السبت، 28 أبريل 2007

استطلاع للرأي حول العلاقة بين الدعاة؟!




المحبة في الله من أوثق عُرى الإيمان كما يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله" (رواه أحمد والحاكم).

والأخوة الإيمانية كانت وما تزال هي الرباط الرباني الذي يجمع ما بين الدعاة إلى الله، فما الذي انتاب هذه الروح بين بعض دعاة اليوم؟ ولماذا أصبح الجفاء بديلاً عن رُوح المحبة في الله والأخوَّة الإيمانية؟
يقول الداعية الكبير عباس السيسي (رحمه الله): (الدعوة حب- والحب دعوة- ولا دعوة بغير حب)، لكن بين أيدينا الآن استطلاع للرأي شمل عدد 50 من الدعاة والداعيات في مختلف المجالات الدعوية وافق 40% منهم بشدة على تراجع روح الأخوَّة بين الدعاة عن ذي قبل، بينما نسبة 40% تشعر بتناقص هذه الروح إلى حدٍّ ما، بينما لم يختلف مع هذا الرأي سوى 20% من العيِّنة.

ويشعر 70% منهم بتحوُّل العلاقة إلى شبه إدارية، على النقيض فإن حوالي 90% من أفراد العينة قد أكدوا أنهم يلتزمون بواجبات الأخوَّة و10% إلى حدٍّ ما، بينما لم يَذكر أحدٌ منهم أنه مقصِّر من جهته في حقوق الأخوَّة.

أما عن أسباب هذا الجفاء من وجهة نظر أفراد العينة فقد تنوعت، وكان مما ذكره هؤلاء الدعاة منها:
1- كثرة الأعباء الوظيفية والأسرية والدعوية.
2- نقص الإيمان في القلب والركون إلى الدنيا وشهواتها.
3- فتور العزيمة وتثبيط الهمة.
4- الابتعاد عن مخالطة الصحبة الصالحة لفترة طويلة.
5- عدم التماس الأعذار للغير.
6- غياب الفهم والتطبيق الصحيحين للدعوة.
7- البعد عن التخلق بأخلاق النبي والصحابة.
8- تحدث كل طرف عن نفسه وعدم الاستماع للآخرين.
9- الاعتداد بالرأي وعدم الاقتناع بآراء الآخرين.
10- محاولة الظهور والتباهي بالأعمال على حساب العلاقة مع الدعاة.
11- عدم التدريب على العمل الجماعي؛ حيث ينجح الداعية بمفرده ويفشل عندما يجتمع مع غيره.
النضج الدعوي
وحينما عرضنا نتائج هذا الاستبيان على عدد من الدعاة والعلماء تباينت الآراء بين إنكار وجود هذه الظاهرة من عدمه.

فالداعية جازية رمضان تقول: شعرت بالصدمة من نتيجة هذا الاستبيان، فلم أكن أتصور أن يطرأ الفتور أو الجفاء على العلاقات بين الدعاة؛ لأن الأخوَّة والمحبة في الله هما رُوح العمل الدعوي وأصل من أصوله، إلا أن ما يُوحي بهذه الجفوة كثرة المسئوليات والانشغالات، ففي مقتبل حياتنا الدعوية كنا نقضي وقتًا طويلاً في التعارف والتزاور والتواصل، ثم انشغلنا بعد ذلك في الأعباء الشخصية والالتزامات العديدة، فأصبح لا وقتَ لدينا للتزاور والسؤال عن إخواننا، ولكننا ما زلنا نكنُّ لهم في قلوبنا الحب، وعلى كل داعية أن يلتمس لأخيه سبعين عذرًا في تقصيره في السؤال عنه.أما من يشعر بتناقص محبة أخيه في قلبه فأعتقد أن هناك

سببين أساسيين وهما:
1- نقص النضج الدعوي؛ حيث يكون هناك خطأٌ في أساس بناء هذا الداعية؛ لأنه لو فهم أصول دعوته حق الفهم لعلم أن هذه المحبة ركن من أركان دعوته.
2- ضعف الإيمان؛ لأن الصلة بالله هي الجذر الذي إن تمسك بالقلب تصبح جذور الدعوة ثابتة قوية وعلى العكس إن ضعف هذا الجذر فإن الدعوة نفسها يتطرق إليها الوهن فتضعف روح الإخاء ويكون الجفاء.
تراكم الخلافات
أما الداعية الدكتورة عزة لبيب فتؤكد أنَّ معنى الأخوة الحقيقية التي يحبها الله ورسوله التسامح وسلامة القلب من الأحقاد، وهذه أدنى مراتب الأخوة أما أعلاها فهي الإيثار، وأي خلل في هذه المعاني يؤدي لضعف روح الإخاء وظهور بعض الجفاء، وترى أن هذا الجفاء ليس وليد موقف بل هو تراكمات لعدة مواقف من الخلاف العادي في الرأي لم يحسن كل طرف التعامل معها في حينها مع الاهتمام بالفروع وترك الأصول في المسائل الفقهية، إضافةً إلى عدم استحضار النية في معالجة هذا الخلاف بحيث تقدم الأخوة وواجباتها على الانتصار للرأي، وأحيانًا قد يتمثل السبب في الكبر والاستعلاء وعدم المرونة الكافية في التعامل مع هذه الخلافات لذا فإنه من المؤسف القول إن هذا الجفاء هو دليل على سوء الخلق؛ لأن حبيبنا- صلى الله عليه وسلم- حين سُئل عن حسن الخلق فقال: "أن تعفو عمَّن ظلمك، وتصل مَن قطعك، وتُعطي مَن حرمك"، فإذا اختفى العفو والتسامح بين الدعاة، فهذا من سُوء الخلق الذي يورث الجفاء.

وتضيف أن من الأسباب أيضًا الخلل في التربية الإيمانية لهؤلاء الدعاة؛ حيث إنهم لم يستوعبوا الأصول العشرين للإمام البنا، فالأصل الثامن كما ذكره الإمام يقول: (والخلاف الفقهي في الفروع، لا يكون سببًا للتفرق في الدين، ولا يؤدي إلى خصومة، ولا بغضاء، ولكل مجتهدٍ أجره، ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف، في ظل الحبِّ في الله، والتعاون على الوصول إلى الحقيقة، من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب)، فهل استوعب الدعاة هذا الأصل الرائع؟!

وقود الدعوةويعود بنا الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد- أستاذ التفسير بجامعة الأزهر- أصل اللغوي لكلمة الداعية فيوضح أن التاء هنا للتكثير والمبالغة وليست للتأنيث، والمعنى أن الداعية هو كثير الدعوة يقوم بها على وجهها الصحيح ويجعلها حرفة حياته، وقد كانت هذه الدعوة وظيفة الأنبياء من قبل؛ ولذلك لا يُسمَّى داعية إلا من كان متخلقًا بأخلاق الدعوة التي يدعو إليها وقائمًا بحقوق الدين الذي ينادي به بين الناس؛ ولذا يجب على الدعاة أن يسود بينهم الفهم المشترك الصحيح والإخاء والمودة والتناصح إلا أننا لاحظنا أنَّ بعضَ الدعاة قد يظهر بينهم فتور في العلاقات، فهذا إن دل فإنه يدل على خللٍ في المنهج فهمًا وتطبيقًا؛ لأنهم جميعًا مجاهدون في كتيبةٍ واحدةٍ هدفها واحد ودينها واحد ووجهتها واحدة، وهي تتقوى بالحب والتآلف لا بالتنابذ والتخالف.

وقد يظهر هذا الفتور نتيجةً لخلل في فهمهم لمبدأ التناصح فنجد من الدعاة مَن ينصح أخاه على رؤس الأشهاد مما يحدث بلبلةً، وبالتالي يُوقع البغضاء والتشاحن، كما أنَّ من الأسباب التي قد تسبب الجفاء بين الدعاة الإصرار على الرأي والاعتداد به وتخطئة الآراء الأخرى، وهذه آفة خطيرة تؤدي للتنابذ المذموم على الرغم من قول الرسول: "رُبَّ مبلغ أوعى من سامعٍ، ورُبَّ حامل فقهٍ إلى مَن هو أفقه منه"، ويعلمنا الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن نأخذ الحكمة من أي جهة فيقول: "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها"، وعند الخلاف يقدم الدليل الشرعي ويخضع الجميع له لا تقدم الأهواء والآراء الشخصية.

الدعوة الحقيقيةوحينما عرضنا نتائج هذا الاستبيان على الدكتور أحمد العسال- مستشار الجامعة الإسلامية في إسلام أباد- قال: لا أعتقد أن هناك داعيةً إلى الله يحب الله ورسوله ويُخلص لهما يشعر بجفاءٍ لأحدٍ من المسلمين عامةً، فضلاً عن إخوانه من الدعاةِ؛ لأن من صفات الرسول- صلى الله عليه وسلم- التي امتدحها الله فيه: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)﴾ (التوبة)، كما امتدح الله المؤمنين في سياق حديثه عن المتشككين في دينهم بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾ (المائدة).ولكن هذه الآفة تصيب فريقًا معينًا من الدعاة ممن لم يصل إلى مرتبة الدعوة الحقيقية؛ لأن الداعيةَ الحقيقي هو رجلٌ يقدم نفسه كله لله؛ لذا فإنه من الخطأ بمكان تعميم الحكم على عامة الدعاة الذين يقتدون برسولهم الكريم الذي قال الله تعالى في حقه: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، وقال أيضًا: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران:159).

أما الأسباب التي قد تؤدي لظهور هذا الأمر لدى هؤلاء البعض فكثيرة: فلو نظرنا إلى حال الأمةِ على وجه العموم لوجدناها في حالةٍ غير عادية بسبب شيوع الفكر العلماني الذي انتهى بأنه يريد أن يكون الدين تدينًا فرديًّا، وأن ينسحب من الساحةِ الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهذا بالطبع مخالفٌ لإرادةِ الله بل هو تأثر بالفكرِ الغربي الذي حذَّرنا منه نبي الإسلام من أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، فيما جاء في الصحيحين أنه- صلى الله عليه وسلم- قال: "لتتبعن سنن مَن كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ لدخلتموه"، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟!"، والدعاة ما هم إلا امتداد لهذه الأمة ويتأثرون بما فيها من أفكار.

أما السبب الثاني فهو أنَّ العملَ الطوعي في بلادنا ما زالت أمامه عقبات كثيرة وفي ظل عدم التواصل والتحاب بين الدعاة وقلة التزاور واللقاءات قد ننشغل بالتغلب على هذه العقبات على حسابِ تحقيقِ معاني الأخوة، وهذا فهم خاطئ؛ لأن التغلب على العقباتِ لن يتأتى إلا بالتماسك والتعاون وتحقيق معاني الأخوة.

غياب الرعاية المؤسسية
إذا أضفنا إلى هذا عدم وجود رعاية مؤسسية ترعى الدعاة وتتبنى مشاكلهم وقضاياهم يتبين لنا حجم الخسارة الكبيرة في مجال الدعوة، ومن المؤسف والمحزن أن تُحل مثلاً جبهة علماء الأزهر بقرارٍ من شيخ الأزهر وهي التي كانت تضم نخبةً من العلماء الأجلاء.

ويضيف الدكتور العسال أيضًا أنَّ من أسبابِ هذا الجفاء نقصان بعض العلائق التي أمرنا الله بها في قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)﴾ (التوبة).

ومن الأسبابِ الخطيرة كذلك القصور في الصلة بالله إضافةً إلى عدمِ الوعي الكامل بما ينبغي على الداعية أن يكون عليه، فرسولنا الكريم لم يترك قيام الليل في حضرٍ أو سفرٍ، وهكذا كان الصحابة من بعده؛ لذلك كان سيدنا عمر بن الخطاب يقول: "إذا أقبلت الناس فأعطها ما تحب من الطاعة، وإذا أدبرت فألزمها الفريضة"، ولذلك نجد أنه من الطاعات العظيمة التي حثنا عليها القرآن الكريم تكرارًا (ذكر الله) فلو انشغل الدعاة بذكرِ الله لما تركوا فرصةً للشيطان أن يُوقع بينهم العداوة والبغضاء؛ لأن الفراغ إن لم تملأه بالطاعة ملأه الشيطان باللغو.

ويرتبط بالسببِ السابق سبب آخر ألا وهو التعلق بالدنيا فهو رأس كل خطيئة، ويدلنا الرسول الكريم على وصفةٍ ناجحةٍ لكسب حب الناس وحب الله فيقول: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس" (حديث حسن رواه ابن ماجة وغيره).

لذلك فإن الأنبياء لم يتركوا ميراثًا أو حظًّا من الدنيا وإنما تركوا العلم لذا فإن ضعف ثقافة الداعية قد يكون سببًا من أسباب التعلق بالدنيا والانشغال بالتوافه مما يؤدي للتباغض والشحناء، والإمام البنا لم يقل عنه أنه رجلٌ ربانيٌّ إلا لأنه قد انتصرَ على الغوائل الثلاث "حب المال والجاه والمرأة"، وأذكر موقفًا أيضًا للإمام الندوي رحمه الله أثناء حضورنا مؤتمرًا للسيرة النبوية في قطر أصرَّ على أن يُقيم في فندقٍ متواضعٍ وترك الفندق ذا النجوم الخمس الذي كان محجوزًا له، هؤلاء الدعاة الذين لم يتعلقوا بالدنيا عرفوا معنى الأخوةَ الحقَّة والتزموا بواجباتها.

والسبب الأخير هو كثرة المراء والجدال، وقد حذرنا الرسول فقال: "هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون" (رواه مسلم).

افتقاد روح الجماعة
أما مسألة انشغال الدعاة بواجباتهم الأسرية أو الدعوية فليس لها مجال فأمة محورها المسجد لا يشغلها عن واجب الأخوة شيء إنما الأزمة الحقيقية هنا افتقاد البناء الذي يقوم على التحاب والنقاء، مما يُنتج آفة خطيرة وهي النزعة الفردية لدى كثير من الدعاة الذين يفشلون في تقديمِ عملٍ جماعي، بينما الأصل أنَّ المؤمنين الذين يعملون الصالحات يؤثرون بعضهم على أنفسهم، وبالتالي فإنَّ من أهم الأسباب التي أدَّت لظهور هذه الآفة الافتقاد لروح الجماعة.

ويتذكر الدكتور العسال أنه أثناء وجوده في تركيا وزيارته لبعض المناطق دمعت عيناه من شدةِ الفرح حين كان يجد العلماء التركمان وعلماء من أواسط آسيا وعلماء من العرب قد التقوا جميعًا واجتمعوا في قالبٍ واحدٍ، ويتساءل أين نحن من هؤلاء؟!!

ويعلق على مسألة الفتور التي ذكرها بعض الدعاة فيقول إنَّ الفتور قد يعتري الدعاة في بداية الطريق، أما بعد أن يفتح الله عليهم فإننا نستبعد ذلك، فمن حكمة الله تعالى أن شرع للمؤمن صلوات في اليوم والليلة بدءًا من دلوكِ الشمس إلى غسقِ الليل ليعالج تثبيطَ الهمة في العبادات والطاعات، ويذكرنا بها دائمًا وها هما القرآن والسنة يُذكرانا كل حين بحقوق الأخوة وواجباتها ولكن الخلل في الفهم والتنفيذ.
الاستبيان

الاثنين، 16 أبريل 2007

تلعفر المنكوبة لم تعد مصدر أمل لبوش

أمل خيري - عمر صلاح الدين
إسلام أون لاين

الاثنين. أبريل. 16, 2007

Image
العديد من الأطفال فقدوا ذويهم
بسبب العنف الطائفي
الموصل- أضحت تلعفر -المدينة العراقية الواقعة شمال شرقي البلاد- مبعثا للألم والذكريات المريرة لسكانها، بعد أن اعتبرها الرئيس الأمريكي، جورج بوش، قبل أكثر من عام، بارقة أمل للتأكيد على نجاح إستراتيجيته في العراق. واقع المدينة يعكس أبو علي -المدرس العراقي المتقاعد- أحد جوانبه بقوله: "لقد فقدت ابنتي خديجة، وحينما ذهب ابني لإنقاذ والدته وشقيقته سقط أيضا مضرجا بدمائه فوق أشلائهما".
وأبو علي، الذي ظل مقيما في حي الوحدة السني في تلعفر طيلة الأعوام السابقة، أصبح الآن مجرد لاجئ في معسكر لإيواء اللاجئين في موقع آشوري قديم يطلق عليه "باب الشمس" شرق مدينة الموصل.
ويعد أبو علي واحدا من ألفي شخص اضطروا للنزوح نهاية مارس الماضي عقب الهجوم الطائفي الذي راح ضحيته رجال وأطفال من العرب السنة على يد مسلحين شيعة وعناصر من قوات الشرطة كرد فعل انتقامي على تفجير عد شاحنات مفخخة أودت بحياة 152 شخصا في الحي الشيعي بتلعفر.
وما زالت حكومة رئيس الوزراء، نوري المالكي، تواصل التحقيقات حول تورط الشرطة في هذه المذبحة، ويوجد بالفعل 18 عنصرا من عناصر الشرطة رهن الاعتقال.
وعقب أحداث العنف الدامية في تلعفر أنشأ الهلال الأحمر العراقي معسكرات للاجئين في الموصل، حيث تم نصب الخيام في أحد الحقول لإيواء أكثر من 250 عائلة أغلبهم من السنة. وليس بوسع هذه المخيمات سوى تقديم الخدمات الأساسية كالطعام والمياه والأغطية، ويشكو الهلال الأحمر من نقص الإمدادات الطبية.
المشردون
وتقدر المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عدد النازحين العراقيين في الدول المجاورة بحوالي مليوني شخص، بينما لا يزال 1.9 مليون شخص بالداخل في عداد المشردين وبلا مأوى، وبالتالي لا تبدو أي بادرة أمل في التحسن، إذ تشير التقديرات إلى نزوح ما بين 40.000 إلى 50.000 من ديارهم سنويا.
ومن بين هؤلاء النازحين تروي حسنية داود -شاهدة عيان من تلعفر- أحداثا دامية بعد مشاهدتها قوات من الشرطة والميليشيات العسكرية تجبر نحو 10 من الرجال على الوقوف إلى الحائط رافعين أذرعهم في الهواء.
إذ تقول حسنية: "رأيتهم يتساقطون (الرجال) أمام عيني مضرجين بدمائهم بعد أن قامت الميليشيات بفتح النار عليهم". وتضيف: "ذهب زوجي وشقيقي لمراقبة ما حدث، ولكنهما لم يتمكنا من العودة".
تصاعد التوترات الطائفية
وفي مارس 2006 صرح الرئيس بوش بأن مدينة تلعفر تعد دليلا على نجاح ما أسماه بإستراتيجيته في العراق، واصفا تلعفر بأنها "مدينة حرة تعطي بارقة أمل لعراق حرة".
أما اليوم، وبعد مرور أكثر من عام على هذا التصريح، تعاني المدينة من نفس التوترات الطائفية التي أودت بحياة عشرات الآلاف من العراقيين في أنحاء البلاد.
فعلى حد قول إحدى الشيعيات المتزوجة من سني فإن "الوضع مثير للشفقة، فلا أحد يعرف من ضد من".
وأردفت السيدة التي لم ترد الكشف عن اسمها: "القاعدة وراء هذه التفجيرات في تلعفر، فهم يقصفون الشيعة، ونحن لا نريد أيا من الميليشيات الشيعية أو القاعدة".
وكانت هذه السيدة قد فرت مع أطفالها بعد عمليات إطلاق نار، ولم تلتق زوجها منذ ذلك الحين.
بلا ذنب
أما عبد السلام -وهو عامل بلدية- فيقول: "في هذا اليوم المشئوم قتلت اثنتان من شقيقاتي.. راحتا بلا ذنب أو جريمة.. سوى أنهما من إحدى الطوائف دون غيرها".
بينما يعتبر أبو فضل -الكفيف ذو الأعوام السبعين أحد سكان تلعفر- أن الاحتلال الأمريكي قد جر الخراب على بلاده.
ويحن أبو فضل -الذي فقد ابنا وحفيدا في هذا اليوم- إلى الأيام الجميلة الماضية قبل الغزو الأمريكي لبلاده في مارس 2003، حيث يقول: "منذ دخول القوات الأمريكية العراق، ومدينة تلعفر تعيش في عنف وإرهاب
ناشئ عن التوترات الطائفية".

ويقدر عدد سكان تلعفر بأكثر من 200.000، رغم إعلان مسئولين في القوات الأمريكية أن عدد السكان انخفض حاليا إلى 80.000 نسمة. وينحدر معظم سكان المدينة من أصل تركماني، وهم 70% من السنة والبقية من الشيعة.

الأربعاء، 21 مارس 2007

عربة العجائب في مصر المحروسة


أمل خيري

إن اختارك الله للسكنى في منطقة ليس لها وسيلة مواصلات إلا مترو الأنفاق بقلب العاصمة المصرية فأنت من سعداء الحظ؛ فإذا وقفت على رصيف المحطة لا تستطيع أن ترى القطار إن كان قادما أم لا ؟ من خلال كتل البشر المتراصة، إلا أنك ستعرف بالتأكيد أن القطار قد وصل حين تسمع صوت صفارته تخرق أذنيك، وحين تجد نفسك بقوة الدفع الخفية داخل القطار لا تدري إن كنت بكاملك داخل القطار أم بعضك.  ولكنك ستعرف بالتأكيد حين تجد الباب قد اندفع ليغلق على ذراعك أو إحدى قدميك، وتظل واقفا هكذا متدلي حتى يصل القطار بسلامة الله إلى المحطة التالية.

 وفي الغالب ستجد نفسك مرة أخرى بقوة الدفع الخفية خارج القطار حيث تدفعك الكتل البشرية الراغبة في النزول من القطار، وحينها تعاود الكرة مرة أخرى في محاولة للصعود مع الكتل الراغبة في الصعود وأنت لا تملك من أمر نفسك شيئا فأنت تُدفع مع النازلين وتُدفع مع الصاعدين حتى تلوح لك بارقة أمل في أن تجد موطئا لإحدى قدميك في عمق العربة.
 وفي أثناء رحلتك اليومية ذهابا وإيابا لا تملك إلا أن تكتم أنفاسك في وسط الزحام حتى تصل بسلامة الله .

ولا أدري لم تذكرت كلمات سطرها الأديب الكبير عبد الحميد جودة السحار في وصف عربات الترام في مصر المحروسة التي كانت منتشرة في القرن الماضي واختفت من شوارع مصر تماما.

 أخذت أقرأ كلماته مرارا وأنا واثقة أنه لم يكن يتحدث عن شيء سوى عربات مترو الأنفاق، وليس الترام الذي يقول واصفا إياه " تكدست أكوام البشر في داخل الترام ، وعلى جانبيه، ومن خلفه، ومن قدامه، واختلطت الأذرع والسيقان ، حتى أصبح من المستحيل أن تقع العين على هيئة إنسان ، فهذه ذراع ، وهذا رأس ، وهذا خصر، أما لمن هذا الرأس؟ ولمن هذه الذراع؟ وأين صاحب هذا الخصر أو هذه الساق؟ فهذا ما لم يفطن إليه إنسان، وكثيرا ما يخيل للناظر إلى الكتل البشرية المتراصة على سلم الترام ، أن للجسم الواحد رأسين ، أو للرأس الواحد جسمين ، وأن اغلب الواقفين على سلم الترام ينافسون ( البهلوان ) ، فهذا واضع طرف قدمه على حافة السلم ، وقابض على قائم الترام بأصبع ، وهذا متعلق في عنق آخر ، متعلق بسروال ثالث. وهكذا ".

انتهت كلمات الأديب الكبير في وصف الترام الذي لا يختلف عن مترو الأنفاق في شيء اللهم إلا أن القطار ليس له سلالم، وأن القطار متفرد بإحدى عجائب الدنيا السبع .

أتدرون ما هي هذه العجيبة ؟ إنها عربة السيدات أو ما اصطلح المصريون على تسميتها بعربة السيئات .

يثور الجدل العالمي الآن حول إعادة تشكيل عجائب الدنيا السبع غافلين عن هذه العربة التي إن قورنت بغيرها من العجائب تأتي في القمة بل إن هذه العربة نفسها تحتوي على كل العجائب معا في آن واحد.

ابتسمي أنت في عربة السيدات

في هذه العربة تجد المرأة كل ما يفرح القلب ويسره فقد افترشت مجموعة من الفتيات أرضية العربة لا يعنيهن الزحام ولا صراخ الراكبات أو حتى تعثر الواقفات في الكتل المتكدسة أرضا وهنا ترتفع عقيرة بعض الواقفات بالصراخ في وجوه الفتيات بضرورة الوقوف لإفساح المكان ثم يتطور الأمر للسباب ولكن لا حياة لمن تنادي فالفتيات يضعن في آذانهن السماعات الموصولة بأجهزة المحمول المسجل عليها أحدث الأغاني ويحاولن إثارة حفيظة الراكبات بإغماض أعينهن وكأنهن في عالم آخر بل إن بعضهن يتمايل على النغمات التي لا يسمعها غيرهن مما يزيد من حنق الواقفات اللاتي لا تجد إحداهن موطئا لقدميها ولا شيئا تستند عليه.

وفجأة يفرمل القطار فتندفع الواقفات بفعل نفس القوة الخفية فتتساقط إحداهن تلو الأخرى كقطع الدومينو فيرتفع الصراخ ثم تليها مرحلة الشجار الذي ينتهي دائما بالسباب وأحيانا بتشابك الأيدي وكيل الضربات تلو الأخرى .

كل واحدة من الواقفات كأنها برميل من البارود ينتظر من يلمسه لتنفجر كل شحنات الغضب المتراكمة في الصدور جراء خلافات مع الزوج أو مضايقات الأبناء أو مشاحنات العمل لتتناثر الكلمات الجارحة هنا وهناك في وجه الضحية التي أتعسها حظها ووقفت بجانب هذه القنبلة الموقوتة.

ولا تنتهي عجائب العربة عند هذا الحد فمما أنفحنا به الزمان انتشار ظاهرة البيع داخل العربات : بائعات من مختلف الأعمار وبضاعة من كل شكل ولون بدءا من الدبابيس وإبر الخياطة إلى المأكولات والملابس.

وكأن هؤلاء البائعات أزعجهن أن العربة ما زال بها متنفسا وموضعا لقدم فأبوا إلا ؛ن يسدوا هذا الفراغ ببضاعتهن.

 فإن أسعدك الحظ أختي الكريمة بركوب هذه العربة المباركة فستستمتعين طوال رحلتك السعيدة بمن يسري عنك؛ فهناك من آلى على نفسه أن يلبي كل طلباتك واحتياجاتك.

 فإن كنت جوعانة فالشيكولاتة والعسلية والسمسمية ستفي بالغرض، وان أصابتك نوبة من الزهقان فالنعناع سينعش أنفاسك ويصفي دمك، أما اللبان فطرقعته ستنفس عما بداخلك، وإن كنت في حاجة للكساء فستجدي جميع ما يسرك بدءا من جوارب القدمين وانتهاء باسدالات الصلاة،  وإن كنت ترغبين في إصلاح زينتك فهنيئا لك فهذه مرايا وتلك أدوات للتجميل وأمشاط وتوك ودبابيس مرصعة وخواتم تبرق.

أما إذا عطست وبحثت في حقيبتك عن منديل فلم تجدي فلا تقلقي ستجدي في العربة الواحدة ما لا يقل عن ثلاث أو أربع بائعات لأكياس المناديل الورقية واللاتي لا يكتفين ببيع المناديل ولكن يصحب عملية البيع انطلاق سيمفونية تقطيع القلب واستدرار العطف (ساعدوني يا بنات في تربية الأيتام) ، (ابنتي ستجري عملية جراحية) ، ( ابني مريض ولا أجد ثمن الدواء) ، (محتاجة مصاريف المدرسة لأولادي) ...... وبالطبع هذه السيمفونية لا تبقى على وتيرة واحدة بل تتغير كل عدة أيام من نفس السيدة في موضة جديدة من التسول عن طريق البيع، ولا تنس البعض منهن اصطحاب طفل صغير تحمله فوق كتفها وهذا الطفل لم يغسل وجهه منذ أن ولد ويرتدي بالطبع أسمالا بالية لاستدرار عطف ذوات القلوب الرحيمة.

 وبمنتهى البساطة يستطيع المتتبع لهذه السيدة التيقن أن هذا الطفل يتغير كل يوم فمرة يكون صبيا لا يتعدى عشرة أشهر ومرة أخرى ينقلب الصبي إلى بنت عمرها لا يتجاوز الخمسة أشهر وأي عاقل يستطيع التخمين باستحالة أن يكونا توأمين أو حتى أشقاء لا يتعدى الفارق بينهما خمسة أشهر إلا إذا كانت هذه السيدة قد اختصرت مدة الحمل الطبيعية التي عرفتها حواء منذ بدء الخليقة.

والطامة الكبرى أن يصعد أحد الباعة من الرجال في هذه العربة المنكوبة لتتعالى صرخات النساء أثناء مروره بين الكتل البشرية ولا تدري أين اختفى عساكر شرطة المترو الأشاوس من على أرصفة المترو؟ ولماذا سمحوا بصعود رجل إلى عربة الحريم؟ وأين الغرامات المفروضة على كل رجل سولت له نفسه ركوب العربة الكريمة؟ أم أن هذا البائع يعد مَحْرَما لكل الراكبات؟!

هل انتهت العجائب هنا؟

لا وألف لا فتأتي مشكلة الشبابيك اليومية فالجالسات بجانب الشباك يتأذين من البرد الذي يلفح وجوههن،  والواقفات يتصببن عرقا وتكاد تزهق أنفسهن فيطلبن من الجالسات فتح الشباك فتفتحه إحداهن على مضض، ولا تلبث جالسة أخرى إلا أن تغلقه بعد قليل في تحد سافر لكل الواقفات، وهنا تنفلت الأعصاب وتتناثر الكلمات من الأفواه معربة عن قلة ذوق هذه المرأة التي أغلقت الشباك والتي تسارع بالرد بأنها ستموت من الهواء المندفع من الشباك وأنها مريضة فتتعالى الصيحات ومرة أخرى تنطلق الألفاظ الجارحة .

وعجيبة أخرى تضاف لسلسلة العجائب في زمن العجائب ألا وهي جلوس الفتيات والشابات على مقاعد مكتوب فوقها مخصصة لكبار السن ولذوي الاحتياجات الخاصة دون أدنى اكتراث بهذه المرأة التي أثقلت بحملها وتمتد بطنها أمامها نصف المتر، ولا تلك السيدة الطاعنة في السن، ولا هذه التي تحمل طفلا رضيع وتمسك حقيبة منتفخة في يدها، فانعدمت الأذواق واختفى الإحساس.

قد تقولين وما المشكلة لقد توصلت لحل سحري سأحمل معي كرسي يطوى ويفرد لأجلس عليه وارتاح من عناء الطريق، فلا تتفاءلي كثيرا فقد سبقتك واشتريته ولكني اكتشفت أنه لا يوجد موضعا له لذا فأجدني أحمله معي ذاهبة وآيبة دون أن انتفع به .

أعجب العجائب تعمد الرجال ركوب عربة السيدات وكأنهم يستكثرون على السيدات كل هذه المتع التي يعيشونها يوميا فيريدون أن يشاركوا في هذه المتع، بالطبع هناك من تحاول أن تنبه الرجل أن هذه عربة السيدات فماذا يكون موقف الرجل :
تناحة لا حدود لها.
يعمل ودن من طين وأخرى من عجين.
يضحك وينظر من فوق لتحت ثم يستكمل وقفته.
يرد بأن هذا مترو الحكومة ومن حقه أن يركب كيفما يشاء.
والبعض يتطاول بلسانه وربما بيديه .
والمسكينة التي انبرت لتنبيهه ربما لا تجد من ينصفها حتى من السيدات.


في يوم ركبت العربة وكانت كل الكراسي ممتلئة ووجدت رجلا يجلس على كنبة -تسع شخصين- بمفرده يجلس في النصف تماما حتى لا تسول لأي إمرأة نفسها أن تفكر مجرد التفكير في محاولة الجلوس بجانبه بل يزيد تحديه بأن يضع يديه في خصره ويجلس واضعا ساقا على أخرى ويتجول بعينيه في العربة ورغم أني وقتها كنت سأنزل في المحطة التالية بما يعني أن الأمر لا يعنيني إن كان جالسا أم واقفا إلا أني حاولت مكالمته فزجرتني السيدات الواقفات بجانبي وأشرن لي إشارات غريبة فهمت منها أن البعض حاول معه لكنه يتحدى الجميع، بل ما أغاظني أن قالت سيدة: ما المشكلة أن يركب ويجلس أليسوا إخوتنا ؟ أليسوا لحما ودم؟ هل سيأكلوننا؟
هل ترضين لشقيقك أو زوجك أن يطرد من عربة السيدات لمجرد أنه رجل؟!
وجدت أن أفضل طريقة للرد عليها هي عدم الرد عليها أصلا وتجاهلها حتى جاءت محطتي فنزلت بسلام.


ولكن هل بعد كل هذا تفكرين في التخلي عن ركوب هذه العربة التي هي من أعظم انجازات مرفق مترو الأنفاق؟
كلا وألف كلا فما كنت تستبدلينها بعربة مختلطة أقل ما يصيبك فيها إهدار البقية الباقية من كرامتك.
لذا لا نملك إلا أن ندعو " اللهم أدم علينا عربة السيدات واحفظها من الزوال".

الخميس، 15 مارس 2007

الحقوق الاقتصادية للمرأة في الإسلام


الحقوق الاقتصادية للمرأة في الإسلام
بقلم : أمل خيري.

جاء الإسلام ليرفع من شأن المرأة ويعلي من قدرها ويرفع عنها العنت بعد أن كانت تعد من سقط المتاع فأصبح لها دور فعال في المجتمع على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدعوية فقررت لها الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة العديد من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وغيرها سابقة بذلك ما قررته لها المواثيق الدولية الحديثة بأربعة عشر قرنا من الزمان.
ولقد عانت المرأة من إهدار حقوقها الاقتصادية في الأمم والشرائع السابقة للإسلام وبلغت مكانة المرأة في المجتمع الجاهلي أقصى درجات المهانة فقد حرمت من جميع الحقوق المالية كالتملك و الميراث بل إنها كانت تورث كما يورث المتاع. وفي هذا يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " كنا في الجاهلية ما نَعُدّ النساء شئ حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهنّ ما قسم "
فجاءت تعاليم الإسلام بهديها القويم لتقرر للمرأة حقوقا اقتصادية وذمة مالية تمكنها من القيام بدورها في المجتمع ولقد وعت المرأة المسلمة في عهد النبوة هذا الدور جيدا فيروي البخاري عن ابن عباس " أن النبي صلّى يوم العيد ركعتين ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي قرطها في ثوب بلال " مما يدل على إدراك ووعي المرأة بدورها المناط بها في المجتمع .
وسنعرض فيما يلي لبعض من هذه الحقوق الاقتصادية التي قررها الإسلام للمرأة.

الأهلية الاقتصادية للمرأة
تساوت المرأة مع الرجل في تحمل أمانة التكليف المتمثلة في قوله تعالى : " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا " ( الأحزاب 72 ).
حيث يشمل لفظ الإنسان الذكر والأنثى على حد سواء وبذلك فإن الرجل والمرأة سيان في الأهلية التي هي مناط التكليف حيث عرف العلماء الأهلية على أنها صلاحية المرء لأن تتقرر في ذمته الواجبات الشرعية فلا تبرأ ذمته حتى يؤدي ما عليه من الواجب.
وقد منح الإسلام للمرأة أهليتها الكاملة للتصرفات الاقتصادية من حيث جواز التملك والتصرف بالهبة والوصية والبيع وغير ذلك. في إطار قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية و للمرأة ذمة مالية مستقلة عن زوجها وأبيها وأساس ذلك قول الله تبارك وتعالى : " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن " ( النساء 32 ) .

استقلال المرأة في الميراث
كانت العادات الجاهلية تقضي بحرمان النساء والصغار من الميراث حيث اقتصر التوريث على الذكور المقاتلين الذين يحوزون الغنيمة ويحمون الذمار وقد استمرت عادة حرمان النساء من الميراث إلى أن ظهر الإسلام فذهبت أم كحلة وهي من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت : " يا رسول الله توفي زوجي وتركني وابنته فلم نورث " ، فقال عم ابنتها : " يا رسول الله ، هي لا تركب فرسا ولا تحمل كلا ( أي لا تلي أمر العيال والسعي عليهم ) ولا تنكي عدوا ( أي لا تجرح عدوا ) يكسب عليها ولا تكتسب " فنزل قول الله : " للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً " (النساء 7 )
وبذلك انتصف الإسلام للمرأة ومتعها بالتملك والمال الموروث شأنها شأن الرجل وقد بنى الإسلام توزيع الأنصباء على الورثة على قاعدة " للذكر مثل حظ الأنثيين " وفي حين يرى البعض في هذه القاعدة إجحافا بالمرأة وظلم لها إلا أننا نرى أن الإسلام حين قرر هذه القاعدة فهو عادل في ذلك ومنصف كل الإنصاف حيث تتفق هذه القاعدة مع عدالة الإسلام في توزيع الأعباء والواجبات حيث يلزم الرجل بأعباء مالية لا تلزم بمثلها المرأة كالنفقة والمهر لذا كان من العدل أن يكون الرجل في كمية الاستحقاق على ضعف المرأة كما أن هذه الزيادة للرجل تأتي في حالات معدودة وفي حالات أخرى يزيد نصيب المرأة عن الرجل مما استفاض العلماء في بيانه.
صداق المرأة ملك خالص لها
تتميز الشريعة الإسلامية على سائر الشرائع الأخرى وعلى القوانين والنظم الوضعية بأنها فرضت على الرجل أن يدفع لمن يقترن بها مهراً و يطلق عليه الصداق ، وذلك في حدود إمكانياته المالية، وفي هذا الخصوص يقول الله تبارك وتعالى { وآتوا النساء صدقاتهن نِحلة } (النساء 4) .
والمهر هو عطاء خالص من الزوج لزوجته وهذا العطاء هو نحلة أي ليس أجرا أو ثمنا بل هو عطاء يوثق المحبة ويربط القلوب ويديم العشرة وهذا الصداق يصبح حقا خالصا للمرأة وحدها تتصرف فيه كما تتصرف في سائر أموالها وقد جرى العرف على أن ولي الزوجة هو الذي يقبض مهرها لينفقه في شراء ما يلزم لها من جهاز إلا أن هذا لا يكون إلا عن رضاها وطيب خاطر منها لقوله تعالى : " فإن طبن لكم عن شئ منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً " (النساء4) . لان هذا المهر هو حق خالص لها وليس عليها أن تتجهز بمهرها أو بشئ منه إلى زوجها .
ومن المتفق عليه أن لا حد لأكثر المهر لقوله تعالى : " وان أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا * وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا " ( النساء 20 – 21 ) ، فللزوجين أن يزيدا عن ذلك القدر وان كان من الخير عدم المغالاة في المهر إذ أن هذه المغالاة من أهم أسباب عزوف الشباب عن الزواج مما يترتب عليه ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمع.
النفقة على الزوجة
اوجب الإسلام للزوجة على زوجها نفقتها حتى وان كانت غنية والنفقة هي كل ما تحتاج إليه لمعيشتها من طعام وكسوة ومسكن وفرش وخدمة حسب المتعارف بين الناس وهذه النفقة واجبة منذ انعقاد عقد الزوجية وهذا الإلزام للزوج بالإنفاق من مقتضى قوامته مصداقا لقول تعالى : " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم..... " ( النساء 34 ) ، إلا أن مقدار هذه النفقة يرتبط بسعة الزوج لقوله عز وجل : " لينفق ذو سعة من سعته ...." ( الطلاق 7 ) ، وقول الرسول : " اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله" (رواه أبو داود) ، وهناك من النصوص التي لا تكتفي بتقرير هذه المسئولية بل تحض الزوج على التوسعة على زوجه وأولاده حيث عدت الشريعة ذلك من الأعمال الصالحة التي يثاب عليها فعن أبي مسعود الأنصاري عن النبي قال : " إذا انفق المسلم على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة " (رواه البخاري ومسلم ) .
كما اوجب الإسلام للمرأة إذا طلقت نفقة العدة مثلما وجبت لها في حياتها الزوجية وأوجب لها المتعة وهي ما يبذله الرجل بعد طلاقها غير نفقة العدة مما تحفظ به نفسها وكيانها " وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين" ( البقرة 241 ) .

حق المرأة في الإنفاق في سبيل الله
يترتب على حق المرأة في التملك والتصرف في أموالها أن تنفق من مالها في سبيل الله على الفقراء والمحتاجين فلها الحق في إيتاء زكاة مالها من مال وحليّ ونحوه كما يجوز لها أن تتصدّق من مالها على الأوجه التي تختارها دون أن يحق لزوجها التدخل في هذا الاختيار باعتبار أن لها ذمّة مالية مستقلة عن زوجها . كما يحق لها أن تتشاور مع زوجها في أوجه إنفاق مالها على سبيل الندب والاستحباب لا الوجوب .
كما يجوز للمرأة في الإسلام أن تساعد زوجها من مالها عن طيب خاطر منها إذا كانت هناك ضرورة في ذلك مثل : حالة مرض الزوج أو إعساره أو إفلاسه, أو عجزه عن الكسب والمرأة حين تعاون زوجها تحقق فضيلة صلة القربى إضافة إلى فضيلة الإنفاق في سبيل الله.
والمرأة الموسرة يستحب لها أن تخرج من زكاة أموالها أو صدقاتها لزوجها الفقير فالأقربون أولى بالمعروف فهذه امرأة ابن مسعود ذهبت تستفتي رسول الله في جواز التصدق على زوجها فقال لها النبي: " صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم " ( رواه البخاري) .
ويستمر إسهام المرأة في الإنفاق على الأسرة بعد وفاة الزوج فعن زينب عن أم سلمة قالت : " قلت يا رسول الله ألي اجر أن أنفق على بَنِي أبي سلمة ، إنما هم بنِيَّّّّّ ؟ فقال : أنفقي عليهم ، فلك اجر ما أنفقت عليهم " ( رواه البخاري ومسلم ) .

نظارة الوقف
كما منحت الشريعة الإسلامية المرأة الحق في أن تكون ناظرة على الوقف تديره كما تدير أموالها العقارية والمنقولة وقد جعل عمر بن الخطاب الولاية على وقفه لابنته حفصة رضي الله عنهما مدة حياتها ومن بعدها إلى ذوي الرأي من آل عمر على الرغم من وجود أبناء ذكور له وهو الذي كان في جاهليته متعصبا ضد الأنثى حتى أنه وأد إحدى بناته في الجاهلية فيأتي الإسلام ليحرر العقل المسلم فيجعله يتحول في الاتجاه الإيجابي نحو تمكين المرأة وعدم التمييز ضدها .
التصرف في مال زوجها بالمعروف
كما يحق للمرأة أن تأخذ من مال زوجها للإنفاق على نفسها وبيتها بالمعروف إذا كان بخيلا فعن عائشة رضي الله عنها : أن هندا بنت عتبة قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح ، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم ، فقال : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " ( رواه البخاري ومسلم ) .
كما يحق لها أن تتصدق من مال زوجها بالمعروف إذا أمنت ضيقه وبذلك تشترك معه في الأجر مناصفة فعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب "
كما يجوز للمرأة أن تهدي من مال زوجها بالمعروف فهذه أم سليم صنعت طعاما لرسول الله في عرسه وأرسلت به ابنها انس فتقبله رسول الله ودعا المسلمين لطعام الوليمة.
الشهادة على المعاملات الاقتصادية والمالية
نصت آية المداينة في سورة البقرة نصا صريحا على جواز الأخذ بشهادة المرأة في المعاملات الاقتصادية والمالية ، فيقول الله تبارك وتعالى: " فاستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ، أن تضل إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى " (البقرة 282).
هذه هي بعض الحقوق التي قررها الإسلام للمرأة فقام بتحريرها وتمكينها على جميع المستويات ويثور التساؤل إذا لماذا تهضم حقوق المرأة في المجتمعات المسلمة؟
والوقع يؤكد أن الإسلام في تأصيله الشرعي برئ كل البراءة من أي تمييز ضد المرأة وأنه ليس مسئولا عن الممارسات الخاطئة لدى بعض المسلمين الناشئة عن قصور فهم للإسلام أو موروثات اجتماعية أو ثقافية خاطئة توارثها البعض دون إعادة النظر فيها أو التفكير ظنا منهم أنها هي الإسلام نفسه وهؤلاء نجد مثلهم في قوله تعالى " بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مهتدون" ( الزخرف 22 ) .
وحينما يتحرر العقل المسلم ويعيد التمسك بالأصول التشريعية الثابتة ويطبق تعاليم الإسلام السمحة لن نجد امرأة مسلمة تعاني من اضطهاد أو تمييز في المجتمعات الإسلامية.
وإلى لقاء آخر مع واجبات المرأة الإقتصادية في الإسلام ودورها في التنمية الشاملة .
المراجع:

– أحمد خيرت ، مركز المرأة في الإسلام ، القاهرة : دار المعارف ، 1978.
– عبد الحليم محمد أبو شقة ، تحرير المرأة في عصر الرسالة ، الكويت: دار القلم ،2002 ، الجزء الخامس.
– د. هدى حلمي ، المرأة كما يريدها الإسلام أن تكون ، الكويت : دار القلم ، 2005.
– د. علي عبد الواحد وافي ، المرأة في الإسلام ، القاهرة : دار نهضة مصر، الطبعة الثانية.
– د. حسين حسين شحاتة ، الحقوق والمسئوليات الاقتصادية للمرأة في الإسلام ، بحث منشور بموقع دار المشورة.

السبت، 3 مارس 2007

بين الموازنة والميزانية.. أين أنت؟

بقلم:أمل خيري

مشكلة تتردد في كثير من البيوت:
زوجي يطالبني بتدبير الميزانية وهو مع ذلك لا يقوم بأي دور في المشاركة في التخطيط لهذه الميزانية.
قبل البدء في مناقشة مشكلة كثير من الزوجات هناك بعض النقاط أحببت طرحها والتأكيد عليها:
تضطلع المرأة المسلمة بمسئولية هامة وخطيرة في تدبير شئون بيتها وتعد المسئولية الاقتصادية للمرأة إحدى الأدوار الحاسمة في هذه المسئولية وهذا الدور ستسأل عنه أمام الله كما أنها ستثاب عليه إن أحسنت القيام به بإذن الله كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ... والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها "
ومن تمام مسئوليتها إحسان الإنفاق داخل بيتها واستهلاك الموارد بصورة ترضي عنها الله عز وجل. فكيف تحقق المرأة هذا الدور؟
على الزوجة أن تعي أن دورها في تخطيط ميزانية أسرتها لا يقل أهمية عن دور الاقتصاديين المخضرمين في تخطيط ميزانية شركة أو حتى ميزانية دولة ففي النهاية بيتها هو مملكتها ودولتها التي تشرف عليها وعلى ذلك لابد من التعرف على الفرق بين الميزانية والموازنة.
فهناك فرق بين الميزانية والموازنة حيث أن الموازنة هي عملية تقييم للإيرادات والمصروفات تتم قبل البدء في مشروع ما أما الميزانية فهي بيان بالإيرادات والمصروفات التي تمت بالفعل والغرض منها معرفة الموقف المالي للشركة من حيث الربح والخسارة.
فماذا تفعل كل زوجة قبل أن تقدم على هذه الخطوة الهامة؟
1. أن تتقرب إلى الله بالنية الصالحة قبل إعداد هذا المخطط المالي بأن تنوي من عملها هذا الحرص على عدم تكلفة زوجها ما لا يطيق فلقد أوصت سيدة صالحة ابنتها فقالت: ( لا تكلّفي زوجك إلا ما يطيق طبقاً للأحوال ، وارفعيه بيدك عن مواطن الضعف والضيق ، فحمل الصخور أخف من حمل الديون )
2. يجب على الزوجة أن تعد كشف حساب عن الفترة السابقة تقيم فيها أوجه الإنفاق وكيفيته وتحاول استخلاص بعض الدروس التي تعينها في التخطيط للموازنة القادمة كأن تحدد أي الأوجه التي استهلكت الكثير من المال وهل يمكن تقليلها وأي الأوجه التي كان لها الحظ الأقل من الإنفاق على الرغم من كونها في غاية الأهمية.
3. تمسك الزوجة بورقة وقلم وتحدد فيها الأولويات كما يلي:
· الضروريات : وهي ما لا يمكن أن تستقيم الحياة بدونها مثل نفقات المأكل والمشرب والملبس والمسكن والصحة والأدوية والتعليم.
· الحاجيات : وهي ما ينفق على ما تحتاجه الأسرة لجعل الحياة ميسرة وتخفيف مشاق الحياة ومتاعبها كركوب التاكسي بدلا من الباص ولا ينفق على الحاجيات إلا بعد استيفاء الضروريات .
· التحسينيات : وهي ما ينفق لجعل الحياة رغدة طيبة وأحسن حالا كتغيير أساس الغرف أو النزهات والعزائم أو شراء الأجهزة الكهربائية الحديثة ...ولا يحق للمرأة أن تنفق على التحسينات إلا بعد نفقات الضروريات والحاجيات .
4. تعد الزوجة أجنده خاصة لميزانية الأسرة وتجعل لكل شهر من الشهور صفحة تقسمها بهذا الشكل:
شهر يناير

الإيرادات (الدخل)

الصدقة

المصروفات الثابتة( إيجار – غاز – كهرباء – مياه- تليفون ... )

مصروفات الحضانة

مصروفات الطعام

المواصلات

مصروفات أخرى

الادخار
5. يكون ترتيب هذه البنود بنفس ترتيب أولوياتها ويجب أن تكون هذه الأولويات حقيقية وليست متوهمة فدفع إيجار المنزل لا يقارن في أولويته مثلا بنزهة ساحلية وإن بدت مهمة لتجديد النشاط والحيوية .
6. أن تبادر بالدعاء فور إمساكها بالراتب بقولها " اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وارزقنا خيرا منه وقنا عذاب النار" .
7. أن تضع الزوجة بندا ثابتا للإنفاق في سبيل الله في شكل صدقة أو كفالة يتيم .... وتجعله في بداية سلم الأولويات بل تخرجه مباشرة فور حصولها على الراتب ليكون مصدرا للبركة فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة ، كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعضٍ شيئاً "
8. يتم تخصيص جزء من الدخل للضروريات وما تبقى يوزع بين الحاجيات حسب أهميتها أما التحسينيات فتوضع في نهاية سلم الأولويات .
9. لابد من تخصيص قدر للادخار المستقبلي لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " ما عال من اقتصد " أي لم يصيب بالعيلة والفقر كما ورد في الأثر : (( رحم الله امرأً اكتسب طيّباً وأنفق قصداً وقدّم فضلاً ليوم فقره وحاجته )) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبو بكر: (( إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس أعطوهم أو منعوهم )) .
10. على الزوجة أن توزع القدر الذي خصصته للطعام بشكل متناسب فتخصص مبلغا لشراء الاحتياجات الشهرية من مواد البقالة والعلافة واللحوم فتشتريها كلها مرة واحدة وتراعي أن تشتريها بالجملة ليكون أوفر لها أما الأطعمة التي تفسد سريعا فتجعل لها جزءا مخصصا لتشتريها كل أسبوع أو كل يومين وبالتالي بعد شراء الاحتياجات الشهرية أول الشهر تأخذ الباقي وتوزعه على 4 أجزاء بحيث يكون لكل أسبوع مبلغه المخصص مما يجنبها الوقوع في معضلة انتهاء المرتب في الأسبوع الأول من الشهر فيقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ( إني أبغض أهل البيت الذين ينفقون رزق أيام في يوم واحد ) ، ويقول معاوية رضي الله عنه: ( حسن التدبير نصف الكسب وهو نصف المعيشة ) .
ولنا لقاء آخر إن شاء الله.

الجمعة، 2 مارس 2007

و هل تريدين اضاعة ثوابي عند الله؟!

بقلم:أمل خيري

(( في هدأة الليل.......
كانت أسرتنا تجلس في الشرفة جلسة سمر يسودها روح الود و كانت الدعابات تنطلق و كنا نضحك من القلب ....
الأب شاب في الثامنة و الثلاثين خمري البشرة طيب القلب نقي السريرة يحفظ القرآن الكريم و الذي كسا وجهه بنور و بهاء.
الأم شابة في الثامنة و العشرين من عمرها حنونة تغمرنا بعطفها و قلبها الدافئ يضمنا جميعا.
أخي الأكبر لم يتعد الثامنة من عمره هادئ الطباع يحفظ قدرا كبيرا من القرآن.
أما أنا فطفلة عنيدة بلغت السادسة من عمري أهوى القصص و المغامرات ،أحب الشعر حتى أني حفظت قصائد مطولة من قصائد أحمد شوقي و حافظ ابراهيم قام أبي معلم اللغة العربية بتحفيظي اياها.
و رغم أن جلسات السمر هذه كانت كثيرة بيننا إلا أن هذه الجلسة بالذات لا أنساها.....
الظلام دامس ... سكون تام و فجأة تنطلق صرخة طفل و بكاء متواصل يهرع أبي مسرعا يرتدي معطفا و ينزل درجات السلم في لحظات و بعد هنيهة يطبق الصمت المكان و ظللنا ننتظر أبي لقد غاب مدة لا تقل عن ساعة ...
عاد بعدها متهلل الوجه . و قسماً لقد رأيت النور يكسو وجهه أكثر و أكثر عن ذي قبل .
لم نطق الصبر ... أين كنت يا أبي ؟ لماذا تأخرت ؟ من هذا الطفل؟ لماذا كان يبكي؟.......
مهلا مهلا ابنائي ...دعوني ألتقط أنفاسي
لقد كان الطفل يحمل جنيها ليشتري بعض الحاجيات لأمه و لكنه سقط منه في الظلام فلما لم يجده صرخ و ظل يبكي فهو يخشى العودة لأمه فتعاقبه .
و ماذا فعلت معه يا أبي ؟
لقد أخرجت من جيبي جنيها و قلت له ها هو الجنيه لقد و جدته.
أكذبت يا أبي؟
لا يا بنيتي لقد قلت له هذا لأطمئنه و لأهدئ روعه و كان في نيتي أني وجدته في جيبي فأنا لم أصرح بأني وجدت الجنيه الخاص به على الأرض .
و هذا لا يعد كذبا.
و لماذا تعطيه الجنيه؟
هذا الطفل يا بنيتي في ضائقة و محنة و من واجبنا نحن المسلمين أن نساعد المكروب و نغيث الملهوف لننال رضاء الله.
و لماذا إذن تأخرت؟
بعد أن أخذ الطفل الجنيه بكى مرة أخرى لأنه تأخر على أمه و يخشى أن تعاقبه على التأخير فذهبت معه و اشتريت له كل ما يحتاجه ثم مضيت معه إلى البيت لأجد أمه تقف أمام البيت متلهفة لتأخر ابنها فأخبرتها الخبر و لم أغادر حتى وعدتني بأن تسامح الطفل و لا تعاقبه.
و هل أخبرتها أنك دفعت الجنيه من جيبك ؟
و هل تريدين اضاعة ثوابي عند الله؟!
أحبك يا أبي أنت طيب القلب.
مرت السنون و مازلت بعد أكثر من ربع قرن أذكر هذه الواقعة و كلما وجدت ملهوفا أسرعت لنجدته متذكرة أبي رحمه الله و مازلت أحكي لأبنائي هذا الموقف و غيره كثير و أنا أقول لهم لقد كان أحلى أب))

الخميس، 22 فبراير 2007

القيادة في المؤسسات التنموية .. التنشئة هي الحل

بقلم:
أمل خيري

يشهد العالم اليوم جدلا كبيرا حول القيادة والتغير الاجتماعي والإصلاح خاصة فيما يتعلق بالعالم العربي الذي يواجه مجموعة من التحديات المصيرية في التنمية والنمو بل وفي قيم أساسية مثل الاستقلالية والمساواة وحقوق الإنسان لما لها من دور حاسم في تمكين الأفراد والجماعات من تحقيق التنمية.
فالتنمية تسعى لخلق علاقات ايجابية داخل المجتمع تقوم على التعاون والتضامن والعمل من اجل الصالح العام ونحن في عالمنا العربي المعاصر نعاني من مشكلات لا يمكن غض الطرف عنها كالفقر والمرض والأمية والبطالة ، ولا شك أن هذه التحديات تشكل عبئا على الاقتصاد حيث يشكل فقر التنمية الإنسانية قيدا على قدرة الأفراد والشعوب على الاستغلال الأمثل للموارد وبالتالي فإن كل جهود الإصلاح لا تنجح إلا من الداخل بمشاركة الأفراد وبجهود المجتمع المدني الذي يهدف إلى تنمية المجتمعات من خلال الموارد الذاتية مع تشجيع مساهمة الفئات المهمشة كالنساء والأطفال في لعب دور فعال في عملية التنمية لذا لابد من توعية أفراد المجتمعات المحلية بأهمية المشاركة والعمل الجماعي وتدريبهم على مهارات القيادة كخطوة نحو تمكين الأفراد والمجتمعات باعتبار أن المشاركة عنصر أساسي لنمو المجتمع .
القيادة هل هي هبة من الله؟
يعتمد المنظور الحديث في القيادة على أن القيادة ليست هبة أو سمة يولد بها الفرد بل هي عملية تطور تتم عبر الوقت في المجتمع من خلال المشاركة الجماعية في الأنشطة المجتمعية بشكل يسمح بتطوير المهارات القيادية للفرد من خلال التفاعلات النفسية والثقافية للفرد وتتمثل أهم العوامل التي تساعد على تنمية سمات القيادة فيما يلي:
التنشئة الاجتماعية
وحسب تعريف قاموس بلاكويل في علم الاجتماع تعد التنشئة الاجتماعية هي " عملية نقوم من خلالها بخلق ذات اجتماعية وإحساس بالارتباط بأنظمة ما من خلال مشاركتنا في تلك الأنظمة وتواصلنا مع الآخرين" وهذه التنشئة بالطبع عملية مستمرة مدى الحياة إلا أن طرق حدوثها ونتائجها تعتمد على تنوع الخبرات المكتسبة من خلال الأسرة والمدرسة وأماكن العمل والمجتمعات المحلية المحيطة لذا يكتسب الأفراد الايجابيين في المجتمع سمة القيادة بشكل أسرع خلال عمليات التنشئة الاجتماعية.
وتعد الأسرة هي المحضن الأول للفرد في طفولته المبكرة حيث تلعب هذه المرحلة الدور الرئيسي في تشكيل رؤية الفرد للعالم وهناك مجموعة من العوامل التي تدفع الفرد للقيادة والأخذ بزمام الأمور كالظروف الصعبة التي يتعرض لها الطفل كالإعاقة أو غياب احد الوالدين حيث تدفعه لتحمل المسئولية كما أن دعم الأهل للطفل وإشعاره بالثقة في نفسه تساهم في ظهور سمات القيادة كما يلاحظ أن الطفل الذي ينشأ في بيئة فكرية متنوعة تجعله أقدر على تقبل الآخر والتفاعل مع الرأي المخالف ، أيضا تساهم مشاركة الأسر في القضايا العامة في تطوير شعور الأبناء بالانتماء للمجتمع وضرورة المشاركة فيه بفاعلية.
نماذج الأدوار
كما تلعب نماذج الأدوار التي ينشأ معها الفرد دورا فاعلا في تشكيل شخصيته ولا سيما أدوار الأم والأب فالأم الفاعلة ذات العزيمة والقوة في علاقاتها وأنشطتها تعزز صفات القيادة لدى أبنائها خاصة الفتيات كما تلعب صور الآباء دورا في النمو الذاتي فصورة الأب القوي الجاد في عمله والودود المحب لأبنائه تلعب دورا في تطوير الذات.إضافة إلى تأثر الفرد بالدعم المادي أو المعنوي الذي تقدمه الشخصيات المحورية في حياته بشكل يؤدي لتطوير الوعي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لديه مما يوسع من دائرة علاقاته الاجتماعية ويحفزه على مزيد من المشاركة في الأنشطة التنموية.
التعليم التنموي
للتعليم الدور الأساسي في توسيع أفق الفرد وتطوير معارفه واكتساب المهارات اللازمة للقيادة والتفاعل أثناء ممارسة الأنشطة المجتمعية لذلك فان اعتماد التعليم بالمشاركة والبعد عن التلقين والحشو من أهم العوامل المحفزة للقيادة وهو الاتجاه الحديث في التعليم الذي يجعل الطالب وليس المعلم محور العملية التعليمية مع إعطاء مساحة اكبر لتنمية المهارات الحياتية كما أن مساهمة المدرسة في تنمية المجتمع المحلي وانخراط الطلاب في الأنشطة المحلية يساعد على تنشئة قيادي متمرس في العمل المحلي.

السعي نحو التغيير
الفارق الأساسي بين القائد التقليدي والقائد المجدد أن الأول يسعى لتكريس وتقوية الهياكل الاجتماعية والاقتصادية القائمة بينما الثاني يسعى لتغيير الظروف الاجتماعية مما يجعلهم يقفون في مواجهة علاقات القوة القائمة للقضاء على أهم أشكال عدم المساواة المتمثلة في الفقر والتمييز ضد المرأة أو ذوي الاحتياجات الخاصة .إلا أن اتساع نطاق مظاهر عدم المساواة الاجتماعية أو الاقتصادية غير قادر وحده على إحداث أنشطة جماعية أو ظواهر قيادية بل يجب أن يشعر الناس بالألم أحيانا مع شعور قوي بإمكان تغيير هذه الأوضاع بطريقة جماعية .
التطوع مفتاح القيادة
يعد العمل الطوعي نقطة الانطلاق لظهور القيادات خاصة إذا ما اكتسبت المصداقية أثناء تفاعلها مع مشكلات المجتمع ويمكن تعميق المصداقية بالدعم من المؤسسات المحلية كما أن استخدام قنوات الاتصال والتفاعل المباشر بين المجموعات يعمق ويعزز المشاركة والتشبيك بشكل يسمح ببروز السمات القيادية ومن خلال تفاعل الفرد مع المجتمع المحلي أثناء مزاولته للأنشطة التطوعية في المجتمع المحيط به تبرز بعض السمات القيادية مثل:
شعور القيادي انه جزء من مجتمعه.
تشاركه مع أفراد مجتمعه خبرات مشتركة.
إبداء الاهتمام بالمجتمع ككل وبأعضائه كأفراد.
تأصل القناعة لديه أن المشاركة في الأنشطة سوف توفر الموارد التي تلبي احتياجات المجتمع.
يحاول القيادي بناء شبكات وروابط تعمل على حل المشكلات المحلية مما يمهد لتشكيل جماعات ضغط في المجتمع.
يقوم القيادي بتعبئة رأس المال الاجتماعي والموارد المالية والتنظيمية والتواصلية لتحقيق مجموعة من الأهداف الجماعية.
ومع الانتقال من مفهوم "السلطة على" إلى "السلطة مع" بما يضمن بناء المقدرة المجتمعية من خلال تغيير نظرة المجتمع المحلي والتركيز على قيم العدالة والمساواة وهذا لا يتم إلا من خلال تطوير وعي جماعي واجتماعي
لذا فان دور المؤسسات التنموية في إبراز القيادات يتدرج من استخدام أفراد المجتمع في أنشطة محددة سلفا دون أن يدركوا الأهداف أو الخطة ثم يتدرج الأمر إلى مشاركة اسمية باقتصار المشاركة على أنشطة مخططة بعدها يتدرج الفرد للمشاركة الرمزية في مناقشة القضايا العامة ثم يتم تكليفه بأنشطة تطوعية ومع تمرس الفرد يمكن أن يشارك في إعداد مشروع جماعي بالمقترحات أو التشاور وفي هذه الحلقة تبرز الشخصيات القيادية التي تأخذ المبادرة وتعمل على تنفيذ الأفكار على ارض الواقع.
معوقات القيادة
يحمل كل فرد منا صورة ذهنية عن القيادة تتمثل في الشخصية الكارزمية أو البطولية القادرة على حل المشكلات أو الشخصية المتسلطة التي تمنع الآخرين من الحركة والتفكير لا سيما أن القيادة ارتبطت في العالم العربي بالسلطة وبالتالي كانت عائقا في نمو الوعي المجتمعي لذا فقد تمثلت أهم معوقات القيادة في:
السلطة الأبوية سواء في المؤسسات أو على مستوى الأفراد التي تعيق المشاركة الجماعية وتطوير المهارات القيادية إذ أن هذه السلطة تقصر المشاركة على الرجال المتقدمين بالسن وبالتالي تعد تمييزا ضد النساء والشباب باعتبارهم غير مؤهلين للقيام بأي دور مما يحرمهم من فرص تطوير إمكاناتهم.
غياب مفهوم المشاركة داخل البيت في المجتمعات العربية .
الاعتماد على الأسلوب التلقيني في التعامل مع الشباب في المدرسة والبيت والمجتمع.
اعتبار الشباب فئة مستهدفة لا شريكة في إحداث التغييرات.
إبراز صورة النساء في الإعلام في ادوار سلبية بالتركيز على الجمال الجسدي للمرأة باعتبارها سلعة مما يرسخ من عزلهن عن عملية التنمية ويقلل من فرصهن في المشاركة حيث تهتم الفتاة بجمال الجسد وتهمل النمو العقلي والفكري والثقافي .
محدودية الحركة عند الفتيات والنساء نتيجة الفساد الأخلاقي مما يحد من مشاركتهن خوف التعرض للإيذاء.
الوضع الاقتصادي المتدني الذي يحرم الشباب والنساء كثيرا من حقوقهم ويمنع مشاركتهم.
لذا لابد من نشر الوعي في المجتمع المحلي حول المشاركة ومكافحة كل العادات السلبية التي تعيق مشاركة الشباب أو النساء من خلال وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني مع تسليط الأضواء الإعلامية على انجازات القادة من الشباب والنساء ليكونوا قدوة لغيرهم مع تنمية القدرات الذاتية للأفراد وبناء مجتمع معرفي يعتمد على المعلومات والأساليب العلمية في العمل.
المراجع:
القيادة والمشاركة الجماعية : دليل تدريبي حول الأدوار القيادية في تنمية المجتمع العربي 2004، هيئة إنقاذ الطفولة.