المجتمع التي تصدرها جمعية الإصلاح، وكتب فيها سلسلة مقالاته في إحياء فقه الدعوة، ثم انتقل إلى الإمارات وقدم للشباب والدعاة سلسلة من الدروس والدورات، ثم انتقل للعيش في ماليزيا وإندونيسيا والسودان فسويسرا، وفي كل بلد من هذه البلدان كان ينشر العلم الشرعي وفقه الدعوة بين الدعاة.

الأديب المبدع

قدم الراشد على مدى عمره العديد من الكتب والرسائل التي ينم أسلوبها وطريقة إخراجها عن فنان وأديب تذوق الأدب واطلع على أمهات الكتب وصهر محتواها بأسلوب أدبي رشيق لا تلمح فيه إلا شخصا قد درس التاريخ ووعاه واستقرأ الأحداث المعاصرة وحاول الربط بينها بشكل بديع ليقدمها للدعاة لوحة فنية ومقطوعة موسيقية متسقة مع مستحدثات العصر. وتستطيع أن تلمح البلاغة الأدبية والصياغة الفنية في جميع مؤلفات الراشد بدءا من سلسلة إحياء فقه الدعوة حتى سلسلة إستراتيجيات الحركة الحيوية.

فن قيادة الأمة

ففي سلسلة إحياء فقه الدعوة قدم ثلاثة كتب هي المنطلق والعوائق والرقائق، وإيمانا منه بفقه الواقع الذي يلقي بالعقبات في طريق العمل الإسلامي الحركي وهو ما يؤدي للفتور بعد الحماسة أفرد الراشد كتاب العوائق ليتحدث عن العراقيل والعقبات التي تعيق عمل الداعية وكيفية اتقائها من خلال الآيات والأحاديث وأقوال العلماء والسلف وأبيات الشعراء في مزيج عجيب ينفذ إلى القلب مباشرة.

وفي "الرقائق" يستدعي الراشد المعاني الإيمانية التي ترقق القلوب، ثم يختتم هذه السلسلة بكتابه الشهير "المسار" الذي جعله ختام مسك، حيث اعتمد فيه أسلوب التوعية من الناحية التخطيطية الإجمالية الشاملة لمسارات الدعوة الثلاثة: الخارجية مع الحكومات والأحزاب والجماعات الأخرى والداخلية البانية لشكل التنظيم، والتربوية التي تهذب الدعاة وتكسبهم الصفات الإيمانية.

صناعة الحياة

ويمضي الراشد في سلسلة رسائل العين فيكتب "معا نتطور" و" نحو المعالي"، و"تقرير ميداني"، و"فضائح الفتن"، وهذه السلسلة غرضها الإرشاد والدعوة فيعرض للصفات السلبية التي تعترض الدعاة ثم يعرج على الصفات التي ينبغي أن يتصف بها الدعاة ليكونوا صناع الحياة.

ويستكمل الراشد نظريته في "صناعة الحياة" في كتابه الذي يحمل هذا الاسم مبينا أن الولاء ناموس الكون فيدعو الجميع إلى الولاء وليس الطاعة وإلى الدقة في التعامل والسرعة في الأداء مذكرا الدعاة ببركة العلم الشرعي واضعا نظرية تخطيطية رائعة للدور القيادي للدعاة في تربية العناصر الجيدة التي تصنع الحياة بمنهجية شاملة وثقافة عامة.

وللعراق نصيب

توج الراشد نشاطاته السياسية والدعوية الممتدة على مدى نصف قرن تقريبا بتأسيس مجلس شورى أهل السنة والجماعة في العراق، وهو المجلس الذي يرمي إلى توحيد كلمة أهل السنة في العراق في مرحلة التحول السياسي، ويتفرغ الآن إلى العمل مع الحزب الإسلامي العراقي والتنظير له.

وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق قدم الراشد مجموعة من الدراسات والكتب التي ترصد الحالة الراهنة للعراق وتبشر بعودة الأمل مثل: "صحوة العراق"، و"عودة الفجر"، و"رؤى تخطيطية"، و"رمزيات حماسوية"، و"بوارق العراق"، و"معا نحمي العراق".

هذا إضافة إلى تهذيبه لكتاب مدارج السالكين ومختصر العقيدة الطحاوية ورسالته الشهيرة "دفاع عن أبي هريرة"، و"أصول الإفتاء والاجتهاد التطبيقي"، وكتاب "الفقه اللاهب"، و"سلسلة مواعظ داعية (صراطنا المستقيم، آفاق الجمال)"، و"الأقصى وسبيل إنقاذه"، وغيرها الكثير مما لا يزال يقدمه الراشد بإبداعه الراقي في مسار الدعوة.

المراجع

1. الموقع الشخصي للأستاذ الراشد "الرواق".

2. محمد أحمد الراشد. منهجية إبداعية... في استثمار الخلــود، عرض للسيرة الذاتية للراشد نشرت بموقعه الإلكتروني "الرواق"، 10 محرم 1427هـ/8–2–2006.

3. محمد أحمد الراشد. المنطلق، القاهرة: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، 1420هـ/2000م.

4. محمد أحمد الراشد. العوائق، القاهرة: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، 2000م.

5. محمد أحمد الراشد. الرقائق، القاهرة: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، 1420هـ/2000م.

6. محمد أحمد الراشد. المسار، القاهرة: دار البشير للثقافة والعلوم، 1420هـ/2000م.

7. محمد أحمد الراشد. سلسلة رسائل العين، القاهرة: دار البشير للثقافة والعلوم، 1420هـ/2000م.

8. محمد أحمد الراشد. صناعة الحياة، القاهرة: دار البشير للثقافة والعلوم، 1420هـ/2000م.
http://www.biblioislam.net/ar/Scholar/card.aspx?CriteriaId=1&ID=36&UICollectionID=20

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق