الثلاثاء، 4 مايو 2010

بحث عن الدروس المستفادة من الحرب على غزة

أمل خيري

الحرب الهمجية، التي شنها الجيش الاسرائيلي على قطاع غزة في 27 / 12 / 2008 واستمرت حتى 18 / 1 / 2009 كانت حرباً مدمرة مخالفة لكل القوانين والشرائع السماوية والارضية فتكت بالانسان الفلسطيني وأدت الى سقوط حوالي 7000 شهيد وجريح، وتدمير حوالي ثلاثين ألف منزل ما بين التدمير الكامل والجزئي ومازالت تشرد حوالي مائة ألف مواطن فلسطيني في العراء تحت برد الشتاء وحر الصيف، كما نتج عنها تدمير المؤسسات الصناعية والاقتصادية المحدودة في القطاع، وجرفت آلاف الدونمات المزروعة من أراضي الفلاحين في مختلف مدن القطاع، وشلت البنية التحية التي تعرضت لتخريب متعمد طال الطرق والمرافق العامة من كهرباء ومياه ومدارس وجامعات ومستشفيات ودور العبادة والمؤسسات الدولية التابعة للاونروا ...ألخ

وهذه الحرب التي استمرت على مدى 23 يوم نتج عنها عِبر ودروس مهمة تنبع اهميتها من كون حرب غزة تستحق وقفة عربية نقدم من خلالها لأنفسنا تقريرا على غرار تقرير فينوغرادس الإسرائيلي، وإن كان المطلوب على مستوانا تقييم أداءنا السياسي وتحديد أين أخطأنا وأين أصبنا خلال الأزمة.

نشير هنا إلى أنه بقدر فداحة الموقف الإنساني جراء العمليات الوحشية العسكرية الإسرائيلية في القطاع، بقدر ثراء الأزمة بالأبعاد والدلالات على نحو يجعلها في رأينا كاشفة بشأن جوانب عديدة على صعيد القضايا التي نحياها إن عربيا أم إقليميا أم دوليا. نحاول هنا تقديم لمحة عن عدد من الدروس المستفادة من الحرب على الصعيد الفلسطيني والعربي والاسرائيلي والدولي.

أولا على الصعيد الفلسطيني:

1. يعتبر هذا الصمود نصرا للشعب الفلسطيني ولكل قواه الوطنية والإسلامية التي تجسدت في مقاومة الاحتلال بكافة تياراتها وانتماءاتها السياسية والأيدلوجية .

2. يجب اعادة الاعتبار لخيار المقاومة كخيار وحيد يمكن المراهنة على المقاومة بعد الصمود الذي حققته في ظل اختلال موازين القوى والغطرسة الإسرائيلية والأمريكية الامبريالية في المنطقة وفشل خيار المفاوضات بعد أكثر من خمسة عشر عام من المفاوضات العبثية .

3. يعتبر الانقسام السياسي نقطة سوداء في التاريخ الفلسطيني وأعطى إسرائيل المبرر للاستفراد في القطاع وتصنيف القوى الفلسطينية ما بين معتدلة وإرهابية وحتى محيطنا الإقليمي والدولي حمل الانقسام مسؤولية الحرب لذا فإنه لا قيمة لهذا الانتصار دون تحقيق وحدة فلسطينية أو على الأقل تفاهم ومصالحة وتقارب وجهات النظر.

4. بالرغم من الانقسام السياسي الحاد بين فتح وحماس وما وصلت الية الأحداث الدموية في قطاع غزة بين التيارين الا ان الحرب على غزة والدم الفلسطيني المسكوب وحد الشعب وفصائل المقاومة تحت راية واحدة وهي مقاومة الاحتلال وصد العدوان ومن كانوا بالأمس أنداد اختلط دمهم بتراب الوطن والعزة في أسطورة الدفاع عن شرف الامة .

5. تعتبر حماس جزء أصيل من الشعب الفلسطيني ومن النسيج الاجتماعي والسياسي لا يمكن لأحد تجاهلها كقوة فاعلة ومقاومة وتتمتع بأغلبية برلمانية ، وأي تسوية سياسية سواء كانت إقليمية او دولية يجب ان تكون حماس قوة أساسية في المعادلة السياسية وعلى العالم ان يتقبل خيارات الشعب الفلسطيني .

6. غياب منظمة التحرير الفلسطينية عن الساحة السياسية وتغييب لدورها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني من الحرب ومن العملية السياسية.

7. يثار التساؤل حول طبيعة الحسابات التي بنت عليها حماس موقفها برفض تمديد الهدنة وبدء قصف إسرائيل بالصواريخ. وإذا كانت إسرائيل استفادت من دروس حربها مع حزب الله، فهل استفادت الحركة كذلك من دروس هذه الحرب، باعتبار التشابه بين حماس وحزب الله؟ ما نود التأكيد عليه هو معرفة مدى واقعية ومنطقية الأسس التي بنت عليها حماس موقفها؟ بالطبع نظلم المقاومة كثيرا إذا توقعنا منها تحقيق انتصار عسكري على إسرائيل، غير أن الحرب في النهاية ليست سوى وسيلة لتحقيق أهداف سياسية.

وبمنطق المكسب والخسارة، فإن الحرب وفق الصيغة التي انتهت إليها إنما تمثل نصرا للإستراتيجية الإسرائيلية. قد لا تكون إسرائيل حققت نصرا عسكريا، وقد تكون خسرت على المستوى الأخلاقي غير أنها حققت عددا من الأهداف الأساسية على رأسها:

· إضعاف بنية حماس العسكرية: وهنا يجب أن نكون واقعيين ونقر بأن هدف إسرائيل من حرب غزة لم يكن القضاء على حماس تماما باعتبار ما يخدمه وجود الحركة من تيسير أهداف تل أبيب القائمة على استغلال التناقض القائم بين حماس وفتح لصالحها.

· إحكام الحصار على مصادر تسليح حماس في ضوء المذكرة التي وقعتها ليفني ورايس، وتعهد الدول الأوروبية بإجراءات بحرية تساعد على تحقيق ما يسمى منع تهريب السلاح لغزة، بغض النظر عن مشروعية هذا الهدف دوليا أم لا.

ويقتضي الإنصاف الإشارة إلى أن هذه النتائج لا تعود إلى ضعف أداء المقاومة على الأرض وإنما يعود إلى التعاطي السياسي العربي الذي خذل حماس وبقية فصائل المقاومة ولم يوفر الغطاء السياسي لموقفها العسكري في ضوء العديد من الخلفيات.

8. أن الفلسطينيين في صياغتهم لإستراتيجية صراعهم مع إسرائيل يجب ألا يعولوا على الطرف العربي كثيرا، الأمر الذي بدا واضحا على المستوى الشعبي في صرخات النساء الفلسطينيات جراء بشاعة العدوان والتساؤل عن العرب الذين من المفترض وجودهم وتدخلهم للحد من المأساة أو الملهاة.

ليس في ذلك دعوة للانسلاخ الفلسطيني عن الإطار العربي، وإنما هي دعوة لمزيد من الواقعية، وهى واقعية للأسف قد تخفض من سقف الطموح الفلسطيني، غير ان هذا أمر لا بد من القبول به والتعامل على أساسه على الأقل في هذه المرحلة التاريخية، أو محاولة تطويره نحو مزيد من الالتزام العربي العملي بالحقوق الفلسطينية.

وقد كان من بين المفارقات المثيرة للدهشة في ثنايا الأزمة ما بدا من أن بعض الأطراف غير العربية بدت عربية أكثر من العرب أنفسهم، الأمر الذي انعكس في مواقف فنزويلا وبوليفيا وكذلك تركيا. قد يقول قائل أن ذلك يعكس مصالح وسياسات خاصة بهذه الدول، وهو طرح يرد عليه التساؤل حول منذ متى كان هناك تباين بين المصالح والسياسات العربية مع نظيرتها الفلسطينية؟

على الصعيد العربي:

1. ان الالتفاف والاصطفاف الجماهيري الحاشد من المحيط إلى الخليج حول المقاومة لدليل واضح على صدق وجاهزية هذه الشعوب في الوقوف بجانب قضاياها الوطنية والقومية العادلة وانها ترفض الوصاية الأجنبية وسياسة أنظمتها العربية الملتحقة بالركب الأمريكي , وان الجماهير العربية تجاوزت النظام العربي الرسمي وتجاوزت قياداتها السياسية الحزبية والمدنية حيث ان هذه الأحزاب والحركات فقدت البوصلة والقدرة على القيادة وهذه الشعوب بحاجة الى من يقودها الى بر الأمان .

2. عمق الانقسام والخلاف العربي وما وصلت إليه من التشرذم والانقسام الذي لا يبشر بنهوض الوضع العربي من تحت الركام ومحاولة بناء الذات .

3. العجز السياسي العربي المخيف والمرعب والذي وقف عاجز عن انعقاد قمة عربية او اتخاذ مواقف سياسية على قدر الجريمة التي ترتكب في غزة .

4. عمق الهيمنة والسيطرة الأمريكية على القرار السياسي العربي وعمق الالتحاق العربي بالسياسة الأمريكية.

5. عجز النظام العربي عن استخدام أوراق الضغط السياسية والاقتصادية التي يمتلكها في الضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل والأوروبيين في إحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وغيرها من القضايا العربية والقومية مثل قطع العلاقات الدبلوماسية مع الاحتلال وإغلاق السفارات والممثليات ، المقاطعة الاقتصادية للدول والشركات الداعمة للاحتلال , التهديد بتخفيض انتاج النفط إلى اقل من النصف , سحب الأرصدة العربية من البنوك الأوروبية والتي تعد عماد الاقتصاد الأوروبي .

6. ظهور دول غير عربية كقوى إقليمية عربية ذات تأثير سياسي وديني مثل إيران وتركيا خاصة الأخيرة التي اتخذت مواقف علنية مناهضة لاسرائيل.

7. ما حصل في قطاع غزة يعتبر رسالة واضحة وقوية لدول إقليمية وتحديدا سوريا بان ما حصل في غزة قد يحصل لسوريا لو تجاوزت الخطوط الحمر

8. بروز التيار الديني كقوى سياسية قوية على الساحة العربية والإسلامية في قيادة التحركات الشعبية المناهضة والمنددة بالعدوان على غزة وحشد عشرات الآلاف مما يعني اتساع شعبية هذا التيار في الأوساط الشعبية والمثقفين وأصبح القوى السياسية الأولى المؤثرة في قيادة الشعوب في المستقبل وهذا الامتداد جاء على حساب التيار القومي والاشتراكي .

9. ضرورة تغيير الأداء العربي في مواجهة الأزمات التي تلحق بعناصره إذا أرادت الدول العربية بحق أن يكون لصوتها صدى في المجتمع الدولي. لقد كان هذا الأداء بالغ الضعف وشابه الكثير من أوجه القصور على نحو مخز.
ونكتفى هنا باستعارة التوصيف بالغ العمق والدلالة للكاتب البريطاني باتريك سيل لهذا الموقف حيث أشار «إلى أن عجز العرب الكلي عن الاستجابة الفعالة سواء بالقول أو بالفعل بالدبلوماسية أو بالعمل العسكري لحرب إسرائيل المدمرة على غزة كشف النقاب عما كان معروفا ولكن لا يتم الحديث عنه إلا نادرا وهو أن بعض الحكام العرب غير منسجمين ويخشون بعضهم بعضا أكثر مما يكرهون أو يخشون إسرائيل».

10. كشفت الحرب عن رواج ما يسمى بـ «ثقافة الاستسلام» عربيا وأن الأمر لم يعد يقتصر على نظام عربي حاكم هنا أو هناك أو حتى على مستوى بعض النخب، وإنما يكاد أن يمثل تيارا جماهيريا وهو ما بدا في توجيه اللوم من بعض القطاعات والأفراد إلى المقاومة ناسين أو متناسين أنها إنما تخوض ما يمكن اعتباره نضالا ضد محتل أجنبي وفق حق تقره لها كافة المواثيق الدولية.

11. محورية الدور المصري في النظام الإقليمي العربي وبغض النظر عن الملاسنات التي جرت حول هذا الدور وبشكل خاص على خلفية حرب غزة ـ فقد كان من اللافت للنظر أن القاهرة وشرم الشيخ كانا محط الكثير من الزيارات والتحركات التي جرت من أجل مواجهة الأزمة.

12. أن العرب أمام عدو تنتفي لديه كافة المفاهيم والمعاني الإنسانية وأن اللغة الوحيدة التي يتقنها هي لغة العنف والقتل. مؤدى هذا الفهم أن دول النظام العربي الرسمي ليس أمامها سوى خيارين للعيش بكرامة والحفاظ على استقلالها، إما أن تجمع بينهما أو تجيد أحدهما على الأقل. هذان الخياران هما خيار الاستعداد العسكري وإجادة فن الحرب، وخيار إجادة التفاوض، ولا يمكن أن تقوم للعرب قائمة إذا أثبتوا فشلا ذريعا في انتهاج الخيارين، الأمر الذي كشفت عنه أزمة غزة بجلاء. يقوض ذلك المقولة التي يجري تسييدها من قبل العديد من الأنظمة العربية حول إستراتيجية خيار السلام. ليس في ذلك دعوة للحرب، وإنما لفت الأنظار إلى بديهية تحكم علاقات الدول والبشر منذ القدم وهى ضرورة القوة للدفاع عن الحق حال اغتصابه أو الاعتداء عليه.

على الصعيد الاسرائيلي:

1. لا يوجد دولة في العالم تاريخها ملطخ بالدماء مثل الدولة العبرية لقد قامت هذه الدولة على القتل والتدمير وارتكاب المجاز التي يندى لها الجبين بحق الأطفال الرضع والنساء والشيوخ لتحدث حالة من الرعب والصدمة والخوف مما حول ملايين الفلسطينيين إلى لاجئين

2. ان سياسة القتل واستهداف المدنيين كوسيلة ضغط للابتزاز السياسي لم تعد وسيلة مجدية الآن في ظل المتغيرات الوطنية حيث أدركت المقاومة المعادلة والأهداف الإسرائيلية فلم تعد سياسة القتل والمجازر المتعمدة بحق المدنيين تجبرهم على الهجرة ولم تعد الالة العسكرية تحدث حالة من الرعب والصدمة بل زادتهم قوة وإرادة على الصمود والمقاومة

3. لقد تراجع المشروع الصهيوني وانكفئ إلى الخلف بعد ان كان يحقق الانتصارات المتتالية أصبح يحقق الهزائم العسكرية والسياسية لينحصر داخل أسوار إسمنتية بناها لنفسه ليتحصن من ضربات المقاومة بعد ان كان مشروعه يمتدد من النيل الى الفرات ، فقد قوضت حرب الـ 23 يوما في غزة وحرب الـ 33 يوما جنوب لبنان بشكل جزئي من مصداقية إسرائيل العسكرية وأثبتت أن الجيش الإسرائيلي ليس بالقوة التي يجري بها تصويره في عالمنا العربي، وأن إرادة المقاومة يمكن أن تقهر ضخامة الآلة العسكرية التي يتسلح بها الجندي الإسرائيلي.

4. فشلت إسرائيل في العقدين الأخيرين في المجالين العسكري والسياسي حيث فشلت الآلة العسكرية في فرض سيطرتها على الأرض سواء في لبنان او في قطاع غزة مما يعني انه لم تعد الآلة العسكرية قادرة على تحقيق الانتصارات وفقد قوة الردع للجيش الإسرائيلي وان الجيش الذي لايقهر هي مجرد أسطورة صنعتها الآلة الإعلامية ولم يعد لها مكان في هذا الزمن اما المجال السياسي فالخسارة العسكرية على الأرض تعني انه ليس باستطاعة إسرائيل فرض شروط المعركة بقوة السلاح وهذا يعتبر الانتصار الأكبر والأقوى الذي تحققه المقاومة في العقدين الأخيرين حيث أرادت إسرائيل تحقيق مالم تحققه بقوة السلاح ان تحققه بقوة الدبلوماسية والابتزاز والضغط عن طريق أطراف إقليمية ودولية فالحرب على غزة لم تحقق الأهداف التي أعلنتها إسرائيل على الإطلاق ولم تستطع فرض تهدئة بشروطها , وأصبح أكثر من مليون مواطن إسرائيلي تحت مرمي الصواريخ الفلسطينية حيث لا يوجد مكان امن داخل إسرائيل مالم يعيش الكل بسلام وهنا تحقق للأول مرة ما يعرف بالمفهوم العسكري ميزان الرعب لدي الفلسطينيين.

5. والنقطة الاخري وهي ان هذه الحرب هي حرب تحريكية يراد منها إدخال حماس إلى المفاوضات وفتح قنوات اتصال أوروبية وإسرائيلية والتعامل معها كقوي سياسية موجودة على الأرض وتتمتع بشعبية واسعة داخليا وإقليميا وتحديدا بعد فشل كل الوسائل التي اتبعت من اجل النيل من الحركة ومحاصرتها لكي ترفع الراية البيضاء .

على الصعيد الدولي:

1. لم يكن في يوم من الأيام المجتمع الدولي نصير للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني او نصير للدول والشعوب المهمشه ،حيث الازدواجية في التعامل بمقياسين حينما يتعلق الامر بالقضية الفلسطينية والعالم العربي , وقطبية العالم الأحادية بقيادة الولايات المتحدة والتي تتحكم في العالم والتزام أوروبا المطلق بالأمن الإسرائيلي مما يعني انه يحق لها ان تفعل ما تريد تحت مظلة الأمن والدفاع عن النفس .

2. ان الحرب على غزة وقبلها حرب لبنان وكل القضايا العربية تثبت ان المؤسسات الدولية سقطت أخلاقيا وايدولوجيا وسياسيا وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي ولم تعد هذه المؤسسات تمثل الإرادة الدولية والقيم الإنسانية الخلاقة بسبب الهيمنة والضغوط السياسية الأوروبية والأمريكية عليها حيث أصبحت وسيلة ضغط في يد هؤلاء للضغط على الدول الضعيفة للابتزاز السياسي والاقتصادي وهي بحاجة الى اعادة بناء على أسس وثوابت جديدة , وإلا على الدول العربية الانسحاب من تلك المؤسسات وإدارة الظهر لها وعدم الاعتراف بشرعيتها .

3. فيما نحن لا نقلل من التأييد الشعبي الكبير الذي تحظي به القضية الفلسطينية داخل المجتمع الأوروبي ومن مؤسسات المجتمع المدني والحركات اليسارية في أمريكيا اللاتينية ونحن نثمن الموقف الكبير لفنزويلا وكوبا وغيرها من الدول التي قطعت علاقاتها مع الاحتلال وهذا يعتبر تحول كبير لصالح القضية الفلسطينية على المدي المنظور .

4. في الوقت الذي يمكن اعتبار أن الأزمة أكدت مزايا العولمة لجهة توحيد الرأي العام العالمي في مواجهة المجازر الإسرائيلية في غزة، بفعل المتابعة الفورية والمباشرة على الهواء لمجريات الحرب وفظائعها، إلا أنها كشفت عن محدودية تأثيره على صنع القرار سواء الدولي أو الإقليمي.حيث لم تنعكس المظاهرات التي اجتاحت العالم ولم تخل منها المدن الرئيسية في مختلف دول العالم، على القرارات التي تتعلق بمسار الحرب بما فيها قرار مجلس الأمن. الجديد الذي كشفت عنه الحرب على مستوانا العربي هو التفاف عدد من النظم العربية على هذا النوع من التحرك الجماهيري، من اجل تفريغه من محتواه من خلال تنظيم مظاهرات موازية تمثل نوع من المزايدة على الغضب الشعبي.

5. محورية الدور الأميركي على مستوى إدارة قضايا النظام الدولي وفي الوقت ذاته عن مدى حقيقة الانحياز الأميركي لإسرائيل، على نحو يفرض علينا التخلي عن الأوهام المتعلقة بتعديل مواقف واشنطن ما لم نلجأ إلى ما في يدنا كعرب من أوراق، وهى كثيرة.لقد كان واضحا أن هناك ضوءا أميركيا أخضر لإسرائيل لمواصلة العدوان على غزة يذكرنا بذلك الذي وفرته واشنطن لتل أبيب خلال حرب يوليو 2006 في مواجهة حزب الله. ويكتسب الموقف الأميركي فيما يتعلق بالحرب على غزة أهميته من زاويتين:

· كشف زيف الوعود الأميركية للعرب وعن أنها تأتي على خلفية تطويع المواقف العربية لصالح أخرى أميركية. وفي مجال حديثنا هنا فإنه بينما كان من المفترض أن يصحو الفلسطينيون والعرب بحلول 2009 على دولة فلسطينية مستقلة وفق رؤية بوش، فقد أفاقوا على كارثة قومية تتمثل في استباحة غزة.

· إن إدارة بوش كانت من بين أكثر الإدارات الأميركية انحيازا لإسرائيل، فيما يشير إلى تماهي أهدافها مع الإدارات الحاكمة في تل أبيب، الأمر الذي جسدته العديد من الأزمات خلال حكم بوش الإبن. وقد يكون من المفارقات بالغة الدلالة هنا على صعيد مواقف هذه الإدارة أنه بينما اختتم الرئيس السابق كلينتون حكمه وهو يدفع قادة إسرائيل والفلسطينيين ـ باراك وعرفات ـ إلى السلام، فإن بوش اختتم حكمه وهو يدفع باراك أيضا ولكن في مسار آخر وهو الحرب على الفلسطينيين.

6. اعتقد ان الموقف الأوروبي والأمريكي لن يتغير موقفة بشكل جدي مالم يكون هناك موقف عربي موحد وهو التعامل بمنطق المصالح وتهديد مصالحه في المنطقة والاهتمام بالمصالح العربية بشكل جدي يعيد العرب بقوة على الساحة السياسية الدولية .

7. غموض الموقف الروسي بل تخاذله عن دعم قوى الممانعة لقبوله بحل الدولتين على قاعدة إسقاط حق العودة. وكأن العالم العربي يواجه كامل الغرب (المسيحي) الذي يتقاتل على تقاسم المنافع بالمنطقة. لكنه يحارب تحررها كاملاً من هيمنته.

لذا فإن المهمة المركزية المنتصبة أمام القيادة الفلسطينية وأمام العالم العربي تتمثل في العمل على الاستفادة من هذه الدروس والعبر لتطوير وسائل المجابهة مع سلطات الاحتلال الاسرائيلية، والعمل بلا كلل لفضح وتعرية الممارسات والانتهاكات الاسرائيلية الخطيرة امام شعوب الارض قاطبة لتشكيل قوة رأي عام دولية ضاغطة على الدولة الاسرائيلية العنصرية، التي تدفع البشرية برمتها وليس فقط شعوب المنطقة فقط نحو عواقب لا يحمد عقباها .

من مصادر متعددة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق