الأربعاء، 30 يونيو 2010

المرأة الفلسطينية والانتفاضة .. أدوار متعددة



بقلم: أمل خيري

  •        مقدمة عن دور المرأة الجهادي في الإسلام

  •        المرأة الفلسطينية مجاهدة واستشهادية

  •        المرأة الفلسطينية مجاهدة وفدائية

  •        المرأة الفلسطينية أم الشهداء

  •        المرأة الفلسطينية شريكة الكفاح

  •        خاتمة وتوصيات


***********



·       مقدمة عن دور المرأة الجهادي في الإسلام

يعد الجهاد دليلا على حيوية الأمة وشبابها، ومدى قدرتها على مجابهة كل ما يمكن أن يعرض لها من طمع الطامعين، أو اعتداء المعتدين.

والجهاد في الإسلام هو دليل على واقعية هذا الدين الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى لعباده، والذي أراد له أن يكون الدين الذي تختتم به الديانات، والشريعة التي تحكم نظام حياة البشر إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.

وقد لعبت المرأة في الإسلام دورا أساسيا وفاعلا في الجهاد في سبيل الله وفي التمكين لدين الله، وهذا الدور ما هو إلا امتداد لدور المرأة العربية حتى قبل الإسلام.

فقد جرت عادة العرب قبل الإسلام، أن كان الأبطال من الرجال يتقدمون إلى المعارك ، ومن خلف صفوفهم النساء والأطفال. ولقد كان لأولئك المجاهدات يد عاملة في كسب المعركة، فهن يواسين المرضى، ويسعفن الجرحى، ويتعهدن الخيول والأسلحة، ويراقبن الأسرى، ويحافظن على كل أمتعة الجيش، ويلقين الأراجيز والقصائد التي توقد نار الغيرة والحمية في قلوب الأبطال، ويذكرنهم بأسلافهم الماضين الذين عادوا من حروبهم منتصرين.

ثم يأتي عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين لنشهد للنساء مواقف بطولية توحي بقوة إيمان أولئك النسوة وحرصهن على نصرة هذا الدين والذب عنه بكل ما يستطعن من قوة.

فقد دخلت المرأة ميدان المعركة في قرون الإسلام الأولى ليس ذلك بسبب قلة الرجال في وقتها، ولكنه راجع إلى حبها للأجر والفداء والتضحية في سبيل الله.

فكان من الأدوار التي قامت بها المرأة في الجهاد المشاركة الفعلية في القتال إذا استلزم الأمر لذلك، وهذا يتبين في شجاعة أم سليم يوم حنين حيث اتخذت خنجراً، وعندما سألها رسول الله : "ما هذا الخنجر؟" فقالت: "اتخذته إن دنا مني أحد المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله يضحك" .

كذلك ما رواه أحمد عن حشرج بن زياد الأشجعي عن جدته أم أبيه أنها قالت: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة خيبر وأنا سادس ست نسوة، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن معه نساء فأرسل إلينا فقال: (ما أخرجكن؟ وبأمر من خرجتن؟)، فقلنا: خرجنا نناول السهام ونسقي الناس السويق ومعنا ما نداوي به الجرحى ونغزل الشَّعر ونعين به في سبيل الله، قال: (قمن فانصرفن)، فلما فتح الله عليه خيبر أخرج لنا سهاما كسهام الرجل، قلت: يا جدة ما أخرج لكن؟ قالت: تمراً.

وضربت السيدة صفية بنت عبد المطلب أروع أمثلة الشجاعة والإقدام فقد جاء عنها أنها قالت: (إن رسول الله لما خرج إلى الخندق جعل النساء في أطم - أي حصن - يقال له فارع، وجعل معهن حسان بن ثابت، قالت فجاء إنسان من اليهود فرقي في الحصن حتى أطل علينا، فقلت لحسان قم فاقتله فقال لو كان ذلك فيّ كنت مع رسول الله - لأنه كان شيخاً فانياً – قالت: فاعتجرت وأخذت عمودا ونزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته وقطعت رأسه، وقلت لحسان: قم فاطرح رأسه على اليهود وهم أسفل الحصن، فقال: والله ما ذاك، قالت: فأخذت رأسه فرميت به عليهم، فقالوا: قد علمنا أن هذا لم يكن ليترك أهله خلوفا ليس معهم أحد فتفرقوا، وهي أول امرأة قتلت رجلا من المشركين أخرجه بن سعد عن أبي أسامة.

 وهذه أم عمارة قاتلت يوم أحد فاعترضت لابن قمئة في أناس من المسلمين، فضرب ابن قمئة عاتقها ضربة تركت جرحاً أجوف، وضربت هي ابن قمئة عدة ضربات بسيفها، ولكن كان عليه درعان فنجا، وبقيت أم عمارة حتى أصابها اثنا عشر جرحاً.

وكذلك كانت المرأة تقوم  بتطبيب الجرحى المشاركين في القتال، كما فعلت أم سليم، فقد قال عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كانت تزفر لنا القرب يوم أحد.

أما في غزوة الخندق سنة خمس للهجرة فقد اشتغل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل القادرين من الرجال في حفر الخندق، ومن ثم حصار بني قريظة، ثم حصار الأحزاب للمدينة وكل ذلك استمر حوالي شهرين تقريباً.

وفي هذه الحالة والمشركون يحاصرون المدينة كان لا بد للمرأة أن تكون مشاركة في هذا الجهاد بشكل فاعل، ومما قامت به النساء في هذه الغزوة:

1 ـ    القيام بالأعمال التي كان يقوم بها الرجال المنشغلون مع الرسول صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق ومجابهة الأعداء.

2 ـ       تزويد الجيش بالمؤن.

3 ـ    الدفاع عن مؤخرة المسلمين.

4 ـ    مراقبة الأوضاع الداخلية وتفقد أحوال المجاهدين.

ومن الأسماء التي برزت في هذه الغزوة ابنة بشر بن سعد، وزوجة جابر بن عبد الله، التي كان لكل واحدة منهن كرامة خاضة في إعداد طعام الجند في ذلك الوقت، ومنهم صفية بنت عبد المطلب التي قتلت يهودياً كان يطوف بأحد الحصون التي لجأ إليها بعض النساء والصبيان، وألقت برأسه إلى من كانوا معه أسفل حصن ففروا جميعاً ظناً منهم أن الحصن يحرسه الرجال، قتلته خشية أن يدل بني قومه على نساء المسلمين وصبيانهم فيغيرون عليهم، ورجال المسلمين مشغولون بالقتال.

ومنهن من شاركت بطريق غير مباشر بتحريض ودفع فلذة كبدها للجهاد، كما فعلت الخنساء عندما دفعت بأبنائها الأربعة للجهاد، وقد قتلوا جميعاً.

جاء في طبقات الشافعية (حضرت الخنساء بنت عمرو السلمية حرب القادسية ومعها بنوها أربعة رجال فذكر موعظتها لهم وتحريضهم على القتال وعدم الفرار وفيها أنها قالت: إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين وإنكم لبنوا أب واحد وأم واحدة ما هجنت آباءكم ولا فضحت أخوالكم، ثم قالت لهم وقد تعلمون ما أعد الله لكم من الثواب الجزيل في حرب الكافرين واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرب لظاها على سياقها، وجللت ناراً على أوراقها، فتيمموا وطيسها وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالمغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة، فخرج بنوها قابلين لنصحها فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم فلما أصبحوا باشروا القتال واحداً بعد واحد حتى قتلوا وكان منهم إنشاد قبل أن يستشهدوا رجزاً.
فقال الأول:

يا إخوتي إن العجوز الناصحة قد نصحتنا إذ دعتنا البارحة
مقالة ذات بيان واضحة فباكروا الحرب الضروس الكالحة
وإنما تلقون عند الصائحة من آل ساسان كلابا نابحه
قد أيقنوا منكم بوقع الجائحة وأنتم بين حياة صالحة

أو ميتة تورث غنما صالحة

وتقدم فقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى.
ثم تقدم الثاني وهو يقول:

إن العجوز ذات حزم وجلد والنظر الأوفق والرأي الأسد
قد أمرتنا بالسداد والرشد نصيحة منها وبرا بالولد
فباكروا الحرب حماة في العدد إما لفوز بارد على الكبد
أو ميتة تورثكم غنم الأبد في جنة الفردوس والعيش الرغد

فقاتل حتى استشهد رحمه الله تعالى.

ثم تقدم الثالث وهو يقول:

والله لا نعصى العجوز حرفا قد أمرتنا حبا وعطفا
نصحا وبرا صادقا ولطفا فبادروا الحرب الضروس زحفا
حتى تلفوا آل كسرى لفا وتكشفوهم عن حماكم كشفا

فقاتل حتى استشهد رحمه الله تعالى.

وحمل الرابع وهو يقول:

لست لخنساء ولا للأخرم ولا لعمرو ذي السناء الأقدم
إن لم أرد في الجيش جيش العجم ماض على المهول خضم خضرم
إمـا لفوز عاجل ومغنم أو لوفاة في السبيل الأكـرم

فقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى.

فبلغ خبرهم الخنساء أمهم فقالت الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته) .

وإذا كانت هذه خنساء صدر الإسلام فإن هناك خنساوات معاصرات من فلسطين الحبيبة فقدن الزوج أو الابن أو الأخ أو الأب وصبرن صبر الخنساء الأولى.

************

·       المرأة الفلسطينية مجاهدة واستشهادية:

المتأمل في حال الشعب الفلسطيني المناضل يجد جيلا نسائيا متفردا فرض نفسه في ساحات الجهاد جنبا إلى جنب مع الرجال. هذا الجيل يواصل شق طريقه الطويل المخضب بالدماء في مواجهة البطش والعدوان الإسرائيلي فقام بتحويل الدموع والجراح لصخور صلبة لا تنثني أمام الزمن.

فمنذ أن بدأت انتفاضة المساجد في عام 1987م، وحتى يومنا هذا، والمرأة تضرب كل يوم أروع الأمثلة في البطولة والاستشهاد دفاعاً عن وطنها وعرضها ودينها وأبنائها.

فقد مارست المرأة في هذه المرحلة كل صنوف النضال الوطني، بدءاً من مقارعة العدو الصهيوني بالحجارة السلاح الأكثر انتشاراً في هذه الانتفاضة، ومروراً بعراك جنود الاحتلال بالأيدي ووجهاً لوجه، وكذلك قيامها بمنع جنود الاحتلال من اعتقال المقاومين عن طريق تمويه الأمر عليهم والتصدي لهم وجهاً لوجه، بل وعن طريق تخليص كثير من شباب الانتفاضة من أيدي جنود الاحتلال، وانتهاء بالعمليات الاستشهادية التي قامت بها العديد من النساء الفلسطينيات من أمثال: وفاء إدريس ودارين أبو عيشة، وآيات الأخرس، وعندليب طقاطقة، وهبة دراغمة، وهنادي تيسير جرادات، ريم الرياشي.

ومع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000 تعددت مشاهد التضحية النسائية وفاقت كل الحدود وتحولت النساء الفلسطينيات من أمهات حاضنات لمشروع الشهادة الذي أنجبنه من أرحامهن إلى استشهاديات رائدات، فنرى في هذا الجيل الجديد الشهيدة والجريحة والأسيرة والفدائية بعد أن كنا لا نرى سوى زوجة أو أم الشهيد أو الجريح أو الأسير.

فحين يتردد اسم وفاء إدريس كأول استشهادية في الانتفاضة المباركة  لا يمكن غض البصر عن طابور طويل من الفدائيات الفلسطينيات عبر تاريخ الجهاد الفلسطيني.

ففي الانتفاضة الفلسطينية الكبرى عام 1987م برزت فدائيات شاركن في المعارك بالسكاكين والقنابل الحارقة، بل وهناك من استخدمت الأسلحة النارية ، أما انتفاضة الأقصى المبارك فقد شكلت الفرصة لجميع فئات الشعب الفلسطيني لتقديم التضحيات فكان التطور النوعي في النضال النسائي بولادة العمليات العسكرية التي نفذتها نساء أو ساهمت في تنفيذها فدائيات عبر العمل الاستشهاجي المباشر وهذه النقلة المهمة في دور المرأة جعل من الخنساء شاهدا مباركا على صوت الجهاد ومسيرة المقاومة والشهادة.

وأدت ظاهرة الاستشهاد إلى خلق حالة من القلق داخل الكيان الصهيوني حتى عكفت دوائر المخابرات على جمع المعلومات ودراسة هذه الظاهرة الجديدة ومدى خطورتها. وفي الحقيقة هذه العمليات الاستشهادية حققت ما لم تحققه حروب عديدة خاضها العرب.

ويحاول البعض تحليل ظاهرة دخول المرأة الفلسطينة المعترك الجهادي فبرى بعض الباحثين أن المرأة أرادت تسجيل رسالة اجتماعية وهي أن المرأة قادرة على العمل تماما كالرجال ، وليس صحيحا ما روجته وسائل الإعلام الصهيوني عن عوامل الإحباط أو الفقر أو اليأس التي دفعت بهؤلاء الاستشهاديات للدخول في معترك الجهاد فما خروجهن إلا لمساندة الرجل في جهاده ضد الاحتلال الغاصب.

ويمتد الدور الجهادي أيضا للمرأة في التكافل المادي فحين قامت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في أبريل عام 2004م بتنظيم حملة لجمع التبرعات لدعم المقاومة على أرض فلسطين، توافدت جموع النساء لتلبية نداء الوطن ، فقمن بالتبرع بالذهب والحلي والملابس والأواني الكهربائية والساعات، ومنهن زوجات شهداء بل لقد تبرعت فتاة بمهرها كاملا للمقاومة حيث رأت أن مهر فلسطين أغلى من مهرها.

ويمكننا أن نرصد بعض المظاهر والمؤشرات التي ميزت طبيعة دور ومشاركة المرأة في العمل الاستشهادي ومن بينها:

·       الالتزام بالزي الشرعي الإسلامي إلى جانب عصابات الرأس وأوشحة الصدر المزينة بكلمة التوحيد والشعارات الإسلامية.

·       حمل المصحف الشريف في صور تذكارية كدلالة على الرغبة في تحكيم كتاب الله في حياة الناس، والارتضاء بمنهجه سبحانه.

·       الوصايا ذات الصبغة الإسلامية التي ألقتها الغالبية الساحقة من الاستشهاديات حيث تركن فيها رسالة ذات وعي نسائي يسعى لبيان صدارة المرأة في الجهاد والمقاومة.

·       إلتزام الاستشهاديات بالتهجد وقيام الليل وقراءة القرآن والصيام.

·       حسن الخلق وبر الوالدين وحسن معاملة الأهل مما يدل على عمق اتصالهن بالمعاني والأخلاق والقيم الإسلامية.

·       العلو في مدارج السالكين نحو الله تعالى والارتقاء إلى درجات عالية في مستوى حب الله.

كل هذه المؤشرات تجزم بما لا يدع مجالا للشك على وضوح المنهج الإسلامي لدى الاستشهاديات الفلسطينيات.

 أما عن حكم جهاد المرأة في الفقه الإسلامي:

فإنه يتقرر حكم جهاد المرأة في الفقه الإسلامي بحسب طبيعة الحرب؛ فالحرب قد تكون دفاعية حيث يكون الأعداء قد اقتحموا بلاد المسلمين، أو حاصروها، وقد تكون هجومية وقائية، أو احترازية، حيث يكون المسلمون هم البادئون بالحرب وقاية، أو تقع الحرب بعيداً عن بلاد المسلمين، ولكل حالة من هاتين الحالتين حكمها الخاص بها.

أولاً: حكم جهاد المرأة حال كون العدو قد حاصر بلاد المسلمين أو اقتحمها، أو احتل جزء منها:

لقد أجمع الفقهاء على أن العدو إذا دخل بلداً من بلاد المسلمين فإن الجهاد يكون فرض عين على الجميع بما فيهم النساء اللاتي يجب عليهن أن تخرجن للقاء العدو بغير إذن أزواجهن.

ودليل ذلك قوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (سورة التوبة: الآية 41).

فالآية نص عام في ضرورة الخروج إلى الجهاد، وهي خطاب للذكور والإناث حيث لم تخصص جنس دون جنس.

وكذلك قوله تعالى: (مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (سورة التوبة: الآية 120) والمرأة في ذلك الوقت هي من أهل المدينة، وهذا الوصف ينطبق عليها، لذا فإنها تدخل ضمن سياق هذا النص العام، في ضرورة عدم التخلف عن الغزو مع الرسول .

ثانياً: حكم جهاد المرأة حال كون الحرب بعيدة عن بلاد المسلمين:

في هذه الحالة لا يكون القتال فرض عين على النساء؛ لعدم الضرورة لذلك، ولكن هذا لا يعني أن النساء يحرم عليهن أن يخرجن مع الجيش للجهاد، بل إن ذلك جائز لهن، بدليل خروج الكثير من النساء للمشاركة في جيوش النبي صلى الله عليه وسلم.

ولكن يختلف الحال هنا من حيث إنه لا يجوز للمرأة أن تخرج للعزو في هذه الحالة إلا بإذن زوجها ورضاه، وإن لم يأذن لها فلا يجوز لها ذلك؛ لأن الأصل استقرار المرأة في بيتها، قياماً على مصلحة زوجها وأولادها، وبالتالي لا يجوز لها الخروج منه إلا بإذن الزوج، حتى وإن كان الخروج للجهاد.

وحول مشاركة النساء في العمليات الاستشهادية أفتى العلامة الدكتور القرضاوي بما يلي:

إن العمليات الاستشهادية من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله، يقوم بها شخص يضحي بروحه رخيصة في سبيل الله، وينطبق عليه قول الله تعالى: "ومن الناس من يشري نفسه  ابتغاء مرضاة الله".. والمنتحر يائس من الحياة بسبب فشل ما، ويريد أن يتخلص من حياته، أما الاستشهاد فهو عمل من أعمال البطولة .. معظم علماء المسلمين يعتبرونه من أعظم أنواع الجهاد. وعندما يكون الجهاد فرض عين كأن يدخل العدو بلداً من البلدان، تطالب المرأة بالجهاد مع الرجل جنباً إلى جنب، وقال الفقهاء: إذا دخل العدو بلداً وجب على أهله النفير العام، وتخرج المرأة بغير إذن زوجها والولد بغير إذن أبيه والعبد بغير إذن سيده والمرؤوس بغير إذن رئيسه لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولأن العام يتقدم على الخاص فإنه إذا تعارض حق الأفراد وحق الجماعة يتقدم حق الجماعة لأنه لتحقيق مصلحة الأمة، لذلك أنا أرى أن المرأة تستطيع أن تقوم بدورها في هذا الجهاد بما تقدر عليه، وقد يستطيع المنظمون لهذه العملية الجهادية أن يوظفوا بعض النساء المؤمنات في هذه القضية، وقد تستطيع المرأة أن تصل إلى ما لا يصل إليه الرجال وأنا أرى أن من حق الأخوات الملتزمات أن يكون لهن حظ ودور في الجهاد، ولهن أن يساهمن في خط الشهادة).

***********

·       المرأة الفلسطينية مجاهدة وفدائية:

اندفعت المرأة الفلسطينية لخوض المعركة بكل بسالة بوسائل متعددة في مقاومة الاحتلال بدءا من تقديم المعونة للاستشهاديين سواء بنقلهم أو نقل المتفجرات إلى داخل مدينة القدس والمناطق المحتلة ، أو نقل أموال ومساعدة الفدائيين وحتى المساعدة في وضع عبوات ناسفة ومتفجرات في الأهداف التي تحددها فصائل المقاومة.

حيث استفادت المرأة من كون الإجراءات الأمنية المفروضة تطبق بشكل أخف على النساء مما أتاح للفدائيات حرية أكبر ، واتسعت دائرة المشاركة في المقاومة فأصبحنا نرى المتعلمة وغير المتعلمة والطالبة وربة البيت والفلاحة والصبية والعجوز.

ومن هؤلاء النساء الحوامل اللاتي تعرضن للاعتقال وأنجبن أطفالهن في الأسر كميرفت طه ومنال غانم، ومنهن أمهات لسبع أطفال كلطيفة أبو دراع.

بل أظهرت الوقائع أن مشاركة المرأة لا تقتصر على منطقة جغرافية دون أخرى بل شملت كافة أنحاء فلسطين المحتلة بما فيها المناطق المحتلة منذ عام 1948م كاالفدائية وردة بكراوي ولينا جربوني.

كما وصلت انتفاضة الأقصى بتأثيرها العميق إلى قلب المدينة وأطراف الريف والمخيم وتوضح بيانات سلطات الاحتلال أن الغالبية العظمى من الشهداء ومنفذي العمليات تتراوح أعمارهم بين 14 و25 سنة ، أي أن العدو في مواجهة جيل نشأ في حالة صراع مع الاحتلال ولا يعرف سوى المقاومة المسلحة كوسيلة للتعامل مع هذه الكيان الغاشم.

لذا تشكل طالبات الجامعة عنصرا فعالا في مسيرة الفداء حيث تصدرن أعمال المقاومة والجهاد الفعلي غير المباشر مثل نور خالد أبو حجلة الطالبة في جامعة النجاح الوطنية وأريج عرقاوي وغيرهن من الفدائيات.

كما شاركت الفدائيات الفلسطينيات في تقديم الدعم اللوجيستي للمجاهدين والعناية الطبية ، فهذه الطفلة بلقيس عارضة البالغة من العمر 14 عام تقوم بتضميد جراح المصابين جراء القصف الجوي الإسرائيلي حتى أصابتها إحدى الصواريخ فتمزق جسدها واستشهدت في مكانها.

وهناك العديد من الفدائيات والمجاهدات الفلسطينيات أبين إلا أن يحملن راية الجهاد كأحلام التميمي الخنساء التي استقبلت 16 مؤبدا بابتسامة ساخرة، وإيمان الغزاوي التي تم تكليفها بنقل متفجرات داخل كيس مسحوق للغسيل إلا أن العملية فشلت واعتقلت وحكم عليها لمدة 13 عاما تاركة طفليها الصغيرين، والشهيدة مريم وشاحي التي لحقت بابنها شهيدة قبل أن يأتيها خبر استشهاده، والشهيدات سعاد صنوبر، وعبير حمدان، ومريم معالي.

كما تحولت شبكة الانترنت إلى ساحة جديدة للمعركة فهذه آمنة منى شابة جامعية سخرت الانترنت في التضحية والفداء حيث أجرت عدة اتصالات مع مستوطنين عن طريق الانترنت وبعد عدة اختبارات وقع اختيارها على أحد المستوطنين لتحدد معه موعدا غراميا لتستدرجه إلى مدينة القدس ومنها إلى رام الله حيث قتله اثنان من المجاهدين، لتحاكم بتهمة قتل مستوطن وتعاقب بالسجن المؤبد.

*********

·       المرأة الفلسطينية أم الشهداء:

في مدرسة الحياة حيث تختصر حياة الأمهات في أجواء الاحتلال والخوف والقهر في صور أبنائهن وتبدو المسيرة عبارة عن محطات متلاحقة من أطفال يولدون فيكبرون ليستتشهدون أمام ناظر أمهاتهم.

وتتجلى حقيقة الدور التربوي والأخلاقي للأم الفلسطينية في الأعداد الهائلة من الشباب المتدينين الطامحين للجهاد والشهادة والجاهزين للمقاومة والتصدي، حتى ملك حب الجهاد والاستشهاد عليهم حياتهم ونفوسهم.

وكما يقولون وراء كل عظيم إمرأة ، يمكن القول أن وراء كل مجاهد وشهيد أما عظيمة أرضعته لبن الجهاد والمقاومة وغرست في كيانه التضحية والثبات، حتى تقوم هذه الأم على رعاية الأبناء وتربيتهم الجهادية الحقة ثم ترسلهم لساحات المعركة، وتتلقى خبر الشهادة بروح راضية.

   وظن البعض أن هذا أقصى ما يمكن للأم الفلسطينية تقديمه بأن ترسل ابنها للقيام بعملية فدائية ويستشهد، إلا أن العالم كله وقف مبهورا أمام أمهات فلسطينيات احتضن أبنائهن ورعين جهادهم ووقفن يودعنهم بكل شموخ على أعتاب تنفيذهم العمليات دون بادرة تردد كأم محمود نعيمة العابد التي ودعت ابنها وتابعت أخبار اقتحامه المستوطنة وحين علمت باستشهاده وزعت الحلوى ودعت النسوة إلى عدم البكاء على الشهيد.

ثم تأتي أم الشهداء خنساء العنصر أم نضال فرحات لتؤكد أن فلسطين من البحر للنهر حق لن يتنازل عنه شرفاء الأمة لتقدم أبناءها فداء للأرض السليبة.

ومع اتساع ظاهرة قيام الأمهات الفلسطينيات بإرسال أبنائهن لتنفيذ عمليات استشهادية ، أدرك الكثير من قادة إسرائيل ورجال الإعلام خطورة تنامي هذه الظاهرة فالكاتب الصهيوني إيجال سيرنا يعلق على مشهد ام نضال قائلا: (إن ما قامت به أم فرحات ينذر بمستقبل سيء لإسرائيل، لأن من يشاهد هذه المرأة وهي تودع ابنها بكل هذا الحماس، يصل إلى قناعة مفادها أنه لا يمكن إخضاع الشعب الفلسطيني بالقوة مطلقا).

وكتب شاؤل بريمان الكاتب الصهيوني: (إن ما تمثله هذه المرأة ينبغي أن يشعل الضوء الأحمر في دوائر صنع القرار الإسرائيلية. فهذا الحادث يدل على أن معنويات الشعب الفلسطيني غير قابلة للتآكل).

ويسمي الشارع الفلسطيني والدة الشهيد بالخنساء ، فهذه الخنساء تشارك أبنائها البطولة حيث تبدأ بطولة الأمهات والزوجات مع صعود البطل نحو معارج الشهادة. ولا يقتصر الجلد والصبر اللذان تبديهما الأمهات تجاه استشهاد أبنائهن على مجرد الصبر والرضا بقضاء الله بل تعبر بعضهن عن درجة أعلى من الصبر حيث الفرحة والغبطة التي تبديها بعضهن فتنطلق الزغاريد والتمنيات باستشهاد باقي الأبناء، وتتحول بيوت التعازي لقاعات أفراح يقدم فيها التمر ويرتفع فيها صوت الانشاد بعرس الشهيد.

بل ما زالت الأم لافلسطينية تثبت أنها ليست ككل الأمهات ففي انتفاضة الأقصى المباركة دخل أحد المقاومين بيتا فلحق به جنود الاحتلال مقتحمين البيت فما كان من صاحبة البيت إلا أن دفعت بابنها ليأخذوه بدلا من ذلك المجاهد.

أما والدة الشهيدين محمد وأحمد جاسر الشاعر فقد عقبت على نبأ استشهاد ولديها  بقولها (هم يرموا علينا صواريخ والله أعطانا صاروخ الصبر)، بل تكتمل بطولة أم أخرى وهي أم محمد التي يطلق عليها أهل مخيم الشاطئ أم الأبطال لأنها أصبحت أم الشهيد والسجين والمطارد والجريح.

وتتعدد الصور والمشاهد التي يتوقف عندها علماء السلوك ، فلو قسنا معنى الإنسان في الفلسفة الصهيونية لوجدناها مرتبطة بالحياة بأي ثمن حتى لو كان على حساب الرسالة ، بينما قيمة الإنسان الفلسطيني تفهم كرسالة فالمقاومة ليست من أجل أرض مقدسة أو مباركة فحسب بل هي رسالة تستهدف محاربة الباطل.

كل هذا يفسر ذلك الجلد والصبر الذي تبديه نساء فلسطين تجاه استشهاد أو اعتقال أبنائهن، فنحن أمام نموذج نسائي مقاوم ، فالصبر جزء من المقاومة. وتصبح التربية الجهادية والتنشئة الأخلاقية سمات عز تزين جباه هؤلاء الأمهات.

فدرة الخنساوات أم نضال فرحات التي خطبت الحورية العيناء لأبنائها، فهذه الأم كانت تستشعر أمومتها لكل مجاهد فلم تؤثر الصمت وآوت في بيتها المجاهدين المطلوبين لقوات الاحتلال الصهيوني وعلى رأسهم القائد الشهيد عماد عقل.

ليس غريبا على هذه الأم أن تتمنى أن يرزق الله جميع أولادها الشهادة وحب الاستشهاد ، وهي بلا شك نقلة نوعية في مشاعر الأمومة، إذ سنت أم نضال سنة حسنة جديدة حين التقطت الكاميرا صورتها مع ابنها قبل عمليته الاستشهادية، وهي التي قدمت ثلاث شهداء واحتفظت بأكثر الأسرار خطورة، حيث كانت على دراية كاملة بتفاصيل العملية التي سينفذها ابنها  ولم تظهر ملامحها ما يدل على احتفاظها بهذه الأسرار.

نموذج آخر تقدمه والدة الشهيد محمود العابد التي خطت بيدها رسالة إلى الشيخ صلاح شحادة القائد العام لكتائب عز الدين القسام ليسمح بمشاركة ولدها في عملية استشهادية ضد العدو الصهيوني، حيث كان هو الذي يختار الاستشهاديين ويشترط رضاء أهله وموافقتهم.

ورغم علمها بالنتيجة التي ستسفر عنها الرسالة وهي فقدان فلذة كبدها إلا أن ذلك لم يمنعها من كتابة الرسالة بل تمنت أن تكون مكانه،وبعد استشهاده استقبلت في منزلها المهنئات باستشهاد ابنها في عملية اقتحام مستوطنة دوغيت شمال قطاع غزة.

ولأن كثير من الناس يجد صعوبة كبيرة في استيعاب معنى وداع الأم الفلسطينية لابنها وإعداده للجهاد فقد روى الكاتب قصة أم نبيل والدة الاستشهادي محمد حلس ، التي ربت ابنها على تحمل مكاره المقاومة وأرضعته لبان النضال حتى أنه أقسم أن يلحق بصديقه الحميم محمد فرحات وشعر بالحسرة لاختيار محمد فرحات لتنفيذ عملية مستوطنة عتصمونا بدلا منه، ما هي إلا أيام قليلة حتى أوفى محمد حلس بيمينه وقام بتنفيذ عملية مستوطنة نتساريم ليلحق برفيقه شهيدا.

أما والدة الاستشهادي إبراهيم ريان فأقسمت أنه لو لم يستشهد ابراهيم لخجلت أن تقابل أهل أي شهيد، كذلك كانت أم الشهيد أحمد جودة مخزون لا ينضب من الصبر والفداء.

************

·       المرأة الفلسطينية شريكة الكفاح:

وننتقل الآن إلى الخنساء الفلسطينية حين تكون زوجة ، فالمجتمع الفلسطيني بكامله هو مجتمع مقاوم ، والعائلات الفلسطينية عائلات مقاومة ، فالمرأة كالرجل في المقاومة ، والفتاة كالشاب كذلك.

فمن خنساوات فلسطين من نفذن عمليات عسكرية بأنفسهن ومنهن من قدمت الزوج أو الأخ أو الأب أو الابن ليكونوا جنودا في المعارك فينال بعضهم الشهادة ويصيب بعضهم الجراح ، وقد يصاب أحدهم بإعاقة فتتحمل المرأة عبء رعايته ، بل لا تتردد المرأة في حمل السلاح وارتداء الأحزمة الناسفة في كثير من الأحيان.

إلا أن هناك أخريات أسهمن بأشكال مختلفة في مسيرة التضحية والعطاء، فالزوجة غالبا ما تترك بصماتها على حياة زوجها، وقد تغير مسار حياته، سلبا أو ايجابا. فللزوجة دور محوري وأثر خطير في تكوين وتشكيل اتجاهات الحياة الزوجية، وبصفة عامة إذا صلحت الزوجة صلحت الحياة الزوجية.

وهناك العديد من الأمثلة على دور الزوجات المسلمات اللاتي تبوأن المكانة اللائقة بهن على مر التاريخ بدءا من حياة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، التي وقفت إلى جانب رسول الله في بداية دعوته وظلت وفية لزوجها ودعوته، ثم تأتي أم رومان زوجة أبي بكر التي  شاركت زوجها مسيرة الإيمان ولم تضجر مما كان ينفقه أبو بكر في سبيل الدعوة وتحملت معه قسوة العيش في كثير من الأحيان.

ومن الصحابيات الجليلات إلى خنساوات العصر فهذه أم محمد زوجة الشهيد الشيخ أحمد ياسين، التي قبلت الزواج من رجل مقعد وأنجبا ثلاثة أبناء ، وثماني بنات، قاما بتربيتهم على خلق الإسلام، وفتحية الشقاقي زوجة الدكتور فتحي الشقاقي التي لا تقل عن زوجها جهادا أو صبرا منذ أن رضيت بأن تتزوج قائدا وهب حياته وروحه لقضية أمته.

وهكذا تكون الحياة الأسرية في ظلال الجهاد حيث نجد العديد من البطولات النسائية المتمثلة في زوجات عشن مع أزواجهن حياة أسرية عنوانها الجهاد والنضال من أجل استرجاع الحق السليب.

فهذه رشا العدلوني ذات الشخصية الإسلامية المتكاملة ، زوجة الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، والتي تعمل مديرة لدائرة العمل النسائي بالمجمع الإسلامي،وهي التي شاركت زوجها نضاله يوما بيوم، وتعتبر زواجها من هذا القائد تكريما لها من الله ومصدر عز وفخار.

أما عائشة محمود أبو شنب زوجة الشهيد القائد إسماعيل أبو شنب، فهي  خنساء تحمل أمانة عظيمة في عنقها، وهي التي ما فتئت تساند زوجها وتتحمل مع نوائب الحياة من اعتقال ومطاردة حتى الاغتيال.

ولا تنتهي البطولات الرائعة لزوجات شاركن أزواجهن محنة الحياة في ظلال الجهاد ، من هؤلاء : منى سليم الزقة زوجة الشهيد جمال منصور، إخلاص عبد الكريم الصويص زوجة المهندس عباس محمود السيد الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وممثل الحركة بطولكرم، أسماء أبو الهيجاء زوجة الشيخ جمال عبد العزيز أبو الهيجاء، أمل محمد أبو العامرية زوجة الشهيد علي علان التي اعتقلت وحرمت من طفلها الذي لم يكمل عاما من عمره، ماجدة التلاحمة زوجة الشهيد المهندس صالح التلاحمة، عبير مشارقة زوجة المجاهد منير الحروب، علا جودة الزوجة الثانية للقائد القسامي الشهيد باسم سالم قديح التي واصلت تربية أبناء زوجها من زوجته الأولى التي استشهدت معه تاركين أربعة أطفال.

أما درة المجاهدات فهي الفنانة أمية جحا التي تزوجت من شهيدين وراحت ترسم بريشتها وألوانها ملامح الحياة الفلسطينية الحزينة وتسخرهما في مواجهة العدوان الصهيوني.

**********

·       خاتمة وتوصيات:

استعرضنا في هذا المقال دور المرأة المسلمة في الجهاد عبر التاريخ وتبينا الحكم الشرعي في جهاد النساء ، ومن خلال المرأة الفلسطينية أطللنا على أدوار متعددة ونماذج فريدة من التضحية والجهاد والفداء ، رأينا المرأة الفدائية والأسيرة والشهيدة والاستشهادية وأم الشهيد وزوجة الشهيد.....

كلها صور من البطولة والفداء تزين جباه المرأة الفلسطينية المعاصرة وتعلو بها في سماء الحرية.

وهنا يأتي السؤال: هل المرأة الفلسطينية وحدها هي التي يجب أن تحمل هم الجهاد لاسترداد فلسطين؟ أم أن هناك دورا للمرأة المسلمة في كل مكان؟

للإجابة عن هذا السؤال نتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، والقضية الفلسطينية هي الجرح الغائر في جسد الأمة الإسلامية ، وعلى المرأة المسلمة دور لا يقل عن دور المراة الفلسطينية.فواجبنا عظيم بلا شك، فيجب علينا أن تشعر كل مسلمة  أن لها أخوات هناك، يجب علينا أن نستشعر حقيقة الأخوة الإيمانية، وأننا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له بقيته بالحمى والسهر، فالمؤمنون إخوة كما ذكر الله تبارك وتعالى، وأن عدونا واحد.

فلا يمكن أن ننكر أبدًا دور المرأة المسلمة، وكيف كان مشرفًا،أثناء الانتفاضة،وفي أحداث الحرب على غزة وكيف أدت دورًا رائعًا، فى البيوت، فى المظاهرات، فى المقاطعة، فى تحفيز الأبناء، فى تعليق الصور واللافتات، فى إحياء القضية بكافة الوسائل، ولكن عندما تهدأ الأمور بعض الشيء تنشغل المرأة المسلمة بحياتها وقضاياها،لذا لابد من تفعيل هذا الدور بشكل متواصل.

وتتعدد الأدوار التي يمكن أن تشارك فيها المرأة المسلمة في نصرة القضية الفلسطينية سواء من جهة المقاطعة الاقتصادية أو الجهاد بالمال أو نشر الوعي بالقضية أو تربية الأبناء تربية جهادية، نفصلها فيما يلي:

·       الجهاد الاقتصادي:

تضطلع المرأة في معظم الأسر بالدور الاقتصادي والمالي من إدارة ميزانية الأسرة وشراء الاحتياجات والادخار، وعليها أن تستغل هذه الفرصة في دعم فلسطين وأهلها وأهم خطوة القيام بالمشاركة في الجهاد بالمال والتبرع لشعب فلسطين وحث الأطفال على الادخار من مصروفهم اليومي في حصالة مخصصة لدعم فلسطين، ثم التوجه بهذه الأموال للجهات المعنية بجمع التبرعات وإيصالها للمحاصرين والضحايا.

يجب على الأم أن توصل لأطفالها رسالة أن أطفال فلسطين هم إخوة لنا، ويجب مشاركتهم معاناتهم بقليل من التقشف والاقتصاد في الاستهلاك تضامنا معهم.

على المرأة أن تعيد إحياء فكرة مقاطعة البضائع الإسرائيلية والأمريكية حين تسوقها فتعمد لشراء السلع البديلة، وتوضح ذلك للأطفال ليشاركوا في الامتناع عن شراء الأطعمة والحلوى والألعاب التي تدخل ضمن قائمة السلع المقاطعة مع توضيح أن الاستمرار في شراء هذه السلع يعني المشاركة في قتل الأطفال في فلسطين.

·       الجهاد بالكلمة:

على المرأة المسلمة أن توضح لكل من تعرفه عاقبة تخاذلنا عن نصرة إخواننا، وحقيقة العدو الصهيوني الذي لا يرقب فينا إلاًّ ولا ذمة والذي اسودت صحائفه بالمجازر الوحشية التي لم تقتصر على الشعب الفلسطيني وحده، وستجد الكثير من الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام والإدعاءات التي ليس لها أساس من الصحة ،ولتستعن في الرد على الشبهات بالقراءة والاطلاع على حقيقة الأوضاع وقراءة التاريخ في المصادر الصحيحة والصادقة.

·       الجهاد الإلكتروني:

كما يمكن للمرأة المسلمة دون أن تغادر بيتها  أن تشارك بدور لا يقل أهمية عن دورها الميداني من خلال القيام بدورها المطلوب من خلال التطوع الإلكتروني عبر المشاركة في المنتديات وعبر البريد الإلكتروني والشات والمواقع الإلكترونية العربية والأجنبية والمدونات وغيرها من خدمات الإنترنت، وأهم الموضوعات التي يجب التركيز عليها:

* التعريف بجذور القضية الفلسطينية والاحتلال الصهيوني.

* الرد على الشبهات والأكاذيب المثارة حول القضية، مثل بيع الفلسطينيين لأراضيهم وتخاذلهم عن قضيتهم وغيرها من الأكاذيب التي يروجها البعض ويصدقها الكثير.

* التعريف بتاريخ النضال الفلسطيني، وكشف فضائح الجرائم الصهيونية المستمرة والمجازر التي ارتكبها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني عبر التاريخ دون تفرقة بين فصائل سياسية أو مدنيين، وما اقترفه عبر التاريخ من مذابح ضد الأطفال والنساء والمدنيين.

* دعم أهلنا في فلسطين الصامدة ومشاركتهم الأحزان والهموم وأدوارنا وأفكارنا العملية لنصرتهم.

* بث الثقة في النفوس وبشائر النصر والأمل بنصر الله "ألا إن نصر الله قريب" وذلك عبر قصص عن أبطال المقاومة وصمود المجاهدين بل والمدنيين.

والوسائل في تنفيذ ذلك متعددة ما بين تصميم تواقيع وبنرات متحركة في المنتديات والمدونات والبريد الإلكتروني، المشاركة في حملات إلكترونية لدعم الصمود الفلسطيني وفك الحصار ووقف المذابح الصهيونية، كتابة عرائض والتماسات بجميع اللغات وإرسالها عبر البريد الإلكتروني والمجموعات البريدية للمسئولين في الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان.

·       التربية الإيمانية:

كثيرات لا يلجأن للدعاء ويعتبرنه عجزًا وضعفًا وموقفًا سلبيًّا، ولكنه في المقابل قوة واعتصام بحبل الله المتين، وقد وصف الله تعالى أنبياءه بقوله: "إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ في ٱلْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خاشعين"، فكان الدعاء أحد أسباب نصرهم وتمكينهم وحدّث عبد الله بن أبي أوفى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا على الأحزاب فقال: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم" (البخاري: 2716).

وكلما كان الدعاء من قلب خاشع صادق، كانت الإجابة أقرب، والتوجه إلى الله بصلاة الحاجة والاستعانة بقيام الليل ولنتذكر قول الإمام البنا (وسنستعدي على الباغين سهام القدر، ودعاء السحر).
لمزيد من التفاصيل:
انظر: غسان دوعر، خَنْسَاء في فَلَسْطِين، سلسلة دراسات فلسطينيَّة، مركز الإعلام العربيِّ، القاهرة، العدد7، 1429 هـ - 2008 م، الطبعة الأولى. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق